الشيخ "أحمد ياسين" شهيد الأمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ "أحمد ياسين" شهيد الأمة

رسالة من الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

استشهاد ياسين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومَن والاه.. وبعد:

﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ* وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ (محمد: 4- 6).

فَقَدَت أمتُنَا العربية والإسلامية ابنًا بارًّا من أعزِّ أبنائها، وقائدًا فذًّا من خِيرة قادتها، وعالمًا ربَّانيًّا، وعاملاً مخلصًا، ومجاهدًا قلَّ نظيرُه على مدار التاريخ.. هو أمير الشهداء الشيخ "أحمد ياسين"- مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس)- في فلسطين، في جريمة بشعة ارتكبتها عصابات الصهاينة المحتلين، وأشرفَ على تنفيذها رئيس وزرائهم السفاح "شارون"؛ حيث قصفت طائراتُه- الأمريكية الصُّنع- الشيخَ الجليل المُقعَد الأشلَّ، وهو خارجٌ من مسجده، بعد أن أدَّى صلاة الفجر (غرة صفر 1425هـ= 22 من مارس 2004م)، فأردته شهيدًا ومعه جماعة من رفاقه وآله، في عملٍ جبانٍ ارتجَّ له ضميرُ الأحرار في العالم كله.

وإننا إذ ننعي شهداءَنا الأبرار ومجاهدَنا العظيم الشيخ "ياسين"، وإذ تتألم نفوسنا لفراقه في وقت تحتاج أمتنا فيه إلى حكمته ومصابرته وعطائه لنُدرك في الوقت ذاته أنَّ الشيخ "ياسين" لم يكن رمزًا لجماعته وإخوانه فحسب، ولم يكن مفخرةً لأمته فقط؛ بل كان حجةً على العالم بأسره، حين قدَّم للبشرية نموذجًا فريدًا لإنسان استعلَى على حاجات نفسه، وإعاقة بدنه، وقسوة ظروفه؛ ليكون محركًا لأمته وهو قعِيدٌ، مزلِزلاً للظلم والظالمين وهو أشلٌّ، موقظًا للضمير العالمي وبقية الخير في دنيا الناس لنصرة المستضعفين والمضطَّهدين، ومقيمًا للحُجَّة على هؤلاء المستضعَفين في الوقت نفسه ألاَّ يستسلموا لعوامل ضعفهم، وقهر أعدائهم.

كان الشيخ الشهيد نموذجًا للإيمان في استعلائه وشموخه وعِزِّه، ودليلاً على قدرة الإسلام العظيم على صياغة النفوس وقوة الإرادة ومضاء العزم، واستنهاض الهمم، وتجاوز الصعاب، واستشراف النصر، وتغيير الواقع، وتحويل مسار التاريخ.

إننا إذ ننعاه نهنئُه بتلك الشهادة على ذلك النحو الفريد، تلك الشهادة التي أمضى عمرَه يتمنَّاها ويسعى من أجلِها، لا يفتر عن التذكير بفضلها وبيان آثارها، وتربية أصحابه على الحرص عليها، والدعاء إلى الله- تعالى- بالظفر بها: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23).

وهل من مقامٍ أفضلُ من مقام الشهيدِ عند ربه، مع إخوانه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟! وهل من سبيلٍ إلى مغفرة الذنوب أسرع من الشهادة في سبيل الله؛ حيث يُغفَر للشهيد عند أول قطرة من دمه؟! وهل من رفعةٍ أعز من رفعة الشهيد حين يلبس حلة الكرامة يوم القيامة على رءوس الأشهاد؟!

ما أبقى عذرًا لأحد

نرجو أن تكون روح الشيخ الطاهرة قد تعانقت مع أرواح إخوانه السابقين "حمزة" و"مصعب" و"سعد بن معاذ".. وروح شيخه وإمامه "حسن البنَّا"، وأرواح أصحابه وأبنائه الأبرار: "يحيى عياش"، و"صلاح شحادة"، و"إبراهيم المقادمة"، و"ريم الرياشي"، وغيرهم من شهداء هذه الأمة المباركة.. ربما كانت تلك الشهادة آخر ما تَمتَم به شيخُنا من دعواته في صلاته التي لقي اللَّه بعدها؛ فلا نامَتْ أعينُ الجبناء!!

وهل أبقى الشيخُ "ياسين" عذرًا لقاعدٍ؟ وحُجًّةً لمستكين مستسلم يرضي بالذلة ويقبل بالهوان؟! وأيُّ عذرٍ تركه ذلك الشيخ المقعد على كرسيه، وصواريخ العدو وطائراته تدكُّ جسَده النحيل، الذي أضناه الألم، وأرهقته السنون؟! أيُّ عذرٍ تركه لمن يمتلئون عافيةً، ويقتدرون سلطانًا وجاهًا؟!

شرف القضية

إنَّ شهادة شيخنا الجليل لا تَستَمِدُّ جلالها فقط من مجيئها على ذلك النحو المروِّع الذي جاءت عليه؛ بل تستمد عظمتها- أيضًا- من أنها جاءت والرجل يصابر عدوه في أشرف ميدان؛ دفاعًا عن دينه ومقدساته ووطنه وأهله وأمته، فلم يكن يومًا معتديًا أو متجاوزًا، وإن وَصَمَه المجرمون بالإرهاب والتحريض عليه، فإذا كان الدفاع عن الحق والوطن والحرية في وجه مَن اغتصب ذلك كله إرهابًا؛ فماذا يكون فعل "شارون" وعصابته في موازين العدل وسنن الحياة؟!

وتستمد تلك الشهادة عظمتها- أيضًا- من أنها جاءت إثْر جهاد مدروس الخُطى، واضح القسمات، يستنكف أن تذهب أرواح المجاهدين الغالية في انفعالات الغضب الجامح، أو ثورات النفس المضرَمة، دون إعداد وتربية وبصيرة، فقد ارتضى- منذ شبابه الباكر- أن يعمل وفقَ مبادئ (الإخوان المسلمون) ووسائل عملهم، وحشد النَّاس من حول الحل الإسلامي للتغيير والنهضة من فوق منابر المساجد في غزة بقوة حجته، وصدق لهجته.

ثم رأَس المجمع الإسلامي في غزة؛ ليقدم من خلال نشاطاته الاجتماعية الحلول المدروسة لقضايا مجتمعه وهموم قومه، ومضى يحشد الصفوف ويميط حجب الغفلة، ويقدم في كل ذلك القدوة والأسوة، فما ردَّه اعتلال صحته، وما عافته سجون العدو ومعتقلاته ومحاكماته العسكرية الجائرة.

ثم انتقل إلى طور التكوين الجهادي الصريح، فأسس حركة المقاومة الإسلامية حماس) سنة 1987م ليكون ذلك نقلةً نوعيةً للجهاد المبارك في أرض الأقصى الأسير، وليعلن- في وضوح- أنه امتداد للحركة الإسلامية العالمية، فنص البيان الأساسي لـ(حماس) على أنها "الذراع الضارب لحركة (الإخوان المسلمون) في فلسطين المحتلة".

وضوح رؤيته الجهادية

لقد أعلن الشهيد مرارًا أن فلسطين وقف إسلامي، لا يجوز لأحد التفريط في شبر منه؛ لأنه ليس لأحدٍ الحق في ذلك، وأن الجهاد هو السبيل لتحرير فلسطين، بعد أن تاهت الأمة عقودًا من الزمن في سراديب المفاوضات العاجزة، والحلول الموهومة، والأمل الخدَّاع بأنَّ أوراقَ القضيةِ وحلولها في أيدي أمريكا أو غيرها من عواصم العالم ودوله.. وأنه من الممكن أن يسفر التعاطف الدولي المراوغ عن أمل حقيقي للوطن السليب إن تخاذل عنه أهله..

وقرر الشهيد العظيم أن تحرير فلسطين فرض عين على المسلمين، لا يجوز التهاون بشأنه، وأن ساحة الوطن هي ساحة الجهاد التي ينبغي حشد كل القوى داخلها.. كما أعلن مرارًا تحريم الدم الفلسطيني على كل فلسطيني، وأن الوحدة الوطنية بين أبناء فلسطين هي الدعامة الأولى لاستمرار الجهاد وحفظ مكتسباته، وقد أثمر جهاد الرجل وصحبه، ولم تضع تضحيات أبنائه ودماؤهم، رغم أن جهادهم وافق عجزًا عربيًّا مهينًّا، وتآمرًا دوليًّا ثقيل الوطأة، ودعمًا أمريكيًّا للكيان الصهيوني غير محدود، وعلى كافة الأصعدة.

وبعد سنوات من الجهاد أصبحت قضية فلسطين في قلب الأحداث العالمية، قضية بلد يسعى إلى الحرية بالدم والجهد بعد أن سدت أمامه سبل الحلول السلمية الممكنة، وقضية شعب يقول للعالم: إن الأمة التي لا تجيد صناعة الموت لا تستحق الحياة.. ولم يبق وطن في العالم يُعانِي الاحتلال العسكري الصريح غير فلسطين، ثم أخيرًا العراق، وأصبح الجهاد هو السبيل في وعي ذلك الشعب العظيم، وتلك الأمة الممتحنة، وتوارت محاولات الاستسلام المهين، والتسويات المذلة، ولم يكن ثمن ذلك الإنجاز رخيصًا؛ بل كان ألمًا ومعاناةً وتجويعًا وهدمًا للبيوت وقتلاً وتشريدًا ونفيًا ومصادرةً وتشويهًا لنبل الجهاد وغاياته.

وقدم الشيخ "ياسين" الأسوة بنفسه.. فحوكم في بلد تدعي الديمقراطية والحرية.. وحُكِم عليه بالسجن مدى الحياة، ثم خمس عشرة سنة تزيد على ذلك!! وتوالى الشهداء من صَحبه وبَنِيه أمام ناظريه، فما ردَّه ذلك عن قناعته بحتمية الجهاد وقرب النصر:﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 146).

وماذا بعد استشهاده؟

لقد توحدت الأمة كلها في مشاعرها الفياضة خلف الشيخ الشهيد، تودِّعه بقلوبها، وتعاهده على استمرار المسيرة.. إن الدَّم المِهرَاقَ لن يذهب هدرًا، وأعداؤنا يعلمون ذلك، وقد كان في شهادته- كما كان في حياته- عاملاً على وحدة القوى والجهود في الوطن المحتل، وكانت جنازته المهيبة تعبيرًا حرًّا عن وفاء ذلك الشعب المجاهد لشيوخه وقادته ومناضليه، ومَن خلفهم ملايين المسلمين والأحرار في العالم كله تدعم جهادهم وتتحرق شوقًا لمشاركتهم..

غير أن ذلك الهدير الشعبي الغاضب يفجر في نفوسنا تساؤلات حارة متأملة لحكامنا وأولى الأمر فينا: ماذا عندكم؟ وماذا أنتم فاعلون؟ هل لديكم ما يشفي غليل شعوبكم ويطفئ جمرة الغضب؟

هل نرتفع إلى مستوى الحدث الجليل فندرك عبثية الطنطنة بالحل السلمي والخيار الإستراتيجي الخانع مع عدو متغطرس وقيادة تعشق دماءنا ولا ترتوي؟

هل نعلو لتكون ردود أفعالنا على ما نحن بصدده متمايزة عن ردود أفعال عواصم الغرب الذي أدان واستنكر، ثم عاد إلى صمته المريب؟

وهل من أمَلٍ أن تتوافق خيارات حكامنا مع خيارات شعوبنا التي باتت واثقة من أن الجهاد هو السبيل لرد العدوان ونيل الكرامة؟

وهل من سبيل إلى وضع خطة مدروسة للخروج من نفق الخوف والاستسلام والتردد والضعف؟ خطة تحترم عقيدة الأمة وهويتها ورغباتها، وتعتمد على إمكاناتها الحقيقية المهدرة، وتوقن أن الإصلاح المنشود لن يأتي إلا من داخل هذه الأمة، وأن تحرير الوطن السليب ومقدساته لن يأتي عبر موائد التفاوض السري الذي تتبدى من خلاله عورات ضعفنا وسوءات عجزنا؟

إن الأمة تنتظر من الحكام والملوك والزعماء العرب في قمتهم بتونس موقفًا حاسمًا من الكيان الصهيوني، ليس أقل من قطع العلاقات- كل العلاقات- معه وطرد سفرائهم من بلادنا، وتقديم "شارون" لمحاكمة دولية كمجرم حرب.. الأمة تنتظر قرارًا ينشلها من وهدة التخلف والعجز، ويحشد الطاقات والإمكانات والقدرات، علميًّا وتقنيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وإستراتيجيًّا على مستوى العالم العربي والإسلامي لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجه الجميع.. لقد صبرت الأمة طويلاً وما عاد في القوس منزع، وحرِيٌّ بنا أن نُعطيها الفرصة- وهي حقها- في المشاركة في صنع حاضرها وتقرير مصيرها.

إن الحديث عن (أوسلو) و(مدريد) و(خارطة الطريق) بات مستفزًا للمشاعر الغاضبة، باردًا وسط الدم الحار المسفوح لأهلنا وقادتنا كل يوم.. وإن أمريكا هي النصير الأول لعدونا؛ بل هي العدو الأقرب الذي تعصف بنا طائراته وصواريخه ودباباته التي سلح بها عصابات الصهاينة في فلسطين، أو قوات جيشه هو في العراق.. وهل استشهد "أحمد ياسين" ورفاقه إلا بطائرات أمريكا ودعمها؟

أليست إدارة "بوش" هي التي شَحَذت أسنان الصهاينة ضدَّ شعبنا يوم أن وصمت الجهاد العادل في فلسطين بأنه إرهابٌ دمويٌّ، ويوم أن وصفت جماعة (حماس) وغيرها من جماعات المقاومة في فلسطين بأنها جماعات إرهابية؛ لأنها تتصدى للحليف الإستراتيجي لأمريكا؟

وهل كان استشهاد الشيخ "أحمد ياسين" إلا نتيجة لعجز الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، وتراجعها أمام المشروعين الصهيوني والأمريكي؟

بقيت لنا كلمة

إن استشهاد الشيخ "أحمد ياسين" لن يفتَّ في عضد المقاومة ضد المحتلين الغزاة في فلسطين؛ بل سيزيدها اشتعالاً وتوهجًا بإذن الله، وإن ملايين المسلمين في العالم اليوم تهتف في قرارة نفوسها بأنه لا سبيلَ إلا أن نموت على ما مات عليه، ونحن إذ نشد على أيدي إخواننا في أرض الأقصى من كافة الفصائل الفلسطينية المجاهدة، وعلى أيدي إخواننا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لندعو جماهير أمتنا العربية والإسلامية إلى دعم ذلك الجهاد في هذه المرحلة الفارقة من تاريخنا.

لقد دنا النصر- إن شاء الله- وأفرغ العدو آخر ما في جعبته من كيد، وإنَّ مع العسر يُسرًا، كما ندعو تلك الملايين الحاشدة من الأحرار الذين هزَّتهم الجريمة المنكرة إلى مناصرة تلك القضية العادلة، وهم حين يناصرونها إنما يخضدون شوكة عدو قد توحش وطغى، فما عاد خطره- عند ذوي الألباب- بقاصرٍ على أمتنا وحدها.. وإنَّ سنة الله في خلقه أن ينصر من نصره، وإننا على موعد من ربنا بالنصر: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21)، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).

أما أنت يا أمير الشهداء فنمْ قريرَ العينِ، ونُعاهد الله ونُعاهدك أن نظلَّ أوفياءَ لهذه الدعوة ولشجرة الجهاد المباركة التي رويتها بدمك الطهور.

وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية