رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سوريا للإصلاح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية (1425هـ/2004م)


المـدخـل

علم سوريا.gif

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وسائر أصحابه وتابعيهم، والمستنين بهديهم إلى يوم الدين

تنبثق رؤيتنا المستقبلية الحضارية لقطرنا العربي السوري ضمن منظومتيه العربية والإسلامية، من إيماننا المطلق بإسلامنا المتجدد والذي تتفاعل نصوصه وأصوله مع وقائع الحياة ومستجدياتها، في إطار من مقاصد الشريعة العامة، فتتحقق من خلالها مصالح الأمة، وتنفتح أمامها آفاق الاستخلاف في الأرض، ويتحقق بذلك البعد الأسمى لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .

إن مشروعنا الإسلامي الحضاري لقطرنا العربي السوري يمر عبر المنطلقات الرئيسية التالية:

الأول : رؤيتنا لإسلامنا المتجدد من خلال عقيدته السمحة، وقيمه العليا، وبنيته التشريعية القائمة على العدل- واليسر.

الثاني: جماعتنا الإسلامية الملتقية على كلمة التقوى، والتي تعمل لتحقيق شريعة الله في الأنفس والآفاق من خلال أهداف وبرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتطوير والتقويم والتجديد والمشاركة.

الثالث : رؤيتنا لبناء (الدولة الحديثة) في قطرنا العربي السوري، التي نعتبر بناءها مطلبا عامّاً لجميع أبناء قطرنا، إذ هي في نظرنا المظلة الجامعة التي ينبغي أن تشمل الجميع.

تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، أهمها أنها دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية الأمة العربية الإسلامية وثوابتها، ثم هي ترتكز بعد ذلك على تعاقدية ومواطنة وتمثيلية وتعددية وتداولية ومؤسساتية وقانونية، وهذا يقتضينا أن نوضح رؤيتنا عن مكونات الدولة الحديثة وهي: الوطن، والإنسان، والمجتمع، والسلطة، والنظم، والمناهج، في دراسة مجملة تجمع بين التأصيل والتجديد.

إن الانشغال بحاضر سورية ومستقبلها يمثلان ضرورة لا يمكن تجاوزها عند كل الغيورين على هذه الأمة والوطن ، فسورية اليوم وفي بداية الألفية الثالثة، تمر بمرحلة تحول دقيقة تتطلب تغييرا في المناهج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سادت لعقود، والتغيير هنا استحقاق تاريخي لابد منه، وحتى يكون حقيقيا لابد أن يشارك فيه الشعب عن اقتناع وأمل له ما يبرره في غده ومستقبله.

ورغم ما يبدو في الظاهر من معالم الاستقرار القلق، فسورية تواجه مشكلات تتطلب حلولا متكاملة، وجماعتنا تؤمن أن الإسلام في جوهره التوحيدي وقيمه العليا، وشريعته السمحة، ورصيده في نفوس أبناء الشعب السوري، هو أصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل، ونحن إذ نطرح مشروعنا على أبناء الوطن للنهوض به جميعا، لنرحب بأي تطبيق له من جانب الأفراد والدولة والمجتمع، كليا كان أو جزئيا، ساعين للتعاون مع الجميع في هذا الاتجاه.مذكرين بأننا حين نعتمد على الإسلام بوسطيته واعتداله، لا ندعي أننا جماعة المسلمين، ولا أننا أوصياء على الناس باسم الإسلام، وإنما أصحاب مشروع نعرضه على الناس، وسبيلنا إليه هو الحوار المتكافئ مع كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية، و الدينية، حوار بالتي هي أحسن، لا تضيق معه العقول عند فكرة، ولا تضيق منه الصدور عند اختلاف الرأي.

نتقدم بوصفنا شريحة من شرائح الشعب السوري، نعيش واقع الناس الذي يعيشونه، ونتواصل مع أبناء المجتمع ونحمل آماله وآلامه وهمومه، ونؤمن بالتفاعل الضروري مع كل عناصر الأمة وفئاتها دون اختزال أو تهميش لأحد، فالمسؤولية عن الدين والوطن مسؤولية الأمة بكاملها بتنظيماتها الرسمية والشعبية والحكومية والمعارضة، ولذلك فالتعاون مع كافة التيارات الوطنية أمر طبيعي وضروري. يتكون مشروعنا من كتابين رئيسيين:

الكتاب الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية التي تشكل خلفية المشروع.

الكتاب الثاني: سياسات المشروع و البرنامج العملي .

ونحن بصدد إخراج كتاب تأصيلي للقضايا المعاصرة المطروحة في المشروع، يخص كل من يبحث عن المرجعية الشرعية للأفكار الواردة فيه.


مشروعنا السياسي

  • رؤية إخوانية لسورية المستقبل، نتقدم به للشعب السوري ولكافة قواه الفكرية والسياسية الحاكمة.
  • كلمة سواء موجهة لجميع أبناء الوطن، تتطلب تعاون كل الخيرين الحريصين على نهضة الوطن ورفعة شأنه.
  • إعلان مبادئ وتوجهات نقدمها من خلال فهمنا لشمولية الإسلام، وواقع شعبنا السوري.
  • مشروعاً يهدف لخدمة الوطن بكل فئاته من خلال قيم الإسلام ومبادئه العادلة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جماعتنا طرحت سابقاً ميثاق الشرف الوطني في 3/5/2001م ، وهو يمثل الدعوة إلى إطار مشترك تلتقي عليه جميع القوى السياسية، والنخب الفكرية في سورية، داعيا إلى الحرية، وتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، والاعتراف المتبادل بين جميع الفرقاء على أرض الوطن، ونبذ العنف، واعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة لتحقيق الأهداف، أما المشروع الإسلامي الحضاري الذي نقدمه هنا، فهو رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وبرنامجها الذي تقدمه ضمن هذا الإطار المشترك، من خلال فهمها لمشكلات سورية، وحلها على ضوء فهمنا للإسلام. ونحن نثق بقدرات الشعب السوري بحكم عراقته الحضارية، وقيمه الدينية والأخلاقية، لكي يختار مبادئ الحق والعدل والحرية، عندما تتاح له الفرصة الحقيقية للاختيار، ونثق كذلك بقدرة شعبنا على مقاومة كل أشكال القهر والاستبداد والفساد، وسعيه إلى إقامة نظام حكم قادر على تحقيق النهوض الحضاري الشامل الذي يؤهله إلى الفوز بمكانته اللائقة في العالم.


الباب الأول : منطلقات المشروع

لقد كون الإسلام بعطائه النظري والعملي على مرّ العصور ذاتية الأمة، وصاغ هويتها، وبنى أساسيات القوانين النفسية والعقلية والعملية فيها. فعلى أساسه تتحدد تلك القوانين تلقائياً، وفي ضمير الكثرة الكاثرة من أبناء هذه الأمة، تتضح معايير: الحق والباطل، والخير والشر، والحسن والقبيح. فالإسلام بالنسبة إلى الفرد، وإلى الجماعة بوصلة ذاتية (جوانية)، تؤشر بإيجابية باتجاه ما يعتقد الجميع أنه الحق والخير والجمال، ويشعر كل من خرج عن اتجاه هذه البوصلة، أنه مطالب: نفسياً واجتماعياً بتقديم معاذيره من تأويل أو تسويغ، حتى لا يقع في دائرة (المنكر) الذاتي أو الاجتماعي أو الشرعي.

وإذا كان الكثير من الدراسات والفلسفات قد قامت منذ فجر التاريخ، وحتى العصور الحديثة حول: ماهية (الحق) ومرتكزاته، وما الذي يجعل أمراً ما جميلاً أو قبيحاً؛ فإن المسلمين بشكل عام لم يختلفوا، حتى العصر الحديث على الأقل، حول طبيعة القيم، ودوائر فرزها، وإن كانوا قد أفسحوا مجال الخلاف حول: الحسن الشرعي و العقلي فيها.

إن الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين: الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري، يتصدى لتحديات الواقع، وما فيه من أسن وركود أو قهر وبغي وظلم.

والشريعة الإسلامية: نصوص ثابتة، ومقاصد عامة، واجتهاد متجدد ينزل النصوص على الوقائع وفق أصول الفقه الإسلامي وقواعده وضوابطه. فكأن هذه النصوص تنزل على هذه الأمة ندية طرية، كما نزلت على الجيل الأول، فتحدد مسارها، وتضبط حركتها، وتعالج مشكلاتها، وتلبي تطلعاتها وأشواقها. أو بعبارة المتقدمين من الفقهاء (تحقق المصالح وتدرأ المفاسد) وفق منظومة من الأولويات (الضروري والحاجي والتحسيني) وفي متوالية من الأساسيات تتجلى في حفظ (الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال) وهي متوالية فقهية ما تزال مفتوحة أمام المجتهدين من علماء هذه الأمة حسبما يقتضيه واقع الحياة ومتطلبات العصر.

إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما في كل عصر، وعند كل نازلة ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.. ) وأي حال لأمة غاب عنها ولي أمر راشد، وصاحب علم يستنبط ما يلبي حاجاتها، ويحقق مصالحها ؟!

وكما كان للبعد الزماني بالانتقال من عصر إلى عصر، خصوصيته في فهم النص الشرعي، وفي الاستنباط منه ما يوافق حاجات المسلمين، فإن للبعد المكاني أيضاً أثره في هذا الفقه، إذ من قواعد الفقه المقررة (تتغير الفتوى زماناً ومكاناً.) وقد سبق أن كان للإمام الشافعي مذهبان قديم عراقي وجديد مصري. وبالتالي فإن الواقع الاجتماعي بكل أبعاده: الفكرية والثقافية، والسلوكية، من عادات وتقاليد، وأنماط للعيش، كل ذلك الواقع الذي يعد أساسا لحياة الناس، تستند عليه الرؤية النهضوية لأي مشروع حضاري، تعتمد الصالح منه، وتقوم المعوج، وتضبط الإفراط أو التفريط فيه.

وفي أساسيات مشروعنا العام، أننا لا نتحرك في فراغ، ولا ننشئ أمة من عدم، وإنما نستند على تراث إسلامي اجتماعي عمره ألف وأربع مائة عام أو يزيد، صحيح أن هذا التراث قد دخل عليه القليل أو الكثير من الخلل هنا وهناك، إلا أنه مازال، في اجتهادنا، أساساً صالحاً للتقويم والتسديد.

إن الواقع الاجتماعي لشعبنا، وما يزخر به من عقائد وأفكار وعادات وتقاليد، يشكل أرضية مادية ملموسة لمشروعنا الحضاري، وهذا الواقع موضوع في دائرة النظر والتأمل، يقبل منه ما أقرته الشريعة، وتحققت به المصلحة، وقام عليها بنيان الحياة، وينفى عنه وعن الحياة عامة، ما كان تركة جهل، أو ركام تخلف، أو ما تجاوزته طبيعة العصر وحركة الحياة.

إن من صميم موقفنا الشرعي والحضاري أن الحكمة ضالةٌ لنا، ومهما كانت مشاركتنا في بناء الحضارة الإنسانية كبيرة أو ضئيلة، فإننا نعتقد أن ثقافات الأمم، وتجارب الشعوب، ومعطيات الحضارة الإنسانية بشقيها المادي والمعنوي هي مصدر إغناء لمشروعنا الحضاري، (فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها ) والاستفادة من تلك المعطيات يبقى محكوماً بالضوابط الشرعية والمصالح المشروعة.

ولا بد لنا من التأكيد على بعض الحقائق أو القواعد الشرعية، نتخذها إطارا عاما يحف موقفنا الشرعي، ويضبط تحركنا السياسي.من خلال نصوص الإسلام الثابتة وقواعده الكلية ومقاصده العامة التي ترشد إلى المعاني التالية:

1 وحدة الخالق وتكريم المخلوق:

(هو الله الذي لا إله إلا هو)، خالق كل شيء ومليكه، مالك الملك ، لا رب سواه، ولا معبود بحق غيره، (ألا له الخلق والأمر) واحد في ألوهيته، وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، والبشر كلهم أسرة واحدة، ربهم واحد، وأبوهم واحد، و هم مشمولون جميعاً بالإعزاز و التكريم ، فرعاية حقوقهم وحرماتهم واجب مفروض على الدولة و المجتمع و الأفراد، من أدٌاه استحق الجزاء في الدنيا و الآخرة و من قصر فيه أو انتهكه استحق العقاب في الدنيا والآخرة . قال تعالى:

(ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) .

لقد كرم الإسلام الحياة البشرية تكريما عظيما فجعل حياة الفرد الواحد و حريته و كرامته تساوي في أهميتها من حيث المبدأ حياة الإنسانية جمعاء. قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) .

2 الإنسان مستخلف في الأرض:

اقتضت إرادة الله أن يكون الإنسان خليفة في الأرض، وأن يكون الإنسان الذي يستمد قوته من الله هو القوة العاملة في هذا الوجود (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) ، وأن يكون التغيير الرباني مرتبطا بإرادة الإنسان نافذا من خلاله ممتزجا بكيانه كله من عمل وفكر وشعور (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

3 الإنسان والحرية:

جعل الإسلام الحرية أساسا من أهم الأسس التي بنى عليها تشريعاته -فالحرية شرط التكليف في الدنيا- وقد صانها صيانة لم ترق إليها التشريعات البشرية، بما أوجبه من عدل يشمل الناس جميعا، ومن شمول يستغرق كل جوانب الحياة ومن توازن بين الفرد والمجتمع.

لقد ضمن الإسلام حرية الفكر والعقيدة ونهى عن القول بمجرد الظن ، أو العمل بمجرد التقليد والعادة، ومنع الإكراه في الدين، وأمر بالقسط في المعاملة, قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) .

ومن هنا كانت الحرية قيمة من أهم القيم في المجتمع الإسلامي، ونحن نعتبرها الثمرة الأولى للتوحيد، باعتبار أن التعبد لله يحرر الفرد من أي عبودية لأي إنسان مهما علا مقامه، والإسلام الذي كرم الإنسان بالعقل والإرادة يمنع أن تصادر حريته باسم المصلحة، أو أن يتسلط بعض الناس على بعض تحت أي ذريعة.

4. العدل بين جميع البشر:

حرم الإسلام الظلم والعدوان ، وأوجب العدل والإحسان ، وأمر بالقسط في المعاملة مع جميع الناس، وجعل ذلك أساس الملك وقوام الحياة وشرط الأمن والاستقرار والشرعية.

قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) .

كما أمر الله تعالى بإقامة الحكم العادل في الأرض، وقال مخاطبا المؤمنين: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) .

والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان، إلى أمانة الشهادة لهذا الدين بدعوة الناس إليه وإقامة نموذجه الصالح الذي يحكم بين الناس بالعدل- وليس فقط بين المسلمين بعضهم ببعض- فهذه الصفة –صفة الناس- هي التي يترتب عليها العدل الذي يشمل البشرية جمعاء.

5. التنوع للتعارف والحوار:

خلق الله الناس وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى وعلى ما فيه خير الإنسان ومصلحته العاجلة والآجلة، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) ، وقال جل من قائل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) . و بذلك قرر الإسلام أن التعددية سمة من سمات المجتمعات البشرية، يجب التعامل معها بإيجابية لا تفرق بين الناس حسب أعراقهم وألوانهم لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم. و أن التنوع العرقي واللغوي مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ، والتعارف تواصل حضاري بين الشعوب فيه اعتراف بالآخر وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء والمجادلة بالتي هي أحسن.

6. العالم ساحة دعوة إلى الله:

الأصل في الدعوة إلى الله هو المسالمة والتعاون على البر والتقوى وخطاب العقل والضمير، والدعوة إلى سبيل الله لا تكون بغير الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، إذ (لا إكراه في الدين ) وحساب الجميع على الله سبحانه وتعالى يوم يلقونه، أما القتال والسيف فهو في منهج الرسالة سبيل إلى رد العدوان وصد الفتنة ، وليس أسلوبا في التبليغ والدعوة.

وقد أصبحت الدعوة الإسلامية متاحة في كل أصقاع الأرض، وأصبحت البلاد التي لا تعيش فيها أغلبيات مسلمة ولا تحارب المسلمين ساحة للدعوة والبلاغ الذي هو أساس مهمة هذه الأمة (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) .

7. الجهاد في سبيل الله :

حض الإسلام على الجهاد باعتبار أنه قيمة إسلامية عظيمة، وسلوك تحكمه الضوابط الشرعية والأخلاقية، فالجهاد بمعنى المصابرة والمجاهدة والصبر على الأذى ماض إلى يوم القيامة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ، والجهاد بمعنى القتال فهو ماض إلى يوم القيامة كذلك طالما أن هناك اعتداء على المسلمين باحتلال أرضهم أو ظلمهم أو فتنتهم عن دينهم أو الوقوف حائلا بينهم وبين تبليغ دعوتهم. يقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) .

كذلك فإن أحد أهداف الجهاد الأساسية هو إنصاف المظلومين ونصرة المستضعفين في الأرض كما فال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياَ و اجعل لنا من لدنك نصيراً) ، وهذا المفهوم الإسلامي يجب أن يأخذ طريقه إلى السلوك الدولي بشكل قوة دولية عادلة مهمتها مساعدة الشعوب المستضعفة التي تتعرض حقوقها للانتهاك ، وأفرادها للإبادة الجماعية.


8. الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط:

والشريعة الإسلامية نصوص، ومقاصد، وقواعد، وبناء كلي يضع الأسس العامة لحياة إنسانية رشيدة، من غير حرج ولا إصر، تستهدف بناء مجتمع العدل والإحسان في جميع الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي إطار ما اصطلح الفقهاء على تسميته (جلب المصالح، ودرء المفاسد) على أسس من ضوابط الشريعة وثوابتها. وإذا كان للجريمة حجمها في كل المجتمعات الإنسانية، فإن للعقوبة أيضاً حجمها المكافئ، وربما من المفيد أن نؤكد في هذا المقام أيضاً، أن قوس الجريمة والعقاب، لا يعني إلا النسبة الضئيلة من أبناء المجتمعات السوية. ومع ذلك نلحظ أن بناء الشريعة الإسلامية على بهائه وفرادته، يكاد يحصر من قبل الكثير من أعدائها، وبعض أصدقائها، في دائرة الجريمة والعقاب !! إننا هنا لا نريد أن نستثني هذه الدائرة المهمة من دوائر التشريع الإسلامي، ولا أن نقلل من شأنها ، وسنصير إلى مناقشة أبعادها وحكمتها في مكانها من منظومة الرؤية الشرعية، ولكننا لا نريد لهذه الحجرة في التشريع الإسلامي، أن تطغى على البناء كله، وأن تغيّب مقاصد الشريعة العامة في حفظ عقائد الناس، وحياتهم وأموالهم، وفي إقرار العدل والمساواة والتكافل، ولا نريد لهذا الجزء من التشريع الإسلامي، وإن كان صميماً، أن يطغى على كليِّ الشريعة في نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وما في هذه الأنظمة من حرية وطهر وسمو.


9. شريعة: تضع الإصر، وتوسع دائرة العفو:

إن إجماع الأمة قائم على سماحة الشريعة، جاءت به النصوص، وأكدته القواعد. (وما جعل عليكم في الدين من حرج ) (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونـه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنها إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) وفي دعاء المؤمنين ( ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ).

إن توسيع دائرة (الحظر) حتى لتكاد تكون هي الأصل في الأحكام الشرعية لمما يتنافى والأصل الشرعي المعتمد باعتبار الإباحة أصلاً في الأحكام، كما يتنافى مع توجهات النصوص الشرعية القائمة على تحديد دوائر الحظر، وإطلاق دوائر الإباحة والعفو. (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير لله به )


10. التدرج:

وفي رؤيتنا النهضوية لواقع الأمة ومستقبلها، نرى أن الجهد لإصلاح البناء، جهد استمراري تدرجي، فلا نهاية لسعي ينشد الكمال، كما أن الطفرات الاجتماعية أو الحضارية، تنافي روح النمو الطبيعي الذي يستند على قواعد صلبة، وجذور قوية. وهكذا كان المنهج الأساس للدعوة الربانية، وهو منهج يسبغ روحه على أي تحرك إسلامي، قاصد، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلاً ) يؤمن بالرفق ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) ويرفض الانبتات ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق. فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى )، (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)


11. التيسير والتبشير:

إن سياساتنا في هذا المشروع إنما تأخذ بمجامع هذه الرؤية في نقاطها العشر السابقة في إطار من روح التيسير والتبشير أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا ) وقول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ). وسيكون اليسر والتبشير خيارنا في ظل ضوابط الشرع، وفي دائرتي المباح والعفو، وسيكون لنا اجتهاد قاصد لبناء سورية الحديثة: إنساناً ومجتمعاً ودولة على أصولنا الراسخة، وفي فضاءات العصر الذي نعيش. على ضوء فهمنا للشريعة الإسلامية. وسيبقى مشروعنا السياسي رؤية عصرية مرحلية للخروج بقطرنا العربي السوري من وهدة التخلف إلى يفاع العصر ليكون شريكاً في الإنجاز الحضاري الإنساني.


الباب الثاني : في التجديد

الفصل الأول: الإسلام المتجـدد

إن عقائد الإسلام خالدة، وهي غضة طرية دائماً في كتاب الله، والصحيح من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هذه العقائد، لا تقبل التطوير أو التجديد، وإنما يتناول التجديد طرق عرضها، وبراهين تأكيدها، وأساليب حياطتها والدفاع عنها.

ثم إن الإسلام، ثانياً، عبادة خالصة مجردة، يلتزم بها الفرد، كما تلتزم بها الجماعة، شعائر ومناسك مقررة واضحة، فتسمو بها الروح، وتتجدد الحياة. والجانب الزمني في شرائط هذه العبادات وأركانها جانب ثابت أيضاً. فإن التجديـد لا ينال جوهر هذه العبادات ولا صيغها.فالذكر، والدعاء، وتلاوة القرآن، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، صور للعبادة الإسلامية المجردة، التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه، تبقى طرائق أدائها، متطابقة على مرّ الزمان. وربما يدخل التجديد على بيان الحكمة منها، وانعكاساتها الإيجابية الروحية والمادية على حياة الفرد والمجتمع، كما فعل الإمام الغزالي في يوم من الأيام حينما راح يتحدث عن حقيقة الصلاة والصوم والزكاة، من منظور روحي يجسد حقيقة هذه العبادات. كما يمكن أن ينال التجديد أساليب تعليم هذه العبادات، والدعوة إلى الالتزام بها، والحض على القيام بحق الله فيها.

ولقد أدت المذاهب الفقهية الإسلامية دورها في التفصيل في أمر هذه العبادات، وفي شروطها وأركانها وسننها وآدابها، وهذا لا يلغي حق العلماء في أي عصر بالاختيار والترجيح بين الآراء المتعددة، أو في طرح اجتهادات جديدة في بعض أحكام العبادات القابلة للتعليل، بما يتناسب مع مقاصد الشريعة وتطور الحياة ومصالح الناس، ولا يتعارض مع صراحة النصوص.

ثم إن الإسلام، ثالثا، شرع المعاملات بين الناس، وأوضح فيها الحلال والحرام في كل نواحي الحياة في البيع والشراء، والزواج والطلاق، والميراث، والجهاد والحدود، وغير ذلك مما هو مذخور في أبواب الفقه الإسلامي، وجعل مناط المعاملات المصلحة للناس.

إن الإسلام يضع الأسس العامة لمنظومة العلاقات التي تحدد علاقة الفرد بالفرد، والفرد بالجماعة، والجماعة بالمجتمع،والمجتمع بالدولة، والدولة بالدول. وعلى جميع محاور الحياة: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والمقاصد العامة لهذه المنظومة مذخورة في النص الشرعي، ومفتوح لأبناء كل جيل اختيار صيغها (الظرفية) بما يناسب واقعهم، ويحقق مصالحهم. على أن يردوا ذلك إلى (أولي الأمر) الذين يستنبطونه منهم.

ولقد كان لفقهاء المسلمين في عصورهم المختلفة قراءتهم للنص الشرعي، ولقد كانوا في كل قرن يحاولون المواءمة بين فقه النص وفقه الواقع فيما يعرف اصطلاحاً باسم (الاجتهاد)؛ ثم جاءت عصور جمد المسلمون فيها على بعض الآراء دون مراعاة تغير الزمان والمكان، حتى حصلت فجوة كبيرة بين الرؤية الشرعية الاجتهادية وواقع الحياة، فتخلفت الأولى عن مواكبة مستجدات الحياة، وبدا الفقه الإسلامي في بعض حالاته كزي قديم يلبس في غير عصره، أو كمنافس في مضمار غير مضماره.

ولم يكن ذلك القصور بسبب الانفصام بين الرؤية الفقهية والحياة الواقعية فقط، بل أيضا بسبب تجاوز كثير من حكام المسلمين منذ قرون متطاولة حدودهم، حيث حولوا الدولة الإسلامية إلى ملك عضوض، وهدروا كثيراً من القيم والأساسيات الشرعية، فتطورت الحياة الرسمية (السياسية) في العالم الإسلامي بعيدة نسبياً عن روح الإسلام وشريعته، في مرتكزاتها العامة القائمة على الشورى والعدل.

واليوم ونحن نستشعر حاجة ملحة لردم الهوة بين رؤيتنا الفقهية وواقع حياتنا في أطرها المختلفة تبدو الأمة مطالبة بمباشرة نهضة تجديدية، تقوم على أسس منهجية شرعية قويمة، تعيد تنظيم العلائق بتطوير ما يتطلب الواقع تطويره، تحت قوس النص الشرعي، وفي إطار بحبوحته التي تفيض رحمة ويسراً. إن حديثنا عن تأسيس الإسلام للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تعني أن بمقدور الفقيه المسلم، أن يقيم البناء الملائم لعصره على هذه الأسس، وبما يخدم مصالح المسلمين. وبالتالي فإن المسلمين مطالبون بأن يحملوا على كاهلهم عبء تنزيل النص على واقع الأمة، وعلى واقع المنطقة التي يعيشون فيها.

فعلى أساس من تقوى الله سبحانه وتعالى، يقوم جهد بناء مشروع نهضوي إسلامي لسورية المستقبل، منطلقاً من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مستهدياً بمقاصد الشريعة العامة. يعيد قراءة النص الشرعي، ليعيد المواءمة بين الرؤية الشرعية وواقع القطر العربي السوري، مقدراً بدقة الإمكانات العامة للقطر، وحسابات نقطة البداية، وما يتداخل فيها من مؤثرات، معتبراً التدرج الحثيث في الوصول إلى الهدف، مميزاً بين ما يمكن البناء عليه، وما ينبغي أن يبذل الجهد للتخلص منه.


الفصل الثاني : جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب

مثلت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حركة تجديدية بالمعنى الشامل للإسلام. واعتبر كثير من علماء الأمة مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله تعالى، أحد مجددي القرن، وذلك بما قدمه من رؤى وما أسسه من قواعد، وما طرحه من أهداف ووسائل. وإذا كان لنا أن نختصر جهد الإمام رحمه الله تعالى في أسطر قليلة، فيكفي أن نشير إلى أنه قد نجح في إعادة بناء تصور شامل عن الإسلام: العقيدة والشريعة ومنهج الحياة، ثم أهم من ذلك في بناء القاعدة البشرية الحية التي تؤمن بهذا التصور، وتحمله رسالة جامعة تجاهد من أجله، وتتحمل الآلام في سبيله. ولقد استطاع الإمام البنا أن يعيد بناء التصور الإسلامي منطلقاً من ثوابت الإسلام الكتاب والسنة، متجاوزاً الكثير من ركام السنين، ومن أوضاع المسلمين.

ومن مصر انتقلت الحركة المباركة إلى بقية الأقطار العربية، ومنها سورية، على يد مؤسس الحركة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى. إلا أن حق التاريخ علينا أن نوضح أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية لم تنطلق من الصفر. وإنما قامت على أركان جماعات محلية صغيرة متناثرة في المحافظات السورية، كما ضمت بين جناحيها نخبة من رجال العلم والدعوة، أسهم كل واحد منهم في تغذية الحركة، ودفع مسيرتها إلى الأمام.

وقيام (جماعة) إسلامية تتبنى الإسلام بشموله ونقائه ووسطيته، لم يكن قط هدفاً مستقلاً قائماً بذاته، وإنما كان وسيلة إسلامية، في تحريك حالات الركود والجمود والإخلاد إلى الأرض، التي تصيب المجتمعات في مراحل ضمورها وانحسارها.

وقيام جماعة إسلامية من هذا النوع، لا يعني سلب الإسلام من الآخرين، ولا تجريدهم منه، كما لا يعني الاستئثار في تمثيله والتحدث باسمه، ومصادرة حق الآخرين في القيام بأمره، مادامت حركتهم ضمن دائرة الخطاب الإسلامي العام، وعلى أسس المنهج الإسلامي القويم. وكان التأكيد على أن قيام الحركة إنما هو صورة من صور الاستجابة لقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون ) وقوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ).

ولقد حدد هذا التصور الأولي لمهمة الجماعة ودورها، الأفقَ العام للقناعة الذاتية لقيادات الجماعة ولأبنائها على حد سواء.

ولئن كانت مسيرة الجماعة خلال العقود السابقة لتؤكد على أنها تستهدي بتراثها، وتعتز بأصالتها، وتجدد في أساليب حركتها، فإننا لنؤكد على أن جماعتنا اليوم في مرحلة تجديد الذات عن طريق مراجعة الماضي وتأمل الحاضر واستشراف المستقبل، وهي تسعى لتكون الحركة الإسلامية الوسط لتطبيق شريعة الله في حياة عباده بالاعتماد على أصول الدين والاستفادة من التجارب البشرية في مجالات التقدم والإصلاح ببرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتقويم.


وهي تعتمد في مسيرتها على المفاهيم التالية:

1. تؤمن الجماعة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وينظم العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان والإنسان ، وهو بذلك دين عبادات ودين معاملات وتشمل تشريعاته كل الجوانب الروحية والثقافية والاقتصادية والسياسية للحياة. وتؤمن كذلك أن الإسلام لا يفصل الدين عن السياسة على أننا لا ندعو إلى دولة ثيوقراطية فنحن لا نقبل الشمولية التي تغلف الاستبداد البشري بالمقدس الديني ،وتفرق بوضوح بين النصوص الإسلامية القطعية الثابتة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وهي نصوص مقدسة وبين اجتهادات المسلمين القديمة والمعاصرة و التي تخضع للمراجعة والمناقشة ولا تحمل صفة القداسة.

2. تؤمن الجماعة أن الحكم العادل هو أحد الأهداف الكبرى في الإسلام، وأن الاستبداد السياسي هو عدوان على كرامة الناس وحقهم في اختيار النظام الذي يريدون لتحقيق إرادتهم ومصالحهم, وحقهم في مساءلته ومحاسبته وتقويمه (إن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فقوموني)، وتؤمن كذلك أن الإسلام بقيمه وأحكامه هو خير منطلق لتأسيس الحكم العادل الذي يحقق مصالح الناس في الدنيا والآخرة.

3. تدعو الجماعة إلى الوسطية والاعتدال وتبني منهج الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة إلى الله عز وجل، وهي تنظر إلى الحركات الإسلامية الأخرى و العاملين للإسلام في سوريا نظرة احترام وتقدير وتناصح في الدين وجدال بالتي هي أحسن وتعاون على البر والتقوى، كما قال البنا في قاعدته الذهبية: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)،وهي إن اختلفت معهم في جانب أو تصور اتفقت معهم في جوانب و تصورات.

4. تتعامل الجماعة كذلك مع الحركات والأحزاب غير الإسلامية من منظور القواسم المشتركة في سبيل مصلحة الأمة والوطن، وهي تؤمن بالحوار الفكري السياسي والتفاعل الضروري بين كل عناصر الأمة وفئاتها وتجتهد لتكون عنصر تقريب وتوحيد لا عنصر تباعد وتفريق وتشجع كل اجتهاد ثقافي أو اجتماعي أو سياسي لا يتعارض مع قواطع شرع الله، وتتفاعل معه.

5. تؤمن الجماعة بتغير الحلول مع تغير الظروف والمعطيات ، وترى الإسلام ديناً تتفاعل نصوصه مع واقع الحياة ويقدم لها الحلول في إطار مقاصد الشريعة العامة، وهي لا تغفل في مسيرتها فقه الأولويات ووضع كل هدف في مرتبته، وكذلك فقه الموازنات الذي تغلب فيه المصالح على المفاسد من خلال الواقع المعيش، وكذلك الموازنة بين المصالح بعضها وبعض، وبين المفاسد بعضها وبعض، في ضوء معايير سليمة ومعتبرة.

6. تفرق الجماعة في التعامل بين العقيدة و العبادة، و الشريعة، فالعقيدة والعبادة تؤخذان جملة واحدة، أما الشريعة فالأصل في إبلاغها للناس تطبيقها في واقع الحياة التدرج ، وكما أن عرى الإسلام تنقض عروةً عروة –أي تدريجياً- فإن العودة إليها يجب أن تكون كذلك، فنقل الناس إلى الانضواء من جديد تحت لواء الإسلام في تنظيمه الشامل لحياة الناس يقتضي التدرج في التطبيق، و لا يقال هنا إن التدرج قد أغلق بانقطاع الوحي وإكمال الدين، فليس الأمر تدرجاً في التشريع وإنما هو تدرج في التطبيق وبغيره تفوت المصالح ويقع الحرج ويعرض الناس جملةً عن الشريعة.

7. تحرص الجماعة على الاستفادة من تجارب الآخرين –فالحكمة ضالة المؤمن – وهي ليست حكراً على أمة دون أمة ولا على جيل دون جيل ، ولو كانت كذلك ما دعا الحق سبحانه وتعالى المؤمنين إلى أن يسيروا في الأرض وأن ينظروا ...كما تحرص على وضع حد لما هو شائع بين بعض دعاة الإسلام من استخفاف بتجارب الأمم والشعوب في مجال النظم السياسية والاقتصادية بدعوى أن المسلم لا يحتاج إليها أو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يفرط في الكتاب من شيء و ترى أنه لا يجوز الرفض المطلق ولا القبول المطلق لأي مذهب أو نظرية من نظريات الإصلاح السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي لأن الأمر مرهون بمصالح الأمة المنضبطة بميزان الشرع، وقد اقتبس عمر رضي الله عنه من أنظمة الدول الكبرى المعاصرة له، ولم يجد من الدين ما يمنعه من ذلك.

8. وتؤمن الجماعة أن مصلحة الأمة وأمنها واستقرارها يكمن في حرية العمل العلني للأحزاب والجماعات، فالأصل في الدعوة العلن و العمل السري هو الاستثناء وإن طال، و هذا لن يتم إلا بإقرار الحريات العامة ، وإشاعة ثقافة الحوار في المجتمع بدل ثقافة الإقصاء و ثقافة التعايش بدل ثقافة الاستئصال، ..وقد كان العمل السري ملجأ للجماعة من الممارسات القمعية التي واجهتها .. وانعكس ذلك سلباً على العمل برمته .. فالنمو الطبيعي و الطاقات البناءة المتسامحة لا تظهر إلا في أجواء الحرية والعدل ، ولذلك فإن الجماعة تطالب بالحرية وبحقها في التعبير عن نفسها بشكل علني، وطرح برامجها بالطرق السلمية والديمقراطية .

9. تستنكر الجماعة الإرهاب سواء كان إرهاب دولة أو إرهاب الأفراد والجماعات، وتدعو لتعريف واضح له حتى لا يبقى ذريعة لمحاربة المستضعفين، وهي تعتبر الجهاد ضد المحتل حقا مشروعا أقره الإسلام، كما أقرته سائر الشرائع السماوية، والمواثيق الدولية، وقد مارسته الشعوب لتحرير بلادها في مختلف الأمكنة والأزمنة.

10. منذ تأسيسها عام 1945م كانت الجماعة وعبر مسيرتها وتاريخها فصيلا وطنياً يمثل تياراً شعبياً تعايش مع كل الفصائل السياسية في سورية سواء من وافق فكرها أو خالفها وهي لا تُقِرُّ أسلوب العنف؛ وما حصل في الثمانينيات من مواجهة مسلحة كان حالة استثنائية في تاريخ الإخوان وتاريخ القطر السوري أيضاً، فالإخوان قبل الثمانينيات ومنذ تأسيس تنظيمهم أصحاب خطاب منفتح يؤمن بالحوار والتعايش مع مختلف القوى على الساحة السورية وقد أسهموا في الانتخابات والمجالس النيابية و الوزارات ولم يعتمدوا الانقلابات العسكرية وسيلة للتغير. وبعدها عانت سورية سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها انقلاب عام 1963م الذي قاده حزب البعث ضد حكومة وطنية منتخبة -كان الإخوان والبعثيون أنفسهم مشاركين فيها!- واستولى على السلطة وكرّس نظام الحزب الواحد ونصب نفسه قائد الدولة والمجتمع ، واحتكر السلطة وحمى نفسه بمنظومة من الأجهزة القمعية والأمنية ، واتبع أساليب ثورية انقلابية عنيفة وضعت أمام المعارضين خيارات تراوحت بين العمل السري أو السجن أو القبر أو المنفى ؛ وبما أن الدولة القمعية لا تنتج إلا معارضة عنيفة فقد أفرز عنف الدولة هذا عنفاً مقابلاً له عند المعارضين بلغ أشده في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما اندلع نشاط معارض مسلح ضد السلطة شارك فيه الإخوان المسلمون قمعته السلطة بوحشية ونتج عن ذلك خسائر باهظة دفع ثمنها أبناء الوطن جميعاً, أزهقت فيها أرواح بريئة، وانتهكت حرمات مصونة، ولا تزال آثارها باقية في السجون والمنافي والفرز الاجتماعي الحاد وشعور السوريين على اختلاف انتماءاتهم باليأس وانسداد الأفق.

والجماعة إذ تدعو اليوم إلى نبذ العنف وإلى الحرية والتعددية السياسية، فإنها تدعو إلى ذلك انطلاقاً من مبادئها ولا يشكل هذا انقلاباً على خطاب الثمانينيات الذي نسميه (خطاب الأزمة) بل هو عودة إلى الأصل.

وإذ تراجع الجماعة مواقفها فإنها تعتقد أن المراجعة من جانب واحد لا تكفي حتى يحدث التغير المنشود ، فالمراجعة كذلك مطلوبة من قبل الحزب الحاكم ، ومن جانب التيارات السياسية والثقافية الموجودة على الساحة السورية أيضا , و الجميع مدعوون للتخلي عن فكرة الإقصاء و التهميش والاستئصال ، والشروع في مصالحة وطنية وعقد وطني جديد


الباب الثالث : مرتكزات الدولة الحديثة

مقدمة:

ترى الجماعة أن الإصلاح السياسي وإقامة الحكم العادل هو المدخل الحقيقي والأساسي لكل أنواع الإصلاح الأخرى، وترى كذلك أن مبادئ الحكم الدستوري في الدولة الحديثة تنسجم في مجملها مع تعاليم الإسلام في الشورى، ونظمه وقواعده في شكل الحكم.

فالشورى هي الهوية الكبرى للحياة الإسلامية في كل مرافقها وهي في النظام السياسي الإسلامي أوثق صلة، وقد حددها قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون) ، والجماعة ترى أن الحكم البرلماني الانتخابي الذي يستند لشرعية صناديق الاقتراع الحر النزيه هو أحد وسائل التطبيق العملي والمعاصر لهذا المبدأ الأساسي الأصيل.

كما أن أول من وضع أسس المواطنة في الأرض العربية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين دون وثيقة المدينة المنورة التي ضمت المهاجرين والأنصار وغيرهم من الطوائف والقبائل، ووادع فيها يهود، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم.

وقد أصل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لمفهوم الدولة التعاقدية، في خطبته الشهيرة، عندما ولي الحكم: (أيها الناس، إني وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم).

أما التعددية السياسية في المجتمع، فالجماعة تنظر إليها كنتاج طبيعي لحرية الفكر والاعتقاد، مصداقا لقوله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين) ، وإذا كان الإسلام يكفل للناس حرية اختيار عقيدتهم الدينية، فمن باب أولى أن يكفل لهم حرياتهم السياسية. ونحن نعتقد أن إتاحة الحريات السياسية للجميع، فكرا وتنظيما، ليست من التفرق الذي نهى عنه الإسلام، والذي يمزق وحدة المجتمع، بل هي الطريق للمحافظة على الوحدة، مع التنوع الطبيعي لمختلف أطياف الأمة الذي يطلق الطاقات، من أجل بناء مستقبل أفضل.

ولا ننسى كذلك أن الإسلام حدد للدولة بعدا أخلاقيا، ومبادئ داخل أرضها وخارجها، مع أعدائها، ومع أصدقائها، وهي مبادئ تؤمن بالغاية الشريفة، والوسيلة النظيفة، وترفض الغاية التي تبرر الوسيلة، وتجسد مكارم الأخلاق التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.

تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، تسعى الأمة إلى تحقيقه في مسيرتها الوطنية والقومية والإنسانية.


أولاً ـ دولة ذات مرجعية

في حديثنا عن المكون العقائدي والثقافي لمرجعيتنا تبرز خصوصيتنا الإسلامية، التي تشكل المصدر الأساس والمتميز والمهيمن للمرجعية العليا للدولة الحديثة التي ندعو إليها. ونعتبرها أساس مشروعنا الحضاري. ولكن تقريرنا للخصوصية الإسلامية، لا يجوز من الناحية المنهجية أن يحشرنا في إطار الدولة (الثيوقراطية) ولا أن يقابل بالرفض المسبق.

إن نصوص الإسلام المتمثلة في كتاب الله وصحيح السنة تشكل المرجعية الشاملة للسواد الأعظم من أبناء أمتنا، كما أن التراث الثقافي المنبثق عن ثوابت الشريعة، والمتفرع عنها يتغلغل في ضمير الفرد والجماعة، ويشكل المكون الثقافي المهيمن والمتفرد، حتى في (لاوعي) أولئك الذين يتظاهرون بالتمرد على الإسلام، أو بمحاولات الانخلاع منه.

كما أن اشتراك الإسلام مع المسيحية في التأكيد على كثير من هذه القيم، باعتبارهما رسالتين سماويتين. صدرتا أصلا عن مشكاة واحدة، يعزز قيمة هذه المرجعية (القيمية)، ويبسط سلطانها على مجموع أبناء شعبنا.

على أننا نشير أيضا إلى عامل مشترك يدعم مرجعيتنا يمكن تسميته (بالقانون الفطري) و هو: منظومة القيم المكنونة في أعماق الفطرة الإنسانية: (الحق والباطل) (الخير والشر) (الحسن والقبيح). وقد ورد نبويا بلفظ: (فتوى القلب) إذ تشير كل هذه المعاني إلى منظومة من القيم الإنسانية العليا، التي تقع موضع إجماع إنساني عام. رصيد الفطرة هذا معتبر لدى كافة الرسالات السماوية بعد أن تهذبه وتزكيه بتخليصه من شوائب الانحراف والشذوذ، وهو (المعروف) الذي تعرفه الفطر السليمة، وتقره العقول الرشيدة، وضده (المنكر) الذي تنكره الفطر والعقول، ويأتي الشرع مؤكدا لما أقرته الفطرة.

وإلى جانب هذه المشاركة العامة بالمرجعية (القيمية) ثمة التوحد بالاعتزاز بالإنجاز الحضاري الذي تم عبر تاريخ مشترك متجذر في أعماق التاريخ. وتتمثل الإنجازات الحضارية الإسلامية برمزيتها الإنسانية في: عدل عمر، وشجاعة خالد، وإنسانية صلاح الدين وفروسيته، كما يشكل البناء الحضاري الفكري والثقافي والمنهجي خلفية مشتركة تصلح أساسا للبناء.

وحين نتحدث عن الهوية العربية الإسلامية لقطرنا إنما نتحدث عن انتماء قطرنا العربي السوري إلى منظومته العربية انتماء واقعياً وتاريخياً، ولا يعني أننا نتحدث عن انتماء عرقي أو (شوفيني) متعصب، وإنما نتحدث عن جوهر خاص في هذه الأمة شارك في تشكيل ذاتيتها، وحدد ملامح هويتها، ورشحها من بين سائر الأمم لحمل الرسالة الخاتمة، وأهلها للشهادة على الناس (وفي ذلك ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) حتى ليقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيان هذا الجوهر: (تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) وقد روي في الحديث: (حب العرب إيمان وبغضهم نفاق) وروي أيضا: (إذا ذلت العرب ذل الإسلام)

نخلص من هذا للقول بأن مرجعيتنا ترتكز بوضوح إلى هوية أمتنا العربية المسلمة وثوابتها.

مفهوم الدولة الإسلامية

الدولة الإسلامية هي ما نطلق عليه الدولة (الحديثة) بالصيغة التي نقدمها في مشروعنا هذا، وليست بالدولة (الثيوقراطية) ولا هي بالدولة (العلمانية).

ولعل أهم ما يميز الدولة الإسلامية عن غيرها هو الأهداف العامة التي تتحمل هذه الدولة عبء القيام بها، والتي أوجزها المتقدمون بقولهم (القيام على أمر العباد بما يصلح معاشهم ومعادهم. ) فثنائية الاهتمام بالمعاش والمعاد هي أول مميزات هذه الدولة.

وفي سبيل ذلك تسعى هذه الدولة إلى تحرير العقل البشري من التقليد والخرافة والوهم، وذلك عن طريق بناء العقيدة السامية النقية القائمة على الإيمان بالله وحده، وتوجيه العقل نحو الدليل والبرهان والتفكير العلمي الحرّ. ولذا كافح الإسلام الوثنية، والجهل. ووضع الإنسان على مدرجة التفكير المنطقي السليم، وطالما ردد القرآن الكريم (لعلهم يعقلون) (لعلهم يتفكرون) (لعلهم يذكرون).

كما تسعى الدولة الإسلامية إلى إصلاح الفرد نفسياً وخلقياً وتوجيهه نحو الخير والإحسان وأداء الواجب كي لا تطغى مطامعه وشهواته على عقله. كما تسعى إلى إطلاق طاقات الفرد وفق ضوابط منهج قويم ليكون فاعلاً إيجابياً، قائماً بالحق، وربط نفسه بعقيدة الثواب والعقاب في الآخرة، لكي يكون في مراقبة دائمة لأعماله.

وتسعى الدولة الإسلامية ثالثا إلى إصلاح المجتمع ليسود فيه الأمن والعدل، وتصان فيه الكرامة الإنسانية والحريات العامة، وتفتح أمام أبنائه فرص التنافس الحرّ الشريف للمشاركة في العمران البشري في ظلال الرحمة والكفاية والتكافل والدعوة إلى الخير. باختصار فإن هدف الدولة حسب المنظور الإسلامي بناء الإطار العام للعيش الإنساني الكريم، في ظلال منهج الله سبحانه وتعالى الذي ينفي عن الحياة الإنسانية الشقاء والضنك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).

بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية

إن الإسلام لم يقرر مصدراً غيبياً (للسلطة) يولد مع الحاكم. بل حارب (أدعياء الألوهية والربوبية) بكل أشكالها وأنماطها، وقرر المساواة بين بني البشر فهناك خالق (هو رب العالمين) وهناك مخلوق هم البشر أجمعون. وأسقط كل دعاوى التكريم على أساس النسب (يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك لا أغني عنك من الله شيئا.) فلا قداسة لحاكم بحكم مولده، أو نسبه.

وكذلك فقد أبطل الإسلام كل دعاوى (العصمة) التي يتذرع بها حكامٌ ادعوا في يوم من الأيام أنهم مقدسون أو ملهمون، والعصمة في التصور الإسلامي، وقف على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه تبارك وتعالى، ولم ينشئ في بنيانه أبداً ما يعرف بالمؤسسة الدينية، لا في صورة فرد، ولا طبقة، ولا مؤسسة: (كالبراهمة) مثلا عند الهنود (والأحبار) عند اليهود و(الاكليروس) عند النصارى لأن العلاقة بين (الرب) و(العبد) في الإسلام علاقة مفتوحة بلا وسطاء (إياك نعبد وإياك نستعين)، (قل آمنت بالله ثم استقم ).

وقرر الإسلام أن العقود الشرعية العامة والخاصة هي عقود مدنية كذلك.

ففي منظومة الضوابط الشرعية يبقى (العقد شريعة المتعاقدين) حسب ما تقرره اليوم أرقى الشرائع المدنية. (والمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ) ويبقى الوفاء بالعقود، واجباً شرعياً ومدنياً (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ).

وقاعدة الضبط الذهبية لهذه العقود هي المرجعية العامة التي نحن بصدد الحديث عنها. إننا أمام نظرية العقود الإسلامية إزاء شريعة مدنية تنضبط بضوابط عامة تعصم الإنسان عن أن يجور أو ينحرف عن سنن الفطرة، أو معالم الحق الأصيل، كما تحمي الإنسان الضعيف من جور القوي، والفقير من عسف الغني. والفارق الأهم بين الدولة الإسلامية والدولة (الثيوقراطية) هو أن مصدر الولايات جميعاً في الدولة الإسلامية إنما هو الأمة. (ولقد أجمع مجتهدو الفرق الإسلامية كافة، ماعدا الشيعة، أن مصدر الولايات هو الاختيار القائم على الرضى المتبادل بين أهل الحل والعقد وبين الإمام الذي يقع عليه الاختيار.). ومصطلح أهل الحل والعقد هو التعبير الإسلامي عن الآلية المعبرة عن إرادة الأمة والتي يكون لها في كل عصر صورتها المؤدية للغرض منها.

فالأمة هي مصدر الولايات، وخيار الأمة وبيعتها هي التي تمنح الحاكم أو صاحب الولاية حقه في السمع والطاعة. أي تمنحه السلطة. والسمع والطاعة للحاكم في التصور الإسلامي حق ذو وجهين مدني يستمد من العاقد ما وفّى المعقود له بالعقد، وشرعي ينبع من طاعة الله سبحانه الذي فرض على المؤمنين الوفاء بالعقود (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ولذلك يبقى حق السمع والطاعة مرتبطاً بموضوع العقد وشروطه الأساسية (إنما الطاعة في المعروف ) (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) أي خارج إطار العقد المتفق عليه بين الحاكم والمحكوم.

والخلاصة: إن الدولة الإسلامية دولة مدنية تتميز بمرجعيتها الإسلامية المتفتحة.


ثانياً ـ التعاقدية

الدولة الحديثة التي نطالب بها، أو نسعى إليها، في إطار مشروعنا الحضاري هي دولة تعاقدية. تقوم على الاختيار الحر المعبر عن إرادة الأمة. والاختيار كما ينص عليه فقهاء القانون، هو مظهر لإرادة حرة تامة الحرية كاملة الشعور بنفسها وقت إنشاء العقد. و(التعاقدية) السياسية كانت هي الأساس الأول في منظومة الفقه الإسلامي النظري والعملي. ولكن هذه الحقيقة غابت أو غيبت تحت ركام (الملك العضوض) الذي انحرفت إليه دول ما بعد الخلافة الراشدة، نؤكد في هذا المقام أن (التعاقدية) بوصفها أساسا شرعيا لاختيار الحاكم هي موضع إجماع فقهي، وأجمع مجتهدو الفرق الإسلامية كلها ـ ماعدا الشيعة ـ على أن طريق الإمامة هو الاختيار والاتفاق. وصاغ علماء الفقه ذلك بالصيغة القانونية فقالوا: إن الإمامة (عقد)، وطرفا العقد في مسألة الإمامة هما: الإمام من جهة، والأمة ممثلة في أهل الاختيار من جهة أخرى.

وتبقى الأمة المنشئة للعقد ابتداءً هي المشرفة عليه، والرقيبة على وفاء الإمام بالتزاماته ومحاسبته، وهي بالتالي تملك الحق في (خلعه) أو (عزله) أو (إقالته) حسب مصطلح كل عصر إذا لم يقم بما أنيط به من مهام حسب شروط العقد.

ويلتبس موضوع التعيين من الإمام المسبق بموضوع البيعة والاختيار، حيث يذهب الماوردي وغيره كثير من فقهاء الفكر السياسي أن الإمامة تتم إما باختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار، وإما بتعيين الإمام السابق؛ إلا أن جمهور الفقهاء، على أن التعيين المسبق لا يعني أكثر من ترشيح ينبغي أن تؤكده بيعة واختيار، ولذا لما صار الأمر إلى عمر بن عبد العزيز بالعهد الذي عهده سليمان، رد عمر رحمه الله تعالى الأمر إلى الأمة وقال إن رضيتم وبايعتم ومن خلفكم من أهل الأمصار قبلت. وإلا فالأمر أمركم وهو مردود عليكم.

ثالثاً ـ دولة مواطنة

المواطنة مفهوم قديم يعبر عن الانتماء السياسي لفرد إلى كيان، وهو غير الانتماء القومي أو الديني، فهذه الانتماءات لا تتطابق، ولكنها تتقاطع فيكون بينها عموم وخصوص.

وقد ظلت هذه الدوائر الثلاث –السياسية والقومية والدينية- حتى يومنا هذا في حركة مستمرة: تضيق إحداها أو تتسع، وتتقاطع إحداها مع الأخرى أو تستوعبها، ولكنها تظل متمايزة دائما. ونتيجة لهذا التقاطع: يضم الانتماء السياسي (المواطنة) أجناسا مختلفة -فتتكون أقليات عرقية ولغوية-، وأديانا مختلفة –فتتكون أقليات دينية-، ويبقى الرباط السياسي هو المواطنة.

لقد كانت وثيقة المدينة النبوية التي عقدت بين المسلمين من مهاجرين وأنصار من جهة، وبين قبائل اليهود المقيمة في المدينة، تأصيلا شرعيا لهذا المفهوم العصري، حين شرعت الانتماء الوطني، وجعلت من وقع على الصحيفة أهلا يجمعهم هدف مشترك (وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة). وقد استخدم فقهاؤنا قديما عبارة تؤسس لهذه المواطنة أيضا حين قالوا أن الذميين من أهل الإسلام ، ويرى الإخوان أن المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم (أهل الذمة) وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة، والمساواة التامة، في الحقوق والواجبات السياسية والمدنية التي يكفلها الدستور، وتنظمها القوانين، مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية (زواج وطلاق ومواريث..)، والحقوق الدينية محفوظة طبقا لعقيدة كل مواطن.

(إننا حين نعلن أننا جميعا مواطنون في هذا الوطن، متساوون في الحقوق والواجبات.. فهذا لا يعني أننا نسمح لأي إنسان أن يستغل هذه المواطنية، ويستغل العروبة والقومية ليطعن في دين هذه الأمة، ويسخر بتاريخها وحضارتها، ويحقق بذلك طائفية مستترة، وشعوبية مبطنة .)

رابعاً ـ التمثيلية

التمثيلية هي الصيغة الأكثر شيوعاً في عالمنا المعاصر للتعبير عن إرادة (الأمم) و(الشعوب). يتردد في تاريخ الفقه السياسي الإسلامي مصطلحان: (أهل الاختيار) و (أهل الحل والعقد)، ويمثل هؤلاء الطبقة العامة من رجال الأمة الذين يمتلكون مواقع التأثير فيها بحيث يكونون قادرين على (العقد) للإمام، وعلى (حل) هذا العقد إذا انحرف الإمام أو جار.

وفي كتب الفقه السياسي أحاديث كثيرة عن صفات هؤلاء وميزاتهم، وتمثيلهم لمن خلفهم، وترك الأمر لأهل كل عصر ليختاروا الصيغ التي تلائم زمانهم ومكانهم.

في الآلية التمثيلية تحفظ لنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوم العقبة الثانية قال للسبعين المبايعين: أخرجوا منكم اثني عشر نقيبا هم كفلاء على قومهم، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم. كما تحفظ لنا كتب التاريخ، أن سيدنا عبد الرحمن بن عوف عندما أخذ على عاتقه حسم الاختيار بين علي وعثمان، طاف على أهل المدينة مستقرئاً آراءهم حتى سأل كما قال (العواتق في خدورهن.) إن اشتراك أبناء المجتمع، رجالا وإناثاً في اختيار الحاكم بل في جملة القضايا الكبرى، إما عن طريق الاختيار المباشر، أو عن طريق الاختيار غير المباشر (طريق المجالس النيابية) يبقى هو الصيغة الأكثر عملية، ولكن هذا لا يمنع من أن تخضع هذه الصيغة التمثيلية لمزيد من عمليات التطوير والضبط، لا لتفقد مصداقيتها ومعناها، ولكن لتكون أكثر تعبيراً عن مصالح الأمة، وعمقاً في رؤيتها، وسداداً في مسيرتها .


خامساً ـ التعددية

في المدينة المنورة ومع أول يوم لقيام الكينونة الإسلامية ذات السيادة، كانت (التعددية الدينية). أول صور التعددية التي ستصبح ملمحاً عاماً من ملامح الحضارة والدولة الإسلاميتين على مرّ التاريخ، إن الله عز وجل أقر التعايش بين المسلم وغير المسلم، وقد حسم هذا الأمر بقوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، والإسلام قد أقر في هذا التعايش الزواج والطعام بين المسلمين وأهل الكتاب وهي أخص خصوصيات الإنسان. وفي وثيقة المدينة منح الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود أسس الحقوق المدنية والسياسة في إطار الاعتراف بالتعددية الدينية في الدولة الإسلامية: جاء في هذه الوثيقة: (..وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم. وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته) ثم تعدد الوثيقة بطون يهود بطناً بطناً وتعطيهم من الحقوق ما أعطت يهود بني عوف. لقد كانت هذه (الصحيفة) الوثيقة أولى الوثائق السياسية في تاريخ الدولة الإسلامية، التي أسست للاعتراف بالتعددية الدينية في إطار المرجعية الإسلامية، وانطلقت هذه الحقيقة مع الدولة الإسلامية لتستوعب الملل والنحل والحضارات، في دائرة من التسامح، اعتبرت أمثولة حضارية في التاريخ الإنساني.

وعلى أساس هذه الرؤية التاريخية، لأبعاد التعددية، وفي ظلال المرجعية العامة التي تقدمنا بها أساسا للدولة الحديثة التي نسعى إليها نؤكد أن التعددية السياسية هي حقيقة واقعة في أي تجمع إنساني، كما أنها سمة أساسية لأي دولة حديثة تسعى إلى بناء وجود تنافسي لتحقيق مشروع حضاري عام. إن قيام الأحزاب السياسية على أسس من برامج سياسية ذات أبعاد (عامة) أو (خصوصية). وكذا الجمعيات أو التجمعات ذات الطابع الإنساني أو الاجتماعي أو البيئي كل ذلك سيضع البنى الأساسية للمجتمع المدني الفاعل، وللدولة الرائدة التي يسعى جميع أبناء الوطن إلى بنائها.

وإنه لمن المستغرب، أن يصادر بعض الديمقراطيين (العلمانيين) على الديمقراطية، فيضعوا شروطاً مسبقة للأسس العامة لتكوين الأحزاب السياسية، وذلك باستبعاد الأحزاب الإسلامية التي تقيم بنيانها على عقيدة الإسلام، وتشتق برامجها السياسية من شريعته، وهذا ينافي قيمتين أساسيتين من القيم الإنسانية، وهما الحرية والمساواة. فأما منافاته للحرية فلأنه مصادرة لحق سياسي مشروع، وأما منافاته للمساواة، فلأن هذه المصادرة الانتقائية تحرم المواطن المتدين من ممارسة حقه وحريته السياسية، في حين يتمتع غير المتدين بذلك دون حرج!


سادساً ـ التداولية

إن إقرار التعددية السياسية، القائمة على الحياة الحزبية المعتمدة على البرامج السياسية المختلفة وفي ظلال المرجعية العامة للدولة التي تقدمنا بها ستجعل من التداولية الثمرة الطبيعية لكل أشكال النشاط: السياسي أو المدني. من (التداول) اشتقت العرب لفظ (الدولة) وقالت (الأيام دول). وفي الكتاب العزيز (وتلك الأيام نداولها بين الناس ).

والتداولية، في بعدها الأول هي المقابل الموضوعي التاريخي لحالة (الملك العضوض) الذي جاء بعد الخلافة الراشدة على أساس التعيين (ولاية العهد)، للابن أو الأخ بدلا من اختيار الأمة!

والتداولية في بعدها الثاني هي المقابل الموضوعي أيضاً لحاكم يقوم على أمر الأمة مدى الحياة، أحسن أو أساء، نجح أو أخفق، على النقيض من الأساس الإسلامي الخالد: (إن أحسنت فأعينوني، أو أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، وللأمة كامل الحق مع حاكمها، أن توليه لفترة معينة، والمسلمون على شروطهم.

والتداولية في بعدها الثالث هي رفض لمناهج فرضت نفسها بالقوة (الجبرية) على الأمة، وأعلنت وصايتها عليها تحت شعارات العلمانية أو شعار الحزب القائد. إنه لا بد من كسر طرف حلقة الجمود الآسن، ولا بد من التحرر من كل أشكال الوصاية البشرية حيث (يتأله الإنسان على الإنسان)، كما قال ربعي رضي الله عنه: (جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله).

فالتداولية التي ندعو إليها، هي تداولية المناهج والبرامج والرؤى والاجتهادات في إطار المرجعية العامة للأمة.

والتداولية في بعدها الرابع هي التداولية بين القوى والأحزاب السياسية، التي يتم دعمها من الإرادة الوطنية العامة، عبر صناديق الاقتراع الحر والنزيه، وعلى أساس البرامج والشخصيات العامة التي تتقدم بها لجماهير الأمة.

سابعاً ـ المؤسساتية

الدولة الحديثة القادرة على تحمل عبء مشروع نهضوي، والتقدم في طريق إنجازه، هي دولة (مؤسساتية) .

وتعني المؤسساتية فيما تعنيه، أن العمل يتم بروح وجهد الفريق، كما تعني أن يتولى أصحاب الاختصاص مهامهم في كل ميدان من ميادين الإنجاز.

وإن من أوائل ملامح المؤسساتية أن تتحول سلطات الدولة، وأجهزتها، ومرافقها لخدمة المشروع الوطني العام، لا أن نُجند جميعاً في خدمة السلطة التنفيذية، أو أي مركز من مراكز القوى المتحكم بهذه السلطة سواء كان (فرداً) أو (فئة) أو (حزباً). ففي إطار المؤسساتية تتضح في بنية الدولة ملامح السلطات الثلاث المستقلة، والقادرة في أساس بنائها على ممارسة دورها المناط بها بعيداً عن أي شكل من أشكال: (الوصاية) أو (السيطرة) لأي جهة كانت.

وفي إطار المؤسساتية يتحول الجيش إلى جيش وطني يحمي الوطن كل الوطن، وتتحول المؤسسة الأمنية إلى مؤسسة تحمي حرية المواطن، وتسد الاختراقات التي يمكن أن يحدثها العدو في البنيان الوطني، ولا تكون أداة للسحق أو القمع. وفي إطار المؤسساتية يكون الإعلام، إعلام دولة لا إعلام سلطة، وفي إطار المؤسساتية ستجد العقول المهاجرة أو (المهجّرة) مكانها في سياق وطني عام منتج ومنجز.

إن الدولة القائمة على (المؤسسة) هي الناسخ للدولة الفردية، وهي الرديف المباشر لدولة تقوم على (الشورى) ليس في شكلها الصوري، ولا في مستواها التشريعي فقط ؛ وإنما الشورى التي تغطي كل بنية من بنى الحياة: السياسية أو المدنية.

ثامناً ـ القانونية

ونعني بذلك أنها دولة تعلو فيها سيادة القانون، ويتقدم فيها أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها حالة الطوارئ مكان القانون العادي. وسيرد تفصيلنا لهذا المرتكز في الفصل الأول من الباب السابع من هذا المشروع.


البـاب الرابع : الوطـن

الفصـل الأول : سورية والشعب السوري

1-الشعب السوري:

يبلغ عدد سكان الجمهورية العربية السورية 15.6 مليون نسمة حسب إحصاء 1998. وقد قارب العشرين مليونا اليوم، وقد كون العرب النسيج العام لسكان الإقليم. وإلى جانب العرب الذين يشكلون النسيج العام للمجتمع السوري، هناك أصول عرقية تاريخية مرتبطة أصلاً بالأرض والحضارة، عاشت جنباً إلى جنب في إطار الوجود العربي تتمثل بالدرجة الأولى في أكراد الشمال، والشمال الشرقي، وبدرجة تالية في أقليات (تركمانية) و (شركسية)، وهذه الأقليات الثلاث (الكردية والتركمانية والشركسية) تدين كلها بالإسلام، فهي بالتالي تنتمي إلى المجموعة الدينية الكبرى التي تضم أبناء الإقليم. إضافة لأقليات عرقية سريانية وأرمنية مسيحية

وإلى جانب هذه التركيب العرقي (الإثني) لسكان الإقليم، هناك التركيب الديني والمذهبي حيث ينتمي 90% من سكان الإقليم إلى الإسلام، الذي يعتبر الدين السائد في القطر إلى جانب ما يقرب من 10% من السكان المسيحيين. لقد عاش في القطر إلى وقت قريب بضعة آلاف من اليهود، هاجروا إلى فلسطين وغيرها وفق ترتيب قامت به الحكومة السورية.

وإذ يشكل المسلمون السنة في قطرنا أغلبية دينية كبرى فإن في سوريا عدداً من الطوائف الدينية الأخرى أبرزها الطوائف المسيحية: (أرثوذكس، وكاثوليك وبروتستانت)، إضافة للعلويين "النصيرية" والدروز والإسماعيلية واليزيدية.

إن هذا التنوع العرقي والمذهبي، أوجد في قطرنا تعايشا حضاريا حيا على ما فيه من تنوع واختلاف، وتشكل الشعب السوري من هؤلاء جميعا في تنافس وسباق لخدمة الوطن، وحاول الاستعمار الفرنسي أن يثير هذه النعرات الطائفية، فنجح إلى حد ما، إلا أنا لم نر الطائفية تنمو وتستشري إلا تحت وطأة السلطة السورية القائمة، حين فرضت حزبها "القائد" على الدولة والمجتمع!

2- سورية:

في إطار انتماء قطرنا العربي السوري للأمة الإسلامية، وللوطن العربي الكبير، وإلى بلاد الشام بخصوصياتها الثقافية والحضارية والتاريخية والمستقبلية، يمكننا أن ننظر للوطن من الخلفيات التالية:

الخلفية الحضارية

كانت بلاد الشام أحد مراكز الحضارة القديمة، ومكتشفات دولة إيبلا شمالي سورية أثبتت أن سورية هي التي أهدت للبشرية أول أبجدية في التاريخ، كما أثبتت أن حضارتها الأولى كانت حضارة التوحيد، فقد وجد على أحد ألواحها الفخارية –ويعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد- ما يلي: (سيد الأرض والسماوات، لم توجد الأرض فخلقتهما، لم يكن نور النهار فأوجدته، لم يوجد الفجر فأجبرته على التشكل) ، من الشام ومصر والعراق ولدت الحضارة، ثم انتقلت إلى اليونان، وعادت في العصرين الأموي والعباسي إلى العرب والمسلمين، وعنهم أخذ الغرب العلوم مرة أخرى فكان عصر النهضة … وبهذا نقرر أمرين: الأول، أن الحضارة إبداع إنساني عام وليس صناعة غربية ولا حكراً على الشعوب الغربية، والثاني: أن العقل العربي، قادر على الإسهام في بناء الحضارة حين ينال فرصته، وحقه وحريته في الحركة والإبداع… وهذا ينطبق على أبناء شعبنا الذين حال بينهم وبين الإبداع حكم الفرد والحزب الواحد منذ أربعين عاما ونيف.

الخلفية الدعوية

كانت بلاد الشام موطناً لكثير من النبوات، حيث عاش فيها، أو مر بها، كثير من الأنبياء الذين شكلوا الملامح العامة للحياة الإنسانية القديمة على مدار التاريخ.

وفي العصر الإسلامي، وبعد الحقبة الراشدة، كانت دمشق حاضرة الدولة الإسلامية على مدى نحو قرن من الزمان (40 – 132هـ). كان قرن الفتوحات الإسلامية الكبرى حتى بلغ الفتح الإسلامي بلاد الصين شرقاً وحدود فرنسا غرباً.

لقد تأصلت دعوة الإسلام عقيدة وقيماً ومنهجاً في أرض الشام على مدى أربعة عشر قرنا، وكانت بلاد الشام وما تزال تجود برجال الفكر والدعوة والإصلاح، الأمر الذي يجعل من المستحيل على أي مشروع حضاري أن يتجاهل أو يتجاوز هذه الحقائق، أو أن ينطلق بعيداً عن الإسلام.

الخلفية السياسية

ظلت بلاد الشام طوال التاريخ الإسلامي أرض الملحمة الكبرى، وبؤرة الصراع المحتدم، من دمشق أيام الأمويين انطلقت جيوش الفتح الإسلامي شرقاً وغرباً، وفيها قام مشروع تحرري يقاوم الحملات الصليبية بدأه عماد الدين زنكي ثم ابنه نور الدين زنكي وكمله صلاح الدين الأيوبي المسلم بوحدة سورية ومصرية توجت بالنصر التاريخي المظفر في معركة حطين، وفتح بيت المقدس.

وفي العصر الحديث كان قطرنا العربي السوري، أول قطر عربي يحقق استقلاله الناجز دون ارتباط بمعاهدات تكبله في 17 نيسان 1946، ويتقدم بخطوات مدروسة نحو بدايات مشرقة على الصعد: السياسية ـ الاقتصادية ـ والاجتماعية، لولا تعاقب التدخلات الغشوم من القيادات العسكرية التي توجت جهدها بانقلاب الثامن من آذار 1963 وألقت بالوطن في دوامة التيه والضياع.

الخلفية الاستراتيجية

كان وما زال قطرنا العربي السوري صلة وصل وجسراً حضارياً بين القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوربا، ولقد أطمع هذا الموقع الغزاة على مر التاريخ، وجر على قطرنا المآسي، فكان منذ التاريخ القديم ميدان معركة، وساحة جهاد، ولم يسطر عن شعب هذا الإقليم عبر التاريخ أنه استسلم لغاز، أو استكان لظالم متغطرس.

قطر مواجهة

منذ مطلع القرن العشرين توجه مشروع الهيمنة العالمية إلى إقامة قاعدة له في قلب العالم العربي. وكانت فلسطين (جنوب غرب الشام) هي المركز الذي وقع عليه الاختيار، وتلاقى فيه أمل مشروع الهيمنة الغربي، بالمشروع الاستيطاني الصهيوني.

إن قيام [[إسرائيل|الكيان الصهيوني]] في الجنوب الغربي للقطر العربي السوري، ألقى وما زال، على كاهل القطر مسئولية وطنية وإقليمة وقومية، ومنذ 1948 ، خاض القطر السوري مع الدول العربية حروباً عديدة ضد الكيان المغتصب للأرض.

إن أي مشروع حضاري مستقبلي لقطرنا العربي السوري، لا بد أن يضع في رأس اعتباراته كون هذا القطر من أقطار المواجهة، وبالتالي لا بد أن يتصدى وفق مشروع علمي وجاد لمواجهة المشروع الصهيوني بأبعاده المختلفة.

قطر عربي

ينتمي القطر السوري جغرافياً وبشرياً إلى العالم العربي، والأمة العربية.

إن رؤيتنا الإسلامية لواقع الدول القطرية القائمة في العالم العربي تتمثل في أنها أعضاء في جسد واحد، ويجب أن تتجمع في إطار سياسي واحد.

إن كل طروحاتنا للإصلاح الوطني، لا تتجاوز كونها طروحات مرحلية، تنطلق من الدائرة الأصغر إلى الدائرة الأكبر. وإن العمق العربي بأبعاده المادية والمعنوية يمثل حضوراً قوياً في معادلة أي مشروع نهضوي وطني (تحرري أو تنموي)

قطر إسلامي

ترفرف الراية الإسلامية، ويعلو نداء (الله أكبر) على خمس المعمورة، وإن العقيدة التي تربط أكثر من مليار ونصف مليار إنسان تشكل أرضية حقيقية لبناء دولة إسلامية يكون أبناؤها كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

إننا في عصر التجمعات الدولية الكبرى، التي تفتعل الروابط، وتبحث عن أرضيات اللقاء مع الآخرين، بأمس الحاجة إلى التفكير بإطار إسلامي شامل، يسدل مظلته على خمس سكان المعمورة في خطا تنسيقية متدرجة، نحو بناء نظام إسلامي عام يوحد أبناء الأمة.

الخلفية الاقتصادية

صنف البنك الدولي سورية بأنها بلد شديد المديونية، ضعيف الدخل، بسبب الارتفاع الشديد لمعدل الدين الخارجي حيث بلغ مجموع الديون الخارجية المترتبة على سورية عام 1998 (22435) مليون دولار وتشكل 137.9% من الناتج القومي الإجمالي.

إن هذا التصنيف، لا يعبر عن الإمكانات الاقتصادية لقطرنا العربي السوري، بقدر ما يعبر عن النظام الاقتصادي الذي قاد قطرنا طوال أربعين عاماً، في متاهات الاضطراب الاقتصادي.

تاريخياً لا يمكن تصنيف القطر العربي السوري في عداد الأقطار الفقيرة، فمنذ تاريخ ما قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم دعيت سورية (سلة الخبز) بالنسبة للإمبراطورية الرومانية.

واليوم تزخر سورية بالثروة البشرية، وبالثروة المائية، وبالنفط، وكان يمكن للمواطن السوري أن يعيش في وضع أفضل بكثير، لولا شيوع الفساد والنهب للثروات الوطنية.

وبعد، إن حديثنا عن الوطن بالخلفيات المتعددة التي أشرنا إليها، وضمن الدوائر الاستراتيجية العامة التي ينتمي إليها، كان الهدف منه التأكيد على أن قطرنا العربي السوري يجسد محضناً صالحاً لمشروع نهضوي مستقبلي، بل يمكن أن يحتل دوراً رائداً في منظومة الأقطار العربية والإسلامية، الدور الذي قام به في تاريخه الطويل أكثر من مرة.


الفصل الثانـي : تحديات وطنيـة

أولا: التجزئة وتحدي الوحدة

إن من أهم أهدافنا في السياسة الخارجية العمل على إقامة الوحدة العربية ثم الاتحاد الإسلامي. وإن إنجاز هذه الوحدة شرط حيوي وأساسي لعبور الأمة إلى مجال قوتها على خارطتي الزمان والمكان. والوحدة هي الأصل في وجود الأمة، وهو حقيقة تاريخية تقوم عربيا على الانتماء لأمة واحدة باستعدادها الفطري الأصيل لتحمل رسالة السماء ، وتقوم إسلاميا على تحقيق متطلبات الاستخلاف. (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله )، وإلى جانب هذا كله فالوحدة مطلب حيوي استراتيجي، لأنها تجمع طاقات الأمة، وتلم شعثها، وتخرج بها من حالة الغثائية، وذل الوهن، لتصوغ منها قوة كبرى ذات دور ورسالة.

وفي المقابل فإن الدولة القطرية قامت على مر الأزمان على وهن داخلي، تسرب إلى جسم الأمة، أو نتيجة مشروع هيمنة أجنبي معروف الغايات والأبعاد. وكان من عوامل تكريس التجزئة، الاستبداد بأنواعه، وغياب المشروع الوحدوي، وتضارب المصالح القطرية، وغياب الدور الشعبي الفاعل، كل هذا إضافة للاختراقات والمخططات الخارجية.

إن إخفاق الأمة خلال قرابة القرن، في تحقيق الهدف الاستراتيجي العام في الوحدة، لا يجوز أن يحملنا على التخلي عن الهدف أو التشكك فيه، أو تحويره، أو اختزاله بحيث يفقد معناه.

وفي سبيل تحقيق مشروعنا الوحدوي فإن الخطوات التالية لا بد منها:

1- إعادة صياغة الثقافة الوحدوية حسب معطيات القرن الحادي والعشرين ومستجداته.

2- التأسيس الشعبي بالتفاهم بين تيارات الأمة الكبرى وبالتقارب بين النخب والجماهير باكتشاف ما يجمع ، ومعالجة ما يفرق.

3- التأسيس الرسمي بوجود الرغبة الحقيقية، والاقتناع لدى المتنفذين وأصحاب القرار بأن الوحدة ضرورة حتمية ومصلحة عامة.

4- تشجيع المبادرات الوحدوية الإقليمية الكبرى، فهذه ستقود حتما إلى الوحدة الكبرى المنشودة إذا كانت على أسس راسخة.


ثانيا: أسلحة الدمار الشامل وتحدي التوازن الاستراتيجي

ارتكزت نظرية الأمن الصهيونية على ضمان توفير القدرات الشاملة، لما تراه ضرورياً لتأمين كيان الدولة، وحماية مصالحها الحيوية، وبصفة خاصة من خلال القدرات العسكرية المتقدمة؛ لذا (سعى الصهاينة) إلى امتلاك منظومة كاملة من أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، فضلاً عن وسائل حملها وإطلاقها بمستوياتها التكتيكية والاستراتيجية المختلفة.

ورغم أن الاستراتيجية الأمريكية قد ضمنت التفوق الكمي والنوعي للكيان الغاصب على العرب مجتمعين، فإن القوة العسكرية النووية الصهيونية تتصاعد باستمرار لتأمين السياسات التالية:

1- السبق في امتلاك القوة النووية، والحرص على احتكارها في المنطقة، ومنع أي بلد عربي من تنفيذ برنامج نووي عسكري.

2- رفض الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية 1968، ورفض الانضمام إلى اتفاقية جعل الشرق الأوسط خاليا من أسلحة الدمار الشامل، والذي تبتنه المجموعة العربية في مجلس الأمن مؤخرا.

3- التحول إلى سياسة الردع العلني، وتأكيد ملكيتها للسلاح النووي وعدم التوقف عن تطويره. 4- استخدام سياسة (السلام النووي) لفرض التسوية السياسية المناسبة لها على كل المنطقة تحت تهديد الردع النووي!

5- تنوع الترسانة النووية لتستخدم حسب الحاجة التي تواجهها وبأعيرة متدرجة.

إن هذا التحدي المفروض على أمتنا بشكل عام، وعلى قطرنا بشكل خاص هو تحدٍ تدميري يستأصل الوجود: العمراني والمدني والإنساني، وهو ذو بعدين متداخلين، إقليمي ودولي.

إننا نشعر بالقلق البالغ، والخوف على أوطاننا ومستقبل أجيالنا من مخزون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية في الترسانات الإسرائيلية. لقد شهد العالم دائما أن حكام إسرائيل كانوا على قدر من الحماقة والعنف بحيث لا يؤتمنون على مثل هذه الترسانة التي تستطيع أن تمحو مدنا مثل القاهرة أو دمشق عن الخارطة بضغطة ..

إننا نناشد أحرار العالم ومحبي الخير والإنسانية أن ينضموا إلينا للمطالبة بشرق أوسط نظيف من هذه الأسلحة التي تجسد التحدي الكبير أمام سر الحياة على الأرض، ولن نرضى أن نكون تحت رحمة هذه الأسلحة المدمرة، ومن حقنا الدفاع عن حياتنا ووجودنا أمام هذا الخطر الماحق.


ثالثـاً : الاحتلال وتحدي التحرير

ترك سقوط الجولان في حرب الخامس من حزيران سنة 1967، وراءه العديد من الأسئلة الحائرة التي لم تجد جواباً حتى اليوم، ولم تحظ تلك الهزيمة بأي دراسة تقويمية، لتحديد المسؤوليات، أو لاقتناص العبر.

وحتى حرب تشرين (التحريرية!) كانت في حصيلتها النهائية على الجبهة السورية نكسة أخرى أضاعت المزيد من الأراضي السورية! ورغم التحالف مع الاتحاد السوفياتي، والأطروحات الإعلامية المتشددة، والشعارات الصاخبة لم نلحظ جدية في وضع التحرير هدفا استراتيجيا مع عدم استبعاد القوة خيارا لتحقيقه!

ثم جاء سقوط الاتحاد السوفييتي، وقيام النظام العالمي الجديد، بإيجاد مناخ عالمي معاكس للمصالح العربية، وأكثر انغماساً في دعم [[إسرائيل|الكيان الصهيوني]]. ففقدت سورية بذلك المرتكز العالمي، الذي كانت تعتمد عليه في دعم موقفها السياسي والدبلوماسي. بل غدت في مقدمة الدول المستهدفة على قائمة الإرهاب الأمريكية، وهذا ما جعل من تحرير الجولان مشروعا مؤجلا، ومن تحرير فلسطين قضية تخص الفلسطينيين وحدهم!

ونحن نعتقد أنه لابد من طرح مشروع وطني متكامل الأبعاد لتحرير الجولان، ولدرء العدوان الصهيوني. مشروع يأخذ صفة (المباشرة)، التي تحاول أن توظف المعطيات الإيجابية للوضع الدولي والعربي والإقليمي وهذا المشروع الشعبي الرسمي يعتمد على خمسة محاور أساسية:

المحور الأول: رص الجبهة الداخلية وتحصينها من خلال إعادة البناء السياسي، على أسس وطنية محضة، تشرك جميع المواطنين والقوى السياسية في تحمل العبء الوطني بكل أبعاده.

المحور الثاني: محاربة الفساد، ووضع أسس لمشروع إصلاح اقتصادي، ويجعل القطر قادراً على أخذ قراره السياسي والعسكري، بعيداً عن أشكال الضغوط التي تمارسها الجهات الخارجية.

المحور الثالث: تكوين جبهة عربية وإسلامية ودولية مساندة للحق العربي، في التصدي لعمل مباشر لتحرير الأرض المحتلة، إن الدعم المنتظر من الأطراف العربية يختلف عن الدعم المنتظر من الأطراف الدولية، كما أن المواقف العملية الواقعية هي أكثر فائدة من كل أشكال المؤتمرات الدعائية. وعليها يجب أن يعول في أي تحرك جاد لمشروع تحرري.

المحور الرابع: إعادة بناء الجيش السوري هيكلياً: بشرياً وتعبوياً، على أساس المشروع التحرري، واصطناع الكفاءات العسكرية من خلال التدريب والتأهيل. وتعزيز عمليات التسليح بما يناسب طبيعة المعركة المنتظرة. وإنه لا بد للقطر العربي السوري من أن يسعى جاداً إلى تجديد مصادر تسليحه وتنويعها، وتطوير ترسانته المسلحة.

المحور الخامس: وضع إستراتيجية عسكرية للتحرير، تعزز الإيجابيات والإمكانات العامة، وتستفيد من كل التجارب، وتستقطب جميع قوى المقاومة في المنطقة، على كل الصعد: العسكرية ـ والحضارية ـ والفكرية ـ والاجتماعية ـ والاقتصادية.لأن هذا هو واجبنا الوطني والقومي والإسلامي لا ريب في ذلك،ولأن كل هذا الجهد يعتمد على التصدي لتسريب الكفاءات الذي تم خلال نصف قرن مضى، وما يزال، ضمن جملة من المعطيات وتحت العديد من المسميات.

إن تحرير الوطن المحتل حق مشروع لا ينازعنا فيه أحد، وإن سكوتنا عن حقنا –بل واجبنا-هذه السنوات الطوال، لا يمكن تفسيره، وإن تجربة العدو الصهيوني في جنوب لبنان، وكذلك في غزة والضفة الغربية أعادت ترتيب نظرية القوة على نحو جديد، هو بالتأكيد لصالح قضيتنا، ولثقتنا بقوانا الذاتية.


رابعاً: المشروع الوطني وتحدي العولمة

إن العولمة في فضائها الفكري العام لا تعني أكثر من بناء جسور عبور يمكن أن تكون إيجابية تعزز المشاركة الإنسانية، والتفاعل الإنساني إذا ما سادت الحركة عليها الحرية والتكافؤ في الوسائل والأساليب، كما يمكن أن تكون سلبية مدمرة إذا ما كانت حكرا على الفاسدين والمفسدين.

أما العولمة في إطارها الواقعي المفروض على الإنسانية اليوم، فهي نوع من التبعية الظالمة التي يفرضها الأقوياء على الضعفاء، والأغنياء على الفقراء.

وإن دمج العالم ثقافيا وسياسيا واقتصاديا، وطمس خصوصيات الأمم والشعوب في مطحنة السلع الرأسمالية، ليشكل غولا يتهدد المصير البشري، ليس لمصلحة ثقافة، ولا أمة، وإنما لمصلحة فئة محدودة منهومة، لا يكاد يقيد مسيرتها قيد أو رادع.

إن التطور التقاني الهائل للحضارة المادية والذي جعل عملية الإنتاج على جميع مستوياتها في غنى عن الإنسان، قد أنذر بأزمة مدمرة، فجاءت العولمة، وبدلا من أن تقدم حلا حقيقيا، فقد رحلت الأزمة لمصلحة ثلة من المتنفذين، هي الشركات العملاقة، والتحالفات الاحتكارية التي تجعل الناس أدوات استهلاكية تساهم في تحول إنتاج العالم وثرواته أجمع إلى أيدي 1% من سكان الأرض! وإن كنا لا نقدر على منع هذا الطوفان (العولمة) فيمكننا أن نجاريها مجاراة واعية. وهنا لابد من الرقي من اطر الوطنية القطرية الضيقة إلى الأمن العربي والإسلامي الأوسع، بتشجيع الكيان الاقتصادي والسياسي الإسلامي العالمي، والإسهام في نهضته.

ويمكن أيضا التحرك للمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني على المستوى العالمي لتكون عبرها حماية القيم الإنسانية، والحفاظ على استقرار المجتمعات الإنسانية، وحشد القوى الجماهيرية حول هذه المؤسسات.

ويمكن أيضا معالجة التحدي الثقافي (أكبر تحديات العولمة) المتستر –بالحرية الفردية- عبر خطوات أربع:

1- عودة الأمة إلى حقيقتها العقائدية الصلبة، وإشهار هويتها العربية الإسلامية.

2- التركيز على بناء الإنسان والمجتمع للوقوف بقوة في وجه الاجتياح الثقافي.

3- إظهار شعورنا الإنساني بالقوة وبالقدرة على استخدام جسور العولمة في الاتجاه المكافئ الصحيح.

4- التفاعل مع التيار العالمي المناهض للعولمة والذي بدأ يأخذ شكلا منظما ومتناميا، ويطالب بنظام دولي جديد يتحدى القوة المهيمنة على العالم.

إن إنساننا العربي لم يعد ذلك المهدد بحضارة الغرب ، وإن الخطاب الرباني لا يزال يجد تأثيره المهيمن في نفوس الكثيرين من بني الإنسان، وعلينا أن نستفيد من دور العولمة الإيجابي في فتح نوافذ المد الثقافي ووسائل الاتصال الحديثة، لتبليغ دعوة الحق ومخاطبة الضمير العالمي ببلاغنا المبين، الذي يحمل مفاتيح الخلاص الإنساني.

أما التحدي الاقتصادي فسيكون الأخطر، إذ إن الهيمنة الكاملة للشركات المتعددة الجنسيات والدول العظمى، على اقتصادنا، والذي سهله فساد المستبدين السياسيين في أمتنا، جعل اقتصادنا مرتهنا لغيرنا في أغلبه، ولابد لنا من إرادة قوية واعية، وثورة على الذات، واستعداد للتحمل والتضحيات، كي نتصدى لهذه الأزمة، ونتجنب الدمار والسقوط.


البــاب الخامس : الإنسـان

الفصل الأول : الإنسان الفرد

تمهيد

في مشروعنا الحضاري يحتل الإنسان، الفرد والمجتمع، المكانة الأولى في رؤيتنا الحضارية في حمل عبء هذا المشروع، والمضي به في طريق الإنجاز الحق.

الإنسان هو المكون الأول من مكونات الدولة، ومادة وجودها، وهدف سعيها. والوطن هو الوعاء الذي يضم الإنسان بين جنباته، والسلطة هي القوة التي ترعى حياة الإنسان، وتحمي وجوده، وتمنع عنه بغي الخلطاء، وغوائل الغرباء.

ومع أن الإسلام قد أكد في كثير من نصوصه الربانية، على الدور الإيجابي الفاعل والمبدع للإنسان (الفرد)، من خلال انتظامه عضواً في جماعة. إلا أن حالة من (الوهن) و(السلبية) و(التواكلية) قد رانت على شخصية الإنسان المسلم، فدفعت بالأمة من خلال إنسانها إلى هامش الحياة، وانحدرت بها من يفاع (العلم) و(السيادة) إلى حضيض الجهل والتبعية.

فقد الإنسان (العربي) هويته، وأضاع ذاته، وسعى منذ منتصف القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، إلى أن يعيد طرح مشروع نهضوي عربي، إلا أن الجهود في هذا المجال قد منيت بالإخفاق، ولعل من الأسباب الرئيسية لذلك العجزَ عن إعادة التأهيل الحضاري (للفرد) و(للجماعة)؛ وفق معطيات التصور الإسلامي، والبناء التاريخي والنفسي للإنسان العربي. وخلال ما يزيد على القرن قيام العديد من المحاولات لإلحاق الإنسان العربي، بحضارات أخرى، قصارى ما يمكن أن يحققه بها من نجاح، هو أن يكون تابعاً للآخرين!!


حقيقة أساسية في مشروعنا الحضـاري:

ومع إقرارنا بتفوق الحضارة الغربية في جانبها المادي، مما أدى إلى امتلاكها توأمي القوة والثروة. إلا أننا لا نعتبر الحضارة الغربية بكل أبعادها أنموذجاً نسعى إلى تقليده، لنصير إلى ما صار القوم إليه. وإذا كنا نفتقد بالحقيقة هذين العنصرين من عناصر العمران البشري (القوة والثروة)، فإن هذا لا يعني تضخيم هذين البعدين، واعتبارهما كل شيء في بناء الحضارة. إن مشروعنا الحضاري يرتكز على رؤية متكاملة، ترعى شؤون الإنسان كما ترعى شؤون الكون والحياة، وربط كل ذلك برب الإنسان، وخالق الكون، وواهب الحياة، بلا تفريط ولا إفراط.


الإنسان في الإسلام:

وفي مقابل هذه الرؤية الغربية للإنسان (الفرد) المنطلق في فضاء لا تحده غير قدرته، ولا تضبطه إلا إمكاناته، يقدم الإسلام، دين الوسطية والاعتدال، رؤية أخرى (للإنسان).

لقد أعلى الإسلام مكانة الفرد، وجعله مناط المسؤولية والتكليف. وقصة الخليقة كلها كما يصورها القرآن الكريم تدور حول شخص واحد، جعله الله خليفة في الأرض، ودعا الملائكة للسجود بين يديه، وسخر له ما في الأرض جميعاً، وخاطب أجيال البشر من خلاله، وأعلن كرامته في أكثر من نص، وخصه بالتكليف وبالشرائع، ووضع على كاهله العبادات والفرائض، وهداه النجدين، وكتب عليه الابتلاء، ولقد كرر القرآن الكريم تذكير الإنسان بمسئوليته الفردية، فلم يحمله وزر من سبقه، أو من عاش معه (ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولكنه في الوقت نفسه أناط به مسئولية العيش ضمن جماعة، حدّد قوانينها ومناهجها، وطلب منه أن يقوم في نفسه بحقها، على حسب قدراته وطاقاته.

فللجماعة على الفرد في التصور الإسلامي حقوق عينية وحقوق كفائية: أوجب عليه الزكاة، وحضه على الصدقة، وإغاثة الملهوف، والعمل على نفع الخلق، والتعاون مع الآخرين على البر والتقوى، وندبه إلى إشاعة الخير، وإظهار البشر، وإماطة الأذى عن الطريق، في منظومة من شعب الإيمان الجماعية التي لا يتسع المقام لسردها، كما حرّم عليه دماء الآخرين وأعراضهم وأموالهم، إلا بحقها، حسب منظومة أخرى من شعب العصيان التي تنتظم الكبائر رأس أمرها.

وإلى جانب الحقوق العينية (الأوامر والمنهيات)، قرر الإسلام على كاهل (الفرد)، أو (الجماعة) منظومة من الواجبات الكفائية، التي تعتبر بحد ذاتها أصلاً تشريعياً فريداً يميز حضارة الإسلام في نظرها للإنسان فرداً في جماعة.

وأكد الإسلام منظومة الحقوق المتبادلة بين الفرد والمجتمع. فأوجب له على (الأسرة) وعلى (المجتمع) وعلى (الدولة)، وأوجب عليه، على قواعد من العدل والمساواة، وندب ذا الفضل ليعود بما لديه على غيره، من غير أنانية أو استئثار.

وأرسى الإسلام كذلك القواعد للحياة العامة، والأخلاق الفاضلة، وجعل الالتزام بها حقاً من حقوق الله على العباد، فمقاييس الخير والعدل والحق والفضيلة واضحة ثابتة، لا تتغير تبعاً للأهواء والمصالح.

ولعل أهم ما يميز التصور الإسلامي للإنسان عن التصور الغربي، ذي النزعة المغرقة في (تأليه الفرد)، واعتباره المرجع في كل شيء، والحاكم على كل شيء، والمالك لكل شيء، ضمن دوائر فضفاضة لا تحدها إلا قدرته ودوائرُ وجود الآخرين. نظرته إلى الإنسان على أنه (خليفة) و(مستخلف):

(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ) (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.)

نعتقد أن هذه الأساسية في التصور الإسلامي، تعتبر نقطة المفاصلة الأساسية بين الإسلام وغيره من التصورات، وعلى أساس هذه الحقيقة ينشأ الكثير من قضايا التمايز.

فالخليفة، هو الذي يقوم بمهامه على أساس الاستخلاف المنهجي، الذي فرضه عليه المستخلِف، صاحب الأمر الأول (ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين ). والمستخلَف، هو الذي يتصرف في مادة الاستخلاف على أساس يقرره المالك الأساسي: للحياة والكون، للمادة والأعيان.


المـرأة: تصـور ومكانـة

الحديث عن الإنسان، حديث عن الرجل والمرأة على حد سواء، ولعل من روائع العربية أن تقول عن الرجل: إنسان، وعن المرأة إنسان.

إلاّ أن خصوصيات شرعية وحضارية واجتماعية تتطلب أن نفرد جانباً من الحديث عن الإنسان، للمرأة في خصوصيتها الإنسانية والشرعية والاجتماعية.

فوضع المرأة في عالمنا العربي تتغشاه ظلمات ثلاث من الإشكالات التي تجعله أكثر غموضاً وصعوبة من وضع أخيها الرجل: الأولى هي دوامة من المخططات العالمية المريبة، تدور كالإعصار حول المرأة المسلمة، لتقتلعها من جذورها، وتلقي بها حطباً يابساً، وقوداً لتنوير مزعوم!. والظلمة الثانية، وضع اجتماعي موروث ينال من الرجل كما أشرنا فيلقيه في حبالة التخلف والجهل، ويكون أثره في حال المرأة أقوى وأبعد أثراً. والظلمة الثالثة نشأت من اختلاط المفاهيم والقيم الاجتماعية بالقيم الدينية، وأخذها بعض قداستها، بفعل عوامل من الفهم المغلوط لطبيعة العادات. المعركة في موضوع المرأة متقدة على أكثر من محور، وعلى أكثر من صعيد، ولذا فإن حديثنا عنها: (تصوراً ومكانة) في إطار مشروعنا الحضاري ربما يطول بعض الشيء، ولكنه طول لا بد منه لرد الأمر في موضوع المرأة إلى نصابه الشرعي العام.


شقيقان من نفس واحدة..

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ).

تلك هي قضية الخلق: نفس واحدة يشتق منها زوجها، فإذا (النساء شقائق الرجال )، وإذا الناس رجال كثير ونساء. والعلاقة بين الشقيقين تقوم في دوائر ثلاث هي التماثل، والتمايز، والتكامل.

أولاً ـ التماثل:

المظهر الأول في التصور الإسلامي لتماثل الذكر والأنثى، وحدة الجوهر الإنساني بكل حقائقه وأبعاده، وهذا التصور يمثل حقيقة ربانية في عالم الخلق والتكوين، لم تتوصل إليه البشرية عبر مخاضها الفكري إلا في عقود متأخرة. وللتذكير نقول، إن رجال الثورة الفرنسية ومن واكبهم في أمسهم القريب كانوا يتمارون في إنسانية (المرأة)، ويتجادلون في مجامعهم المسكونية حول روحها (الإنساني) أو (الشيطاني).

والمظهر الثاني للتماثل، هو تماثلها، باستقلال الشخصية الإنسانية، التي تتأسس عليها المساواة في الشخصية الاعتبارية أو القانونية، فللمرأة في التشريع الإسلامي أهليتها لكل الأنشطة المدنية في ميدان العقود، وهذا يعطي المرأة الحق أن تمتلك، وتبيع وتشتري وترهن وتقرض وتهب وتتصدق وتضارب وتوكل وتتوكل... الخ

والمظهر الثالث من مظاهر التماثل؛ التماثل في حمل أمانة التكليف، والتكليف الرباني تشريف وتكريم للإنسان، ينبع من أهليته: العقلية وتوازنه النفسي، وقدراته العامة. في الإسلام اعتبرت المرأة كاملة الأهلية، كاملة التكليف، وحطت عنها بعض التكاليف لمقتضيات طبيعتها الخاصة. والأجر على العبادة والطاعة في الإسلام للذكر والأنثى سواء: (لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) والعقوبة على المعصية في الإسلام للذكر والأنثى، بخلاف أعرافنا الاجتماعية سواء: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ).

وكل نداء وجهه الله سبحانه وتعالى للناس بقوله: (يا أيها الناس) دخل فيه الذكور والإناث. وكل نداء وجهه الله سبحانه وتعالى للذين آمنوا بقوله (يا أيها الذين آمنوا) دخل فيه المؤمنون والمؤمنات. والحديث عن وضع الجهاد عن المرأة فيه تأمل وتفصيل، فإنما وضع عنها جهاد الطلب، وهو على أخيها الرجل من فروض الكفايات، أما جهاد الدفع فهو فرض عين على الرجال والنساء.

هذا التماثل الشرعي: في جوهر الإنسانية، وفي الأهلية الشرعية والقانونية، وفي حمل أمانة التكليف؛ هو الذي يشكل أساس رؤيتنا لمكانة كل من الرجل والمرأة، ويجدر بنا أن نقرر في هذا المقام، أنه لا تخصيص في تكليف المرأة، إلا بشاهد شرعي يخصص العام في حقها لعلة أنوثتها. وشمول عموم الخطاب الذكر والأنثى قاعدة أساسية من قواعد الخطاب الشرعي.

ثانياً ـ التمايز:

والتمايز هو الذي يعطي كل شقيق مغزاه، وليس معنى التماثل هو (التطابق)، إذ لو كان التماثل (بمعنى التطابق)، لما كان هناك شقيقان أو زوجان، أو ذكر وأنثى، وللتمايز بين الشقيقين مظاهره: التكويني /الخَلقي/ (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ). ومن مظاهر التمايز بين الشقيقين: التمايز النفسي (السيكولوجي)، وهو مجلى آخر من مجالي التمايز الناشئ عن الحقيقة الأولى، حقيقة أن الأنثى خُلقت لتكون أماً، أي لتعطي بلا حدود، وبرضى تام، بل بغبطة غامرة، من جسمها ودمها ونفسها وروحها، من وجودها كله، بلا منّ ولا أذى ولا انتظار عوض. ومن مظاهر التمايز ما ورد في الحديث الشريف (… ما رأيت ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ).

وعندما سئل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن سر النقصان، حصره في مظهرين فبين أن نقصان دينها، في تركها الصلاة أيام عادتها الشهرية. وأن نقصان عقلها في أن شهادة المرأة جاءت على النصف من شهادة الرجل.

إن نقصان الدين -في سياق الحديث- ليس نقصاناً في الأهلية الشرعية. بل إن مقتضيات الأنوثة، قد فرضت على المرأة أن تترك بعض الشعائر في أيام محدودة، ولهذا نقصت عبادتها، فنقص الدين هنا شيء غير نقص الأهلية الشرعية، أو نقص الأهلية الإنسانية.

ونقصان العقل -في سياق الحديث- ليس نقصاً في القدرة على المحاكمة والتمييز، ولا قصوراً في التفكير، إنما يرتبط بالوقائع المشخصة التي يتلقاها الإنسان بعقله وقلبه معاً، ثم يطلب إليه أن يؤديها من جديد، تلك هي وقائع الشهادة في ميدان القضاء، أن يشهد الإنسان على وصية لأيتام فقراء ضعاف، أو أن يشهد على مدين فقير، أو على سائق رآه يدهس طفلاً بصورة مروعة. أمام هذه الوقائع تهتز الصور وتختلط الحقائق، ويتقدم بعضها على بعض عند الإنسان، ولذا قد حذر الشارع من هذا ابتداء، وطلب من الشاهد أن يؤدي الشهادة على وجهها (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنياً أو فقيراً، فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا )

هذا الأثر العاطفي النفسي عند المرأة: الأنوثة والأمومة، والتي تنحاز فطرياً إلى جانب الأصغر والأضعف هو الذي جعل الشارع يقرن شهادتها بشهادة أختها لتتعاون على إعادة تصوير الواقعة، كما كانت، من غير اتهام للمرأة بتعمد التحريف والتغيير.

كما شفع الشارع شهادة الرجل بشهادة أخيه، وأكد على أن تكون الشهادة لذَوَيْ عدل، ولم يزعم أحد أن في هذا إهانة للرجل، أو انتقاصاً لقدراته الفكرية أو العقلية (العامة).

ثالثاً ـ التكامل:

أما التكامل فيتجلى في هذه المزاوجة بين الذكر والأنثى، لتكون النفس الواحدة، وليكون الإنسان. النفس الواحدة في المحضن الطبيعي لتنشئة بشر أسوياء، يقوم كل بدوره في الحياة. إنه لا يهين المرأة، وينقص من قيمتها، مثل اعتبار مقومات الأنوثة نقصاً وعيباً، وأنه لا شيء يهدد بنيان الحياة الإنسانية والاجتماعية مثل محاولة سلخ المرأة من أنوثتها، واستلحاقها بعالم الرجال.

ولا بد أن نقرر في هذه العجالة، أن ثمرات الحياة الإنسانية أغلى وأسمى من أي نتاج مادي سلعي يسعى إليه الإنسان، وأن هذه الثمرات تستحق أمومة حقيقية تحتضنها وتحميها وتنشئها راضية مطمئنة واثقة. وعلى أساس هذه الركائز الثلاث من التماثل والتمايز والتكامل، يقوم تصورنا لشطر الوجود البشري، الذي تمثله المرأة. وعلى أساس هذا التصور، تتحدد مكانة المرأة في الحياة العامة، وتقوم بدورها بجانب شقيقها الرجل في إقامة التكاليف الروحية والاجتماعية العامة، كما قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله) التوبة:

أما المحاولات التي تريد أن تذيب كل الفروق بين الذكورة والأنوثة، وان تسوي بينهما في كل شيء، وتبيح الإجهاض بإطلاق، والحرية الجنسية بإطلاق، كما رأينا في (اتفاقية بكين) و (نيويورك) وغيرهما، فنحن نرفضهما، ويرفضهما معنا كل المؤمنين برسالات السماء، لأنهما ضد الإنسان، وضد فطرته التي فطره الله عليها، وضد الأسرة التي هي الحصن الحصين الطبيعي والشرعي لكل الأجيال، وضد المجتمع الذي لا تمسكه شيء غير الأخلاق، فإذا انهارت أخلاقه وقيمه فقد انهار.


مكانة المرأة في الحياة العامة

ومن الفهم السابق يأتي تصورنا لدور المرأة في الحياة العامة، وفي حمل عبء المشروع الحضاري مع شقيقها الرجل، فنحن نعتقد أن البيت هو الميدان الأساس لعمل المرأة، ولا نرى في تفرغ المرأة لبيتها وأولادها تعطيلاً للجهد، واستغناء عن نصف المجتمع، وإنما نرى فيه نوعاً من التخصص في توزيع العبء.

ولكن هذا الفهم، لا يعني، أن نحجر واسعاً، ولا أن نضيق في أمرٍ للإنسانية فيه سعة، فالباب مفتوح لمشاركات المرأة، ولاسيما أولئك اللواتي تسمح ظروفهن الشخصية أن يلجن أبواب الحياة العامة لتكون لنا: المرأة الداعية، والمرأة العاملة، والمرأة الأديبة، والمرأة المفتية، والمرأة الناخبة، والمرأة المنتخبة في حدود الولايات العامة، وليكون هذا الجهد من المرأة جهداً مساوقاً ومعززاً لجهد أخيها الرجل، على حد ما روت الصحابية الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، قالت (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنداوي الجرحى، ونسقي العطشى). وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تشارك النساء في هذا، كما كانت تفتي الرجال وتستدرك مع كبار الصحابة.

بل لا مانع أن تكون المرأة قاضية أو مديرة أو وزيرة إذا كانت تملك المؤهلات المطلوبة لوظيفتها، ولم يكن ذلك على حساب بيتها وأطفالها، وكان تطور المجتمع يرشحها لذلك، ولنا في مذهب أبي حنيفة والطبري والظاهرية ما يسندنا في ذلك.

إن من موطدات نجاح أي مشروع حضاري للأمة، أن يأخذ الجهد الإنساني من الرجل والمرأة على حد سواء، مكانته في بناء المجتمع، وتحقيق الإنجاز.

ويبقى لنا من خلال ما قدمناه عن تصورنا لشخصية المرأة المسلمة: العفة والطهر والنقاء، وتبقى للمرأة المكانة والحرمة والاحترام.

إن لباس المرأة في إطار من الحشمة جزء من شخصيتها العامة، ولا بد أن نؤكد على أن تميز المرأة بلباس خاص يؤكد عفتها وحشمتها ويصون جسدها، عن تقحم أعين فيها مرض، يأتي مصداقاً لقوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) نعم ذلك أدنى أن يعرفن بالحشمة والطهر والعفة فلا يؤذين.


الفصل الثاني : المجتمع

تمهيد:

في مشروعنا الحضاري، لقطرنا العربي السوري، نؤكد ابتداءً، أن المجتمع القوي المتلاحم المعزز بكل الروابط الإنسانية السامية، الممتلئ بالحيوية والإيجابية والشعور بالتحدي الحضاري العام؛ هو أساس رؤيتنا لأي إنجاز حضاري. وننظر إلى الأسرة على أنها الوحدة الاجتماعية الأولى، وأنها الطريق الفطري والشرعي والحضاري، للّقاء البشري، والنمو الاجتماعي. الأسرة القائمة على عملية الانصهار في بواتق المودة والرحمة. إن تعابير (الانصهار) و(المودة) و(الرحمة) لها حضورها العبقري في هذا الزمان. (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا ) (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة )


أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي

وإذا كانت حلقات الإصلاح الاجتماعي، لا يمكن أن تؤخذ منفردة، بل لا بد أن تأتي متداخلة مع الإصلاح السياسي والإصلاح الثقافي والإصلاح الاقتصادي؛ فإننا في سياق مشروعنا الحضاري الاجتماعي نؤكد على الأبعاد التالية:

أولاً ـ صون الأسرة:

التأكيد على مكانة الأسرة، باعتبارها اللبنة الأولية الشرعية في البناء الاجتماعي، ودعمها والوقوف بحزم في وجه كل الدعوات التي تحاول النيل منها نظرياً بالطرح الثقافي، وعملياً بالتشريع والتطويع. يتضمن هذا ؛ تسهيل عملية بناء الأسرة، وتذليل الصعاب أمام جيل الشباب، وتطوير تقاليد الزواج، وفق الضوابط الشرعية، التي أُثقلت بركام العادات، ومن ثم ضبط قانون الأحوال الشخصية في أطره الشرعية، بما يصون الحقوق، ويعين على بناء الأسرة بناءً متوازناً، ويحفظ عليها وجودها، ويدعم بقاءها.

كما يتضمن سن منظومة القوانين التشريعية التي تحمي الأمومة والطفولة، وتفتح الآفاق التكافلية أمام الأسرة التي تشكل الحاضنة الأساس لأجيال الأمة، وهي التي تتحمل عن المجتمع عبء الإنجاب، وتمده بعدد أكبر من الأبناء، الذين يشكلون في أي مشروع حضاري: جندَ إنجاز، أكثر منهم عبء استهلاك، كما دأبت النظرة الرأسمالية المستوردة على تصنيفهم.

وبالمقابل لا بد من تحصين مجتمعنا العربي المسلم، من كل الدعوات الهدامة التي تتبناها منظمات رأسمالية تحت رايات عميّة، مثل مؤتمرات الإسكان ومؤتمرات (المرأة)، التي تسعى حثيثاً لهدم الأسرة، وتعويم العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة، وتدعو إلى أشكال من العلاقات الإنسانية المبتذلة، تحت شعارات الحرية الفردية، التي قادت (الغرب) إلى حالة من الانحلال الاجتماعي، والفوضى والإباحية، ونشوء جيل كامل من الأبناء ناقصي الإنسانية، مجهولي النسب.

ثانياً ـ نبذ التقليد:

يقوم مشروعنا الحضاري في إطاره المجتمعي، على رفض التقليد الاجتماعي الذي لا يقوم على أساس من نصوص الشريعة، ولا يدعمها مؤيد من نور العقل والحكمة. مهما كانت ذرائعه ودواعيه، التقليد التراثي المحض لعادات الآباء والأجداد مرفوض، وكذلك التقليد للأمم الغالبة في كل أمرها، وتتبع خطواتها ولو كانت خاطئة!!

إن الاستقلال العقلي، الذي يزن كل شيء بميزان الحق ونور العلم، هو المنهج الذي يجب أن يضبط الخلق الاجتماعي الأول، ليسير المجتمع في طريق البناء والإنجاز.

ثالثاً ـ نشر الوعي:

إن انتشار الوعي الذي تمثله حالة الإدراك العام لما أسلفنا يفوِّت على المستبد السياسي، ذرائع استبداده، وعلى المستبد الاقتصادي، ذرائع استغلاله للفرد والمجتمع، وسلبهما الثروة والقدرة على التصرف، كما يفوت على أنماط السلوك الاجتماعي الضار أو المنحرف، قدرتها على تسيير الإنسان إلى حيث ينكر الدين ويرفض العقل، وتأبى الفضيلة.

رابعاً ـ الإباء ورفض الظلم:

لقد أوهنت قرون الاستبداد المتطاولة، روح الإباء في مجتمعاتنا، وطوعتها لإرادة الظالمين، وغاب عن الأمة قول مولاها في كتابه العزيز ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) ولعل من روائع الحكمة في هذه الآية أن سابقتها تتحدث عن الشورى على أنها أساس للعلاقة بين المؤمنين، وكأنها تقرر أن من معاني البغي المقصود في هذه الآية، هو "بغي" استبداد المستبدين: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة، وأمرهم شورى بينهم، ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وجزاء سيئة سيئة مثلها )

إن حالة الوهن التي أصابت الأمة ومجتمعاتها، فحاصرتها في حالة من الغثائية أطمعت فيها عدوها الخارجي حتى تداعى عليها، فاستبيحت بيضتها، وانتقصت أرضها، وانتهكت مقدساتها. وأطمع فيها المستبدين من بني الجلدة واللسان، حتى ليقول قائلهم ما قاله فرعون قديما: (ما أريكم إلا ما أرى.) إن مشروعاً حضارياً متكاملاً، لابد أن يكرس في أولياته بناء شعور الأَنَفة في نفوس أبناء المجتمع، الشعور الذي يتصدى للظلم، ويرفضه ويأباه، ويمتلك الجرأة الأدبية والمعنوية ليقوم مقام المناصحة الإيجابية، والمباداة الحضارية، ولو ذهبت حياته فداء ذلك، وبذلك يجاور مقام سيد الشهداء (ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه فقتله ).

خامساً ـ التواصل ( بناء المجتمع المدني):

إن الإسلام الذي وضع على كاهل (الدولة) المسؤولية العامة في رعاية الفرد والمجتمع، حتى ليقول ابن الخطاب رضي الله عنه ( لو أن دابة عثرت بشط العراق لخشيت الله أن يسألني عنها لمَ لم أعبد لها الطريق.) هذه المسؤولية الشاملة المنوطة بالدولة، لم تحل دون تقدير الشارع الحكيم لحالات: تغيب فيها الدولة، أو تقصر، أو تضعف، أو تعجز، وحين يحصل هذا، فلا يجوز أن يترك أمر المسلمين سدى، أو يحال إلى كرم أصحاب الضمائر، وإحسان المحسنين، ومن هنا جاء الواجب الكفائي، أو الواجب الجماعي، ليلقي على كاهل من حضر وقدر من المسلمين عبء إزالة الضرر، ورفع الإصر، والدفع في طريق الإنجاز. الفروض الجماعية أو (الكفائية) دعوة إلى القيام بالواجب لمن حضر وقدر، وتوفرت فيه الأهلية، وهي فروض شرعية، قد تتقدم على الواجب العيني بحق بعض الناس، إذ تكون بالنسبة إليهم عينية عامة، بينما الواجب العيني يبقى فردياً خاصاً.

فمن الفروض الكفائية: إنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، وإسعاف المشرف على الهلاك، وتولي الولايات العامة لأهلها وبأنواعها، والجهاد في سبيل الله،، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم، والقيام بالحرف والصناعات الضرورية للناس، وتعلم العلوم التي يحتاجها المسلمون بأنواعها، والبراعة فيها، حتى لينعى الإمام الغزالي على مسلمي عصره، انصرافهم عن علم (الطب) مع مسيس الحاجة إليه، وانصرافهم إلى علم (الفقه) الذي كان يتيح لمن تعلمه تولي القضاء والولايات. وحين يجوع أهل بيت في الإسلام تقع المسؤولية المباشرة على الجار الشبعان، حال تأخرت الدولة، وغابت الجماعة (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )، (أيما أهل عرصة أصبح فيها امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى )

سادساً ـ التكافل والتراحم:

يهمنا أن توطد الدولة نفسها على تحمل العبء الأكبر من سهم المعونة الوطنية، ومن سهم التعليم والصحة والإسكان، والتعويض العائلي للأسر الكبيرة ـ التخطيط الرسمي يسير في الاتجاه المعاكس ـ إلا أن جهود الدولة لا تغني عن بناء وحدات المجتمع على أساس من التكافل والتراحم الاجتماعي، وهذا مطلب أساسي لبرنامجنا في المشروع الوطني، حيث ينبغي أن يتربع نظام الزكاة الذي هو حق لا يقل في مكانته عما تفرضه الدولة من رسوم وضرائب، وربما يكون في إيجاد المؤسسات الوسيطة بين المعطي والآخذ، معنى نفسي نفيس طالما حرص الإسلام عليه بحماية نفسية الآخذ من الشعور بالدونية، وطالما حض المعطي على ألا يبطل صدقاته بالمن والأذى.

في المجتمع المتكافل المتراحم، الذي يميت الفقر والحاجة بين ظهرانيه، تنطلق المسيرة مؤزرة في طريقها الإنساني الحاني، نحو مشروعها الحضاري الرشيد.

سابعاً ـ التقوى:

التقوى بمعناها الإيجابي، هي الخلق الجامع لخلال: الصدق والأمانة والوفاء والإيثار والتضحية والإحسان والإتقان في العمل، والحرص على الوقت والإنجاز والجرأة في الحق، والرفض لكل أشكال الظلم. امتثالا لأمر الله تعالى، واجتنابا لنهيه، وابتغاء ما عنده. كل هذه الخلال، بدأ الناس يفتقدونها في بنية مجتمع رانت عليه تراكمات من حالة الغفلة وحب الشهوات والتخلف والانهيار، وزادته روح اللهفة (الاستكثارية) المحمومة أو حب الدنيا بلاء على بلاء.

ثامناً ـ قبول التحدي:

إن أمتنا أجمع، وشعبنا العربي السوري بشكل خاص، بحاجة إلى من يوقظ في قلبه وعقله هذا الشعور بالتحدي، وإلى من يدفعه إلى التفاعل معه بحركة مدروسة محسوبة، لأن الإخفاق يقود إلى اليأس والقنوط، والإخلاد إلى مستسهل الإنجاز يتركنا منسيين على هامش الحياة.

و(قبول التحدي) هو حالة مجتمعية عامة، تضع المجتمع بشكل عام في حالة من التوتر الإيجابي البناء، الذي يدفعه إلى الإبداع والإنجاز والإتقان. ووضع المجتمع في الحالة (تحت الحرجة) من التوتر الإيجابي تتطلب قدراً أولياً من الحرية والأمن والاستقرار والثقة والمسئولية. إن الاستبداد يخلق حالة مجتمعية من اليأس واللامبالاة، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضمحلال والضياع. إن الموقف السياسي الذي فرض على شعبنا حالة الخوف والقهر وانعدام الثقة، سلبه بذلك قدرته على التفاعل مع التحديات، والتعاطي مع الشأن العام.

طريق المشروع الحضاري يبدأ من هنا من عمق الذات الفردية، ومن قاع المجتمع العام، بخطاب يمتلك مفاتح القلوب والعقول، لينتقل بالمجتمع من حال إلى حال أفضل.


الفصل الثالث (تحديات اجتماعية)

أولاً: النمو السكاني

لا ريب أن قضية النمو السكاني هي إحدى القضايا الهامة عند الحديث عن أي مشروع نهضوي، ذلك أن الدولة الحديثة أصبحت تتحمل العبء الاقتصادي الأساسي لتنشئة المواطن، وصار عليها مسؤولية تقديم الخدمات في مجالات التعليم والصحة والسكن وإقامة البنى التحتية للمجتمع، وأخيرا تأمين فرص العمل لمواطنيها. إلا أن هذه القضية الهامة لا تنفصل عن قضية التنمية والتخطيط والتوزيع العادل للثروة وتوقف الفساد.

ينتظم مجتمعنا العربي السوري في عداد المجتمعات الفتية والشابة. وهذا يعني أن جيل الطفولة فيه يزيد أضعافاً مضاعفة على جيل الشيخوخة والكهولة. ويعتبر التفاوت في التسارع بين عمليتي التنمية والنمو السكاني، إحدى المشكلات المقلقة لكثير من دول العالم الثالث ومنها قطرنا العربي السوري. وفي محاولة للحد من هذا التفاوت بين القضيتين، تطرح بعض المنظمات الدولية قضية تحديد النسل كحل مفترض، بيد أن هذا الحل يأخذ لدى المتدينين بعداً شرعياً دينياً إضافة لأبعاده الإنسانية والنفسية ، إذ أنه يبدو شكلا من أشكال الوأد الخفي، الذي تأباه قيمهم وضمائرهم.

إننا نرفض هذه الحلول الافتراضية العقيمة لأننا لا ننظر من منظار أصحابها إلى الفرد الإنساني على أنه عبء على الدولة أو على المجتمع، فهذه نظرة قاصرة تتعلق بنصف الكأس الفارغ فقط، بل ننظر إليه على أنه عامل من عوامل الإبداع والإنجاز، وحمل العبء الوطني في مرحلة لاحقة من مراحل التربية والإعداد ؟!

كما أن النظرة الغربية إلى الفرد الإنساني على أنه -شريك إضافي- في الثروة أو الموارد الوطنية المحدودة، هي نظرة فردية رأسمالية استئثارية، تقوم على أساس تضخيم حقوق الفرد على حساب المجموع، إن تزيين حالة الطفل الواحد الذي ينال أقصى درجات (الرفاهية) على حساب شقيقه الموؤود، أو الذي لم يعط فرصته في الحياة، هي أعتى أشكال المنطق الرأسمالي القائم على الأثرة والأنانية. إن توجيهاً ثقافياً سليماً يجمع بين الحرص على توفير أساسيات الحياة الكريمة لأعضاء الأسرة شيء، ولنقف عند لفظ كريمة، والدعوة إلى تأمين الحد الأعلى من الرفاهية والإمكانات للفرد الواحد على حساب الذي سيحرمون من حظهم في الحياة شيء آخر. ورحم الله زماناً كانت الأسرة تقتسم اللقمة، وكان الأخ الصغير يلبس من ثياب أخيه الأكبر. إن وجود أخ للإنسان معنى يستحق أن يضحي الفرد من أجله ببعض رفاهيته، وما ينطبق على الأسرة الصغيرة يمكن أن ينطبق على المجتمع بأسره.

إننا نرى في الإنسان، وجوداً مكرماً يستحق الوجود لذاته، وأنه هدف سام من أهداف الخلق المكرس أصلاً لعبادة الخالق وللخلافة في الأرض ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من زرق وما أريد أن يطعمون.) وننظر بالتالي إلى الوجود الإنساني في إطار التكريم هذا على أنه نعمة وثروة وطنية وإنسانية أكثر منه عبءً ينبغي التخلص منه، أو الحد من وجوده، وندين كل محاولات التفرد الرأسمالي بثروات الأرض، التي تهدر في غير مصارفها الطبيعية على أشكال من الترف البحثي، والسلع الاستهلاكية، على حساب وجود الآخرين وجوع الجائعين وحاجة المحتاجين.

إننا نتفهم ربط المنظمات العالمية بين النمو السكاني والتنمية ونتقبله، ولكننا لا نوافق أن العلاقة بين القضيتين علاقة عكسية! إننا نحكم نظرتنا الإسلامية إلى قضيتي التنمية والنمو السكاني من خلال الحديث النبوي الشريف: (ثم يؤمر الملك بكتابة أربع: عمله ورزقه وأجله وشقي وسعيد)، فكل مخلوق قدر الله له الوجود، قدر له رزقه المكتوب طيلة حياته، ومن خلال الحديث الآخر: (لن تموت نفس حتى توفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، ومهمة الدولة أن تعمل على تهيئة هذا الرزق، والتخطيط له ببرامج وخطط تنمية.

وفي رؤيتنا الحضارية لموضوع النمو السكاني نؤكد على ما يلي:

1- ضرورة المحافظة على كيان الأسرة وتماسكها، والتصدي للدعوات التي تحاول النيل من بنائها ليحل مكانها الفوضى والاضطراب والانحلال الخلقي.

2- أن التوعية العامة في بناء الثقافة السكانية- على أسس علمية فردية وعامة، من ظروف الفرد والبيئة، والتقدير المتوازن لإمكانات التربية والرعاية في ظروفها الطبيعية- هي الضابط المعياري لسلوك الفرد، في إطار المجتمع.

3- أن التزام خطة علمية للتنمية في قطرنا العربي السوري -يتم من خلالها ضبط مدخلات التنمية وبرامجها وآلياتها- كفيل بأن يجعل هذا القطر قادرا على تأمين مستوى كريم من الكفاية الإنسانية لأبنائه حاضرا ومستقبلا،

4- أن كل الدعاوى التي تطلق على عدم كفاية كوكبنا (الأرض) لأبنائه، إنما هي دعاوى رأسمالية سببها حمى التملك في نفوس بضعة أفراد يحتجزون أقوات الشعوب ويتصرفون بمصائرهم، ويريدون أن يغلقوا في وجه الإنسان الطريق إلى الوجود والحياة.. (وقدر فيها أقواتها)، (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم)، فقبل مائة عام مثلا لم يكن للنفط دور في دعم الثروة العامة لقطرنا، وها هو يتحول اليوم ليحقق أكثر من 6% من الثروة الوطنية، فصادرات النفط بالأرقام للعام 2003م هي 114.272مليار ل.س من أصل 188.661 مليار ليرة مجموع الصادرات كلها، فمن الذي جاء بالنفط إلا رب العالمين –له الثناء والمجد-؟

5- إن عدم تحقيق نمو في الناتج المحلي يعد أبرز مؤشرات التنمية المتدهورة في قطرنا، فقد جاء بالنص الصريح في مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي طرحته الوزارة السورية السابقة ما يلي: (ويهدف البرنامج من خلال هذه الفترة –خمس سنوات- إلى زيادة معدل نمو الناتج المحلي بحيث يبلغ 6% في نهاية البرنامج...حيث أشار البرنامج إلى أن معدل النمو خلال عقد التسعينات بلغ نحو 5.6% مع تأرجح كبير بين السنوات، ويلاحظ معدو التقرير أن وسطي معدل النمو ووسطي تزايد السكان يكادان يتعادلان، مما يشير إلى عدم تحقيق نمو فعلي) . نسوق هذا لأولئك الذين روجوا لأكذوبة استقرار النظام الاستبدادي الشمولي السابق في سورية، حيث أن مقياس الاستقرار الحقيقي للمجتمع والدولة والسلطة الحاكمة يقاس بمدى التقدم في قضية التنمية، لا بتغول أجهزة الرعب والكبت والإقصاء فيها. هذا ولا بد من الإشارة إلى أمور ثلاثة أساسية في هذا الصدد:

الأول: محاربة الفساد، فالمفسدون في الأرض الذين ينهبون ثروات الأمة، ويتحكمون في مفاصلها. هم أبرز أعداء الوطن، ومحاربتهم هي نقطة الارتكاز الأولى في عدالة التوزيع، وإيصال الحقوق إلى أصحابها. وكم ذكر المسؤولون أن عشرين بالمائة في سورية تتحكم بثروة ثمانين بالمائة من الشعب البائس.

الثاني: تحقيق تكافؤ الفرص لأبناء الوطن جميعا. ومكافحة البطالة في برنامج عملي مدروس، يفتحان الطريق أمام بناء اقتصادي واعد.

الثالث: تطبيق نظام الزكاة الإسلامي، ونظام النفقات والصدقات الذي يحقق في النهاية الوفرة، ويقضي على الفقر، كما قال علي رضي الله عنه: (إن الله فرض في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء، وما جاع فقير إلا بما طغى به غني.


ثانياً: التعددية العرقية والدينية وتحدي الوحدة الوطنية

يتكون النسيج الاجتماعي السوري من أكثر من عشرين مجموعة من الطوائف الدينية والعرقية، وتنظر الجماعة إلى هذا التنوع على أنه عامل قوة وغنى، وليس عامل تفتيت.

وقد شارك في تاريخ سورية الحديث رجالات من مختلف الأعراق والطوائف، لأنهم كانوا يحملون الأهلية والوفاء والانفتاح على الآخرين، كما شارك في قوائم الإخوان المسلمين الانتخابية في السابق مرشحون من غير المسلمين، وما وقع من إشارات للطائفية في مرحلة الأزمة بين الجماعة والنظام السوري كان يستنكر واقعا لم تكرسه الجماعة، ولم تبشر به، وقد آن الأوان لأن تختفي الممارسات الطائفية من سورية، وتحل محلها قيم التسامح والانفتاح.

إن الإشارة إلى الواقع الطائفي، ونقد الممارسات الطائفية والحديث عنها لا يعني الوقوع في فخها أو ممارستها، وهذا موقف آخر مغلوط، ومجاف للحقيقة، طالما عوملنا على أساسه

إن حقيقة الممارسة الطائفية في قطرنا واقعة مستعلنة ، لا تقبل المجاحدة، ويكفي للشهادة عليها تتبع الإحصاءات العامة في مفاصل البنية الوطنية: العسكرية والسياسية والإدارية والديبلوماسية والعلمية. وستكون نتائج الإحصاءات الفاقعة ناطقة بكل الحقائق التي تسيء وتريب. ولقد خلفت سياسات التمييز الطائفي في نفوس أبناء قطرنا شعوراً بالمرارة والأذى، وبالذل والمهانة. بل تعدت السياسات طورها، حين غدت تهمة إثارة النعرات الطائفية تهمة يوصم بها كل من ينادي بالإصلاح العام.

أما في إطار التعددية: العرقية، الكردية والتركمانية والشركسية، فلا نرى من منظور إسلامي في هذه الانتماءات مشكلات أقلية تحتاج إلى علاج، بقدر ما نرى خصوصيات أنبتها واقع متخلف ومستبد فكانت شكلاً من أشكال الاحتجاج عليه، وعندنا فإن المطالبة بالحقوق في سياقها الوطني، مطالبة عامة تشمل أبناء الوطن جميعاً. وما يزال الثابت الإسلامي يشكل مظلة أبعد مدى تشتمل على أبناء الأمة أجمع: الإنسان والتطلعات.

ومن هنا ترى الجماعة أن التعامل مع التنوع العرقي والطائفي يقوم على عدة مبادئ:

1- احترام حرية العقيدة والعبادة التي كفلها الإسلام بشكل بين وجلي (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).

2- تعميق روح الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر والتأكيد على أن لكل طائفة الحق في الاحتفاظ بمعتقداتها الخاصة، وأن يكون لها دورها الوطني الأصيل.

3- التوازن في النظرة إلى التدين والطائفية.. فالتدين نزعة أصيلة في النفس البشرية، والتزام بعبادات وسلوكيات وقيم إنسانية رفيعة، وتواصل مع الآخر، وحوار معه، بينما الطائفية تعصب وانغلاق وخوف من الآخر، وكره له, وهي من آثار غياب الفهم الصحيح للدين ، لا أثرا من آثار التدين.

4- تعميق روح المواطنة، واعتماد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وكذلك اعتماد مبدأ الكفاءة وتساوي الفرص أمام جميع المواطنين للمشاركة في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية والأمنية.


الباب السادس : السلطة

تشكل السلطة العنصر الثالث من عناصر الدولة الحديثة، وهي العنصر الذي انتقل بالحياة الإنسانية من حالتها البدائية إلى حالة الحياة الجماعية المنظمة.


=الفصل الأول: السلطة.. الحق والمشروعية=

لابد أن نعلن قناعتنا المبدئية بمجموعة من الحقائق:

الحقيقة الأولى: أن الأمة دائماً هي مصدر الولايات، ومنها يستمد صاحب الولاية شرعيته، ولقد كانت الكلمة الأولى لخليفة المسلمين الأول غاية في الإيجاز (أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم..) فلم ير فيها حقاً مكتسباً، ولم ير في نفسه فذاً مميزاً على العالمين.

الحقيقة الثانية: أن الفطرة السوية هي ميزان الحق الأولي (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره) (استفت قلبك ولو أفتاك وأفتوك..).

ولكن لما كانت النفس الإنسانية عرضة للزيغ والميل والانحراف، فقد تأكدت معالم (الحق) و(الباطل) في شرعة الإسلام بالنص الشرعي على هذه المعاني، وكان هذا التأكيد بمثابة قطع لأي شكل من أشكال النزاع حول قيم الوجود الأساسية.

وفي إطار هذا الفهم يتبدى هذا الحق الأصيل في منظومة من القيم المطلقة التي لا يمس جوهرها زمان ولا مكان، ولا يعدو عليها إنسان إلا وقد ارتكس وانتكس في إنسانيته، وهو معنى (أسفل سافلين) الذي أشار إليه القرآن الكريم (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ) ولكن لابد للحقائق المجردة المطلقة دائماً من لبوسها (الزماني) (المكاني)، الذي تتجلى فيه حقائق ملموسة حية، وهذه الملابسة بالزمان والمكان، هي التي تجسد الفرق بين جوهر القيم المجرد المطلق، وبين صورها العملية في حياة الناس. وهذه الصور هي التي أطلق عليها القرآن الكريم مصطلح (المعروف، والمنكر). بينما أطلق الفقهاء على غايات الأحكام وعللها النهائية مصطلح (مقاصد الشريعة). فمقاصد الشريعة علة الكثير من الأحكام، وعليها دورانها.

وإذا كان الفقهاء قد اجتمعوا (على أنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان)، فإن المقاصد الشرعية تعتبر الأصل الذي تدور عليه هذه الأحكام.

وقد انتظمت مقاصد الشريعة عند سلف الأمة في كليات خمس رئيسية هي: حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وهي منظومة مفتوحة غير مغلقة، قابلة للزيادة، كما أنها قابلة للتشعيب والتطوير. وخلاصة ما نريد التأكيد عليه في هذا المقام هو أن السلطة في تصورنا الإسلامي، لا تتحرك في فراغ بل إنها تتحرك في دائرة من الثوابت التي تعتبر الأساس لأي حياة إنسانية رشيدة وقويمة. وأن دعاوى (الفردية) و(الحرية) عندما تخرج عن مرتسماتها الإيجابية، تقود إلى الفوضى والاضطراب والضياع. وعلى أساس من مقاصد الشريعة العامة، تستطيع السلطة أن تتحرك في سن التشريعات أو القوانين في إطار المصلحة العامة للأمة، وبهدي النصوص الشرعية التي جاءت عامة ومجملة حيث اقتضى المقام العموم، وجزئية مفصلة حيث احتمل المقام ذلك.

الحقيقة الثالثة: في مواصفات الفرد القائم بمهمة التمثيل الاجتماعي والسياسي، حيث إن مقام الممثل، هو مقام النيابة عن الأمة والمجتمع في حماية مصالحها، وتحقيق أهدافها، وإدراك المصالح والمفاسد في سيرورة حياتها، وهي مهمة ليست تشريفية، ولا بروتوكولية، ولا تظاهرية. إن قوانين جائرة اعتمدت في بناء المؤسسات البرلمانية كانت ترمي إلى أنواع من الدعاية السياسية أو الحزبية أكثر من حرصها على مصلحة الوطن، وخير أبنائه العام. إن نظرة سريعة على جداول أعمال بعض المجالس التمثيلية وقراراتها، ومداخلات بعض أعضائها مما يدخل في باب المضحكات المبكيات. وإذا كانت معادلة التمثيل محكومة دائماً بالوعي العام لأبناء الوطن، فإن هذا يعود بنا تلقائياً إلى ما قدمناه في بناء الفرد والمجتمع القادر على تحمل مسئوليته الوطنية، من خلال اختيار حرّ وبناء يقوم على عنصري الكفاءة والأمانة، بعيداً عن كثير من الولاءات الموروثة أو المستحدثة التي لا تقدم المصلحة العامة، ولا تكاد تعترف بها، فإن (القوي الأمين) عماد كل إصلاح.


الفصل الثاني: السلطات الثلاث ومكانتها في بناء الدولة

في مسيرة الفكر السياسي الإنساني، استقر بناء الدولة على دعامات ثلاث: السلطة التشريعية والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، واعتبرت هذه السلطات وحدات مستقلة، وتعمل بشكل متواز، على تحقيق العدل ومنع الظلم، وفتح سبل التطور أمام المجتمع، كما أشير إلى الصحافة بأنها سلطة رابعة، كما أشير إلى المجتمع المدني بمؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية على أنه سلطة خامسة، وتعدد السلطات يعين على توزيع المسئولية وكسر حدة احتكارها من قبل سلطة واحدة.

في فصل السلطات

اعتبر مفهوم فصل السلطات، ركيزة من ركائز بناء السلطة في الدولة الحديثة، وهو مفهوم ليس غريباً عن إرثنا السياسي، حيث عرف في تاريخنا الإسلامي خضوع الخلفاء والولاة لقضاء القضاة، ونزولهم على أحكامهم، وفي تميز أولي الرأي (السلطة التشريعية) عن أولي الأمر (السلطة التنفيذية)، كما روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

أولاً ـ السلطة التشريعية

في رؤيتنا لبناء السلطة التشريعية، وحركتها سنتوقف عند مشكلتين رئيسيتين:

المشكلة الأولى: ما يثار من تنازع حول مفهوم (الحاكمية) و (التشريع) حيث يخلط الكثيرون بين المفهومين فيصادر البعض حق التشريع على الأمة بدعوى (الحاكمية) ويرفض آخرون (الحاكمية) لأنها تتلبس في أذهانهم بالتشريع.

والمشكلة الثانية: ما يثار حول التصويت الديمقراطي من اعتبار آراء كل عضو في المجلس التمثيلي بغض النظر عن اختصاصه، ينما يرى آخرون أن الشورى في القضايا التخصصية تتطلب استشارة أهل الاختصاص والخبرة دون غيرهم.


في مفهوم الحاكمية:

يعلم المسلم أن الله سبحانه وتعالى قد قصر أمر الحكم عليه وحده (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) ولكن جملة الأحكام الربانية، تتمثل في قواعد عامة مجملة، ترك للمسلمين أمر الاجتهاد من خلالها، والبناء عليها، إلى جانب منظومة من الأحكام التفصيلة كانت دائماً أساساً لبناء فقهي، يعطيها صيغتها الزمانية والمكانية، ومن هنا كان هذا البناء الفقهي الضخم في التراث الإسلامي. وبالتالي فقد تحدد دور المجتهد المسلم على مر العصور في البناء على القواعد الأساسية للأحكام الربانية لوضع الصيغ القانونية التي تحقق المقاصد العامة للشريعة أولاً، وفي صوغ الأحكام التفصيلية مثل أحكام الأسرة أو الميراث أو الجنايات أو البيوع، وصوغ القوانين الضابطة للأطر والجزئيات التي تحقق المصالح.


في معادلة التمثيلية والاختصاص:

اعتبرت المجالس التمثيلية الصيغة الأمثل للتعبير عن الإرادة العامة للأمة تحت عنوان عريض حمل عنوان (الديمقراطية) وعُني بها أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، من خلال المجالس التمثيلية، ولكن التمثيلية تخضع في جميع المجتمعات والشعوب لمعطيات متعددة، تتجاوز معاني الكفاءة في كثير من الأحيان، لتخضع لمنطق الرأي العام المحكوم بسلسلة من المؤثرات، وفي مقدمتها الدعاية الانتخابية وفي نهايتها سلسلة من العلاقات الشخصية والاجتماعية والظرفية.

ومع كل السلبيات التي يمكن أن تقال عن التمثيلية، فإنها تبقى الصيغة الأمثل للتعبير عن رأي المجموع، ولكنها لا تؤدي بالنتيجة إلى الصيغة الأمثل في دراسة القرار الصحيح، وتوظيفه في مصلحة المجموع. ومن هنا فإننا في مشروعنا الحضاري، مع تمسكنا بالصيغة التمثيلية للتعبير عن رأي المجموع، والحد من سيطرة مجموعة من المتنفذين على القرار العام. نلح دائماً على ضرورة أن يكون هناك في دراسة أي قرار، مجال لمداخلة شورية من أصحاب الاختصاص، وفي كل فن برجاله، بحيث لا تكون هناك مجموعة من القرارات المتضاربة التي لا تقدر مصلحة الأمة حق قدرها، ويمكن في هذا أن يصبح تمثيل الأمة في مجلسين، أحدهما للشورى والتشريع، وثانيهما لتحقيق مصالح الشعب من خلال ممثليه، كما هو قائم في عدد من الدول العريقة في الديمقراطية.

ومن الضروري أن نؤكد، أن حرية الاختيار، ونزاهة عمليات الترشيح والانتخاب، هي الكفيلة بالحد من سلبيات التمثيل العام، وبتقديم المخلصين القادرين على تقديم مصلحة الأمة على مصالحهم الذاتية. إن المجالس الصورية التي تعتبر في المجالس التمثيلية تبادل المصالح مع الحاكم في خلال سياسات الملق والمداهنة مقابل بعض المكاسب الصغيرة، قد وأدت كل أمل للأمة في الخلاص والنهوض.


ثانياً ـ السلطة القضائية

تعتبر السلطة القضائية مرجع الأمة الأساس في تحقيق العدل، وملاذها من كل أشكال البغي والظلم. والظلم ليس فقط ما يمارسه قوي على ضعيف، أو غني على فقير؛ بل إن للظلم أشكاله المعنوية التي تتجاوز في كثير من الأحيان أشكاله المادية. كما أن الظلم الذي تمارسه المؤسسات العامة، ضد الأفراد أو الجماعات، هو الذي يشيع الفساد، ويحاصر الناس في زوايا القهر والشعور بالمهانة، ويدفعهم إلى حالات من السلبية واللامبالاة.

فلا سلطان على القاضي إلا القانون ، وهذه السلطة القضائية المستقلة هي الركن الذي يأوي إليه القاضي في انحيازه دائماً إلى جانب الحق والعدل، ورفضه لكل أشكال الضغوط المادية والمعنوية التي يمكن أن تمارس عليه بمعطيات الترغيب والترهيب، ولقد حفل تاريخنا الإسلامي بأمثلة نيرة لقضاة حاكموا الخلفاء الذين أسندوا إليهم مهمتهم، وحكموا عليهم لا لهم، وكانت مرجعيتهم الأولى، قوة (الحق) الذي يمثلون، دون أن يأخذوا باعتبارهم أن سلطة فوق سلطتهم، وأن مستعلياً يمكن أن يخرج على حكمهم.

في مبدأ (فصل السلطات ) اعتبر القضاء سلطة مستقلة قائمة بذاتها. ولكن حين تذوب هذه السلطات في سلطة ، وهذه السلطة في (فرد)، لا يبقى للشعوب ولا للمظلومين أو المحرومين من عاصم سوى ضمير القاضي وتساميه فوق كل الصغائر الذي تسعى لارتهان الصغار من بني الإنسان.

في عالمنا اليوم حيث تردى كل شيء، نشهد ساحات قضاء غاب عنها : الحق والعدل وغاب عنها القانون والضمير ، وغدا القاضي دميةً مشدودةً بخيط مهمته أن يقرأ أحكاماً كتبت له بخط رديء !!

إن نقطة الإسناد الأولى في إصلاح القضاء إنما تكمن في تحديد مرجعية القاضي، ومصدر سلطانه، وقوته. ويبقى استقلال القضاء بدونها شعاراً يردد، دون مضمون.


إصلاح القانون

إن حديثنا عن إصلاح القانون ينبغي أن يقع في إطاره العام من التشريع القائم على العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، كما ينبغي أن يقع في إطاره من سياسة (الردع) التي تتبعها الدول لكف بأسها بعضها عن بعض، ثم تتغافل عنها في كف بأس المجرمين عن المجتمع. إن مشروعنا النهضوي يركز في إصلاح القضاء على التشريع الجنائي الرادع، الذي يطبق في أطره الشرعية العامة. وفي دائرة التطبيق التكاملي لأحكام الشرع كلها: مدنية واجتماعية وسياسية. إننا مع إيماننا المطلق بربانية التشريع الجنائي الإسلامي، وكفاءته المطلقة في تأمين الحياة الآمنة لأبناء المجتمعات، نعتقد أيضاً أن لهذا التشريع أجواءه من الصيانة والكفاية والحذر التي يمكن أن يطبق فيها، ويبقى التشريع الرادع مطلبنا الأساس في كل مرحلة من مراحل الطريق إلى مجتمع العدل والتكافل والطهر والنقاء، بعيداً عن مجتمع الجريمة والخوف الذي يهدد حياة الناس. فالإسلام قبل أن يأمر بإقامة حد السرقة: أمر بإيتاء الزكاة، وإقامة العدل والتكافل في المجتمع. وقبل أن يأمر بإقامة حد الزنا: أمر بتزويج الأيامى، وتيسير الارتباط بالحلال.


القضاء العرفي:

يشكل القضاء العرفي (أحكام الطوارئ) بكل تسمياته ومرتسماته شكلاً من أشكال العدوان على حقوق الإنسان الأساسية في الدفاع عن نفسه، وبيان حقيقة موقفه مما ينسب إليه من فعل أو قول، فحق المواطن في محاكمة عادلة، وقاض عادل بوجود هيئة دفاع حقيقية، هي بعض الحقوق العامة التي أقرتها الشرائع والمواثيق الدولية. إننا في مشروعنا الحضاري لسورية المستقبل نقوم تجربة القضاء العرفي (الاستثنائي)، على أنها نافذة للشر، استهانت بحياة الناس وأعراضهم وأموالهم، فقتلت واعتقلت وسلبت، وكان لها أثرها السيئ في إشاعة الخوف والذعر بين المواطنين، إن الرائعة العمرية التي كتبها لأبي موسى الأشعري، في القضاء، والمساواة بين أبناء الوطن الذي مارسه المسلمون حتى ليقول عمر للقبطي الذي جاء محتجاً: خذ السوط واضرب ابن الأكرمين، هو المنهج الذي يجب أن يسود في تأسيس قضاء عادل، يأمن فيه المظلوم ويهابه الظالم. إن إلغاء جميع أشكال القضاء العرفي، مهما تكن دواعيه هي إحدى ركائز مشروعنا الحضاري، لبناء السلطة القضائية القوية والمستقلة. ويلحق بالقضاء العرفي، جميع القوانين والأنظمة ذات الطبيعة العرفية أو الاستعلائية التي ترفع الناس بعضهم فوق بعض، تحت تسميات وهمية ما أنزل الله بها من سلطان، فتبيح دماء الناس بسبب انتمائهم: العرقي أو المذهبي أو السياسي، وتجعل للآخرين الوصاية على الدولة والمجتمع بمثل هذا الانتماء.


المحاماة:

إن دور المحامي الحرّ في صيانة الحريات، والدفاع عن الحقوق العامة للمواطنين، لا تقتصر على ساحات المحاكم، أو على من هم في قفص الاتهام، بل تتعدى ذلك للدفاع عن الحقوق العامة لجمهور الشعب، هذه الحقوق المتمثلة في الحريات العامة بكل أبعادها: العقائدية والسياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن من أخص خصوصيات نقابة المحامين، أن تأخذ على عاتقها، مهمة الدفاع عن إنسان الوطن من كل ظلم أو ضيم يقع عليه.


ثالثاً ـ في السلطة التنفيذية

تمثل السلطة التنفيذية، الوجه المادي للدولة، والجهة المباشرة للمجتمع فيها، والمتحملة لعبء الموقف والقرار وتبعاته. وإذا كانت مرجعية السلطة التنفيذية في الأصل، شأنها شأن بقية السلطات. قوة الإنابة العامة التي تحصل عليها من المجموع أو من ممثليه، فإن الواقع الأليم في عالمنا العربي وفي قطرنا بشكل خاص، أن هذه السلطة، قد قفزت على معطى الشرعية التاريخي المقرر نظرياً لتستمد قوتها مباشرة من القوة المادية المتمثلة في الجيش الذي أُسس ابتداء للدفاع عن الوطن والمواطنين، لا لتطويعهم. وهذه القوة العسكرية اشتقت قوة أكثر تخصصاً في تطويع الناس أطلق عليها تجاوزاً لقب (السلطات الأمنية)!! وهي إلى إشاعة الخوف والذعر في قلوب المواطنين أقرب منها إلى إشاعة الأمن.

وإذا كان حديثنا عن السلطة التنفيذية يعني الحديث عن وجه السلطة المادي، فإنه ينطبق على هذه السلطة كل ما قررناه في حديثنا عن الدولة الحديثة بمفاهيمها: التعاقدية، والتداولية، والمؤسساتية.

إن التكامل في مشروعنا الحضاري، يجعلنا نؤكد أن صلاح السلطة التنفيذية، إنما هو نتيجة لجملة من المقدمات التي تحدثنا عنها في الأطر السابقة، كما أن صلاح هذه السلطة في القياس المعياري لصلاح الفرد والمجتمع والدولة.. فإذا اعتبرنا السلطة التشريعية الرأس الذي يفكر ويدبر ويقدر، والسلطة القضائية الحارس الذي يحمي ويصون البناء الداخلي من البغي والظلم، فإن السلطة التنفيذية هي القلب الذي يضخ في جميع مرافق الدولة دماء الحياة، ويبقى إغراء (السلطة)، وإغراء (النفوذ) مدخلاً من مداخل الفساد. ولا حماية من ذلك إلا بتقوية الإيمان والأخلاق.


الجيش والقوات المسلحة:

يعتبر الجيش حصن الوطن ودرعه، والمدافع عنه أرضاً وثروة وإنساناً، ضد أطماع الغزاة والغاصبين. ولقد كان لجيشنا العربي السوري منذ تأسيسه دوره المشرف في الدفاع عن حياض الوطن، وفي التصدي للمغتصب الصهيوني، طيلة عقد الخمسينات، مما يمكن أن يشكل موضوعاً مستقلاً يجلي بطولات القوات المسلحة السورية ضباطاً وضباط صف، وجنوداً.

وفي فترة تحول غير حميدة، وُضع الجيش السوري أداة للسيطرة والقمع، ووسيلة للانفراد بالحكم. إن أول معالم الإصلاح في بنية الجيش، أن يعود الجيش إلى مهمته الأساسية المنوطة به: درعا وحصنا وملاذا، ومقدمة تحرير للأرض والإنسان. وحين يصوب الجيش بصره صوب الوطن المحتل، سيجد جماهير الشعب بكل فئاتها وانتماءاتها تتمرس خلفه إسناداً صادقاً ومخلصاً بلا حدود.

إن تسليح الجيش العربي السوري، التسليح اللائق به، والمساعد على تحمل تبعات المسئولية الملقاة على عاتقه، وتعدد مصادر التسليح، والجد والاجتهاد في تحقيق حالة التوازن الاستراتيجي التي أشرنا إليها في مكانها، إلى جانب الاهتمام بالتدريب اللائق، الذي يصنع الجندي العربي السوري المؤهل سلفاً بكل صفات الرجولة والشجاعة والانضباط، كل هذه الأمور، من الأسس العامة لبناء الجيش القوي القادر على القيام بمهامه.


السلطات الأمنية:

تعتبر السلطات الأمنية من المؤسسات الأساسية في بناء الدولة، والمحافظة على أمن الوطن والمواطن، وتتركز مهامها الأساسية في جانبها الوقائي، في تعقب جواسيس العدو، وفي التصدي لأشكال الحرب النفسية، كما يناط بها تتبع الثغرات في بنيان العدو، وجمع المعلومات الاستطلاعية عن واقعه العسكري والسياسي، ومبادلته الحرب النفسية بأخرى من نوعها.

ولكن حين تنقلب (العقيدة العسكرية) ويصبح المواطن هو العدو، والتفنن في تعقبه ومراقبته ومحاسبته هو الشغل الشاغل لهذه الأجهزة، تكون المعادلة قد انقلبت رأساً على عقب، ويدخل الوطن في متاهة الخوف والرعب والشك والتوجس.

إنه في أي محاولة نهوض حضاري، لا بد أن يخرج الوطن من أيدي فئة محدودة كائنة من كانت ليعود إلى أيدي أبنائه جميعا بدون أي تمييز أو تسلط. إن تغول السلطات الأمنية على الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي قد تسبب في عملية ارتكاس خطيرة، تتحول فيها الدولة كلها إلى دولة أمنية لا دولة قانون.


الباب السابع : في النظم والمناهج

وضع الإسلام الأسس العامة للحياة الإنسانية بكل جوانبها، وأسس لحياة إنسانية رشيدة راضية، وكان التأسيس الإسلامي عاماً ومرناً وواضحاً وبسيطاً، مما أكسبه صلاحية دائمة لمتغيرات الزمان والمكان. وعندما نتحدث عن أسس عامة ثابتة، فإننا نعني بالمقابل أن الإسلام ترك للإنسان أن يقيم عليها البنى التي تلائم عصره، وتحقق مصالحه.

لقد طور المسلمون، منذ العصر الأول، وحسب الأسس والقواعد الإسلامية، نظماً: إدارية وعسكرية، وسياسية واقتصادية واجتماعية وعمرانية. وكانت عمليات التطوير هذه تتم ارتكازاً على الأسس الإسلامية، وتحت تأثير عاملين اثنين، الأول: المستجدات الحضارية والمدنية التي كانت تفرض نفسها على حياة المسلمين. والثاني تجارب ونظم الشعوب والحضارات التي عرفها المسلمون، حيث كانوا يستفيدون من تلك النظم والتجارب في إقامة البنى الخاصة بهم على أساس الإسلام.

في هذه المنطلقات النظرية والفكرية لمشروعنا الحضاري سنتوقف عند الإصلاح الدستوري وسيادة القانون، وعند قواعد وأسس النظامين السياسي والاقتصادي، كما سنتناول المناهج التربوية والإعلامية من منظور مستقبلي لقطرنا العربي السوري.


الفصل الأول : الإصلاح الدستوري وسيادة القانون

تعتبر سيادة القانون عنوان الحياة الإنسانية المتحضرة والرشيدة، وفي حال غياب (سيادة القانون) عن الحياة العامة فكل ما يكتب أو يقال في مضامير السياسة، عبث ولغو وباطل.

في رؤيتنا الحضارية المستقبلية، أن الخطوة الأولى في سبيل الإصلاح الدستوري هي في توفير الاحترام التام لنصوص الدستور، والسمو به عن أن يكون ألعوبة بأيدي الممسكين بالسلطة، أو مادة للامتهان يفصلها أصحاب السلطان على مقاساتهم.

إن إضفاء الشرعية الحقيقة، على النص الدستوري، مع ما يمكن أن يكون فيه، واحترامه الاحترام اللائق به كوثيقة وطنية لا يقرب حماها، ولا يتجاوزها قوي بقوته، ولا صاحب سلطان بسلطانه، يولد في نفس المواطن أنه يأوي إلى ركن رشيد من الوقاية الوطنية التي تصون وجوده وتحمي حقوقه.

إن إقامة دولة (المؤسسة) التي يسودها القانون، هي جزء من المشروع الوطني الحضاري العام، الذي ينبغي أن تتضافر عليه جهود أبناء الوطن جميعاً، في موقف موحد تحت راية الحديث الشريف (حتى تأطروهم على الحق أطرا) إنه قبل الخوض في الحديث عن مواد الدستور، أو مفردات القانون، لا بد للجهد الوطني الجمعي أن يتساوق حتى تقوم دولة الدستور، ويعلو صوت القانون.

حتى حالة الطوارئ التي تعتبر استثناء دستورياً، تبقى حالة لها أبعادها القانونية، التي لا تسمح بانفلات أمر الوطن، وضياع حقوق المواطن، وجعل حياته أو موته، رهن شفتي فرد، أو إرادة طاغية.

هذا ولا بد أن يمثل الدستور القيم العليا للأمة، والنظام السياسي الذي يحكمها، وحقوق المواطنين وواجباتهم تجاه وطنهم، وأن يكون بعيدا عن الخوض في الجزئيات التي تضطر المشرع إلى النيل منه بالحذف والتعديل.

إنه بعد أن يأخذ الدستور موقعه، وتعنون لسيادة القانون إرادة الجميع، يبقى أمر الإصلاح الدستوري سهل المأخذ قريب المنال، وفي رؤيتنا الحضارية، لا بد أن تشترك في صياغة الدستور إرادة شعبية جمعية، عبر مجلس تأسيسي تمثيلي ومتخصص، ليكون الدستور معبراً عن إرادة المجموع.

ولكن الذي ينبغي أن نؤكد عليه، أنه لا يجوز في أي حالة من الأحوال، أن يجور الدستور على حقيقة المساواة بين الموطنين: أفراداً وجماعات وأحزاباً وتنظيمات. إن فرض الوصاية على إنسان القطر، وعلى العمل السياسي فيه، من خلال الدستور القائم، الذي تمخض عن جهد سلطوي، وإقرار لحزب معين أن يكون قائدا للدولة والمجتمع! لمما يشين واقع الحياة السياسية في قطرنا العربي السوري، ويؤثر سلباً على مكانته الحضارية بين الأمم والشعوب.


الفصل الثاني: النظام السياسي

أقام الإسلام نظامه السياسي على ثلاثة أسس، هي: (التوحيد، والاستخلاف، والشورى)، لتحقيق المقاصد العامة للشريعة في الإطار السياسي، والتي تتركز في أهداف أربعة، هي: (الأمن، والمساواة، والعدل، والحرية)

أولاً أسس النظام السياسي الإسلامي

1 ـ التوحيد:

الإيمان بالإله الواحد الخالق الحي القيوم الرحمن الرحيم، وإفراده بالعبادة والاستعانة، أول حقيقة في هذا الدين (إياك نعبد وإياك نستعين)، ومن هذه الحقيقة تشتق جملة من الحقائق الكلية، منها حقيقة أن الله سبحانه وتعالى قد خلق هذا الكون وفق نظام دقيق مقدر (إنا كل شيء خلقناه بقدر ). وتردف هذه الحقيقة أن هذا الكون وهذا الإنسان خلق لغاية وهدف (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ).

أساس التوحيد هذا يجعلنا نعيش دائماً تحت مظلة واقية حانية تقينا شرور أنفسنا وما يزينه أصحاب الهوى المسيطرون على مفاصل القوة حيناً من الدهر، ومن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، تتأكد في عقيدتنا، أن ما شرعه الله سبحانه وتعالى من قواعد أساسية وقيم عليا ستبقى أساس الحياة الإنسانية الرشيدة، والوقاية التي تقي الإنسان من الانحدار.


2 ـ الاستخلاف:

الأساس الثاني من أسس النظام السياسي الإسلامي هو أن الإنسان مستخلف في هذه الأرض لعمارتها والقيام على أمرها وثبات مسيرتها وفق حكم الله وعدله (إني جاعل في الأرض خليفة ) (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه )

والاستخلاف حقيقة له معنى واسع، يشمل كل أشكال النشاط الإنساني الذي يسعى إلى عمارة الأرض، وجعل الحياة سهلة ميسورة، وإقامة الحق والعدل كما يحب الله. والناس كل الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وعقائدهم، منوط بهم أمر هذا الاستخلاف، (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم) . وإنما يتم هذا الاستخلاف كما يحبه الله تعالى إذا كان على النهج الذي ارتضاه الله لعباده، وهو الذي أنزل به كتبه، وبعث به رسله، (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)

وحين يحدث إنكار المخلوق للخالق، ويتنكب الإنسان النواميس التي ترك له أن يختار مداره ضمن مداراتها، يحدث الفصام النكد الذي يورث البشرية أنواعاً من البلاء والشقاء والضنك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)
3 ـ الشورى:

وهي الأساس الثالث المكمل لمشروع الاستخلاف العام، والشورى في منظومة التشريعات الإسلامية قاعدة من قواعد النظام السياسي في الإسلام تستغرق كل (أمر) المسلمين (وأمرهم شورى بينهم ). وقد أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم (وشاورهم في الأمر) ، ومن بعده من ولاة الأمر، وجعلت سنة ماضية في بناء الدولة.

في مشروعنا الحضاري، نطرح الشورى الإسلامية بآفاقها المتسامية العليا خياراً مستقبلياً لأمتنا لإخراجها من بؤرة الاستبداد التي أتت على كل ما هو خير وجميل ومعطاء في حياتنا الفردية والعامة. والشورى الإسلامية تقوم على مرتكزات تشريعية صلبة من رسم دوائر التشريعات العامة (الحقوق ـ الواجبات ـ الالتزامات) وجدير بنا في إطار الآليات والوسائل الإجرائية أن نستفيد من تجارب الأمم (الديمقراطية) المتقدمةـ لدفع الاستبداد وإحلال الشورى في مجتمعنا فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها.


ثانيا: الأهداف العامة للنظام السياسي

تسعى الشريعة الإسلامية من خلال مجموعة النظم العامة التي تضبط بها حياة الإنسان، ومن خلال النظام السياسي بشكل خاص إلى تحقيق الأهداف التالية ضمن مشروع الاستخلاف الإنساني العام:

1 ـ الأمن:

اعتبر (الأمن) المقصد الأول ليس من النظام السياسي فحسب، بل من الشريعة نفسها.

فمقاصد الشريعة، حسب فقهاء الإسلام، هي حفظ أو حماية -وهي تعبيرات أمنية واضحة- (الدين ـ والنفس ـ والعقل ـ والعرض ـ والمال).

مطلب أساسي في النظام السياسي العام أن يحفظ على الناس معتقداتهم ويحميها ويكفلها ويصونها، وأن يحفظ حياتهم فلا تتعرض لأي شكل من أشكال العدوان الكلي أو الجزئيـ المباشر أو غير المباشر، بالقتل المادي أو المعنوي، ثم أن يحفظ عليهم عقولهم، بتوفير المناخ الملائم لحياة عقلية منهجية سليمة بالتعليم والتثقيف والتوجيه، ثم أن يحفظ على الناس أعراضهم، والعرض من التعبيرات التي تعني جميع أشكال الخصوصية الإنسانية.

في مشروعنا الحضاري لسورية المستقبل، يعتبر الأمن بكل شعبه هدفاً مركزياً للنظام السياسي. والأمن من حقوق المواطنة الأساسية التي ينبغي أن يتمتع الإنسان بها بمجرد الانتماء إلى الوطن، وكم نصت عهود المسلمين في تاريخنا الزاهي على حفظ هذه الحقوق. وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران: (ولنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد صلى الله عليه وسلم، على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير.

والأمن شرط من شروط الإنجاز والإبداع والبناء، فالإنسان الخائف، أو المتوجس أو القلق لن يكون قادراً على إثبات ذاته في هذه الحياة، فضلا عن أن يكون عنصر عطاء ونماء.


2 ـ المساواة:

يعتبر تحقيق المساواة العامة بين الناس هدفاً أساسياً للنظام السياسي العام، الذي ينشده الإسلام. ولقد أقر الإسلام في إطار الثوابت العامة التي رسمها للإنسانية حقيقة المساواة بين بني البشر، هذه المساواة التي تقرر وحدة (الجوهر) الإنساني، فتسقط بذلك كل نظريات الأجناس والأعراق والألوان، لتكرس مكانها المساواة بين بني الإنسان.

ففي المعطى الإسلامي الثابت الذي لا يجوز الخروج عليه أن الناس كلهم لآدم، (أيها الناس إن ربكم لواحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى. )

ووضع الإسلام قاعدة السواء الإنساني (الناس سواسية كأسنان المشط) أساساً لبناء نظام الاستخلاف العام الرشيد. وقد اقتضى مفهوم المساواة في الجوهر الإنساني، حزمة من الشرائع قامت على الخطاب الإنساني العام، جسدها القرآن الكريم بالحديث (عن الناس) أو عن (بني آدم) أو عن (الإنسان) أو عن (النفس) وهو خطاب مستحق للتأمل بأبعاده الإنسانية السامية ويكفي أن نشير هنا إلى قوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم ) لنقرر أن هذه الكرامة الربانية الأولية تشمل كل أفراد النوع الإنساني. وأن نشير إلى وقوف رسول صلى الله عليه وسلم لجنازة مرت به فقيل له إنها ليهودي فقال: (أليست نفساً ). ولنقارن بقوله تعالى (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض ) لنفهم الإشارة إلى الحرمة المطلقة للنفس الإنسانية.

ومن المساواة في جوهر الإنسانية، ننتقل إلى المساواة في الحقوق المدنية العامة، التي تتيح للإنسان ضمن النظام السياسي العام لمشروع الاستخلاف، أن يتمتع بكافة الحقوق المدنية. ونحن إذ نقرر هذه المساواة الحقوقية الدنيوية العامة منطلقين من شريعتنا الإسلامية، فإننا لا نرى أن ذلك يصطدم مع مفهوم التفاضل على أساس التقوى، لأنه تفاضل في حدود معينة، تفاضل بين الناس عند ربهم فقط، فأكرمهم عند الله أتقاهم، وكون التقي كريما على الله لا يعطيه حقا عند الناس يزيد على ما لغيره من الحقوق، فالتقوى صفة تؤثر في صلة الإنسان بربه أكثر مما تؤثر في صلة الإنسان بغيره، والتفاضل الذي ينشأ عن التقوى هو تفاضل معنوي لا مادي .

إن شريعتنا الإسلامية تسوي في تطبيق نصوص الشريعة بين المسلمين وغيرهم في كل ما كانوا فيه متساوين، أما ما يختلفون فيه فلا تسوي بينهم فيه، لأن المساواة في هذه الحالة تؤدي إلى ظلمهم، ولا يختلف غير المسلمين عن المسلمين إلا فيما يتعلق بالعقيدة، ولذلك كان كل ما يتصل بالعقيدة لا مساواة فيه، وإذا كانت المساواة بين المتساوين عدل خالص، فإن المساواة بين المتخالفين ظلم واضح، ولا يمكن أن يعتبر هذا استثناء من قاعدة المساواة، بل هو تأكيد للمساواة .

وإذا كان التشريع الإسلامي، قد ترك لغير المسلمين دائماً أن يتحاكموا إلى شرائعهم في أحوالهم الشخصية، فإنه لم يشر أبداً بنص صريح إلى تشريع يخص غير المسلمين في قضية مدنية، ولم يكن وارداً في منظومة التشريع الإسلامي في كل عهوده، وانتصاره، تطبيق المفهوم اليهودي (قالوا ليس علينا في الأميين سبيل). فظلت حقوق الدائن غير المسلم مصانة عند المدين المسلم، ولو كان هذا المدين مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

في مشروعنا السياسي نعتبر المواطنة انتماء شرعيا يقوم على أساس هويتنا الإسلامية، ويعزز انتماءنا القومي، ومن هذا المنطلق نعرف للمواطنة حقوقها ونلتزم بواجباتها كواجبات إسلامية ووطنية وقومية. وحين تعتمد (المواطنة) أساساً للمساواة في الإطار الوطني، تتساقط تلقائياً كل ادعاءات الوصاية المفروضة على شعبنا بمسميات باهتة، كما تتساقط كل الممارسات التي تستند على حقوق مكتسبة على أسس سياسية أو فئوية أو اجتماعية. وتبقى مقولة (لهم مالنا وعليهم ما علينا) سنة ماضية يسوس الإسلام بها كل من ارتضى أن يعيش بين جناحيه مما يعرف بالتعبير المعاصر بالأقليات.إن من عجائب تقلب الأيام، وتغير الدول، أن تصبح المساواة بمفاهيمها حقاً يطالب به السواد الأعظم من أبناء قطرنا. وهم الذين اعتبروه دائماً أعطية ربانية ليس لأحد أن يمن بها على أحد.


3 ـ العـدل:

(العدل أساس الملك) عبارة تراثية، وحكمة تناقلها الخلف عن السلف، بل اعتبرت من التراث السياسي الإنساني فهي منقولة عن الهند والصين وفارس.

والعدل اسم من أسماء الله الحسنى، وقيمة عليا تفرض وجودها على حياة الناس، لتحمي حقوقهم، وتجسد مفهوم المساواة المجرد في لبوس واقعي معيش. فهو حالة عامة: قانونية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية، وفي كل ميدان من ميادين الحياة.

لقد اعتبر القرآن الكريم العدل من الدواعي الأساسية لإرسال الرسل وإقرار الشرائع (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ). كما اعتبر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه العدل بين الناس من العزائم التي لا رخصة فيها فقال: (أما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدة ولا رخاء) وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة. ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة) ويقول في موضع آخر من كتابه الحسبة (العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، وإن لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به بالآخرة.)

في مشروعنا الحضاري، نعتبر العدل بأبعاده كافة، هدفاً عاماً لمشروع الاستخلاف الإنساني ينبغي أن يتحقق في حياة الناس بأبعاده المادية والمعنوية. فالعدالة في قضاء قاض، كالعدل في فرصة وطنية تصل إلى مستحقها، كالعدل في حظ مواطن من ثروة وطنه.

ومن العدل خاصة العدالة في توزيع الثروة والفرصة. مع مشروع متكامل لإعطاء صاحب الحق حقه بعيداً عن الضنك والشقاء، وفي بعد العدالة هذا يتساوق النظام السياسي مع النظام الاقتصادي، لتحقيق هذا المطلب الإنساني العام.


4 ـ الحريـة:

الحرية هي الهدف الرابع من أهداف مشروع الاستخلاف الإنساني العام. فصيانة حرية الفرد والمجموع هو مطلب من النظام العام الذي يسود حياة الإنسان.

والحرية في منظورنا الحضاري حق إلهي أولي منح للإنسان مع خلقه الأول، بدون تمييز بين الناس بسبب أجناسهم وألوانهم. بل ترك للإنسان أن يزاول خياره المسؤول بين الإيمان والكفر (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) تحت طائلة الإنذار الرباني (إنا أعتدنا للظالمين ناراً ).

ولما كان تسلط الإنسان على أخيه بفعل ما يقع بيده من فضل قوة أو مال، يجعله قادراً على سلبه بعضاً من حريته أو كلها. فقد أنيط بمشروع الاستخلاف الإنساني العام أن يحفظ للناس حقهم في الحرية الذي يحمي كرامتهم، ويصون وجودهم، ويحقق بالتالي أهليتهم للتكليف والمسؤولية.

على أن تنتظم هذه الحرية ضمن مجموعة من الضوابط تشكل بصيغها العامة الفاصل بين الحرية والفوضى. ذلك أن الحرية إذا تعدت حدودها صارت إلى الفوضى، وحينئذ تكون عدوانا على حرية الآخرين، وحتى في دول العالم الحر، لا تغيب الضوابط أو الخطوط الحمر عن قانون الدولة، ولكل دولة من دول العالم خصوصيتها الحضارية، والقيمية التي تسعى دائماً لصيانتها والحفاظ عليها.

وتبقى الحرية، بأبعادها الفردية والجماعية، السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية مطلباً أساساً في مشروعنا الحضاري ضمن ضوابطها العامة. وهي شرط مواز لأساسيات النهوض والإبداع على كل صعيد.


الفصل الثاني :النظـام الاقتصـادي

أولاً: مدخـل

يمر الاقتصاد العالمي المعاصر بأزمة خانقة، سواء على صعيد النظم والنظريات أو على صعيد الواقع العملي لاقتصاد السوق. والنظام الاقتصادي الإسلامي يمتلك بقدراته المكنونة والمتميزة الحلول لأزمة الاقتصاد المعاصر قطرية كانت أو دولية، محلية أو عامة. إن الإسلام يقدم ضمن منظومته القواعد العامة لنظام اقتصادي متكامل، تؤلف فيه الشريعة الإسلامية، وأخلاقيات السلوك الإسلامي الحضاري، الإطار العام لآلية السوق، مع الاعتراف بواقع المسلمين الاقتصادي المتخلف.

النظام الاقتصادي الإسلامي، بقواعده ليس تعديلاً في النظام الاقتصادي الرأسمالي، ولا بديلاً عن إخفاق النظام الاشتراكي، أو عن رأسمالية الدولة، أو دولة (الرفاهية). إنما هو نظام أصيل بقواعده، ينطلق من شريعة سماوية تؤلف دستوراً للحياة ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

إن النظام الاقتصادي الإسلامي، يحاكي متطلبات العصر، ويستجيب إليها بمرونة، وهو في الوقت نفسه بعيد عن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، لأنه يزاوج في اتخاذ القرارات الاقتصادية بين متطلبات السوق، والمتطلبات الاجتماعية والأخلاقية. وإذا كان ثمة تقصير في جلاء ملامح الصورة لهذا النظام، فإن مرجع ذلك يعود إلى تقصير حركة الفقه الإسلامي المعاصر في إعادة اكتشاف سمات النظام الاقتصادي ومزاياه وإيجابياته، وقدراته الحركية على التصدي للأزمات والمشكلات الاقتصادية بكفاءة عالية.

لقد رأى الكثيرون في انهيار النظام الاشتراكي، انتصاراً مطلقاً للرأسمالية والليبرالية، ورأوا في هذا الانتصار (الظرفي) نهاية التاريخ!! ولم يستطيعوا أن يستوعبوا وهم مغمورون بموجة المد (الرأسمالي ـ الليبرالي)، أن حركة المد يتبعها جزر، وأن التقويم الكلي لمسيرة التاريخ لا تتعلق بفقه اللحظة.

إن سقوط النظام الاشتراكي، لأسباب داخلية وخارجية، وهو الذي قام على أسباب مسوغة من عيوب الرأسمالية، لا يعطي النظام الرأسمالي شهادة حسن سلوك، لأن ساحة الفكر والفقه الإنسانيين ليست مقصورة على ثنائية (رأسمالية أو اشتراكية وفردية أو جماعية). ففي حضارات الأمم وثقافات الشعوب، أسس كامنة جديرة بالإبراز والتوضيح لإيجاد الحلول لمشكلات الإنسان.

لقد أفرزت الحضارة الغربية أربع عقائد أو تجارب اقتصادية رئيسية خلال القرون الثلاثة الماضية: الرأسمالية، والإشتراكية، و(الفاشية ـ القومية)، وأخيراً دولة الرفاهية. وجميعها تقوم على خلفية النظرة الغربية للكون والحياة والإنسان، التي تتشبث بأن (الدين) و(القيم) لا يمتان بصلة إلى قضايا الإنسان (السياسية) أو (الاقتصادية) أو (الاجتماعية)، وأن السلوك الإنساني العام هو ضرب من السلوك الحيواني في السعي إلى الإشباع، وأن سلوك الإنسان الاقتصادي تحكمه آلية السوق المجردة من كل بعد (أخلاقي). وبعيداً عن أي منظومة للعلاقات الإنسانية أو الاجتماعية. فالرأسمالية أقامت بنيانها على أساس الاقتصاد الحر، غير المقيد، والمعتمد على حافز الربح وآلية السوق. والإشتراكية نشدت السعادة والعدالة من خلال المشاريع العامة، والحوافز الاجتماعية، والاقتصاد الآمر القائم على أساس التخطيط المركزي. وتَمثل في (القومية ـ الفاشية) مزيج متميز لكل من الرأسمالية والإشتراكية، مما أدى إلى نشوء رأسمالية الدولة المتوجهة نحو التوسع السياسي والمغامرات العسكرية. أما دولة الرفاهية فقامت على أساس نظام الاقتصاد المختلط، وهو شكل من أشكال الرأسمالية ممزوج بشيء من الرأفة الاجتماعية. إلا أنه بالرغم من الإنجازات الجديرة بالتنويه في بعض المجالات المحددة، فإن هذه التجارب على المسرح الاقتصادي أخفقت في حل المشاكل الاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها البشرية. بل إن هذه المشكلات ما تزداد مع التطور المنحرف إلا تفاقماً وتعقيداً، فسرطان الفقر كما التصحر، مازال يكتسح أعداداً أكبر من بني البشر، حيث تنتشر المجاعات والأمراض، بينما يبتلع غول البطالة المزيد من الملايين العاطلين عن العمل، ويهوي بهم عن منصة الإنتاج إلى قاع الحياة. وتبقى المعضلة الاقتصادية العالمية أشد خطراً على الحضارة الإنسانية من (السرطان) و(الإيدز).

فحين تقدم ماكينة الإنتاج العالمي لبعض الناس المزيد من سلع الرفاهية لإطفاء نهمتهم التي لا تشبع؛ فإنها تفعل ذلك بطحن أجساد بشر يعانون من الجوع والعري والمرض في هذا العالم.


ثانياً: إطلالة على الاقتصاد الإسلامي

هل يمكن أن تقدم النظريات والمناهج الاقتصادية المادية، حلولا ناجعة؟! الإسلام يعد بذلك. ويقدم الأسس العامة له، ضمن منظومته التشريعية المتكاملة، إذا أحسن تطبيقها تطبيقا متكاملا شاملا.

تعتبر المعضلة الاقتصادية الأبرز حضوراً، والأشد إلحاحاً على الأجندة القومية والقطرية لدول العالم الثالث، ومن ضمنها أقطار العالم العربي، على وفرة ما حباها الله سبحانه وتعالى من ثروات. ومع أن أكثر الأنظمة القطرية ومنها قطرنا العربي السوري تبالغ في ادعاء الانتصارات على الصعد السياسية والاجتماعية، إلا أنها تقر بشيء من الانكسار أن برامجها الاقتصادية سارت في طرق خاطئة عبر عقود مضت. إن نقطة الخطأ الأولى في الرؤية الاقتصادية (المادية) إنما نشأت عن فرز البعد الاقتصادي عن بقية المنظومة التشريعية المسيطرة على حياة الناس. ولا سيما عن منظومة القيم (الإنسانية) و(الأخلاقية)، التي تحكم الأفراد والمجتمعات. وتجعل لسعيها الإيجابي الدائب معناه ومغزاه. وتعطي قيم التضحية والإيثار والعفة والطهارة مكانتها في شعب القيم الإنسانية بشكل عام.

إن السوق (الإسلامية) لا تحركها يد السوق الخفية، التي تؤزها نهمة لا تشبع كما هي الحال في الرأسمالية، وإنما يحركها إنسان متلبس بالقيم، قيم ( الواجب والإحسان والشفقة وتجنب العيب والحرام).

إن أجنحة الإسلام الاقتصادية ترفرف على ضمير الفرد وعلى سلوكه، كما تظلل حياة الجماعة. ففي النفس وعلى المائدة وفي الحقل والمصنع والسوق دائماً يبقى الإسلام حاضراً وموجهاً يطفئ بروحه السمحة سعار السعي الحثيث نحو التملك والإشباع الماديين، ولن نستطيع في هذا المقام أن نستقري منظومة القيم الإسلامية في ميدان الاقتصاد، وإنما سنمر على نثرة منها لتكون دليلاً على ما وراءها.

فقد كان الإسلام في السوق مع التاجر، ووضع الإسلام التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين، وحض على الكسب والإنتاج (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده ). وكان في الحقل مع الزارع فحض على الزراعة والإنتاج (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) (ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ) (من أحيى أرضاً مواتاً فهي له ) وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته (انظر ما قِبَلكم من أرض الصافية فأعطوها بالمزارعة بالنصف ، وما لم تزرع فأعطوها بالثلث، فإن لم تزرع فأعطوها حتى تبلغ العشر، فإن لم يزرعها أحد فامنحها، فإن لم يزرع فأنفق عليها من بيت مال المسلمين ولا تُبيرن قِبَلك أرضاً) أي لا تدعها بوراً بلا زراعة. واعتبر الإسلام اليد العليا، وهي اليد التي تعمل وتكد لتكسب ما تفيض به على الآخرين من فضل كسبها وجهدها وعرقها، خيراً من اليد السفلى التي يعجز صاحبها أو يضعف أو يكسل فيقع سعيه دون ضروراته فيندفع ليتكفف الناس.

كما كان حاضراً في المصنع مع الصانع (إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه )، وكان حاضراً على المائدة مع الذي يتناول اللقمة يفرض سلطانه، ويلقن الجميع دروساً في (الاقتصاد). والاقتصاد هنا إنما يعني الاعتدال والتوسط وعدم تجاوز الحد. وينهي عن الإسراف، ويدعو إلى المشاركة في الطعام، ويقرر أن طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة، وأنه ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، يؤدب في تصغير اللقمة ولعق الصفحة. يحض على الزينة والنظافة، وينهي عن المبالغة ويحذر من ثوب الشهرة، ومن إطالة الإزار كبراً. ينهى عن السرف حتى فيما يظن أنه من الدين، ويحبب إلى الناس التوسط والاعتدال في كل أمورهم (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط فتقعـد ملوماً محسوراً ) (الذين إذا أنفقـوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً ) ويحرم الغش والتدليس وألواناً من البيوع الجائرة، كما يحرم الاحتكار والربا، ويأمر بالصبر على المعسر، وبمساعدة الغارم (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ).

القيم الاقتصادية العامة في ميدان حياة الفرد والجماعة أكبر من أن نحيط بها، ولكن الذي يجب أن نؤكده أن الإسلام قد شرع نمطاً للسلوك الاقتصادي للفرد والجماعة، تحض على الإنتاج والكسب، وتصون الثروة، وتحفظها ثم توظفها فيما هي أولى به، وهي حالة (القوام) التي أشارت إليه الآية القرآنية الكريمة (القوام) بين التقتير والإسراف، الذي يقوم به أمر الناس والحياة.


مشكلاتنا الاقتصادية في بعدها الإيماني:

إنه ما اجتمع كد البشر وإرادة الله وتوفيقه، إلا كان العمل الصالح المبارك المبرور، وكما أن توفيق الله لا يوهب للكسالى والمتواكلين، فإنه أيضا لا يهدى للعصاة، ولا لمن يتنكب شريعة الله، أو لمن يجعل الإسلام في زاوية من زوايا التدين المحدودة، فالمسلم لا يكون مسلما كما أمره الله حتى يحيط بأمر الله من كل جوانبه، ويؤمن بالكتاب كله، ويعزم عزيمة صادقة على العمل بكل ما فيه، على ما يعتوره أحيانا من لمم وخطيئة وضعف وجهالة ونسيان. (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)

إن من ثمرة الإيمان الصادق أن يهيئ الله لأهل طاعته ما ليس في الحسبان (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ، (ولو أنـهم أقـاموا التـوراة والإنجيـل ومـا أنزل إليـهم من ربـهم لأكـلوا من فوقهـم و من تحـت أرجلهم ) ، (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) .

وفي المقابل فإن من عاقبة الإعراض عن شريعة الله، ومخالفة أمره ، الإيذان بعقوبة الله وسخطه، وخاب من آذنه الله بالحرب بعد إذ عصى أمره (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله..) ولعله بعضا من شؤم هذه الحرب الربانية على الذين آمنوا ثم لم يمتثلوا أمر الله، ولم يذروا ما بقي من الربا، ما يعانيه العرب والمسلمون اليوم من مشكلات اقتصادية وشلل تنموي، وخوف وفقر ومرض، كما قال الله تعـالى : (وضـرب الله مثلاً قـريةً كانت آمنـة مطمئنة يأتيـها رزقـها رغـداً من كـل مكـان فكـفرت بأنعم الله فأذاقـها الله لبـاس الجـوع والخـوف بما كانوا يصنـعون ) ، وهذا بعد إيماني أساسي ندعو إخواننا المؤمنين لتأمله وجعله في أولويات تقويم المسار. على أن دعوتنا للحل الاقتصادي الإسلامي ليست قاصرة على المسلمين فحسب، بل قناعتنا أن ديننا رحمة للعالمين، وعدالته تسع الجميع، وخيره يعم..


ثالثاً: قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته

وفي ظل السلوك الإسلامي الاقتصادي في حياة الفرد والجماعة يمكن أن نتوقف في مشروعنا الحضاري على قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته.

القاعـدة الأولـى:المال مال الله، والإنسان مستخلف فيه وهي الحقيقة التي مررنا بها في النظام السياسي. (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) فالملكية المطلقة هنا هي لله تعالى وحده، كما كانت الحاكمية المطلقة هنالك لله وحده، وفي ظل هذه الملكية المطلقة يستخلف الإنسان ليتصرف في هذا المال حفظاً وتنمية وإنفاقاً.

وحرم الإسلام كنز المال وتجميده، قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ). ثم فرض في المال الزكاة التي تقدر بربع العشر، وشرع الإسلام لتنمية المال سبلاً وأبواباً،وأغلق على أشكال الكسب غير المشروع الذي يقوم على انتهاب ثروات الآخرين.

وحقيقة أن (المال مال الله) وأن الإنسان مستخلف فيه، تفتح الآفاق أمام التشريعات الاقتصادية في حالات النوازل والجوانح، ليرجع ما للفرد على المجموع.


القاعـدة الثانية: تحديد أولويات دوائر (الإنتاج والإنفاق)

فقد قسم الفقهاء المسلمون الاحتياجات الإنسانية إلى دوائر ثلاث، في ترتيب يقوم على تقديم الأولوية لكل دائرة من الدوائر على حساب الأخرى: (الضروريات) و(الحاجيات) و(التحسينيات) وجعلوا الحصول على الضروريات حقاً عاماً لكل إنسان يحصلها بجهده وكده، فإن عجز تعلق حقه بالدولة أو المجتمع، أو بجاره الذي يجاوره (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ).

وفي دائرة تأمين الضروريات يسقط كل حق بفضل، حتى يشبع الجائع، ويكسى العاري، ويداوى المريض. ولأهل كل عصر أن يعيدوا تقويم ما يعتقدون أنه ضروري في عصرهم. وحين يحوز كل إنسان في المجتمع سهمه من الضروريات تنداح دائرتا: الحاجيات والتحسينات، لينال كل فرد نصيبه منهما حسب جهده وكده. دون أن ينسى أبداً أن المال مال الله، وأنه مستخلف فيه، وأن للفقراء والمساكين حقهم فيه.


القاعـدة الثالثـة: حق الملكيـة

يعتبر حق الملكية الفردية، حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان. ويجعل الإسلام من حق الملكية حافزاً للإنسان ليعمل ويجهد وينافس. (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) (وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية).

وضبط الإسلام وسائل التملك وسبله وحدد قوانينه، وحذر من تكدس المال بيد فرد أو أيدي مجموعة، فنهى عن أن يكون المال (دُولة بين الأغنياء ) كما أنه في الوقت نفسه وضع الشرائع والقوانين لتفتيت الثروة وامتصاصها، وذلك بتشريع الزكاة والصدقة والوصية، ثم بتشريع الميراث الذي يفتت الملكية تلقائياً، إلى عدد من أصول الإنسان وفروعه.


القاعـدة الرابعـة: المخاطـرة

يقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس المخاطرة، وقاعدة الفقهاء الذهبية في ذلك أن (الغنم بالغرم). وروح المغامرة في نفس الإنسان، هي التي تخلق المبادرات نحو الإنجاز المبدع الذي لا يزال تقدم البشرية يقوم عليها.

إن النظام الربوي القائم على الفائدة المضمونة لصاحب المال، إنما يعني أن يؤول المال في صيرورته النهائية إلى المرابين الذين يربحون دائماً ولا يخسرون، ولا سيما في ظل نظام عالمي مفتوح، تقع الكوارث والجوائح على الصناع والتجار ورجال الزراعة والتعدين، بينما صناديق البنوك تغص بعرق وجهد هؤلاء.

قنن الإسلام سبل الكسب وحددها وراقبها مراقبة دقيقة، فجعل التراضي أساس المبادرات التجارية، ولكن التراضي ينبغي أن يكون دائماً في بحبوحة الشرع بين المسلمين (والمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ).


القاعدة الخامسة: التكافـل

يعتبر التكافل بآفاقه الإسلامية السامية وتشريعاته المتعددة: (الزكاة ـ والصدقة ـ والوصية ـ والوقف والكفارات..) قاعدة أساسية من قواعد الاقتصاد الإسلامي.

فقد نص القرآن الكريم على أن في مال الأغنياء حقا هو (حق معلوم) (والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ) فشرع الزكاة نصيباً مقدراً في ضروب المال وأشكاله. ثم حض على الصدقة، وندب إليها، وقرر أن في المال حقوقاً غير الزكاة، ثم شرع الوصية وكتبها على الإنسان إن ترك خيراً لغير الورثة من الأقربين والفقراء زيادة في تفتيت الثروة وتوزيعها. ثم كانت (الكفارات) بأنواعها لتحول ما يجترحه الإنسان من حقوق الله تعالى إلى عباده الضعفاء والمجهدين. ثم كان الوقف شكلاً من أشكال التكافل والتعاون على البر والتقوى.

ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم وإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه) وهكذا يعتبر التكافل الذي تقوم على حق الله فيه (الدولة) أو مؤسسات المجتمع أو الأفراد أحد ركائز النظام الاقتصادي الإسلامي في سد الثغرات، وإصلاح الخلل، والمشاركة في بناء التوازن الاجتماعي حيثما أصابه وهن أو خلل.


القاعدة السادسة: حق العمل

إن العمل الإنساني هو الأساس الرئيس للدخل في المجتمع، وهو حق لكل قادر عليه، وقد جاء في الحديث: (أفضل الكسب بيع مبرور، وعمل الرجل بيده )، وفي الأثر عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (الرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته) قاعدة اقتصادية عظيمة، أي لكل فرد حق التمتع بثمار جهده، والحق في الحصول على حاجته في كل الأحوال.

القاعدة السابعة: التوزيع العادل للثروة إن التوزيع العادل للثروة هو جزء من قضية العدل العام الذي دعا إليه الإسلام، وأن التفاوت الاجتماعي الواسع هو نتيجة طبيعية لتراكم الظلم، وسبب للصراع المدمر بين فئات المجتمع، والقضاء على الفوارق المبنية على الاستغلال والاكتناز أمر أساسي لصيانة أمن المجتمع واستقراره.


الفصل الرابع: في المناهج

أولاً ـ في التربية والتعليم:

يرى المختصون في العملية التربوية، مدخلات ومخرجات. مدخلات تتجسد في المناهج والأنظمة والوسائل والأساليب، ومخرجات تتجسد في إنسان أُعد ليناط به دور فاعل في الحياة العامة.

في قطرنا العربي السوري، لا ينظر هؤلاء المختصون بعين الرضا إلى العملية التربوية، بل إن الإنسان الفرد الذي سلم قياده، أو سلمه والداه إلى مؤسسة التعليم الرسمية ما يزيد على خمسة عشر عاماً؛ يشعر أنه قد غرر به كثيراً بعد أن يخرج لمواجهة تحديات الحياة. ولعل هذا ما يحدث التسرب من صفوف التعليم الأولي، الذي أصبح ظاهرة مزعجة للمهتمين بالشأن الوطني.

في حديثنا عن التربية والتعليم لن نتوقف عند دور (الأسرة) ودور (المجتمع) فقد مررنا على هذا في جوانب متفرقة من هذا المشروع. إن مشروعنا الحضاري، سيمر باختصار شديد على ثلاثة مرتكزات في العملية التربوية..

المرتكز الأول: المنهاج التربوي

يسود الاضطراب الخلفية الفلسفية للمنهاج التربوي، وفي التصور الأولي للشخصية التي تسعى المؤسسة التربوية إليها. ما هي صورة الجيل أو الفرد المنشود. ما طبيعة هويته الوطنية والقومية والحضارية ؟ ما هي أولوياته الخاصة والعامة ؟ ما طبيعة أخلاقه وسلوكه ؟ ما حدود معارفه ومعلوماته، والاتجاه الذي تسير فيه.

التضارب يعج في ثنايا المناهج التعليمية ومنطلقاتها، وعلى الرغم من الصيغة العقائدية الضيقة التي حاولت أن تفرض نفسها على هذه المناهج فإن هذه الصيغة هي التي أوجدت المزيد من التناقض في المفارقة بين ما تمارسه وتدعو إليه.

إن دعوة إلى إصلاح المنطلقات والمناهج والأساليب التربوية في قطرنا، وفق رؤية إسلامية نهضوية حضارية علمية تلامس روح العصر وتحدياته، لا تقل أهمية عن دعوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

إن الإنسان خريج المؤسسة الوطنية التربوية، هو عدة أي مشروع حضاري مستقبلي، فهو العامل المؤثر والفعال في إحداث الإنجاز: الوطني والقومي والحضاري.

وبالتالي فإن (الدستور) التربوي إن صحت العبارة، يجب أن يصاغ من قبل جمعية تأسيسية نخبوية علمية مختصة، بروح وطنية عامة، لا بأسلوب (برغماتي) يركز على غثائيات النظريات والأفكار.


المرتكز الثاني: النظام التعليمي

وهو نظام مستعار من مبدئه إلى نهايته من الغرب، وليس في ذلك غضاضة، إذا أحسن توظيف هذا النظام فيما ينفع ويفيد. إن الملحوظات العامة على هذا النظام في تطبيقاته العملية في قطرنا أنه يهدر كثيراً من الوقت مقابل قلة التحصيل والثمرة. فمازالت المناهج التعليمية تشوه وتسمم، حتى غدا الطالب يتلقى شهادات النجاح عاماً بعد عام، ليواجه بعد عشرة أعوام مصيراً فاجعاً.

في مشروعنا الحضاري نرى في إصلاح النظام التعليمي بأبعاده المختلفة مطلباً أساساً لإنجاح العملية التربوية، ونرى أن إصلاح هذا النظام هو جزء مكمل وأساس لإصلاح المناهج.


المرتكز الثالث: المعلم

لا شك أن ما آل إليه أمر /المعلم/ على مستويات التعليم كافة، غدا من المبكيات الفاجعات. لقد فقد المعلم بفعل جملة السياسات مكانته الأصيلة حتى انحسر ظله عن التأثير الإيجابي في إنجاح العملية التربوية ودفعها إلى الأمام.

فلم يعد المعلم هو ذاك المربي والمرشد والمساعد، بل لقد عدت عليه عوادي السياسات المختلفة فجردته من دوره الحقيقي في رعاية النشء، وصياغة الأجيال، وتنوير العقول.

إن رسالة المعلم في المجتمع هي رسالة الأنبياء، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت معلما )، وأي إصلاح للمعلم لا بد أن ينطلق ابتداء من هذه الرسالة. رسالة هداية الأجيال إلى الإسلام الحق، والخلق الكريم. والصلاح الشامل للفرد والأمة.

في معادلة /المعلم/ حقائق كثيرة ينبغي التركيز عليها، ليعود إلى أصل مهمته. وأول حقوق هذا الرائد الوطني، هو أن يستمتع بسقف من الحرية السياسية والفكرية يعينه على تأدية رسالته. كما أنه لابد من إعادة النظر في إعداد المعلم علمياً وتربوياً وفق منظومة إصلاح المناهج والأنظمة فالمعلم الذي هو جزء من العملية التربوية لابد أن يكون على مستوى المهمة التي يرشح لها، قادراً على القيام بأعبائها. أما الحديث عن كفاية المعلم وصونه وحفظ حقوقه في حياة كريمة، فهو حديث عن بلاء يحتاج إلى إصلاح كبير.


ثانياً ـ في الإعـلام

تجاوز العصر بمعطياته أشكال الإعلام المحلي الموجه، الذي تسيطر عليه حكومة أو حزب. وأصبح مثل هذا الخطاب قاصراً على من يطلقه، ودون أن يجد أذناً صاغية من أحد.

يشارك الإعلام المؤسسة التربوية في تكوين الرأي العام، والموقف العام من القضايا الكبرى وبالتالي توظيف كل ذلك في خدمة مشروع الأمة النهضوي.

إن أثر الإعلام العام، ينبع من مصداقيته ولعل الأسف يبلغ بنا مداه حين يسقط الإعلام الوطني فلا يثق به أحد.

إن ممارسة الإعلام بالأسلوب الذي ساد في فترة الخمسينات من القرن المنصرم غدا شاهداً على أصحابه بالتخلف والانغلاق والجمود. وهو من جهة أخرى قد أتاح لمصادر قد تكون مريبة للتدخل في تكوين الرأي العام الوطني من جملة القضايا العالمية والقومية والمحلية. من المصداقية ينبع التأثير، وقد لا تكون المصداقية دائماً في مصلحة من يملكون ناصية الخطاب، ولكن الأثر العام على مداه الطويل سيكون دائماً في مصلحتهم.

إن إعلاماً فاعلاً في القرن الحادي والعشرين ينبغي أن يقوم على المصداقية، والموضوعية، والالتزام بقضايا الأمة. وبالتالي ينبغي أن يكون إعلام حقيقة لا إعلام حكومة.

المطلوب من الإعلام أن يتابع السياسي توضيحاً وتسديداً وتفنيداً لا أن يكون حامل مكبر الصوت بين يديه بالمعنيين المادي والمعنوي.

ومن هنا ينبع الهدف الآخر للإعلام، هدف الإشارة إلى مواطن الضعف والخلل حيثما وقع.

فالإعلام الموضوعي والحرّ، يستطيع بأسلوب حضاري بناء، أن يضع كل شيء تحت الشمس. وفي أجواء الشفافية، تتوارى كل أشكال الفساد والعدوان وتجاوز القانون.

والإعلام في بعده الثالث، ليس إعلام حكومة أو فئة. إنه إعلام دولة، ووسائله بهذا المفهوم ينبغي أن تعبر عن آراء المواطنين جميعاً. هذه الوسائل التي ينفق عليها من المال العام هي جزء من الحق العام أيضاً. وفي ظل هذه الحالة يكون الإعلام خادماً للحقيقة، لا مزوراً لها يضع بين يدي المواطن أبعاد الموقف، ويقلب وجوه القضايا، ويعبر عن الآراء المختلفة، ويترك له أن يختار موقفه على بصيرة.

لسنا ندعو في سياق مشروعنا الحضاري إلى ضرب من الفوضى والعبثية. ولكن التعبير عن الحقيقة المفعم بالحيوية، والحوار الساخن في إطار حرية التعبير، والاحترام المتبادل لقواعد الخطاب الأساسية، كل ذلك مما يساعد على أن يكون /للدولة/ والمقصود هنا المصطلح بكل أبعاده، زاوية خاصة في عقول أبنائها. تخاطبهم من خلالها، وتوجه مواقفهم وسلوكهم على أساسها.


الباب الثامن : المشروع المنشود معالم وآفاق

حين نقدم سياسات مشروعنا الحضاري الإسلامي، إنما نقدمها برنامجا عمليا وطنيا عاما، (يقتضي تحقيقه) تعاوناً صادقاً من كل الخيّرين في هذا الوطن الحريصين على تقدمه وعزته ورفعة شأنه. فمشروعنا بالتالي ليس مشروعاً نهائياً مفروضاً على الآخرين بل أنه على الرغم من مرجعيّته بالنسبة إلينا، يمكن أن يعتبر مقترحاً بالنسبة لكل من يريد أن يشارك معنا في إغناء الطرح و تسديده ، وتحمل مسؤولية التنفيذ في حياة الفرد والجماعة. إن مشروعنا المقدم في هذه الأوراق هو الكلمة السواء التي ندعو الجميع إلى الالتفاف حولها والاستظلال بظلّها . ومن هذا المنطلق نراه يقف بروية وإدراك عند التحديات التي تواجه قطرنا ويحاول أن يتلمس الحلول لمشكلات ندرك بسهولة أنها لن تحل بلمسات سحرية ولا بكلمات معسولة. إن الاستجابة لتحديات العصر، بما يلائمها من إعداد واستعداد يحتاج إلى جهد الشعب كل الشعب بعزيمة وإخلاص وتصميم. ونظن أن الإخلاص والعزيمة عندما يجتمعان بإمكانهما أن يصنعا الكثير.

وما سنقدمه في هذه البرنامج العملي يتبلور في ثلاث أولويات هي:

الأولى: تحرير الأرض والإنسان. معنوياً ومادياً من الاحتلال والاستلاب السيادي والعقائدي والسياسي والفكري والاقتصادي. وإطلاق طاقات المواطن فاعلاً ومنجزاً.

الثانية: التأكيد على الدور الرسالي لأمتنا وقطرنا. هذا الدور الذي يحدد لأمتنا معنى وجودها وغايته، ويميزها في المعترك الحضاري بآفاق قوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

الثالثة: التحرك الدؤوب لإنجاز مشروع وحدة الأمة ببعديها العربي والإسلامي وحدة تنسجم مع روح العصر ومعطياته وتحدياته. إلى جانب السعي الحثيث لبناء الموقف الإنساني الحضاري الذي يريد الخير والرحمة والعدل لبني الإنسان.

آفاق تحفها الرحمة الربانية، والوصايا السماوية، وشريعة ما قامت إلا على السماحة واليسر، ووضع الأغلال والإصر.

وجماعتنا قد أخذت على عاتقها أن تنطلق في إطار العمل الإيجابي البناء، والانسجام مع متطلباته مسددة ومقاربة، في أجواء الانفتاح على الآخر، والإصغاء إلى صوت الحكمة أنى وجدت، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.

بسم الله الرحمن الرحيم

والعصر ،إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. المدخل إلى البرنامج العملي

وإجمالا لما فصلناه في الجزء الأول من المشروع، وبين يدي برنامجه العملي وسياساته، نقدم هذا المدخل تأكيدا على رسالتنا الإخوانية في الدعوة إلى الحرية، وللحوار، وللنهوض الحضاري بالوطن.

1. دعوة إلى الحرية:

إن القضية الأساسية في سوريا اليوم هي قضية الحرية، ويجب على كل الغيورين أن يقفوا صفا واحدا للدعوة إليها والدفاع عنها، فالحريات العامة شرط النهضة الحقيقية ، والذين يحاولون تجاهل هذه الحقيقة يضيعون أمام شعوبهم فرصتها في التقدم والنمو.

لقد دعا القرآن الكريم إلى الحرية، وبين أنه لا سبيل إلى الحجر على حرية الناس في الاعتقاد والتفكير، وأن الأمر متروك للناس أنفسهم بحيث يختار كل منهم الموقف الذي يراه صوابا، قال تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ، وإذا كانت حرية الاعتقاد حقا شرعيا بالمنظور الإسلامي فإن الحريات الأخرى ألزم من باب أولى، وهي حق لكل أصحابها وليست منة من أحد، وإذا حجبها الحكام يجب أن تنتزع انتزاعا، ولم يعد مقبولا ترحيل قضايا الحريات تذرعا بعدم أهلية الشعوب لها، أو بحجة الصراع العربي الإسرائيلي، فشهادة التاريخ على امتداد عصوره تؤكد أن العبيد لا يصلحون للمقاومة والتحرير، وأن تحرير المواطن من القهر والفقر شرط لازم لتحرير الوطن من الاحتلال.

إن الجماعة تدعو إلى الحرية المسؤولة على نطاق الفرد والمجتمع والأمة، وعلى كافة المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية، حتى يتمكن الجميع من الانطلاق في مجالات الارتقاء والتقدم.

2. دعوة إلى الحوار والعمل بالقواسم المشتركة:

تدعو الجماعة كل الفرقاء على الساحة السورية للسير في الحوار باتجاه البحث عن نقاط التوافق لما فيه مصلحة الأمة والوطن، والحوار الذي ندعو إليه يبحث عن القواسم المشتركة التي يمكن الاتفاق عليها مع بقاء جملة من الخلافيات، ولا يعني ذلك التخلي عن العقيدة أو التوجهات الفكرية والسياسية لأي فريق من الفرقاء، أو التخلي عن الدعوة إلى تلك التوجهات ، ولا شك أن في ذلك مصلحة لكل المعنيين بالحوار الذي لا بديل له إلا التناحر والتسلط والاستبداد.

ومن هنا جاء طرح الجماعة لميثاق الشرف الوطني على كافة الفعاليات الفكرية والسياسية في سورية، دعوة صريحة للحوار والتعاون في تحقيق أهداف مشتركة خدمة لمستقبل سورية ورفعة شأنها. إن التغيير في سورية مطلوب، وهو يتطلب الارتقاء إلى مستوى اللحظة الراهنة، وامتلاك القدرة على التعامل بفعالية وحكمة مع عقبات المرحلة، وفتح الباب للارتقاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والجماعة تريده تغييرا سلميا ديمقراطيا يستند على الحوار الذي لا يستثني أحدا على الساحة السورية، إذ لا يمكن لأي طرف من الأطراف أن يظل بعيدا عن التغيير الذي تتوقف عليه طبيعة المرحلة المقبلة وأهدافها وأولوياتها، وإبعاد أي فريق يعني حرمانه من حق المشاركة في تشكيل المستقبل وضمان مصالحه الأساسية فيه.

والجماعة تدعو للعمل بالقواسم المشتركة التالية:

1. تبني وممارسة قيم التسامح والتعايش المشترك واحترام حقوق الإنسان.

2. الاعتراف بالتعدد، وحق الآخر المختلف في اختيار العقيدة التي يشاء وحقه كذلك في التعبير عنها في إطار الضوابط الدستورية.

3. اعتماد المساواة أمام القانون لجميع المواطنين، واحترام حقوق المرأة، والتأكيد على مساواتها في اعتبارات الأهلية الإنسانية والمدنية.

4. رفض العنف أداة للتغيير، واعتماد الحوار أسلوبا للتعاطي في مجالات الفكر والسياسة والثقافة.

5. رفض الديكتاتورية وتسلط الحزب الواحد، وإثبات حق الشعب بالاختيار الحر لنظامه السياسي.

6. الاحتكام في العمل السياسي لصناديق الاقتراع، واعتماد آليات العمل الديمقراطي.

7. الانطلاق من الوحدة الوطنية، وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والخاصة.

8. الانتماء للمنظومة العربية ، والمرجعية الحضارية الإسلامية.

9. التصدي للمشروع الصهيوني.


3. دعوة إلى النهوض الحضاري للوطن

كما دعت الجماعة إلى الحرية ، و دعت للعمل بالقواسم المشتركة بين جميع الفرقاء، فإنها تدعو كذلك إلى النهوض الحضاري بالبلد الذي تخلف عن ركب التطور لعقود، وإلى بث روح المبادرة والتخلص من السلبية واللامبالاة التي خيمت على النفوس.

إن النهوض الحضاري بالوطن يتطلب كما أسلفنا تكاتف الجميع والارتقاء إلى مستوى اللحظة الراهنة، وامتلاك القدرة على التعامل بفعالية وحكمة مع عقبات المرحلة، وفتح الباب للبناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وحتى يتم النهوض الحضاري بالوطن ليأخذ مكانه اللائق بين الأمم لا بد من البناء الجاد على المستويات التالية:

1. بناء الإنسان الفرد إيمانا وتربية وسلوكا والتزاما في عصر تعصف فيه رياح العولمة الهوجاء بروح الإنسان وخصوصيته وانتمائه.

2. بناء المجتمع المتكامل المتضامن الذي تسوده قيم المحبة والإخاء، وروح العدالة الاجتماعية، في صورتيها: الأصيلة (وما فيها من تلاحم وتعاون) والمعاصرة (وما فيها من تنظيم ومؤسسات).

3. بناء مؤسسات المجتمع المدني، بوحداتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمهنية، لتأخذ دورها في حفظ حقوق الإنسان، وحماية المجتمع وترشيده..

4. بناء روح الإنجاز وقبول التحدي، ومقاومة كل أشكال الاسترخاء والتواكل، والأنماط الاستهلاكية المدمرة. 5. بناء النظم والآليات التي تعين على استغلال ثروات الوطن، وتوظيفها في تطويره ونمائه، والحفاظ على كرامة بنيه.

6. بناء الضوابط والقواعد التي تقوم على الشفافية، وتحول دون انتشار الفساد بأشكاله وألوانه، وحياطة المال العام، وصون ثروات الوطن.

7. بناء خطط التنمية العامة، لتنمية الثروة الوطنية، و تأمين مناعة الاقتصاد الوطني.

8. بناء مستلزمات البحث العلمي، بتوفير البنية التحتية، وتطوير الكوادر البشرية اللازمة .


الباب التاسع : المحاور الداخلية في سياسات المشروع

الفصل الأول : السياسات الدستورية

تدعو الجماعة إلى وضع دستور جديد يعبر عن إرادة الأمة وتطلعاتها، وإيمانها بقيمها وعقائدها، ويحافظ على انتمائها العربي والإسلامي، فالإسلام بقيمه العليا وشريعته السمحة يشكل المرجعية الأولى والهوية الحضارية لأبناء هذه الأمة، يحفظ عليها وجودها، ويبرز ملامح خصوصيتها، ويشكل مضمون خطابها للناس أجمعين. وتدعو الجماعة في سياساتها الدستورية إلى ما يلي:

1- الهوية العربية الإسلامية للمجتمع السوري.

2- دين الدولة الإسلام، وهو المصدر الأساس والمرجعية العليا للتشريع، والأمة هي مصدر السلطات.

3- نظام الحكم نظام شوري (جمهوري ديموقراطي ).

4- اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.

5- الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وإلغاء كل أشكال التجاوزات التي تمارسها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى.

6- تشكيل مجلس نيابي منتخب في انتخابات حرة نزيهة، له سلطات تشريعية ورقابية فعالة.

7- إقرار التعددية السياسية، وتجاوز مبدأ الحزب الواحد قائد الدولة والمجتمع، وتجاوز صيغة الجبهة الوطنية التقدمية التي تحتكر العمل السياسي.

8- تحديد مسؤولية الحاكم أمام الشعب، ووضع أصول لمحاسبته، وتحديد مدة حكمه، وعدد مرات التجديد له.


الفصل الثاني :الشئون السياسية

إن الجماعة تدعو إلى إقامة دولة حديثة ، تكون الحاكمية فيها لله، والسيادة للقانون، والسلطان للأمة، وهي بالتالي ترتكز على ما يلي•:

1- دولة ذات مرجعية: ترتكز مرجعيتها إلى هوية الأمة العربية المسلمة وثوابتها.

2- دولة تعاقدية: ينبثق العقد فيها عن إرادة حرة بين الحاكم والمحكوم. تحدد فيها مسؤولية الحاكم أمام الشعب، كما تحدد كيفية محاسبته وتبديله إذا لزم الأمر.

3- دولة مواطنة: يتساوى فيها جميع المواطنين أمام القانون، ويتمتعون بالحقوق السياسية والمدنية التي يكفلها الدستور، وتنظمها القوانين.

4- دولة تمثيلية: يتمثل فيها جميع أبناء الوطن، رجالا وإناثاً في اختيار الحاكم بل في جملة القضايا الكبرى، إما عن طريق الاختيار المباشر، أو عن طريق الاختيار غير المباشر (طريق المجالس النيابية) في صيغة تمثيلية تخضع لمزيد من عمليات التطوير والضبط، لا لتفقد مصداقيتها ومعناها، ولكن لتكون أكثر تعبيراً عن مصالح الأمة، وعمقاً في رؤيتها، وسداداً في مسيرتها .

5- دولة تعددية: تتباين فيها الرؤى، وتتعدد الاجتهادات، وتختلف المواقف، ضمن إطار الشرعية القانونية، وتقوم فيها قوى المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني بدور المراقب والمسدد والحامي للحرية في وجه الحكومة لمنع تغول أجهزتها، وانجرافها إلى دائرة الاستبداد ومستنقع الفساد.

6- دولة تداولية: تكون فيها صناديق الاقتراع الحرة النزيهة أساسا لتداول السلطة بين أبناء الوطن جميعا دون تسلط أو إراقة دماء.

7- دولة مؤسساتية: تقوم على المؤسسات من قاعدة الهرم إلى قمته، كما تقوم على الفصل بين السلطات، وتأكيد استقلاليتها، بحيث لا يترك المجال لهيمنة فرد أو سلطة أو حزب.

8- دولة قانونية: تعلو فيها سيادة القانون، ويتقدم فيها أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها حالة الطوارئ مكان القانون العادي.

وفي نطاق العمل السياسي تلتزم الجماعة بالوسائل والأفكار الديمقراطية التالية، وتدعو الجميع للالتزام بها:

1- الإقرار التام بأن الشعب هو مصدر السلطة، ولا يجوز لأي شخص أو حزب أو جماعة أو هيئة أن تزعم لنفسها حقا في تولي السلطة، أو في ممارستها، إلا استمدادا من إرادة شعبية صحيحة.

2- تأكيد ضرورة تمثيل الشعب عبر مجلس نيابي منتخب انتخابا حرا، ولمدة محدودة.

3- التأكيد على الالتزام بمبدأ تداول السلطة عبر الاقتراع الحر النزيه، مع ضرورة أن تشمل قوانين الانتخابات الضمانات التي تؤكد نزاهتها، وحياد القائمين عليها.

4- تأكيد حرية الرأي، والجهر به، والدعوة السلمية إليه في نطاق النظام العام والآداب العامة، والمقومات الأساسية للمجتمع، ونعتبر أن حرية تملك واستعمال وسائل الإعلام المختلفة ضرورة لتحقيق ذلك.

5- تأكيد حق التظاهر السلمي، وحرية الاجتماعات الجماهيرية العامة، والدعوة إليها، والمشاركة فيها في نطاق سلامة المجتمع، وعدم الإخلال بالأمن العام، أو التهديد باستعمال العنف أو حمل السلاح.

6- التأكيد على حرية الاعتقاد الخاص، وإقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان.

7- تأكيد حرية تشكيل النقابات المهنية والعمالية، والجمعيات الخيرية والثقافية والاجتماعية، ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن تكون هذه المؤسسات ذات استقلالية يحددها القانون، وتعبر عن آراء ومصالح المنتسبين إليها.

8- تأكيد حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وألا يكون لأي جهة إدارية حق التدخل بالمنع أو الحد من هذا الحق، وأن تكون السلطة القضائية المستقلة هي المرجع لتحديد ما هو مخالف للنظام والآداب العامة، والمقومات الأساسية للمجتمع، أو ما يعتبر إخلالا بالتزام العمل السلمي، وعدم الالتجاء للعنف أو التهديد به.

9- ضمان حق كل مواطن ومواطنة في المشاركة في الانتخابات النيابية، وتولي عضوية مجالسها متى توافرت فيه الشروط التي يحددها القانون.

10- ضمان حق المرأة في العمل السياسي، والمشاركة في الانتخابات النيابية، والمحلية، والنقابات، وحقها في عضوية تلك المجالس ، وتولي المناصب العامة.

11- أن تكون مهام الشرطة وجميع أجهزة الأمن الداخلي هي الحفاظ على أمن الدولة والمجتمع، ولا يجوز أن يقتصر تسخيرها للحفاظ على كيان الحكومة فقط، أو اتخاذها أداة للتدخل في الأنشطة العامة، أو لقمع المعارضة.

12- أن يكون الجيش -بعيدا عن السياسة- متخصصا في الدفاع عن أمن الوطن الخارجي، وتحرير أراضيه المحتلة، وألا تستعين به سلطة الحكم بالطريق المباشر أو غير المباشر لفرض إرادتها أو سيطرتها، أو التهديد بمنع الحريات العامة، وأن يكون منصب وزير الدفاع مدنياً سياسياً كسائر الوزراء.


الفصل الثالث : السياسات القضائية

تدعو الجماعة إلى إصلاح القضاء، وإعادة الحصانة إلى مؤسساته، واختيار مسؤوليها من الكفاءات القانونية والفقهية ذوي النزاهة والخلق.

وتسعى في سياساتها القضائية إلى تحقيق المعاني التالية:

1- أسلمة القوانين تدريجيا، لاعتقادنا أن الشريعة المنزلة من عند الله رحمة للعالمين أرفق وأحكم وأرعى لمصلحة الناس أجمعين..

2- مساواة الجميع أمام القانون، فلا حصانة لأحد أمام القضاء، رئيسا كان أم مرؤوسا، لأن القانون هو السيد، والناس جميعا متساوون أمامه.

3- التأكيد على استقلال القضاء بجميع درجاته، وتحريره من أصحاب النفوذ، وإبعاده عن أي مظنة أو طمع.

4- التأكيد على عدم محاكمة أحد إلا أمام قاضيه الطبيعي، وإلغاء المحاكم الخاصة والاستثنائية، وعدم تقديم المتهمين بقضايا مدنية أو سياسية أمام المحاكم العسكرية.

5- التأكيد على حفظ حقوق المواطن القضائية، وعدم أخذه بالظن، وعدم استخدام التعذيب في استجوابه أو تجاوز العقوبة التي يقرها القانون، وعدم سجنه بدون حكم قضائي.

6- تفعيل مهمة المحكمة العليا ومهمتها النظر في دستورية القوانين، ومنحها الصلاحيات الكاملة لأداء هذا الواجب.

7- إصلاح القانون الإجرائي وأصول المحاكمات، وتخليصه من التعقيد والروتين والبطء الذي يهدر حقوق المواطنين.

8- التأكيد على المهمة الإصلاحية للسجون، وعلى صيانة كرامة السجين وإنسانيته، وعلى إلغاء مراكز التوقيف الاستثنائية.


الفصل الرابع : السياسات الاقتصادية

تشير إحصائيات صندوق النقد الدولي والمكتب المركزي للإحصاء في سورية أن هناك تراجعا ثابتا في كل المؤشرات الاقتصادية . حيث يحددان خط الفقر بكتلة نقدية تقارب نحو 1500 ليرة سورية للفرد الواحد شهريا (ما يعادل 30 دولارا)، وهو الحد الأدنى لتلبية متطلبات المعيشة من المواد الغذائية، ويصل الحد الأدنى للأجر في سورية بعد الزيادة التي أعلنت أخيرا إلى 3045 ليرة شهريا، وهذا ما يجعل أكثر من 22% من سكان سورية يعيشون عند حدود الفقر، وقد هبطت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16% عما كانت عليه في الفترة (1980- 1997م)، كما زاد دين سورية الخارجي من 1.84 مليار دولار عام 1985م إلى 20.86مليارا، في حين بلغت نسبة البطالة 30% كما تفوقت كلفة الحد الأدنى للحياة عمليا على الحد الأدنى الحالي للأجور بنحو 300%!

وتواجه البلد صعوبة كبيرة في تحرير اقتصادها الراكد رغم الاستحقاقات المؤجلة، وتعهد الحكومة بالإصلاحات الضرورية.

هناك من يجعل سبب التدهور الاقتصادي تفشي الفساد الإداري والاقتصادي على مختلف المستويات، وما نراه أن الفساد ليس سببا لهذا التدهور، بل هو جزء من ظاهرة سلبية عامة تسببت فيها السياسات الشمولية المزمنة التي قامت عليها الدولة، وغابت عنها الشفافية والمحاسبة!

لقد أفرزت القوانين الاقتصادية والسياسية على مدى العقود السابقة واقعاً اجتماعياً واقتصادياً متردياً سهل الفساد، و جعل المجتمع السوري متأخراً عن معظم المجتمعات العربية المحيطة به عقوداً عديدةً، ما أدى إلى تراكم مشاعر القنوط واليأس والتخلي عن الشعور بالمسؤولية عند المواطنين!

إن الاقتصاد في بلدنا يشكو من خلل في بنيته يتجلى في:

1. تخطيط مركزي تتحكم فيه الديكتاتورية السياسية والبيروقراطية والمحسوبية والفساد.

2. قوانين قديمة لا تتناسب مع التقدم القانوني لروح العصر، وعدم وجود آليات واضحة لتنفيذ القوانين الجديدة، مع غياب كامل للشفافية.

3. التشبث بالقطاع العام الخاسر، دون أي ملامح لتطويره، مما يحرم الموازنة العامة الكثير من الأموال التي يمكن استخدامها في عمليات الإصلاح الاقتصادي.

4. نمو اقتصادي متأرجح بسبب الاعتماد على عدد محدود من السلع والمنتجات، وعدم توسيع قاعدتها، و الاعتماد على المساعدات الخارجية، و الاعتماد على أسعار النفط المتقلبة.

5. نقص في برامج التنمية البشرية التي تدرب الكوادر المؤهلة المناسبة لاحتياجات سوق العمل.

6. غياب محركات السوق في حماية المستثمر، مثل: المناطق الحرة ، التشريعات الواضحة، القضاء المستقل، الأسواق المالية، البنوك الإسلامية.

7. ضعف كبير في قطاع المعلومات والتقنية الحديثة مع تخلف المستوى التقني في جميع القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية.

إنّ رؤية الجماعة لحل هذه المشكلات الاقتصادية تنبثق، كغيرها، من الإسلام الذي أولى اهتماما كبيرا بالشؤون الاقتصادية، وأنشأ نظاما اقتصاديا يجمع بين حقوق الفرد في الملكية والحرية الاقتصادية، وبين حقوق المجتمع بالتوزيع العادل للثروة والتكافل الاجتماعي، ومنع الغش والاحتكار والاستغلال.

إن أي إصلاح اقتصادي يجب أن يتواكب مع الإصلاح السياسي بالمقام الأول، وما تحتاج إليه سورية هو إعادة إيجاد وضعية سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة لإعادة تأهيل المجتمع المستنزف، ووضعه في شروط العمل والإنتاج والابتكار، أي إيجاد شروط نهضة وطنية تشمل إصلاحات دستورية أساسية وتعيد بناء القيم الأخلاقية إلى جانب بناء مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية من جديد.

وفيما يلي الخطوط العامة التي تراها الجماعة لتطوير الاقتصاد السوري:

1- تطوير السياسات والأنظمة والقوانين

2- زيادة الإنتاج

3- عدالة التوزيع

4- ترشيد الاستهلاك

5- التكامل الاقتصادي


1. تطوير السياسات والأنظمة والقوانين:

• الاهتمام بالتنمية وربطها بجانبها الاجتماعي لكي تصل فوائدها الاقتصادية والاجتماعية إلى مختلف الفئات والطبقات بما فيها الفئات الدنيا، و تجنب أنماط التنمية التي تؤدي إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي و تراكم الثروة في أيدٍ قليلة مقابل تفاقم الفقر لغالبية الشعب.

• تطوير مبدأ الشفافية والمحاسبة، ونشر المعلومات والإحصاءات الحيادية المتعلقة بالاقتصاد الوطني، وتسهيل مهمة الباحثين لمعرفة حقيقة الأداء الاقتصادي للبلد وكيفية تطويره، وكذلك إجراء مناقشات علنية مسبقة للتشريعات الاقتصادية.

• الانتقال الهادئ والتدريجي من اقتصاد القطاع العام إلى اقتصاد السوق المفتوح ضمن المصلحة العامة، مع ترك الخيارات مفتوحة للمحافظة على القطاع العام في مجالات الإنتاج الأساسية التي ترتبط بالأمن القومي أو لارتباط ملكيتها بمجموع أفراد الأمة مثل النفط والغاز والثروة المعدنية.

• تشجيع القطاع الخاص، وتعزيز دور المنتجين ومبادراتهم، وإطلاق مواهبهم، واختيار أساليب العمل التي تتيح أكبر قدر من المبادرات الذاتية بأقل قدر ممكن من استخدام السلطة ، فالدولة ليست ربا للعمل وإنما حكم يسن القوانين ويبين قواعد العمل، ويراقب سلوك مختلف الأطراف ويتركها تعمل ضمن إطار قانوني. وكذلك تشجيع الصناعات الصغيرة والمؤسسات الصغيرة.

• إصدار قوانين استثمارية جديدة تجذب رؤوس الأموال السورية في الخارج التي يقدرها الخبراء بـ (70-80) مليار دولار، وتجذب أيضا رؤوس الأموال العربية والأجنبية، وتهيئ لها جوا استثماريا مناسبا تسوده الشفافية، ويوفر لها الحماية القانونية والقضائية.

• العمل على تحسين العلاقة بين الادخار والدخل من خلال صياغة برامج استثمارية متنوعة مأمونة، وتطوير أساليب الاستثمار المصرفي الإسلامي، وإيجاد القوانين التي تحمي مدخرات المواطنين وتشعرهم بالأمان عليها.

• إصلاح القضاء الذي تلعب نزاهته وكفاءته دورا حاسما في إقامة مناخ استثماري ينهض بالاقتصاد، وتخليصه من البيروقراطية وضعف الشفافية.

• إصلاح النظام المصرفي الذي تسيطر عليه الدولة ويشكل أكبر العوائق في الانفتاح الاقتصادي، وإيجاد آلية عصرية للخدمات المصرفية والمالية، وإعطاء الحرية لتحويل الأموال من وإلى القطر دون عقبات بيروقراطية.

• إصلاح النظام الضريبي لإعادة التوازن في المجتمع، وحتى لا يكون دولة بين الأغنياء دون الفقراء، والعمل على احترام المال العام وحفظه من الضياع، والقضاء على الهدر الضريبي المتمثل بالرشوة والمحاباة وإهمال المحاسبة، وعدم اعتماد الضوابط العلمية في حصر مقادير الدخول، وإعادة النظر في الضرائب غير المباشرة التي تسوي بين الأغنياء والفقراء.

• الانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الإسلامي بالتوازي مع الخطوات السابقة، وتشكيل أنظمة ومؤسسات اقتصادية إسلامية مواكبة لنهضة الاقتصاد الإسلامي الذي أصبح أحد الحقائق الاقتصادية المعاصرة، ندعو إلى:

• إعادة النظر في جميع القوانين التي ترعى النشاطات الاقتصادية، لضمان توافقها مع القواعد الشرعية وخاصة منع الربا والغرر والاحتكار والقمار والاستغلال، لتشجيع استثمار المال وتنميته.

• إقامة البنوك والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية.

• إقامة مؤسسات الزكاة التي تحقق التكافل الاجتماعي .

• إحياء سنة الوقف الإسلامي، وتشجيع الأوقاف التي يرجع ريعها للمساجد والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والصحية والخيرية، والتي لعبت دورا مميزا في المجتمعات المسلمة على مر العصور.

• إحياء قيم الأمانة والإتقان في العمل والمحافظة على المال العام، ومحاربة الرشوة والفساد.


2. زيادة الإنتاج:

• بناء قاعدة اقتصادية متينة مناسبة لحاجات البلد وإمكاناتها، تركز على التنمية البشرية والتدريب لإعداد الأفراد والمؤسسات مهنيا وأخلاقيا، وتعتمد التطوير العلمي والتقني المواكب للعصر.

• الاهتمام الجدي بالزراعة وتعميم المكننة وتطويرها، وزيادة الإنتاجية لجذب العمالة إلى هذا القطاع الذي ما زال ضعيف الإنتاجية ويعتمد على نظم عمل تقليدية. وهذا يقتضي توصيل الخدمات المتكاملة إلى الريف وتطويره، وكذلك العناية بتطوير المناطق النائية، والعناية بالأراضي الجافة واستغلالها الاستغلال الأمثل.

• نقل سورية من المرحلة الأولى من مراحل التصنيع –كما هي الآن- حيث يسيطر إنتاج المواد الأولية، والصناعات التحويلية البسيطة بقيم متدنية، والتي تعتمد كليا على تكنولوجيا مستوردة، إلى المرحلة الثانية من مراحل التصنيع حيث تعتمد الصناعة على إنجازاتها لتحقيق مزايا تنافسية بإنتاجية أعلى وكلفة أقل وتركز على الصناعات الميكانيكية والكهربية والكيميائية وما شابهها، وذلك تمهيدا للدخول إلى مرحلة صناعات التقنية العالية في المستقبل.

• تطوير الأنظمة التجارية في سورية لزيادة فاعليتها وقدرتها على المنافسة، والاستفادة من موقع القطر المتوسط لزيادة التبادل التجاري العالمي.

• تطوير صناعة السياحة النظيفة لكي تساهم بقسط أكبر في تنمية الدخل القومي ضمن الأطر العامة لمبادئ المجتمع.


3. عدالة التوزيع:

• توفير الفرص المتكافئة لجميع المواطنين للانخراط في النشاطات الاقتصادية الحكومية والخاصة.

• ضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة لدى جميع المواطنين، عبر ربط الحد الأدنى للأجور بمقتضيات الحد الأدنى للمعيشة، وتوفير المستلزمات الاجتماعية لجميع المواطنين.

• وضع سياسة إسكانية شاملة تعكس مسؤولية الدولة لتأمين السكن الصحي المناسب للمواطن، وتعديل قانون الإيجار لإيجاد العلاقة السليمة بين المالك والمستأجر.


4. ترشيد الاستهلاك

وهي قضية تتطلب وعيا شعبيا ورسميا بضروريات المواطنين، وحاجياتهم، قبل أن نغرق السوق بكماليات تحسينية، كما تتطلب وعيا وقوانين ناظمة تراعي مصلحة الجميع، وتحول بين بعض القطاعات الحكومية والتجارية ومظاهر البذخ الرسمي، كما تساهم بترشيد الاستهلاك التفاخري على مستوى الأفراد. وستكون القيم والتعاليم الإسلامية محرضا إيجابيا يدعم هذا التوجه بما تتضمنه من آيات وأحاديث تحرم الإسراف، وتحض على الاعتدال والتوسط في المطعم والملبس والنفقة وما يلحق بهم من صنوف الاستهلاك.


5. التكامل الاقتصادي

إن التفكير الجدي بالتكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية و الإسلامية المشتركة أصبح من الضرورات الملحة في عالم اليوم الذي تتعرض فيه اقتصاديات الدول الصغيرة إلى امتحان عسير للبقاء في عالم تعصف به رياح العولمة ، وتسيطر عليه الاقتصاديات العملاقة، والشركات المتعددة الجنسيات. ومن هنا فنحن ندعو إلى عقد مشاركات واتفاقيات ثنائية مع الدول العربية والإسلامية –تمهيدا لتوسيع دائرتها-، مع الاستفادة من التجارب الآسيوية والشرق أوسطية وغيرها.


الفصل الخامس : السياسات العسكرية

يعتمد الجيش السوري في سياسته أن يحافظ على عدد كبير من القوات العاملة، وعلى خدمة إلزامية طويلة المدى (سنتان ونصف)، ورغم أن حجم النفقات العسكرية بلغ سنوياً 80 مليار ليرة سورية (حوالي 1.6مليار دولار) أي ما يعادل 5.9% من الناتج القومي، إلا أن فاعلية الجيش السوري بقيت دون المأمول ، بعد ما أصابه ما أصاب بقية مؤسسات الدولة من فساد وتغلغل أمني وقهر حزبي وفئوي.

إن اغتصاب فلسطين وإقامة [[إسرائيل|الكيان الصهيوني]] على الحدود الجنوبية لسورية يقتضي أن تعد سورية العدة العسكرية المناسبة لتكون الأمة كلها في حالة استعداد دائم، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وأن يبقى الجيش السوري نواة القوة العسكرية للأمة على ألا تبقى مسؤولية الدفاع عن البلاد مرهونة به فقط، وإنما بمجموع الأمة.

ولتحقيق ذلك تطرح الجماعة سياساتها العسكرية وفق التصورات التالية:

1- بناء شخصية الجندي بالإيمان والأخلاق الحميدة.

2- تطوير قدرة الجيش القتالية وبث الروح الجهادية فيه، وتحديث بنيته العسكرية التي تدنت بعد انهيار المنظومة الإشتراكية، وذلك للقيام بمهامه الرئيسية في حماية السيادة الوطنية وتحرير الأرض المحتلة .

3- وقف تسييس الجيش واعتباره مؤسسة وطنية تتبع القرار السياسي ولا تتحكم فيه وضرورة إبقائه رمزاً للوحدة الوطنية وإتاحة الحق لكل مواطن بشرف الانتساب إليه دون تمييز لأية أسباب عقائدية أو سياسية أو فئوية .

4- اعتماد عقيدة قتالية للجيش تناسب معتقدات الأمة، قادرة على الاستفادة من روح البذل والفداء المتأصلة في الأمة، والشجاعة التي تبعثها عقيدة التوحيد الصادقة في النفوس.

5- إعادة تنظيم الخدمة الإلزامية والاحتياطية لتخفيف التبعات المادية والبشرية دون تخفيض القدرة القتالية للجيش، باختصار فترة الخدمة الإلزامية، واستدعاء المجندين دورياً لتحديث تدريبهم العسكري، مما يوفر على الناس وقتهم، وعلى الوطن ثروته، ويجمع المجندون من خلال هذا التنظيم بين متابعة حياتهم العادية، وإعالة أنفسهم وعائلاتهم، وكذلك رفع الجاهزية واستمراريتها لخوض معركة الوطن عند اللزوم.

6- الحرص على الكفاءات العسكرية، والعناية بالتأهيل العسكري، والمحافظة على الانضباط والتسلسل، ومحاربة الفساد ومنع السخرة والقسوة والمهانة في معاملة المجندين.

7- إعادة التوازن إلى المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية، حتى لا يبغي بعضها على بعض بما يحفظ حقوق المواطنين من مدنيين وعسكريين، ويجعل سورية دولة مؤسسات تنهي عهد الدولة الأمنية إلى غير رجعة.

8- اعتماد الجيش الشعبي الرديف، وتعبئة القادرين في وحدات جيش احتياطي توازي أعمالهم المدنية ليكونوا احتياطا فعليا للجيش، ورديفا منظما له، من خلال دورات استدعاء دورية لتحديث المعلومات والانضباط العسكري.

9- تطوير مؤسسات الأبحاث العسكرية والاستراتيجية ومدها بالخبرات والطاقات العلمية والفكرية.

10-تطوير الصناعة العسكرية وتحديثها بالاستفادة من التطور العالمي المتسارع، ومما توصل إليه التقدم العلمي والتقني العالمي، مع السعي لإقامة مشاريع صناعة عسكرية تكاملية بين الدول العربية والإسلامية وصولاً إلى عدم التبعية للغير.

11- القيام بمشاريع التدريب المشترك بين جيوش دول الطوق وغيرها من دول المساندة، مع إقامة وحدات عسكرية عربية مشتركة، تشكل نواة لقوة ردع عربية مسلمة، مشكلة من قوات خاصة عالية التسلح والتدريب، تكون طليعة للدفاع عن أي قطر عربي أو مسلم في حالة تعرضه لأي عدوان وهذا سيعطي لجامعة الدول العربية، و منظمة المؤتمر الإسلامي قوة فعلية تشكل خطوة نحو الوحدة العربية الإسلامية المنشودة، وتكون معززة لهيبة الأمة، وسدا لذريعة التدخلات الأجنبية.


الفصل السادس : السياسات الصحية

رغم زيادة متوسط عمر الفرد، وتدني نسبة الوفيات بين الأطفال في سورية، مازال القطاع الصحي يعاني عموما من التراجع الذي عم بقية قطاعات الخدمات الأساسية في البلاد، وما زالت نسبة عدد الأطباء إلى السكان من النسب المتدنية، إذ بلغت عام 1998م: طبيبا لكل 746نسمة، وبلغ عدد أسرة المستشفيات: سريرا لكل 832نسمة، كما ورد في تقرير مركز الإحصاء المركزي في سورية.

إن القطاع الصحي يشكو من خلل في بنيته يتجلى في:

1- سوء التخطيط الصحي، وعدم ملاءمة السياسات الصحية لواقع البلد.

2- قلة الاعتمادات المتاحة لتطوير القطاع الصحي، مما أدى إلى تدني مستوى الخدمات الصحية.

3- استشراء الفساد ممثلا في البيروقراطية، وتغليب الانتماء الحزبي على الكفاءة في إدارة المؤسسات الصحية، والتسيب والمحسوبيات، وغياب المحاسبة على التقصير والإهمال.

4- هجرة الأطباء السوريين للخارج، خاصة إلى دول الخليج وأوربا وأمريكا.

5- اعتماد سياسة الاستيعاب في القبول في الجامعات، مما أدى إلى تغليب قيم الكم على الكيف في التعليم الطبي، وعدم توفير التدريب العالي المواكب للتطورات الحديثة في العالم، وهذا أدى إلى هبوط المستوى المهني والمسلكي للخريجين.

6- عدم مراعاة العدالة في توزيع الخدمات الصحية، ففي دمشق يوجد سرير لكل 308 نسمة، بينما في إدلب سرير لكل 2000 نسمة، أما نسبة الأطباء في طرطوس فهي طبيب لكل 473 نسمة بينما تتدنى هذه النسبة في الحسكة إلى طبيب لكل 2300نسمة.

تدعو الجماعة إلى رسم سياسات صحية (تعليمية ووقائية وعلاجية) مناسبة لحاجات المجتمع وإمكانياته مع التركيز على المستوى الأخلاقي والعلمي والتقني والتدريبي، وتطبيق المناهج الإسلامية في أساليب الوقاية والعلاج، لما لها من رصيد في نفوس الشعب، ومردود إيجابي على الأداء الصحي في البلاد ومنها:

1- نشر مفاهيم الصحة الوقائية بدءا من المناهج الدراسية، إلى ثقافة الجماهير على أوسع نطاق للتخلص من التدخين والخمور والمخدرات، وتنمية الوازع الديني للتخلص من هذه الآفات..ونشر مفهوم مراعاة حق النفس والجسم على الإنسان، وأن الجسم وديعة من الله، يجب على الإنسان المحافظة عليه، بالامتناع عما يضره، وحفظه بما يقويه على طاعة الله.

2- تنمية الجانب الأخلاقي والإنساني في المهنة الطبية، وبث قيم الرحمة والأمانة في سلوكيات أبنائها، ووضع قوانين رادعة للفساد، والإهمال، وسوء الممارسة.

3- نشر مفاهيم الصحة النفسية، والاستعانة بالطاقة الإيمانية المذخورة في الإنسان لمعالجة أمراضه النفسية. 4- نشر مفاهيم الصحة البيئية بالمحافظة على سلامة الماء والهواء والمناطق الخضراء.

5- إنشاء ونشر التأمين الصحي التعاوني الإسلامي، ووضع الضوابط الشرعية والقانونية المناسبة له.

كما تدعو الجماعة إلى تأمين خدمات صحية تفي بحاجة المواطنين، وتضمن العدالة في توزيعها على كل أرجاء الوطن كما يلي:

1- توفير المستشفيات والمؤسسات الصحية الحكومية لتأمين العلاج الضروري للمواطنين، وتوفير الاعتمادات اللازمة لها.

2- تشجيع الاستثمارات الخاصة في المجال الصحي، ودعم المبادرات الفردية لإقامة منشآت تعليمية وعلاجية تكون رديفا لجهود الدولة في سد الثغرات الصحية، مع وضع الضوابط المناسبة لها.

3- دعم الجمعيات الخيرية والأهلية لإنشاء المستوصفات والمستشفيات غير الربحية لتقديم الخدمات الطبية للفقراء مجانا، أو بأسعار مخفضة.

4- مراعاة العدالة في توزيع الخدمات الصحية خاصة في المدن النائية، والمناطق الريفية.

5- دعم الصناعات الدوائية التي توفر أكثر من 60% من حاجة القطر، وإقامة صناعات دوائية متقدمة، وتشجيع البحث العلمي الدوائي.

6- تطبيق المفاهيم الطبية الحديثة في العلاج، مثل: الاستشفاء المنزلي، والرعاية الصحية المنزلية، لما فيها من فوائد نفسية للمريض، وخفض للنفقات العلاجية.

وفي نطاق التعليم الطبي تدعو الجماعة إلى ما يلي:

1- الالتزام بضوابط الكفاءة لقبول الطلبة في كليات الطب، وإلغاء الاستثناءات.

2- توفير الحوافز المناسبة لجذب الكفاءات الطبية والعلمية المهاجرة، ومساهمتها في رفع سوية التعليم الطبي، والخدمات الصحية في البلاد.

3- اعتماد نظام التعليم الطبي المستمر، للمحافظة على تحديث المعرفة الطبية، ومسايرة التطورات المستمرة في أساليب التقنية والتدريب.

4- دعم البحث العلمي الطبي لإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الصحية والبيئية.

5- الموازنة في التدريس ما بين تعريب الطب، وبين إتقان لغة أجنبية تساعد الطبيب على متابعة الأبحاث والمكتشفات الجديدة.


الفصل السابع : السياسات الاجتماعية

يرى المراقبون أن القيم الاجتماعية قد تدهورت في المجتمع السوري على مدى العقود السابقة، إلى درجة تنذر بالخطر، ولا شك أن التهميش الديني والحرمان الاقتصادي، والكبت السياسي، على مدى عقود، قد أدى إلى تحييد المجتمع، وإخراجه من ميدان التفكير بمصيره، إلى مجرد التنفيذ وتلقي الأوامر، وجعله مجتمعا سلبيا مسلما لغيره تقرير مصيره.

وهذا الوضع الهامشي للمجتمع أدى إلى إهمال الأفراد لواجباتهم الوظيفية والاجتماعية، والتسيب والاستهتار بالموارد والمصالح العامة، وشيوع أخلاقيات الأنانية والرشوة، والتحلل الأخلاقي، والاستزلام للسلطة، والاستقالة من الاهتمام بحاضر البلد ومستقبله.

إن إعادة الثقة للمجتمع بنفسه باحترام إنسانيته، وإعادة حرياته الدينية والاقتصادية والسياسية، هو وحده كفيل بتفجير طاقاته، وإعادته إلى طريق العمل والإبداع، وإقامة التوازن المطلوب بين ضمان الحق، وأداء الواجب.

إن رؤية الجماعة للسياسات الاجتماعية تقوم على ما يلي:

1- تحقيق الربانية والتدين في المجتمع لإحياء قيم الخير والأخلاق الفاضلة النابعة من الإيمان العميق بالله عز وجل، والبحث عن الرزق الحلال، والقيام بالتكافل الاجتماعي، والبذل في سبيل الله حتى يسود المجتمع روح التآخي والتراحم.

2- تشجيع القدوة الحسنة في كل المجالات، وعلى مستوى المسؤولين قبل عامة الشعب.

3- صيانة الأخلاق بالنظام والقانون من جهة، وبتحقيق الحرية والعدالة والضمان الاجتماعي من جهة أخرى.

4- مكافحة الجريمة، ومعالجة مقدماتها وأسبابها، وكذلك محاربة الخمور والمخدرات، وأندية القمار، وأماكن الفحش والدعارة.

5- محو الأمية والقضاء عليها طبقا لخطة موضوعة تحدد الفترة الزمنية، والميزانية الكافية، وجميع وسائل التنفيذ لتخليص البلاد من الأمية، وما تجره على الشعب من تخلف في كل ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

6- توفير العمل لكل القادرين عليه، فالعمل حق وشرف، وهو الأساس الرئيس للدخل في المجتمع.

7- إقامة دولة التضامن الاجتماعي التي تضمن الكفاية للجميع، فلكل مواطن الحق في مسكن يؤويه، وغذاء يكفيه، وزواج يعفه، وكفالة في حالتي الشيخوخة والبطالة، أو ضعف الموارد، وتراكم الدين.

8- بسط الرعاية الاجتماعية وتوسيعها وتعميمها، واعتبارها مسؤولية تضامنية للمجتمع ككل، ممثلة في أجهزة الدولة، وأنظمتها من جهة، وفي المؤسسات الخيرية والتطوعية، ومؤسسات الزكاة والوقف، والجهود الفردية من جهة أخرى.

9- تشجيع الأسرة التي هي الركيزة الأساسية للمجتمع، على بناء الفرد الصالح، والعلاقات الاجتماعية السليمة، وقيام الدولة بتشجيع الأسرة ودعمها بالعلاوات العائلية، وإعانات الطفولة والأمومة.

10- إنشاء مؤسسات خاصة لرعاية الطفولة والأمومة، ومنع استغلال الأطفال في العمل، والقيام برعاية الأيتام والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتأمين سبل تعلمهم، وإعدادهم المهني الذي يتناسب مع إمكانياتهم.


قضية الشباب

ترى الجماعة أنّه لابد من إعطاء قضية الشباب ما تستحقه من اهتمام، سواء منها ما يتعلق بتدني مستواهم المعيشي، أو فيما يتعلق بتلبية حاجاتهم المادية والمعنوية، فنسبة البطالة بينهم تدفعهم للوقوف في طوابير طويلة أمام السفارات العربية والأجنبية، لإيجاد فرصهم خارج البلاد، في ظروف صعبة لم يؤهلوا لها التأهيل المناسب. إن رؤية الجماعة لمعالجة هذا الواقع، يتطلب ما يلي:

1- إيجاد فرص حقيقية للشباب المقبل على سوق العمل، بإنشاء المشاريع الحيوية القادرة على استيعابهم.

2- رفع سوية التعليم الجامعي والمهني وتحديثه، وربطه بحاجات المجتمع، وحل مشكلاته.

3- إنشاء مراكز تدريب متطورة لإقامة الدورات التخصصية لتنمية المهارات الفردية لدى العامل السوري الذي كان يعتمد على المهنة الموروثة.

4- تطوير النوادي الرياضية التي تحافظ على اللياقة البدنية، وتنمي الروح الرياضية، وتصرف الطاقات الحيوية للشباب فيما ينفعهم، وينفع المجتمع.

5- إنشاء المؤسسات والنوادي الثقافية التي تهتم بالتطوير الفكري لدى الشباب، وتزودهم بثقافة أصيلة تحصنهم ضد المذاهب الفكرية العبثية، والممارسات الشهوانية الهدامة.

6- تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص الذي يؤدي إلى تعزيز شعور الشباب بالانتماء لوطنهم، ويسمح بتنمية قدراتهم الإبداعية، ويؤمن لهم الحياة الكريمة.

7- إنشاء الجمعيات التي تشجع الشباب على الزواج وتقدم لهم المساعدات المالية والعينية و معالجة غلاء المهور .

8- محاربة الرذيلة و الفساد و أماكن الدعارة من خلال البرامج الهادفة و تنمية الطاقات الدينية و كشف الآثار المدمرة للرذيلة صحياً و نفسياً على الفتى و الفتاة.


قضية المرأة

المبادئ الأساسية:

1- يرى الإسلام في كل من الرجل والمرأة جوهر الإنسانية ووحدة الخلق والنشأة ويسوي بينهما في الكرامة والإنسانية والمسؤولية فالنساء شقائق الرجال والأصل في الأحكام الشرعية المساواة بينهما إلا ما استثناه الشارع وهو قليل

2- الاختلاف بين الرجل والمرأة اختلاف وظيفة وتبقى رعاية الأسرة أولى المهمات الأساسية للمرأة ولا أحد غيرها يستطيع أن يقوم مقامها فيها أما فائض الجهد والوقت فإن للمجتمع فيه حقا ونصيبا وعلى المرأة فيه واجب تشترك فيه مع الرجل وهو واجب يتحدد نطاقه باختلاف ظروف المرأة وظروف المجتمع ومراحل تطوره

3- العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكامل وليست علاقة صراع وحقوق المرأة مفروضة من الله سبحانه وتعالى وليست منتزعة من الرجل

4- عماد الأسرة المسلمة المودة والرحمة والاحترام المتبادل وحين ما تفتقد الأسرة المودة والرحمة والاحترام وتستحيل فيها العشرة بالمعروف فإن الطلاق من جانب الرجل والخلع من جانب المرأة يصبحان رحمة تتمثل في درء آثار الشحناء والنفور عن الزوجين

5- مشاركة المرأة للرجل في أنشطة الحياة المختلفة أمر لابد منه لأداء مهمتها في الحياة والإسلام لا يوجب التأثم من هذه المشاركة وإنما يسبغ عليها آدابه الشرعية كما أسبغها على سائر ميادين النشاط الاجتماعي ومن هنا كانت قضايا زي المرأة وحجابها وآداب المشاركة الاجتماعية أمور تحمي وتصون نشاط المرأة ولا تمنعه


منهج الجماعة في معالجة قضية المرأة:

تنظر الجماعة إلى قضية المرأة على أنها جزء من قضية الإنسان في المجتمع والنهوض بها جزء من النهوض العام للمجتمع ككل. وترى الجماعة أن إثبات الحقوق التالية للمرأة أمر أساسي للنهوض بها:

1. حقوق الأحوال الشخصية: حق اختيار الزوج دون ضغط أو إكراه أو وصاية، حق المهر والحضانة والإرضاع وحق السكن والنفقة في العدة، حق التملك والميراث كما حدده الشرع .

2. حقوق الأحوال العامة: حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حق التعليم الذي هو فريضة على كل مؤمن ومؤمنة وهو ينمي الشخصية ويزيد الجرأة في مواجهة الحياة والتعامل مع الزوج والأولاد والقدرة على الكسب لتنمية موارد الأسرة عند الحاجة، حق العمل فعمل المرأة حق لها وليس واجب عليها إلا عندما تتعين المرأة لعمل معين فيصبح فرضاً عينياً أو كفائياً، حق المشاركة في الانتخاب والتمثيل النيابي والعمل السياسي.

3. إنشاء ودعم الجمعيات النسائية التي تعمل في تحسين ظروف المرأة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتدافع عن حقوقها في هذه المجالات .

4. إنشاء ودعم الجمعيات الثقافية التي تحض على الأخلاق الكريمة وتنشر قيم الفضيلة والعفاف في المجتمع .

5. تشكيل فريق عمل نسائي على خبرة ودراية بمشاكل المرأة في العالم لتمثيل وجهة النظر الإسلامية في مؤتمرات المرأة والسكان التي تنظمها الأمم المتحدة .


الفصل الثامن : السياسات الإعلامية

لا يزال الإعلام السوري خاضعا للسيطرة الحكومية، ويحمل النظرة الدعائية الأحادية التي تمجد القائد الملهم، والحزب الحاكم، ويرسم صورة وردية غير واقعية لمجتمع يسوده التخلف والظلم والخوف، مما أفقد هذا الإعلام مصداقيته، وجعل عموم الشعب السوري يتوجه لوسائل الإعلام الأجنبية والعربية الأخرى التي تحمل قدرا من الحرية.

وقد تخلفت وسائل الإعلام السوري عن التطور التقني الهائل الذي طبع وسائل الإعلام المعاصرة، فالصحف الثلاث اليومية المملوكة للدولة لا تطبع مجتمعة أكثر من 60 ألف نسخة يوميا، نصفها مرتجع، ولم يصدر حتى الآن سوى عدد قليل من المطبوعات غير الحكومية، تطبع أحدها (الدومري) أكثر من مجموع ما يطبع من الصحف الرسمية الثلاث مجتمعة رغم ضعف إمكاناتها التقنية والمالية.

إن قصور وسائل الإعلام السورية يجعل المواطن ضحية الإعلام العالمي، الذي يقع رغم مهنيته العالية تحت السيطرة الصهيونية، ومصالح الشركات العملاقة متعددة الجنسية، ويتجاهل المصالح العربية والإسلامية.

إن رؤية الجماعة لإصلاح الإعلام تتمثل في السياسات التالية:

أ- إصلاح القوانين الإعلامية لكي:

• تخدم حرية الفكر والتعبير، وتتوافق مع الثوابت الأساسية للأمة، والقيم الإنسانية الفاضلة.

• تنهي احتكار السلطة لوسائل الإعلام، وتفسح المجال الإعلامي للقطاع الخاص، والكفاءات، والتنافس الحر.

• تستشعر المسؤولية في البناء الفكري والثقافي، وتشجيع روح الإبداع الفني الهادف.

• تحصر الرقابة الإعلامية في حدودها الدنيا المتعلقة بثوابت الأمة، معتمدة في ذلك على الوازع قبل الرادع وتتصدى للعولمة الفكرية والحضارية، التي تهدف إلى محو خصوصية الأمة ورسالتها.

ب- توفير الوسيلة الإعلامية المتطورة في معداتها وتقنيتها، والمنفتحة في فكرها، والتي تستطيع الوصول إلى أقصى الأبعاد الجغرافية، لإيصال رسالة إعلامية واضحة وسريعة وواقعية ومؤثرة، وتحمل الأهداف التالية:

• توفير المعلومة الصادقة والدقيقة للفرد والأمة، تتساوق مع رؤيتها وموقفها الحضاري من الأحداث والتطورات على الساحتين المحلية والدولية.

• إحياء روح الحوار مجدداً بين فئات وشرائح المجتمع، وسلطاته المختلفة.

• إعادة بناء المجتمع وفق أسس سليمة، وتمتين وحدته الداخلية عبر استعادة التوازن المفقود بين مؤسسة الدولة والمجتمع، وإحياء وتفعيل دور المجتمع المدني المغيب، وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وتوعية المواطن إزاء حقوقه وواجباته في مجتمعه، ووجوب احترام القانون وسيادته، وإعادة الثقة المفقودة للمجتمع بانتخاب سلطاته.

• دعم وترسيخ حرية التعبير والتفكير والإبداع والتنمية والتطوير، على مختلف الأصعدة السياسية والثقافية والفنية وغيرها، بما لا يتعارض وثوابت الأمة.

• نشر الخلق السليم، والدعوة للقيم العليا للأمة.

• تعزيز وترسيخ الهوية العربية الإسلامية للأمة، والدفاع عنها، وعن قضاياها الحية، والوقوف في وجه التحديات التي تواجهها على شتى الأصعدة.

• دعم وتشجيع ونشر مختلف أشكال الفن والترفيه الهادف والبريء.

• القيام بواجباتها الكاملة في التنمية السياسية والمجتمعية، ولاسيما دورها كسلطة رابعة في المراقبة والمحاسبة، إزاء عمل السلطات الثلاث (التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، وفي التوجيه والإرشاد للمجتمع ككل، وتحسين أدائه وصولا لمجتمع أفضل.

• دعوة كل المسلمين المخلصين، والوطنيين الأحرار، والمنصفين الغيارى في العالم، إلى تحرير وسائل الإعلام العربية والإسلامية من التبعية والهيمنة والسطوة القائمة للإعلام الغربي، ولاسيما المنحاز منه ضد حقوق الأمة، وتاريخها، وهويتها الحضارية.

ج- توفير وتدريب كادر إعلامي يؤمن بالأهداف المبينة سابقا، ويتزود بالخبرة المهنية التي تمكنه من أداء عمله، وفق أصول التخصص والاحتراف، ويتمتع بالأخلاق الفاضلة التي تعصمه من الانحراف، ويتحلى بروح الفريق التي تجعل منه جزءا من المنظومة الإعلامية المتكاملة.


الفصل التاسع : سياسات التعليم والبحث العلمي والمعلوماتية

لم تواكب سورية أساليب التعليم الحديثة، والثورة التقنية التي انطلقت في السنوات الأخيرة، وتميزت بالمنافسة الشديدة على توظيف آخر منجزات العلم، وتقنية الإنتاج والخدمات، وكذلك على إتاحة وسائل البحث للمبدعين في مجال العلم، وتقنية المعلومات التي هي المجال الحيوي والأساس لكل المجالات الأخرى، وكل ذلك يشكل تحديات لابد من مواجهتها بتأمين المستلزمات الأساسية لمواكبة هذه التطورات من تنمية للموارد البشرية المدربة، وإتاحة المجال للإنسان العربي السوري الذي أثبت جدارته عندما تتاح له الفرص المناسبة، وكذلك إصلاح النظم التعليمية لتتلاءم مع التطورات التقنية السريعة، والتخطيط لنقل العلوم والتقنيات، وتعريبها، وأسلمتها من خلال استراتيجيات محدثة بشكل مستمر، وتأمين إنشاء البنية التحتية والخدمات الحديثة، وطرق المعلومات السريعة.

ولابد كذلك من البذل المجزئ على الباحثين، وتوظيف نتائج أبحاثهم في المجالات التطبيقية الصناعية والزراعية والتجارية، وفي الجيش والصحة وكل مجالات الحياة الأخرى.

وفيما يلي المعالم الأساسية لسياسة الجماعة في مجال التعليم والبحث العلمي والمعلوماتية:

1- تأمين المدارس بكل مستوياتها في شتى أنحاء القطر، حتى تشمل المدن والقرى والأرياف، ويأخذ كل مواطن فرصته في تعليم مجاني قريب من مسكنه.

2- التأكيد على حق المرأة في التعليم الأساسي، وتشجيع نصف المجتمع هذا على الاستمرار في التعلم في المستويات الأعلى، بتأمين المدارس والكليات المناسبة لهن، في جو أخلاقي رزين. 3- تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في عملية التنمية العلمية في البلاد من خلال السماح بإنشاء المدارس و المعاهد و الجامعات الخاصة قي شتى أنحاء الوطن.

4- ربط عملية التعليم مع عملية التربية بشكله التكاملي الطبيعي حتى ينشأ جيل مثقف متعلم جاد يعي واجباته تجاه وطنه و قضايا أمته و التحديات التي يواجهها.

5- تجلية العلاقة الربانية بين طالب العلم و الواجب الشرعي و الوطني و الأجر الدنيوي و الثواب الأخروي الذي ينتظر طالب العلم الجاد في تحصيله.

6- الحرص على تعريب و أسلمة العلوم و المعرفة مع عدم التفريط بتعليم اللغات الأجنبية الأخرى لأنها مفاتيح لعلوم و حضارات الأمم الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار.

7- العمل على إيجاد مناهج دراسية موحدة بين الدول العربية كخطوة نحو وحدة الأمة و يكون ذلك من خلال جامعة الدول العربية أو الاتفاقات الثنائية بين دول الجامعة.

8- تطوير النظم التعليمية لتتلاءم مع التطورات السريعة في عالم المعلومات و تتوافق مع الخطوات سالفة الذكر، و تركز بشكل رئيسي على تخريج أجيال من الطلاب قد تمرسوا على البحث العلمي و حرية التفكير و تركز على النوعية في المعلومات لا على الحشو الكمي لذهن الطلاب على النحو القائم اليوم.

9- إنشاء مخابر علمية و أنظمة إدارة تعليمية و شبكات حاسبية في كل المدارس و المعاهد و الجامعات بناء البنى التحتية الحديثة لطرق المعلومات السريعة، لربط هذه المخابر بعضها ببعض و ربطها مع شبكة المعلومات العالمية، و توفير هذه الخدمات للبيوت حتى يتم التواصل بين طرفي العملية التعليمية و التربوية: البيت و المدرسة، و زيادة عدد الساعات المخصصة لتدريس المعلوماتية في المدارس، و خاصة فيما يتعلق بالجزء العملي منها.

10- التوسع في فتح الكليات المتخصصة في علوم / هندسة الحاسب الآلي و الاتصالات تمنح درجات البكالوريوس و الماجستير و الدكتوراه في هذا التخصص، و ذلك باستقطاب أصحاب التخصص المهاجرين و ابتعاث الخريجين الجدد و التأهيل المستمر للكوادر الأكاديمية الموجودة، و كذلك إحداث معاهد متوسطة متخصصة قادرة على تخريج تقنيين متميزين في المعلوماتية، بشقيها البرمجي و التجهيزي.

11- إحداث أنظمة التعليم المستمر في المعاهد و الجامعات التي تسمح للعاملين و الموظفين بمتابعة تعليمهم العالي و تدريبهم التخصصي بعد أوقات الدوام، وإنشاء مدارس و جامعات التعلم عن بعد عن طريق شبكة المعلومات العالمية مما يتيح الاستمرار في التطور الذاتي لمن يريد و في الوقت الذي يريد.

12- تشجيع البحث العلمي الذي يمثل ذروة سنام العملية التعليمية، و هو من أهم المجالات التي تتنافس بها الأمم، إذ يشكل نسبة الباحثين لمجموع تعداد السكان في بلد من البلدان، وعدد الأبحاث المنشورة لهم مقياساً لتقدم و تطور هذا البلد، "فطبقاً لمتوسط الإحصاءات في بداية التسعينات لم تخصص معظم الأقطار العربية أكثر من 0.27% من ناتجها الإجمالي للبحوث العلمية، بينما تجاوزت هذه النسبة أكثر من 3% في البلدان المتقدمة.

13- احترام حق غير المسلمين بخصوصيتهم التعليمية والثقافية.

وفيما يلي تطرح الجماعة تصورها لسياسة البحث العلمي الواجب اتباعها:

1- تشكيل وزارة مستقلة للبحث العلمي تقوم بتحديد التوجهات العامة للبحث العلمي، بما ينسجم مع الظروف المحلية، والمحيط العلمي التقني والاقتصادي العالمي، وكذلك رسم سياسة البحث العلمي، والتنسيق مع الوزارات الأخرى خاصة التعليم العالي، والصناعة والدفاع، وتوجيه البحوث بما يخدم استراتيجية الدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

2- التنسيق والتعاون العربي والإسلامي لتحقيق التكامل في البحث العلمي مع هذه الدول، وكذلك التعاون الدولي لإنجاز البحوث المشتركة.

3- تشكيل وقف إسلامي يكون من مهماته استثمار أموال الوقف، والإنفاق من ريعها على مشاريع البحث العلمي، وتسويق منتجاتها.

4- توفير مستلزمات البحث العلمي من بنية تحتية ومراجع وتجهيزات وتدريب مستمر، وتنشئة و تخريج أجيال من الباحثين المتخصصين من خلال خطط مبرمجة وإعداد مستمر تكون الكفاءة العلمية الشرط الوحيد له، و الاستفادة من كل الوسائل الممكنة لرفع مستوى الوعي الوطني بأهمية البحث العلمي، كالمدارس و الجامعات و وسائل الإعلام المختلفة.

5- الحد من نزيف الأدمغة وهجرة العقول، وتشجيع المهاجرين من العلماء، وأهل الخبرة والاختصاص، على العودة إلى بلدهم، وإيجاد الحوافز التي تشجعهم على ذلك.

6- البذل السخي على الباحثين و تسويق نتائج أبحاثهم و اعتماد سياسة المشاركة بين معاهد البحث و الباحثين.

7- تشجيع الشركات الخاصة على القيام بأبحاث خاصة فيها و تقنين رصد الشركات 5% من ميزانياتها لصالح البحث العلمي الخاص فيها، واعتبار هذه النسبة معفاة من الضرائب.

8- تأسيس شركات متخصصة في البحث العلمي تقوم بإعداد أبحاث تخصصية بالتعاون مع الشركات الأخرى في مجالات الصناعة و الزراعة و التقنية، أو مع وزارات الدولة المختلفة.

9- تأسيس شركات تقوم بإنتاج و تصنيع وتسويق لنتائج أبحاث مراكز البحث العلمي.

10- إنشاء مركز وطني للمعلومات تصب فيه جميع الأبحاث و تكون مرجعاً وطنياً للباحثين في متناول الجميع.


الفصل العاشر : السياسات التربوية

تعرضت العملية التربوية في العالم العربي عامة، وسورية خاصة إلى نكسات أدت إلى كثير من وجوه الخلل والتشويه، مما كرس التخلف والضعف، وأعاق قيام مشروع حضاري عربي وإسلامي، بعد أن كانت أمتنا رائدة العلم والحضارة والتقدم.

وتعود انتكاسة العملية التربوية وعجزها عن تحقيق أهدافها في التقدم والنهوض الحضاري إلى مجموعة عوامل أهمها:

1- إفرازات عصر الانحطاط الذي أضاع عمرا طويلا من حياة الأمة في ركود فكري، وخمول روحي، ومساجلات بين الدين والعلم، أو بين العقل والنقل، وكأن أحدهما من عند الله، والآخر من عند سواه ‍‍! مع أن المنهج الذي اتبعه علماؤنا في عصور الازدهار الأولى، ربى أجيال المسلمين منذ نشأتها وعلى امتداد حياتها، على أن النقل والعقل جميعا من عند الله، وأن تعطيل العقول بدعوى المحافظة على النصوص قصور لا تحتمله مسؤولية العمل الجاد لرعاية مصالح الناس في إطار مقاصد الشريعة.

2- الاستعمار الثقافي الذي أدى إلى إزاحة مناهج التربية الإسلامية، وتشويش العقيدة في نفوس المسلمين، وكذلك إلى الحيرة الفكرية، وزعزعة توازن الشخصية المسلمة، وتعميق الإحساس بمركب النقص، وعقد التخلف.

3- سيطرة مبدأ الحزب الواحد على مقاليد الحياة في سورية، وفرض سياسة البعث في المناهج التعليمية والأفكار، وتسريح المدرسين الأكفاء، وترجيح الانتماء الحزبي على الكفاءة والإخلاص، والنظر إلى الاتجاه الإسلامي على أنه اتجاه رجعي تجب محاربته، وللإسلام على أنه مناف ومناقض للعروبة.. 4- خلل وضعف في إعداد مناهج التعليم، وطريقة إدخالها لعقول الطلبة، مما جعلها قوالب فارغة، لا تؤسس لنهضة، ولا تحفز على بحث.

ومن هنا تأتي دعوة الجماعة إلى السياسات التربوية التالية:

أ- إعداد مناهج التربية التي تعتمد ترسيخ الهوية العربية الإسلامية باعتبارها شرطا من شروط النهضة، والتي:

1- تنبثق عن عقيدة الأمة، وتنبع من أصول دينها، وتحقق رسالتها، وتعيد العلاقة بين العروبة والإسلام إلى مسارها الصحيح.

2- تنظر إلى القرآن على أنه قوة فاعلة، ولا تتحمس لمبادئه المقدسة بشكل نظري، وإنما تضعها موضع التنفيذ.

3- تلتزم بأخلاق الإسلام وقيمه في التسامح مع الآخرين.

4- تقوم بتعزيز قيمة الحرية، وتربطها بالمسؤولية، وتحيي قيمة الشورى وأدب الاختلاف.

5- تعالج موجة الانحلال الخلقي في الأسرة والمدرسة والمجتمع.

6- تحرر مناهجنا التربوية من التبعية الفكرية، والهيمنة الثقافية الأجنبية، ومن الآثار التي خلفتها الأنظمة الديكتاتورية.


ب- إعداد الإنسان الصالح الذي يحمل المفاهيم التالية:

1- الإنسان الذي يحمل المنظور الإسلامي للمعرفة، والذي تتكامل عنده علوم الشريعة وعلوم الطبيعة على أساس أن الوجود الموضوعي للأشياء خلق الله، والقرآن الكريم كلام الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، وكل خبر من الله عن خلقه لا يمكن أن يخالف حقيقة المخلوق، والعلم بسنن الله في الأنفس والآفاق، وحياة الأمم والمجتمعات، يزيد في معرفة الإنسان بالله، كما يزيد في قدرة الإنسان على الاستخلاف الذي كلفه الله به.

2- الإنسان ذو الشخصية السوية الذي يحب العلم والمعرفة، ويؤمن بالتوافق بين العلم والدين، فالإسلام وإن جعل الإيمان بالغيب علامة للتقوى، وعنوانا على تصديق الرسالة، إلا أن منهجه في توجيه المسلمين لطلب المعرفة، والتفاعل مع الكون ليس منهجا غيبيا، وإنما هو منهج يقوم على النظر في الآفاق، وفي الأنفس، واستخدام العقل، والتماس عبر التاريخ، كما يستند إلى وجود نواميس وقوانين علمية لا تتخلف، على الناس أن يكتشفوها ويتعرفوا عليها، ويستفيدوا منها في ترتيب أمور معاشهم.

3- الإنسان الذي ينتصر لقيم العدل والتسامح ، ويتعامل مع الآخرين تعاملا يقوم على التسليم العقلي والنفسي بوجود هذا الآخر، والاستعداد للتعايش معه، واحترام حقوقه وحرياته، كما يقوم على الاعتقاد الراسخ بأن الدين عند الله الإسلام، وأن الحكمة موزعة بين أفراد الخلق، وأن اختلاف زوايا الرؤية وتعدد الاجتهادات قد يكون رحمة من الخالق بعباده، ومظهر ثراء حضاري وتنوع، يرتفع عن طريقه العسر، ويزول الحرج، ويتفسح باب قدرة الحضارة على الاستجابة للظروف المتغيرة والحاجات المتنوعة. 4- الإنسان المؤهل القادر على خدمة المجتمع، ويتمتع بالمهارات الحياتية والتعليمية والتدريبية الضرورية، وكذلك مهارات التعاون والتواصل والتفاعل الإيجابي مع الوسط الاجتماعي، والجمع بين التفكير النقدي والتحليلي الذي يساعدنا في التعرف على المشكلات، ووضع الحلول المناسبة لها.


ج_ بناء المجتمع الصالح من خلال:

1- تربية الأجيال على قواعد الحياة الاجتماعية المنظمة، واحترام حقوق الغير وحرياته.

2- المحافظة على الهوية العربية الإسلامية، وفهم الإسلام فهما صحيحا باعتباره دينا ربانيا، ونظاما إنسانيا لتوحيد الناس على الخير، وتحقيق العدل ونشر السلام.

3- إعلان الأخوة الإنسانية التي تسمو فوق روابط اللون والجنس واللغة، في مسيرة متناغمة، لتعمير الأرض وتجميلها، والمحافظة على خيراتها وثرواتها.

4- التدريب على أصول الحوار، وفهم التعايش عند الاختلاف، والوقاية من الالتجاء للعنف، أو السعي إلى تصفية المخالفين بدلا من السعي إلى تغيير أفكارهم.

5- التربية على إيثار مصلحة الوطن العليا، والحد من الروح الفردية الموروثة في مجتمعاتنا منذ عصور الانحطاط. 6- الانفتاح على الفكر العالمي، والاستفادة من التجربة البشرية المتراكمة على مر السنين، التي لا تتعارض مع ثوابت الإسلام، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها اكتسبها. 7- مواجهة ضغوط العولمة الثقافية، والعمل على نشر الثقافة الإسلامية بطرق عصرية جذابة. 8- مواجهة ضغوط التطبيع مع العدو بكل أشكاله، وتهيئة الأسس النفسية والفكرية، وتوفير السبل العملية لتقوم الحكومات والشعوب بدورها في هذا السبيل.


الباب العاشر : المحاور الخارجية في سياسات المشروع

يستند مشروعنا إلى رؤية تاريخية، ونظرة مستقبلية لدور سورية المتميز في مسيرة الأمة والتي يشكل الإسلام الروح الحقيقية لحضارتها المجيدة، فقد كانت سورية –ولم تزل- بمثابة القلب لمنطقة بزغ منها فجر الحضارة الإنسانية، وانطلقت منها الديانات السماوية، وأرست أسس الحضارة الإسلامية بالشرق، وكانت الجسر الذي انطلقت عبره إلى المغرب و الأندلس.

ومع أن هذا الدور الريادي لبلادنا لم يعد موجودا، وغابت سوريا كما غاب غيرها من أقطار العالم الإسلامي في غيبوبة التخلف قرونا طويلة, ولم تكد تخرج من عهود الاستعمار الفرنسي حتى أصيبت بالانقلابات العسكرية المتوالية، والأنظمة العسكرية الشمولية، مع كل هذا فإن جماعتنا ترى لسورية مستقبلا مميزا في المواءمة ما بين تراثها الإسلامي المجيد، وبين التفاعل الإيجابي مع معطيات العصر لإطلاق نهضة شاملة على كل الصعد الثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، تكون مصدر فخر واعتزاز لكل من ينتمي إليها, ونحن واثقون من قدرة الشعب العربي السوري على الوقوف الموقف الوطني المستعد للبذل والعطاء في سبيل رفعة الأمة وعزتها.


الفصل الأول : الأسس العامة للسياسة الخارجية

ترى الجماعة أن السياسة الخارجية لسوريا المستقبل إنما ينبغي أن تستند ابتداء" إلى حقيقة أولية وهي أننا وقبل كل شيء جزء من أمة, وحدها الإسلام قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام , فأصبح لها بهذا الإسلام كيان حضاري متميز ذو رسالة إنسانية و أخلاقية سامية , وأن ما يجمعنا مع أمتنا العربية , ومن ورائها العالم الإسلامي بأسره من دين ولغة وثقافة وتاريخ مشترك ومصير ومستقبل واحد أكبر من كل ما يفرقنا ويشتتنا , ولن ننهض من كبوتنا، ونحقق آمالنا وننجز مشروعنا الحضاري إلا بقدر اقترابنا من هذه الوحدة، وتوافقنا معها والتزامنا بها.

انطلاقاً من هذه القاعدة الكبرى فإننا نرى أن أسس السياسية الخارجية لوطننا يجب أن تكون:

1- الالتزام الحقيقي والصادق بقضايا الوطن والأمة , ومواجهة المشروع الصهيوني الذي يقوده الصهاينة في فلسطين المحتلة .

2- صياغة المواقف، وبناء العلاقات الدولية، وفقا لمصلحة قضايانا العادلة.

3- الالتحام الحقيقي بين الشعب والحكومة، لأن ثقة الشعب بالحكومة، وصحة تمثيلها له هو الكفيل بقدرتها على مواجهة الضغوط الخارجية.

4- السعي لتحقيق مشروع عربي وإسلامي شعبي يوحد الطاقات لمواجهة الخطر المشترك ومواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الأمة، وتفجر مكامن القوة فيها وتحررها من التبعية لغيرها .

5- السعي لإنشاء صيغة وحدوية فاعلة، تتجاوز جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي التي اقتصرت على التنسيق الهش، وذلك بالبدء بخطوات توحيدية حقيقية على مستوى السوق الاقتصادية والتعاون العسكري والتكامل السياسي.

6- الإدراك الواقعي لحدود إمكانياتنا المتاحة، إلا أن هذه الواقعية ينبغي ألا تكون مرادفا للعجز والسلبية، فإمكاناتنا المتاحة ليست قليلة، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، ويجب توظيفها بالشكل المناسب لتحقيق أفضل الممكن.

7- اعتبار السلم أساسًا للعلاقات الدولية، وعدم الاعتداء على الآخرين، مع احترام خصوصياتهم الثقافية والسياسية , والإيمان أن اختلاف الثقافات والأجناس ليس ذريعة لعدوان جنس على جنس أو ثقافة على أخرى، بل هو مدعاة للحوار والتعارف، مصداقا لقوله تعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) ، خاصة وأن التطور الهائل في الاتصالات يتيح فرصا للحوار والتفاهم بين الشعوب لم تكن متاحة من قبل .

8- احترام العهود والمواثيق, و ديننا الحنيف هو الذي شرع لنا منذ فجر الإسلام الوقوف عند التعهدات والالتزامات التي نرتبط بها مهما بدا لنا من مصلحة ظاهرة في نقضها أو التخلي عنها ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) .


الفصل الثاني : دوائر العلاقات الخارجية

استناداً إلى الأسس العامة لسياستنا الخارجية, فان الجماعة تتبنى السياسات التفصيلية التي نتبناها في العلاقات الخارجية لسوريا وفق الدوائر التالية: القضية الفلسطينية ، العلاقات العربية ، العلاقات الإسلامية، العلاقات الدولية

أولاً: القضية الفلسطينية

لا شك أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعالمين العربي والإسلامي، وهي المحور الذي تدور حوله أو تنبثق عنه معظم القضايا المصيرية للأمة.

ولا شك أيضا أن أرض فلسطين المحتلة بما تحمله من أبعاد دينية وتاريخية وحضارية، تدخل في صميم المكونات النفسية والثقافية لشعوبنا، وتشكل تحديا حضاريا، وجرحا في قلب العالم العربي والإسلامي، ما زال ينزف حتى هذه اللحظة.

إن المتتبع للقضية الفلسطينية لابد أن يلاحظ القضايا التالية:

1- عاش الشعب الفلسطيني فوق أرضه بشكل متواصل منذ أكثر من ألفي عام، وحمل الهوية العربية الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وهو يطرد اليوم من أرضه، ومن حقه أن يعود إليها، وحق العودة حق دائم لا يسقط بالتقادم، ولا تستطيع أي جهة نقضه أو التخلي عنه.

2- تميز المشروع الصهيوني منذ نشأته بأنه مشروع استيطاني يقوم على اغتصاب الأرض، وتشريد شعبها، وقد اعتمد في قيامه على إرهاب المنظمات (شتيرن، أرغون، .....)، ويمارس حاليا إرهاب الدولة بتدمير المنازل، وتجريف الأراضي الزراعية، وقتل السكان المدنيين الآمنين.

3- [[إسرائيل|الكيان الصهيوني]] كيان توسعي، ويشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي للدول المحيطة به، ومازال يحتل أراضي دول عربية مجاورة متحديا الشرعية الدولية، وهو يعتمد على قوة بشرية، وعسكرية متطورة، وكذلك على دعم عسكري واقتصادي ودبلوماسي لا محدود من دول نافذة، أهمها الولايات المتحدة الأمريكية.

إن الجماعة تدعو إلى إتباع السياسات التالية تجاه القضية الفلسطينية:

1- إعادة القضية إلى بعدها العربي والإسلامي، وعدم حصرها في البعد الفلسطيني، والنظر إلى الشعب الفلسطيني المجاهد على أنه جندي الخندق الأول في الدفاع عن الأراضي المقدسة.

2- دعم الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال الصهيوني على كافة المستويات، وفي كل المجالات، والإيمان بأنها مقاومة مشروعة، توجبها الأديان السماوية، والشرائع الأرضية، ورفض وجهة نظر الصهاينة التي تساوي بين مقاومة الشعب الفلسطيني المشروعة، وبين الإرهاب وإحباط جهودهم لفرض وجهة نظرهم هذه على العالم. إننا ندعو لدعم المقاومة للمبررات الشرعية:

أ‌- لأنّ الشعب الفلسطيني شعب عربي مسلم شقيق أعتدي عليه وله علينا حق النصرة.

ب‌- لأنها تحقق جزءاً من سياستنا التي تدعو إلى دعم القضايا العادلة، والشعوب المستضعفة، للحصول على حقوقها.

ت‌- لأننا بدعمها إنما ندعم خط المواجهة الأول لحماية الأمن القومي للدول المجاورة للكيان الصهيوني ضد ممارساته التوسعية.

ث‌- لأن الاعتداء الصهيوني على فلسطين يعتبر عدوانا على الأمة كلها، وإذا لم يستطع المسلم المشاركة في المقاومة فإن دعمها هو أقل الواجب.

3- دعم حق الشعب الفلسطيني المشتت في عودته لأرضه.

4- التخلي عن الوهم الشائع بأن المفاوضات في ظل هذه الموازين المختلة هو الخيار الاستراتيجي الوحيد أمام الفلسطينيين للحصول على حقوقهم، إذ لابد من الاحتفاظ بخيار المقاومة باعتبارها الخيار الأساسي في مواجهة الاحتلال.

5- إطلاق جميع الخيارات لتحرير الجولان وكافة الأراضي المحتلة.

6- تفعيل المقاطعة، ومقاومة كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني.

7- إعداد مشروع إسلامي عربي شامل يعتمد المواجهة الجادة للمشروع الصهيوني الاستيطاني، يحرر الإنسان العربي من الخوف والعجز والمهانة، ويحرر المجتمعات العربية من الاستبداد والتخلف، ويوجد برامج طموحة للتقدم والتنمية والبناء، ويحقق أقصى فعاليات التعاون بين الدول العربية والإسلامية.

8- مخاطبة المنظمات الشعبية والثقافية والسياسية، ومنظمات حقوق الإنسان في العالم، ودعوتها إلى الالتزام بمبادئها في رفض سياسة الكيل بمكيالين، التي ميزت التعامل مع القضية الفلسطينية. ثانياً: دائرة العلاقات العربية

تنطلق نظرة الجماعة إلى العلاقات العربية من إيمانها بوحدة هذه الأمة تاريخا ومآلا , حاضرا ومستقبلا ,وأن التجزئة السياسية, ورغم أنها واقع قائم لا يمكن إنكاره , إلا أنها حالة عرضية في حياتنا ينبغي أن تنتهي بأسرع وقت , وينبغي أن تكون كل الجهود متجهة لتحقيق وحدة الأمة مهما طال الزمن. والجماعة تدعو للسياسات التالية في دائرة العلاقات العربية:

1- طرح وتبني سياسات عربية مشتركة في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والعمل على إنجاح هذه السياسات ودعمها بالبرامج العملية المناسبة .

2- تدعيم الروابط الوثيقة بين شعوب الدول العربية, عبر كافة الوسائل, ومن أهمها إنشاء ودعم التنظيمات الشعبية والحكومية التي تساعد على زيادة التلاحم بين الشعوب وتوحد بينها .

3- السعي لإلغاء كل الحواجز والقيود التي تحول دون اندماج الشعوب العربية مع بعضها, ابتداء" بحرية تنقل الأفراد, وانتهاء" بحقوق المواطنة الكاملة لكل عربي في أي بلد عربي آخر, والتحرك في هذا الاتجاه عبر سن القوانين المشتركة في كافة المجالات .

4- التأكيد خاصة على قيام السوق العربية المشتركة بشكل فعلي , وسن القوانين والأنظمة التي تحرر التجارة بين الدول العربية وتشجع رؤوس الأموال العربية على التنقل بحرية في كافة الأقطار .وكذلك دعم المشاريع الاقتصادية المشتركة التي تساعد على تحقيق التكامل الاقتصادي العربي .

5- الاهتمام بصورة خاصة بدعم الجهود والنشاطات الثقافية والعلمية والتربوية المشتركة ,ودعم المؤسسات التي تعنى بالاندماج الثقافي لتكوين الأرضية المناسبة للاندماج الواقعي .

6- التأكيد على احترام سيادة الدول العربية وحقوقها القطرية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية, والعمل على تحقيق الأهداف السابقة عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية المعترف بها, وعبر الاختيار الشعبي الديمقراطي الحر لكل قطر.

7- إقامة علاقات سياسية واقتصادية خاصة ومتميزة مع الشقيقة لبنان، تراعي المصالح الكثيرة، والروابط العديدة المتبادلة بين الشعبين والدولتين.

8- العمل على إيجاد صيغة ما لاتحاد العرب بحيث تصبح البلاد العربية: الولايات المتحدة العربية، وهذا أقرب إلى إمكانية التطبيق العملي من الوحدة الاندماجية، مستفيدين من تجربة الاتحاد الأوربي الحديثة.

ولنا بخصوص العراق الشقيق موقف نحرص على تسجيله:

لقد عارضنا – وما زلنا نعارض- التدخل في شؤون المنطقة، ومن ذلك موقفنا الرافض للعدوان على العراق، مؤكدين على وحدة الشعب العراقي والأرض العراقية. ونطالب بالحرية لأشقائنا في العراق، وتمكينهم من رسم مستقبلهم لأنفسهم، والتحكم بثرواتهم. نتمنى لشعب العراق المزيد من الالتحام الوطني، ونندد بكل محاولات زرع الفتنة على اختلاف راياتها وشعاراتها.


ثالثاً: دائرة العلاقات الإسلامية

إن منطلق الجماعة في السياسة المتعلقة بدائرة العلاقات الإسلامية هو المبدأ الإسلامي الأساسي الذي نص عليه كتاب الله عز وجل: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون)، والذي بينه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

ولئن كان واقع المسلمين اليوم بعيدا عن هذا المثال الذي وضعه الرسول الكريم ، فإن من واجبنا ونحن نتحدث عن السياسة الخارجية لبلادنا أن نبين أن هذا هو الهدف العام الذي نتمناه لعلاقاتنا في إطار العالم الإسلامي الذي يشكل إحدى أكبر التجمعات في عالم اليوم، ويملك طاقات هائلة على الصعيد البشري والاقتصادي وذخرا كبيرا من القيم والمصالح المشتركة.

والجماعة وهي تدرك أننا نعيش في عالم من التكتلات الإقليمية والدولية يقتضي أن تحول هذه الأماني إلى مؤسسات وأنظمة تغير من واقع المسلمين على الأرض، وتمكنهم من التعامل مع تكتلات اليوم بنفس المنطق والأساليب، كتلة إسلامية عالمية تتشابك علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، في إطار محكم ومتطور من التنظيم والفعالية تساعد المجتمعات الإسلامية على التخلص من تخلفها، وتساهم بإيجابية في تطور مسيرة الحياة البشرية، وتعتمد الحوار الحضاري بدلا من الصراع في التعامل مع الآخرين.

واستنادا إلى هذه النظرة العامة فإن الجماعة ترى تبني السياسات التالية:

1- تشجيع كل فرص الحوار والتواصل والتعارف بين الشعوب الإسلامية، ونشر اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وإقامة المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية التي تعنى بتعميق الهوية الثقافية المشتركة للمجتمعات الإسلامية.

2- إقامة سوق إسلامية مشتركة، تشجع على التبادل التجاري، وإقامة المشاريع المشتركة، وتسهل حركة تنقل رؤوس الأموال والخبرات بين الدول الإسلامية، كي تستفيد من الإمكانيات الهائلة التي يزخر بها العالم الإسلامي، وتطوير هذه الإمكانيات لخدمة شعوبها.

3- توثيق الصلات مع الأقليات والجاليات الإسلامية في الدول المختلفة ( خاصة في أوربا وأمريكا)، للمحافظة على هويتها الإسلامية، والمشاركة البناءة في الدول التي تعيش فيها، وأداء دورها في خدمة القضايا العربية والإسلامية .

4- تفعيل وتدعيم مؤسسات العمل الإسلامي المشترك في كل مجال، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، والمساهمة الفاعلة في تطوير هذه المؤسسات لإنجاز مهامها بكفاءة واقتدار.

5- مواجهة التغلغل الصهيوني في بعض الدول الإسلامية، وإجراء المزيد من الصلات والعلاقات الهادفة إلى توسيع دائرة التفهم لقضية الحق العربي والإسلامي في فلسطين، وخطر المشروع الصهيوني على الأمة كلها.

6- تطوير العلاقات العربية باتجاه التنسيق ثم الوحدة، والنظر إلى وحدة العالم العربي الأساس الذي لابد منه لتحقيق عالم إسلامي متفاهم ومتعاون.

7- اعتبار العالم الإسلامي بعد العالم العربي، المجال الأول لحركتنا الدبلوماسية والسياسية، والعمل على توحيد مواقف الدول الإسلامية، لإبراز كتلة إسلامية مستقلة للوجود، تقوم على المصالح المشتركة فيما بينها، وتحافظ على الخصوصيات والاعتبارات السيادية.


رابعاً: دائرة العلاقات الدولية

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وبروز نظام القطب الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، شهد ميدان العلاقات الدولية تحولا كبيرا في طبيعة العلاقات بين الدول المختلفة، والقوانين الناظمة لها، سواء على المستوى النظري أم على المستوى العملي، وتبلورت مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية مثل العولمة, والنظام العالمي الجديد. أما من الناحية العملية, ورغم الحديث المتكرر عن حقوق الإنسان والقيم الديموقراطية, فقد شهد العالم تراجعاً واضحاً في الاحترام الفعلي لهذه الحقوق والقيم, لصالح القوة والهيمنة ذات القطب الواحد, وتقلصت مساحة السيادة القطرية أمام التدخل الخارجي تحت ستار المنظمات الدولية وكذلك برز التطبيق الانتقائي, حسب رغبة الدول الكبرى, للقوانين الدولية فيما يعرف بسياسة الكيل بمكيالين, والتي أضحت وللأسف أحد معالم السياسة الدولية الراهنة, حيث تشكل منطقتنا العربية أوضح دليل على فسادها.

إلا أن المؤكد أن سياسة القطب الواحد لا تحظى بالقبول لدى معظم دول العالم , وتتبلور-على درجات- ملامح قوى إقليمية عدة تسعى للتخلص من سياسة الهيمنة هذه, ولتشكيل مداراتها المستقلة, وأبرزها مجموعة دول الاتحاد الأوروبي, وكذلك مجموعة الدول الآسيوية التي تتزعمها الصين وغيرها. بينما يغيب العالم العربي والإسلامي عن عالم التكتلات هذه , و تتفجر الصراعات والنزاعات المختلفة بين الدول العربية والإسلامية وكأنها تعيش خارج هذا العصر, وتسير في عكس اتجاهه...

واستنادا لهذه الرؤية فإن الجماعة تدعو إلى السياسات التالية:

1- الدعوة إلى تأييد القوى العالمية التي تعمل على تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، لدفع شرور هيمنة القطب الواحد، وتحقيقا لسنة التدافع التي أشار إليها القرآن الكريم (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).

2- الدعوة إلى احترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، وتشجيع الحوار والتفاهم بين الحضارات المختلفة لمصلحة الإنسانية بدون وصاية أو إملاء.

3- العمل على تنسيق مواقف الدول العربية والإسلامية أمام التكتلات الدولية الأخرى، لنصرة القضايا العربية والإسلامية، والقضايا العادلة الأخرى في العالم.

4- العمل على إقناع الحكومة الأمريكية بالعودة في سياساتها مع العرب والمسلمين إلى التوازن الصحيح، الذي يحسب الحساب للجانب العربي والإسلامي أثناء اتخاذ القرار، ويمتنع عن التأييد المطلق لإسرائيل على حساب المصالح العربية، وكذلك تطوير العلاقات مع الشعب الأمريكي من خلال سياسة الحوار، وإرسال رسالة واضحة له مفادها أن المصالح الحقيقية للولايات المتحدة على المدى البعيد ترتبط بشكل وثيق مع الشعوب العربية والإسلامية التي تشكل خمس العالم.

5- تصحيح وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي لكسب تأييدها لقضايانا من جهة، والاستفادة من تقدمها في تطوير إمكانياتنا من جهة أخرى.

6- تنمية العلاقات مع الدول الآسيوية النامية مثل الصين وتايوان والتعاون معها لتطوير إمكانياتنا الاقتصادية والتقنية.

7- التعاون مع جميع المؤسسات الدولية والشعبية للمحافظة على البيئة التي وهبها الله سبحانه للبشر، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية بطريقة تراعي مصلحة الإنسان وبيئته في أجياله الحاضرة والمستقبلية.

8- التعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة (مثل الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي...)، ودعم المساعي العاملة لتخليصها من هيمنة الدول الكبرى، والاستفادة منها لنصرة قضايانا وتحقيق برامجنا في المجالات الصحية والثقافية والتنموية، دون المساس بخصوصيتنا الثقافية العربية الإسلامية.


الخاتمة (سورية التي نريد)

• نريد سورية بلدا تسود فيها كلمة الحق والعدل، ويقوم فيه المواطن وهو آمن على نفسه، بدوره الفاعل في بناء وطنه، وحماية معتقداته، يقطف ثمار تقدمه وازدهاره.

• نريدها بلدا ذا هوية عربية إسلامية، فالإسلام دين وحضارة للمواطن المسلم، وهوية حضارية للمواطن غير المسلم.

• نريدها بلدا ينعم فيها الجميع بظل شريعة الله عز وجل، من خلال رضى الناس واختيارهم.

• نريدها بلدا تتحقق فيها الوحدة الوطنية، وينبذ التعصب الطائفي، وتتعايش فيها مختلف الديانات والمذاهب والأعراق، ضمن إطار المصلحة العليا للوطن.

• نريدها بلدا يؤمن بالحق في الممارسة السياسية وتشكيل الأحزاب في إطار دستور البلاد، ويكون الاقتراع الحر النزيه أساسا لتداول السلطة دون تسلط أو إراقة دماء.

• نريدها بلدا يمتنع فيه استبداد السلطة والتفرد بها، ويرسي قواعد المؤسسات الرقابية والقضائية، والآليات الكفيلة بذلك، وتستقر فيه قواعد الحكم عن طريق اختيار الشعب، لا عن طريق الإكراه

• نريدها بلدا ينتهي فيه الصراع بين التيارات الإسلامية والقومية، ويتنافس فيه الجميع لما فيه مصلحة الوطن، وتثبيت هويته العربية والإسلامية.

• نريدها بلدا يأخذ فيه التيار الإسلامي، وكل التيارات الوطنية المخلصة، دورهم الفاعل في بناء الأمة والوطن، دون تهميش أو إلغاء.

• نريدها بلدا ينعم بالازدهار الاقتصادي، وتتحقق فيه العدالة في توزيع الثروات، ويضمن فيه حق المواطن في التعليم،والسكن، والرعاية الصحية، والعمل، والضمان الاجتماعي في حالتي العجز والشيخوخة.

• نريدها بلدا يتساوى فيه الجميع أمام القانون، دون حصانة لأحد أمام القضاء، رئيسا كان أم مرؤوسا.

• نريدها بلدا تعلو فيه سيادة القانون، ويتقدم فيها أمن المجتمع على أمن السلطة، ولا تحل فيها قوانين الطوارئ محل القوانين العادية.

• نريدها بلدا النساء فيه شقائق الرجال، متساوون في الكرامة الإنسانية، ومتكاملون في الوظائف والواجبات.

• نريدها بلدا ذا جيش وطني يحق لكل مواطن شرف الانتساب إليه حسب المؤهلات، والكفاءات وعدم اقتصاره على فئة دون أخرى من أبناء الوطن.

• نريدها بلدا تحتفظ بكفاءات أبنائها الوطنية، وتكون عامل جذب للكفاءات الوطنية و العربية المهاجرة.

• نريدها بلدا تسود فيه أساليب الإدارة الحديثة، وتعم فيه وسائل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية في المدارس والجامعات ومؤسسات البحث العلمي، والمؤسسات العامة والخاصة.

• نريدها بلدا ذا مناهج تربوية ترسخ الانتماء العربي والإسلامي باعتباره شرطا من شروط النهضة، وتربي الأجيال على تعزيز قيمة الحرية، وربطها بالمسؤولية، كما تربيهم على نصرة المستضعفين، والدفاع عن حقوق الإنسان، وكذا على أصول الحوار، وتتضمن هذه التربية منهج التعايش عند الاختلاف، والوقاية من الالتجاء للعنف، وتصفية المخالفين.

• نريدها بلدا ذا إعلام حر، يعمل على دعم وترسيخ حرية التعبير والتفكير والإبداع والتنمية، وينسجم مع هوية الأمة الثقافية والحضارية.

• نريدها بلدا يلتزم التزاما صادقا بقضايا الأمة، والوطن، ومواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.

• نريدها بلدا ذا مشروع عربي إسلامي ناجح، ينطلق من آفاق الوحدة الوطنية إلى التكامل الإقليمي والعربي والإسلامي.

• نريدها بلدا يعمل على تعزيز التعاون الدولي القائم على تبادل المصالح بين الشعوب، و دعم السلام العالمي المقام على العدل.

• نريدها دولة تسعى في طريق التضامن العربي لتكون ولاية من الولايات العربية المتحدة، بما يحقق التكافل والتكامل والقوة لأمتنا في جميع المجالات، ويستنهض طاقاتنا في البناء والتحرير.

• نريدها دولة تسعى في طريق الوحدة الإسلامية بأي نوع من أنواع التنسيق والتقارب أو التكتل أو الاندماج، وتسعى مع أشقائها من الدول الإسلامية لتكون فيهم ولاية من الولايات الإسلامية المتحدة، فتحقق بهذا التوازن والاستقرار والسلم العالمي، بما يؤمن لأمتنا الإسلامية مصلحتها ويعزز قوتها ومكانتها ويجعلها شريكا رئيسياً في القرار الدولي.

وأخيرا....

لا يسعنا إلا القول أن ما طرح في هذا المشروع الإسلامي من الأفكار والبرامج، يتطلب التطبيق العملي على أرض الواقع، كي تتحقق الفائدة المرجوة منه لسورية المستقبل.

وجماعة الإخوان المسلمين إذ تتحمل مسؤولياتها للبدء في خطوات التنفيذ العملي لهذا المشروع، فإنها تطالب الجميع بتحمل مسؤولياتهم أيضا، بمد يد التعاون لما فيه خير سورية الوطن والمواطن، في أجواء من الحرية والتنافس الديمقراطي الشريف.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" سورة هود: الآية88

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين


قالوا عن المشروع السياسي لسورية المستقبل

العلامة الدكتور يوسف القرضاوي

"...فقد سعدت بقراءة مشروعكم الحضاري الذي تعتزمون إصداره، لبيان وجهة نظركم في إصلاح الأمة إصلاحاً جذرياً، يعتمد على رؤيةٍ شرعيةٍ مؤصّلة، تربط الفروعَ بالأصول، والظواهرَ بالمقاصد، والشريعةَ بالحياة، والتراثَ بالمعاصرة. وقد أبديتُ بعضَ الملاحظات السريعة عليه، وقيّدتُها مع المشروع. ولا ريب أنّ جهدكم في هذا المشروع يُذكَر ويُشكَر، وإن كان شأنه شأنَ كلّ عملٍ بشريّ، فهو قابلٌ للتحسين والإجادة والاستدراك. ولكن المهم أنه يقوم على رؤيةٍ تتّسم بالسعة والمرونة، ومنهج التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، وهو المنهجُ النبويّ في الدعوة والإصلاح والتعليم.

وبعبارةٍ أخرى أقول: إنه يعتمد (المنهج الوسطيّ) الذي لا يَصلُحُ للأمة ولا يُصلِحُ الأمةَ غيرُه. وهو منهج الداعية الفقيه المجدّد مؤسّس الحركة الإسلامية في سورية الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، بل هو منهج الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله..."

"أقترح أن يلخص هذا المشروع الكبير في (رسالة صغيرة مركزة) بأسلوب سهل، حتى يقرأه جماهير الناس ويستوعبوه، ويبقى هذا المشروع الكبير للخاصة."


الشيخ فيصل مولوي ...الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان

"إنّ المشروع بالإجمال عمل موفق، بذل فيه جهد كبير، ولعله أول مشروع تفصيلي تقدمه الحركة الإسلامية في هذا العصر، وتبين فيه رؤيتها لمعالجة قضايا الأمة..."


الدكتور عبد الكريم زيدان ...الداعية الإسلامي العراقي المعروف

"إشادة لابد منها بهذا المشروع.. إن هذا المشروع – بعد تعديل الملاحظات الطفيفة السابقة- يعد بحق مشروعا إسلاميا حضاريا، وقد كتب بلغة إسلامية متميزة، وفيه جهد طيب، وهو يستحق أن يطرح باسم جماعة الإخوان المسلمين – بعد تعديله- وجزى الله خيرا كل من ساهم فيه وأعان على نشره وتحقيقه والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم."


الأستاذ أبو جرة سلطاني ...رئيس حركة مجتمع السلم في الجزائر

"تصفحت هذا الجهد البشري الكبير، ولاحظت ما يلي: أنه جهد عميق وطموح وفيه أشواق كل الطامحين لإقامة دولة إسلامية على أية بقعة من أرض الله الواسعة.."


للمزيد عن الإخوان في سوريا

مراقبو الإخوان في سوريا

1- الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964م) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان.

2- الأستاذ عصام العطار (1964- 1973م).

3- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1973-1975م).

4- الأستاذ عدنان سعد الدين (1975-1981م).

5- الدكتور حسن هويدي (1981- 1985م).

6- الدكتور منير الغضبان (لمدة ستة أشهر عام 1985م)

7- الأستاذ محمد ديب الجاجي (1985م لمدة ستة أشهر).

8- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1986- 1991م)

9- د. حسن هويدي (1991- 1996م).

10- الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996- أغسطس 2010م)

11- المهندس محمد رياض شقفة (أغسطس 2010)

.

من أعلام الإخوان في سوريا
أقرأ-أيضًا.png

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

وثائق ومتعلقات أخرى

وصلات خارجية

الموقع الرسمي لإخوان سوريا

وصلات فيديو

.