ثقافة المقاومة ودور الأمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثقافة المقاومة ودور الأمة

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

من سنن الله في التداول أن يكون هلاك الأمم بسبب الظلم والطغيان، وهي سنة عامة؛ فيقول عزَّ وجل: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ (يونس: من الآية 13).

وأقسى أنواع الظلم هو طغيان الحكام على شعوبهم؛ على النحو الذي يهدِّد حقوقَهم، ويُذهب عزتَهم، ويعوِّدُهم على حياة الذلة والمهانة؛ مما يجعل الأمة ضعيفةً غيرَ صالحة للبقاء؛ فيسهل على الأعداء الاستيلاءُ عليها واستعبادُها، ويصدق فيها قولُ الله عز وجل: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ (الكهف: 59) ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾ (الأنبياء: 11).

ومن آثار الظلم والطغيان شيوع الفساد في شتى المجالات والميادين؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ الأمر الذي يؤدي إلى خراب البلاد، وزهد الناس في العمل والإنتاج، وفقدان الانتماء والولاء، وكل ذلك يؤثر في قوة الدولة وصلابتها وتماسكها ومقاومتها للتحديات الداخلية والخارجية، خاصةً في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.

فالطغيان والفساد والانحراف من أسباب سقوط الأمم؛ فكم من حضارات سادت ثم بادت، فأصبحت حصيدًا كأن لم تغنَ بالأمس.. يقول تعالى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ (الحج: 45)، وكل حضارة من هذه الحضارات قد سيطر عليها نوعٌ بارزٌ من الانحراف والطغيان والتجبُّر، والذي جرَّ عليها الوبال والدمار؛ فقوم نوح طغوا واستكبروا على الضعفاء والمساكين؛ فكان مصيرهم الغرق والفناء، وكذلك عاد (قوم هود)..

الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وثمود (قوم صالح).. حيث طغيان النعمة والترف، وقوم لوط.. حيث طغيان الشهوة المرذولة، وأهل مدين (قوم شعيب).. حيث طغيان الشحّ واللعب بالكيل والموازين، ثم فرعون.. الذي جاء بعدهم جميعًا، وكان من الطغيان والاستبداد بمكانٍ، فأضلَّ قومه واستعبدهم ولم تردعْه تسع آيات؛ فقال لهم أنا ربكم الأعلى، فكان عاقبته أن أغرقه الله هو ومن اتبعه من قومه ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ (النازعات: 25).

إن عالمنا العربي والإسلامي يمر في الوقت الحاضر بأزمات خطيرة وداهمة؛ حالت دون وصوله إلى تحقيق الحد الأدنى من تطلعاته في التنمية والوحدة والحرية، وأدَّت إلى فشله في الارتقاء بمستوى الحياة إلى الحد اللائق به؛ مثل باقي شعوب وحضارات العالم، وكل ذلك بسبب الطغيان والاستبداد والتسلُّط الذي تمارسه الأنظمة الشمولية المستبدة والتي وصلت إلى الحكم بقوة السلاح أو المال، وحافظت على طغيانها ووجودها بالعنف والقمع والاستبداد.

فالطغيان والاستبداد بشتَّى أشكاله وألوانه هو شيء أعمى، يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية؛ لأنه يقف على طرفَي نقيضٍ من حرية الإنسان وقدرته على الاختيار، ويشلُّ طاقته في الإبداع والتفكير واستخدام العقل والفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، ويجعله أسير الجهل والتخلّف.

فعندما يفقد الإنسان حريتَه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة؛ فهو يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم، ومن ثم يكون مصيره المحتوم هو العيش على هامش الحياة والوجود.

إننا في هذه الرسالة ننبِّه الأمة لمخازي الاستبداد ومآسيه؛ حتى تنهض للبحث عن حلول تنقذها من مخالبه، نريد من عقلاء الأمة ومفكريها وقادة الرأي فيها أن ينكبُّوا على دراسة هذه الظاهرة المخيفة لتحليلها واستيعابها حتى يحسنوا التعامل معها ومن ثم تتغير أحوالنا جميعًا.

إن سنة الله في التغيير تنطلق من خلال إرادة الإنسان، إلا أنه لن يؤتي ثماره إلا إذا استوعبته الأمة؛ ولذلك جعل الإسلام مسئولية التغيير جماعيةً أيضًا؛ فقال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ (الأنفال: من الآية 25).

فالتغيير يبدأ من عالم الأفكار وما في الأنفس، والأمة تمتلك إمكانية التغيير بسبب اصطفائها لوراثة الكتاب: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر: من الآية 32) ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).

إن مهمتنا الآن يجب أن تنصرف إلى إقناع الشعوب بأن الإصلاح والتغيير ومقاومة الطغيان مرهونٌ بها، وأن لديها من الإمكانات الهائلة والطاقات الكامنة ما يجعلها قادرةً على إحداث التغيير المنشود، وأن عملية التغيير تستلزم منها تضحياتٍ عزيزةً يجب ألا تبخل بها؛ فالحرية ثمنها غالٍ، وإقامة المجتمعات العزيزة الكريمة هي نتيجةٌ لجهاد دائم ومتواصل في شتى المجالات والميادين.

ومن هنا كانت ضرورة تواصلنا مع الشعوب وبذل الجهود في الارتقاء بقيمها الروحية والإيمانية حتى تنزع عن نفسها الخوف والشعور بالإحباط، ويشرق لديها الأمل والثقة في نفسها وقدرتها، وحين تسود فيها القيم الإيجابية على القيم السلبية، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.. نكون قد قطعنا ثلاثة أرباع الطريق.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية