العدالة والتنمية التركية تحديات ما بعد تشكيل الحكومة
ثمة تحديات تواجة الحكومة التركية التي شكلها حزب العدالة والتنمية برئاسة عبدالله جول مؤخرًا، هذه التحديات يرتبط بعضها بالواقع التركي ذاته، المفروض على أية حكومة كانت ستتشكل في هذا التوقيت كما أن بعضها يرتبط بوصول العدالة والتنمية بصفة خاصة كحزب يحمل أيديولوجية مختلفة- إن لم تكن إسلاميةً كما يصفه المراقبون -فهو حزب محافظ يرفض الصدام مع الدين من منطلق الحريات الشخصية، ومن أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة التركية إجمالاً:
- قضية العلمانية و الإسلام .
- تحدي الفقر والفساد.
- عدم الصدام مع المؤسسة العسكرية.
- قضية وجود الحزب في السلطة بدلاً من وجوده في المعارضة.
- قضية الأكراد.
- قضايا العلاقة بالخارج "الولايات المتحدة – الكيان الصهيوني – قبرص وغيرها".
التعايش مع العلمانية:
التحدي الأول الذي يفرض نفسه على حكومة العدالة والتنمية هو قضية الموقف من العلمانية التي تعد دينًا للنظام التركي، يحرسها العسكر وليس أيديولوجية فقط وأمام الحكومة عنده خيارات منها:
1. الصدام المباشر مع العلمانية بمواجهتها واقتلاع جذورها ومحاولة التطبيق الشامل للإسلام.
2. التعامل والمواجهة التدريجية معها في ظل توازنات القوى.
3. التعايش معها والاستفادة من بعض قيم العلمانية كالتعددية والحريات الشخصية في خدمة توجهات الحكومة.
4. والخيار الأخير هو الأقرب في ضوء الواقع التركي وبيانات الحزب وتأكيداته على احترامه للعلمانية والتعايش معها، حتى لا يلقى نفس المصير الذي لقيه الرفاة والفضيلة من قبله.
5
. وقضايا مثل الحجاب والمدارس الدينية وغيرها، سيتعامل الحزب معها من منطلق الحريات الشخصية المكفولة في أي نظام علماني وليس من منطلق ديني وإقناع العسكر بأن الحريات الكاملة هي السبيل الوحيد لقبول الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا فيه، وذلك لأنه كما أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بوجود دولة ذات نظام إسلامي كامل فإنه – حتى الآن – لا يقبل دولةً علمانيةً تمارس القمع السياسي ضد مواطنيها.
كما أن الحزب يجب أن يقضي على شكوك الأحزاب والقوى العلمانية الموجودة في الواقع التركي، والتي ترى أن هناك قائمةً لأعمال خفية ذات طابع ديني ستوجه عمل حكومة العدالة والتنمية (عملية تقية سياسية ودينية يمارسها الحزب) ومن ثم فالحكومة سوف تحتاج إلى إعلان جميع مبادئها وممارستها حتى تبدد تلك الشكوك.
التحدي الثاني يتعلق بأداء الحكومة والبرلمان والتي يتوقع بعض المراقبين أن تشهد قدرًا من التخبط في بدايات عملها لسبب بسيط وهو أن معظم أعضاء البرلمان من العدالة يدخلونه لأول مرة لممارسة مهامهم البرلمانية، كما أن أعضاء الحكومة هم الآخرين لم يمارسوا عملاً وزاريًا من قبل، عدا رئيس الوزراء عبدالله جول الذي كان يتولى حقيبة الخارجية في عهد حكومة الرفاة الائتلافية، وعدد قليل جدًا من الوزراء الذين تولوا مناصب تنفيذية من قبل أثناء نفس الفترة، إلا أن هذا التعثر طبقًا لقول الدكتور حسن أبو طالب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي لن يزيد عن كونه مؤقتًا، ومع مرور الزمن سوف تأتي الخبرة المطلوبة.
الاقتصاد .. التحدي الرئيسي:
أما التحدي الثالث والأهم في نظر العدالة ذاته، فهو حالة الانهيار الاقتصادي والفساد الطاغي التي تواجه تركيا والتي كانت ستعد القضية والتحدي الأبرز لأي حزب تركي سيصل إلى السلطة، فاقتصاديًا تواجه البنوك التركية عملية انهيار، وتشهد أسوأ ركود لها منذ عام 1945، فهناك قروض بالمليارات (100 مليار دولار) توقف أصحابها عن السداد، كما أن إصلاح البنوك المتعثرة (إضافةً لانهيار7 بنوك حكومية) طبقًا لقول وزيرة الاقتصاد في حكومة بولنت أجاويد السابقة "معصومة توركي" تحتاج إلى 15 مليار دولار على الأقل، والديون التركية الخارجية وصلت إلى 120 مليار دولار على الأقل وداخليًا 65 مليار دولار تلتهم 95% من دخول الضرائب للحكومة.
كما انهارت العملة التركية ووصل سعر الدولار الواحد إلى مليون ونصف المليون ليرة، وخسر الاقتصاد التركي فقط عام2000 عندما انخفضت قيمة الليرة إلى النصف حوالي 9 مليارات دولار في أقل من شهر. كما تصل نسبة البطالة إلى 20% من قوة العمل أي 5.2 مليون عاطل تقريبًا.
أما الفساد فهو العامل المشترك في كل مآسي الاقتصاد التركي، ففي دراسة أعدها اتحاد الغرف التركية، أكدت أن الإسراف الحكومي وصل إلى 195 مليار دولار خلال عشر سنوات (1990 - 2000) تنفق على 86.338 سيارة رسمية لخدمة المواطنين، و235.340 استراحات للمواطنين ثم إنفاق 640 مليون دولار على صيانتها خلال عشر سنوات، وهناك 13.240 هاتفًا حكوميًا.
إضافة لقضايا الفساد الكبرى التي اشترك فيها كبار الساسة الأتراك من الحكومة والمعارضة، والتحدي الذي سيواجه حكومة العدالة هنا هو كيفية مواجهة شبكة الفساد المتجذرة في الداخل التركي، والتي لو تم مواجهتها مباشرةً قد تؤثر بصورة أكثر سلبية على الاقتصاد التركي أكبر من التعايش معها، ومن ثم فالسياسة الأقرب للتعامل مع الفساد هنا هو تقديم نموذج النزاهة ونظافة اليد من ناحية مسئولي الحكومة من العدالة، مع المواجهة التدريجية لرموز الفساد في المجتمع التركي.
وقد حدد أردوغان هدف الحكومة الأساس أثناء الانتخابات في "محاربة الفساد والفقر" ووضع لذلك برنامجًا تمثل في:
- أولوية جهود الخصخصة وبيع أصول البنوك وإصلاح النظام الضريبي حيث صرح علي جوسكون القيادي الاقتصادي بالعدالة أن الضريبة المضافة على الكهرباء والغاز سيتم تخفيضها من 18% إلى 8%.
- إصلاح قطاع الطاقة من أجل خفض الأسعار، خفض قيمة النفقات الحكومية وترشيدها.
- تطبيق سياسات صندوق النقد – شرط الحصول على المساعدات 16 مليار دولار- مع إدخال بعض التعديلات بحيث لا تؤثر سلبًا على المواطن التركي العادي.
وبالفعل انعكست تصريحات قادة العدالة واستقرار الحكومة في يد حزب واحد إيجابيًا على الأسواق التركية والعملة.
العسكر - تحدي الوجود:
أما التحدي الثالث والذي يرتبط بتوجهات العدالة الأيديولوجية، فهو المؤسسة العسكرية التي تعتبر نفسها (طبقًا لدستور 1961) حامي النظام العلماني بمبادئه الأتاتوركية والتي نفذت أكثر من انقلاب عسكري من قبل حتى على أنظمة علمانية رأت المؤسسة العسكرية فيها خطرًا على مبادئ أتاتورك أو على العلمانية بصفة عامة "انقلاب 1960 على عصمت إينونو لرغبته في إجراء انتخابات ديمقراطية، وإعدام عدنان مندريس وعدد من وزراء حكومته بتهمة مخالفة مبادئ أتاتورك، والاتجاه نحو الإسلام، وانقلاب عام 1980 "كنعان افرين" على حكومة سليمان ديميريل بسبب الأزمات التي وصل إليها النظام التركي في عهده.
كما كان للمؤسسة العسكرية الدور الرئيس في حل أحزاب النظام الوطني (عام 1973) والسلامة الوطني (نجم الدين أركبان) الذي ظهر عام 1973، وشارك في حكومة بولنت أجاويد عام 1974، وتم حلة مع الانقلاب العسكري عام 1980، ثم حظ حزب الرفاة عام 1998، بتهمة مناهضة العلمانية، ومن بعده الفضيلة عام 2001 بدعوة امتداده لحزب الرفاة.
وحزب العدالة والتنمية يعلم (نموذج الرفاة) حتى ولو كان فائزًا بالأغلبية المطلقة، واختلفت موازين القوى لصالحه.
لذلك فإن نجاح حكومة العدالة تكمن في تحقيق المعادلة الصعبة، وهي تحقيق طموحات الناخبين الذين صوتوا لبرنامج الحزب (الإسلامي) مع عدم الصدام مع المؤسسة العسكرية.
ومن ثم فالحزب أو الحكومة ستسعى إلى توسعة الأرضية الإسلامية للمجتمع التركي بطريقة لا يصطدم فيها مع المؤسسة العسكرية ومنطلق الحريات الشخصية لا غير، ويسحب البساط تدريجيًا من تحت المؤسسة، ويمكن أن يبدأ بتخفيض النفقات العسكرية ومنح البرلمان حق الرقابة على ميزانيتها، وهى بدأت بالفعل قبل حكومة العدالة بقرار المؤسسة إلغاء عددًا من مشاريعها العسكرية (بتكلفة 20 مليار دولار) بسبب الأزمة الاقتصادية.
وسيكون حل الأزمة الكردية ودخول الاتحاد الأوروبي أسبابًا رئيسيةً لخفض النفقات العسكرية، ومن ثم التقليل من قوة وتأثير المؤسسة.
ولكن الحزب لن يستخدم نهائيًا في الفترة الحالية أغلبية الثلثين في البرلمان لتغيير مكانة المؤسسة العسكرية، أو لزيادة سلطات رئيس الوزراء على حسابها، حتى لا يكون الصدام مباشرًا أو مبكرًا معها.
فتنة السلطة:
أما التحدي الرابع والمهم أيضًا فهو وجود العدالة ذاته في السلطة، فالقاعدة المعروفة أن الناخبين يؤيدون من هم في المعارضة لأنهم بعيدين عن المسائلة، أما انتقال الحزب للسلطة فسيجعله معرضًا للمسائلة وتحت محك الاختبار لأطروحاته وأيديولوجيته، وأي فشل سياسة حتى لو مفروضة عليه ستحسب عليه، فقضية مثل المشاركة في ضرب العراق أو السماح للقوات الأمريكية بالانطلاق من الأراضي التركية لضرب العراق واقعيًا في يد المؤسسة العسكرية إلا أنها تحسب على أنها وقعت في عهد حكومة العدالة.
ويمكن أن تستغل المعارضة أو أية قوى أخرى أي أخطاء في الممارسة، أو تأخر في الإنجازات لاتهام حكومة العدالة بالفشل، وإحباط الناخبين من برنامجها، وفشل الحزب في أقرب انتخابات قادمة.
ومن ثم فالحزب مطالب بأن يرشد طموحات الناخبين من وجوده في السلطة، ويعرض في شفافية لقدراته سواء لحل الأزمات أو لسقف سلطاته مقابل مؤسسات أخرى رسمية (العسكرية – الرئاسة)، أو غير رسمية (الفساد) حتى لا تحدث حالة إحباط للمواطن التركي تكون نتيجتها سلبية على الحزب.
كما يجب على الحكومة عدم الانشغال في قضايا بسيطة قد يتم جرها إليها لإشغالها عن قضايا أخرى أهم، وكل ذلك سيفرض عليها إنشاء إدارة للأزمات تتعامل بشكل سريع وعلمي مع أي أزمة طارئة أو غير طارئة، ووضعها في إطارها المناسب وطرح سبل حلها أمام المواطن التركي.
الأكراد الأزمة المستمرة:
أما التحدي الخامس فهي الأزمة الكردية بتطوراتها المحتملة ،خاصةً في ضوء إمكانية توجيه ضربة أمريكية شاملة للعراق قد تؤدى لمنح أكراد العراق دورً أكبر في خارطته المستقبلية، ومن ثم التأثير السلبي على خارطة تركيا التي يشكل الأكراد فيها أكثر من 25 %.
كما أن الضغط الأمريكي على الحكومة التركية القادمة لفرض حل معين للأزمة الكردية وارد أيًا كان شكل الحكومة (نموذج ماشاكوس في السودان)، بل يمكن أن يكون وجود العدالة حافزًا لتنفيذ ذلك، لتكون تحت مظلة حزب إسلامي ويحسب عليه أن تطورًا سلبيًا حدث في الأزمة الكردية على الخريطة التركية.
ومن ثم فالمحتمل أن لا يختلف موقف حكومة العدالة عن الحكومات السابقة، فيما يخص الأزمة الكردية كونها تمثل قضية تمس الأمن القومي التركي مباشرةً ولكن ستحاول الحكومة الجديدة أن تقلل من خيارات الحل العسكري في التعامل مع الأزمة مقابل تفعيل الحل السلمي، والتعامل مباشرةً مع الزعامات الكردية، خاصةً وأن للإسلاميين قاعدة في وسط الأكراد إضافة لخبرة الأكراد التاريخية الإيجابية مع الإسلاميين.
العلاقة بالآخر:
أما التحدي السادس والأخير الذي يواجه حكومة العدالة، فهو العلاقات الخارجية التي تمثل الفضاء الذي تدور فيه أية دولة، وتبرز هنا قضية العلاقة مع الاتحاد الأوروبي التي تسعى الحكومة للانضمام إليه كأحد أهم أهداف برنامجها الانتخابي، وتمثل طموحًا شعبيًا يساعد في إخراج تركيا من أزمتها الاقتصادية وتفرض على النظام التركي احترام الحريات الأساسية للمواطنين، وبدأت الحكومة التعامل معها جديًا بجولة رئيس الحزب رجب طيب أردوغان الأوروبية بعد فوز حزب العدالة الانتخابات مباشرة.
كما تمثل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تحديًا كبيرًا للحكومة التركية الجديدة، سواءً لارتباطاتها بأطراف أخرى أو لموقف الولايات المتحدة من وصول إسلاميين للحكم في أي دولة مسلمة بصفة عامة، فالولايات المتحدة ستمارس ضغوطًا على الحكومة لضمان قبولها بالمشاركة في ضرب العراق، وهو ما ترفضه الحكومة علانيةً لانعكاساتها السلبية على الاقتصاد التركي والأمن القومي وقضية (الأكراد).
ومن ذلك فرض ضغوط أمريكية على الحكومة لتفعيل العلاقة مع الكيان الصهيوني عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا خاصة وأن العلاقات تراجعت أساسًا مع الكيان خلال العام الأخير بعد انتهاء الصفقات الثنائية، وتراجعت تقريبًا إلى أقل من وضعها الطبيعي وستعود إلى الأذهان مرحلة أربكان التي اتجهت بعلاقات تركيا نحو العالم الإسلامي (مجموعة الثمانية وصفقات الغاز مع مصر) على حساب العلاقة مع الكيان الصهيوني.
المصدر
- مقال:العدالة والتنمية التركية تحديات ما بعد تشكيل الحكومةإخوان أون لاين