شبح اتاتورك : 7 أعوام من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شبح اتاتورك : 7 أعوام من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي
اردوغان والعلم.jpg

سونر كاجابتاي

صعود حزب العدالة والتنمية الذي تعود جذوره إلى المعارضة الإسلامية في تركيا إلى سدة الحكم في عام 2002، أتى برياح اجتماعية وسياسية جديدة على المجتمع التركي.

فبعد سبع سنوات من الحكم الإسلامي، ينحني الأتراك الأناضوليون أمام قوة حزب العدالة والتنمية، وتترسخ الأصولية والتوجه الإسلامي في سياسة أنقرة الخارجية.

فإلى أين يتجه الحزب ب تركيا ؟

وما الدروس المستفادة من تجربة هذا الحزب؟

شجرة كافاك

تتميز التضاريس الأناضولية بوجود أشجار رفيعة وطويلة من عائلة آسبن.

ويطلق الأتراك على هذا النوع من الأشجار اسم كافاك.

إنها شجرة هشة في مظهرها لكنها قوية بحيث إنها عندما تهب الرياح الأناضولية القوية عبر السهل الواسع، يمكن أن تنثني شجرة كافاك بزوايا مذهلة، لتتكيف مع قوة الريح، دون أن تنكسر.

إن تركيا تشبه تمامًا شجرة الكافاك.

فالدولة تنحني أمام الرياح السياسية والاجتماعية القوية وكذلك خيارات السياسة الخارجية المؤثرة التي أقدمت عليها النخبة الحاكمة في البلاد عبر العصور، فمنذ أن بدأ السلاطين في تغريب الإمبراطورية العثمانية في فترة السبعينيات من القرن الثامن عشر، استمر مصطفى كمال أتاتورك في هذه الإصلاحات جاعلاً من تركيا جمهورية علمانية في عشرينيات القرن الماضي، وحدث توافق بين الأحزاب السياسية المختلفة وتبنى الأتراك موقفًا مؤيدًا للغرب في السياسة الخارجية واحتضنوا الديمقراطية العلمانية في البلاد ومضوا قدمًا نحو الاتحاد الأوروبي.

ترويج الاصولية

لكن هذا الوضع لم يسلم من عواصف التغيير، فارتقاء حزب العدالة والتنمية، الذي تعود جذوره إلى المعارضة الإسلامية في تركيا، إلى سدة الحكم في عام 2002، أتى برياح اجتماعية وسياسية جديدة علي المجتمع التركي.

وهذه القوى تشمل التضامن مع الدول الإسلامية والدول المعادية للغرب فيما يتصل بسياسة أنقرة الخارجية وسياستها الأصولية في المجتمع، وتعزيز المظهر الديني في البلاد وشيوع الاتجاه الاجتماعي المحافظ ، بالرغم من أن هذا ليس بالضرورة بدافع الإيمان.

وبعد سبع سنوات من الحكم الإسلامي، ينحني الأتراك الأناضوليون أمام قوة حزب العدالة والتنمية وتترسخ الأصولية والتوجه الإسلامي في سياسة أنقرة الخارجية.

ووفقًا لأحد الاستطلاعات التي أجرتها أخيرًا مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية وهي منظمة غير حكومية، تزايد عدد من يحملون الهوية الإسلامية بنسبة عشرة بالمائة بين عامي 2002 و2007؛ وبالإضافة إلى ذلك، فإن نصف الذين تم إجراء الاستطلاع معهم يصفون أنفسهم بأنهم إسلاميون.

وعلاوة على ذلك، يبدو أن الأصولية قد تم ترويجها في البلاد .. ويشعر الموظفون في أنقرة بأنهم مجبرون على حضور الصلوات خشية ألا يحصلوا على الترقيات.

فمراعاة التدين ظاهريًّا على المستوى العام حتى وإن لم يكن بدافع الإيمان، أصبحت ضرورة بالنسبة لهؤلاء الذين يسعون للحصول على تعيينات حكومية أو عقود حكومية مربحة.

فإلى أين تتجه تركيا تحت زعامة حزب العدالة والتنمية؟

وما الدروس التي يمكن أن تُستفاد من تجربة هذا الحزب؟

ظهور الإسلام المعتدل وزواله

تمتد جذور حزب العدالة والتنمية إلى الحركة الإسلامية التي ظهرت في تركيا، والتي شملت حزب الرفاه الذي يعد أساسًا للتوجه الإسلامي في البلاد.

وقد اكتسب مؤسسو حزب العدالة والتنمية بمن فيهم زعيم الحزب ورئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان ، خبرة من حزب الرفاه الذي كان حزبًا إسلاميًّا صريحًا في توجهه، حيث يعادي الغرب بقوة ويعادي السامية ويناهض الديمقراطية والعلمانية.

وانضم حزب الرفاه إلى حكومة ائتلافية في عام 1997 ، قبل إقصاء الجيش التركي العلماني والمحاكم والغرب مما أدى إلى حظره في عام 1998 .

ومع ذلك، لم يختف الحزب نهائيًّا.

فقد استفاد أردوغان درسًا من هذه التجربة.

وتعيَّن على الإسلاميين الأتراك أن يعيدوا صياغة أنفسهم كي يحققوا نجاحًا. وبالفعل أعاد أردوغان صياغة الحزب في الوقت المناسب بصورة إصلاحية رأسمالية مؤيدة لأمريكا والاتحاد الأوروبي.

وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في عام 2002 ، بعد الانهيار الداخلي لأحزاب الوسط في البلاد خلال الأزمة الاقتصادية في عام 2001 ، حاول الحزب أن يطمئن المعتدلين على أنه لن ينال من القيم العلمانية والديمقراطية والموالية للغرب.

وقد تخلى حزب العدالة والتنمية عن موروثه الإسلامي، وسعى لضمان عضوية الاتحاد الأوروبي وتحويل تركيا إلى مكان أكثر ليبرالية وتأييدًا للغرب.

وفي هذه الأثناء، ظنت قلة قليلة أن الحزب يمكن أن يحول تركيا إلى الأسوأ.

لكن تركيا كانت دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب؛ لديها إعلام حر ومحاكم علمانية وجيش قوي، وكل هذه الجهات تعتبر بمثابة الحارس الأمين على القيم الغربية.

وإضافة إلى ذلك، اعتُبر دعم الولايات المتحدة ل تركيا العلمانية الغربية ودعمها لأنقرة في سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بمثابة صمام الأمان لعملية التحرر التركي التي يمكن أن تدفع حزب العدالة والتنمية للاحتفاظ بموقفه المؤيد للغرب ومساعيه من أجل الإصلاح.

استبعاد نسوي

وقد عزز حزب العدالة والتنمية بالفعل عمليات الإصلاح والسياسات المؤيدة للاتحاد الأوروبي والنشاط التجاري بعد وصوله إلى السلطة.

ومع ذلك، سرعان ما أصبح تحول الحزب مدعاة للسخرية، فقد بدأ الحزب في التقليل من شأن القيم الليبرالية التي من المفترض أنه يمثلها.

فمثلاً، أخذ الحزب في تعيين كبار البيروقراطيين مقتصرًا على التيار الديني المحافظ.

وتزامنًا مع هذا، هبطت نسبة النساء اللائي يشغلن المناصب التنفيذية في الحكومة.

وفي السنوات الماضية، كانت النساء التركيات يشغلن منصب رئيس القضاة ورئيس الوزراء ووزراء الداخلية والخارجية.

وتمثل النساء نحو 30% من الأطباء و33% من المحامين في تركيا.

ومع ذلك، فإنه في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية، تم استبعاد النساء بشكل كبير من مواقع صنع القرار في الحكومة: فليس هناك امرأة واحدة بين وكلاء الوزارة التسعة عشر الذين تم تعيينهم من قبل الحزب.

وعلاوة على ذلك، بينما كانت نسبة النساء في المناصب التنفيذية بالحكومة عام 1994، قد وصلت إلى 15.1%، فإنه وفقًا لـ (IRIS)، وهي جماعة تساند حقوق المرأة ومقرها أنقرة، تراجع هذا الرقم ليسجل 11.8% حاليًا.

تكتيك اوروبا

وعدم التزام حزب العدالة والتنمية بالقيم الليبرالية دليل على الرؤية التكتيكية للحزب فيما يتصل بعضوية الاتحاد الأوروبي ..

فالحزب يسعى جاهدًا من أجل عضوية الاتحاد الأوروبي لأن هذه العضوية تلقي استحسانًا من الشعب ويكتسب الحزب شعبية بسعية الي تحقيقها ، ولكن ليس من أجل جعل تركيا أوروبية بالفعل.

وظهرت القشة التي قصمت ظهر البعير وأنهت هذا الدافع التكتيكي لدى حزب العدالة والتنمية في تعامله مع الاتحاد الأوروبي في عام 2005، عندما أيدت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية حظر تركيا القديم للحجاب الإسلامي في الجامعات.

فقد كان حزب العدالة والتنمية يأمل في إسهام أوروبا في إعادة صياغة العلمانية التركية في صورة أكثر تسامحًا.

لكن هذا لم يحدث.

ومن ثم فإنه بمجرد أن بدأت المحادثات الفعلية لعضوية الاتحاد الأوروبي في عام 2005، أعرض حزب العدالة والتنمية عن القيام بإصلاحات صارمة ربما لا تحظى بشعبية في تركيا، والتي طالب بها الاتحاد الأوروبي، مما قلل كثيرًا من فُرص انضمام تركيا للاتحاد.

والتصريحات التي انطلقت من الجانب التركي مثل نعْت أردوغان للغرب "باللاأخلاقية" في عام 2008، قللت كثيرًا من الدعم الشعبي لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

فبحلول العام الماضي، كان ثلث سكان تركيا يرغبون في أن تنضم بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا يسجل تراجعًا حادًّا إذا علمنا أن نسبة الدعم الشعبي لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سجلت أكثر من 80% في عام 2002، عند وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم.

علمانية تخسر وتتراجع

وقد انعكست الجهود التي بذلتها المؤسسات التركية العلمانية لكبح جماح حزب العدالة والتنمية سلبًا عليها.

ففي عام 2007، حاولت المعارضة العلمانية والجيش الذي أصدر بيانًا ضد حزب العدالة والتنمية على موقعه الإلكتروني في ربيع ذلك العام، أن يمنعا الحزب من انتخاب مرشحه الرئاسي عبد اللـه جول.

وتحدى الحزب هذه المحاولات لإقصاء مرشحه بنجاح، مشيرًا إلى أن المعارضة العلمانية والجيش لم يريدا من جول المشاركة في الانتخابات بسبب آرائه الدينية الشخصية.

ومن ثم فإن الحزب أحدث انقسامًا بين العلمانيين والمسلمين بدلاً من الانقسام السياسي التقليدي في تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين الذي تسبب في خسارة الحزب دائمًا في الماضي.

واستطاع الحزب أن يرسخ أقدامه بنجاح على الجانب الإسلامي الفائز.

وإضافة إلى ذلك، عندما حاولت المحكمة الدستورية التركية منع الحزب من تنصيب جول رئيسًا للبلاد، قدم الحزب نفسه باعتباره الحزب المضطهد الذي يمثل جماهير مسلمي تركيا الفقراء.

ونجحت الإستراتيجيتان، حيث فاز الحزب بـ 47% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في تموز/ يوليو 2007، ملحقًا الهزيمة بالمعارضة في انتصار كبير وكاشفًا النقاب عن حقيقة أن تجاهل الجيش التركي لا يحدث فارقًا كبيرًا.

الديمقراطية التسلطية والأصولية

التخلص بفاعلية من ضغوط الجيش والمحاكم على حزب العدالة والتنمية أعاد الحزب سريعًا إلى قيمه الجوهرية.

فقد بدأ الحزب في التخلي عن إظهاره التعددية وقام بنبذ الانشقاق وبإدانة وسائل الإعلام على جرأتها في توجيه النقد اللاذع إليه.

وبمرور الوقت، تحول الإعلام التركي إلى الأسوأ.

فقد استغلت الحكومة ثغرات قانونية لمصادرة حقوق الملكية لوسائل الإعلام المستقلة ومن ثم قامت ببيعها إلى مؤيدي حزب العدالة والتنمية.

ففي عام 2002، كانت المؤسسات المؤيدة للحزب تمتلك أقل من 20% من وسائل الإعلام التركي؛

واليوم تملك المؤسسات المؤيدة للحكومة حوالي 50% منها.

وفي غضون ذلك، تغيرت أيضاً العلاقة بين الحزب وجماعة الضغط العلمانية في تركيا فيما يتعلق بمجال الأعمال، والتي تم تنظيمها من خلال اتحاد رجال الصناعة ورجال الأعمال الأتراك.

وقد كان هذا الاتحاد بمثابة مصدر أساسي لدعم الحزب.

وأمدت الجماعة المؤيدة للاتحاد الأوروبي، والتي تعمل لصالح مجال الأعمال حزب العدالة والتنمية بشرعية محلية ودولية وسلّحته بوسائل يتمكن من خلالها مواجهة الاتهامات التي تشير إلى أنه حزب إسلاموي.

إلا أنه في عام 2007، تعثرت العلاقة بين اتحاد رجال الصناعة ورجال الأعمال و حزب العدالة والتنمية التي كانت متوترة دائمًا، عندما استهدف أردوغان الاتحاد الذي يمثل مصدرًا أساسيًّا من مصادر قوة العلمانية في تركيا.

وهاجم الحزب أيدين دوغان الذي ترأس عائلته الاتحاد وتمتلك ما يقرب من نصف وسائل الإعلام التركية في مجموعة شركات تعرف بدوغان يايين – واصفًا دوغان برجل الأعمال الثري الفاسد.

وفي عام 2009، وجه الحزب صفعتين قويتين لدوغان يايين؛ وهي مؤسسة نشرت منافذها الإعلامية اتهامات بالفساد ضد الحزب تتعلق بضرائب تقدر بنحو 3.2 مليار، وأجبر الحزب هذا المارد الإعلامي على الكف عن انتقاد الحزب في وسائل إعلام دوغان.

الضرائب: العقاب الخفي

وإضافة إلى استخدام الضرائب والتدقيق الحسابي كوسيلة عقابية، فإن تجسس الحزب على وسائل الاتصال، بذريعة أنه يمثل جزءًا من إستراتيجية مواجهة شبكة إرجينيكون المتهمة بالتخطيط لانقلاب ضد الحكومة، كان بمثابة وسيلة أخرى لقمع المعارضة.

فعندما فُتح ملف القضية في عام 2007، اعتبرها حزب العدالة والتنمية بمثابة فرصة أمام تركيا للتغلب على الفساد مثل تورط مسئولين أمنيين في جرائم.

لكن القضية أكبر من هذا بكثير. فهي وسيلة يحاول من خلالها الحزب تقييد الحريات.

فقد تم إلقاء القبض على المئات في العديد من حملات الاعتقال.

ومن الناحية القانونية، فإن القضية لا تلائم بلدًا يحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي: فبعض الأشخاص الذين تم القبض عليهم بسبب هذه القضية انتظروا ثمانية عشر شهرًا في زنزانتهم قبل أن يتم عرضهم على المحكمة أو قبل أن يعرفوا حتى بالتهمة الموجهة إليهم.

وهذه الاعتقالات إضافة إلى مخاوف التجسس غير المشروع على وسائل الاتصال لجمع أدلة تتعلق بقضية إرجينيكون، أصابت الليبراليين الأتراك بالشلل، وحظرت الدولة المحادثات السياسية العلنية على نحو خطير.

وكما قال أحد الحكماء: "تتحول الدول إلى حكومات بوليسية لا عندما تصغي الشرطة إلى جميع المواطنين، ولكن عندما يخشى جميع المواطنين تصنت الشرطة عليهم".

دهاء رقابي

يفوق حزب العدالة والتنمية وسائل الرقابة الداخلية حيلة ودهاءً؛ تلك الرقابة التي كانت قد فرضت الاعتدال على سياساته من قبل.

وهذا الأمر بالتأكيد له عواقبه، حيث أصبح الحزب يمثل النخبة الجديدة في تركيا المسئولة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

ويدعم الحزب مجتمع أعمال يزداد نموًا والذي يقوم الحزب برعايته من خلال العقود الحكومية التي يتم منحها بناءً على معيار الأصولية.

وقد مارس الحزب نفوذه على وسائل الإعلام وسلطته على الجيش التركي من خلال قضية إرجينيكون، وأثبت قدرته على إجبار المعارضة السياسية على الخضوع من خلال سيطرته على المخابرات الوطنية. وأخيرًا وليس آخرًا، يسيطر الحزب على السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد.

فعبد اللـه جول الذي كان عضوًا سابقًا في حزب العدالة والتنمية يشغل منصب الرئيس التركي حاليًا ولديه سلطة تعيين القضاة في المحاكم العليا.

حزب العدالة والتنمية الذي يمثل النخبة الجديدة يعيد تشكيل المجتمع التركي بحيث يكون انعكاسًا له، ويروج الحزب للأصولية من خلال إجراءات إدارية.

وبناءً على ذلك، فإنه لا يمكننا القول إن التدين يزداد في تركيا – أي عدد الأشخاص الذين يلتزمون بالصلاة ويواظبون على العبادات – ولكن الاتجاه الاجتماعي المحافظ الذي تعززه الحكومة هو الذي يزداد قوة.

فدلائل الاتجاه الاجتماعي المحافظ مثل الزوجات اللائي يرتدين الحجاب تستخدم كوسائل من أجل الفوز بوظائف وترقيات وعقود حكومية.

ومع ذلك فإن الاتجاه الاجتماعي المحافظ ليس مشكلة في حد ذاته، وبالتأكيد يمكن أن تصبح تركيا جزءًا من أوروبا.

والمشكلة تتمثل في أن أي مشروع من هذا النوع تقوده الحكومة لا يتفق مع فكرة الديمقراطية الليبرالية.

وإذا ما أخذنا في الحسبان طبيعة تركيا كمشروع لحكم النخبة، فإن الاتجاه الاجتماعي المحافظ الذي يقوده حزب العدالة والتنمية يعيد تشكيل المجتمع التركي.

في العام الماضي قابلت مصادفة في إسطنبول سيدة تركية يونانية أرثوذكسية كانت قد تقدمت لوظيفة في إحدى المصالح الحكومية في إسطنبول التي تخضع لسيطرة حزب العدالة والتنمية.

وخلال المقابلة الشخصية التي أُجريت لها، أخبرتها الحكومة أنه سوف يتم تعيينها إذا وافقت على ارتداء الحجاب.

وعندما أجابتهم بأنها يونانية أرثوذكسية، قيل لها: "لست في حاجة لأن تغيري ديانتك، كل ما يتعين عليك القيام به أن ترتدي غطاءً للرأس".

التضامن مع النظم المعادية للغرب و الإسلام

إذا كان الدين يشكل جزءًا من حسابات السياسة الخارجية ل حزب العدالة والتنمية ، فإن التطلعات المحلية شيء آخر.

وتعلم حزب العدالة والتنمية درسًا من أحداث عقد التسعينيات، عندما اضطر سابقه، وهو حزب الرفاه إلى الاستقالة من الحكومة نتيجة إظهار السخط الشعبي تجاهه.

ويدرك حزب العدالة والتنمية الآن أنه قادر على البقاء في الحكومة فقط طالما يتمتع بتأييد شعبي قوي.

لذلك يعتمد الحزب على خطة سهلة تتمثل في سياسة خارجية رائجة تنتقد الغرب لتعزيز مكانته المحلية، وهي إستراتيجية بدت ناجحة لحزب العدالة والتنمية.

المواقف التركية لا تتدهورتجاه الولايات المتحدة والغرب فحسب، ولكن حزب العدالة والتنمية يستمد الآن تأييدًا واسعًا لسياسته الخارجية أيضًا من خلال التحول في الهوية التركية.

وإذا كان الأتراك يعتبرون أنفسهم مسلمين أولا في مجال السياسة الخارجية، فسوف ينظرون لأنفسهم كمسلمين في يوم ما على الصعيد المحلى أيضًا، مما سيؤدى لتعزيز موقف الحزب.

في الماضي، كان نموذج تركيا في السياسة الخارجية يتركز على تعزيز المصالح الوطنية المعتمدة على الغرب.

وابتداء من عام 1946 ، اختارت تركيا أن تتحالف مع الغرب خلال الحرب الباردة، ومنذ ذلك الحين اختارت الحكومات التركية المتعاقبة التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا.

ورأت تركيا منطقة الشرق الأوسط والسياسة العالمية من منظور مصالحها المتعلقة بالأمن القومي، مما جعل التعاون ممكنًا، حتى مع إسرائيل، وهى دولة اعتبرتهاتركيا حليفًا للديمقراطية في منطقة مضطربة.

وتقاسمت الدولتان مخاوف أمنية متشابهة، مثل دعم سوريا لجماعات إرهابية في الخارج -- والمنظمات الفلسطينية المتشددة في حالة إسرائيل، وحزب العمال الكردستاني في تركيا.

في عام 1998 ، عندما واجهت أنقرة دمشق بسبب دعمها لحزب العمال الكردستاني، كتبت الصحف التركية عناوين تحتفي بانتصار التحالف التركي الإسرائيلي، وقالت إحداها: "سنقول شالوم (سلام) إلى الإسرائيليين في هضبة الجولان".

نظرة دينية مسيسة

إلا أن حزب العدالة والتنمية نظر إلى مصالح تركيا برؤية مختلفة – تصبغها نظرة مسيَّسة عن الدين.

ووصف كبار مسئولي حزب العدالة والتنمية هجوم القوات الأمريكية على الفلوجة في العراق عام 2004 ، بعملية "إبادة جماعية "، وفي فبراير /شباط 2009 ، شبَّه أردوغان غزة "بمعسكر اعتقال".

ولم تعزز السياسة الخارجية ل حزب العدالة والتنمية التعاطف تجاه جميع الدول الإسلامية.

وبدلا من ذلك، دعم الحزب التضامن مع الأنظمة الإسلامية والمعادية للغرب (مثل قطر و السودان )، بينما نبذ الحكومات الإسلامية العلمانية الموالية للغرب مثل ( مصر ، الأردن ، و تونس ).

وتبدو هذه الإستراتيجية ذات الشقين واضحة بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية، فبينما دعت حكومة حزب العدالة والتنمية الدول الغربية إلى "الاعتراف بحركة حماس كحكومة شرعية للشعب الفلسطيني".

وصف مسئولو حزب العدالة والتنمية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "كرئيس حكومة غير شرعية".

ووفقا لتصريحات الدبلوماسيين، سارت آخر زيارة لعباس إلى أنقرة في يوليو /تموز 2009 على نحو سيئ للغاية.

وكما يتضح من إلغاء المناورات العسكرية مع إسرائيل، لا تخلو السياسة الخارجية الانتقائية والخطابية لحزب العدالة والتنمية من نفاق متأصل.

ونجد مثالا على ذلك في يناير /كانون ثان الماضي، فبعد يوم من توجيه أردوغان اللوم للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، وكذلك اليهود والإسرائيليين، في المنتدى الاقتصادي العالمي لبراعتهم في قتل الأبرياء، استضافت تركيا نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه في أنقرة.

وهذا موقف خطير لأنه يوحي -- خاصة للجيل الناشئ في ظل حزب العدالة والتنمية -- بأن الأنظمة الإسلامية وحدها لديها الحق في الهجوم على شعوبها أو حتى غيرها من الدول.

في شهرسبتمبر /أيلول، دافع أردوغان عن البرنامج النووي الإيراني، وقال إن المشكلة في الشرق الأوسط هي الترسانة النووية لإسرائيل.

اردوغان الداهية

ووصف بعض المحللين هذا الخطاب بأنه عملية تسييس داخلية أو ببساطة لحظة فقد فيها أردوغان أعصابه.

ولكن أردوغان سياسي داهية، ويتفاعل الآن مع التغيرات في المجتمع التركي.

وبعد سبع سنوات من الخطاب الديني ل حزب العدالة والتنمية ، تحول الرأي العام إلى اعتناق فكرة "العالم الإسلامى" المتحد سياسيًّا.

وتتمتع السياسة الخارجية ل حزب العدالة والتنمية الآن بتأييد شعبي في الداخل،.

وبعد أن خرج أردوغان غاضبًا من جلسة المنتدى الاقتصادي العالمي، تجمَّع الآلاف لتحية طائرته حين عادت إلى الوطن فيما بدا أنه استقبال مدبر.

(ظهرت الأعلام التركية مشدودة إلى رايات حماس في الأفق في غضون ساعات).

وبالإضافة إلى إرساء علاقات ودية ومالية مع روسيا، أصبحت موسكو في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية أكبر شريك تجاري ل تركيا .

وسوف يكون لتحول الهوية التركية تشعبات ضخمة محتملة.

وحيث إنها تسترشد بنظرة إسلامية للعالم، سوف يصبح من المستحيل ل تركيا أن تدعم السياسة الخارجية للغرب، حتى وإن كان ذلك يصب في مصلحتها الوطنية.

وسوف تستمر العلاقات التركية الإسرائيلية في الانهيار – والتي كانت لفترة طويلة نموذجا لبلد مسلم استطاع إقامة علاقة متعقلة ومتعاونة مع إسرائيل.

وسوف يلاقي مثل هذا التطور ترحابًا من قِبل الرأي العام التركي، مما يزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية .

وبالتالي، سوف يتمكن الحزب من ضرب عصفورين بحجر واحد: إبعاد البلاد عن حليفها السابق ودعم قاعدة سلطته.

اوروبا وامريكا .. سيان

وسوف يطبق نفس النمط أيضًا على علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وحيث إن الولايات المتحدة تكرِّس الكثير من طاقتها في الخارج للدول الإسلامية، من معارضة التشدد إلى مواجهة البرنامج النووي الإيراني، فإن حزب العدالة والتنمية سوف يعارض هذه السياسات من خلال الخطاب اللاذع وينسحب من أي تعاون وثيق.

الدروس المستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية

ومثل إقليم "كافاك" فى الأناضول، تعرضت تركيا لرياح التغيير في ظل حزب العدالة والتنمية .

في هذا الصدد، يمكن استخلاص الدروس التالية من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا :

1. تحول العقلية التركية في عالم ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول .

منذ ظهور الإسلام اعتبر المسلمون أنفسهم جماعة دينية ثقافية، تمامًا مثل أصحاب الديانات الأخرى.

إلا أن هجمات 11 سبتمبر غيرت هذا الهوية، وعجلت بتحول المجتمع الإسلامي العالمي من مجتمع ديني- ثقافي إلى مجتمع ديني- سياسي.

وساد الافتراض لفترة طويلة أن هجمات 11 سبتمبر /أيلول استهدفت بشكل أساسي إلحاق الضرر بالولايات المتحدة.

إلا أنه يبدو الآن أنه في حين استهدفت الهجمات إلحاق الضرر بالولايات المتحدة، فإن هدفها الأساسي كان تعبئة المسلمين حول مفهوم "العالم الإسلامي" المتحد، وهو عالم مشحون سياسيًّا واتحاد جديد يصوره تنظيم القاعدة كمجتمع سياسي- ديني في صراع دائم وعنيف مع الغرب.

ويجب ألا تفوتنا ملاحظة تغيير حزب العدالة والتنمية لهوية تركيا إلى هوية تصادف هوى الإسلاميين في إطار هذه المرجعية.

ولو كان هذا التحول قد حدث قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر /أيلول، لكان من الممكن تجاهله.

إلا أن التحول الذي شهدته الهوية التركية بعد 11 سبتمبر /أيلول، يعني أن الأتراك بصدد فقد القدرة على رؤية الولايات المتحدة والغرب كحلفاء.

2. الإسلاميون يشوّهون الإسلام

وتوضح تجربة حزب العدالة والتنمية أيضًا أن الإسلاميين يشوهون الإسلام ، فهم يعيدون تصوره على أنه غير متحرر في الداخل بطبيعته.

والأكثر من ذلك أن الإسلاميين يشوهون الإسلام أيضًا بجعله أساسًا لفكرهم السياسي وسياستهم الخارجية المعادية للغرب .

3. الانقلاب على الديمقراطية بعد الوصول للسلطة

بعد سبع سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، عاد الإسلاميون في تركيا إلى جذورهم.

وتوضح تجربة حزب العدالة والتنمية أن الإسلاميين حين يتولون السلطة، وحتى عندما يُنتخَبون ديمقراطيا، تحركهم غرائزهم غير المتحررة والشعوبية، ويقوضون الديمقراطية ويغيرون المجتمعات.

وفي تركيا، حول حزب العدالة والتنمية مجرى السياسة الخارجية التركية بعيدا عن الغرب، وساعد على تحفيز تحول الهوية التركية تجاه القضايا الإسلامية، وينشغل أعضاء الحزب الآن بفرض وجهة نظر معادية لليبرالية على الصعيد الاجتماعي، تتسم بالتشدد فضلا عن عدم احترام الضوابط والموازنات، مثل الحريات الإعلامية.

4. الميل للعودة إلى الجذور

تظهر تجربة حزب العدالة والتنمية أنه حين تكون الأحزاب الإسلامية معتدلة، فهذا لا يعكس تحولا مهما ولكن استجابة تكتيكية لمعارضة قوية داخلية وخارجية.

وحالما تضعف هذه الموانع، تتراجع الأحزاب الإسلامية في عملية تقودها المشاعر الشعبية.

وتظهر دراسة حديثة أن شعبية حزب العدالة والتنمية ارتفعت بنسبة 10% بعد واقعة منتدى دافوس، وتشير إلى أن الحزب يمكن أن ينجح في الحصول على النسبة الحرجة التي تبلغ 50% في الانتخابات المحلية المقبلة في 29 مارس /آذار.

وربما يلعب التوجه الإسلامي الجديد لحزب العدالة والتنمية دورًا إيجابيًّا في استطلاعات الرأي.

ولكن عملية التحول الديمقراطي والليبرالي في البلاد، بما في ذلك مسيرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فضلا عن كسب ود الحلفاء الغربيين، كل ذلك سوف يتم إهماله إلى حد بعيد.

5. التوجه الإسلامي ليس متوافقًا مع الغرب

في عام 2002 ، رأى الكثيرون أن صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وفّر ل تركيا فرصة "العودة إلى الشرق الأوسط"، واتباع هوية ذات طابع إسلامي.

وكان ثمة أمل أن مثل هذا التحول سوف يساعد على "تطبيع" تركيا ، وإعادة ضبط الإصلاحات العلمانية والقومية التي نادى بها مصطفى كمال أتاتورك ، والذي حول تركيا نحو الغرب في مطلع القرن العشرين.

إلا أن النتيجة لم تكن إيجابية تمامًا.

وتثبت تجربة تركيا مع حزب العدالة والتنمية أن التوجه الإسلامي ربما لا يكون متوافقًا مع الغرب.

المصدر

للمزيد عن علاقة الإخوان بتركيا

وصلات داخلية

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أعلام من تركيا

أخبار متعلقة

وصلات خارجية


وصلات فيديو