موقف الإسلاميين من قضية فلسطين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
موقف الإسلاميين من قضية فلسطين

جمع وإعداد: محمد الحسن

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعلنا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المرسلين وقائد المجاهدين والهادي إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وبعد...

فإن قضية فلسطين قضية عربية إسلامية تهم كل عربي يشعر بانتمائه لهذه الأمة العربية الكريمة وقضية كل مسلم ينبض في قلبه الإيمان الصادق وتجيش في نفسه عزة الإسلام العظيم، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين في فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسول الإسلام ومعراجه فيها نشأ أنبياء الله موس وعيسى عليهما السلام فهي مهبط الرسالات وملتقى الحضارات وهي جزء من الوطن العربي الكبير وقلب الوطن الإسلامي الشاسع يتوجب على كل عربي ومسلم العمل على تحريرها والدفاع عنها والذود في حياضها لذا فليس غريبا أن يوليها المسلمون اهتمامهم ويعتبرها الإخوان المسلمون قضيتهم يحشدون لتحريرها طاقاتهم متعاونين مع المخلصين لهذه القضية الكبرى حاكمين ومحكومين ومنظمات عربية ودولية أداء للأمانة وقياما بالواجب لا يطلبون الأجر إلا من الله تعالى وحده دون سواه.

لم يعد سرا أن إخفاق سبعة جيوش عربية باسترداد فلسطين من أيدي عصابات الصهيونية 1948 يرجع إلى ارتباط معظم الأنظمة العربية آنذاك بمخططات الدول الاستعمارية التي قررت إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والتي لم تسمح للطاقات المسلمة المخلصة أن تأخذ دورها في التحرير ففرضت عليها الابتعاد عن المعركة بالقوة وزجت خيرة المجاهدين في معتقلات التعذيب جزاء عدم انصياعهم لأوامر أسيادهم من أعداء هذه الأمة الإسلامية المغلوبة على أمرها.

ولا زالت هذه الأمة الحية عازمة على غسل عار الهزيمة ولا زالت تتمتع بإمكانيات ضخمة تمكنها من استرداد الأرض السليبة ولا زالت تنتظر ساعة الفرج ووحدة الأمة ليتصدى من بيدهم زمام المبادرة لقيادة الجماهير المتشوقة لتضحية والفداء لرد الديار والتخلص من العار ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

ومع علم الإخوان بالمؤامرات الدولية وخضوع أولئك الحكام للضغوط الأجنبية إلا أنهم لم يتخلوا عن واجبهم فقاموا بدورهم في توعية المسلمين وتدربيهم ودخلوهم المعركة بأمانة وإخلاص شهد ببطولته الأعداء قبل الأصدقاء والتحق بهم المجاهدون من كافة الأقطار لثقتهم بإخلاصهم وصدق جهادهم لذلك ضمت معسكراتهم الكثيرين من الإسلاميين من غير الإخوان وتعاونونا بدورهم مع الجامعة العربية وجيش الإنقاذ والهيئة العربية العليا فأبوا بلاء حسنا في القتال وقاموا بدور مشرف في التدريب والتسليح والتوجيه المعنوي والإعداد لمعركة المصير.

ولقد كثرت الكتابات في هذا الموضوع وكم كنت أتمنى أن تقوم جهة رسمية يجمع ما كتبه وتنقيته وإخراجه من جديد غير أن شيئا من هذا لم يحدث فما كان مني إلا أن سارعت لسد هذه الثغرى فجمعت كل ما نشر عن جهاد الإسلاميين في حرب فلسطين ودورهم في كافة الأقطار العربية وأبرزت دور كل الجماعة في هذا السبيل ففي لقاء مع الأستاذ الأميري كتبت خلاصة دور الإخوان السوريين الدبلوماسي ومع الشيخ عبد المعز عبد الستار كتبت خلاصة دور الإخوان الفلسطينيين في هذا الشأن أنشره لأول مرة لأكمل الحلقات المفقودة وأسجل للتاريخ الدور الفعال للإسلاميين في معركة فلسطين ولأبين أثر الإيمان في تعبئة الطاقات والاستعداد لمعركة التحرير ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ لأن فلسطين لا يحررها الشباب المائع الماجن ولا الشباب المنحرف الفكر إنما يحررها المؤمنون الصادقون فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.

محمد الحسن

دور الإخوان المسلمين المصريين التعبوي والسياسي في خدمة القضية الفلسطينية

بدأ اهتمام الإخوان بفلسطين منذ أرسل حسن البنا وفدا إخوانيا من الأستاذين عبد الرحمن البنا الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم برفقة الزعيم التونسي الثعالبي وذلك بتاريخ الرابع من جمادى الأول عام 1335 حيث غادر الوفد القاهرة إلى القدس وهناك قابلوا سماحة المفتي رئيس المجلس الإسلامي الأعلى وتبادلوا وجهات النظر في القضية الفلسطينية وعرضا عليه تعاون الجماعة بهذا الصدد فرحب سماحته بهذا التعاون ورد لهما الزيارة وزودهما بكتاب توصية لأعوانه في المناطق التي سيزورونها وخطابا في المسجد الأقصى وقابلا زعماء الحركة الإسلامية في الأماكن التي زارها ويؤرخ ميتشل بداية اهتمام الإخوان بالقضية الفلسطينية في كتابه (الإخوان المسلمون ) يوم زار بعد الرحمن البنا المتحدث الرسمي باسم الإخوان في القاهرة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني عام 1935 في فرنسا مبينا له استعداد الجماعة للمساهمة في تحرير فلسطين وتأكد هذا الاهتمام حين خشي الإخوان على حياة الحاج أمين الحسيني من أن تسلمه فرنسا التي منحته حق اللجوء السياسي، إلى انكلترا حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين والتي أصدرت حكما عليه بالإعداد وبلغوا مخاوفهم إلى أمين سر الشيخ أمين الحسيني الأستاذ علي رشدي وطلبوا منه إبلاغ سيادة المفتي وجهة نظرهم وأبدوا استعداهم لنزوله ضيفًا عليهم في القاهرة مع تحملهم مهمة حراسته فوافق الحاج أمين نتيجة ثقته بهم غير أن الإخوان استطاعوا أن يقنعوا السلطة المصرية آنذاك بقبول مفتي فلسطين لاجئا سياسيا في مصر وحضر الحاج أمين إلى مصر سرًا بحراسة الحكومة المصرية وضيافتها يقول الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه (أحداث صنعت التاريخ 1/88) منذ حملتني قدماي إلى المركز العام للإخوان المسلمين في شارع الناصرية لاحظت من المرشد العام من القلة القليلة من الإخوان بهذا المركز توجيه اهتمام خاص إلى قضية فلسطين وقرأت في مجلتهم الكثير عن فلسطين وسورية بها أخبار فلسطين فهمت مما قرأت أن الإنكليز يقومون بحملة مدبرة للقضاء على الكيان الإسلامي في فلسطين وتمكين اليهود من الاستيلاء عليها ثم رأيت مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني ومعه مساعده الشيخ صبري عابدين ومجموعة من قادة فلسطين يحضرون إلى المركز العام ويتبادلون مع المرشد العام ومع الإخوان الطلبة الكلمات الملتهبة إلى أن يقوم حين دس الإخوان صحفيًا كان عضوًا بالجماعة إلى رئس الوزراء سأله عما سيفعله إزاء تصرفات الإنكليز الظالمة في فلسطين أجابه: إنني رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين (مما يؤكد أن الإخوان كانوا الجهة الوحيدة المهتمة بقضية فلسطين) وفهمت بعد ذلك أن الإخوان أخذوا على عاتقهم النهوض بمهمة محددة هي أن يقوموا بجمع التبرعات لمجاهدي فلسطين فكان الأستاذ المرشد في كل جمعة يوزعنا على عدة مساجد في القاهرة يخطب أحدنا بعد الصلاة يشرح ما يقترفه الإنكليز في مظالم في فلسطين ويبين أن هدفهم تسليم فلسطين والمسجد الأقصى لليهود بينما يجمع الآخر التبرعات في صندوق) وبهذا يحقق هدف توعية المسلمين إلى المخاطر التي تحيط بفلسطين ويتحقق هدف الدعم المادي للمجاهدين الفلسطينيين.

حين انفجرت الثورة الكبرى في فلسطين (1931- 1939) وأعلن الإضراب العام فوجئ الإنكليز الذين كانوا يسعون لعزل الشعب المصري عن كل ما يمت إلى العروبة والإسلام بصلة بمساندة الإخوان المسلمين لهذه الثورة حيث دعاهم مرشدهم حسن البنا في آذار 1936 لبحث خطة تحركهم لدعم القضية الفلسطينية فشكلوا لجنة مركزية برئاسته لمتابعة دعم الثورة الكبرى ومساعدتها.

قام الإخوان بحملات توعية لشرح القضية الفلسطينية ودور الإنكليز في التآمر عليها وفوجئ المحاضرون بمن يسألهم من المثقفين: وأين تقع فلسطين؟ كما ألفوا لجانًا لجمع التبرعات والمؤن ودعوا إلى مشروع (قرش فلسطين) كما ألفوا لجانا سياسية لتوزيع المنشورات وإرسال برقيات الاحتجاج والاتصال بكبار الشخصيات لمساندة عرب فلسطين مما نبه الانكليز إلى خطر الإخوان فأوعزوا إلى الحكومة المصرية لرصد نشاطات الإخوان وفي عام 1938 داهمت قوات الأمن المركز العام للجماعة فعثرت على 750نسخة من كتاب النار والدمار في فلسطين والذي أصدرته اللجنة العربية العليا وفيه تعدد ألوان العذاب الذي تعرض له مجاهدو فلسطين بعد أن وزع الإخوان منه عشرة آلاف نسخة في كافة أنحاء مصر فصادر رجال الأمن المتبقي ولما سأل قائد الحملة عن صاحب الكتاب أجابه المرشد العام حسن البنا أن أتحمل المسئولية ليفوت على رجال الأمن غرضهم فأوقفوه في السجن ورفع التحقيق إلى السفير البريطاني فخشي أن يكشف المرشد العام مظالمهم وانحيازهم لليهود أمام المحكمة إن هم أحالوه إلى القضاء فتتحدث بها الصحف ويصبح للبنا شعبية قوية لذا أمروا بحفظ التحقيق وإطلاق سراح حسن البنا (عن أحداث صنعت التاريخ 167/ 3) وقد بدأت اللجنة المركزية الإخوانية نشاطها بتوجيه نداء إلى الشعب المصري والأمة الإسلامية لمناصرة فلسطين المسلمة وأرسلت برقيات احتجاج إلى المندوب السامي البريطاني في كل من مصر وفلسطين تستنكر فيها المظالم التي توقعها السلطات البريطانية بشعب فلسطين كما أرسلت برقية إلى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني بتاريخ 18/ 3/ 1936 تؤكد فيها وقوف الإخوان المسلمين إلى جانب إخوانهم أهل فلسطين وأذاعت بيانا إلى عموم الإخوان تدعوهم فيها للمساهمة ببذل المال والمشاركة بجمع التبرعات (عن مذكرات الدعوة والداعية 207).

وقد رد سيادة المفتي الحاج أمين الحسيني على برقية الإخوان وأمين سر اللجنة العربية العليا بالرسالتين التاليتين:

رسالة شكر من الحاج أمين الحسين إلى جماعة الإخوان المسلمين 1936م

من سماحة المفتي الأكبر السيد الأمين الحسيني إلى الإخوان المسلمين:

حضرات السادة الأفاضل رئيس أعضاء جمعية الإخوان المسلمين المحترمين القاهرة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد كتب إلينا عدد من الأصدقاء في القاهرة عن الجهود المشكورة والأعمال المبرورة التي تقومون بها في سبيل هذه البلاد الإسلامية العربية المقدسة (فلسطين) التي تقوم بجهادها في سبيل حريتها واستقلالها لتراث الإسلام والعروبة الخالدة فيها وكما أننا أطلعنا في الصحف المصرية على كثير من تلك الجهود والأعمال المباركة التي تقومون بها بكل حمية ونشاط، فحق علينا أن نشكركم بها أنتم أهله ونقدر لكم شعوركم الفياض وحميتكم الإسلامية حتى تقديرها، ونعلمكم أن الرأي العام العربي في فلسطين قد تلقى مقرراتكم الحكيمة ومساعيكم الحميدة بالشكر الجزيل والثناء الكثير ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكلل أعمالكم المباركة بالفوز والنجاح ويجزيكم الجزاء الأوفى على أفضالكم وشهامتكم.

ولسنا نشك في أن جهودكم المشكورة في سبيل نصرة هذه البلاد المقدسة ورفع الحيف والظلم عنها سيكون لها أثر فعال وسينتج عنها خير كثير بإذن الله وثقوا بأنكم بذلك تقدمون أعظم خدمة للمسلمين والعرب جميعا الذين تهوى أفئدتهم إلى القبلة والمسجد الأقصى في هذه البلاد الصابرة المجاهدة التي تعاني ما تعاني من الشدائد وتتحمل ما تتحمل من المكاره والخطوب في سبيل الاحتفاظ بتراث الإسلام الخالد في فلسطين.

فنكرر الشرك لحضراتكم جميعا ونسأله تعالى أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه الخير والفلاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد أمين الحسيني

رئيس اللجنة العربية العليا.

رسالة شكر من اللجنة العربية العليا إلى الإخوان المسلمين 1936م

من السيد عوني بك عبد الهادي

السكرتير العام للجنة العربية العليا بالقدس

إلى الإخوان المسلمين:

وقد ورد عليها هذا الخطاب من السيد عوني عبد الهادي:

حضرة الأخ المفضال والوطني الغيور السيد حسن البنا حفظه الله مرشد الإخوان المسلمينمصر.

إن اللجنة العربية في فلسطين تشكر لحضراتكم هذه العواطف النبيلة التي تمنت برقيتكم المؤرخة18 مايو سنة 1936 الإعراب عنها تجاه قضية فلسطين المجاهدة وثقوا بأن الروح الطيبة التي أوحت بها برقيتكم قد زادت نفوسنا قوة وقلوبنا تصميما على المضي إلى النهاية في جهادنا ضد الظلم والاستبداد وقد كان لها أكبر وقع في نفوس الشعب العربي الفلسطيني الذي تيقن بأن إخوانه في مصر وغيرها لن يتخلفوا عن نصرته عند الحاجة.

وإني لأرجو أن تتقبلوا عظيم تقدير وشكر اللجنة العربية العليا لهذا العطف والإحساس الشريفين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمين السر العام

وعن نشاط الإخوان الصحفي في مصر تحدثنا الدكتورة عواطف عبد الرحمن في كتابها (مصر وفلسطين صفحة 241- 242) فتقول موضحة دور الصحف المصرية في دعم القضية الفلسطينية بما يلي:

(كما توجه صحيفة المصري نقدا قاسيا لموقف الحكومة المصرية التي اكتفت باتخاذ موقف الوسيط لحمل الحكومة العربية على قبول وجهة النظر البريطانية وتعزو الصحيفة فشل مؤتمر لندن إلى موقف الحكومة المصرية منه وتنتهز الصحيفة هذه الفرصة كي تعقد مقارنة بين موقف الحكومة المصرية التي كان يرأسها آنذاك محمد محمود باشا من القضية الفلسطينية وذلك الموقف الذي اتخذته وزارة النحاس باشا الذي أقسم بالالتزام ومساندة القضية الفلسطينية وقد أولت «المصري» اهتمامًا كبيرا لموضوع الكتاب الأبيض وحرصت على نشر مقتطفات من الصحف البريطانية وردود فعل الساسة العرب والإنجليز كما نفدت الكتاب الأبيض وعرضت المقترحات التي يتضمنها عرضا نقديًا مفصلاً.

أما (صحيفة الإخوان المسلمون) لسان حال جماعة الإخوان المسلمين قد اهتمت بنشر أخبار المعارك وتفاصيل سفر أفواج المتطوعين بالإضافة إلى نشر قوائم التبرعات وكانت تنشر أنباء المعارك ضمن الأبواب الخاصة بالدعوة الإسلامية وكانت جريدة الإخوان المسلمين تدعو العرب في مصر وفلسطين إلى مواجهة الخصوم الدينيين، وتقصد بهم اليهود، بسلاح الإيمان بالحق وكانت تركز على الأهمية الدينية لفلسطين وأن الفلسطينيين ليسوا إلا حرسا للمقدسات الإسلامية.

وقد نشرت جريدة الإخوان المسلمين نداء من [[مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين ]] بالقاهرة إلى شعب الجماعة بالقطر المصري والشعوب الإسلامية عامة أوضحت فيه قلقها بسبب الحوادث التي كانت تجري في فلسطين وتهيب بالشعوب العربية مسلميها ومسيحييها أن يمدوا يد العون لفلسين المجاهدة الباسلة ثم تذكر أهم القرارات التي اتخذتها جماعة الإخوان المسلمين في هذا الصدد مثل تأليف لجنة مركزية من الإخوان لتلفي التبرعات وإرسال برقية احتجاج إلى المندوب السامي البريطاني في فلسطين.

وإرسال برقية تأييد ومساندة لقادة الثورة الفلسطينية وتوالي جريدة الإخوان المسلمين نداءاتها لنصرة الشعب الفلسطيني مذكرة القراء بالدور البطولي الذي يقوم به أبناء فلسطين لدفع الشر عن إخوانهم الشرقيين فضلا عما يقيمون به في حراسة المقدسات نيابة عن أربعمائة مليون مسلم وتوجه الصحيفة لومها إلى العالم الإسلامي في افتتاحية تخصصها للحديث عن اليوم الخامس عشر بعد المائة بمناسبة مرور مائة يوم على الإضراب الكبير في فلسطين وتشير (الإخوان المسلمون ) إلى تقصير العالم الإسلامي في مد يد العون إلى الشعب الفلسطيني وتحثهم على تعويض ما فات وقد كانت هذه الافتتاحية موقعة بإمضاء حسن البنا المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين كذلك تواصل الصحيفة الإشادة ببطولة الثوار الفلسطينيين التذكير بتضحياتهم والتنديد بالسياسة البريطانية في فلسطين وذلك في عدة افتتاحيات شغلت الصفحات الأولى من الصحيفة حتى نهاية عام 1936.

أما بالنسبة لصحيفة مصر الفتاة فإنها لم تعاصر المرحلة الأولى من ثورة 1936 في فلسطين ولكن أتيحت لها فرصة التعبير عن اتجاهاتها في هذا الصدد بعد صدور تقرير الجنة الملكية الذي تضمن مشروعا لتقسيم فلسطين وقد قامت صحيفة مصر الفتاة بنشر البيان الشهير عن القضية الفلسطينية الذي يتضمن معارضتها الحادة لمشروع التقسيم والمطالبة بضرورة مقاومته بكل السبل وذلك لعدد من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد لخصتها الصحيفة وأبرزت من خلالها خطورة مشروع التقسيم على مصر ذاتها وليس فلسطين فقط.). انتهى.

وبمناسبة ذكر وعد بلفور حرك الإخوان مظاهرات في كافة أنحاء مصر بتاريخ 17/ 11/ 1938 مما دفع السلطة إلى سجن مدبريها ولم يثن ذلك الإخوان عن عزمهم فاستأنفوا نشاطهم الإعلامي فوزعوا منشورات تفضح مخططات الإنكليز ومظالمهم وتدعو إلى مقاطعة اليهود ودعم المجاهدين الفلسطينيين كما وزعوا منشورات تكشف أسماء الصحف التي تناصر الصهيونية مما أزعج الاستعمار الإنكليزي فراحت تستعدي الحكومة المصرية على الإخوان في نفس العام دعا المرشد العام حسن البنا إلى مؤتمر عقد المركز العام للإخوان بالعتبة حضرته شخصيات رسمية تحدث فيه فارس الخوري رئيس وزراء سورية وهو مسيحي منصف ووطني مخلص وشخصيات أخرى انتهى هذا المؤتمر بتوصيات إلى الحكام العرب تدعوهم للتدخل من أجل إنقاذ فلسطين وكان من نتائج هذا المؤتمر توافد كبار الشخصيات العربية الرسمية إلى مركز الإخوان منهم الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود نيابة عن والده والأمير أحمد بن يحيي حميد الدين إمام اليمن وكانت نتيجة هذا الاتصال والتشاور بينهم وبين الإخوان والحكمة المصرية الاتفاق على عقد مؤتمر برلماني دولي وجه الدعوة إليه لجنة برلمانية مصرية برئاسة محمد علي علوبة باشا المتعاطف مع القضية الفلسطينية انعقد المؤتمر في سراي آل لطف الله بالقاهرة حضرته وفود شعبية من المغرب والهند والبوشناق واليوغسلاف واليمن والصين، كان من مقرراته الطلب من انكلترا والدول الكبرى تسوية القضية الفلسطينية بما يضمن حقوق أهل فلسطين واعتبار وعد بلفور باطلا من أساسه ورفضوا تقسيم فلسطين وطالبوا بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين فورا.

واهتمت بريطانيا بهذه المؤتمرات فعدلت عن سياستها القمعية تجاه فلسطين ودعت على مؤتمر في لندن عام 1939 يضم العرب واليهود حضره الأميران فيصل بن عبد العزيز آل سعود والإمام أحمد بن يحيي حميد الدين واثنان من الإخوان المسلمين كمترجمين للأميرين أحدهما الأخ محمود أبو السعود (أحداث 177- 182/3 ).


ونتيجة لهذا المؤتمر أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض الذي قررت فيه على الورق وضع حد لهجرة اليهود إلى فلسطين ومنعهم من شراء أراضي عرب فلسطين وذلك لكي تمتص نقمة العرب وتكسب الرأي العام العالمي.


ولكن اليهود تخوفوا من الكتاب الأبيض فلجأوا إلى أمريكا التي اتفقت مع انكلترا على تشكيل لجنة تحقيق انكليزية أمريكية لتنسف بواسطتها الكتاب الأبيض وقد كان، فقد طافت اللجنة في البلاد العربية تدعي الحياد والعدل وفي آخر لقاءاتها في مصر عام 1946 تحدث أمامها السيد مراد البكري وعبد المجيد صالح باشا وصالح حرب باشا والدكتور منصور فهمي باشا والمرشد العام للإخوان حسن البنا الذي تولى الترجمة له وكيل الجماعة الأستاذ أحمد السكري .

وقد أشادت جريدة المصري آنذاك بكلمة المرشد العام التي اختتمتها بطلب الإفراج عن الحاج أمين الحسيني الرجل الأول في القضية مع إخوانه المجاهدين والاستماع إلى أقوالهم كي يثبتوا بذلك حيادهم.

ولكن قرار اللجنة مع الأسف كان يقضي بالسماح لمئة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين مع الادعاء بأن اللجنة تهدف إلى ضمان حقوق العرب المدنية والدينية.

ولكن ماذا ننتظر من لجنة هي الخصم والحكم وقد صرح الرئيس الأمريكي ترومان في ذلك الوقت بأنه سعيد جدا بقرار اللجنة بالسماح لمئة ألف يهودي بالهجرة إلى فلسطين في الحال (عن أحداث صنعت التاريخ 409/ 411/ 3) وفي 19 أكتوبر 1946 عقد الإخوان مؤتمرا في حيفا ضم ستين ألفا من الإخوان وأنصارهم أعلنوا فيه مسؤولية بريطانيا عن جميع ما حدث في فلسطين وحذروها من مسئولية استمرار سياستها الجائرة تجاه عرب فلسطين (قافلة الإخوان ص9).

مؤتمر بلودان عام 1946

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دعي مجلس الجامعة العربية للانعقاد في بلودان في شهر حزيران ودرس اقتراحًا بتشكيل لجنة موحدة تمثل شعب فلسطين وتنطق باسمه ولم يغب عن فكر حسن البنا أن يرسل برقية للمؤتمرين يعلن فيها استعداد الإخوان للدفاع عن فلسطين بدمائهم وأموالهم بعد ذلك تم تشكيل اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني وعضوية الدكتور حسين الخالدي، وأحمد حلمي باشا وجمال الحسيني وإميل الغوري قام سماحة المفتي بتأسيس مكتب لرئاسة الهيئة العربية العليا في القاهرة وافتتح مكتبا في القدس ودمشق وبيروت وبغداد وضم إلى أعضاء الهيئة خمسة أعضاء آخرين وبدأ بتنظيم العمل وتوزيع المسئوليات على اللجان استعدادا للجهاد وكلف لجنة من الموثوقين لشراء السلاح وكان مصدره من مخلفات الحرب العالمية في صحراء مصر الغربية ومن تبرعات بعض الدول العربية والإسلامية وساهم الإخوان في جمع السلاح وإدخاله إلى فلسطين بإشراف يوسف طلعت ورشاد مهنا.

أما السلاح الآخر الذي تجمعه الهيئة العليا فكان يشرف على تخزينه عبد القادر الحسيني في صوريف وبيرزيت يساعده في تهريبه إلى فلسطين رشاد مهنا والقائمقام أحمد سيف اليزل محافظ مرسى مطروح الذي أصبح خلفا للشهيد أحمد عبد العزيز وأسند سيادة المفتي قيادة المجاهدين إلى عبد القادر الحسيني وكون حرسا وطنيًا في المدن والقرى وأنشأ منظمة الشباب الفلسطيني وأسند قيادتها للمجاهد الصاغ محمود لبيب أحد قادة الإخوان العسكريين كما تسلل عدد من شباب الإخوان إلى شمالي فلسطين والتحقوا بثورة الشيخ عز الدين القسام وبعد الحرب العالمية الثانية أرسل الإخوان دعاتهم سعيد رمضان، عبد الرحمن البن الساعاتي والشيخ عبد المعز عبد الستار وعبد العزيز الأحمد لتعبئة القوى الإسلامية واستثارة روح الجهاد استعدادا لمعركة المصير.

قضية فلسطين بعد إعلان التقسيم ودور الإخوان تجاهها

أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بتاريخ 29/ 11/ 1947 يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية بدعم من الدول الكبرى إنكلترا وأمريكا وروسيا موافقة 25 دولة ومعارضة 13 دولة عربية ومسلمة وامتناع 17 دولة عن التصويت فوقع هذا القرار على العالمين العربي الإسلامي وقوع الصاعقة فتجاوبت أصداؤه في كل صقع وأعلنت الدولة العربي وشعوبها رفض قرار التقسيم واجتمع رؤساء وزراء الدول العربية في القاهرة فاستفاد الإخوان من هذه المناسبة فدعوا إلى مظاهرة اهتزت لها جنبات القاهرة في 15/ 12/ 1947 اشترك فيه الأزهر الشريف والجامعات وكافة فئات الشعب مسلمين ومسيحيين خطب فيها رياض بك الصلح رئيس وزراء لبنان وكان صديقًا للإخوان والأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود والشيخ محمود أبو العيون وجميل مردم بك رئيس وزراء سوريا وصالح حرب باشا والقس متياس الأنطوني والسيد [[إسماعيل الأزهر ي]] رئيس وزراء السودان والمرشد العام للإخوان المسلمين حسن البنا ومما قاله: أيها الزعماء أنتم القادة وهؤلاء الجنود لقد وقفوا دمائهم للدفاع المقدس إن هذا الشباب ليس هازلا ولكنهم جادون عاهدا الله وعاهدوا الوطن أن يموتوا من أجله إنني أعلن من فوق هذا المنبر أن الإخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل فلسطين ثم قررت الدول العربية إعلان الحرب على الصهاينة لتحرير فلسطين العربية ولم يلتفتوا إلى النصائح والاقتراحات بترك حرب التحرير فلسطين العربية ولم يلتفتوا إلى النصائح والاقتراحات بترك حرب التحرير فلسطين العربية ولم يتلفتوا إلى النصائح والاقتراحات بترك حرب التحرير الفلسطينية للشعوب الإسلامية والاكتفاء من جانبهم بالدعم المادي والمعنوي لقد أدرك حسن البنا رحمه الله تعالى ببعد نظره أن الدول العربية في ذلك الحين لا بد ون تقع تحت ضغوط دولية تؤثر على استمرارها في معركة الشرف والكرامة فنقل رأيه إلى جامعة الدول العربية بواسطة صديقيه الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وعبد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية يطلب فيه إعلان نفير عام إسلامي لتحرير الأرض المقدسة يوكل فيه إلى المتطوعين القيام بحرب تحرير شعبية تدعمهما الدول العربية بالمال والسلاح فلم يستجيب لطلبة لضغوط أجنبية كما صرح بذلك كامل الشريف حيث قال: إنه من الإنصاف للواقع أن يقرر أن زعماء الدول العربية قد فكروا أخيرا بسلوك هذا الطريق طريق حرب العصابات وكلفوا الهيئة العربية العليا لاختيار عدد من الشباب من مختلف الجات لتدريبهم وإعادتهم للإشراف على تنظيم المقاومة ولكن ذلك بعد كان بعد فوات الأوان فقد احتجت بريطانيا على هذا التصرف فانكمشت الدول العربية أمام هذا الاحتجاج فماتت الخطة في مهدها.

ودخلت الدول العربية المعركة لتنتهي حيث بدأت، وأعلنوا عروبة المعركة لا إسلاميتها فرفضوا تطوع المجاهدين الباكستانيين المسلمين بحجة أن الدول العربية بجيوشها السبعة كافية لتحرير الأرض المقدسة وحاولت الجامعة العربية من جانبها أن تعمل لتنظيم المقاومة فعينت الفريق العراقي طه باشا الهاشمي واللواء إسماعيل صفوت باشا ومعهم عدد كبير من الضباط ووضعوا تحت تصرفهم أموالا كثيرة ومنحتهم سلطات واسعة وبدل أن يجمعوا الشباب الفلسطيني لتدريبهم أخذوا يجمعون المتطوعين من البلاد العربية ويغدقون عليهم أموالا كثيرة ومنحتهم سلطات واسعة وبدل أن يجمعوا الشباب الفلسطيني لتدريبهم أخذوا يجمعون المتطوعين من البلاد العربية ويغدقون عليهم بالأموال في الوقت الذي يضيقون فيه على المجاهدين الفلسطينيين فقد طلب قائد مجاهدي القدس عبد القادر الحسيني أن يمدوه بالمال والسلاح فلم يستجب لطلبه وبعد جهود ووساطات أعطوه (370 جنيها ليوزعها في ثلاثة آلاف مجاهد يعملون تحت قيادته فقدم تقريرا إلى جامعة الدول العربية في 6/ 4/ 1948 يحملها فيه ضياع فلسطين، واستشهد بعدها بقليل في معركة القسطل سعيدا بلقاء فيه ضياع فلسطين واستشهد بعدها بقليل في معركة القسطل سعيدا بلقاء ربه وبالاتفاق بين فضيلة المرشد العام والأمين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام باشا شكل الإسلاميون لجنة وادي النيل للعمل على جمع التبرعات وشراء الأسلحة تدريب المجهدين لإرسالهم إلى فلسطين وكان أبرز أعضائها صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين وعلوبة باشا وصالح أبو رقيق ممثلا عن الإخوان.

حين أحس اليهود بخطر الإخوان وبدأت صحفهم الصهيونية تستعدي حكومة الانتداب الإنكليزي على الإخوان وتنبه لخطورتهم فقد كتبت الفتاة الصهيونية روث كاريف مقالا في جريد الصنداي عام 1948 نقلته جريدة المصري المصرية جاء فيه: والآن أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المعادي للولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع الأمم المتحدة فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه وأي رجال يستترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم الإخوان المسلمون وختمت مقالها بقولها: وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوربا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي في القرن الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي أفريقيا إلى الباكستان ومن تركيا إلى المحيط الهندي «عن الإخوان في حرب فلسطين ص32، 33».

أرسل الإخوان عددا من المدربين العسكريين سرا إلى فلسطين لتدريب الإخوان عددا من المدربين العسكريين سرا إلى فلسطين لتدريب المجاهدين الفلسطينيين بقيادة الضابط المتقاعد محمود لبيب الذي كلف بدوره بالسعي للتوفيق بين منظمتي الفتوة والنجادة الفلسطينيين وكلف الأخ يوسف طلعت بتهريب الأسلحة والذخيرة إلى داخل فلسطين ولما تنبهت حكومة الانتداب إلى نشاطهم أصدرت أمرا بتفسير الضابط محمود لبيب بعد أن تمكنت من التعرف إليه عام 1947 .


طلب الإخوان من حكومة النقراشي السماح لفوج من مجاهديهم ليرابط في الجزء الشمالي من صحراء النقيب فرفض طلبهم فطلبوا القيام برحلة علمية إلى سيناء ومن هناك تسلل أفرادها سرا إلى فلسطين وتبعهم آخرون بأساليب مختلفة وفي فبراير عام 1948 بدأ المجاهدون المسلمون بمهاجمة المستعمرات بقيادة الضباط الأخ محمود لبيب الذي طلب إجازة للمشاركة في الجهاد المقدس وتبعه من زملائه الضباط كمال الدين حسين وصلاح سالم وبعد شهرين من القتال طلبت الحكومة المصرية من الإخوان سحب قواتهم من النقب فرفض المجاهدون هذا الطلب فشددت الحكومة المصرية الرقابة على الحدود لتضطرهم إلى الانسحاب ولكنهم ثبتوا حتى دخل الجيش المصري فلسطين بشكل رسمي (عن الإخوان في حرب فلسطين ص40) ثم تلت هذه الفرقة فرق أخرى سجل أحداثها الأستاذ كامل إسماعيل الشريف في كتابة الإخوان في حرب فلسطين وعبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته.

ولم يقصر الإخوان في المجال الطبي فقد تطوع من أطباء الإخوان الدكتور أحمد الملط وحسان حتحوت وأحمد سعيد خطاب وقد أرسل بطلبهم عزمهم باشا مدير الهلال الأحمر، المصري وعرض عيهم مرتبات مغرية للعمل في فلسطين فقالوا: نحن لا نريد غير المأوى والطعام فقال: إننا خصصنا لكل طبيب عند استشهاده دية تسلم إلى أهله وقدرها ثلاثة آلاف جنيه فأوصى الدكتور الملط تسليمها للمرشد حسن البنا يتصرف بها لصالح الجماعة بعد استشهاده.

دور الإخوان المسلمين المصريين العسكري في حرب فلسطين

سفر متطوعي الإخوان المسلمين إلى فلسطين

من مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف ص 47

في الفترة ما بين 25/ 4/ 1948، 5/ 5/ 1948 تم تدريب وتنظيم كتيبة( ) معظمها من متطوعي جماعة الإخوان المسلمين، في معسكر هاكستيب، بلغ عددهم 280 مجاهدًا وأشرف على تدريبهم المقدم أركان حرب حسين أحمد مصطفى والرائد أركان حرب على الخضاوي، والملازمون أحمد رأفت بسيوني وأبو بكر المنزلاوي وحين زكي عليش وغيرهم.

وشمل التدريب الأسلحة الصغيرة وطرق النسف والتدمير وضرب النار واختراق الضاحية والمصارعة اليابانية.

أما الضابط الإخوان المتطوعون المدنيون قادة السرايا فكانوا الأخ أحمد حجازي من إخوان القاهرة شعبة العباسية والأخ أحمد لبيب الترجمان من إخوان القاهرة شعبة الخليفة والأخ نظيف عبد الحميد من إخوان القاهرة شعبة السيدة زينب والأخ إسماعيل الفرماوي قائد فصيلة النسف والتدمير من شعبة العباسية والأخ محمد نور الدين قائد فصيلة البويز (مضاد للدبابات) والأخ مصطفى جاد من الإسكندرية من جماعة مصر الفتاة.

كما تم تدريب مجموعة على استعمال اللاسلكي وتليفونات ألبذر.

وفي منتصف شهر مارس 1948 وصلت كتيبة من إخواننا الليبيين والمراكشيين والتونسيين والجزائريين إلى معسكر هاكستيب بعد تدريهم في معسكر أقيم في مرسى مطروح في صحراء مصر الغريبة، وبعد وصولها تولى قيادتها ضباط مصريون ممن تطوعوا للجهاد في فلسطين بعد أن قدموا طلبات للإحالة إلى الاستيداع وكنت واحدا منهم.

السفر من العريش إلى خان يونس:

حضر إلى العريش الإخوة الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، (أعدمه جمال عبد الناصر عام 1954) والصاغ محمود لبيب قائد عام جوالة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد محمود عبده قائد متطوعي الإخوان المسلمين في بير السبع.

ونصحوا المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بأن تدخل الكتيبتان فلسطين عند الحدود عبر السكة الحديد مطفئين أنوار السيارات، حتى لا تشعر القوات الإنجليزية بهم فتعترض قوات المتطوعين، وتم تنفيذ العبور بمجهود شاق وصمت تام عبر رفح المصرية الفلسطينية، ثم انطلقت قواتنا المحملة بالسيارات متجهة صوب خان يونس التي وصلناها ليلا، واستقبلنا بحفاوة من هيئة التدريس والسيد الناظر الأستاذ سامي أبو شعبان الذي قدم لنا كل مساعدة ممكنة.

ومكثنا يومين في جمع المعلومات عن العدو بمعاونة شيخ العرب مصطفى أبو مدين.

الاصطدام الأول وأول شهيد

في 9/ 5/ 1948 أبلغنا الأخ الفلسطيني المجاهد عبد الله أبو مدين عن نشاط مصفحات العدو الصهيوني حول خان يونس.

فأمر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بتدميرها، وعين طاقما مكونا من خمس بنادق بويز التي تحركت تحت قيادة الأخ فتحي الخولي من إخوان القاهرة شعبية القلعة، واصطدمت بالمصفحات اليهودية وعند إطلاق نيرانها لم تحدث أي تأثير في مصفحات العدو، وأطلق العدو نيران فاستشهد القائد الأخ فتحي الخولي، وشيعت جنازته في خان يونس، وأبلغني أحد الإخوان الشهيد الذي رافقوه أنه سمع الشهيد يتم بصوت مهموس: هبي يا ريح الجنة.

معركة كيفار ديروم أو خان يونس

في فجر 14/ 5/ 1948 أراد المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز مهاجمة مستعمرة كيفار ديروم والتخلص منها نهائيا، فكلفني باستكشافها وتقديم تقرير بذلك.

وصف المستعمرة:

تقع كيفار ديروم على قطعة أرض زراعية مسطحة مساحتها 200× 150مترا مربعا شرق سكة حديد رفح غزة، وكذلك شرق الطريق الزراعي الذي بينهما. والمسافة بين هذين الطريقين والمستعمرة حوالي 800 ياردة، وتهدد هذه المستعمرة هذين الطريقين، وفي الشمال الشرقي للمستعمرة يوجد خزائن للمياه وثكنتان للجنود من ثلاث طوابق.

وفي المستعمرة خنادق مواصلات تربط جميع أجزاء المستعمرة وفي منصف المسافة ما بين المستعمرة والسكة الحديد توجد غرفة ماكينة مياه، وفي جنوب المستعمرة يوجد وادي طويل يربط غرب المستعمرة بشرقها وتوصل إلى مستعمرات يهودية أخرى، ويمكن التقدم في هذا الوادي حتى الوصول لمسافة 100 ياردة من قوات العدو ومنع أي إمدادات تأتي للعدو من مستعمرات أخرى.

vويوجد حول المستعمرات ثلاث أحزمة أسلاك شائكة:

واشتمل التقرير على خطتين ليختار إحداهما:

الخطة الأولى: حصار مستعرة كيفار ديروم ومنع أي إمدادات تصل إليها أو تخرج منها حتى نضطرها للتسليم.

الخطة الثانية: اقتحام واحتلال مستعمرة كيفار ديروم.

واختار المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز الخطة الثانية، ويصف كامل الشريف الهجوم فيقول: هاجم الإخون المستعمرة في وقت مبكر من صبيحة اليوم ونحجوا في المرور خلال حقول الألغام، عبر ممرات أعدوها طوال الأسبوع الذي سبق المعركة واجتازوا عوائق الأسلاك الشائكة كل هذا تم بدقة وسرعة دون أن ينتبه حراس المستعمرة لما يجري حولهم ولم يفيقوا إلا على صوت انفجار هائل أطاح بأحد مراكز الحراسة ثم بدأت المعركة داخل الخنادق وعلى الأبراج و«الدشم»

وأبدى الإخوان في هذه المرحلة من ضرورة البطولة والفدائية مالا يمكن حصره وتصوره واستطاع اليهود أن يسدوا الثغرات التي أحدثها المجاهدون في دفاعات المستعمرة ثم حاصروا القوة الصغيرة التي نجحت في التسلل إلى أوكارهم ومضوا يحصدونها ببنادقهم ورشاشاتهم.

وهكذا فشلت المحاولة الأولى ومضى الإخوان يحملون شهداءهم وجرحاهم وكان عددهم يربو على العشرين وانتهت المعركة على هذه الصورة المؤسفة ولكنها ظلت مثلا فريدا للبطولة والتضحية.

ويستأنف عبد المنعم عبد الرؤوف حديثه (من كتابه ص50) ويحدد أسباب الفشل بما يلي:

1- سوء التدريب على جميع المستويات.

2- ضعف تأثير مدفعيتنا الهاوتزر والهاونات والمدافع 2 رطل على دشم ومدرعات العدو الإسرائيلي.

3- تفوق العدو الإسرائيلي على قواتنا في حرب العصابات، وتمسكنا بالعمليات الحربية النظامية.

وعندما مرت قوات الجيش المصري على الطريق الزراعي القريب من مستعمرة كيفار ديروم صبت عليها فصيلة الهاون 3رطل بقيادة محمد علي عبد الكريم نيرانا مركزة بأمر من قائد كتيبة المقدمة العقيدة أركان حرب سيد طه (الضبع الأسود) ولكن المستعمرة لم تستسلم لصلابة دشم العدو.

وبنظرة فاحصة لضباط كتيبة المتطوعين يتضح أن أغلبهم من أسلحة معاونة وليس منهم من درس كطالب بمدرسة المشاة حيث تلقى أحدث أساليب الحرب العالمية الثانية كالإعداد لمهاجمة وتدمير الدشم الحصينة وقتال المنازل وتطهير القرى ولتسلل ليلا ونهارا.

أصدر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز أمرا بسحب وإنقاذ المصابين حول مواقع العدو ونقل جثث الشهداء فتحركت بفصيلتين بقيادة الملازم أول معروف الحضري والأخ حسن الجمل قائد جماعة الهاون وهو من متطوعي الإخوان المسلمين ومن إخوان القاهرة شعبة منيل الروضة، واستطعنا بتوفيق الله وعونه سحب عدد كبير من المصابين وعدد قليل من الشهداء وكان الطبيب محمد حسين غراب، رحمه الله، الذي أنشا نقطة إسعاف في أول الحور تحت سقف السكة الحديد.

لم يتم الاستيلاء على مستعمرة كيفار ديروم ولكن تم سحب جميع المصابين وكان من بينهم الملازم أول معروف أحمد الحضري الذي أصيب بعدة طلقات في رقبته وكتفيه من الأمام كما أصيب الملازم أول كمال الدين حسين قائد مدفعية الهاوتزر من أثر دانة فاسدة على بعد ياردة وتم ترحيل الضابطين وباقي المصابين من الإخوان المسلمين إلى مستشفى غزة.

وبعد أسبوعين عاد إلينا الملازم كمال الدين حسين لاستئناف القتال أما الضابط معروف أحمد الحضري فقد تم ترحيله إلى القاهرة حيث استغرق علاج جراحة حوالي شهرين عاد بعدها للقتال مع المتطوعين الفدائيين في بيت لحم.

وفي أثناء وجودنا في معسكر النصيرات قرر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز تنفيذ الخطة الأولى التي سبق أن عرضتها عليه وهي عملية حصار المستعمرة (كيفار ديروم) ومنع وصول أي إمدادات إليها.

وأثناء حصارنا للمستعمرة شوهد يخرج من شمال المستعمرة مرتديا ملابس بدوية، وبالقبض عليه واستجوابه اتضح أنه يجيد اللغة العربية ويشبه اليهود اليمنيين، فجئ له بجهاز لاسلكي، والتقط لقواتنا إشارة فهمنا منها أن نجدة ستصل إلى المستعمر حوالي الساعة الحادية والعشرين صباح اليوم التالي فأمر المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز بالاستيلاء على القافلة، وفتحركت مجموعتان من الإخوان المسلمين ومدفعان 2رطل بقيادة الملازم أول حسن فهمي عبد المجيد، الذي صوب قذيفتين على عجلتي الونش الأمامي فتعطل الونش وتعطلت القافلة وقفز جميع الراكبين اليهود محاولين الفرار إلى المستعمرة ولكن قوبلوا بنيران الحامية وأبيدوا عن آخرهم وتم سحب جميع العربات المصفحة والونش إلى معسكر النصيرات ومن هذا المعسكر تحركنا إلى معسرك البريج بغزة وهناك تم توزيع الفدائيين إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول بقيادة المقدم أركان حرب محمد زكريا الورداني ومعه النقيب عبد المنعم عبد الرؤوف فاختار المقدم أركان حرب محمد زكريا الوردانيموقع القيادة لنفسه في العوجة وأرسلني لاحتلال العصلوج واستخدامها قاعدة للقيام بعمليات فدائية ضد مستعمرات العدو وطرق تموينه وكان عدد قواتي في العصلوج 74 متطوعا منهم 20 جزائريات و19 ليبيا والباقي من متطوعي الإخوان المسلمين.

وكان من بين هذا العدد طباخان وخبازان وسائقان ولم يكن في هذا العدد أي ضابط مسئول آخر، ولم يكن لدينا أي مدفع مضاد للدبابات والمصفحات والدشم الحصينة.

أما الاتجاه الثاني فكان بقيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز ومعه جميع ضباط الجيش المتطوعين وهم ملازم أول كمال الدين حسين وملازم أول خالد فوزي والاثنان من مدفعية الهاوتزر والملازم أول حسن فهمي عبد المجيد والملازم أول حمدي واصف للشؤون الإدارية ومصطفى كمال صدقي للمخابرات.

ومن ضباط متطوعي الإخوان المسلمين الأخ حسين أحمد حجازي والأخ أحمد لبيب الترجمان والأخ قطني عبد الحميد والأخ محمد كمال عامر والأخ مصطفى جاد وقد تحركوا جميعا إلى بير السبع.

وهناك عهد إلى المجاهد الكبير الأستاذ محمود عبده قيادة الإخوان، والقيام بأعمال حرب عصابات ضد العدو في منطقة بير السبع وما حولها وواصل المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز السير إلى بيت لحم ولحقه معروف الحضري وكانت معه جميع مدافع الهاوتزر وعددها أربعة وجميع المدافع المضادة للدبابات وتمركزوا جميعا هناك.

ويعلق السيد كامل الشريف على هذه المعركة فيقول (عن كتباه ص59) وظل الإخوان طوال فترة الحرب يتذاكرون المثل العليا التي سجلها المجاهدون فيها والتي أعادت للأذهان صورا حية من جهاد الصدر الأول فهذا أحدهم وهو المجاهد محمد سلطان من مجاهدي الشرقية يزحف على بطنه حالما لغما هائلا وهدفه أحد مراكز الحراسة في المستعمرة ينتبه إليه الحراس وهو على قيد خطوات من هدفه فيطلقون عليه رصاصات تصيبه في ذراعه وتعجزه عن المضي في زحفه ولكنه يتحامل على نفسه ويزحف بصعوبة والدماء تنزف من جراحه والرصاص يتناثر من حوله ويظل يجاهد بعناد حتى يقترب من هدفه فيشعل اللغم فيفجر ويدمر مركز الحراسة ويقضي على البطل الفذي ويمضي ليلاقي ربه شهيدا.

وهذا المجاهد «عبد الرحمن عبد الخالق» يقود إحدى جماعات الاقتحام في المعركة ويستمر في قتاله الرائع رغم أوامر الانسحاب التي صدرت إليه فيقول كيف ننسحب وإخواننا في داخل المستعمرة ثم يذكر من معه قول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار﴾ ويظل يقاتل بشدة حتى تصيبه رصاصة قاتلة في رأسه لتضع اسمه في عداد الشهداء الخالدين.

وهذا مجاهد آخ هو، «عمر عبد الرؤوف» تصيبه رصاصة في صدره فتبدو على وجهه ابتسامة مشرقة ويهتف بمن حوله «أترون ما أرى؟ ثم يأخذ نفسا طويلا، ويقول هذه هي الجنة .. إنني أراها وأشم رائحتها» ثم يلفظ أنفاسه الطاهرة ليمضي إلى جنة ربه الموعودة.

ولكن شهيد من شهداء هذه المعركة قصة في البطولة لا يزال إخوانهم الأحياء يرددونها بمزيد من الإعجاب والتقدير. (ويقول في ص62):

قلنا أن تجربتنا مع كفار ديروم قد انتهت بنا إلى أننا لظروف تدريبنا وعددنا وأسلحتنا لم نستطع أن هاجم المستعمرات المحصنة وأن خطتنا المقبلة كانت ستتضح في أكثر من مكان من هذه المذكرات:

أولا: استدراج سكان المستعمرات للأرض المكشوفة وإرغامهم على القتال فيها.

ثانيا: فرض الحصار والعزل على المستعمرات وإرهاقها بأعمال الإزعاج والقناصة ولقد سلكنا لتحقيق هذين الهدفين سبلا شتى منها قطع طرق المواصلات وإقامة الكمائن ونسف أنابيب المياه وضرب المشاريع والمنشآت المنعزلة وكان طبيعيا أن ينظم العدو غارات على مراكزنا المتقدمة في النقب وكانت تلك هي الفرصة التي نريدها ونهدف إليها، ومع هذه الحركات أصبح النقب الجنوبي في مثلث واسع قاعدته تمتد من غزة إلى رفح ورأسه عند بئر السبع ميدانا لمعارك مستمرة ليلا ونهارا وكنا سعداء بهذه «الحرب الخاصة» التي كانت كثيرا ما تبدو وكأنها معزولة عن الحرب الواسعة وقليلا ما تتقيد بما طرأ عليها من قيود والتزامات كقرارات الهدنة ووقف إطلاق النار.

وأما عن مستعمرة كفار ديروم فقد ألزمناها بحصار محكم وإزعاج مستمر طيلة بضعة شهور ولست أشك أن سكانها تعرضوا لأنواع شتى من الضيق والآلام ولكنهم صمدوا بشجاعة حتى اضطروا لإخلاء المستعمرة في منتصف يوليو عام 1948 وكان ذلك نجاحا بارزا لخطتنا التي تقوم على الحصار من ناحية أخرى وقد شجعنا نجاح الحصار على كفار ديروم إلى فرض حصار مماثل على مستعمرات أخرى مثل (نيريم) و (بيرون إسحاق) أو (المشبة) كما يسميها البدو ولقد حاول العدو في مناسبات عديدة اختراق الحصار بواسطة القوافل المصفحة ولكن النظام إلي وضعناه للإنذار المبكر عن طرق حلفائنا من البدو كان يمنحنا وقتا كافيا للاستعداد وتحضير الكمائن وبث الألغام على طرق المواصلات وفي مرات كثيرة كانت قوافل العدو تقع في هذه الكمائن وتكون سياراتها وأسلحتها وشحنات تموينها غنائم ثمينة كنا في أكثر الأحيان نقدمها هدية لأصدقائنا البدو ولا شك أن هذه المعارك العديدة قد ساعدتنا على تطوير أساليبنا وابتكار وسائل جديدة حسبا لظروف وحين أيقن العدو أن لا أمل له في اختراق الحصار على المستعمرات التي نحاصرها ولا سيما كفار ديروم، لجأ إلى إنزال الإمدادات بالمظلات ولكن نيراننا الأرضية وضيق مساحة المستعمرة كانت تجعل علمية الإنزال غير محكمة وهكذا كانت الصناديق تنزل على رجالنا وعلى العشائر البدوية المجاورة وكأنها موائد مباركة من السماء ولكن هذا الحصار لم يؤت نتائجه المرجوة في احتلال تلك المستعمرات فيما عدا كفار ديروم لأن أكثرهم لم تكن معزولة تماما عن المنطقة اليهودية كما أن الجيش المصري لم يلبث أن تصدع تحت الهجوم اليهودي الشامل مما جعل استمرار الحصار للمستعمرات أمرا غير عملي وغير مجد (وفي ص68 يقول):

قلنا إن الدرس الذي استخلصه الإخوان من معركة ديروم الأولى أن يشرعوا في تنظيم حرب عصابات تشمل صحراء النقب كلها ولقد باشروا تنفيذ هذه الخطة ومضوا يخرجون في عصابات قوية تدمر شبكات المياه وتنصب الكمائن على طرق المواصلات حتى استطاعوا تدمير عدد كبير من المصفحات والسيارات.

ولقد حدث مرة أن قامت قوة مهم بقيادة المجاهد «حسن عبد الغني» بتدمير شبكات المياه بين مستعمرتي «بيي» و«أتكوما» وأباحت أنابيب المياه لأعراب المنطقة ينتزعونها من الأرض تحت حراستهم حتى نزعت من الأنابيب مساحات شاسعة ثم رابطت في المنطقة لتمنع العدو من إصلاحها وصبر اليهود يومين عسى أن تتصرف لشأنها ولكن القوة العنيدة ظلت تواصل تدمير الأنابيب ونزعها والتعرض للمصفحات والقوافل التي تحاول إصلاحها فلم تجد القيادة الإسرائيلية بدا من الدخول في معركة مباشرة فجمعت عددا كبيرا من المصفحات من جميع المستعمرات وأحاطت القوة الصغيرة من جميع الجهات وأخت تقترب منها على أمل أن تظفر بها وثبت الإخوان ثباتا عجيبا وأوقعوا اليهود عددا من القتلى قبل أن يبعثوا في طلب النجدات من معسكراتهم.

وجاءت مصفحات الإخوان وأقامت حول مصفحات العدو الذي سقط في يده حين رأى نفسه محصورا بين نارين، فاضطر إلى طلب نجدات أخرى من المستعمرات القريبة وامتلأ ميدان المعركة بقوات كبيرة من الجانبين واشتد القتال بين الفريقين شدة لم يسبق لها مثيل حتى يئس العدو من زحزحة الإخوان عن موقفهم فأخذ يطلق سحبا من الدخان لستر انسحابه وما كادت أطباق الدخان تناب عن ميدان المعركة حتى سارع الإخوان يجمعون غنائمهم من السلاح ويعودوا لتدمير الأنابيب من جديد.

وأيقن اليهود أنه لا قبل لهم بمواجهة هذه القوات المتفانية في حرب شريفة وحاولوا تسميم آبار يستعملها الإخوان في منطقة «خزاعة» حيث كان المجاهد «نجيب جويفل» يرابط بها بسريته.

ولكن عين الله المبصرة ويقظة الإخوان مكنتهم من اكتشاف الجريمة قبل وقوعها وذلك أنهم لمحوا رجلين يرتديان الملابس العربية ويتظاهران باستجلاء الماء وكان منظرهما يدعو إلى الريبة، فاقترب منهم الجندي الحارس وأمرهما بالوقوف فلاذا بالفرار فتعقبهما الجندي الحارس وعدد من إخوانه حتى أدركوهما ولم يبق بينهما إلا خطوات وأمروهما بالتسليم مهددين إياهما بإطلاق النار، فرفعا أيديهما بالتسليم، وحين اقترب الإخوان منهما انبطحا على الأرض في سرعة، وقذفا على المهاجمين عددا من القنابل اليدوية وأسرع الإخوان بملاصقة الأرض ثم أطلقوا عليهما النار فأردوهما قتيلين (في صفحة 70 يقول):

وكان الواجب يحتم علينا منذ شرعنا في تنظيم حرب العصابات أن نتعاون مع أعراب المنطقة غير أن الإشاعات التي كانت الدعاية اليهودية ترددها عن خيانة هؤلاء البدو ومدى تعاونهم مع العدو وقفت سدا منيعا دون ذلك التعاون المنشود ولم نكن نستطيع العمل في هذه المناطق دون أن نبين مدى صحة هذه الإشاعات ودون أن حيل بدو هذه المنطقة إلى قوة متعاونة معنا على الهدف والغاية ولقد قمنا بمحاولات كبيرة إزاء هذه المشكلة أثبتها في هذا البحث كأساس لما جنيناه من نتائج.

بعثنا عددا من دوريات الاستكشاف وذهبت بصحبة الإخوان المسئولين أكثر من مرة، فخيل إلينا أن هناك شبه تعاون فعلا بين اليهود وبدو تلك المناطق فهذه المصفحات اليهودية تنتقل بين المستعمرات بحرية وأمان، وتمر على خطوات من مضارب البدو خيامهم دون أن يتعرضوا لها بشيء من الأذى، ولم تمض إلا أيام حتى فهمنا السبب فبطل العجب وعلمنا أن الخطأ يقع علينا لا على هؤلاء البدو.

كان اليهود يسترضونهم بشتى السبل ويحيطونهم بكثير من صنوف الرعاية والأغراء فهذه أنابيب المياه تصل إلى خيام البدو في خيامهم ويسامرونهم ويأكلون عندهم العيش والملح ويشاركونهم الأعياد والأفراح.

ولا أنكر أن بعض القبائل الأخرى كانت في حالة حرب مع اليهود من اليوم الأول لهذه الحركات ولكن هذا لا يمنع من تصحيح هذه الأوضاع الفاسدة فبدوي واحد ممالئ لليهود يحدث ثغرة عميقة في خطط الدفاع ويكون أخطر من كتيبة معايدة تقاتلنا وجها لوجه.

لا بد أن تصحح هذه الأوضاع ليعلم البدوي حقيقة هؤلاء الأصدقاء الألداء ولقد جربت البدو بنفسي فوصلت على نتيجة آمنت بها إيماناً عميقا تلك هي أن البدوي لا ينقصه الإيمان بقضيته والتعلق بوطنه، ولكنه في هذه الحالة مضطر لسلوك هذا المسلك فليس لديه السلاح الذي يواجه به قوى اليهود الموزعة في كل قطعة من وطنه وهو في حالة من الفقر لا تسمح له بشراء الأسلحة وقد كانت تساوي مالا كثيرا في ذلك الحين ولا توجد على مقربة منه قوات عربية منظمة تستطيع أن تدفع عنه العدوان وتحمي أولاده وغنمه من هجمات العدو الغادرة.

وإذن فليس الذنب ذنبه، ولكن الجرم يقع على تلك الفئة التي وضعتها الظروف في موضع القيادة من هذه الحرب والذنب بعد ذلك يتركز في الزعامة الشعبية التي لم تكن تكلف نفسها مشقة التجول بين هؤلاء الأعراب وتنظيم حركة المقاومة في مناطقهم وتلقينهم ما يجب عمله إزاء هذه الحالة.

فعلى الذين يتهمون البدو بالخيانة أن يتهموا أنفسهم بالتقصير والتضليل وإذا قارنا بين جهل البدوي المطبق وبين علمهم ومسؤولياتهم وعظم التبعة المعلقة في أعناقهم أمكننا أن نحدد التهمة وأن نضع الأمور في نصابها الصحيح.

أما الذي صنعناه نحن لتصحيح هذا الوضع وإثارة أعراب المنطقة فقد كان من البساطة والسهولة بحيث لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتدبير ذلك أننا أوعزنا إلى بعض شباب الإخوان أن يتسللوا في ظلمة الليل ويبثوا الألغام على الطرق اليهودية القريب من مضارب البدو دون أن يفطن أحد إلى وجودهم ففعلوا وانفجرت الألغام في إحدى القوافل اليهودية ولم يكن العدو في حاجة إلى التفكير ليعلم أن هؤلاء البدو هم واضعوها أو على الأقل مشتركون في وضعها فأخذوا يطلقون عليهم النار بلا حساب وكانت قوة من الإخوان مستعدة على مقربة من هذه المنطقة فأغارت على مؤخرة اليهود وكان طبيعيا أن ينحاز العرب إلى عرب مثلهم وأخذوا يشاركوننا في قتال اليهود حتى أرغموهم على دخول المستعمرات.

وهكذا نجحت الخطة وتحولت هذه القبائل من ذلك الحين إلى قوة معادية لليهود وعرف الإخوان كيف يستغلون ذلك فجندوا عددا كبيرًا من شباب القبائل وأخذوا يدربونهم على استعمار السلاح حتى إذا أتموا تعليمهم وكلوا إليهم الأعمال الخطرة والبدوي بطبيعته مقاتل قوي البأس فوق ما يتمتع به من مزايا تجعله بارعا في الإخفاء التمويه ولقد أظهر هؤلاء الأعراب بعد ذلك إيمانا قويا وتفانيا في العمل وكان لهم أبعد الأثر في نجاح العمليات الخطرة التي اضطلع بها الإخوان بعد ذلك.

ولدق أصبحت هذه القبائل لا تكلفنا شيئا يسيرا من الخيرة وأفراد من الإخوان يوجهونهم وينظمون حركاتهم ولقد تداول على قيادتهم عدد من خيرة شباب الإخوان ممن أبلوا بلاءا حسنا وأظهروا كثيرا من الشجاعة والمقدرة أذكر منهم المجاهدين (نجيب جويفل) و (حسن عبد الغني) و (علي صديق) وغيرهم ممن تركوا أثارا باقية وذكريات طيبة ولا يزال رجال القبائل حتى اليوم يمتدحون سيرتهم ويمجدون ذكراهم. وحين تشعبت أعمال الإخوان واتسعت الجبهات التي يحاربون فيها وزادت القيود التي فرضتها الحكومة لمنع دخول المجاهدين من مصر اضطررنا لتشكيل مجموعات منظمة من رجال القبائل وفتحنا باب الطوع فانهال جموع كبير من شبابهم وفعلا تشكلت منهم عدة (سرايا) وتركنا مهمة تدريبها وإعدادها للأخ (نصر الدين جاد) الذي بذل جهدا مشكورا في تنظيمها حتى صاغ منها قوة استطاعت أن تثبت وجودها وأن تشترك في معارك الإخوان الكبرى ويكون لها أثر كبير في نتائجها العامة.

ولم نترك هذه القبائل لمصيرها بعد أن وصلنا لأقصى ما نريد من نتائج في هذه المنطقة فأقمنا في منطقتهم موقعا (حصينا) للغاية واخترنا لإقامته تلا مرتفعا يشرف على مساحات كبيرة من الأراضي وأحطناه بالأسلاك والألغام وزودناه بالأسلحة والعتاد وكان ضباط الإخوان يتداولون قيادته بنظام ويشرفون منه على تنظيم دوريات مسلحة تخرج بمعونة البدو وتتعرض ويشرفون منه على تنظيم دوريات مسلحة تخرج بمعونة البدو وتتعرض لقوافل التموين اليهودية وتضطرها للدخول في معركة معها تنتهي ختما بتدمير غالبية وحداتها وقتل كثير ممن فيها.

وتكررت هذه العمليات حتى روع اليهود وصمموا على محو هذا الموقع وتدميره فهاجموه بمصفحاتهم أكثر من مرة غير أنهم لم يفلحوا في اقتحامه كما كانوا يقدرون.

ومما يدل على مدى اهتمامهم به وإضرارهم على احتلاله ذلك الهجوم الذي شنوه صبيحة يوم 19/ 7 وحشدوا له قوات كبيرة من جميع المستعمرات القريبة ومهدوا لهجومهم بضرب شديد من مدفعيتهم ثم تقدموا تحت حماية المصفحات واستطاع الإخوان أن يحيطوا بهم وسط التلال المتناثرة على مقربة من خربة «أبو معيلق» ويوقعوا بهم هزيمة فادحة الخسائر، ويرغموهم على التقهقر بعد تدمير عدد من المصفحات نظير شهيد واحد خسره الإخوان هو المجاهد «سيد حجازي» وعدد من الجرحى منهم قائد الموقع في تلك الفترة المجاهد «محمد الفلاحجي» من إخوان الدقهلية.

لقد كان هذا الموقع بمثابة صورة بدائية لمستعمرة محصنة وكان الهدف منه كما أسلفنا- هو تثبيت القبائل البدوية في أماكن سكناها حتى لا تهاجر تحت عامل الخوف فتصبح المنطقة كلها تابعة لليهود دون قتال، ولقد كنت شديد الاهتمام بقضية إبقاء العرب في النقب اعتقادا مني أن جلاءهم عن أرضيهم وفرارهم يعني تسليمها للعدو ويعني أن تمتد رقعة المستعمرات ويصبح بإمكان الوحدات الإسرائيلية فيها أن تنتقل بحرية وأمان وأن تتجمع قواها لتساهم في المعارك الرئيسية ضد الجيش النظامي.

معركة العصلوج

يرويها عبد المنعم عبد الرؤوف في ذكرياته ص53 وما بعد:

تقع قرية العصلوج (نسبة إلى بئر العصلوج) في وسط صحراء النقب الجنوبي ويؤم هذه البئر رعاة الأغنام والإبل للشرب وملء القرب والفناطيس، وهي غير أهلة بالسكان مع وجود مسجد صغير بمئذنة، وكل ما عدا ذلك تلال وجبال ورمال وبقايا ثكنات الانتداب البريطاني.

وتأتي أهمية هذه القرية من بئر المياه والطريق البري الذي يمتد في وسطها إلى بير السبع، والخليل والقدس ونابلس وصفد حتى الناقورة ويمتد منها غربا وادي غزة حتى البحر الأبيض المتوسط وشرقا إلى وادي الأردن، ولذلك فهي تمثل موقعا استراتيجيا هاما.

وكان موقع قواتي في العصلوج يبعد مسافة خمسين كيلو مترا عن العوجة على الحدود المصرية حيث موقع المقدم أركان حرب زكريا الورداني القائد الثاني للمتطوعين وكل ما كان معه عربة إسعاف واحدة وبعض الجنود للصيانة ولوريان لنقل التموين والمياه كل أسبوع لنا وليس معه أي قوات مقاتلة، كما تبعد العصلوج 65 كيلو مترا وعن مدينة بيت لحم حيث توجد القيادة العليا للمتطوعين بقيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز مسافة 120كيلو مترا، ولم تكن لدي قواتي أجهزة اتصال لا سلكية بيني وبين القيادات العليا في بيت لحم، وبمجرد وصولي في 10/ 5/ 1948 إلى منطقة العصلوج قمت باحتلال موقع دفاعي وإجراء استكشاف في جميع الاتجاهات لمعرفة المستعمرات اليهودية القريبة وطرق معادية وكثرة الحركة حولها وتفوق العدو في المصفحات والأفراد وسهولة إمدادته وتموينه..

أما قواتي فلم يكن لديها مدفعية مضادة للدبابات أو الطائرات أو مدفعية ميدان، وكانت حاجتي للألغام سواء المضادة للأفراد أو الدبابات ملحة، والمتيسر منها قليل جدا.

وواجهتني صعوبة كبيرة في أعمال الصيانة وتوفير المواد التموينية ولذلك قمت بإرسال 6 تقارير كتابية إلى المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز عن طريق القائد الثاني الموجود بالعوجة، وكان كل ما وصلني من القيادة النقيب حسن فهمي عبد المجيد الذي حضر ومعه مدفعان مضادان للدبابات، وهما كل ما لدي قيادة المتطوعين وأمضى معه أربع ساعات في استكشاف الطرق المحيطة بنا وشاهد بنفسه سير مصفحات العدو وعاد إلى القيادة في بيت لحم ومعه المدفعان.

وفي أحد الأيام جاءني رجل بدوي فلسطيني اسمه عقيل ومعه أربعة ألغام مضادة للمصفحات وأبلغني أنه وجدها مبثوثة في الرمال التي جرفتها الرياح عن الطريق القادم من العوجة، وقد تمكن من إبطال مفعولها فشكرته ووعدني بأن يبذل كل ما في وسعه لمساعدتي.

مع قائد سلاح الحدود

وكنت أعلم مسبقا أن قائد السلاح الحدود أحمد سالم باشا، ومعه المقدم أركان حرب محمود رياض الأمين العام لجامعة الدول العربية فيما بعد) سميران بي في اليوم التالي فأخبرتهما بقصة ذلك الأعرابي فرغبا في زيارته، وأعطاني محمود رياض مبلغا من المال لكي أعطيه لذلك الأعرابي وقمت بشرح جميع جوانب موقفي العسكري واحتيجات قواتي الضرورية وقد وعداني بإبلاغ ذلك إلى القيادة.

وكانت خطتي لمقاتلة العدو والدفاع عن العصلوج كالآتي:

أ‌- كمائن ليلية ضد دبابات ومصفحات ومشاة العدو.

ب‌- نقطة ملاحظة للإبلاغ عن تحركات العدو أولا بأول لمعرفة نواياه.


ت‌- احتلال الموقع الحيوي في العصلوج المشرف على الطريق البري شمالا إلى بير السبع وجنوبا إلى العوجة.

ث‌- احتلال مئذنة مسجد العصلوج بحملة القنابل اليدوية للضرب على أية تجمعات للعدو تنجح في التسلل إلى العصلوج.


وفي أحد الأيام في شهر مايو عام 1948 فوجئت بوصول سيارة من قيادة المتطوعين تحمل أمرا بإرسال المتطوعين الجزائريين وعددهم عشرون جنديا إلى مقر قيادة المقدم أركان حرب أحمد عبد العزيز وبمجرد تنفيذي لهذا الأمر طلب مني الجنود الليبيون اللحاق بإخوانهم الجزائريين، بحجة أن احتمال مقاتلة العدو اليهودي هناك في بيت لحم أكثر مما هو في العصلوج فكان ردي أن مقاتلة العدو هنا أو هناك قد تحدث في أي لحظة وأن حاجتي إليهم الآن خصوصا بعد سفر الجنود الجزائريين هي بالتأكيد أكثر ضرورة وأن أجرهم عند الله سيكون أكبر نظرا لقسوة الحياة في العصلوج.

ولكن نصائحي لم تلق عندهم آذانا مصغية وامتنعوا عن الاشتراك معنا في أي شيء بما فيه أداء واجبهم في خطة الدفاع وهو احتلال الموقع الحيوي للدفاع عن العصلوج.

اشتباك واستشهاد:

وفي الساعة الثامنة من مساء يوم 11/ 6/ 1948 وهو يوم الهدنة الأولى عدت من المرور على الكمائن فسمعت أصوات انفجارات وأصوات رشاشات وجاءني أحد المراقبين من المئذنة وأخبرني أن هذه النيران هي من مواقع كمائننا وتلاه آخر من أحد الكمائن يؤيد ذلك، فتيقنت أن المعركة مع العدو قد آذنت، وبعد عدة ساعات اشتبكت قواتي القليلة العدد مع العدو بقواته الكثيرة العدد والعتاد وقد شاهدت بنفسي استشهاد الجنود الليبيين عندما أطلق عليهم المستللون النار من الخلف.

كما شاهدت عشرات القتلى من العدو الذين لقوا مصرعهم من أثر القنابل التي قذفت عليهم من المئذنة وكان آخر موقع انتقلت إليه أثناء المعركة هو بقايا جدران غرفتين في ثكنات الجيش البريطاني وقد حدث أثناء وجودي داخل إحدى الغرفتين أن دخل أحد جنود العدو ليفتش المكان فألقى قنبلة يدوية أثارت بعد انفجارها سحابة من الدخان وبالتالي أخفتني ومعي جنديان أحدهما يدعى محمد منصور من متطوعي الإخوان المسلمين شعبة العباسية وبعد انفجار القنبلة دخل اليهودي وفتش الغرفة الأولى بإطلاق طلقات سريعة في كل اتجاه من رشاشه، ثم خرج وسمعته يعيد تعمير رشاشه ويتكلم مع بعض زملائه.

وقد بزغ الفجر حينئذ فرأيت أشلاء القتلى للعدو تحت المئذنة، ورأينا جنود العدو يخلون المكان ويحملون جرحاهم في سيارات الإسعاف، ورأينا عشرات العربات المعادية تملأ الأرض العصلوج.

وقد استشهد ثلاثة من قواتي التي كانت بالمئذنة وهم:

الأخ عبد الوهاب البتانوني من إخوان طنطا.

والأخ محمد زكي من إخوان حلوان.

والأخ محمود حامد ماهر من إخوان القاهرة.

الانسحاب من العصلوج:

من بقايا آخر موقع انتقلت إليه حددت طريق الانسحاب للجنديين اللذين كانا معي وهو التحرك على وثبتين والوثبة الأولى على مسافة 200 ياردة مني، والوثبة الثانية على مسافة 300 ياردة من الوثبة الأولى على أن نزحف على بطوننا بفاصل خمسة دقائق بين كل واحد والآخر مبتدئا بنفسي.

وبدأنا التنفيذ بعد غروب الشمس مباشرة وقبيل وصولي للوثبة الأولى وهي عامود تليفون شاهدت على يميني شخصين يتحركان وكانت طبنجتي في يدي فحولت فوهتها ببطئ وحذر نحوهما وضغطت على التتك فلم تنطلق الرصاصة (أسلحة فاسدة) فأخرجت خنجري بسرعة واندفعت بقوة نحو أقربهما مني لأقتله وإذا بصوت باللغة العربية يستنجد مناديا: حضرة اليوزباشي لتعريفي بأنه محمود منصور الذي كان معي في الموقع فخارت قواي وحمدت الله كثيرا.

ولما سألته: لماذا تحرك هو ورفيقه قبل مضي الدقائق الخمس كان جوابه هو أنهما خشيا أن يضلا الطريق لأنني الوحيد الذي على دراية كاملة بمسالك المنطقة وقد نفذا الانسحاب للوثبتين الأولى والثانية حسب الأوامر الصادرة إلهما مني في البداية وبعد أن تجمعنا عند الأسلاك زحفنا مسافة أخرى حتى ابتعدنا تماما عن العصلوج.

وأكملنا السير بعد ذلك في اتجاه العوجة حتى بزوغ فجر اليوم التالي فوجدنا أنفسنا قريبين من أحد مضارب البدو الذي كان مهجورا من صاحبة الذي تركه وبه إناء من الصفيح به نصف كوب من الماء وكان العطش قد بلغ بنا أشده، وكنا أثناء انسحابنا ليلا وقبل وصولنا لهذه الخيمة نرطب ألسنتا بطل الندي الذي كان يكسو لزلط عند الفجر، فاقتسمنا الماء نحن الثلاثة.

ثم أكملنا السير بعد ذلك وعند أذان العصر وصلنا إلى خيمة بدوي فلسطيني آخر رحب بنا وذبح لنا دجاجة، وأرسل ابنه على جواد إلى قائد ثاني المتطوعين بالعوجة الذي أرسل لنا سيارة نقلتنا إليها.

استجواب:

توافد إلى العوجة وبير السبع جميع أفراد الكمائن الذين حاربوا معي في العصلوج بعد أن استطاعوا تدمير إحدى عشرة مصفحة إحدى عتشرة مصفحة بأفرادها وأما الجنود الثلاثة الذين كانوا فوق المئذنة فقد استشهدوا كما ذكرت بعد أن أنزلوا بالعدو خسائر كبيرة بالأفراد من أثر القنابل اليدوية التي ألقوها عليه.

وقد وجه له قائد الجيش اللواء المواوي بك السؤال التالي:

ما أسباب هزيمتك في العصلوج؟؟

فكان جوابي ما سبق أن كتبته في تقاريري الستة، وما قلته لمدير الحدود أحمد سالم باشا عند مروره بي في العصلوج قبيل المعركة وألخصها في الآتي:

1- وجود عدة طرق مؤدية إلى العصلوج خالية من الكمائن لقلة الأفراد خاصة بعد سحب القوات الجزائرية وإضراب القوات الليبية.

2- عدو وجود قوات خاصة مزودة بأسلحة خفيفة مضادة للمصفحات للقيام بالهجوم المضاد.

3- سوء الشؤون الإدارية بمعنى نقص المياه للاستحمام والشرب والغسيل وعدم وجود نظارات لوقاية العيون من العواصف الرملية فضلا عن تعرض الجنود طوال النهار للهيب الشمس الحارقة، كذلك عدم وجود أطعمة طازجة مطهية.


4- خفة حركة العدو مع البطء الشديد في حركتي.

وكذلك أبلغت سيادته إعادتي إلى الجيش فتم نقلي إلى الكتيبة الرابعة مشاة بقيادة العقيد أركان حرب محمد كامل الرحماني بطل معركة نيتسليم.

مع أحمد عبد العزيز في جولته

(كامل الشريف)

كانت خطة أحمد عبد العزيز مهاجمة المستعمرات اليهودية وكان يريد أن يسلك السبيل الخاطئ الذي سارت فيه قوات الإخوان الحرة من قبل، ولقد اتصل به الأستاذ «محمد فرغلي» وبين له خطورة هذا الإجراء متخذا من كارثة الإخوان في كفار ديروم مثلا لما يقول، لكن هذه النصائح لم تجد سبيلها في نفس أحمد عبد العزيز وعز عليها أن يتراجع في أمر أبرمه فصمم على مهاجمتها وقدر له أن يتلقى على يدها درسا قاسيا دفع ثمنه الفادح من خيرة شباب الإخوان وزهرة رجالهم.

اتجه تفكير أحمد عبد العزيز إلى مهاجمة مستعمرة (كفار ديروم) أول المستعمرات وأقربها إلى طرق المواصلات فبدأ في 10 مايو بإرسال دورياته لتحصل على معلومات تكون أساس لخطته حتى إذا تم له ما أراد نظم الخطة وكانت كلها تدور على أن مدفعيته الضخمة ستدك الأبراج والحصون ولن يجد مشاته أحدا في قلب المستعمرة لأن حماتها سيكونون جميعا تحت الأنقاض وكانت خطته بإيجاز تقضي بأن تبدأ المدفعية في دك الحصون في الساعة الثانية صباحا لمدة عشرة دقائق يبدأ المدفعية في دك الحصون في الساعة الثانية صباحا لمدة عشر دقائق، يبدأ الفدائيون بعدها في نسف حقول الألغام ومواقع الأسلاك الشائكة ثم تهاجم المشاة المستعمرة من ثلاث جهات لتتم تطهيرها واحتلالها.

وأترك وصف هذه المعركة للأخ المجاهد (أحمد لبيب الترجمان) أحد قواد الإخوان في الميدان وقائد جماعات الاقتحام في هذه المعركة.

قال الأخ لبيب: إن أول الأخطاء التي تورطنا فيها كان تأخير الهجوم عن موعده المقرر فبدل أن تبدأ المدفعية ضربها في الساعة الثانية بدأت في الساعة الرابعة والنصف حين وضع النهار وأصبح في مقدور العدو مراقبة المهاجمين وحصدهم بالبنادق والرشاشات.

أما لماذا تأخر ضرب المدفعية فكان العذر أقبح من الذنب ذلك أن الضابط المختص لم يسجل الأغراض التي تقرر ضربها بالنهار، ليسهل عليه ضربها بالليل، مما اضطره إلى تأخير الضرب حتى يسفر النهار وتتضح الأغراض وانطلقت المدافع بعشرات القنابل واستمرت الأبراج لا تتزعزع، وحينئذ وضح أمامنا أن الخطة فاشلة وأن الهجوم لو استمر فسيتحول لكارثة مروعة، وحاولنا تأجيل الهجوم ليوم آخر أو تحوير الخطة بحيث تتلاءم والأوضاع الجديدة ولكن الأوامر صدرت بمواصلة الزحف واحتلال المستعمرة وأطبقت المدفعية الكبيرة أفواهها وانطلقت مدافع الهاون تلف المستعمرة بسحابة من الدخان.

وبدأ المجاهدون يزحفون إلى أغراضهم والعدو الماكر يغري بالتقدم حتى أصبحنا على الأسلاك والمستعمرة لا تزال هادئة ساكنة وفجأة تشققت الأرض عن عيون كثيرة وانسابت سيول دافقة من النيران وتساقط المجاهدون حتى امتلأت الساحة بالجرحى والشهداء.

وكان مقررا أن يدمر الفدائيون الأسلاك الشائكة بألغام (البنجالور) غير أن حملتها أصيبوا جميعا ورأينا أنفسنا في وضع حرج ونيران العدو لا تزال تشق طريقها في الجموع العارية فجأة تقدم شاب أسمر طويل وصاح في إخوانه ليتراجعوا إلى الوراء وتراجعت الجموع قليلا للوراء فقذف الشباب بنفسه على الأسلاك الشائكة المشحونة بالألغام فانفجرت وتطايرت الأسلاك الشائكة وتطاير جسده معها أشلاء ممزقة وفتحت السماء أبوابها لتستقبل ضيفا جديدا كان أهل الدنيا يعرفونه باسم (عمر عثمان بلال) وقضي على البطل الجريء ولكن بعد أن حقق المعجزة وفتح لإخوانه ممرا في الأسلاك وفرجة لهم بدمه الطاهر، وتدفقت الجموع إلى المستعمرة وأخذت تحتمي من نيران العدو بحفر القنابل وخنادق المواصلات ورأى العدو ذلك فجن جنونه وأخذ يركز الضرب على هذه الثغرة وانطلقت مدافعه ورشاشاته تقيم أمامها سدا كثيفا من النار والبارود، فارتبكت الجموع مرة أخرى ووجدها العدو فرصة سانحة فشدد النكير وفجأة وصلت المهزلة إلى آخر مراحلها إذا انطلقت مدفعيتنا من الخلف وبدل أن تصب نيرانها على اليهود المختبئين في المستعمرة أصابت المجاهدين الزاحفين حولها وتسبب هذا الخطأ الشنيع في قتل عدد كبير وكان طبيعيا أن يحل الذعر وتنهار الروح المعنوية وتتوقف المعركة عند هذه النهاية الدامية، وتفتح الجنة أبوابها لتستقبل سبعين ضيفا جديدا من خيرة شباب مصر، وتستعد مستشفيات (غزة) و (القاهرة) لتستقبل خمسين جريحا من جرحى هذه المعركة.

وكان ممن جرح فيه اليوزباشي البطل «معروف الحضري» فحمله الإخوان من داخل المستعمرة حيث رحل للعلاج في القاهرة وقبل أن يتماثل للشفاء عاد ليواصل جهاده ويلعب دورا هاما على مسرح الحرب.

ولا أنتهي من الحديث عن هذه المعركة بالذات دون أن أسجل خطأ فاحشا وقع فيه المسؤولون عنها ذلك أنهم تركوا الشهداء والجرحى حول المستعمرة دون أن يعملوا على نقلهم مما أثر تأثيرا بعيدا في نفوس المجاهدين ولكي أصور فداحة هذا الخطأ يكفي أن أقول أن جثث الشهداء الأبرار ظلت ملقاة حول المستعمرة أكثر من شهر حتى استطاع كاتب هذه السطور بمعونة نفر من إخوانهم نقلهم حين أعلنت الهدنة في 18 يونيو.

انتهت معركة (كفار ديروم) على هذه الصورة، ولم يكن أحمد عبد العزيز من شهودها إذ كان يتلقي أنباءها أولا بأول من مقر قيادة في (خان يونس) وحين تلقى هذا النبأ جزع جزعا شديدا وألم لفقد هذا العدد الضخم من خيرة رجاله دون أن يحقق أنى نتيجة فصمم على أن يوقع باليهود ضربة قاتلة وما كان إلا يومان حتى واتته الفرصة ولم يضيعها ولقن اليهود درسا مرا وأعاد لقوته روحها المعنوية التي كادت أن تتلاشى بعد هزيمتها في (كفار ديروم).

ضرب المجاهدون حصارا محكما حول المستعمرة وفي اليوم التالي للمعركة حاول العدو تحطيم هذا الحصار وإدخال قافلة كبيرة محملة بالجنود والعتاد، وكانت هي الفرصة التي ينتظرها أحمد عبد العزيز ويسيل لها لعابه فنظم لها كمينا محكما وحشد مدافعه على سفوح التلال المشرقة على الطريق وحين دخلت في الدائرة التي رسمها أمر اليوزباشي «حسن فهمي» قائد مدفعيته فانطلقت المدافع من أبعاد قريبة، وحاول اليهود الدفاع عن أنفسهم بادئ الأمر ولكنهم وجدوا أنفسهم محصورين داخل حلقة فولاذية، فاختاروا أهون الضررين وقذفوا أنفسهم في المصفحات وحاولوا النجاة بأرواحهم والفرار إلى مستعمرة (كفار ديروم).

وكان هذه خطوة محسوبا حسابها في الخطة، إذ كان الأخ المجاهد «علي صديق» يوقد فصيلة من المشاة مختبئة بعناية وراء التلال القريبة، فلم يكد اليهود ينزلون من المصفحات ويتحركون تجاه المستعمرة حتى انطلقت الرشاشات من كل صوب فحصدتهم حصدا ولم ينج منهم أحد.

وحاول حماة المستعمرة نجدة إخوانهم وتركهم الإخوان يغادرون الأسلاك الشائكة ويبتعدون عنها ثم بدأوا يطلقون عليهم النار من «أوكار» معدة بعناية حتى سقط منهم عدد كبير، وتراجع الباقون إلى المستعمرة وسكتت المدفعية وأطبقت الرشاشات أفواهها الملتهبة، وأخذ المجاهدون يحصون ما غنموه فإذا هم أمام خمس عشرة مصفحة ضخمة مشحونة بأحدث طراز من الأسلحة والذخائر ومواد التموين ولأول مرة تعلو وجهوهم ابتسامات الفرح بعد هزيمة الأمس، حين فتحوا إحدى المصفحات فوجدوها مليئة بالدجاج والطيور في مختلف الأنواع والأحجام.

وكان نصرا رائعا رد لهذه الكتيبة المجاهدة اعتبارها، وعوض لها خسارتها وبعد هذه المعركة تغير الموقف واقتنع أحمد عبد العزيز بالنظرة الأولى، وهي أن مهاجمة المستعمرات دون أن يكون معه عدد من الدبابات الثقيلة إن هو لا ضرب من الانتحار، فأخذ يستخدم (تكتيكات) العصابات ويضرب المستعمرات بمدفعيته دون أن يهاجمها ويعترض طريق القوافل المصفحة ويبيدها عن آخرها حتى أزعج اليهود إزعاجا شديدا وحرم عليهم التجول في صحراء النقب وكان مقدرا لهذه الحركة أن تحرز نجاحا رائعا لولا ما جد على الموقف الحربي من أحداث وتطورات.

لقد أشرت إلى قيامي بنقل جثت شهداء الإخوان في كفار ديروم وهذه القصة لا تخلو من الطرافة على الرغم منكآبة المناسبة وجو الحرب المقبض في لك الحين ففي صبيحة يوم 18 يونيو ظهر أحد جنود «الهاجاناه» من كفار ديروم وهو يحمل راية بيضاء وتقدم نحو مواقع المراقبة التابعة لنا وقد أبلغني قائد الموقع بأمره لاسلكيا وطلب الإذن باستقباله لمعرفة ما لديه فأذنت له وحين وصل أبلغ رجالنا أنه يحمل رسالة شفوية من قائد المستعمرة مفادها أنه يرغب في الدخول معنا في بحث لإخلاء جثث الإخوان من حول المستعمرة مقابل «شروط معينة» وأن قائده مستعد لمقابلة أي مسئول منا سواء في منطقتنا أو في منطقته لبحث هذا الموضوع الإنساني ولما بلغني الخبر وافقت على الفور على مقابلة قائد المستعمرة وعرضت أن يكون اللقاء عند مستعمرته إذا لم يكن لديهم مانع وتركت لقائد موقعنا أن يحدد مع الرسول بقية التفاصيل التي تتعلق بالوقت والمكان ولم يكن لديهم أي شروط للقاء سوء ألا نحمل معنا أية أسلحة غير الأسلحة الشخصية التي لا تتعدى المسدسات.

والواقع أنني لم أدرك حقيقة المخاطرة التي انطوى عليها ذهابنا للمستعمرة دون أسلحة إلا بعد أن انتهى هذا الاجتماع الطريف ربما لأنني كنت مشوقا لرؤية هذا الحصن القاتل من قريب وربما للتعرف على غريمنا في الجهة المقابلة في جو عادي بعد أن ظل اتصالنا به بواسطة القنابل والرشاشات على أن أهم ما في الموضوع كان في الحقيقة نقل جثت إخواننا الأعزاء ودفنهم دفانا لائقا بعد مرور أسابيع على استشهادهم وفعلا توجهت في الموعد المحدد ومعه أربعة من ضباطنا أحدهم يحسن اللغة الألمانية بعد أن علنا أن قائد المستعمرة من أصل ألماني والواقع أننا لم نحتج للترجمة حين أننا وجدنا أكثر رجال الوفد اليهودي يحسنون اللغة العربية ومع أننا احترامنا وعدنا بعد أخذ أسلحة معنا سوى المسدسات إلا أننا لم ننس أن نحرك بطارية مدافع هارون 108 مم وعددا من المصفحات إلى أماكن قريبة على سبيل الاحتياط فيما إذا تحرك الغدر اليهودي التقليدي ووجدنا أنفسنا مضطرين للدفاع عن حياتنا كان أول سؤال طرحه الضابط اليهودي هو عن مصير بعض الجنود اليهود الذين وقعوا بين أيدينا خلال الاشتباكات السابقة مع القوافل المصفحة وكان جوابي أنه لا يوجد لدينا أسرى وإنما وجدنا فعلا بعض القتلى في داخل السيارات أو على أرض المعركة وأننا قد نقلناهم ودفناهم بصورة عادية، وهنا زعم اليهودي أننا قد أخذناهم أحياء ثم قتلناهم، ودفناهم بصورة عادية وهنا زعم اليهودي أننا قد أخذناهم أحياء ثم قتلناهم وكاد هذا الاتهام الوقح وردي العنيف عليه أن ينهي البحث لولا أنه تصنع الهدوء وعرض أن نضع على القبور اليهودية «نجمة داوود» وهو شعار إسرائيل ولكنني رفضت هذا الطلب وعرضت أن نضع عليهم علامات مميزة حتى يمكن التعرف عليهم ونقلهم في نهاية الحرب فوافق على هذا العرض وكان مطلبه الثاني هو السماح لقافلة تموين بالوصول إلى المستعمرة مقابل السماح لنا بنقل الجثث فرفضت هذا الطلب فورا باعتباره يخرج عن مهمتي وعن الطبيعة الإنسانية المحضة التي جئت من أجلها، فلم يطرق هذا الموضوع مرة أخرى، ويبدو أن سكان المستعمرة كانوا لا يقلون عنا حرصًا على نقل الجثث من أرض المعركة مخافة أن تسبب لهم الأمراض فوافقوا على مطلبنا على أن ننقلهم دفعة واحدة في وقت معين، وعلى أن يكون الأفراد الذين ستوكل إليهم هذه المهمة غير مسلحين. وفي بعض اللحظات أدرك اليهودي أنني أكثر من النظر في المستعمرة وما يحيط بها من أسلاك وأبراج وكأنه أدرك ما يدور في خاطري فلفت انتباهي بأدب قائلا: «ألا تعتقد أن المنظر في الجهة العكسية أجمل وأفسح» وخلال الحديث قدم لي قائد المستعمرة أحد مرافقيه الضباط وهو من أصل روسي واسمه «آصف» قائلا: إن هذا الضابط هو الذي حاول قبل بضعة أيام اختراق الحصار على رأس فصيل من هاجناه ولكن نيران رشاشاتنا ردته فاشلا، فقلت أن وجوده معنا الآن يدل على أنه محظوظ فعلا ونصحته بألا يحاول اللعب بالنار مرة أخرى!! وأذكر أنه محظوظ فعلا ونصحته بألا يحاول اللعب بالنار مرة أخرى وأذكر أن الحديث بعد ذلك تحول إلى مبارزة كلامية وتهديدات مبطنة ومحاولات مستترة لكسر المعنويات وإثارة المخاوف وفي ختام الجلسة قال له أحد الإخوان مازحا «إنكم يهود حقا فلم تقدموا لنا شايا ولا قهوة ولو جئتم عندنا لأكرمناكم» فرد اليهودي قائلا «أنكم تحاصروننا منذ بضعة شهور فمن أين لنا القهوة والشاي؟ ثم أن مدافعكم أمس دمرت مطبخ المستعمرة وأتلفت الموقد الوحيد لدينا» وكان تعليقي على هذه المحاورة المازحة أن هذه الأخبار هي عندي أهم من القهوة والشاي وفي العودة من كفار ديروم انتابني شعور غريب وأنا أعبر عن نفسي الأرض التي عبرتها قبل شهور زحفا على البطن والرصاص يلفح وجهي كأنه صفير الأبالسة والواقع أننا لم نحول العودة إلى «كفار ديروم» حربا وإنما عدنا إليها في منتصف يوليو بعد أن أفلحت خطة الحصار في إنهاك قوتها واقتنعت القيادة الإسرائيلية بسحب وحدة الهجاناة من هناك.

وفي اليوم التالي أرسلنا بضع سيارات لنقل جثث الشهداء بعد أن أعددنا لهم مدافن في(مقبرة الإخوان المسلمين القائمة على أحد التلال المشرفة على قرية دير البلح) وتم الدفن فعلا في حفل رسمي حضره وجهاء البلدة والقرى المجاورة.

بعد هذه الحوادث بدأت القوى المصرية النظامية تزحف على فلسطين بقيادة اللواء «أحمد محمد علي المواوي» واحتلت في زحفها السريع كثيرا من المدن الساحلية ثم توقفت في «غزة» لتنسق عملياتها المقبلة وكان مفروضا أن تبدأ التنسيق بتوحيد القيادة في الجبهة المصرية ويبدأ التعاون الفعلي بين قوات الجيش وقوات المتطوعين وكان من رأي «المواوي » أن يخضع أحمد عبد العزيز لقيادة الجيش العامة تنسيقا للعمل وتوحيدا للجهد وكان يريد أن يجعل من كتيبته (قوة ضاربة) ترافق الجيش في عملياته.

غير أن أحمد عبد العزيز رفض هذه الفكرة وأصر على أن يستقل بالعمل بحجة أنه يقود جماعات من المتطوعين لا يلتزمون بالأوضاع العسكرية التي يلتزم بها الجيش النظامي. وأخيرا رأى «المواوي» حسما للنزاع أن يتولى أحمد عبد العزيز قيادة منطقة (بئر السبع) على ألا يتجاوزها شمالا فيدافع بذلك عن مفتاح فلسطين الشرقي ويوزع قوات العدو بين جبهتين واسعتين ويحمي ميمنة الجيش المصري من خطر الإلتفاف.

وقبل أحمد عبد العزيز هذا الرأي فجمع قواته واخترق بهم صحراء النقب مارا بمستعمرة (العمارة) حيث ضربها بمدفعيته في 17 مايو ودخل بئر السبع حيث قابله السكان مقابلة رائعة ولم يكد يستقر بها حتى بدأ أول حركاته بضرب مستعمرة (بيت إيشل) الحضينة ثم شرع في توزيع قوته على هذه المنطقة فأرسل جزءا بقيادة البكباشي «زكريا الورداني» ليحتل (العوجة) و (العصلوج) العربيتين وأبقى جزءا آخر بقيادة اليوزباشي «محمود عبده» ليتولى الدفاع عن مدينة (بئر السبع) ومنطقتها.

أما هو فقد أتخذ قيادته في المدينة وأخذ يرسم الخطط لمهاجمة اليهود في كل مكان من الصحراء وبدا أن الخلاف فقد انتهى عند هذا الحد وحل محله التعاون والانسجام لولا أن جاء وفد من مدينة (الخليل) في 19 مايو وقابل أحمد عبد العزيز والتمس منه إرسال جزء من قواته للاشتراك مع الجيش الأردني في الدفاع عن الخليل وبيت لحم وهنا نجد أحمد عبد العزيز يوافق على توزيع قوته ويقرر الزحف إلى الخليل غير عابئ بالتعليمات التي اتفق عليها مع القائد العام وغير عابئ بما قد تجره هذه الخطوة من مشاكل سياسية إذ أن هذه المناطق كانت تدخل ضمن الجبهة الأردنية حسب الخطة العربية العامة.

وفي يوم 20 مايو زحف أحمد عبد العزيز إلى الخليل على رأس قوة صغيرة تاركا مهمة الدفاع عن (مدينة بئر السبع) ومنطقتها لليوزباشي «محمود عبده» وفصائل الإخوان المسلمين التي تعمل تحت قيادته ولندع أحمد عبد العزيز يواصل زحفه إلى الخليل ولقف نحن قليلا مع حماة بئر السبع حيث نشهد طرفا من أعمالهم الرائعة.

قرر اليوزباشي «محمود عبده» محاصرة المستعمرات وانهاك قوى العدو بالغارات المتواصلة على مواصلاته ومراكزه وأخذ يبعث بالدوريات المسلحة لتجوب الصحراء وتعترض طرق القوافل وترغمهما على الفرار تاركة خلفها الكثير من الأسلحة ومعدات الحرب. ولقد حاول اليهود ي 7 مايو توصيل بعض المؤن إلى مستعمراتهم المحصورة وكان الطرق الذي يسلكونه يمر فوق جسر مقام على أحد الوديان العميقة فقرر الإخوان نسف هذا الجسر حين مرور القافلة فوقه.

وفعلا قامت قوة من بئر السبع بقيادة المجاهد «على صديق» وبثت الألغام تحت الجسر واختبأت داخل الشعاب والمنحنيات القريبة ولم يطل به الانتظار إذ تقدمت قافلة العدو وهي جاهلة تماما ما ينتظرها. فما أن توسطت الجسر حتى انفجرت الألغام الهائلة وتطايرت أجزاء الجسر في الهواء وانقلبت مصفحات العدو في الوادي السحيق وانتهز الإخوان الفرصة فقاموا يقتلون كل من تظهر رأسه تحت الردم.

وأسفرت المعركة عن قتل عدد من جنود الأعداء، وأسر عدد آخر من المصفحات أطلق الإخوان على أكبرها اسم قائدهم (محمود عبده) وكما أرهب محمود عبده (الضباط) اليهود بخططه وكمائنه فقد أرهبت محمود عبده (المصحفة) اليهود بعد ذلك حين كانت تشترك عمليا في جميع الدوريات الناجحة .

أما أحمد عبد العزيز والإخوان الذين معه فما كادوا يدخلون مدينة (الخلي) حتى استقبلهم السكان في مظاهرات حاسمة واجتمع الناس بهم في مسجد (الخليل) إبراهيم حيث وقف الأعيان ورؤوس القبائل يرحبون بمقدمهم ويبدون سرورهم البالغ لدخول هذه النوع المؤمن من المجاهدين إلى ديارهم وما كاد الجمع ينفض حتى ركب أحمد عبد العزيز في دورية إلى مدينة بيت لحم.

ولقد بدأ النزاع بين الأردنيين والمتطوعين في اليوم الأول إذ كانت قوة من الجيش الأردني تحتل المدينة وتتخذ من مركز البوليس فيها قيادة لقوات الاحتلال وكانت هذه القوة ترفع علمها على سارية المركز وأراد المتطوعون أن يرفعوا علمهم فمنعهم الأردنيون بحة أن هذه المدينة تدخل ضمن جبهتهم وبدأ الصراع بين الفريقين وانقسم أهل المدينة إلى معسكرين هذا يشايع المصريين وذاك يشايع الأردنيين ووجدتها عناصر الفتن فرصة سانحة لبذر بذور الجفاء، واستغلها الجنرال «كلوب» أسوأ استغلال فأخذ يوغر صدور المسؤولين في حكومة شرقي الأردن ويتخذ من هذا الموقف دليلا على نوايا مصر إزاء جارتها العربية قرر أحمد عبد العزيز تخفيف القوات التي تركها في العوجة والعصلوج وبئر السبع وسحب معظمها إلى الخليل وبيت لحم حيث أخذ ينظم خطط الدفاع عن المدينتين متخذا مقر قيادته في خندق (وندسور) في أحد أحياء مدينة (بيت لحم) الساحرة.

الدفاع عن بيت لحم

كنت التقي ببعض رؤساء الطوائف المسيحية وأسألهم عن نظرتهم للإخوان وحركتهم وكانت نفسي ترتاح كثيرا حين استمع إلى إجاباتهم وكلها مزيج من الحب والاطمئنان وكيف لا تكون كذلك وهم يرون بأعينهم مقدار الجهود التي يبذلها الإخوان دفاعا عن عرب فلسطين لا يفرقون في ذلك بين عربي ومسيحي، ولقد ظل الإخوان في مدينتهم عاما كاملا دون أن تقع حادثة واحدة من تلك الحوادث التي تقع عادة بين الجنود والمدنيين من أهل البلاد.

كان الجيش العربي الأردني يحتل مدينة «بيت لحم» قبل دخول أحمد عبد العزيز وكان يتخذ مقر قيادته (مار الياس) الواقع شمالي المدينة وكان هذا الجيش مشتبكا مع مستعمرة (رامات راحيل) الواقعة على طريق بيت لحم القدس غير أنه لم يتمكن من اقتحامها وبقيت (رامات راحيل) كما كانت دائما مصدر خطر كبير.

فهي تقع على ربوة عالية، وتتحكم في الطريق الرئيسي الذي يصل بيت لحم بالقدس فوق أن المدافعين عنها يمكنهم مراقبة القوات الموجودة ببيت لحم وإحصاء حركاتها وسكناتها لذلك كله نرى أحمد عبد العزيز يتجه إلى اقتحامها منذ أن هبط أرض المدينة.

ولق بدأ في 24 مايو فأرسل قوة من جنود الإخوان بقيادة (لبيب الترجمان) لتقوم باستكشاف المستعمرة وكتابة تقرير واف عن تحصيناتها وقامت الدورية بعملها خير قيام ونجحت في التسلل إلى مكان قريب من المستعمرة حيث أخذت تراقب تحصيناتها ومواقع الدفاع عنها، وظلت في موضعها يوما كالما حتى فطن اليهود لوجودها وأخذوا يطلقون عليها النار من قمم الأبراج واشتبكت معها الدورية غير أن قائدها أمر بالانسحاب إذ كان هدفه هو «الاستكشاف» فحسب وليس الدخول في معركة مباشرة وحين وصل إلى بيت لحم عكف على كتابة تقريره وضمنه ما وصل إليه من معلومات عن المستعمرة ونقاط القوة والضعف في الدافع عنها وقدمه إلى أحمد عبد العزيز الذي جعله أساسا لخطته المقبلة. كانت الخطة الجديدة لا تختلف كثيرا عن الخطة التي اتبعت في (كفار ديروم) إذ تقرر أن تبدأ المدفعية بقصف الحصون والأبراج ثم يزحف المشاة تحت غلالة من نيران مدفعية (الهاون) وقنابلها الدخانية ثم تتقدم جماعات الفدائيين من حملة ألغام (البنجالور) لنسف العوائق السلكية وحقول الألغام.

غير أن هذه الخطة نجحت في احتلال (رامات راحيل) وكان سر نجاحها أن الأرض المحيطة بالمستعمرة كانت جبلية مليئة بالمنحنيات والفجوات حين كانت الأرض المحيطة بكفار ديروم سهلا منبسطا يمتد إلى مسافات شاسعة.

وفي مساء يوم 26 مايو كان كل شيء هادئا حول مستعمرة (رامات راحيل) وكان جنود (الهاجاناه) فيها ينامون ملئ أجفانهم مطمئنين إلى حصونهم القوية حتى انتصف الليل أو كاد وبدأت أشباح كثيرة تنطلق في مركز رئاسة أحمد عبد العزيز حيث يبتلعها الظلام الكثيف ثم تلتقي في سكون في مناطق مختلفة في الجبال المحيطة بالمستعمرة ثم انطلقت إشارة ضوئية زحف بعدها المجاهدون ثم توقفوا عند نفقط معينة تحددت في الخطط المرسومة.

وعندما دقت ساعة الكنيسة الكبيرة دقتين بعد منتصف الليل ارتجت الأرض تحت دويا لمدافع وتمزقت حدب الليل المظلم ومن وهج القنابل المحرقة التي انقضت كالشهب على المستعمرة الساكنة لو تمض إلى دقائق حتى شبت الحرائق في أكشاكها الخشبية وتفجرت حقول الألغام التي لف بها العدو مستعمرته ثم سكتت المدافع وأصدر ((لبيب الترجمان) أوامره لقواه فبدأت تزحف تحت غلالة كثيفة ن قنابل الهاون المتفجرة وقنابل الدخان وفي المح البصر اندفع الفدائيون يفجرون ألغامهم تحت الأسلاك الشائكة ومن ورائهم فصائل الاقتحام تعبر مسرعة لتحتل الأغراض التي خصصت لها.

وبدأ الاشتباك الرهيب عند الخنادق «والدشم» واستمات اليهود في الدفاع عن مستعمراتهم ولم يضيع الإخوان الوقت فتسلل نفر منهم إلى الأبراج العالية يفجرون تحتها الألغام ويحيلوها أنقاضا وركانا وأثرت هذه الانفجارات المفاجئة تأثيرا سيئا في نفوس المدافعين عن المستعمرة وأسقط في أيديهم فبدأوا يجلبون عبر ممراتهم السرية إلى مستعمرة (تل بيوت) على مقربة من القدس الجديدة.

وعكف المجاهدون على الخنادق يتمون تطهيرها وحين كان آخر يهودي يغادر المستعمرة هاربا كان صوت المؤذن يتهادي مع النسيم من أعلى قمة فوق أعلى برج الله أكبر... الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله.

سقطت المستعمرة أمام هذه الخطة وأخذ الإخوان يجوسون خلال أبنيتها وأبراجها فرأوا ما أذهلهم من الخيرات والمؤن المكدسة إذ كانت هذه المستعمرة هي مركز التموين الذي يشرف على إمداد المستعمرات الواقعة في جنوبي القدس.

وكان عدد القتلى من اليهود في هذه المعركة كبيرا للغاية إذ وجدت تحت الردم ما يزيد على المائتين عدا ما نجح اليهود في أخذه معهم عند انسحابهم أما خسائر الإخوان فلم تتجاوز تسعة من الشهداء والجرحى وشهيدا واحدا من قوة الإخوان الأردنيين، التي كانت ترابط في (صور باهر) بقيادة المجاهد (عبد اللطيف أبو قورة) رئيس الإخوان في عمان.


لم يكن انسحاب اليهود نهائيا من المستعمرة إذ كانوا يبيتون النية لاستردادها وطرد الإخوان منها فصعدت طائراتهم في اليوم التالي تستكشف الحالة فيها فلم تجد إلا عددا قليلا من المجاهدين وكان الخطأ الذي يؤخذ على قيادة المتطوعين أنه لم تعزز الانتصار الذي أحرزته.

ولم توضع الخطة السليمة للمحافظة على المستعمرة وكان عذر أحمد عبد العزيز في هذا الخطأ أن قوته الصغيرة كانت موزعة في خط طويل يمتد من (العوجة) إلى (بيت لحم) وأن أسلحته وذخائره كانت قليلة تافهة ولقد طلب مرارا بتزويده بالسلاح والذخيرة، غير أن «المواوي» ورفض إمداده بها وسبب ذلك كما سمعته من ضباط هذه القوة أن أحمد عبد العزيز تخطى أوامره وتجاوز الحدود التي رسمها له.

وفي اليوم التالي تجمعت قوات يهويدة كبيرة من القدس الجديدة ومستعمرات (تل بيوت) و(أرنونة) فطالب الإخوان بتعزيز القوة وإرسال عدد آخر يشترك معهم في الدافع عن المستعمرة.

لكن القيادة قلبت كفها محتجة بعدم وجود قوات لديها حتى يوم 28 مايو إذ حسم اليهود المعركة فأغاروا بقوات كبيرة قدرت بخمسة آلاف تؤيدها المدفعية والعربات المدرعة واستبسلت القوة الصغيرة من الإخوان في الدفاع على أمل أن تنجدهم القيادة بالقوات اللازمة وطال بهم الانتظار زمنا طويلا دون جدوى فقرروا الانسحاب بعد أن دمرها تدميرا تاما ولم يتركوا فيها بقعة واحدة تصلح للإيواء.

حاصر الإخوان المستعمرة وما جاورها وتولوا الدفاع عن قرية (صور باهر) العربية ولقد حدث في أوائل شهر يوينة أن حلقت طائرة يهويد تحمل أسلة وذخائر وأرادت إلقاءها على (رامات راحيل) وكان الوقت ليلا ورأى الإخوان أن المستعمرة تطلق إشارات حمراء لتدل الطائرة على موضعها فما كان منهم إلا أن أطلقوا إشارات حمراء مشابهة فاختلط الأمر على الطائرة وألقت حمولتها فو (صور باهر) وكانت صناديق ضخمة مليئة بأجزاء المدافع وأنواع الرشاشات الحديثة والأدوية الثمينة.

أراد اليهود تعزيز النصر الذي أحرزوه في ختام معركة (رامات راحيل) فأرسلوا قوة من جنودهم هاجمت الجيش العربي الأردني في مقر قيادته في (دير مار الياس) واضطرته لإخلائه وكان هذا الدير يقع على مقربة من (صور باهر) حيث ترابط فصائل من الإخوان فوق أن احتلاله باليهود كان يؤثر تأثيرا بعيدا في موقف القوات المرابطة في (بيت لحم) فلم يجد الإخوان بدا من معاودة احتلاله، وتقدمت قوة منهم بقيادة المجاهد «حسين حجازي» تعاونه قوة فلسطينية من جيش الجهاد المقدس يقودها المجاهد العربي جاد الله وهاجمت اليهود على غزة واضطرتهم للانسحاب موقعة بهم كثيرا من الخسائر.

وكان هذا النجاح حافزا على القيام بحركة جديدة ذلك أن مستعمرة (تل بيوت) دأتب على إطلاق النيران نم برجها الضخم وتسبب عن ذلك كثير من الخسائر والأضرار مما اضطر أحمد عبد العزيز إلى إصدار أوامره للأخ المجاهد (حسين حجازي) ليتولى تدمير هذا البرج الخطر.

وفي ليلة 4 يونيو انطلقت جماعة من بيت لحم وأحيط انطلاقهم بتكتم كبير حتى أن زملائهم في القوى لم يعلموا حقيقة المهمة التي سيقومون بها حتى لمعت برقة خاطفة أضاءت صفحة السماء وأعقبها انفجار هائل أرتجت له أركان المدينة، وشاهد الناس أحجار البرج الضخم تتناثر في الهواء ثم تتهاوى لتصنع من تراكمها قبرا كبيرا يضم نخبة من رجال الهاجاناة.

ولقد علقت جريدة (أخبار اليوم) في عددها الصادر في 5 يونيو تصف هذه العملية الجريئة فقالت بعد كلام طويل وفي الليل تسلل (حسين) ومعه أربعة جنود.. وزحفوا على الأشواك في صور باهر أربعة كيلو مترات تحت تهديد الرصاص الطائر في الهواء والحيات الزاحفة بين الأحجار.

وقرب الفجر سمعت بيت لحم انفجارا مدويا وتهدمت ثلاث حصون من (تل بيوت)

وفي الصباح عاد (حسين حجازي) ليتلقى تهنئة قائده... ومعها لقب بطل (تل بيوت).

وبينما كان المجاهدون يوجهون ضربات مركزة في كثير من المناطق ويعدون أنفسهم للوثوب على القدس الجديدة إذا بالدول تقبل الهدنة الأولى وتصدر أوامرها لجيشها بوقف إطلاق النار لمدة أربعة أسابيع تبدأ من 11يونية سنة 1948 ولم تكن الهدنة في حقيقتها إلا أسلوبا جديدا ابتكرته هيئة الأمم لمساعدة اليهود وتمكينهم من جلب الأسلحة الثقيلة والذخائر ولقد كان قبولها من جانب العرب إقرارا بالأمر الواقع واعترافا فعليا بقيام إسرائيل .

ولم تقف فائدة الهدنة لليهود عند حد جلب السلاح والعتاد فحسب ولكنها أيضا كانت وسيلة لاحتلا المواقع الهامة إذ أن أغلب المراكز الخطيرة لم يستطع اليهود احتلالها إلا بهجمات غادرة قاموا بها خلال الهدنة وكانت الحجة دائما عند هيئة الأمم وعند حكومة إسرائيل ، أن أصحاب هذه الحركات الغادرة ليسوا إلا عصابات فوضوية متطرفة.

وكانت الدول العربية تصدق هذا الزعم وتشفق على هيبتها وكرامتها أن تجاري عصابات فوضوية وهي الدول المحترمة ذات المركز والسلطان وعن هذا الطريق الوضيع أحتل اليهود أغلب المناطق التي وقعت في أيديهم ولقد نجح الإخوان في تكبيل المستعمرات اليهودية حول «بئر السبع» عن طريق الدوريات الكثيرة التي كانوا يبعثون بها وعن طريق المواقع الحاكمة التي احتلوها على طرق المواصلات فحاول اليهود اغتنام الهدنة كعادتهم دائما وهاجموا قرية (العصلوج) حيث كانت ترابط قوة صغيرة يقودها اليوزباشي (عبد المنعم عبد الرؤوف).

ولم تصمد القوة الصغيرة طويلا أمام هذا الهجوم المباغت فتسرب أفرادها إلى الصحراء مذعورين حين رأوا أنفسهم أمام قوات كبيرة من العدو تؤديها حشود من المدرعات والمدفعية ومما يذكر في هذه المعركة أن ثلاثة من الإخوان هم المجاهدون رشاد زكي ومحمود حامد ماهر وعبد الله البتانوني من إخوان القاهرة كان القائد وكل إليهم مهمة حراسة مخازن الذخيرة وكانت المخازن مليئة بالأسلحة والذخائر إذ كانت هذه القرية هي مستودع الذخيرة التي يمون المنطقة وأفاق المجاهدون أنفسهم فوجدوا العدو في داخل الموقع وسمعوه يحاول احتلال المخازن فأخذوا يتدبرون موقفهم إنها كارثة كبرى أن يضع العدو يده على هذا السلاح الكثير في وقت يحتاج فيه إلى طلقة الذخيرة الواحدة لابد من عمل شيء ما ولم يدم تفكيرهم كثيرا إذ قرروا نسف المخازن حين يدخلها لاعدو اختبأوا خلف كومة من الصناديق حتى امتلأ المخزن بالجنود اليهود، ثم أشعلوا النار في صناديق المفرقعات وفي لحظة واحدة استحال البناء الضخم إلى كومة من الأنقاض ومات الأبطال الثلاثة بعد أن ثأروا لأنفسهم وجروا العدو الغادر إلى كارثة مدمرة.

كان احتلال هذا الموقع يعني قطع مواصلات الجيش المصري في الجبهة الشرقية مما دعا القيادة العامة إلى تنظيم خطة لاسترداده، وفي اليوم التالي تحركت قوة كبيرة من الجيش النظامي تعاونها المدفعية والسيارات المدرعة ولكنها فشلت في الاقتراب من القرية لاستماتة العدو في الدفاع عنها.

فاستنجدت القيادة العامة بالبكباشي أحمد عبد العزيز الذي وكل الأمر لليوزباشي محمود عبده قائد الإخوان في «صور باهر» ليتولى إرسال قوة من رجاله تسترد هذه المواقع وأترك وصف النتيجة لسعادة اللواء أحمد محمد علي المواوي بك القائد العام للقوات وهي مقتبسة من شهادة أدلى بها بين يدي القضاء في إحدى قضايا الإخوان المسلمين التي عرفت باسم (قضية سيارة الجيب)

وكانت إجابته ردا على سؤال وجهه إليه الدفاع في القضية المذكورة

- هل كلفتم المتطوعين بعمل عسكري خاص عند مهاجمتكم العصلوج؟

- نعم العصلوج بلد تقع على الطريق الشرقي واستولى عليها اليهود في أول يوم الهدنة ولهذا البلد أهمية كبيرة بالنسبة لخطوط المواصلات وكانت رئاسة الجيش تهتم كل الاهتمام باسترجاع هذا البلد، حتى أن رئيس هيئة أركان الحرب أرسل إلي إشارة هامة يقوم فيها (لابد من استرجاع العصلوج بأي ثمن) فكانت الخطة التي رسمتها لاسترجاع هذا البلد هي الهجوم عليها من كلا الطرفين من الجانبين فكلفت المرحوم أحمد عبد العزيز بإرسال قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة ولكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها.


ولما سأله المحامون عن السبب في تغلب القوة الصغيرة أجاب:

القوة الغربية كانت من الرديف وضعفت روحهم المعنوية بالرغم من وجود مدير العمليات الحربية فيها إلا أن المسألة ليست مسألة ضباط المسالة مسألة روح إذا كانت الروح طيبة يمكن للضابط أن يعمل ما يشاء ولكن إذا كانت الروح ميتة لا يمكن للضابط أن يعمل شيئا لابد من وجود الروح المعنوية وهكذا تحررت (علسوج) وكان تحريرها على يد قوة من الإخوان بقيادة ضابط ملازم، هو الأخ المجاهد «يحي عبد الحليم» من إخوان القاهرة.

ورغم هذا النجاح الباهر الذي أحرزه الإخوان وعظم الخسائر التي منى بها العدو كانت خسائرهم صغيرة جدا لا تتجاوز عددا من الجرحى من بينهم قائد القوة المهاجمة المجاهدة (عبد الحليم.)

بدأ أحمد عبد العزيز خلال الهدنة يجمع وقواته المبعثرة ويحشدها في (بيت لحم) ويبدو أن القيادة العامة المصرية رضخت للأمر الواقع فأمدته ببعض الأسلحة والذخيرة وذودته بعدد من الجهود فأخذ يحصن نفسه داخل المدينة وأقام خطا دفاعيا حولها يمتد من (صور باهر) إلى (كرمزان) مارا بقى (مار الياس) و (بيت صفافا) و (شرفات) و (الولجة) إلى جانب ما أثبته الإخوان من بطولة ومقدرة في الأعمال الهجومية فإن مقدرتهم على الدفاع والتحصين كانت مثار إعجاب الضباط والمراقبين وكانت مواقع (صور باهر) الحصينة وما أقيم بها من خنادق (ودشم) نحتت براعة في الأرض الصخرية الصلبة تشهد بعظم الجهد الذي بذله الإخوان لتحصين هذه القرية العربية، والاحتفاظ بها حتى آخر مراحل القتال رغم الهجمات المتولية التي شنها العدو، وحاول فيها احتلالها ليضع القوات المرابطة في بيت لحم والخليل كلها تحت رحمته. وكانت أولى المحاولات التي قام بها العدو هي إقدامه على محاولة احتلال مرتفعات (جبل المكبر) في 18 أغسطس سنة 1948.

يقع جبل المكبر إلى الجنوب الشرقي من القدس القديمة وهو مرتفع منيع يستطيع من يحتله أن يهيمن على القدس كلها ويقطع الطريق الرئيسي الذي يصلها بعمان فوق أنه يتحكم في القوات المتطوعة التي ترابط ف جنوب القدس وكان هذا المرتفع إحدى حلقات الدفاع التي يتولاها الإخوان المسلمون المرابطون في قرية (صور باهر)

ولقد كان اليهود يؤملون في مهاجمة الإخوان على غرة فبدأت جموعهم تتحرك في الساعة الثامنة من مساء 18 أغسطس من أحياء القدس اليهودية ومن المستعمرات الواقعة في جنوبيها ثم بدأوا يزحفون في سكون وهدوء غير أن نقط المراقبة الأمامية فطنت لهذه الحركة وأرسلت تخبر قائد (صور باهر) بهذا النبأ وتطلب توجيهاته السريعة وبدأ (محمود عبده) يفك في الموقف ويضع خطته على أساس الأبناء التي تصل إليه تباعا ولم يكن يعنيه وقف الزحف اليهودي والاحتفاظ بالموقع ولكنه كان يريد إبادة هذه القوات وتلقين اليهود درسا قاسيا يحفظونه عن الإخوان وشدتهم في القتال.

وحين بدأ يتحرك بقوته من (صور باهر) كانت عواصف الرصاص تثور في قمة الجبل كان التليفون يخربه أن طلائع العدو قد اشتبكت مع مواقع الإخوان الأمامية.

وما أن وصل حتى كانت المعركة في أعنف مراحلها وكان واضحا أن العدو يستميت في احتلال هذا الموقع ويقذف كتلا هائلة من قواته لتحقيق الغرض في أقصر وقت ممكن، ولكما تكسرت موجة تحت أقدام الأبطال المؤمنين تدفقت في أثرها موجة أخرى.

ولا عجب في ذلك فقد كان طريق الإمداد مفتوحا على مصراعيه، والقدس اليهودية وفيها عشرات الألوف على مرمى حجر من أرض المعركة فصمم (محمود عبده) على التصرف السريع وكانت أولى الخطوات التي أقدم عليها أن أمر فصيلة من جنوده فدارت إلى اليمين واقتربت من الطريق الذي يستخدمه العدو في تحركاته وأخت تطلق النار على القوافل التي تتحرك صوب المعركة وفي نفس اللحظة كان يصدر أمره للمدافعين عن الجبل بالانسحاب إلى الوراء فظن العدو أن المقاومة قد انتهت فتقدم ليحتل المواقع التي أخلاها المجاهدون وفي نفس الوقت كانت أفواه المدافع تنفتح من كل صوب وتقذف كتلا من اللهب على قمة الجبل، ولم يكن لليهود ما يحتمون فيه، فقتل منهم عدد كبير، فبدأوا يتراجعون في ذعر وارتباك.

تقدمت بعد ذلك قوات من المشاة وحاصرت قمة الجبل، واشتبكت مع العدو في قتل عنيف وحاول اليهود التراجع إلى القدس بعدما يئسوا من وصول النجدات المطلوبة ولكن القوى الخلفية فاجأتهم بالنيران الحامي وبينما كانت المعركة تسير على هذا النحو المرسوم إذ أصيب اليوزباشي (محمود عبده) بطلقات طائشة فحمله مرافقوه للخلف دون أن يفطن أحد وبعثوا برسالة مستعجلة لقيادة بيت لحم يخبرونها فيها بإصابة القائد ولم تمض إلا لحظات حتى جاء الأخ المجاهد (لبيب الترجمان) ليتولى قيادة المعركة في مرحلتها الختامية.

أخذ اليهود يتسللون فرادا إلى المنطقة الحرام ودار الحكومة حيث يوجد بعض مراقبي الهدنة ورجال هيئة الأمم وفطن الإخوان للأمر فتابعوهم إلى هناك وضربوا حصارا محكما حول دار الحكومة وهددوا بتدميرهم مما اضطر رجال هيئة الأمم إلى الاستغاثة بالبكباشي (أحمد عبد العزيز) الذي جاء لتوه واستجاب لرغبة مراقيب الهدنة بوقف إطلاق النار ولكنه أصر على احتلال مرتفع يدعى (رأس الأحراش) يشرف على دار الحكومة والحي اليهودي بالقدس وبذلك أصبح الإخوان خطرا شديدا يهدد القدس الجديدة واتخذوا من هذا الموقع نقطة يراقبون منها حركات اليهود وسكناتهم.

وحاو اليهود في اليوم التالي القيام بهجوم كبير على نفس هذه المواقع أملا في احتلالها ورد اعتبارهم بعد هزيمة الأمس ولكن يقظة الإخوان واستماتتهم في الدفاع وقفت سدا منيعا دون وصولها لهذه الغاية مما اضطرهم إلى التراجع في ذلة وانكشار وكانت خسائرهم في هذه المرحلة تتجاوز المائتين حسب تقدير مراقبي الهدنة عدا فقدانهم لجميع الأسلحة والمعدات التي دفعوا بها في هذه المعارك.

بدأت بعد هذه الفترة مرحلة مفاوضات طويلة لتخطيط حدود المنطقة الحرام وكان أحمد عبد العزيز فخورا بجنود الإخوان وبما أحرزوه من انتصار رائع مما جعله يملي إرادته على اليهود ويضطرهم للتخلي عن منطقة واسعة مهددا باحتلالها بالقوة وكانت المفاوضات تدور في مقر قيادة الجيش العربي بالقدس ويحضرها الكولونيل (عبد الله التل) القائد العربي في المدينة المقدسة وحين انتهت المفاوضات في ليلة 22 أغسطس أراد أحمد عبد العزيز أن يحمل نتائجها إلى القيادة المصرية العام في (المجدل) وأصر على أن يذهب في ليلته وكانت المعارك في ذلك الحين تدور بشدة على الطريق المؤدي للمجدل مما جعل ضباط يلحون عليه في التريث وعدم الذهاب ولكنه قطع هذه المحاولات حين قفز إلى سيارته (الجيب) وهو يردد: ﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا﴾ وانطلقت السيارة في طريق المجدل ولم يكن معه إلا اليوزباشي (الورداني) واليوزباشي (صلاح سالم) من ضباط رئاسة المواوي وسائق سيارته.

وكانت «عراق المنشية» في ذلك الحين تستهدف لهجمات متواصلة مما دعا القيادة العامة إلى منع السير على هذا الطريق بالليل.

وما أن وصلت السيارة إلى موقع عراق المنشية حتى صاح الحارس يأمر السيارة القادمة بالوقوف ولكن سوء الحظ تدخل هذه المرة إذ ضاع صوت الحارس في ضجيج السيارة فأطلقت نقطة المراقبة النار وتدخل سوء الحظ مرة أخرى حين أصابت أول رصاصة البكباشي (أحمد عبد العزيز) في جنبه وحمله مرافقوه إلى عيادة طيب بمدينة (الفالوجا) ولكن قضاء الله سبقهم إليه، فصعدت روحه إلى بارئها.

ولم يكد الخبر يذاع على الناس حتى عم الوجوم الجميع وبكاه كل فرد في الجيش وكان أكثر الناس حزنا عليه وألما لفراقه أولئك الجنود الذين زاملوه في الميدان وقاسموه مرارة الهزيمة ونشوة النصر ونعته وكالات الأنباء ومحطات الإذاعة العالمية وأسف لفقده الحلفاء والأعداء ونعوه للناس بمزيد الإعجاب والإكبار وبموت أحمد عبد العزيز طويت صفحة من أمجد صفحاتنا العسكرية وأفل نجم لامع كان في سمع الناس ويصرهم وخلا بذلك مكانه في الميدان، وصعدت روحه الطاهرة لتحتل مكانا مرموقا في ملكوت الله وجنته ورفع اسمه في كشوف الجيش المصري ليحفظ في سجل التاريخ كأبرز شخصية عسكرية أنجبته حرب فلسطين.

مات أحمد عبد العزيز فعينت القيادة العامة ضابطا جديدا لقيادة (بيت لحم) وهو البكباشي «محمد فكري» من سلاح المدفعية لكنه عاد بعد أيام قلائل حين لم يستطع التفاهم مع ضباط المتطوعين فرأت القيادة أن تبعث البكباشي «عبد الجواد طبالة» قائد كتيبة المتطوعين الثانية والتي كانت تتولى محاصرة المستعمرات وحراسة بعض النقط على خطوط المواصلات.

ولقد أتمت هذه الكتيبة تدريبها في معسكر (الهاكستب) بعد شفر الكتبة الأولى وكانت هذه الكتيبة تحوي عناصر طيبة من الإخوان كان على رأسهم الأخ المجاهد (صلاح البنا) الذي كان له أبعد الأثر ف تنظيمها وتدريبها وكان مقررا لهذه الكتيبة أن تحتل مدينة (بئر السبع) وتدافع عنا غير أن قائدها أشار باستحالة تنفيذ ذلك لنقص مرتبها في الأسلحة وخلوها تماما من مدفعية الميدان والمدفعية المضادة للدبابات وأخيرا أستقر الرأي على أن تحاصر بعض المستعمرات الواقعة في منطقة غزة رفح فأبلت في القيام بهذا الدور أحس البلاء.

وظلت على هذا الوضع حتى موت أحمد عبد العزيز وحين استدعت الحالة ذهاب قائدها لتولي القيادة في (بيت لحم) تقرر انتقالها للانضمام لزميلتها (الأولى) وتكونت من الكتيبتين وممن انضم إليها من جماعات المناضلين والسودانيين والليبيين القوة التي عرفت باسم (القوة الخفيفة) والتي كان لها الفضل في المحافظة على منطقة الخليل وبيت لحم وتسليمها لقوات شرق الأردن بعد نهاية الحرب وإعلان الهدنة.

وصل القائد الجديد وافتتح نشاطه بالمرور على خطوط الدفاع وكانت الحالة في المنطقة هادئة نسبيا إلى أن نقض اليهود الهدنة بعد أيام قلائل فاحتلوا منزلا قريبا يقع في الشقة الحرام واتخذوا منه وكرا خطيرا للقناصة يستعيضون به عن البرج الذي نسفه الإخوان في (تل بيوت) وأخذوا يطلقون منه النار على المجاهدين في مواقعهم وحولوا اقتناص قائد المنطقة نفسه حين كان يحاول الوصول إلى دار الحكومة للاجتماع بمراقبي الهدنة وكانت أبناء تشير إلى أن لجنة من كبار ضباط الجيش بمراقبي الهدنة وكانت أنباء تشير إلى أن لجنة من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي قد نزلت فيه هذا البناء واتخذته مقار تشرف منه على جبهات المتطوعين وتضع خطة لمعارك شاملة تكتسح فيها هذه القوات.

لم يكن هناك بد من تدمير هذا البناء فصدرت الأوامر لقائد الإخوان في صور باهر ليتولى تنظيم هذه الخطة وتنفيذها وفي ليلة حالكة الظلام تسللت جماعة من الإخوان تحمل ألغامها وأسلحتها ووجهتها هذا المنزل المقام بين ثلاث مستعمرات من أخطر مستعمرات اليهود واستمروا يزحفون على بطونهم وقتا طويلا حتى اقتربوا منه، وبينما كانوا يعالجون فتح الباب الخارجي انتبه اليهود لحركة فأخذوا يطلقون عليهم النار من أعلى المنزل ومن الدشم المسلحة المقامة حوله وبادلهم الإخوان الضرب غير أن شدة النيران المنبعثة من المنزل وخشية الإخوان من المستعمرات القريبة جعلتهم يلقون ألغامهم بعيدا عن البناء يشغلونه وحين انفجرت أحدثت دوريا هائلا غير أن البناء ظل قائما كما كان وجرح في هذه الحركة الأخ (عثمان عبد المجيد) و حمله رفاقه معهم إلى معسكرهم في (صور باهر) وثار قائد (صور باهر) على هذا الفشل وأصر على تدمير البناء وفي اليوم التالي تحركت قوة كبيرة مكونة من بعض الإخوان السوريين وعدد من مجاهدي الإخوان الأردنيين وقد اشتبكت هذه القوة في معركة مع حماة البناء غير أنها نجحت في الوصول إلى المنزل وتدميره على من فيه من الضباط والجنود وأترك للبكباشي (طبالة) قائدة القوة الخفيفة الكلام عن هذه العملية الجريئة في مقال نشرته له إحدى المجلات العسكرية تحت عنوان (ولاء في بطولة).

عالج قائد الدورية الباب معتمدا على أن صوت الرصاص يعلو صوت معالجة الباب ولكن الباب لم يفتح فهو موصود من الداخل وإذا بالقائد يضغط بسبابة يمناه (تنك) سلاحه فيطير قفل الباب وبفتح على مصراعيه، وفي لحظات أشعل الآخرون العبوات وألقوا بها داخل الدار وارتد الجميع للخلف قليلا ورقدوا إلى أن صم آذانهم صوت انفجار هائل تطاير على أثره الغبار في كل مكان.

وإن هي إلا غمضة عين فتسمع أنه موجعة صادرة من أحدهم فهرع إليه القائد فوجد الذي ينزف من جرح في رأسه فحمله بمعاونة زملائه وهرعوا عائدين وكل منهم يتلفت للخلف ليروا أثر ما عملوا فلا يروا إلا غبار يعلو الأرض إلى أن وصلوا حوالي الرابعة صباحا إلى رئاسة القطاع وبين يدهم زميلهم الجريح يحتضر لكثرة ما نزف من الدماء ولم تجد معه الإسعافات فلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يتساءل عما حل بالمنزل فلم علم بتدميره تماما لفظ النفس الأخير والارتياح التام باد على أساريره.

وفي الصباح الباكر كان قائد الفدائيين يستقبل ضوء الشمس في مواقع صور باهر ويترحم على الشهيد البطل ويودعه إلى مثواه الأخير ثم عاد ليلقي نظرة على موقع المنزل فإذا هو حطام يضم بين أحجاره جثث عشرين من اليهود الغادرين حولوا الاعتداء عليه في الصباح فحكم عليهم جنوده أن لا يروا ضوء صباح تال) أما شهيدنا المبرور في هذه المعكرة فهو المجاهد (ضيف الله) من الإخوان المسلمين السوريين وفي المساء كانت محطة إسرائيل تذيع نبأ المعركة تنعي إلى اليهود مقتل ضابط إسرائيلي برتبة كبيرة ومعه عدد من ضباط الجيش وجنوده ماتوا تحت الردم على مقربة من مواقع الإخوان المسلمين في صور باهر.

في منتصف شهر أكتوبر كانت الجبهة المصرية مسرحا لعمليات واسعة النطاق وكانت منطقة (الفالوجا) في ذلك الوقت تهاجم بعنف وشدة والمجدل عرضة لغارات جوية مروعة وفي ذلك الوقت أيضا كانت القيادة الإسرائيلية في القدس تحاول تصفية حسابها مع قوات المتطوعين في «بيت لحم» وبدأت أعمالها بهجوم حاد على صور باهر غير أن هجماتها المتكررة تكسرت تحت تحصينات الإخوان القوية.

فأخذت تدور حول خطوط الدفاع تتلمس أضعف النقط فيها حتى نجحت يوم 19 أكتوبر في اقتحام مرتع شاهق يعرف بتبة (اليمن) ولم يضيع اليهود الفرص فأخذوا يحشدون قوات كبيرة ويعدون أنفسهم للوثوب على المرتفعات المجاورة والسيطرة على بيت لحم مما اضطر قيادة صور باهر إلى إرسال قوة كبيرة لتقوم بهجوم مضاد تستعيد به هذا المرتفع وبدأت المعركة بين الفريقين حامية شديدة وكان مما يستلفت النظر ويدعو للإعجاب هو براعة اليهود وسرعتهم الفائقة في أعمال التحصين لا تكاد قواتهم تستقر في موقع من المواقع إلا وتسارع بتحويله إلى قلعة محصنة.

كان لك مما يساعدهم دائما على الاحتفاظ بالمواقع التي تسقط في أيديهم ويبدو أن هذه الظاهرة ناتجة عما عرف عن المقاتل اليهودي من جبن وضعف فهو يستعيض عن الشجاعة الأصلية بتحصينات مصطنعة ولا يقوى على مواجهة خصمه في الدفاع إلا إذا كان مختفيا خلف أطبقا كثيفة من الدشم والأسلاك الشائكة.

نجح الإخوان في الهجوم الذي شنوه وتراجع اليهود بعد مقاومة شديدة وخسائر من الطرفين وكان يضاعف من هذا النجاح أهمية الموقع وخطورته الشديدة لو بقي في يد اليهود وهأنذا أنقل نص إشارة رسمية بعثتها قيادة «بيت لحم» إلى الجهات العسكرية المسئولة بتاريخ 20 أكتوبر 1949.

قام العدو بهجوم عنيف على جميع مواقعنا الدفاعية تحت ستار غلالة شديدة من نيران الأسلحة الأوتوماتيكية والهاونات وقاذفات الألغام والمدفعية الثقيلة صدت قواتنا الهجوم تمكن العدو من الاستيلاء على مواقعنا بجبل (اليمن) قامت قوة من الإخوان المسلمين بقيادة الملازم أول خالد فوزي بهجوم مضاد فطردت العدو بعد أن كبدته خسائر فادحة خسائرنا ضعيفة وقد أبلغنا مراقبي الهدنة.

وقد علقت أغلب الجرائد العربية واليهودية على هذه المعركة وذكرت جهود الإخوان فيها بالإكبار والإعجاب وكتبت جريدة (الناس) العراقية في عددها الصادر يوم 7/ 11 مقالا تحت عنوان (بسالة متطوعة الإخوان المسلمين) جاء فيه (.. وإن اليومين الماضيين امتازا ببسالة منقطعة النظير من متطوعة الإخوان المسلمين فقد استولى اليهود شمالي غربي بيت لحم بعد محاولات عديدة على جبل مرتفع يسمى تبة اليمن ويشرف على قرى «الولجة» و «عين كارم» و «المالحة» وما جاورها وأصبحوا يهدون كل المناطق المحيطة بها.

ورأت قيادة الجيش المصري ضرورة تطهيرها فندبت لذلك عددا من متطوعة الإخوان المسلمين في (صور باهر) فقتدمت سرية منهم ولم تمر ساعة حتى كانت هذه الفرقة قد أجهزت على القوى اليهودية وغنمت خيرتها ومتاعها وحررت قرية «الولجة» وأصبحت تسيطر على منطقة واسعة وقد أصدرت قيادة الجيش المصري أمرا بتسمية الجبل (تبة الإخوان المسلمين) وقد استشهد من الإخوان كل من مكاوي سليم علي من الزقازيق السيد محمد قارون من المنصورة وإبراهيم عبد الجواد من الفيوم رحمهم الله رحمة واسعة)

يئس العدو من اقتحام «بيت لحم» و «الخليل» لوجود هذه القوات المؤمنة فيها فبدأ يركز هجومه على مناطق «أسدود» و «المجدل» واستطاع أن يرغم القوات المصرية على إجلاء هاتين المنطقتين والإيقاع بقوة كبيرة حاصرها في الفالوجا وظل يحاصرها حتى نهاية الحرب.

وبحصار الفالوجا عزلت قوات المتطوعين عن القيادة العامة تماما ولم يعد لها طريق يصلها بالقاهرة سوى الطريق الجوي الذي يصل عمان بالقاهرة.

وبدأت هذه القوات المغامرة تقاسي محنا شديدة سببها الحصار الشديد، وكثرة ما تعرضت له من هجمات متواصلة ورغم ذلك كان كل ما يشغل الإخوان هو مصير إخوانهم المحصورين في الفالوجا فبدأوا ينظمون بمعونة المجاهدين العرب خططا لتموينهم وتسللت قوافلهم عبر الصحاري الواسعة التي يسيطر عليها العدو، تحمل المؤن للقوات المصرية المحصورة وتتعرض في طريقها الطويل لكثير من المآزق والأخطار.

وكم من مرة اصطدمت القوافل مع دوريات اليهود واشتبكت معها في معارك دامية ونتج عن ذلك كثير من الخسائر ولكن الإخوان لم يكونوا يحسبون للموت حسابا ما دام ذلك في سبيل وظنهم وكرامة جيشهم.

وإذا ذكر هذا النشاط الرائع فلا يمكن أن نغفل الدور الخطير الذي قام به اليوزباشي (معروف الحضري) حين قاد جماعات الإخوان المسلمين في تسللها إلى (الفالوجا) وظل يؤدي واجبه بإيمان وثبات حتى ظفر اليهود به في إحدى العمليات ونقلوه إلى خطوطهم الخلفية حيث ظل بقاسي مرارة الأسر في معسكراهم حتى من الله عليه بالنجاة حين انتهت الحرب وتم تبادل الأسرى. وبينما كان الإخوان يعملون بهمة وإخلاص وتموين (الفالوجا) ومعاونتها على تحمل آلام الحصار ويستميتون في الدفاع عن مناطق (بيت لحم) و (الخليل) إذ روع العالم الإسلامي بنبأ القرار الغاشم الذي أصدره (النقراشي) وحل بموجبه هيئة الإخوان المسلمين في مصر، وكانت طعنة نجلاء وجهها الإنجليز على يد صنائعهم من المستورين إلى ظهر الشبيبة الإسلامية المحاربة.

وجن جنون الإخوان عند سماعهم هذا النبأ غير أن الأوامر التي وصلتهم بعد ذلك من المرشد (الشهيد) كانت تأمرهم بالتزام الهدوء والإخلاد إلى السكينة ولن يتصور أحد عظم الكارثة التي كان يمكن أن تقع لو ركب (الإخوان) رؤوسهم وقاموا بأي إجراء طائش إذ كانوا هم وحدهم يدافعون عن منطقة من أكبر المناطق والعدو يحيط بهم من كل جانب وينتظر الفرصة ليبتلع هذه المدن الغنية الواسعة وقدر الإخوان عظم الخطر فقهروا عواطفهم واكتفوا بإرسال برقية إلى كبير الأمناء بقصر عابدين ضمنوها سخطهم الشديد لصدور هذا الأجراء الظالم.

ثم عكفوا على أداء واجبهم من جديد وكأن شيئًا لم يحدث حتى انتهت الحرب وأعلنت الهدنة وبدأوا يغادرون أسر اليهود ليقعوا مرة أخرى في أسر السعديين وقدر لهم أن يلبثوا في الأسر الآخر عاما كاملا قضوه بين مسكرات الاعتقال في (رفح) و (العريش) حتى إنهارت قوام العهد الأغبر بما حملت من أوزار وآثام وبدأ المجاهدون يستردون حرياتهم المفقودة وشيئا فشيئا..

الإخوان بعد قرار الحل

(معركة التبة 86)

كامل الشريف

«أيها الإخوان لا يهمكم ما يجري في مصر فإن مهمتكم هي مقاتلة اليهود وما دام في فلسطين يهدي واحد فإن مهمتكم لم تنته»

«حسن البنا»

لم يؤثر قرار الحل في سياسة الإخوان في فلسطين وظلوا يؤدون واجبهم المقدس في مجاهدة أعداء الإسلام رغم ما كانت تصلهم من أنباء مثيرة عن الإرهاب الحكومة في أرض الوطن.

وما كاد شهر ديسمبر ينتصف وتثل الحالة الداخلية في مصر إلى أسوأ مراحلها حتى استغل اليهود الفرصة وقاموا بأعنف هجمات شهدتها حرب فلسطين وكان الإخوان ي ذلك الحين يعاد تدريبهم في المعسكر بعد أن قضوا أكثر من عام في معارك متواصلة ومما يجدر الإشارة إليه أن اللواء «فؤاد صادق» كان قد أفتتح بعض المدارس العسكرية في رفح للتدريب على الأسلحة الصغيرة وفنون القتال وطلب انتساب نفر من الإخوان إليها ليعاد تدريبهم فبعثنا عددا كبيرا من الإخوان ووزعناهم على الفرق المختلفة ولقد كان إقبالهم على الدرس والتدريب ورغبتهم الشديدة في تعليم أساليب الحرب الحديثة مثار إعجاب الضباط الذين زاملوهم في الدرس أو اتصلوا بهم.

ولما انتهت فترة التدريب اقترح القائد العام أن يظل الإخوان في معسكراتهم ليكونوا «قوة ضاربة» تكون مستعدة دائما للدخول في أية معركة.

ولم يطل الانتظار طويلا إذ نقض اليهود الهدنة في 23 ديسمبر وهاجموا مرتفعا حاكما جنوبي دير البلح يعرف باسم التبة 86 وكان نجاحهم في احتلال هذا الموقع يعني عزل «حامية» غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرة أخرى.

ولقد رأينا كيف اضطر الجيش إلى إخلاء مناطق برمتها عندما احتل اليهود موقعا مشابها عند «بيت حانون» وكان هذا ما يرمي إليه اليهود من معارك «الطرق» التي اتسمت بها حربهم في فلسطين من قطع مواصلات الجيش وإرغامه على التقهقر ثم طلب الهدنة لتمكنهم من المحافظة على ما وقع في أيديهم وكان هذا ما أرادوه من احتلال مرتفع «دير البلح» الذي نتحدث عنه.

ولقد تحدث إلى الأميرالاي «محمود رأفت» قائد قطاع «دير البلح» بالتليفون في ساعة متأخرة من ليلة 23 ديسمبر وأخبرني أن العدو قد نجح في اختراق خطوطنا الأمامية في دير البلح وانتزع المرتفع من أيدي جنودنا الذين أذهلتهم المفاجأة وقواته تتجمع الآن وتحاول الوصول إلى طريق المواصلات الرئيسي ولكن قوات الجيش تحاول حصره فوق المترفع حتى الصباح حيث يمكننا أن نقوم بهجمات مضادة لاسترداده وتطهيره ثم صارحني بأن الموقف جد خطير وأن هذه المعركة سوف يكون لها أثر بالغ في النتيجة العام للحرب، وختم حديثه طالبا أن يستعد الإخوان ليكونوا آخر ورقة نقذف بها في وجه اليهود.

فألقيت سماعة التليفون وخرجت من المكتب وكانت أصوات الانفجارات العنيفة تسمع عن بعد في جبهة القتال وطلقات الرصاص المضيء تمزق حجب الليل المظلم وترسم على صفحة السماء خطوطا حمراء متشابكة فأمرت بصفارة الإنذار فأطلقت ولم تمر دقائق على إطلاقها حتى كان حراس المعسكر قد أخذوا مواضعهم الدفاعية وتجمعت القوات الاحتياطية في أرض التدريب وكل فصيلة أمامها قائدها ومعها أسلحتها ومعداتها وتحركت مصفحات المعسكر وسياراته المدرعة وانتظمت في تشكيلات الاستعداد وأخذ قوادها يمدنها بحاجتها من البترول والماء، ثم دعوت الإخوان المسؤولين وشرحت لهم الموقف في إيجاز وطلبت تجهيز سرية للاشتراك في هذه المعركة وكانت المشكلة أمامي وأمام الإخوان المسئولين إقناع بعض الأفراد بالبقاء فكل فصيلة تريد أن يكون لها شرف العمل دون غيرها فلما وقع الاختيار على الفصائل الثلاث هلل أفرادها وكبروا وأخذوا يهتفون من أعماق قلوبهم:

«هبي ريح الجنة هبي!!» ومضوا يعدون أسلحتهم ويستعدون لمنازلة العدو وبعد ساعة تحركت السيارات بمن فيها لترابط قريبا من أرض المعركة.

كانت نسمات الفجر تحمل إلى أنوف المحاربين رائحة البارود المحترق مختلطة بأنفاس الشهداء الأبرار وكانت أشعة الفجر الأولى تسلل إلى الميدان فتكشف معالمه شيئا فشيئا والغيوم تتكاثف وتلقي حمولتها من الماء فوق رؤوس المحاربيين وكان اليهود حتى ذلك الحين لا يزالون فوق المرتفع الذي احتلوه ولا تزال مدافعهم تسيطر على مسافات شاسعة من الأرض المنبسطة حوله.

ولم تكد الشمس ترسل أول أشعتها حتى صدرت الأوامر لجنود الجيش بالتقدم فانسابوا في أفواج متلاحقة تريد أن تصل إلى القمة وتطرد العدو الرابض فيها ولكن ارتفاع الموقع وسيطرة أسلحة اليهود على الأرض المحيطة به كانا يمنعان الجنود من الاقتراب وظلت الحالة هكذا موجات إثر موجات وجرحى كثيرون وشهداء يسقطون دون الهدف وكيف يمكن للحوم آدمية أن تقاوم القنابل والرصاص والعدو الماكر يربض خلف خنادقه التي أعدها بعناية ويصوب نيرانه منها على لحوم بشرية متراصة وبدا جليا للعيان أن لا أمل مطلقا في كسب المعركة إلا في حضور عدد من الدبابات فأرسلوا في طلبها على عجل وجاءت الدبابات ودفعت إلى المعركة واحدة تلو الأخرى فتعطلت منها اثنتان على سفح التل ولم يستطع أحد الاقتراب من موقع العدو.

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد الظهر، والريح لا تزال تدوي بشدة، وتسوق أمامها قطعانا من السحب الكثيفة وعواصف المطر الباردة، ووقف الضباط يتطلعون إلى السماء يلتمسون العون من الله العلي الكبير بعد أن جربت كل الأسلحة ووضح جليا أن هذه المعركة قد «ماعت» وضعف الأمل في حسمها قبل الليل.

وكان لابد من إلقاء الورقة الأخيرة فطلب الأميرالاي «محمود رأفت» إحضار الإخوان على عجل وما أن سمع الجنود والضباط اسم الإخوان حتى سرت في نفوسهم روح جديدة من الأمل والثقة وطلبت من القائمقام «علي مقلد» قائد الفرسان أن يوفر دبابته ليدفع بها أمام جنود الإخوان وبعد لحظات وصل جنودنا إلى ميدان المعركة، وترجلوا عند مكان أمين لتنظيمهم وإعدادهم وكانت الخطة تقضي بتقسيم الإخوان إلى ثلاث مجموعات تهاجم اثنتان منها الموقع من الأمام ومن جهة الشمال بينما تدور القوة الثالثة حول المرتفع وتهاجم مؤخرته وتمنع تدفق الإمدادات عليه وتجذب اهتماما المدافعين إليها وتشغلهم عن القوتين الأخريين وكان المفروض أن تتقدم الدبابات متجمعة أمام قوة الإخوان تحت ستار من نيران المدفعية والأسلحة الرشاشة، وتحت غلالة من قنابل الدخان التي كانت تطلقها مدافع الهون التابعة للإخوان المسلمين وبدأت المعركة على هذا الأساس، وانطلق الإخوان إلى أهدافهم وقد علت وجوهم إشراقة الإيمان القوي وكانوا ينشدون في حماسة نشيدهم المعروف:

هو الحق يحشد أجناده
ويعتد للموقف الفاصل
فصفوا الكتائب آساده
ودكوا به دولة الباطل

وأمسك الضباط والجنود أنفاسهم وهم ينظرون إلى هذا الشباب المؤمن يتواثب في ثبات وقوة ولا يثنيه الرصاص والقنابل عن التقدم لملاقاة أعداءه لقد آمن الضباط والجنود أن هناك نتيجتين لا ثالث لهما:

إما أن ينتصر هؤلاء الشباب أو يموتوا جميعا لأن الانسحاب والتراجع لا يدخل في برنامجهم إطلاقا وخاصة في مثل هذا الموقف الحرج الخطير.

وظلت مدافع الإخوان تقذف الموقع بقنابل الدخان فترة طويلة حتى أحالت القمة إلى سحابة قاتمة لا ترى خلالها غير ألسنة اللهب الناتج عن انفجارات القنابل وسكتت المدافع وانساب المجاهدون إلى أهدافهم وبدأت معركة الخنادق وروع اليهود حين رأوا الإخوان يلقون بأنفسهم فوقهم في الخنادق والدشم ويعاركونهم بالقنابل والحراب والأيدي ورغم كثرة الضحايا من الإخوان فإن القوة قد تمكنت من احتلال خنادق العدو وأخذت تطهرها جزءا جزءا، ولم يجد اليهود بدا من إخلاء الموقع فصمتت مدفعيتهم وأسلحتهم وشوهدت مصفحاتهم تتحرك للخلف حاملة الجرحى والهلكى وكان هذا المنظر حافزا للجنود الآخرين ملهبا لحماسهم فأخذوا يتكاثرون على الموقع ويتمون تطهيره حتى جاءت أخيرا الحمالات «قاذفات اللهب» تطارد فلول العدو المنهزمة وانتهت المعركة بنصر حاسم وكانت إحدى المعارك الكبرى التي تكبد فيها العدو خسائر فادحة دون أن يحصل على نتيجة تذكر ووجد ضمن القتلى عدد من كبار الضباط الإسرائيليين وبينهم قائد المعركة وهو «كولونيل» روسي يحتل مركزا هاما في الجيش الإسرائيلي ووجدت في جيبه تفاصيل الخطة التي اتبعت في دير البلح والخطط المقابلة التي كان يراد منها إلقاء الجيش المصري في أعماق البحر.

كانت الشمس قد مالت للمغيب حين انتهت المعركة وأخذ الجنود يحتلون الموقع بعد فرار اليهود منه أما جنود الإخوان فقد انسحبوا في سكون وهدوء بعد أن أخذوا منهم كميات وفيرة من الأسلحة الألمانية والروسية وأكداسا من القنابل والذخائر وكان الضباط يعانقونهم عند خروجهم ويهنئونهم بهذا النصر الحاسم ويشيدون بجهودهم وفضلهم.

ولقد سقط من الإخوان في هذه المعركة وحدها عدد كبير من الجرحى والشهداء وكان أول الشهداء قائد الفصيلة المرحوم السيد محمد منصور من إخوان الشرقية ومما يروى عن ها الشهيد المبرور أنه حين أصيب الضربة القاتلة التف حوله نفر من إخوانه وشغلوا به عن الهجوم فنهرهم بشدة، وحينما حملوه إلى الخطوط الخلفية أفاق من غيبوبته وسألهم عن سير المعركة فأجابوه بما طمأن نفسه، فابتسم وتمتم الحمد لله.. ولم يقف لسانه عن الدعاء لحظة: اللهم انصر دعوتنا وحقق غايتنا حتى لفظ أنفاسه الطاهرة ومضى إلى جنة ربه الواسعة ليحمل البشرى إلى سكانها «إن شجرة الإسلام الخالدة قد بدأت تورق من جديد».

أما الشهيد «حسن العزازي» من إخوان العريش فقد أصيب بجرح في كتفه وكان في وسعه أن يعود ولكنه ظل يكافح بصعوبة حتى احتمى بنتوء بارز في مواجهة العدو وأخذ يلهب خنادقه برصاص مدفعه الرشاش حتى أسقط منهم عددا كبيرا مما اضطرهم إلى تركيز نيرانهم عليه فأصابته عدة طلقات في مواضع مختلفة من جسمه فسكت مدفعه وصعدت روحه الطاهرة بعد أن ثأر لنسه ومتع نظره برؤية الدم الصهيوني المراق..

وقد كان عدد الجرحى كبيرا ومنهم من مات متأثرا بجراحه بعد وصوله للمستشفى ومنهم من عاد في «إرساليات» مرضية إلى مصر ثم كمل علاجه في معتقلات الطور وهاكستنب ولا تظنني أمزح أيها القارئ الكريم فإنني لا أسجل إلا الحق والصدق فإن اثنين من جرحى هذه المعركة هما الإخوان المجاهدان «عويس عبد الوهاب» و «سيد عيد يوسف» قد نقلا بعد المعركة إلى مستشفيات مصر لمعالجة جراحهم الخطيرة ولكن البوليس السياسي أشار بنقلهما إلى الطور ولعله خشي انضمامها إلى الجيش الإرهابي السري فنزعا من المستشفيات وجراحهما لا تزال تنزف دما وألقيا في أحد العنابر الرطب دون غذاء أو علاج ولا يزال أحدهما يعاني ألما مرا من رصاصة مستقرة في بدنه!!

انتهت معركة «دير البلح» على الصورة التي ذكرنا وكان دور الإخوان فيها مفخرة كبرى من مفاخر هذه الدعوة وأثارها في تكوين المحارب الناجح وبجانب الكسب الأدبي فقد غنم الإخوان عددا كبيرا من الأسلحة الرشاشة التي كانوا في أمس الحاجة إليها ولقد كلفهم هذا الانتصار غاليا فسقط منهم عدد كبير من الجرحى والشهداء وكان يزيد في عظم الخسارة استحالة تعويضهم في مصر وقت أن كانت المذبحة قائمة على قدم وساق غير أن هذه الخسارة وما لابسها من ظروف ومحن لم تزعزع من إيمان الإخوان وثباتهم.

ولقد خشيت أن تكون كثرة الخسائر قد نالت من روحهم القوية فقمت في الصباح الباكر بجولة بني حجراتهم فما وجدت للحزن أثرا وما وجدت إلا استبشارا وغبطة للنتيجة التي أرادها الله وكانوا يتناقلون فيما بينهم قصص البطولة التي سجلها شهداؤهم على أرض المعركة ويمني كل واحد منهم نفسه بنتيجة مماثلة، ويرجو أن يكون حظه من جهاده طلقة تودي به إلى رحاب الجنة فالشهادة في نظرهم ليست موتا ونهاية ولكنها بداية لحياة هنيئة طبيبة في جوار الله فلم لا يتعجلونها وقد رأوا أماراها بأعينهم في ابتسامات الشهداء وسمعوا بشرياتها بآذانهم في آخر كلمات نطق بها المحظوظون السعداء وهم يستروحون أولى نسمات الجنة ويضعون أقدامهم على أولى درجات الصباح الباقية.

ولقد زارني في ذلك الصباح مندوب من قبل القائد العام، وأخبرني أن اللواء «فؤاد صادق» يرغب في مطالبة الحكومة بالإنعام بأوسمة عسكرية رفيعة على الإخوان إشادة بفضلهم واعترافا بجهادهم في هذه المعركة وغيرها وهو يريد مني كتابة كشف بأسماء «الإخوان» الذين اشتركوا في معركة الأمس فمانعت أولا في تقديم كشف لهذا السبب وقلت إن الإخوان لا يعملون بغية أوسمة وشارات ولكنهم طلاب ثواب ومغفرة وليس لهم مطمع من جهادهم غير الاحتفاظ بكرامة أمتهم وجيشهم والإبقاء على عروبة فلسطين كجزء من وطنهم الإسلامي الكبير فإن حققوا ذلك فقد وصلوا إلى أقصى ما يريدون من نتائج ولكنه ألح إلحاحا شديدا وحاول إقناعي بأن الإنعام على الإخوان لا يعد انتقاصا لبلائهم وثوابهم بل هو اعتراف من الدولة بشجاعتهم وصدق جهادهم ثم هو فوق ذلك اعتراف بفضل الدعوة التي صنعتهم.

وأما هذا الإلحاح لم أجد بدا من إجابة مطلبه فأعطيته الكشف المطلوب ولقد أخبرني بعض ضباط الرئاسة أن اللواء فؤاد صادق تقدم للحكومة السعدية طالبا منح نياشين رفيعة للإخوان غير أن الحكومة اعتبرت تنفيذ هذا المطلب اعترافا منها بجهاد الإخوان وحسن بلائهم فكيف توفق بني ذلك الاعتراف وبين خطتها في القضاء على جماعة الإخوان وتشويه كل مظهر من مظاهر نشاطها؟ وكيف توفق بين هذا المسلك وبين ما تكتبه صحفها للعقاد وغيره من الكتاب المرتزقة من مقالات وبحوث يدللون فيها على خيانة هذه الجماعة وتآمرهم مع اليهود؟ فماطلت الحكومة السعدية زمنا طويلا وحاولت إقناع «فؤاد صادق» بالعدول عن مطلبه غير أن الرجل الشجاع أصر على ذلك واعتبر هذه المماطلة امتهانا لكرامته وإحراجا لمركزه، مما اضطر الحكومة لإجابة مطلبه فاختارت حلا وسطا وصدرت النشرة العسكرية في مايو سنة 1948 تحمل أسماء خمسة عشر جنديا من الإخوان المسلمين المصريين والفلسطينيين ورأت الحكومة أن تداري موقفها المخجل فسمتهم في نشرتها «جماعة المتطوعين المصريين» ثم تتابعت النشرات العسكرية تحمل الإنعام على أبطال الإخوان المسلمين في «بيت لحم» و «صور باهر» وغيرهما من المناطق ومن المضحك أن تصدر النشرات العسكرية وفيها اعتراف رسمي ببطولة جنود الإخوان، وقت أن كان الأبطال المنعم عليهم لا يزالون يقاسون مرارة الاعتقال ويعيشون كالمجرمين الخطرين خلف الأسلاك الشائكة بين معسكرات «رفح» و «الطور» و «هاكستب» وهكذا أباحت العقلية المنكوسة لنفسها معاملة طائفة من الناس على أنهم أبطال مغاوير ومجرمون خطرون في آن واحد.

المعارك الأخيرة في (النقب)

إذا لقيت عدوك فاثبت له حتى يتقهقر فإذا تقهقر فاتبعه حتى يقع فإذا وقع فاضرب عنقه.

«عمرو بن عبد العاص»

ظل الإخوان في معسكراتهم يمارسون التدريب ويستعدون للمعارك المقبلة وتطلبهم قيادة الجيش بين حين وآخر ليقوموا بأعمال الدوريات على طول الجبهة وليتسقطوا أنباء العدو ويرصدوا تحركاته ويقوموا بوضع «الكمائن» في الوديان والجبال للإيقاع بدباباته ومركباته وكثيرا ما كانت تخرج مجموعات منهم لتتعاون مع كتائب الجيش كلما وقعت اشتباكات محلية في قطاعات الميدان المختلفة ولم تدم هذه الحالة «المريحة» طويلا إذ قام اليهود بحركة التفاف واسعة قصدوا منها كما جاء في المنشورات التي ألقها قيادة القوات الإسرائيلية قبيل الهجوم إلقاء الجيش المصري خلف الحدود فقاموا بهجومهم الكبير والأخير في 25 ديسمبر سنة 1948 ونجحوا في انتزاع منطقة كبيرة من الجيش غير أنهم فشلوا في تحقيق هدفهم المنشود من استخلاص بقية فلسطين ولقد قرر الإخوان أن يساهموا في هذه المعارك الكبرى مساهمة فعالة ولا يزال الضابط والجنود يتغنون بها حتى الآن ويعتبرونها المثل الأعلى للجندية المؤمنة.

وقبل أن أخوض في تفاصيل هذه الهجمات التي أسرعت بنهاية الحرب وعجلت بخاتمتها المفجعة أود أن أبين الحالة التي كانت عليها القوات المتحاربة قبيل ذلك التاريخ ليكون القارئ على بينة من حقيقة الموقف.

وضحت في الصفحات السابقة كيف اضطر الجيش المصري أمام هجمات العدو المفاجئة خلال شهر أكتوبر إلى إخلاء المناطق الواسعة في «أسدود» و «المجدل» وما ترتب على ذلك من «إغفال» مجموعة لواء كاملة في قرية «الفالوجا» مما نتج عنه ضياعه مدينة «بئر السبع» وسقوط الجزء الشمالي من «النقب» في يد اليهود وظل اليهود في «بئر السبع» وما حولها بينما ظلت القوات المصرية تحتل بعض المواقع على الطريق الذي يربط بئر السبع بقرية العوجا، على حدود مصر الشرقية وبذلك أصبحت قوات الجيش المصري موزعة على النحو التالي:

1- القوات الرئيسية المتجمعة في منطقة غزة- رفح وفيها القيادة العامة.

2- قوات مختلطة تقدر في مجموعها بلواء تحتل بعض المواقع على طريق «بئر السبع» «العوجا» وآخر مراكزها «عسلوج» على مسيرة عسرين ميلا من «بئر السبع»


3- قوات المتطوعين المصريين والإخوان المسلمين وهي القوات التي عزلت بعد كارثة «الفالوجا» وظلت تدافع عن «الخليل» و «بيت لحم» و «صور باهر» وتقوم بتموين قوات «الفالوجا» المحصورة.

ولقد رأينا كيف نجح اليهود في اختراق خطوط الجيش المثري أمام دير البلح، وكيف انتهت تلك المحاولة بهزيمتهم المنكرة وخسارتهم الفادحة غير أنهم لم يستكينوا عقب هذا الدرس المر، فتحسسوا نقاط الضعف في القوات المصرية وقاموا بمحاولة أخرى على نطاق واسع واكتسحوا في طرقهم القوات مرة «2» التي ترابط على طريق «العوجا» «بئر السبع» ولم تستطع القوات المذكورة الصمود أمامها أو حتى مجرد تعطيلهم ذلك أنها لم تكن موضوعة كما يبدو للمقاومة فلم يراع ف توزيعها أي ضمان لسلامتها بل إن القيادة نفسها لم تكن تعرف الهدف من بقائها ولا الغرض الذي تكلف بحمايته فوق أن عددها المحدود، لم يكن يكفي للسيطرة على هذا الفضاء الفسيح الذي ألقيت فيه، ولم يكن هناك أدنى اتصال بين هذه المواقع المبعثرة في الصحراء فبين كل موقع وآخر عشرات الأميال، وكل موقع مسئول عن حماية نفسه وأخيرا لست هناك قوات مستعدة لنجدتها في لحظات المعركة الأولى!

وإن القلم ليرتجف ويأبى أن يطاوع في تسجيل المهازل والأخطاء التي ارتكبها المسئولون وما أكثرها في تلك الفترة بالذات ولست أدري حتى متى تظل هذه المآسي مختفية عن الرأي العام ومتى يفتح عينيه ليرى هذه الحقائق المخزية ويعلم انه كان مخدوعا حين آمن بالبطولات الزائفة وأنه كان مخدوعا حين أخفوا عنه الهزيمة المنكرة وراء مظاهر النصر المصطنع وأرغموه على ابتلاع العلقم المر، بعد غمسه في الشهد والعسل..

لم تستطيع هذه القوات وتلك حالتها أن تثبت فلم تلبث هذه المواقع أن انهارت وأخذ العدو يدور حول كل موقع ويمنع اتصاله بالمواقع الأخرى ثم يعمل النيران في وقواته المحصورة وانطلق الطابور الدرع في هجوم خاطف إلى «العوجا» آخر موقع للجيش في صحراء النقب فقاومت حاميتها بعض الشيء وانتظرت النجدات طويلا دون طائل حتى استسلمت وتسلل أفاردها لواذا إلى الحدود المصرية بعد تدمير أسلحتهم ومعداتهم.

وفي مساء 26 ديسمبر بالذات استدعتني القيادة العامة في رفح، حيث بين لي كل من القائمقام «سيف الدين» والقائمقام «الرحماني» من أركان حرب القائد العام خطورة الحالة ثم طلبوا مني إشراك الإخوان في المعارك التي تدور في منطقة «العصلوج» وأذكر أن القائمقام «سيف الدين» أخبرني أن القائد العام يرى بقاء قوة من الإخوان لترابط في «العصلوج» وتكون مهمتها إرباك العدو في منطقة «بئر السبع» بحركات عصابية كتلك التي كانوا يقومون بها في مناطق «الشلالة» و «تل جمعة» ولا يستطيع غيرهم القيام بها فقلت له إنني لا أمانع مطلقا في استخدام الإخوان واستغلال نشاطهم على أوسع نطاق غير أنني أرى أن عددهم المحدود لا يمكن أن يقوم بكل هذه الأعباء الكبار وأن الحكومة لو خففت الضغط قليلا لأمكن إحضار عدد آخر من مصر.

وكنت أعلم أنني أطلب مستحيلا فإن تسليم فلسطين ومصر أيضا ليهود كان أهون على السعديين والإنجليز من إعطاء شيء من الحرية للإخوان المسلمين ثم شكوت من قلة الذخائر التي لدينا فأصدر القائد العام أمره بصرف الكميات التي نطلبها من الذخائر أو الأسلحة لتخرج هذه القوة مكتملة العدة.

ولم نضيع القوات فمضيت إلى المعسكر وهناك استقر الرأي على إعداد «سرية» لتخرج من ليتها بقيادة الأخ المجاهد «حسن دوح» ويشترك معه من ضباط المعسكر الإخوان المجاهدان «عبد الهادي ناصف» و «فوزي فارس» وكان ضابط الرئاسة يتصلون بي بين لحظة وأخرى يستعجلون خروج هذه القوة ويبينون شدة الحاجة إليها، ولخطورة الموقف وارتباك الحالة وعند غروب الشمس تحركت السيارات والمصفحات بمن فيها وكان موقفا رائعا لا أنساه إذ أخذ المختلفون في المعسكر يودعون إخوانهم بالنشيد الثائر، والهتافات المدوية.

ولقد علمت من بعض ضباط الرئاسة أن اللواء «فؤاد صادق» أرسل إشارة لرئاسة أركان الحرب يخبرهم أن الموقف في العصلوج جد خطير، ولكنه أرسل الإخوان المسلمين إلى هناك يستبشر بذهابهم خيرا.

وحين حاذينا مقر القيادة العامة في «رفح» وجدت أحد ضباط الرئاسة ينتظرنا على الطريق العام ومعه سيارتان كبيرتان محملتان بصناديق الذخيرة والقنابل وسيارة ثالثة تحمل خزانا ضخما للماء، ثم أخبرني أن القائد العام ينتظرني في مكتبه ويريد أن يتحدث إلى قبل سفر القوة، فتركت الإخوان على الطريق العام وذهبت إليه بمفردي فوجدت لديه جميعا كبيرا من الضباط من ذوي الأشرطة الحمراء وكانوا قادمين من مصر على ما يبدو لمعاينة الحالة ومعاونة القائد العام في مهمته واستأذنت ودخلت فلما حييت أخذ القائد العام يبين الحالة بالتفصيل وفهمت أن هناك تطورات خطيرة قد جدت على الموقف.

كانت «العصلوج» قد انتهت وكانت مواقع «جبل الشريف» قد سقطت هي وغيرها من المواقع وفهمت أن العدو يدير معاركة في مناطق أخرى من «النقب» وأن طلائع قواته المصفحة قد اشتبكت فعلا مع حامية «العوجا»

وكانت أنباء شديدة الوقع على نفسي ومعني كل ذلك إبادة تلك القوات الكبيرة واقتحام حدود سيناء الشرقية، وتذكرت حينها قول القائمقام «سيف الدين» منذ ساعات ومطلبه الخاص بإرباك العدو في «بئر السبع» تمهيدا لمهاجمتها واحتلالها فآمنت أن القطار قد فات، وأن العدو لو نجح في احتلال «العوجة» فسيدير معاركة الهجومية في قلب الأراضي المصرية.

وعلمت مهمتي على وجه التحديد وكانت تقضي بأن أرافق قوة الإخوان حتى تستقر في تلك المنطقة وأخبرني كبار ضباط الرئاسة أن الأوامر قد صدرت لقيادة تلك الجبهة بإعطاء الإخوان حرية العمل ومنحهم أي تسهيلات يطلبونها.

بعد حديثي مع القائد العام حيبت الجميع وعدت إلى الإخوان ثم بدأنا السير وكانت وجهتنا مدينة «العريش» ورغم أن هناك طريقا قصيرا يصل «رفح» مباشرة «بالعوجة» إلا أن المسئولين من الإخوان رأوا أن التقدم عليه محفوف بالمخاطر ولم يستبعدوا وجود «كمائن» للعدو أو ألغام لتمنع أي نجدات تحاول أن تصل للقوات المنكوبة فآثرنا أن نسلك الطريق الذي يمر بالعريش.

وصلنا العريش وتجاوزناها إلى «أبو عجيلة» فوصلناها في منتصف الليل وسمعنا دوي الانفجارات العنيفة ورأينا أضواء القنابل المتفجرة تنعكس على صفحة الأفق فعلما أن المعركة لا تزال دائرة الرحى في «العوجة» وعلمت من موظفي النقطة ومن رجال البوليس أن حاميات «عسلوج» و جبل الشريف و «كوبري الإخوان» وغيرها من المواقع قد أبيدت بين أسر وقتل ومن نجا فقد اضطر لفرار والهيام على وجهه في صحراء «النقب» الواسعة.

ورأى الإخوان المسئولون أن التقدم للمعركة في هذا الوقت ليس من الصواب في شيء فالإخوان لم يناموا طوال الليل وإدخالهم في المعركة على هذه الصورة لن يأتي بأي نفع بل قد يضر أبلغ الضرر واتفق المسئولون على الانتظار في «أبو عجيلة» حتى الفجر وحتى ينال الإخوان شيئا من الغذاء والراحة وتستبين تطورات الموقف، وترجل الإخوان من سياراتهم وتناولوا شيئا من طعام خفيف ثم استلقوا على الأرض الصخرية الرطبة حتى لمعت أشعة الفجر الأولى فأذن مؤذنهم للصلاة وقمنا نتوضأ على عجل ثم صلينا الفجر جماعة، وقرأ الإمام صدرا من سورة «الأنفال» ورأينا أنفسنا نسبح في جو روحاني جميل خلال آياتها البينات ونستشعر المعاني العميقة التي استشعرها المجاهدون الأول ممن تنزلت في حقهم هذه الآيات خاصة ونحن في موقف يشبه موقفهم إلى حد بعيد.

ولما انتهت الصلاة تسابق الإخوان إلى أسلحتهم يعدونها ويختبرونها ثم امتطوا السيارات، وأذكر ا، الشهيد الكريم علي الفيومي وسيأتي ذكر استشهاده بعد حين كان يطوف على إخوانه في ابتهاج واضح مذكرا إياهم بقول الرسول صلوات الله عليه وسلامه لمقاتلي «بدر» والله لا يقاتلهم اليوم رجال فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة» وتحركت السيارات في طريقها إلى الميدان ونت أرى خلال تقدمنا أن الطريق كانت غاصة بسيارات الجيش المحملة بالجنود والذخائر وكانت كلها واقفة لا تتحرك فسألت الجنود عن الخبر عن الخبر فقيل لي إن العدو يضرب بمدفعيته نقطة على الطريق ليمنع اتصال النجدات بالقوات المحصورة في «العوجة» فلم نجد بدا من التقدم وكان الجنود المصريون يوسعون الطريق لسيارات الإخوان التي انطلقت غير عابئة بصيحات التحذير.

وعند أرض مرتفعة تعترض الطريق الرئيس رأينا قنابل العدو تتساقط فوقها ولم يكن وفي وسعنا أن نتقدم قبل أن قبل أن نقضي على هذه العقبة فقررنا الاشتباك معها ولاحظنا أن موقع العدو مستتر بعناية خلف أحد التلال المواجهة فترجل الإخوان في إحدى المنحيات وأقاموا مدافعهم وأخذوا يضربون موقع العدو بشدة حتى سكتت مقاومته وانفتح الطريق وانسابت جموع السيارات المتخلفة إلى أهدافها.

وركب الإخوان السيارات وواصلوا السر حتى وصلوا إلى مرتفع شاهق يشرف على ميدان المعركة، وهناك التقيت بنفر من ضابط الجيش فسألتهم عن قيادة المعركة وأين أستطيع أن ألتقي قائد المنطقة العام لأتلقى تعليماته وإرشاداته فأخبروني أنهم منذ الليل يحاولون العثور على أحد القادة المحليين دون جدوى، وأنهم قد جاءوا من «رفح» و «العريش» و «غزة» كنجدة سريعة لحامية «العوجة» فعجبت كثيرا لهذه الظاهرة، وطلبت من الأخ «حسن دوح» تنظيم قوته في وضع دفاعي ففعل واختفت سياراتنا خلف أحد التلال وظللنا ننتظر فترة طويلة عسى أن يأتي أحد قادة المنطقة ليحرك هذه القوات الكبيرة وطال انتظارنا دون جدوى.

وكان الموقف يدعو للأسف والسخرية: معركة محتدمة في قلب العوجة وجنودنا يقاومون فيه مقاومة الأبطال وقد بحث أصواتهم في طلب النجدة، والنجدة على مقربة منهم لا تستطيع الوصول إليهم وليس هنا أحد ينظم المعركة ويديرها هذه هي الفوضى بعينها..

وكأن العدو قد فهم ما نحن فيه من ارتباك فأرسل فصيلة من قواته تسللت عبر الوديان والجبال المحيطة بنا ثم ظهرت فجأة على مقربة منا أخذت تمطر المنطقة بوابل من النيران وأحدثت «المفاجأة» مفعولها أما سيارات الجيش الكثيرة فقد كانت طبيعيا أن تتحرك راجعة للخلف لتنجو بنفسها وبما فيها من أسلحة وذخائر، وأما الجنود فقد ارتبكت جموعهم ومما زاد في ارتباكهم عدم وجود قيادة يرتبطون بها ويتلقون تعليماتها وأوامرها فتعلقوا في ذيول السيارات المتحركة ولم تلبث الطائرات اليهودية المطاردة أن ظهرت في الجو وأخذت تنقض على هذه الجموع المختلة وتكتسحها بالنيران الحامية.

وكان من الأخطاء الواضحة في هذه المرحلة وما أكثر أخطائها نقص الحماية الجوية لهذه القوات مما جعلها عرضة لخطر الطائرات وأعطى اليهود فرصة للسيطرة على الجو سيطرة كاملة ليس فيها منازع وشعرنا نحن المحاربين بخطره حين كانت طائراته تظهر لتفرغ حولتها من النيران فوق رؤوسنا ثم تعود أدراجها لتشحن جوفها بحمل جديد من المطارات القريبة وأراضي الهبوط الواقعة في منطقة «بئر السبع»

بقي الإخوان وحدهم فوق مرتفع «العوجة» وخشيت أن تكون هناك قوات أخرى للعدو في طريقها إلينا لتفاجئنا من جديد، فتداولنا الرأي وكان علينا أن نقرر إما أن ننسحب خلف القوات المنسحبة أن نصمد فوق هذا المرتفع حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وكان الموقف بالغ الخطورة فبقاء الإخوان فوق هذا المرتفع يعرضهم للإبادة أمام عدو يفوقهم كثيرا من عدده وعدته، وانسحابهم أيضا سوف يغري العدو بملاحقتهم فيندفع وراء القوات المرتبكة ويقلب انسحابها إلى هزيمة منكرة وليس أخطر من مهاجمتها الآن وهي على ما عليه من تفكك وارتباك وأخيرا قررنا اختيار أهو الضررين يجب أن نصمد ونقاوم فإما أن تتراجع قوات العدو ونحتفظ بهذا الموقع ليكون نقطة ارتكاز لو فكرنا في استرداد العوجة، وإما أن ننجح في إشغال العدو وتعطيله بعض الوقت حتى تستطيع قوات الجيش الوصول إلى نقطة أمينة وتصبح قادرة على الدفاع عن نفسها.

واستمرت المعركة بين الإخوان والعدو فترة طويلة يئس بعدها العدو انسحب راجعا جنوبي «العوجة» يقينا وحدنا حتى وقت الزوال وكانت المعركة في قلب «العوجة» أشرفت على نهايتها ولم نعد نسمع فيها إلا طلقات متفرقة وكان أفراد حاميتها لا يزالون ينسحبون منها بعد أن يئسوا من وصول النجدات...

وبدأنا نفكر في موقفنا بشيء من القلق فإن بقاءنا فوق هذا المرتفع على مقربة من العدو يعتبر مغامرة خطرة خاصة إذا أقبل الليل وبيننا وبين قوات الجيش عشرات الأميال ولا أستبعد أن تتسلل قوات من العدو لتهاجمنا من الخلف أو تقطع علينا خط الرجعة فرأيت أن أذهب بمفردي إلى قوات الجيش وأحاول إقناع الضباط بالعودة لاحتلال المرتفع فليس هناك معنى للتخلي عن مسافة شاسعة من الأرض المصرية دون سبب وإخلاؤها على هذه الصورة المزرية سوف يغري العدو بمواصلة التقدم ركبت إحدى السيارات الخفيفة ورجعت مسافة عشرين ميلا إلى الوراء فوجدت قوات الجيش موزعة خلف التلال في انتظار تعليمات جديدة من القيادة العامة.

كانت الخطة السليمة أن يبادر الجيش فيهاجم العدو في قلب «العوجة» ويرغمه على الانسحاب منها قبل أن تستقر أقدامه فيها.

ولكن أين القيادة التي تنظم الخطة وتوجه هذه القوات الكبيرة وجهة صحيحة ولقد بلغ من تلهفي على إتمام هذه الإجراء أن اتصلت بضباط هذه القوة وأخذت أشرح لهم وجهة نظري وأطلب إليهم اختيار أحدهم قائدا علينا جميعا حتى يمكننا وضع خطة موحدة نتحمل مسئوليتها ونقوم بتنفيذها ولكني لاحظت أن حضرات الضباط الذين حادثتهم على الرغم من إيمانهم الشديد وتحرقهم للقيام بعمل جدي كانوا يشفقون على أنفسهم من تحمل المسئولية لو فشلت المحاولة وتلك ظاهرة خطيرة لمستها في الجيش في كثير من المواقف التي تعاونت معهم فيها فقد لاحظت أن المسؤوليات الكبيرة تكاد تكون مركزة في أيدي أفراد قلائل من ذوي الرتب العالية أما الضباط من صغار الرتب فمهمتهم تنفيذي تعليمات هؤلاء دون أن يكون لهم حق التصرف حتى في أتفه المسائل ولو حدث وتصرف أحدهم حسبما يرى نصيبه التأنيب إن أصاب والعقاب الشديد إن أخطأ.

هذه الأسباب وغيرها تجعل الضابط من صغار الرتب يحجمون عن تحمل المسئولية حين يجب التفكير والتصرف السريع ولست أجد وسيلة لعلاج هذه الحالة سوى تعويد الضباط الصغار على حمل المسئوليات الكبار وقد يخطئ الضابط مرة وأخرى والواجب يقضي بالتغاضي عن أخطائه وتشجيعه ما توفرت حسن النية في هذا الخطأ وبذلك تتكون شخصيته ويصبح قادرا على التصرف راغبا في تحمل المسئوليات والتبعات.

وظلنا نتناقش وقتا طويلا وبينما نحن على تلك الحالة إذ أقبلت سيارة جيب وترجل منها الأميرالاي فؤاد ثابت قائد القطاع والمسئول عن هذه المعركة والرجل الذي ظللنا ننتظره ليؤدي واجبه وقتا طويلا وبوصوله وصلت إشارة من القيادة العامة تحتم القيام فورا بهجوم مضاد لاسترداد «العوجة» وطرد العدو منها بأي ثمن، وكان هذا ما يجب عمله منذ الصباح الباكر لو كان كل إنسان يؤدي واجبه ويرضي ضميره.

وأخذ القائد يرسم خطوطا بعصاه على الأرض ويبين موقع «العوجة» على الخريطة ثم سجل «أمر عمليات» وناول كل واحد منا نسخة منه تبين دور كل وحدة في المعركة المقبلة وأخذت نسختي ومضيت على عجل إلى الإخوان لأعدهم للمعركة وتبعتني قوات الجيش ومدفعيته يتقدمها القائد وضابط أركان حربه وعدد من الضباط العظام.

وكانت «العوجة» تبدو صامتة هادئة، عدا بعض سيارات مصفحة تتحرك حولها ولم تلبث مدفعية الجيش المصري أن أطلقت نيرانها على قوات العدو المتجمعة في القرية وعلى مصفحاته المستترة خلف سفوح التلال ثم بدأ الزحف وانطلق الإخوان إلى أهدافهم وفي اللحظة الأخيرة صدرت الأوامر بمنع التقدم والتراجع إلى المرتفع.. وهكذا فشلت العملية، وسقطت «العوجة» نهائيا وبسقوطها وضع اليهود أيديهم على صحراء «النقب» كلها وأعطوا حرية التنقل بين أرجائه الواسعة في مساحة يحدها البحر الأبيض المتوسط شمالا والبحر الأحمر جنوبا كما فتحت أبواب سيناء على مصاريعها للغزاة، يدخلون من أيها يشاؤون ..

وأما لماذا فشلت هذه المعركة ورؤى عدم التقدم فيها فكان مرده إلى الروح المعنوية التي كانت قد وصلت على أقصى مراحل الانهيار والضعف وإلى القيادة المحلية التي كانت تنفذ أوامر الهجوم على الرغم منها دون أن تكون راغبة في القتال لذلك لم يلبث الجنود أن تراجعوا إلى المرتفعات الخلفية ولم يتوقف تراجعهم إلا عند مرتفعات «الطارة» على حدود مصر الشرقية.

وبهذه المعركة انتهت الحرب الفلسطينية من الوجهة العملية وتغيرت الآية وانقلبت الأهداف فبعد أن كان الهدف هو تحرير فلسطين والقضاء على العصابات الصهيونية بها وإنقاذ أهلها من الفناء والتشرد أصبح الهدف الجديد هو الصمود أمام الحدود المصرية ومنع تدفق العدو خلالها، واقتطاع شبه جزيرة سيناء فإلى أي مدي نجحنا في المحافظة على هذا الهدف الجديد؟

دور الإخوان المسلمين السوريين السياسي والتعبوي في خدمة القضية الفلسطينية

يحدثنا عنه الأستاذ عمر بها الدين الأميري أحد قادة الإخوان السوريين في ذلك الوقت وعضوا مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والذي انضم إليه مع الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان في سورية عام 1948 كمبادرة لتوحيد العمل الإسلامي الدعوي والجهاد ي يقول الأستاذ الأميري:

درس الإخوان كافة الظروف السياسية القائمة في ذلك القوت فقرروا دخول معركة التحرير بشكل غير نظامي فأوعزوا إلى شبابهم الالتحاق بمراكز التطوع والتدريب التي يشرف عليها جيش الإنقاذ أما وجهة نظرهم في ذلك فهي: أن دخولهم المعركة وحدهم قبل استكمال تدريبهم وتسليحهم لا يمكنهم من خوض معارك حاسمة كما أن ظهورهم كقوة إسلامية مسلحة يدفع القوى الاستعمارية للكيد لهم والتخلص منهم وقد كان ولكن الزعيم المصري أحمد حسين قاد مظاهرات شعبية تجوب شوارع القاهرة وهي تهتف أين الكتائب يا بنا مما أثار حماس الشارع المصري وأوقع قيادة الجماعة في حرج فاضطروا لدخول المعركة باسمهم الرسمي ولكنهم لم يمنحوا أي تسهيلات أو مساعدات مما اضطرهم أن يدخلوا كتائبهم المتميزة ضمن جيش الإنقاذ يعملون تحت شعاره ثم وزع الإخوان القياديون العمل فيما بينهم فعين كامل إسماعيل الشريف لقيادة الإخوان المصريين المجاهدين في الجنوب والدكتور مصطفى السباعي قائدا للإخوان السوريين في الشمال (منطقة القدس) وعبد القادر الحسيني القائد العسكري لهم والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري وصالح أبو رفيق للعمل السياسي وسعيد رمضان الذي عينته الجماعة رئيسا للمحكمة العسكرية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين المجاهدين في فلسطين.

استطاع الأستاذ الأميري بالتنسيق مع الأستاذ عزة دروزة وفخامة رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي أن يأخذوا موعدا لزيارة الحكومة العراقية وسافر وفد من الإخوان مكون من الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري والأستاذ محمد المبارك والأستاذ محمود الشقفة إلى بغداد وهناك اتصلوا بكبار الشخصيات العراقية الرسمية وبالمؤسسات الشعبية وبالجبهة العربية لإنقاذ فلسين والتي كان يترأسها معالي جميل بك المدفعي وحكمت سليمان وتتلخص مطالب الوفد الإخواني بما يلي:

1- زيادة عدد قوات الجيش العراقي المشارك في حرب فلسطين.

2- ضرورة التحرك خارج حدود منطقة التقسيم.


3- إقصاء الأعضاء اليهود في الجبهة والوطنية لتحرير فلسطين لعدم الاطمئنان إليهم.

ثم قابل الوفد سرا معالي حكمت سليمان الذي تجاوب معهم وأرشدهم إلى الشخصيات والمنظمات التي يجب الاتصال بهم ليساعدوهم على تحقيق مطالبهم واستكتمهم عن خبر اتصالهم به وكان ممن ساعدهم في زيارتهم سفير لبنان كاظم الصلح وأقام لهم حفلة عشاء رسمية دعا إليها السفراء وكبار رجالات الفكر والسياسة جري خلالها أحاديث هامة ومفيدة.

وبالتنسيق مع المنظمات الطلابية والجماعات الإسلامية تحركت المظاهرات عقب صلاة الجمعة في بغداد ساهمت فيها كافة فئات الشعب العراقي تطالب بتحقيق مطالب وفد الإخوان السوريين وأقام الوفد المهرجانات الخطابية لتعبئة الشعور الوطني وإثارة الحماس الديني وأمام هذا الضغط الشعبي اضطر جميل بك المدفعي رئيس الجبهة الوطنية لتحرير فلسطين لرفع عدد القوات العراقية المشاركة في حرب فلسطين من ثمانية آلاف مقاتل إلى ستة عشر ألف مقاتل بعد أن اعتذر لهم وتعلل لهم بعد إمكانية الجيش العراقي القتال في فلسين لانشغاله مع الثوار الأكراد، ثم زار وفد الإخوان النجف الأشرف واجتمعوا مع الرؤساء الدينيين مثل الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ومحسن الحكيم زعيم الشيعة في لبنان واستحصلوا منهم على بيان يدين مشروع التقسيم ويدعو إلى الجهاد في فلسطين.

وفي اليوم الذي أعلن فيه انتهاء الانتداب البريطاني عن فلسطين ودخلت الجيوش العربية أرض فلسطين كان الوفد الإخواني في بغداد وكان يوما مشهودا تحركت فيه الجماهير العراقية وأقيمت المهرجانات والتظاهرات والمحاضرات وكان الوفد الإخواني فيها دور بارز ثم قرر الوفد العودة إلى دمشق لمتابعة مساعيهم الجهادية.

اللقاء مع قائد جيش التحرير الفلسطيني

واستأنف الأميري نشاطه بالاتصال مع فخامة شكري بك القوتلي الذي أمن لهم موعدا منع طه باشا الهاشمي قائد الجيش التحرير الفلسطيني حضر المقابلة تقي الدين النبهاني الذي وصل لتوه من حيفا وكان صديقا للإخوان في ذلك الوقت ومتعاونا معهم فعرض النبهاني خارطة تحرك الجيوش العربية وبين أخطاء هذا التحرك فاستغرب الهاشمي وصول هذه الخارطة إلى المجاهدين الإسلاميين باعتبارها من الأسرار العسكرية ثم قدم له الوفد خارطة بديلة يتحرك الجاهدون فيها خارج حدود التقسيم يفاجئون فيها اليود في أماكن تجمعهم ويحتلون بموجبها مواقع استراتيجية بهجمات خاطفة فقال الهاشمي هذا المخطط يحتاج إلى خمسة آلاف متطوع فقدموا له قوائم بأسماء المجاهدين الذين يمكنهم تنفيذ هذا المخطط فقال: ومن أين السلاح؟ فقالوا: نحن مستعدون لتأمينه وعندما لم يبق له ما يحتج به فقال: نحن لا نستطيع أن نقاتل وحدنا هناك ظروف دولية لا يمكننا تجاوزها فقالوا له: باعتباركم القائد العام لجيش التحرير الفلسطيني ما هو مخططكم في هذه الحرب قال لهم: حسبنا أن نلزم اليهود البقاء ضمن حدود التقسيم بالعيش معنا بسلام فصعق القوم وأدركوا خطورة هذا المخطط المرسوم والمتوقع وانفض الاجتماع دون نتيجة إيجابية.

ومع ما شاهده الإخوان من مؤشرات غير مطمئنة إلا أنهم قرروا الاستمرار في خوض المعركة مهما كانت النتائج فأوعزا إلى شبابهم بالالتحاق في مراكز التدريب في معسكرات قطنا كما رست في نفس الوقت باخرة مصرية في ميناء اللاذقية وبيروت تقل جموع المتطوعين من الإخوان المصريين الذين لم تتسع لهم معسكرات التدريب المصرية فاستقبلوا استقبالا حماسيا ونقلوا إلى معسكرات التدريب في قطنا ثم لحق بهم بعد يومين المرشد العام حسن البنا يرافقه عشرون أخا قياديا وفوجئ الإخوان المتطوعين بمرشدهم يشاركون الاستعداد والتدريب فكانت فرحة ما بعها فرحة وبانتهاء فترة التدريب عاد الإخوة المصريون إلى مصر ومنها إلى الجهاد في فلسطين وسيحدثنا قائدهم كامل إسماعيل الشريف عن الدور العسكري والجهاد ي الذي قاموا به بعد قليل.

أما الإخوان السوريون بقيادة الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام فقد اختاروا منطقة القدس لتكون ساحة جهادهم يدافعون فيها عن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة تعبيرا عن تلاقي جهود المسلمين والنصارى في الحفاظ على المقدسات المشتركة.

وفي فندق الشرق بدمشق (أوريان بالاس سابقا) عقد اجتماع ضم الحاج أمين الحسيني والأمير عادل أرسلان وعبد الرحمن عزام والأستاذين السباعي والأميري كلف فيه المجاهد عبد القادر الحسيني قائدا عسكريا لكتائب الإخوان السوريين في منطقة القدس الشريف ومما يذكره الأستاذ الأميري: أن عبد الرحمن عزام أوصى عبد القادر الحسيني أن لا يغامر بنفسه ويجازف بحياته فرد عليه الحسيني: إن ما زودونا به من أسلحة قديمة لا تفي بالغرض لذا فلا بد أن نتلاقاه بالأرواح واستمر تعاون الإخوان مع الحاج أمين الحسيني سرا ومع كبار الشخصيات المخلصة لقضية فلسطين والتي تجمعت تحت اسم اتحاد العلماء والمؤسسات لنجدة فلسطين كان منهم: مفتي دمشق آنذاك محمد شكري الأسطواني والشيخ جميل الشطي وأحمد مظهر العظمة وغيرهم كثير كما تحركت قيادات الإخوان ضمن لجان جمع التبرعات وشراء الأسلحة وأظهر الشعب السوري البطل سخاء منقطع النظير وتضحيات تسجيل في سجل المجد والفخار.

لقاء الأميري والتل

نفذ الإخوان السوريون عدة عمليات سيحدثنا عنها فضيلة المراقب العام الدكتور مصطفى السباعي بعد قليل (أخذا عن مجلة حضارة الإسلام) وفي أثناءها سافر إلى دمشق الدكتور السباعي برفقة أمير جيش الإنقاذ في القدس الرئيس فاضل عبد الله الرشيد لتأمين السلاح والذخيرة وأثناء عودتهما إلى القدس رافقهما الأستاذ الأميري الذي شاهد سقوط الحي اليهودي الذي تم بعد نسف كنيس قدس الأقداس كما التقى هناك بالكولونيل عبد الله التل الذي حمله رسالة إلى الملك عبد الله تدور حول طلبه إلى رئيس فاضل عبد الله الرشيد بالانسحاب من منطقة القدس بحجة أنه لا يريد أن تبقى قوى عسكرية إلى جانب قواته المسلحة والظاهر أن هذا الطلب اقترحه كلوب باشا كما يشير كامل الشريف مظهرا فيه حرصه على سلامة وأمت الجيش الأردني ولكلوب فيه مآرب أخرى. حمل الأميري الرسالة إلى عمان وهناك اتصل بصديقه عبد المنعم الرفاعي الذي رتب له لقاء مع جلالة الملك عبد الله وذلك بعد صلاة الفجر في مكتبه وحمل الرسالة الجوابية إلى الكولونيل عبد الله التل مدونة بخط الملك عبد الله وكان ذلك قبل الهدنة التي فرضت على المجاهدين الذين كانوا متفوقين على الصهاينة المغتصبين وذلك لكي يعطوا لليهود فرصة التقوى والتزود بالسلاح وقد كان وعن تعاون إخوان سوريا مع الفلسطينيين الذين شاركوا في ثورة رشدي عالي الكيلاني: يحدثنا الأستاذ عمر بها الدين الأميري عن ذلك فيقول:

كانت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق بمثابة نفير عام هز وجدان شباب الأمة الإسلامية عامة والعربية خاصة فتطلعت نفوس الكثيرين منهم إلى التطوع فيها وسافرت مجموعات قليلة من الشباب المسلم كطليعة يتبعها أعداد كبيرة حين ينتهي تدريبهم وإعدادهم كما سافرت مجموعة من الشباب الفلسطينيين المتعاونين مع الهيئة العربية العليا فتألفت أرواح المجاهدين الفلسطينيين والسوريين في أرض المعركة ولكن الثورة لم تدم طويلا وانتهت بالفشل وعاد المجاهدون الفلسطينيون برفقه إخوانهم السوريين إلى سوريا خوفا من بطش حكومة الانتداب البريطاني من بينهم الشيخ حسن أبو السعود مفتي الشافعية في فلسطين والساعد الأيمن للحاج أمين الحسيني والسادة إسحاق درويش وعزة دروزة ومنيف الحسيني وسواهم كما لجأ بعض الإخوة الفلسطينيين إلى حلب أثناء فترة الأحكام العرفية فأمن لهم إخوان حلب (دار الأرقم سابقا) مخابئ ريثما يوفرون لهم مكانا آمنا كان أحد هذه المخابئ مزرعة الشيخ عادل باس في الوقت الذي تخلت عنهم كافة الأحزاب السياسية خوفا من بطش السلطة.

وبعد مفاوضات مع السلطة التركية سمح لهم بدخول تركيا فرحلوا إليها باستثناء السيد منيف الحسيني الذي رفض قبوله بسبب تهجمه على سياسة مصطفى كمال أتاتورك في مقالاته الصحفية فبقي الحسيني متنكرا عند أحد وجهاء الأحياء في حلب رثيما يحين موعد الحج فأمن له الإخوان جواز سفر تركي وخرج في موسم الحج مدعيا أنه هرب من تركيا لأداء فريضة الحج وما أن وصل السعودية واتصل بحكومتها حتى رحب به عاهلها وأكرمه بما هو أهل له، أما بقية الشباب الفلسطيني فظلوا مختبئين في حلب حتى تغيرت الظروف السياسية في فرنسا واستلم ديغول بدل المارشال بيتان وبدأت المخابرات تتعرف على الشباب الفلسطيني الذي بدأ يخرج من مخبئة فهربهم الإخوان إلى تركيا حيث كان بانتظارهم هناك الحاج أمين الحسيني وفي ألمانيا تم تدريبهم على المتفجرات وأرسلوا إلى القدس حيث تم على أيديهم تدمير كنيس قدس الأقداس الذي استعصى على الإخوان نظرا لاتصاله بخنادق تحت الأرض تصله بأحياء يهود القدس الجديدة الذين يزودون المقاتلين اليهود بالسلاح والذخيرة والطعام وممن حاول دعم ثورة رشيد عالي الكيلان الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف وكان ضابطا في الجيش المصري فقد هرب بتاريخ 16 مايو 1941قبل يومين من إخماد ثورة اليكلاني حيث هرب برفقة الفريق عزيز المصري والضابط حسين ذو الفقار صبري من مطار المازة إلا أن الطائرة التي هربوا بها سقطت بالقرب من قيلوب نتيجة تخريب مقصود في الميكانيكي الذي أقفل مفتاح الزيت وتم القبض عليهم وأحيلوا لمحكمة عسكرية.

1- وحين صدر قرار التقسيم نظم الإخوان المسلمون في سوريا مظاهرة كبرى بتاريخ 30/ 11/ 1947 شاركت فيها كافة فئات الشعب السوري من علماء وطلاب وعمال وغيرهم يستنكرون مشروع التقسيم وقد توجه المتظاهرون إلى السفارة الأمريكية في دمشق يحتجون على موافقة أمريكا على مشروع التقسيم فهاجمت الجماهير المتظاهرة السفارة الأمريكية وحطمت أبوابها وحرقت العلم الأمريكي.

كما اتجه المتظاهرون إلى مراكز الحزب الشيوعي وكان مرخصا آنذاك وإلى مكتب جريدتهم صوت الشعب فأضرموا فيها النيران بسبب موقفهم المؤيد لتقسيم فلسطين ومنذ ذلك الحين حل الحزب الشيوعي السوري وسحب ترخيصه ولا زال الحزب محظورا حتى وقتنا الحاضر.

وقد نشرت مجلة الوطن العربي في عددها 209 نص برقية بعث بها سفير الولايات المتحدة الأمريكية بدمشق جاء فيها: أن مظاهرة صاخبة يبدو أنها منظمة بدقة من قبل الإخوان المسلمين وبعض الطلاب قد هاجمت السفارة الأمريكية والمفوضية الفرنسية والبلجيكية في دمشق احتجاجا على قرار تقسيم فلسطين.

كما هاجمت مكاتب جريدة صوت الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوري الذي أيد قرار التقسيم وأن السفارة أصدرت أوامرها للرعايا الأمريكيين القاطنين بدمشق بضرورة التزام بيوتهم.

2- ولكي لا تنسي قضية فلسطين تقدم الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان في سوريا ونائب دمشق بمشروع قرار إلى البرلمان السوري عام 1949 يطالب فيه أن تدرس قضية فلسطين كمادة مستقلة في مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي ودون كبير عناء قرر البرلمان السري إضافة مادة فلسطيني إلى مناهج مرحلتي الإعدادي والثانوي ولم تلغ حتى عهد قريب بعد عام 1953 ولكي لا تنسى قضية فلسطين.

3- دعي الإخوان إلى تأسيس مؤتمر إسلامي شعبي يضم العاملين للإسلام في كافة أنحاء العالم الإسلامي رسميين وغير رسميين استلم أمانة سره الأخ سعيد رمضان وهذه بعض أهدافه نشرت بنص الحديث الصحفي بين الأستاذ سعيد رمضان الأمين العام للمؤتمر الإسلامي ومندوب وكالة الصحافة المتحدة.


س: ما هي أهداف المؤتمر الإسلامي في القدس وما الذي قام به من أعمال؟

ج: المؤتمر الإسلامي في القدس خاص بقضية فلسطين وهدفه معاونة المليون لاجئ الين يطالبون بحقهم الطبيعي في العودة إلى بيوتهم في الأرض المغتصبة التي قامت عليها إسرائيل ومعاونة العرب المقيمين في الجزء الباقي من فلسطين على دفع العدوان الذي يهددهم على سائر الحدود ومهمة المؤتمر في ذلك تنظيم التعاون بين الشعوب العربية والإسلامية حسب منهج وضعه ممثلوها الذين اجتمعوا من عشرين قطرا في القدس قبل سنة واستطاع المكتب الدائم خلال هذه السنة أن يقدم لسكان القرى الأمامية مساعدات مادية من أمول وألبسه وأدوية ومواد غذائية وأدوية طبية، كما استطاع أن ينفذ جزءا من خطة كاملة لتحصين القدس ضد العدوان فبني بعض أسوار وقائية ومواقع دفاعية وكان لدعاة المؤتمر ومبعوثيه المتجولين ومطبوعاته أثر في تقوية المعنويات وفي إطلاع الرأي العام العربي والإسلامي على حقائق قضية فلسطين ومن مهمة المؤتمر كذلك إيضاح هذه الحقائق للرأي العام العالمي الذي غلبته الدعاية الصهيونية القوية، وقد أعد المكتب الدائم نشرات باللغات الأجنبية لتوزيعها بواسطة مندوبيه في مختلف الأقطار.

س: هل للمؤتمر مراكز عاملة في أقطار أخرى؟

ج: للمؤتمر مراكز عاملة في أندونيسيا وباكستان وبورما وسيام والملايو وفي سائر الأقطار العربية.

س: كيف يستطيع الإسلام في رأي الإخوان المسلمين أن يساهم في بناء دولة في القرن العشرين؟

ج: لا يختلف القرن العشرين عن القرن الأول بالنسبة للأصول التي وضعها الإسلام لبناء الدولة وأعني الإسلام القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أما ما سوى ذلك من أقوال الفقهاء العلماء التي امتلأت بها المكتبة الإسلامية فهي اجتهادات قد تصيب وقد تخطئ ومحاولات لمواجهة حاجات الأمة في كل عصر حسب ظروفه والقرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحددا إلا القواعد العامة التي تمليها القيم الرفيعة التي لا يجوز أن تختلف على مر العصور التي لا تختلف بالنسبة للإنسان من حيث هو مهما اختلف وطنه ولونه ولغته وتركا للعقل البشري بل واجبا عليه أن يبتكر في كل عصر ما يستطيعه وما تستلزمه ظروف حياته في نطاق هذه القواعد العامة وخذ مثلا على ذلك نظام الحكم في الإسلام فإن الكتاب والسنة لم يحددا في هذا المجال الواسع إلا أصولا أربعة.

1- إرادة الأمة هي المصدر الشرعي الذي تنبثق عنه أوضاعها العامة والله تعالى يقول في القرآن ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ ويتبع ذلك أن كل نظام يقوم على استبداد فرد أو مجموعة نظام يفقد شرعيته التي يقول في ذلك قولا صريحا «من بايع أميرا من غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا للذي بايعه»

2- الحاكم المسؤول أمام الله وأمام الأمة، والنبي يقول: «الإمام راع وهو مسئول عن رعيته» ومعنى ذلك أن الحاكم في ظل الإسلام ليس له قداسة تبرر خطأه إذا أخطأ أو نعفيه من محاسبة الناس له، ولقد خطب الخليفة الأول أبو بكر حين ولي الكم فقال: «فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني» وخطب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فقال: «من رأى في إعوجاجا فليقومه»


3- والعدل واجب بالنسبة للناس جميعا يتساوى في ذلك الحاكم والمحكوم والمسلم وغير المسلم والمواطنون والأجانب والله يقول في القرآن ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾ ولقد فرض الله في القرآن العدل حتى مع الأعداء فقال ﴿ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾.

4- الطاعة واجبة على كل فرد في الأمة لنظام الحكم القائم ما دام يلتزم الأصول الثلاثة التي قدمنا فإذا انحرف عنها وجب على كل فرد ألا يخضع للانحراف وأن يبادر إلى إبداء رأيه في تصحيحه والقرآن يقول ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾.


بقي أن تعلم أن الأمر الذي لا يزال جديدا على العالم من وراء هذه الأصول في نظام الحكم وفي سائر نظم الإسلام هو أن الإسلام يعتمد في تطبيق هذه الأصول على ضمير الفرد قبل العقوبة وقبل سلطان الجيش والبوليس ويحرص على أن يكون هذا الضمير غنيا حيا موصولا بالله مقبلا على الحياة إقبالا واعيا نظيفا مستشعرا أن كل نشاط يمارسه في أية ناحية من نواحيها عبادة.

إن الإسلام يريد أن تكون لبنة المجتمع البشري الفرد الصالح الذي تصبح حياته وحدة لا تتجزأ في ظل الإيمان بالله.

نص المقرر التي أتخذتها الهيئة العام للمؤتمر الإسلامي المنعقد في دمشق من 26 إلى 30/ 6/ 1956 في قضية فلسطين:

من بين مقررات المؤتمر في قضية فلسطين هذه المقررات:

1- يؤكد المؤتمر الإسلامي العام ما قرره في دورته الأولى المنعقدة في القدس.

أ‌- إعلان بطلان الوضع الذ أحدثه اليهود في فلسطين بما يشتمل عليه من تقسيم واحتلال واعتبار كل ذلك وما نشأ عنه من تشريد للمواطنين وغصب حقوقهم اعتداء على حقوق المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها.

ب‌- اعتبار الصلح مع إسرائيل أو التعامل معها خيانة عظمة يثأر لها واعتبار التفكير في تدويل القدس مؤامرة استعمارية يقف العالم الإسلامي في وجهها.


ت‌- يحذر المؤتمر في كل محاولة يراد بها جر حكوماتنا وشعوبنا إلى اعتراف ضمني أن تعامل مع إسرائيل ويعلن رفض الشعوب القاطع لمشروع جونستون وغيره من المشروعات الاستعمارية

2- يقرر المؤتمر الإسلامي أنه لكي نطمئن على سلامة بلادنا أمام المحاولات التوسعية اليهودية لابد أن تولي الحكومات العربية والإسلامية عناية خاصة لقرى الحدود الأمامية العربية وضرورة تحصينها تحصينا جيدا وإمداد سكانها بكل الوسائل التي تمكنهم من الصمود والارتفاع بمستواهم من النواحي الدينية والاقتصادية والمعنوية ويقرر المؤتمر أنه يضع جهوده تحت تصرف الحكومات التي تسير بهذا الاتجاه

3- يوصي المؤتمر الإسلامي حكومات البلاد العربية الأعضاء في الجامعة العربية أن يعملوا على إيجاد اتحاد عربي شامل وإلى أن يتم ذلك يرى المؤتمر ضرورة قيام وحدة عسكرية شاملة بين الجيوش العربية.


4- يطلب المؤتمر الإسلامي من حكومات البلاد الإسلامية وإمارات الخليج العربية التي لم تقاطع إسرائيل اقتصاديا بالمبادرة بمقاطعتها تضامنا مع حكومات الجامعة العربية ويوصي الأمانة العامة للجامعة بإنشاء فروع لمكاتب المقاطعة في جميع هذه البلاد.

5- يوصي المؤتمر الإسلامي بضرورة تشديد الحصار الاقتصادي على إسرائيل وجعل عقوبة الإعدام جزاء لمن يثبت تعامله مع مؤسساتها.


6- إلى أن يتحقق اشتراك حكومات البلاد الإسلامية اشتراكا فعليا في تحرير فلسطين يوصي المؤتمر بضرورة السعي لإيجاد علاقات قوية بين الجيوش العربية والإسلامية والتوسع في تبادل البعثات العسكرية وتبادل المعلومات فيما يتعلق بالنشاط الصهيوني الهدام.

7- يوصي المؤتمر الحكومات الإسلامية وخاصة الحكومات العربية بضرورة معاونة الأردن في إنجاز مشروعاته الاقتصادية حتى يتخلص نهائيا من المعونة الأجنبية.


8- يقرر المؤتمر أن قضية اللاجئين جزء من القضية السياسية لفلسطين غير منفصل عنها ويجب أن تبقى قضيتهم قائمة ما ظل جزء من فلسطين محتلا ويرى أن قضيتهم لا تحل إلا في أرض فلسطين.

9- يوصي المؤتمر الحكومة العربية بأن تعامل اللاجئين معاملتها لمواطنيها من ناحية الحقوق التي لهم والواجبات التي عليهم فتيسر لهم سبل العمل وتؤمن لهم حرية التنقل مع الاحتفاظ بكيانهم الفلسطيني الذي هو المظهر الحي لقضية فلسطين.


10- يرى المؤتمر أن العودة المنشودة للاجئين هي العودة إلى وطنهم المحرر وأن التعويض المطلوب هو عما لحق بممتلكاتهم وأموالهم من خسارة وتدمير واستغلال على أن يحتفظوا بحقهم التام باستعادة تلك الممتلكات والأموال.

11- يقرر المؤتمر وجوب المبادرة إلى تنظيم نشاط واسع بين اللاجئين من الناحية الروحية بالدعوة والتربية ومن الناحية الثقافية بإنشاء مدارس ومؤسسات توجيهية ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية بإنشاء مشاريع فعالة تستوعب الممكن من طاقات اللاجئين وتحسين أحوالهم، وبذلك جميع الوسائل لتقوية كيانهم بوصفهم أصحاب القضية الأولى وصف معركتها الأمامية ويعهد المؤتمر إلى مكتبه الدائم ثم بتنفيذ ذلك كله ويهب بالشعوب الإسلامية أن تبادر إلى الإسهام المادي الوافر الذي يعين على الاضطلاع بالأعباء.


12- يدعو المؤتمر الحكومات العربية إلى المزيد من العناية بشئون اللاجئين المعاشية والصحية والثقافية والدينية والاجتماعية والسكنية على أن تبذل جهود خاصة بتقوية روحهم المعنوية ومكافحة التيارات التي تحاول أن تستغل نكبتهم لتوهن عقائدهم الدينية والوطنية.

13- يدعو المؤتمر الحكومات العربية أن تجعل من اللاجئين مجاهدين وذلك بتدريبهم وإعدادهم وتسجيلهم وإلحاقهم بالجيوش العربية.


14- يوصي المؤتمر بأن تبذل للذين فقدوا أملاكهم في الخطوط الأمامية في فلسطين نفس العناية التي تبذل للنازحين.

15- يوصي المؤتمر الحكومات العربية بضرورة الإشراف على أعمال وكالة الغوث الدولية إشرافا تاما وأن تمنع الوكالة منعا باتاً من تنفيذ مشاريع الإسكان والتهجير المراد منها تصفية قضية اللاجئين.


16- يقر المؤتمر تكليف المكتب الدائم بالعمل على بعث شركة إنعاش القدس الخيرية الإسلامية وطرح أسهمها للبيع في العالم العربي والإسلامي ويناشد الشعوب العربية الإسلامية أن تبادر للمساهمة فيها.

17- يؤكد المؤتمر ما سبق أن قرره في دورته الأولى بجعل يوم 27 رجب من كل عام يوما لفلسطين في جميع أنحاء العالم الإسلامي لجمع التبرعات بهذه المناسبة وتذكير المسلمين بواجبهم حيال فلسطين.


دور الإخوان المسلمين السوريين العسكري في معارك فلسطين

عن مجلة حضارة الإسلام العدد الرابع السنة الرابعة

للدكتور مصطفى السباعي

رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق

المراقب العام للإخوان في سوريا

لم يحن بعد نشر المذكرات التي دونتها عما شاهدته في معركة فلسطين بعد قرار التقسيم لظروف واعتبارات متعددة وإنما أوجز القول هنا في دور الإخوان المسلمين في تلك المعركة وقبلها لا تبجحا بما قاموا به من ضروب التضحيات، فقد علمنا الإسلام كراهية التفاخر بالأعمال والتحدث عنها إلا الضرورة ولكن تسجيلا لتاريخ قد يطمسه بعض المؤرخين والكاتبين من سهو أو عدم إطلاع أو سوء نية. كان الإخوان المسلمون أول هيئة عنيت بالقضية الفلسطينية على الصعيد الشعبي ونستطيع أن نحدد بدء هذه العناية بأواسط الحرب العالمية الثانية عام 1942 أو 1943 فقد اجتمعت ذلك العام بالأخ المجاهد الشيخ نمر الخطيب في فندق أمية بدمشق وكنت أرحب بزيارته لدمشق قادما من فلسطين فحدثني عن استفادة يهود فلسطين من الحرب العالمية الثانية حيث شكلت السلطات البريطانية لهم كتائب تتدرب على القتال وأمدتهم بالأسلحة والذخائر واتفق أن وصلت إلى حيفا خلال سنى الحرب صناديق كبيرة باسم بعض المحلات التجارية اليهودية على أنها تحمل أقمشة وسلعا فتحطم منها صندوق على الرصيف فإذا به يحتوي على مسدسات وبنادق سريعة الطلقات وغيرها فعلم سكان حيفا بالأمر مما جعل الشهيد الشيخ عز الدين القسام رحمه الله يعتزم القيام بثورته مع إخوانه ومريديه وقد كان يعمل لها سرا منذ سنين أقول ولقد حضرت له درسا في بعض مساجد حيفا ليلة الإسراء والمعراج وكنت في طريقي إلى القاهرة فأدهشتني قوة روحة وتوجيهه وما يبثه في الناس من آيات الفداء والاستشهاد على تقديمه في السن ثم يقال لي الأستاذ الخطيب: إن الوضع في فلسطين خطر ونحن عرب فلسطين يحظر علينا حمل أبسط أنواع السلاح والعرب والمسلمون غافلون عما يبيت لفلسطين من شر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فهل لك أن تعلن صوت النذير والإيقاظ؟ وكان حديثا دمعت له عينانا وعاهدنا الله على أن نبدأ العمل.

وألقيت أول محاضرة عن فلسطين نشرتها جريدة القبس كاملة في مقر الإخوان وكان اسمهم يومئذ الشبان المسلمين في باحة مسجد الدرويشية بدمشق وانتهت المحاضرة بحماس من المستمعين خرجوا على أثرها في مظاهره كبرى تهتف لفلسطين وتدعو إلى العمل من أجلها حتى إذا وصلت المظاهرة أمام مديرية الشرطة العامة على ضفة بردي خرج مدير الشرطة العام وكان يومئذ الدكتور عبد الكريم العائدي وأبدى دهشته من مثل هذه المظاهرة الليلية حيث كانت الأحكام العرفية معلنة والتجمعات ممنوعة بمناسبة الحرب وحاول فض المظاهرة بالحسنى فأبى الجمهور إلا أن تصل إلى فندق الشرق حيث كان يقيم رئيس الوزراء السيد سعد الله الجابري رحمه الله، ولما وصلت إلى ساحة محطة الحجاز حيث فندق الشرق رغب المظاهرون في إرسال وفد منهم لمقابلة رئيس الوزراء حيث يشرحون له خطورة القضية الفلسطينية فأبى استقبال الوفد وأرسل مدير الشرطة العام ليحمله المتظاهرون مطالبهم ثم تفرقت المظاهرة.

وانتقلت بعد ذلك إلى جميع المدن السورية أشرح للجماهير خطورة الوضع حتى اتهمني الغافلون عن حقائق الأمور في فلسطين بأني أبالغ كثيرا فيما أسرده من حقائق.

ولما انتهت الحرب العالمية الثانية أخذ الإخوان المسلمون يعملون لفلسطين في ثلاثة ميادين:

1- الصعيد الرسمي بتقديم المذكرات للحكومة والجامعة العربية .

2- الصعيد الشعبي بالمحاضرات والاجتماعات العامة في المدن والقرى


3- الصعيد العملي حيث أرسل الإخوان بعض شبابهم ليزوروا فلسطين ويطلعوا على أحوال اليهود فيها فزاروا يافا وتل أبيب وحيفا والقدس وكثيرا من المستعمرات اليهودية.

فلما كانت كارثة التقسيم عام 1948 وهب الشعب في جميع البلاد العربية يطالب بالتطوع في القتال لمنع التقسيم أخذ الإخوان يعقدون الاجتماعات العامة يبينون خطر الكارثة ووضعوا لذلك ميثاقا أخذوه على الجماهير بتأليف جيش لتحرير فلسطين يتطوع فيه كل قادر على القتال ويرفض التقسيم والدفاع عن عروبة فلسطين وأعلنوا فتح باب التطوع في مراكزهم في جميع أنحاء البلاد وأقبل الشعب إقبالا منقطع النظير على تسجيل أسمائهم كمتطوعين في جيش التحرير المرتقب ولكن الحكومة فاجأتنا بقرار يمنع أية هيئة نم تسجيل المتطوعين وكان واضحا أننا نحن المقصودون بهذا القرار إذا لم تكن هناك هيئة أعلنت قبول المتطوعين غير الإخوان ثم اتخذت الجامعة العربية قرارا بتأليف جيش الإنقاذ وافتتحت الحكومة مراكز للتطوع فطلبنا منها أن يكون شبابنا منضمين في كتائب خاصة بهم تحت قيادة جيش الأنقاد فرفضت ذلك، مما دعا إخواننا إلى الاندماج في كتائب المتطوعين ولكن ما سارت أفواج المتطوعين إلى فلسطين حتى جاءتنا رسائل الإخوان المتطوعين من كل مكان تستغيث من الجو الذي يعيشون فيه ويطلبون إلينا أن تكون لهم كتائب خاصة بهم ينسجمون فيها مع عقيدتهم وعبادتهم وأخلاقهم.

كانت فكرة المسئولين قائمة على أن المتطوعين يجب أن يكونوا من العامة وذوي السوابق في الجرائم أو المتعطلين عن العمل فقد قال لي مسئول كبير: إنك تحمس الشباب المتعلمين للتطوع في حرب فلسطين ومن الحرام أن نرسل بهذه الزهرات ليموتوا هناك وخير منهم العاطلون من القبضايات أي الشطار وأهل الفتوة ممن عرفوا بالجرأة في القتل والضرب) وهؤلاء موجودون بلا عمل فلنرسلهم إلى هناك فقلت له: إن معركتنا مع اليهود ليست معركة أجسام وزنود بقدر ما هي معركة وعي وتضحية وإيمان وإننا سنقاتل في فلسطين شبابا من اليهود أعدوا فكريا وعسكريا لهذه المهمة منذ سنوات.

هذا هو السبب في أننا طلبنا أن تكون لسبابنا كتائب خاصة بهم تحت قيادة جيش الإنقاذ وأخيرا عدنا إلى الإلحاح مرة أخرى في السماح لشبابنا بتشكيل كتائب خاصة بهم فكان الجواب: إذا أردتم أن تذهبوا في أفواج خاصة فنحن لا نقدم لكم سلاحا بل يجب أن يكون سلاحكم منكم هذا مع أن الجامعة العربية أرصدت لجيش الإنقاذ مبالغ طائلة وكل المتطوعين عندهم يقدمون لهم أسلحتهم وذخيرتهم وألبستهم فليس امتناع المسئولين عن إعطائنا السلاح إلا تحميلنا ما لا نقدر عليه فقد بلغ ثمن البندقية ألف ليرة سورية (مائة جنيه استرليني) وأكثر شبابنا المتحمسين للقتال طلاب وعمال فكيف نستطيع أن نتحمل ثمن أسلحتهم ولم نجد بدا من عرض الأمر على الإخوان المتطوعين فكان من حماستهم ما يذهل ويدهش فمنهم من تبرع بثمن بندقية ومنهم من اشترك مع أخ أو أخوين من ثمن بندقية ولا أستطيع الآن أن أفيض في تسجيل هذه المآثر وحسبي أن أذكر شيئا مما تيقنته بنفسي فقد رأيت بعضهم وكان على أهبة الزواج يبيع أحدى سجادتيه اللتين اشتراهما لزواجه ورأيت منهم من باع بعض ثيابه ورأيت من استدان وهكذا...

وأخذنا نفتش عن السلاح وكان نادرا وغاليا واضطرني ذلك لإقامة شهر كامل في محافظة حلب نتجول في كل يوم في القرى المتاخمة للحدود التركية لشراء البنادق والمسدسات حتى إذا تم لنا تجهيز السلاح لكتيبة كاملة انتقينا من مئات إخواننا المتطوعين في مختلف المحافظات السورية من نعلم خلوهم من عائق القتال في فلسطين واضطررنا للاقتراع بينهم فغضب لذلك كثيرون حتى أن بعضهم قدم استقالته من الإخوان لأننا حلنا بينه وبين الجهاد في سبيل الله ..

التدريب في معسكر قطنا

تم الاتفاق بيننا وبين طه الهاشمي على أن تذهب كتيبة الإخوان في موعد معين إلى معسكر قطنا للتدريب على أساليب القتال واتفق قبل ذهابنا بيومين أن وصلت كتيبة من كتائب الإخوان في مصر لتشترك معنا جنبا إلى جنب في القتال في المكان الذي ألححنا أن نكون فيه وهو مدينة القدس وكان القتال فيها من أخطر المعارك إذ كانت المعركة بين بيت وبيت ولا يفصل بين مواقع المجاهدين العربي وبين اليهود إلا شارع ضيق لا يزيد عرضه عن بضعة أمتار في كثير من الأحيان.

إلى فلسطين

بقينا في معسكر قطنا نحو شهر ونصف حتى حان موعد ذهابنا فسافر الفوج الأول من إخواننا بقيادة الملازم عبد الرحمن الملوحي وصحبه البطل الشهيد عبد القادر الحسيني وقد حضر هذا الفوج معه معركة «القسطل» التي استشهد فيها رحمه الله ثم سافر الفوج الثاني وكان معنا مجاهدون آخرون بقيادة ضابط مسيحي من أبناء فلسطين أذكر أن اسمه «عيسى» واجتزنا جسر اللنبي إلى فلسطين وتقرر أن نتجه إلى أريحا قرب القدس ثم ننتقل منها إلى القدس وتوزعنا على بيوت قرية مجاورة اسمها «البيرة» على ما أظن وكان من نصيبي أن أبيت تلك الليلة في بيت خوري القرية وقد لقيت منه ومن أسرته كل ترحاب وإكرام واتفق فور وصولنا إلى «أريحا» أن جاءنا طلب النجدة لمعاونة المجاهدين في معركة «نيفي (النبي) يعقوب» فخرجنا في ظلام الليل إلى تلك المستعمرة وانقسمنا فريقين سار كل فريق في اتجاه وضل دليلنا الفلسطيني طريقه في تلك الليلة المظلمة فاجتزن منطقة صعبة تفيض بالمرتفعات والمنخفضات ولما وصلنا إلى المستعمرة كان صوت القنابل والرصاص قد خف، وأخذنا مواقعنا الحصينة وراء الصخور فسمعنا أصواتا تدل على وجود جماعة كبيرة قرب المستعمرة اليهودية ولكنا تريثنا حتى أرسلنا بعض الفدائيين يكشفون أمرهم فعادوا يخبروننا أن تلك الجماعة هم الفريق الثاني من إخواننا كنا نرى بين حين وآخر أضواء خافته تنبعث من المستعمرة فنوجه إليها نيراننا حتى إذا أوشك الصبح أن يطل علينا عدنا إلى أماكننا المخصصة لنا في القرية وفي الصباح وجدنا فيها عددا من مجاهدي الجهاد المقدس الذي تشرف عليه الهيئة العربية العليا وبعد الظهر انتقلنا إلى بيت المقدس.

في المسجد الأقصى

كان فرحنا عظيما إذ أتيح لنا أن ندافع عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين وأن نستشهد في هذه البقعة المباركة وقد وجدنا في القدس فوجا من العراقيين المتطوعين يرأسهم المجاهد السيد فاضل رشيد عبد الله عدا من كان فيها من مجاهدي القدس ممن تضمهم منظمة «الجهاد المقدس» ثم توزع الإخوان على مناطق القدس العربية التالية: الشيخ جراح، المصرارة، سعد وسعيد، والقطمون وكان المسؤول عن المناطق الثلاثة الأولى الأخ عدنان الدبس، والمسؤول عن القطمون كلا من الأخوين: زهير شاويش والمرحوم كامل حتاحت وتألف من إخواننا فريق الانضباط لحفظ الأمن في المدينة بقيادة الشهيد ضيف الله مراد، ثم انضم إليه بعد انتهاء معركة القطمون الأخ زهير شاويش الذي طارد اللصوص والفجا وأغلق الخمارات وأندية القمار، وقد شعر سكان المدينة بالأمن والطمأنينة منذ استلامنا انضباط المدينة فجاء وفد منهم إلى القيادة معربا عن شكره وامتنانه وبقي في القيادة عدد منها للإشراف على الاتصال بين المراكز وأمور السلاح والذخيرة وكان يشرف عليهم الأخ لطفي السيروان.

وكان منامي في غرفة القيادة بالروضة المطلة على المسجد الأقصى مع الضابط فاضل عبد الله والملازمين عبد الرحمن الملوحي وجمال الصوفي.

معاركنا في القدس

كان من واجبنا أن نضيق الخناق على يهود القدس الحديث والقديمة وكان فريق من مجاهدي الإخوان المصريين بإشراف الأخ محمود عبده وقيادة البطل الشهيد أحمد عبد العزيز يرابطون في «صور باهر» القرية العربية الواقعة جنوبي القدس كما كان فريق من إخواننا الأردنيين بقيادة الأخ الحاج عبد اللطيف أبو قورة يرابطون في «عين كارم» الواقعة غربي القدس وقد استطاع المجاهدون الفلسطينيون قطع الطريق الموصل من تل أبيب إلى القدس بعد معارك طويلة عند «باب الواد» اشتركت فيه مدفعية جيش الإنقاذ وحضرنا جزءا منها وبذلك أصبح يهود القدس ومستعمراتها القريبة منها مطوقين تطويقا تاما إذ كان العرب أيضا يسيطرون على طريق القدس الشرقي لأنه طريق أريحا وعمان، كما كانوا يسيطرون على طريق القدس الشمالي إذ كان طريق نابلس العربية ويسيطر على مدخله حي الشيخ جراح العربي.

كانت المعارك بيننا وبين اليهود في أطراف القدس وداخلها مستمرة لا ينقطع فيها أزيز الرصاص والرشاشات والقنابل ساعة واحدة في ليل أو نهار من خلال نوافذ البيوت أو منعطفات الطريق أو الهجمات المباغتة على مراكزهم أو هجماتهم على مراكزنا وكثيرا ما كانت ترسل النجدات المتعددة في يوم واحد إلى مراكزنا من المجاهدين الاحتياطيين الموجودين في مقر القيادة.

اشتداد المعارك بعد جلاء الإنجليز

ولما جلا الإنجليز عن فلسطين في 15 أيار (مايو) عام 1948 أضافوا إلى سلسلة مؤامراتهم على العرب مؤامرة جديدة إذ أخبروا اليهود سرا بواسطة بناتهم اللاتي كن يعاشرن الضباط الإنجليز عن موجد جلائهم عن المراكز العسكرية التي كانوا يحتلونها في منطقة القدس وكانت كحاجز بين جماهير العرب وجماهير اليهود المدنيين مما كان يمكنهم من مزاولة أعمالهم والبقاء في بيوتهم فلما تم احتلال اليهود لتلك المراكز يوم 15 أيار أصبح وضع العرب في القدس محرجا لقلة المقاتلين والذخيرة عندهم مما يستحيل معه احتفاظهم بأكثر أحيائهم العربية في القدس الحديثة وأذكر أننا خرجنا في صباح ذلك اليوم إلى مستعمرات «كفار عصيون» الواقعة جنوب القدس على طريق الخليل إثر معركة نشبت بين اليهود في هذه المستعمرات وبين كتيبة من الجيش العربي بقيادة الكولونيل عبد الله التل وانتهت بتدمير المستعمرة الرئيسية تدميرا تاما واستسلام سكان المستعمرات المجاورة لها وقد كان طريقنا إلهيا من باب الخليل في القدس مارين بحي منتوفيوري اليهودي الذي كان المجاهدون الفلسطينيون بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني قد دمروا أكثر أبنيته الضخمة خرجنا في الصباح وكان الإنجليز يتأهبون لمغادرة القدس وقد اصطفت قوافل سيارتهم العسكرية في رتل طويل جنوب القدس ولما انتهينا من الإشراف على استلام الأسرى اليهود الذي أبوا أن يستسلموا إلا للجيش العربي دون المجاهدين العرب ونقلوا في سيارات الجيش العربي إلى عمان وقد قيل يومئذ أن من بين الأسرى بنت الزعيم اليهودي (وايزمن) ولم نتأكد نحن من ذلك لأن البنات الأسيرات اللواتي كن يقاتلن مع الرجال أبين أن يخبرن عن أسمائهن لما انتهينا من ذلك كان القوت قد أشرف على الغروب فلما اقتربنا من القدس كان اليهود قد قطعوا الطريق إلى باب الخليل باستحكاماتهم التي أقاموها على أطلال حي مانتوفيوري فوجدنا أنفسنا معرضين لنيرانهم مما اضطرنا إلى ركوب سيارة مصفحة كان المجاهدون المقدسيون قد غنموها من اليهود في إحدى معاركهم ولما وصلنا مقر القيادة وجدنا الأمر قد تغير تماما وأكثر سكان الأحياء العربية المتاخمة لليهود قد هجروها إلى داخل مدينة القدس.

معركة القطمون

حي القطمون هو أهم حي عربي في القدس الحديثة واقع في جنوبها ويشبه إلى حد كبير حي «أبي رمانة» في دمشق إذ كان يقطنه سراه العرب المقدسيين وأعيانهم وكانت تقع فيه أكثر القنصليات العربية كما كان يسكنه الزعيم الفلسطيني المجاهد أحمد حملي وقد أبى مغادرته بعد جلاء الإنجليز رغم خطورة الوضع فيه وكان يزور إخواننا المرابطين في هذا الحي كل يوم تقريبا ولما تم جلاء الإنجليز عن القدس أصبح وضعهم حرجا إذ كانت فيه قنصليتا الأردن والعراق مع حراسهما وفي ذات يوم فوجئ إخواننا بانسحاب حراس القنصليتين ومن فيها فشدد اليهود هجماتهم على إخواننا وعلى المجاهدين الفلسطينيين المرابطين في الحي نفسه بقيادة الشهيد البطل «أبي دية» رحمه الله ولما احتل اليهود المنطقة التي كان يدافع عنها أبو ديه بعد معركة عنيفة أصبح إخواننا محاصرين من كل جانب ولم يكونوا أكثر من 24 مجاهدا مع قليل من الذخيرة العتاد وقد صمدوا لهجمات اليهود أكثر من ثلاثة أيام دون أن يستسلموا حتى وقعت هدنة بين القيادة العربية واليهود بواسطة الصليب الأحمر لمدة 24 ساعة لنقل قتلى اليهود وجرحاهم وعندئذ انسحب إخواننا إلى داخل مدينة القدس وأصبح حي القطمون كله تحت سيطرة اليهود.

معركة الحي اليهودي في القدس القديمة

ابتدأت قبل جلاء الإنجليز عن القدس بخمسة أيام فقد كان اليهود في هذا الحي محاصرين منذ ستة أشهر يأتيهم طعامهم وحاجاتهم بواسطة الإنجليز وأخيرا صمم المجاهدون على اقتحام الحي والتخلص منه وكانت معركة من أشد المعارك التي خضناها في القدس أظهر فيها المجاهدون من البطولات ما يعجز عنه الوصف فقد كانوا يتقدمون لنسف الحي اليهودي بيتا بيتا بأيديهم الرشاشات والقنابل تحت وابل من الرصاص والقنابل الذي كن يقذفه اليهود عليهم من نوافذ البيوت ولما انتهى المجاهدون من نسف بيت أبتدأوا بنسف بيت آخر وهكذا كان الحي ضيق الطرقات جدا كما هو شأن الأحياء اليهودية القديمة في كل مكان وكانت فيه ممرات تحت الأرض متصل بعضها ببعض بحيث يستطيعون العودة في الليل إلى ما فقدوه في النهار وكثيرا ما كان يفاجأ المجاهدين وهم واقفون فوق أطلال البيوت بقنابل تلقى عليهم من قرب كما حدث لي ذات مرة ولولا لطف الله لأصبنا إصابات بالغة لما غادر الإنجليز القدس اشتدت هجمات المجاهدين العرب على الحي كما اشتدت مقاومة اليهود ثم اضطروا للتسليم لنفاذ ذخيرتهم بعد وقوع معركة القدس الكبرى التي سأتحدث عنها فيما بعد وقد كان وفد المفاوضة منهم مؤلفا من مختار الحي وهو يهودي عاش في فلسطين يتحدث العربية بطلاقة ومن اثنين من الحاخامين أحدهما عراقي والآخر بولوني كان يتلو التوراة بلا انقطاع ومن شاب مدرس وفتاة كانت تدعي أنها ممرضة وتبين فيها بعد أنها من «الهاجانا» وهما يتكلمان العربية بطلاقة أيضا وقد علمت من الفتاة أنا تتقن استعمال جميع أنواع السلاح من المسدس إلى مدفعية «الهاون» كما علمت من وفدهم أنهم لم يسلموا إلا لنفاذ ذخيرتهم أما الطعام فكان لديهم موجودا رغم الحصار المفروض عليهم منذ ستة أشهر وقد علمنا منهم أن الطعام كان يصلهم بواسطة الإنجليز قبل جلائهم ومن كنيسة الأرمن المحاذية لهم بعد ذلك وقد تولى قائد الجيش العربي الذي حضرت ومعه مدفعية صغيرة قبيل انتهاء معركة القدس أمور المفاوضات مع اليهود وكان المجاهدون يصرون على أن يأسروا جميع من في الحي انتقاما من حوادث دير ياسين ولكن قائد الجيش العربي كان يتصل دائما بقادته في عمان وأخيرا جاء إليه الإيعاز بأن يتسلم أسلحتهم ويأسر القادرين منهم على القتال ويترك رجال الدين والنساء والفتيات ولو كن مقاتلات والعجزة والأطفال إلى الصليب الأحمر وأن يسمح لهم بأخذ كل ما يستطيعون حمله من حلي ومال وثياب وانتقلنا بعد ذلك على الساحة الكبرى في الحي اليهودي وكان اليهود قد تجمعوا فيه وكانوا مختلفين في حالة الجزع والخوف، فاليهود الأوروبيون وكلهم شباب وفتيان كانوا يستجلدون ولم نر واحدا منهم تدمع عيناه، أما اليهود العرب فقد كانوا يتجلدون ولم نر واحدا منهم تدمع عيناه أما اليهود العرب فقد كانوا في حالة من البكاء والرعب شديدة، ومن طرائف ما رأيته في ذلك اليوم أنه بينما كنا واقفين في ساحة الحي اليهودي ننتظر حضور اليهود جميعا إلى الساحة جاءني يهودي في نحو الستين وهو يبكي ويقول بلهجة دمشقية:

يا سيدي هذا عدل؟ أليس حراما؟ قلت: له ماذا حصل لك؟ فأجابني وهو يبكي يا سيدي لقد فقد طربوشي ..فأجبته وأنا أتميز من الغيظ ولا أتمالك من الضحك؟ .. لقد قتلتم في دير ياسين بناتنا وأطفالنا وفعلتم بهم أشنع الأفعال أفلا يكفيك من عدالتنا اليوم أنك ضمنت حياتك وستكون في المساء عند إخوانك في القدس الحديثة؟ ومع ذلك تسأل عن الطربوش؟؟.. وبعد انتهاء تجمعهم أفرز الشباب منهم برأي القائد العربي فلم يتجاوزوا مئة، مع أن مقاتليهم كانوا يزيدون على خمس مئة قطعا وأخرج من بينهم رجال الدين ولو كانوا شبابا والنساء مع أن أكثرهن مقاتلات وانتقلنا إلى المستشفي فوجدناه مليئا بمن يتظاهرون أنهم من الجرحى إذ كانوا قد عصبوا أيديهم ورؤوسهم وأرجلهم بعصائب فأبينا إلا أن نفتش عن كل واحد منهم وكان معنا طبيب عربي، وتبين بعد الفحص أن أكثر عصائبهم كانت تمويها فضممناهم إلى الأسرى من الشباب أما السلاح فلم يسلمونا إلا قطعتين أو ثلاثة وسألناهم أين سلاحكم؟ فرضوا أن يجيبوا وفتشنا في البيوت فلم نجد شيئا فغلب على ظننا أنهم ألقوها في الآبار البعيدة الغور وبعد أن تم تسليم غير المأسورين إلى الصليب الأحمر دخل المجاهدون إلى بيوتهم فتبين أنهم قد زرعوا أبواب البيوت بالقنابل المتفجرة مما حملنا على أن نخصص بعضنا من المجاهدين لتتبع هذه القنابل والتقاطها قبل انفجارها وقد أصيب بسبب ذلك الأخ إبراهيم حداقي مما أدى إلى بتر معصمه الأيمن بعد أن حمل قنبلة ليرميها بعيدا فانفجرت وهي بيده.

أما سكان القدس من العرب فقد تجمعوا في الشوارع ليشهدوا الأسرى وكانوا يريدون التقاط صور لهم ولكن قيادة الجيش العربي أبت ذلك وأخرجتهم من القدس قبيل الفجر لئلا يراهم أحد، وهكذا انتهت معركة الحي اليهودي وغادرناه والدمار قد حاق بأكثره والحرائق التي أشعلها اليود قبل مغادرتهم قد أتت على الباقي ..

نسف الكنيس اليهودي

تميزت معركة الحي اليهودي في القدس بحادث كان له وقع أليم جدا في نفوس اليهود، ذلك أنه يوجد لهم فيه أقدم كنيس في فلسطين وربما كان في العالم كله وهو بناء ضخم مستدير له قبة عالية، وهو يشرف على صحن المسجد الأقصى وقبة الصخرة ولهم فيه أقدم نسخ التوراة المتوارثة عندهم منذ مئات السنين مكتوبة بخط عبري واضح على جلد سميك وقد أتخذ اليهود هذا الكنيس مركزا حربيا يطلقون منه نيران بنادقهم ورشاشاتهم على المسلمين المتجولين في حرم المسجد الأقصى ولما تمادوا في هذا العمل أنذرناهم بواسطة مكبرات الصوت أننا سننتقم منهم وسنهدم الكنيس إذا استمروا في استغلال أماكن العبادة للأعمال العدوانية ولكنهم ازدادوا في العناد فوضعوا أكياس الرمل على سطح الكنيس حول قبته واستمروا يطلقون من ورائها النيران على الحرم القدس وعلى مقر قيادتنا في الروضة حتى إذا بدأت معركة الحي اليهودي وتمكن المجاهدون من نسف قسم كبير من بيوته وأصبحوا على مقربة منه قرروا نسف الكنيس، وفي ساعة من ساعات النضال في هذه المعركة وضعت المتفجرات في أنحاء متعددة من أسسه بما يزن أكثر من نصف طن من الديناميت ثم أشعلت النيران في أسلاك الديناميت فما أتت دقائق حتى كان هذا الكنيس الضخم تتهاوى جدرانه السميكة وينقض جزء من قبته ويملأ الركام أرجاءه وهكذا تخلص المجاهدون من مركز قوي من مراكز العدوان اليهودي في ذلك الحي ولما استسلم اليهود ووقفنا في ساحة الحي نشرف على تنفيذ شروط الاستسلام قال لي أحد أعضاء وفد الاستسلام اليهودي والمرارة تأكل قلبه: لقد أخطأتم بنسف الكنيس وستندمون فقلت له: لقد أنذرناكم أكثر من مرة بعدم اتخاذه مركزا للعدوان فلم تستجيبوا أما أن نندم فهذه معركة قائمة بيننا وبينكم ولم يمنعكم إجرامكم من قبلها أن تعتدوا على قبة الصخرة وتنسفوا المساجد في يافا وحيفا ودير ياسين وغيرها ولما تم جلاء اليهود عن الحي أخذ فريق من المجاهدين يتفقدون الكنيس المتهدم فوجدوا بين الأنقاض أكثر من نسخة من التوراة ضمن صناديق فضية مستطيلة وقد أهدى بعضهم قطعا منها إلى بعض ملوك العرب ورؤسائهم واحتفظ بعضهم بنسخة كاملة منها.

معركة القدس الكبرى

لما تم جلاء الإنجليز عن القدس وكان الحي اليهودي لم يستسلم بعد أدركنا حرج موقف حامياتنا في القدس الحديثة وأن اليهود سيبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ إخوانهم المحاصرين في الحي اليهودي وكانت الذخيرة عندنا قليلة بل إن فوج اليرموك وكان فيه إخواننا وعدده أكثر من خمسمائة مجاهد كانت بنادقه ورشاشاته كلها من النموذج الألماني ولم يبق لديهم من الذخيرة إلا نزر قليل جدا، مما حملني على أن أغادر القدس إلى دمشق طالبا من قيادة جيش الإنقاذ تزويدنا بما نتاج إليه من الذخيرة استعدادا للمعركة المرتقبة وقابلت طه الهاشمي وعرضت عليه ما جئت من أجله ففاجأني بقوله: أن فوج اليرموك قد سحب من القدس إلى مقر قيادة الفاوقجي فلماذا تطلب الذخيرة الألمانية؟ وهنا أدركت مصير معركتنا التي وضعت بأيدي مثل هذا الرجل قلت له: ومتى سحب فوج اليرموك؟ قال منذ أسبوع فقتل: إنك أرسلت برقية إلى قائد فوج اليرموك تطلب إليه أن يلتحق شخصيا بفوزي القاوقجي نظرا لتبرم المجاهدين من جهله وغباوته وجبنه أما فوج اليرموك فلا يزال في القدس وإخوانا فيه وأنا الآن قادم من القدس وبنادقنا خاوية من الذخيرة، فأجابني بكل صلف: «ماكو عندنا ذخيرة ألمانية» أي لا يوجد فخرجت من عنده إلى رئيس الجمهورية وعرضت عليه الأمر فاتصل بالهاشمي وطلب إليه أن يعطيني ذخيرة ألمانية فلما عدت إلى الهاشمي وجدته مربد الوجه وخاطبني بقوله: «كيف ننجح وكل شيء عندنا بالوساطات» .. قلت له: إنني لا أتوسط لوظيفة عندك ولكن أتوسط لنموت في المعركة موت الشرفاء فأجابني: إنني أمرت بإعطائك خمسة آلاف طلقة إكراما لرئيس الجمهورية فقلت له: هذه سينال منها كل ندقية عشر طلقات ونحن في القدس نتناوش مع اليهود في كل ساعة فماذا نستطيع أن نقاوم بهذه الرصاصات العشر؟ فألح في عناده وخرجت من عنده مغضبا إلى وزيرا لدفاع فعرضت عليه الأمر فاعتذر بأنه ليس عندهم ذخيرة ألمانية وفي نهاية الحديث قال أنه سيتصل بالقيادة العربية العليا للجيوش العربية في عمان ويطلب منها إجابتي إلى طلبي وقبل مغادرتي دمشق اتصلت به هاتفيا فأكد أنه اتصل بعمان ووعدوه بإجابة طلبي وعدت إلى عماني نفس اليوم واتصلت بالقيادة العامة فكانوا مدهوشين من دعوى وزير الدفاع إتصاله بهم وقالوا أنه يعلم أن ذخيرتنا كلها إنجليزية فمن أين نأتيك بالذخيرة الألمانية؟ ولما يئست منهم اتصلت بأعضاء لجنة الدفاع عن فلسطين في عمن وكلهم من خيرة التجار السوريين والأردنيين في العاصمة وعرضت عليهم الأمر وطلبت منهم النجدة فأسرعوا يشترون كل ما وجدوه في السوق من ذلك وزادوا عليه عديدا من القنابل وبعض الأسلحة فعدت إلى القدس وقد حملت من عمان آلاف الطلقات التي تمكننا من الاستمرار في المعركة ساعات وكان وصولي قبيل الغروب بدقائق ووجدت معركة الحي اليهودي مشتدة في ذلك اليوم وقد جرح فيها الملازم الملوحي وما يزيد على أربعين إخواننا واستشهد فيها ما يزيد على سبعة من شهداء الإخوان ووجدت القائد فاضل عبد الله مستلقيا على فراشه مستغرقا في نوم عميق من شدة الإعياء والسهر في الليالي الخمس المواضي حتى إذا كان الوقت الساعة العاشرة ليلا جاءتنا أنباء من جميع حامياتنا على أبواب مدينة القدس بأن اليهود قد شنوا هجوما عاما على مختلف الأبواب وركزوا هجومهم على باب الخليل الملاصق للحي اليهودي عندئذ بدأت أوزع الرصاص على المجاهدين ولما اشتد الهجوم الذي شنة اليهود على باب الخليل بما يقرب من عشرة مصفحات وآلاف المقاتلين ولم أجدا بدا من الاستنجاد بإحدى العواصم العربية فطلبت كبار المسؤولين باسم قائد حامية القدس ثم أيقظت القائد فاضل عبد الله وأخبرته بخطورة الوضع وأني قد طلبت كبار المسؤولين في العاصمة العربية باسمه وتم الاتصال بينه وبين كبير منهم وأعلمه بخطورة الوضع في القدس وطلب منه إرسال نجدة عسكرية على وجه السرعة فاعتذر عن ذلك وقال له وأنا أسمع: إذا وجدتم أنفسكم في موقف حرج فانسحبوا من القدس فأجابه القائد: إن في القدس عدا أهلها ما يزيد على عشرين ألفا من اللاجئين إليها بعد مجزرة دير ياسين فإذا احتلها اليهود فستكون مجزرة لم يسمع بها التاريخ فأجابه المسؤول الكبير وهو يظن أن حامية القدس كلها من بدله: أنا آمرك بالانسحاب وأنتم عندنا أغلى .. وهنا لم أتمالك من أن أقول له: إن الحامية تقسم أن لا يدخل اليهود القدس إلا على أشلائها فإما أن تنجدونا وإما أن نقاتل حتى نستشهد جميعا وهنا جاء من يقول لنا: أن اليهود قد اقتحموا باب الخليل فتركنا الحديث مع تلك العاصمة العربية وأسرعنا إلى إخراج كل من كان في القيادة من الجنود حتى الجرحى ووزعنا عليهم كل ما كنت استحضرته من الرصاص والذخيرة من عمان وأسرعنا إلى باب الخليل وشاع في البلدة أن اليهود قد اقتحموا باب الخليل فخرج النساء والأطفال من بيوتهم وكان الكهرباء منقطعا وسمعنا مناديا يقول: يا أهل القدس كل من عنده سلاح فليذهب إلى باب الخليل وهرع الشباب والمقاتلون إلى هناك حيث تبين لنا أن اليهود لم يستطيعوا اقتحام باب الخليل للدفاع البطولي الذي قامت به الحامية هناك وتحصن المجاهدون ومن هرع من أهل القدس وراء المتاريس عند باب الخليل وفوق أسواره وابتدأت المعركة الكبرى منذ الساعة الحادية عشرة ليلا حتى الخامسة صباحا كان فيها صوت الرصاص والقنابل والديناميت يضج الآذان بلا انقطاع فلما انبلج الصباح انسحب اليهود وردهم الله يغيظهم لم ينالوا خيرا وخلفوا وراءهم مصفحة قد دمرت وبعض القتلى الذين لم يستطيعوا سحبهم معهم.

وعاد المجاهدون إلى أماكنهم والمناضلون المقادسة إلى بيوتهم وعدنا إلى مقر القيادة فوجدنا ذلك المسئول العربي الكبير يتصل بنا هاتفيا ليسألنا عن أنباء المعركة فأجابه قائد حامية القدس بأن الله قد نصرنا وأعاننا على صد هجوم اليهود ولكن ذخيرتنا قد نفذت فإذا لم تصلنا نجدة عسكرية في هذا اليوم فإننا في خطر شديد إذا عاود اليهود الهجوم وفي عصر ذلك اليوم وصلت قوة من المدفعية الصغيرة معها بعض الجنود.

وبدأت تضرب الحي اليهودي من مشارف القدس فارتفعت معنويات سكان القدس ودب الهلع في قلوب اليهود المحاصرين وبعد ثلاثة أيما استسلم الحي اليهودي كما أسلفنا من قبل.

واتفق عدد من شباب القدس بعد انتهاء معركة الحي اليهودي على أن يتوجهوا إلى بعض العواصم العربية للإلحاح في إرسال بعض القوى العسكرية التي كانت قد وزعتها القيادة العربية العامة في أنحاء فلسطين إلى القدس حتى لا يتكرر الهجوم عليها وجئت إلى دمشق وقابلت كبار المسئولين وحكيت لهم قصة القدس فتعجبوا وقالوا أن الأخبار التي تذاع من إحدى العواصم العربية وتنشرها الصحف تفيد بأن القدس الجديدة قد استسلمت للعرب فكيف تقول أنكم محاصرون في القدس القديمة؟ وأجبتهم بأنني قادم هذه الساعة من القدس وأنا أحكي لكم القصة على حقيقتها فاتصلوا بأمين الجامعة العربية الذي كان موجودا في تلك العاصمة العربية فأكد لهم صدق حديثي وأن الحالة سيئة وهنا قال أحدهم: لقد دخلنا معركة فلسطين ونحن لا نعلم حقيقة قوة الأعداء.

فقال الآخر مستدركا: لقد كنا نعلم حقيقتهم تماما وهذا تقرير صفوت باشا قد تبين لنا انطباقه على الواقع وهنا قلت له: إذا كنتم تعلمون حقيقة استعداد اليهود فكيف أعددتم جيش الإنقاذ لينقذ فلسطين وهو لا يزيد على أربعة آلاف غير مدربين تدريبا كافيا وليست له قوة جوية ولا مدفعية إلا مدفعية بسيطة جدا مع أن في القدس الحديثة وحدها عشرة آلاف مقاتل يهودي؟ فأجبني: إننا لم نرسل جيش الإنقاذ ليحارب بل ليقوم بمهمات مؤقتة فأجابني: إننا لم نرسل جيش الإنقاذ ليحارب بل ليقوم بمهمات مؤقتة فقلت له: ولهذا كان أكثر جيش الإنقاذ يتنزه في مناطق عربية بحته كنابلس بينما كانت حيفا ويافا وغيرها تسقط بأيدي اليهود وكانت مجازر دير ياسين تقع على سمع هذا الجيش وبصره..!

فسكتوا جميعا..

ثم عدت إلى القدس مع الأخ الأستاذ عمر الأميري الذي جاءها لأول مرة.

وبعد أيام قليلة وقعت الهدنة المشؤومة وجاءتنا الأوامر من قيادة جيش الإنقاذ بدمشق بالانسحاب من القدس وتسليمها للجيش العربي بحجة أننا سنرسل إلى الجبهة السورية.

العودة إلى دمشق:

كنا نشعر ونحن في قلب معارك القدس أن هناك مناورات تجري في الصعيد الدولي وفي الصعيد الدولي وفي أوساط السياسات العربية الرسمية العليا لجعل التقسيم أمرا مفروغ منه، ولجعل القدس تخرج من أيدي العرب والمسلمين فتشاورنا في كتيبة الإخوان فيما يجب علينا فعله بعد صدور الأوامر إلينا بالانسحاب من القدس كما أسلفت فقر رأينا على أننا لا نستطيع مخالفة الأوامر الصادرة إلينا بمغادرة القدس لاعتبارات متعددة وأننا بعد وصولنا إلى دمشق سنرسل بعض الإخوان خفية إلى القدس مرة ثانية لدراسة ما إذا كان بالإمكان عودتننا بصورة إفرادية لنتابع نضالنا في الدفاع عن فلسطين وعدنا إلى دمشق مع سائر أفراد الحامية وقيادتها التابعة لجيش الإنقاذ حيث تسلمت قيادة جيش الإنقاذ أسلحتنا ووعدت باستدعائنا، مرة ثانية عند الحاجة..

ووجدت من واجبي أن أكشف الحقائق التي تبينتها بنفسي في هذه المعارك لما وجدته من انخداع الجمهور بما يذاع ويكتب بإيحاء من مصادر عربية رسمية معينة وألقيت في ذلك محاضرات في كل من دمشق ومحمص وحماة وحلب وللاذقية ودير الزور وغيرها من المدن السورية، وذهل الجمهور لما أبديته من حقائق لم تكن معروفة لديهم تماما، حتى شك بعضهم فيها ثم انكشف الأمر وتبين صدق ما أدعى عن العوامل الخفية والظاهرة التي كانت تسير معركة فلسطين.


هذا بينما كان فريق من إخواننا المجاهدين قد عادوا إلى فلسطين خفية لتنفيذ ما اتفقنا عليه، ومن بين العائدين الإخوان: زهير شاويش المرحوم كامل حتاحت الشهيد ضيف الله مراد، وهناك انضموا إلى فرق التدمير في القدس حيث قاموا بأعمال بطولية رائعة من نسف الجسور والمستعمرات والسكك الحديدية التي كان يسيطر عليها اليهود وحسبنا أن نعلم أن سكة حديد القدس التي لم يستطع اليهود إصلاحها واستعمالها إلا بعد مرور سنة ونصف على تدميرها وظل إخواننا هؤلاء على تعاون مع فرقة الإخوان المسلمين المصريين بقيادة الشهيد أحمد عبد العزيز وهناك استشهد الأخ ضيف الله مراد في عمل فدائي يعد من أروع آيات الإيمان والفداء..

بعض الملاحظات على معركة فلسطين

أقف عند سرد الوقائع التاريخية عند هذا الحد على أن أكتفي بتسجيل الملاحظات التالية: 1- إن الجيش الإنقاذ الذي ألفته الجامعة العربية ووكلت قيادته إلى فوزي القاوقجي لم يكن إلا تسكينا لشعور العرب الهائج في كل بلد، وأنه لم يكن يقصد منه جديا أن يقاتل ويمنع سقوط المدن والقرى العربية بأيدي اليهود.

2- إن قيادة جيش الإنقاذ لم تخض معركة جدية واحدة في فلسطين فالقاوقجي كان مقيما قرب نابلس في منطقة عربية بحتة، وصفوت باشا وطه الهاشمي لم يدخلا فلسطين قد ولم يكونا يعرفان حقيقة الأوضاع في فلسطين بل كان مقر الهاشمي في دمشق وكان صفوت باشا يتنقل بين القاهرة ودمشق.


3- إن جيش الإنقاذ كانت مهمته تحطيم منظمة «الجهاد المقدس» التي انخرط فيها الشباب الفلسطينيين وأبدوا من البطولات ما سجله لهم التاريخ بإعجاب وإكبار، وكان قائدها الشهيد البطل عبد القادر الحسيني يحاول أن يحصل من الجامعة على قدر كاف من الأسلحة فخاب مسعاه، حتى أنه حين جاء إلى معسكر قطنا ليأخذ معه الفوج الأول من إخواننا قال: إنني طلبت منهم مدفعا واحدا فرفضوا وأعطوني مائة بندقية لا تصلح إلا لوقود النار وهذه هي معي في السيارة ونظرنا فإذا ببنادق من العهد الفيصلي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وأكثرها معصب بعصائب من الحديد ثم تابع الشهيد قوله: إنني ذاهب إلى فلسطين لاسترد «القسطل» وسأموت ولن أترك بلادي فلسطين طعمة للأعداء.

الشهداء

تيسير طه: كان رحمه الله من خيرة الشباب إيمانا وأخلاقا وذكاء ونشاطا أصر على أن يلتحق بكتائب الإخوان منذ اللحظة الأولى ولكن أقرباءه منعوه بالقوة إذ كان بينه وبين موعد زفافه أسبوع واحد، وكانت تخنقة العبرات كلما رآني قادما من القدس إلى دمشق لبعض الأعمال المتعلقة بالمعركة هناك، وفي يوم 17 أيار (مايو) 1948 حين قدمت دمشق لأخذ الذخيرة كما تحدثت في هذا المقال فاجأني في المركز العام للإخوان وهو بلباس الميدان مع صديقه الحميم الأخ الدكتور زهير البيك وكانا يدرسان الطب في السنة الرابعة في كلية الطب بجامعة دمشق وأصرا على الذهاب معي في نفس السيارة التي أعود فيها إلى القدس فسألته: هل رضي والدك قال: نعم قلت: كيف استطعت أن تقنعه قال: لقد كان يقرآ القرآن اليوم بعد صلاة الفجر وأنا أسمع فتلا قوله تعالى:﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾ فقلت لأبي: ألا تؤمن بما جاء في هذه الآية الكريمة؟ قال: بلى قلت: فلم تمنعني من الجهاد في فلسطين؟ قال: فسكت قليلا ثم قال لي: اذهب فالآجال بيد الله وغادرنا دمشق مع الآخوين تيسير وزهير البيك وكان الشهيد تيسير في حالة من الفرح لا توصف ووصلنا عمان قرب العصر، وأخذت الذخيرة منها كما تحدثت سابقا وأسرعت بالسفر إلى القدس بعد الغروب على أن يلحق بي الإخوان فيما بعد وناما ليلتهما تلك في عمان وبعد عصر اليوم الثاني في 18 أيار وصلا إلى القدس وكان المستشفى يغص بجرحى المجاهدين فأقنعتهما بأن يكون عملهما في المستشفى لأننا أحوج إليهما فيه من ميدان القتال ونبهت الأخ المشرف على السلاح بأن لا يسلمهما سلاحا مهما أصرا على ذلك وقمت في تلك الليلة بجولة أتفقد فيها مراكز حاميات الإخوان ثم عدت إلى مقر القيادة قريبا من الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ونمت كعادتنا في ثياب الميدان الكاملة استعدادا لكل طارئ وفي الساعة السادسة صباحا أيقظني الأخ لطفي السيروان قائلا حبذا لو تذهب إلى المستشفى قلت: وهل هناك شيء جديد؟ قال: لقد جرح الأخ تيسير فذهلت وقلت ومن أين أخذ السلاح؟ وكيف كان ذلك؟ قال: لقد وردتنا في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل إشارة بطلب نجدة سريعة لحامية «باب العامود» فأيقظنا عددا من المجاهدين وأصر تيسير على أن يذهب هو وصديقه زهير معهم، وذهبا مع المجاهدين إلى مكان المعركة واستمر تيسير ساهرا في المعركة حتى بزغ الفجر فقام مع إخوانه لأداء صلاة الصبح بعد أن تيمموا إذ لم يجدوا ماء فلما أتموا الصلاة عاد تيسير إلى مكانه فإذا برصاصة تخترق جمجمته من جبهته لما قص علي الأخ لطفي السيروان ذلك نهضت مسرعا معه إلى المستشفى فوجدت الشهيد ف غيبوبة تامة وهو يحشرج وسألت كبير الجراحين هل هناك أمل في إجراء عملية جراحية تنقذ حياته، فأجابني بالنفي ومع ذلك أجريت له عملية جراحية سريعة تبين منها أنه أصب برصاص «دمدم» الذي يمزق كل ما حوله وبعد ساعات صعدت روح الشهيد إلى بارئها راضية مرضية وأجمع رأي إخواننا على أن نحمل جثمانه إلى دمشق وامتطيت سيارة تحمل الجثمان حيث أودعنا في إحدى غرف المركز العام للإخوان ي السنجقدار ثم شيع على مرقده الأخير في «دوما» في موكب رهيب احتشدت له دمشق ودوما رحمه الله وأجزل مثوبته.

ضيف الله مراد: كان رحمه الله ف شرطة دمشق فلما تجهزنا للذهاب إلى معسكر قطنا جاءني يطلب إلى أن أتوسط له مع مدير الشرطة العامة (وكان يومئذ حسني الزعيم) للسماح له بالسفر معنا إلى فلسطين حيث رفض الموافقة على ذلك فاتصلت بحسني الزعيم ورجوته السماح له فوافق وجاءنا الشهيد رحمه الله فرحا بهذه الموافقة واستمر في المعركة حتى عدنا إلى دمشق أخيرا وأصر على أن يكون مع العائدين إلى القدس لدراسة الموقف هناك وجائني من والدته رجاء بأن لا أسمح له بالعودة لأنه أكبر أخوته وهو يعيلهم مع والدته، فحدثته بذلك فأبى.. وبعد جدال طويل بيني وبينه قال لي بلهجة حازم: أستحلفك بالله أن تسمح لي بالعودة فإني والله أشم رائحة الجنة فلا تمنعني من الشهادة.. ودمعت عيناه وكانت لحظة رهيبة ودمعت فيها عيناي أيضا لجلال روعة الإيمان والفداء ثم سافر مع إخوانه وهناك في «صور باهر» قرب بيت المقدس أكرمه الله بالشهادة كما كان يتمنى تغمده الله برضوانه.


• الرقيب هاشم: من أرمناز من محافظة حلب، وكان أول من استشهد من إخواننا في القدس حين كان في حامية «حي القطمون» وله ثلاثة أولاد صغار وقد دفن في القدس رحمه الله.

محمد قباني: كان بطلا من أبطال المصارعة في النادي الرياضي للإخوان بحمص وكان مثالا للجرأة والشجاعة دفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.


محمد عرنوس: من اللاذقية كان يعيل أختيه وأمه وقد استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.


محمود الدندشس: من حمص وأب لعدة أولاد صغار، استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.

محمد الصباغ: استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.

راشد طالب: استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.

نايف حسن عودة: استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.

راضي الجوهي: كان ن بين الذين التحقوا بنا من إخوان نابلس في فلسطين وقد استشهد في معركة الحي اليهودي ودفن في جوار المسجد الأقصى رحمه الله.


وبعد فهذا هو الدور العسكري الذي قام به إخوان سوريا في حرب فلسطين عام 1948 أما الدور العسكري الآخر الذي ساهم فيه إخوان سوريا مع إخوانهم الأردنيين والفلسطينيين في معسكرات فتح عام 1967 وقيامهم بعمليات داخل الأراضي المحتلة فسنتحدث عنه بعد قليل.

معركة باب الخليل

من كتاب النكبة العارف صفحة 435/ 2

يقول: حدثني الأستاذ مصطفى السباعي مرشد الإخوان المسلمين السوريين وقد حضر معركة باب الخيل أن عدد المجاهدين الذين دافعوا عن القدس في تلك الليلة كان 775 مجاهد منهم 175 فلسطينيون (بوليس وجهاد مقدس) ومئة أردنيون (سرية الحسين وسرية بنكو) وعشرة إخوان سوريون وأربعمائة من فوج اليروموك (جيش الإنقاذ) أما سلاحهم بنادق عادية وقنابل يدوية وقد نفعهم 15000 (خرطوش) طلقة أمدتهم بها لجنة الدفاع عن فلسطين التي ألفها كرام القوم في عمان كما استفادوا من الكمية الكبيرة من الديناميت التي كانت بحوزة المجاهدين الفلسطينيين.

أما الجيش العربي فلم يشترك في تلك المعركة حتى ولا قدم للمجاهدين أية مساعدة علما أن الدكتور مصطفى السباعي وفاضل رشيد راجعا المسؤولين في عمان فاتصلا أولا بالقصر فقيل لهما أن الملك نائم ثم اتصلا بالأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق وكان يومئذ في عمان فقال لهما: عندما تجدون أنفسكم في ضيق انسحبوا ولما ذكراه بحادث دير ياسين قال: إنكم في نظرنا أغلى من دير ياسين، وكان ظنه أنهم عراقيان ولما رأى السباعي الصد من عمان اتصل بشكري القوتلي رئيس الجمهورية بسورية ويا للحيرة فقد رد القوتلي على السباعي قائلا أن ممثله البرازي أخبره من عمان نقلا عن الملك عبد الله أن الوضع في القدس جيد.

وما دمنا عند ذكر الإخوان المسلمين السوريين فلا بد لنا أن نذكر والشيء بالشيء يذكر أنه اشترك من هؤلاء الإخوان ف حرب فلسطين زهاء أربعمائة أخ مئة منهم بقيادة الأستاذ الشيخ مصطفى السباعي وهو أستاذ في الجامعة السورية والباقون انخرطوا في صفوف جيش الإنقاذ وقد استشهد منهم أحد عشر شخصا وجرح زهاء خمسين وما كاد الليل يولي أدباره ويطلع النهار حتى كان النصر معقودا للعرب وقد أصيب هذه الناحية بأضرار فادحة في الممتلكات من جراء هذه المعارك إذ دمر الجزء الأعظم من المنازل والمكاتب والفنادق والحوانيت وقد قتل في هذه المعركة زهاء خمسين مقاتلا من اليهود وجرح كثيرون ولم يقتل من العرب سوى ستة مجاهدين وجرح وأصيب خمسة وثلاثون وقد أصيب المجاهدون بإعياء شديد.

دور الإسلاميين السوريين في الجهاد عام 1968- 1970م

بعد هزيمة حزيران 1967 وسعت منظمة نشاطها فأنشأت الجبهة المساندة من غير الفلسطينيين وأرادت أن تعتمد على عناصر خلوقة مقدامة مخلصة للقضية الفلسطينية في قيادة العمل الجهاد ي نظرا لكثرة المتطوعين الذين أقبلوا على التطوع في صفوفهما فعرضت على الإخوان التعاون معها في هذا السبيل فقد عرفت صدق جهدهم عام 1948 فمنهم من استجاب ومنهم من اعتذر وكان السوريون ممن اعتذر غير أن الشباب المسلم أبى إلا أن يساهم في هذا العمل الجهادي فتجمعوا حول الشيخ الحموي مروان حديد فدعوا إلى البذل والجهاد تحت إمرة منظمة فتح وكان المتطوعون حوالي ألف مجاهد منهم 250 من الإخوان وسبعماية من أنصارهم ساهم من حماة وحدها مائة وستون مجاهدا وبعد إنهاء مرحلتي التدريب والتسليح انتشروا على طول الحدود الأردنية وساهموا مساهمات فعالة في الرصد وعمليات الاقتحام واستشهد منهم العشرات يذكر محدثي منهم الشهداء مهدي إدلبي ونصر عيس وزهير سعدو وأبن عمر ومحمود البرقاوي ورضوان كريشان ورضوان بلعة الدمشقي أما نشاطهم فقد كان مع باقي إخوانهم في البلاد العربية ضمن معسكرات الشيوخ التي سنتحدث عنها بعد قليل.

دور الإسلاميين العراقيين في حرب فلسطين عام 1948

لما أعلن قرار التقسيم سارع الشيخ محمد محمود الصواف إلى فضيلة الشيخ أمجد الزهاوي واتفقا على دعوة كبار رجالات العراق عسكريين ورجال أعمال ممن يهتمون بالقضايا العربية والإسلامية لتدراس الموقف واتخاذ الخطوات المناسبة لتحرير الأرض المغتصبة واتفق المجتمعون على تأسيس جمعية إنقاذ فلسطين برئاسة الشيخ أمجد الهاوي ومن خلالها مارس الإخوان المسلمون نشاطهم في التعبئة العامة بعد أن رفضت حكومة العراق ترخيص جمعية لهم ولقد استطاعت جمعية الإنقاذ من تجنيد ثلاثة كتائب هي الحسيني واليرموك والقادسية واستطاعوا تسليحها وتجهيزها من تبرعات المحسنين السخية بعد أن رفضت حكومة العراق آنذاك مساعدتهم بشيء وقد سافر الشيخ الصواف بنفسه إلى فلسطين ليشارك إخوانه شرف الجهاد وشاهد بنفسه عدم جدية المسئولين في معركة التحرير ولنستمع الآن إلى مذكرات الشيخ الصواف في حرب فلسطين من كتابه سجل ذكرياتي من صفحة 168- 201 قال فيها ما يأتي:

ما إن صدر قرار التقسيم من هيئة الأمم حتى قامت المظاهرات الصاخبة وتعطلت الدوائر والمدارس والأسواق وسارت مئات الألوف تجوب شوارع بغداد تهتف ضد قرار التقسيم وقيام إسرائيل كدولة على أرض فلسطين العربية المسلمة وكنت على رأس هذه المظاهرات أخطب فيها وأشعل الحماس بينها وأوجهها حتى حملني المتظاهرون على رقابهم وأكتافهم طول شارع الرشيد واستمرت هذه المظاهرات قرابة أسبوع وأنا أقودها وأوجهها في كل يوم منذ الصباح حتى الظهر ولقد هيأوا لي سيارة «بيكاب» أمتطيها وأنا على سطحها ومكبرات الصوت وأعلام الهيئات والجماعات حول السيارة وأنا أخطب في اليوم أكثر من خمس ساعات حتى بح صوتي أخيرا والإذاعة كانت تنقل الكير من خطبي وكلماتي ولما وصلت جموع المتظاهرين إلى البلاط الملكي بطريق الأعظمية خرج إلينا الوصي على عرش العراق عبد الإله ووقف إلى جانبي حيث استقبلته على رأس المتظاهرين فطلب مني أن أشكر المتظاهرين باسمه وباسم الملك فيصل الثاني وأن اخبرهم بأنهم أي الدولة ستبذل ما في وسعها للاستجابة لمطالب الشعب في قضية الأولى فلسطين وفعلا نفذت الطلب وكلمت المتظاهرين بما يظمئنهم ثم خاطبت الوصي وطلبت من الدولة أن ترسل الجيش العراقي وتقوم بواجب الجهاد في الأرض المقدسة فلسطين إلخ وأقول اليوم: من المؤسف أنهم لم يفعلوا شيئا قط والإنكليز لعنهم الله وأوردهم موارد الهلكة خططوا لهم وحفروا لهم قبورهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من المآسي المحزنة والمؤسفة.

جمعية إنقاذ فلسطين

كان أول اجتمع لنا بدار أخينا البر الكريم المحامي عبد الرحمن خضر رحمه الله الذي عمل معنا بإخلاص وصدق يدا بيد وكانت له مواقف مشكورة مبرورة في العمل الإسلامي ولما عين مديرا علاما للأوقاف نهض بهذه الدائرة التي كانت شبه ميتة وزاد في رواتب العلماء والأمة والخطباء ووضع جوائز مجزية لحفظ القرآن الكريم وكان رحمه الله يراقب المساجد بنفسه ويصلي الفجر كل يوم في مسجد ليرى هل يحضر الإمام هذه الصلاة التي تقلصت في كثير من المساجد لضعف الأئمة وقلة المصلين وغياب إلى الله وقد نقلني رحمه الله من التدرس لأكون مفتشا للمساجد.

اجتمعنا مصغرا أولا وكان على رأس الاجتماع شيخنا المبارك الشيخ أمجد الزهاوي رحمه الله وكذا الأستاذ عبد الرحمن خضر والأستاذ محمد طه الفياض العاني وبعض الأحبة من العلماء وأنا معهم وبعد المداولات قررنا إنشاء جمعية خاصة لقضية فلسطين لنقوم بواجب التطوع والتبرع والجهاد الفعلي لهذه القضية الخطيرة ثم وضعنا قائمة كبيرة بأسماء شخصيات كبيرة عسكرية ومدنية وعلمية وسياسية ووجهانا لهم الدعوة إلى لقاء خاص على عشاء بدار أخينا الأستاذ عبد الرحمن خضر المحامي وكانت داره واسعة ومطلة على نهر دجلة، وكان رحمه الله كريما دائما يقم فيها اللقاءات والحفلات للوفود الإسلامية التي تصل إلى بغداد وتتصل بنا وهذا قبل أن ننشئ المركز العام للدعوة ولجمعية إنقاذ فلسطين في بغداد.

ولقد استجاب للدعوة رجال لهم وزنهم السياسي والعسكري والاجتماعي ومنهم الفريق الركن حسين فوزي باشا وكان رئيسا لأركان الجيش العراقي واللواء إبراهيم باشا الراوي والوجيه إبراهيم عطار باشا والزعيم توفيق حسين والعقدي طاهر محمد عارف والمحامي الأستاذ محمد الحسيني والوجيه فرحان العرس وكان عضوا بمجلس الأعيان والأستاذ محمود فهمي درويش والأستاذ المحامي جميل الأورفه لي الذي أصبح وزيرا للعدل الدكتور إسماعيل ناجي وغيرهم ممن غابت عني أسماؤهم الكريمة رحم الله من مات منهم وحفظ من بقي وجزاهم الله خير الجزاء عما قدموا من أعمال وبذلوا من جهود لهذه القضية الخطيرة التي خطط لها الشرق والغرب معا ليزرعوا هذه الدولة التي تمثل معركة التاريخ بيننا وبينهم فقد دخلوها في الحروب الصليبية ومكثوا في القدس قرابة مئة عام ولما قام الجهاد الإسلامي الذي بدأه عماد الدين زنكي حاكم الموصل ثم خلفه ولده نور الدين زنكي الذي استشهد وخلفه القائد البطل صلاح الدين الأيوبي فانتصر وأعز الله به الإسلام وطرد أعداء الله من الصليبيين الكفرة واليوم عاد الصليبيون بوجوه يهودية سوداء كالحة وسيف صليبية مسمومة رعناء وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولى منكم فإنه منهم﴾

الاجتماع الأول:

بدأنا الاجتماع الأول للنظر في قضية الإسلام الكبرى في هذا العصر وحضر الاجتماع أكابر القوم من العلماء والفضلاء والوجهاء والقادة من العسكريين والمدنيين وتمخض الاجتماع عن قرار بالإجماع لتشكيل جمعية عامة تخدم هذه القضية الخطيرة من الناحية الشعبية ولتقوم الجمعية بالتطوع والتبرع وخدمة مصالح الجهاد الذي دعا إليه الشعب في مظاهراته الصاخبة وقررنا تسميتها «جمعية إنقاذ فلسطين» ثم وضعنا لها النظام المطلوب وتقدمنا بالطلب إلى الحكومة التي يرأسها صالح جبر للسماح لنا بالعمل وبعد أيام قليلة جاءتنا الموافقة من وزارة الداخلية فاجتمعنا الاجتماع الأول وانتخب شيخ علماء العراق الأكبر الشيخ أمجد الزهاوي رئيسا والفريق الركن حسين فوزي باشا للرئيس والأستاذ عبد الرحمن خضر المحامي محاسبا عاما ومحمد محمود الصواف أمينا عاما للجمعية ثم شكلنا اللجنة العسكرية برئاسة الفريق إبراهيم باشا الراوي ونائبه العقيد طاهر محمد عارف وتواصلت اجتماعات الجمعية وقررنا إرسال المتطوعين للجهاد في أرض الجهاد وأعلنا ذلك في الصحف والإذاعة وأقبل الشعب العراقي إقبالا منقطع النظير وتدافع الشباب وتسابقت الوفود إلى الجمعية والكل يريد الانخراط في سلك هذا الجهاد الأكبر.

المال والسلاح:

لقد أسسنا «جمعية إنقاذ فلسطين» وفتحنا باب التطوع للجهاد في الأرض المباركة وانهال علينا المتطوعون من كل مكان في العراق وليس في صندوق الجمعية سوى بعض المئات من الدنانير التي تبرع بها بعض الغيورين من المؤمنين والحكومة لم تساعدنا بشيء من المال فلماذا نصنع؟؟

اجتمعت الهيئة التأسيسية للجمعية للنظر وكانت اجتماعاتها متواصلة ومستمرة وكانت بعض النوادي والسينمات والمؤسسات قد تقدمت للجمعية بطلبات لتقيم حفلات يكون ريعها لمصلحة الجهاد فقررنا رفض جميع هذه الطلبات فلا يمكن أن نستعين بمال تشوبه الحرمة والشك في مصدره في أمر إسلامي خطير كهذا الأمر وفي يوم الجمعة الأولى بعد تأسيس الجمعية قمت خطيبا في مسجد الأعظمية بعد انتهاء الصلاة والخطبتين ودعوت الناس إلى التبرع بالمال لنجهز الفوج الأول من المجاهدين والحق أنني لا أستطيع أن أصف تلك الفورة من الحماس والانطلاق والاندفاع في تقديم التبرعات السخية وليتكم ترون المرأة المسلمة وهي تخلع سوارها وقرطها وسلسلتها وترميها وهي باكية متبرعة بها معها من حليها لأجل قضية الإسلام الكبرى فلسطين العزيزة الغالية علينا معشر المسلمين وكان من عادتي أن أشكل لجنة في المسجد من خطيب المسجد وإمامه واثنين من وجهاء المصلين وعضو من الجمعية لإحصاء التبرعات وكتابة تقرير في مقدراها ثم تسليمها لمحاسب الجمعية أو أمين صندوقها أما أنا فكنت لا أتسلم شيئا أبدا إلا بهذه الطريقة ولكنني كنت بعد الخطبة التي ألقيها أخلع جبتي وأفرشها في أرض المسجد طرف المنبر ويأتي المتبرعون فيضعون فيها ما تجود به أنفسهم وكذا المتبرعات من أخواتنا المؤمنات الصادقات وكن يأتين بعد انتهاء تبرع الرجال جزاهم الله جميعا كل خير وبارك في الحي فيهم وأثاب من لقي الله منهم ومنهن خيرا كثيرا وأجرا جزيلا فقد جهزنا فعلا كتائبنا وأفواجنا الثلاثة من هذه الدراهم المباركة التي كانت تشكل الآلاف المؤلفة من الدنانير وفي كل جمعة كنت أقصد مسجدا من كبار مساجد بغداد وأصنع فيه ما صنعت في مسجد الأعظمية المبارك حتى إن بعض رؤساء المحلات والأطراف أخذوا يطلبون مني الإسراع بزيارة مسجدهم ليقوموا بما يجب عليهم من أداء الواجب تجاه هذه القضية الإسلامية الكبرى.

كلمة الشيخ الزهاوي:

رحم الله أستاذنا وشيخنا العلامة الأكبر الشيخ أمجد الزهاوي وأسكنه الجنة فعندما تذاكرنا في كيفية الحصول على الأموال لتجهيز المتطوعين قال لنا ببساطته المعهودة وإيمانه الراسخ وبراءته العذبة: إخواني لا تهتموا بأمر المال فإن الناس متى علموا صدق أعمالنا ونباتنا فسوف يحملون المال على أطباق فوق رؤوسهم ويأتون به إلينا.

شراء السلاح: لقد رفضت الحكومة أن تساعدنا:

أما السلاح فقد رفضت الحكومة أن تساعدنا بشيء منه بدعوى أنها سترسل الجيش وسيقوم بما يجب عليهم ففتشنا عن مصادر أخرى وقررت الجمعية تشكيل لجنة خاصة برئاسة الوجيه الموصلي المعروف إبراهيم عطار باشي رحمه الله لتتصل برؤساء العشائر والقبائل خاصة الكردية منها وهي مسلمة ولله الحمد وحماسهم لهذه القضية الإسلامية لا يقل عن حماسنا والسلاح عندهم متوفر وفوضنا اللجنة بالشراء وبدفع المال اللازمة إذا اقتضى الأمر، وقد نجحت اللجنة إلى حد كبير واستطعنا بفضل الله أن نجهز الأفواج الثلاثة التي شكلناها ونظمناها ودربناها وفيهم الكثيرون ممن سبق لهم الخدمة والتدريب في الجيش العراقي إذ كانت الخدمة إجبارية فاستفدنا من هذه الكمية الكبيرة من الشباب المؤمن الذي سبق له التدريب في ثكنات الجيش العراقي الذي كان يعد بحق من خيرة الجيوش العربية، ومن أشجع الجيوش وأحسنها تدريبا وتنظيما وضباطه كانوا من مفاخر الضباط وقادته من أحسن القادة واستمروا كذلك حتى قامت الثورات والانقلابات العسكرية فأكلت الجيش أكلا وحرقته حرقا ومزقته تمزيقا ولعن الله الإنكليز لعنة أبدية فقد كانوا وراء هذه الانقلابات والثورات المشئومة على البلاد والعباد.

شكلنا ثلاثة أفواج:

لقد شكلنا أفواجا ثلاثة «فوج القادسية» و «فوج اليرموك» و «فوج الحسين» وجهزناهم بجميع المستلزمات الواجبة للمجاهدين وكل ذلك في أقل من شهر من الزمن وبدأنا بإرسال الفوج الأول منهم وسرت معهم مودعا إلى الفلوجة ثم الرمادي ولا أستطيع وأنا أكتب هذه المواقف أن أصف مبلغ الحماس الذي قوبل به المتطوعون في هاتين البلدتين المسلمتين الفلوجة والرمادي جزء الله أهلها خير ما يجزي مجاهدا عن جهاده فإن ما فعلوه يفوق الوصف حقا إذ استقبلونا بالهتافات الشعبية وآلاف الطلقات النارية والعناق والبكاء والكل يطيل المسير معنا إلى أرض الجهاد وذبحت الذبائح وصنع الطعام في البيوت والشوارع فأكل المئات بل الآلاف من الناس من كرم هؤلاء الأخوة الأحبة بارك الله فيهم حتى سار الفوج بسياراته إلى دمشق إلى معسكر قطنا في الهزيع الأخير من الليل حيث قررت مفتشية التطوع العامة التي أسستها جامعة الدول العربية . وكان ذلك في السابع من يناير 1948.

وعدت أنا إلى بغداد بعد أن ودعت المجاهدين وخطبت فيهم وفي الجماهير المسلمة التي استقبلتنا إذا لم توافق الجمعية على سفري قبل أن نستكمل بقية الأفواج وتسفيرها إلى أرض الجهاد .

وبعد أسبوع تقريبا أتممنا تجهيز الفوج الثاني وسفرناه بنفس الطريقة التي سافر بها الفوج الأول وسرت معهم مودعا إلى الفلوجة والرمادي وكان الحماس الذي استقبلنا به نفس الحماس الأول إن لم يزد عليه وأعود فأشكر لأولئك الكرام ما وجدناه فيهم من الإيمان والكرم والرجولة الحقة التي تفوق الوصف ولا غرابة في ذلك فقد عرف هذا اللواء «لواء الرمادي» بمثل هذه الأخلاق الحميدة من الكرم والصدق والوفاء والرجولة والأمانة والإيمان أدام الله عليهم هذه الفضائل وبارك فيهم.

برقية سرية من الجامعة العربية :

إنني كنت ولا أزال مع الأسف سيء الظن بهذه الجامعة العربية التي أقامتها فينا المصالح البريطانية بقيادة وزير خارجيتها إيدن وعملاء بريطانيا في المنطقة العربية ليقودوا البلاد العربية بزمام واحد بعد أن كانت سبعة أزمة ولينخرط الجميع فيها حتى لا يستطيع بعض المعتدلين الخروج عن قرارات الجامعة وأكثر الحكام آنذاك كانوا ألعوبة بيد بريطانيا فإذا قررت الجامعة شيئا بإشارة من بريطانيا فلا يستطيع الخروج على هذا القرار أحد مهما كان قويا وصادقا فالأكثرية بيدها وهي تخطط وهم ينفذون!!

الملك عبد العزيز رحمه الله:

وهذا الذي وقع بالفعل فإن دخول الحرب عند تكوين إسرائيل واشتراك الجيوش العربية كان بقرار من الجامعة العربية المشئومة ولم يكن قرارا إجماعيا بل بالأكثرية فإن الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله لم يكن موافقا على هذا الأسلوب بل اقترح وهو الاقتراح الصائب أن يقوموا بإرسال مجاهدين متطوعين والحكومات العربية تمدهم وتمد الشعب الفلسطيني بالمال والسلاح والرجال وبدأ فعلا رحمه الله بتجهيز المتطوعين وتدريبهم ولكن الجامعة العربية لم توافق وذهب إليه اثنان أو أكثر من كبرائها وقادتها وحملوه حملا على الموافقة على ما قرروه ولقد كان رحمه الله صريحا معهم إذ قال لهم:

إن دول العالم الغربي والشرقي سوف لا تترك إسرائيل وحدها وإذ دخلت هذه الدول الحرب غلبتكم ومن العار أن تغلبوا وأنتم سبع دول ولكن إذا كان المتطوعون والشعب الفلسطيني ونحن نمدهم بأسباب الجهاد طال الأمد واليهود لا يتحملون حربا طويلة فأبوا عليه هذا الرأي ولم يخرجوا منه حتى أخذوا موافقة على قرار الجامعة العربية بدخول الجيوش العربية وعندها كمل نقل إلى الصادقون: ضرب رحمه الله يدا بيد وقال: لقد ذهبت فلسطين.

وهكذا الرجل المؤمن يهديه الله بإيمانه إلى صائب الرأي وصادق العمل.

لا أريد أن أطيل النقاش حول الجماعة العربية ولقد قلت أنني سيئ الظن بها ولكنها الخواطر تمر مرورا سريعا وأحب أن أشير إليها إشارات خفيفة.

لقد تأخر إرسال الفوج الثالث من المتطوعين بعض الشيء لبعض الأسباب وفي ساعة من نهار ونحن على وشك تسفير الفوج الثالث وفيه أكثر من 400 أربعمائة متطوع وقد أعلنا عن موعد سفره لأنهم كادوا يثورون علينا للتأخير الذي حصل لهم.

وفي هذه الفترة تسلمت برقية من الجامعة العربية من القاهرة تطلب من الجمعية عدم إرسال الفوج الثالث والاكتفاء بما أرسلنا من المتطوعين هنا ضربت يدا بيد وأسفت كثيرا لهذا الموقف المتخاذل وكتمت خبر البرقية عن كل أحد إذ الموقف في غاية الخطورة خبر سفر الفوج أعلن والاستعدادات لسفرة تمت البرقية أرسلت لدمشق لاستقبال الفوج فماذا يكون موقفنا لو قلنا للمتطوعين المتأججين نارا وحماسا والمتأبطين لأسلحتهم وعتادهم والمدججين بهذا السلاح الناري ماذا يكون لو قلنا أن الجامعة العربية العتيدة لا تريدكم وانزعوا أسلحتكم وثيابكم العسكرية وعودوا إلى بيوتكم ومساكنكم؟

لقد قدرت الموقف تماما فكتمت الخبر عن الجميع كما قلت ثم أسرعت إلى لقاء شيخنا الشيخ أمجد الزهاوي رئيس الجمعية رحمه الله وكذا الفريق الركن حسين فوزي باشا نائب الرئيس وبسطت له الأمر كما هو وأطلعته على البرقية وأخبرتهما بأنني كتمت خبرها عن الجميع فأيداني رحمهما الله ودعوا لي بكل خير ثم قالا: تصرف أنت وسفر الفوج وتوكل على الله.

وهنا خرجت اجتمعت بقادة الفوج ورؤساء الفصائل واتفقت معهم على خطة السير وعند الموعد المقرر خرجت معهم مودعا إلى الفلوجة والرمادي وبنفس الحماس الأول والمظاهرات الصاخبة في بغداد لتودع الفوج المجاهد لأرض الجهاد فلسطين.

وكذا كان الاستقبال والتوديع في الفلوجة والرمادي وبنفس الحماس الأول بل كلما ازدادت الجمعية في تنفيذ الخطوات العملية ازداد الناس له تقديرا وحماسا وانهالت علينا التبرعات من الشعب المؤمن الأبي شعب العراق الذي أقبل على التطوع والتبرع بشكل غريب منقطع النظير ولقد رددنا الآلاف من المتطوعين لعدم تمكننا من استيعاب أعدادهم الهائلة ولقد وجدت فعلا من إذا رفض طلبه تولي وأعينه تفيض بالدمع لعدم تمكنه من المشاركة في هذا الشرف العظيم شرف الجهاد في سبيل الله والحمد لله رب العالمين.

التمور للمجاهدين:

بعد سفر أبنائنا وإخواننا المجاهدين من العراقيين وإخوانهم المؤمنين إلى حدود فلسطين وبداية العمل الجهاد ي تسلمنا برقية من مفتشية التطوع العامة في دمشق تطلب من الجمعية إرسال عشرة أطنان من التمور العراقية لصالح المجاهدين.

اجتمعنا في نفس المساء الذي تسلمنا فيه البرقية العاجلة فاقترح بعض الأخوة الأعضاء أن تشكل لجنة ونشتريها من مدينة كربلاء أو مدينة بعقوبة وفي هاتين البلدتين تمور جيدة تصلح لإرسالها لإخواننا المجاهدين ولكنن بعد المداولات قدمت اقتراحا لإخواني وكان فيهم الرئيس ونائب الرئيس فقلت لهم: هل توافقون على انتدابي للذهاب إلى البصرة وأنا بإذن الله سوف آتي بها من خيرة التمور ومن تبرعات أهل البصرة الكرام؟ فوافق الجميع على اقتراحي وفي اليوم الثاني مباشرة ركبت القطار من بغداد إلى البصرة وأخبرت شبابي وإخواني في البصرة بسفري فاستقبلوني في المحطة ثم ذهبت مباشرة إلى متصرفية لواء البصرة بسفري فاستقبلوني في المحطة ثم ذهبت مباشرة إلى متصرفية لواء البصرة بسفري فاستقبلوني في المحطة ثم ذهبت مباشرة إلى متصرفية لواء البصرة إمارة البصرة واجتمعت بالمتصرف وحدثته بالأمر فتحمس الرجل جزاه الله خيرا ثم رجوته أن يدعو كبار التجار إلى لقاء بدار المتصرفية في نفس الليلة فأصدر أمره إلى مدير التحريرات أن يدعو كبار التجار والملاك للحضور لشرب الشاي بدار المتصرفية مساء وفعلا حضروا وحضر المتصرف وأبلغتهم تحيات الجمعية وأعضاء إدارتها وعلى رأسهم الرئيس ونائبه ثم ذكرت خبر البرقية وحاجة المتطوعين المجاهدين إلى التمور وقرار الجمعية بانتدابي إلى البصرة التي عرفت بكرمها وطيب رجالها وأهلها وبعد كلمتي مباشرة انهالت التبرعات بأجود أنواع التمور حتى بلغت التبرعات أكثر من مائة طن واصلة على بغداد على نفقة تجار البصرة جزاهم الله خيرا، والكثير من التمور من النوع الجيد المحشي باللوز وبعد انتهاء التبرعات شكرتهم وشكرت سعادة المتصرف ثم انصرفت إلى منزل أخي السيد عبد الصمد الرديني رحمه الله الذي أنزلني ضيفا بداره بالبصرة وهو من خيرة شباب الدعوة الإسلامية في البصرة إيمانا وصدقا وكرما وشجاعة رحمه الله وأسكنه الجنة.

في مسجد البصرة الكبير:

في اليوم الثاني أصبحنا في البصرة وكان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1368 هـ وهو يوم مولد الرسول الأمين محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وكانت الجمعية بفرعها في البصرة قد عدت على حفل خطابي يحضره الشباب المسلم بهذه المناسبة والمكان هو مسجد البصرة الكبير فحضرت الاجتماع صباحا في العاشرة وطلبوا مني كلمة أختم بها الحفل بعد سماعي للكلمات من أبنائي وإخواني وبعض الإخوة من العلماء وكنا في المساء قد بلغنا تجدد المظاهرات في بغداد واستشهاد الشاب قيس الآلوسي وهذا في زمن وزارة صالح جبر فلما قمت وألقيت كلمتي الحماسية وتطرقت للجهاد والموقف في فلسطين والتخاذل المتواصل من قبل الحكام وعدم إعطاء الأوامر للجيوش أن تقاتل وتدافع عن شرفها وشرف الأمة العربية والإسلامية بعد كلمتي الختامية هاجت عن شرفها وشف الأمة العربية الإسلامية بعد كلمتي الختامية هاجت الجماهير ماجت وكان المسجد على سعته يغص بالحاضرين والشوارع تمتلئ بالناس ولما أرادت الخروج من المسجد بعد خطابي عن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتضحيات الصحابة الكرام معه وواقع الحال في أرض فلسطين خرجت الجماهير وسارت بي هاتفة بسقوط الاستعمار ثم هتفوا وكبروا وبعث التكبير فيهم الحماس المنقطع النظير وساروا في مظاهرة صاخبة عنيفة من البصرة إلى العشار مشيا على الأقدام.

في أبو الخصيب وتسفيري إلى بغداد:

في ظهر هذا اليوم كنت مدعوا للغداء في قضاء أبو الخصيب وهو من أقضية البصرة الكبيرة والمهمة فقد أقام لي الأهالي هناك حفل غداء وعلى رأسهم الوجيه الكبير السيد طالب بركات رحمه الله وكانت المناسبة هي يوم المولد النبوي الشريف وبعد الغداء تكلم بعض الشباب فرحين بهذا اللقاء وهذه المناسبة المباركة ثم طلبوا مني الكلمة فألقيت كلمتي علقت فيها على كلمات المتكلمين وعند انتهائي من كلمتي قامت مظاهرة أخرى كبيرة في مدينة أبو الخصيب وسارت في شوارعها ومكثت حتى صلاة العصر حيث موعد تحركي للرجوع إلى البصرة ثم التوجه إلى لقاء الإخوة في البصرة مساء ذلك اليوم بدار الأخ عبد الصمد الرديني رحمه الله ولكنني فوجئت بالأمر من وزير الداخلية بتسفيري حالا إلى بغداد وصحبني معاونو الشرطة حتى أوصلوني إلى القطار وكان المنتظر أن يقبض على في محطة قطار بغداد ثم أذهب مخفورا إلى السجن وشاء الله أن يقع ما ليس بالحسبان فقد سقطت وزارة صالح جبر بنفس الليلة التي كنت فيها مخفورا في القطار، وألغي الأمر بالسجن والاعتقال وشاع الخبر في بغداد عن اعتقالي وتسفيري وكان صباح وصولي إلى بغداد هو موعد تشيع جنازة الشهيد قيس الألوسي وكان تشييعا صاخبا كبيرا جدا اشتركت فيه جماهير بغداد من كل مكان ولما علموا بأمري أرسلوا جماعة منهم لاستقبالي في القطار وفعلا نزلت معهم وسرت مع المتظاهرين وسط الهتافات التي ترتفع إلى عنان السماء وشاركت الجماهير في هذا التشييع ثم خبت عند قبره رحمه الله وسط هذه الجموع التي كانت تموج كالبحر وهم في غليان حماسهم وهتافاتهم ضد الاستعمار وأذناب الاستعمار، وبعد تشيع الجنازة انفضت الجماهير بسلام وعدت إلى داري والحمد لله.

قرار الجمعية بسفري إلى فلسطين:

بعد عودتي من البصرة واستقرار الأمور اجتمعت الهيئة التأسيسية لجمعية إنقاذ فلسطين وكان قد زارنا في الجمعية الزعيم الفلسطيني السيد جمال الحسيني رحمه الله وأقمنا له حفل تكريم أهديناه فيه رشاشا جديدا من نوع «فيكرس» وقد عرض لنا الموقف آنذاك في أرض الجهاد فرأى السادة أعضاء الجمعية ضرورة سفري إلى فلسطين لأكون قريبا من المعركة قريبا ن أبنائنا المجاهدين وكنت في أول يوم تحرك فيه الفوج الأول رجوت إخواني أن يسمحوا لي بالسفر مع المجاهدين مباشرة ولكنهم أبوا على ذلك وقالوا صراحة هناك من يعوض عنك في القتال ولكننا هنا لا نستطيع الاستغناء عنك وعن نشاطك في إدارة شؤون الجمعية وقد زادت واجباتها وكثرت التزاماتها فأطعت أمرهم والتزمت بقرارهم جزاهم الله عني وعن الإسلام خير الجزاء.

أما الآن وبعد مضي أشعر على دخول المتطوعين إلى أرض فلسطين وبعد أن بلغتنا بعض التقارير اللافتة للنظر وبعد أن سمعنا بعض الأخبار من السيد جمال الحسين مرسلا من الهيئة العربية العليا التي يقودها سماحة مفتي فلسطين الأكبر العالم المجاهد السيد محمد أمين الحسيني رحمه الله وأسكنه الجنة وأثابه على جهاده الطويل المرير ثواب المجاهدين الأبرار فإنه أول من حمل اللواء بعد الشهيد الكبير الشيخ القسام رحمه الله وكان رمزا صادقا لهذه القضية والتي تعتبر معركتها معركة التاريخ بيننا وبين أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم من الشيوعيين والمنافقين والكافرين.

لقد صدر قرار الجمعية بسري ومعي عضو اللجنة العسكرية للجمعية العقيد طاهر محمد عارف رحمه الله وتولى الأمانة العامة الأستاذ الأديب محمود فهمي درويش رحمه الله.

في دمشق: يا سين الهاشمي وطه الهاشمي:

اتجهنا في سفرنا إلى دمشق حيث مقر المفتشية العامة التي تولت أمور المتطوعين بقرار من الجامعة العربية وكان على رأسها آنذاك الزعيم العراقي الكبير الفريق طه الهاشمي رحمه الله وهو شخصية عسكرية كبيرة ومعروفة لدى الأوساط العربية وهو شقيق الزعيم الوطني الكبير السيد ياسين الهاشمي رحمه الله رئيس الوزراء العراقية الذي عرف بدهائه وحنكته السياسية ووطنيته وهو من أكبر مؤسسي ورجال الحكم الوطني في العراق كانت له مواقف مع المستعمرين يعرفها من عاصر تلك الفترة من حياة العراقي السياسية.

كذلك كانت له رحمه الله مواقف في مساندة وتأيد الثورة الفلسطينية التي اندلعت عام1936 ولقد مدها بالمال والسلاح والرجال ودعم كفاح وجهاد سورية للتخلص من الاستعمار الفرنسي البغيض وكان يدعم ويساند كل عمل إيجابي يكون في صالح العرب وحريتهم واستقلالهم ولقد كاد له الإنكليز لعنهم الله كيدا عظيما وضاقوا به ذرعا لمواقفه الوطنية المشرفة.

وفي 29 تشرين الأول من سنة 1936م وقع أول انقلاب عسكري في تاريخ العرب الحديث بقيادة الفريق بكر صدقي وكيل رئيس أركان الجيش العراقي بالتعاون مع قائد الفريق الثانية الفريق عبد اللطيف نوري قائد الفرقة الأولى الذي أصبح وزيرا للدفاع عن حكومة حكمت سليمان التي تألفت في نفس اليوم الذي وقع فيه الانقلاب وقتل فيه وزير الدفاع ومؤسسي الجيش العراقي جعفر العسكري وكان الفريق طه الهاشمي رئيسا لأركان الجيش العراقي حينما قام الانقلاب ولكنه كان في الإجازة في بعض الأقطار الأوربية وقد وقع الانقلاب بعد وصوله إلى أنقرة في طريق عودته إلى بغداد إلا أنه أبلغ بقرار إحالته على التقاعد وهو هناك.

ورأيت أهوالا مؤسفة جديدة:

الفريق طه الهاشمي رحمه الله شخصية عسكرية كبيرة كان قوي الشخصية مرهوب الجانب تولى رئاسة أركان الجيش العراقي ثم عين رئيسا للوزارة العراقية وأخيرا اختير من قبل الجامعة العربية ليكون على رأس مفتشية التطوع العام بدمشق.

ويؤسفني أن أقول أنه إن كان قد نجح كرئيس أركان الجيش أو كرئيس للوزراء فإنه قد فشل فشلا ذريعا في هذا المنصب الذي تولاه في دمشق أقول هذا على الرغم مما كان بيني وبينه من محبة ومودة فالحق أحق أن يتبع وعار علينا أن نتكلم بخلاف الحقيقة والواقع ونحن نكتب للتاريخ والله شهيد على ما نقول.

ولقد زرت مفتشية التطوع ومعي العقيدة طاهر محمد عارف فماذا رأيت وماذا شهدت لقد رأيت عجبا ورهبا.

رأيت مخازن المفتشية مليئة بكل حاجات المتطوعين ولكن المتطوعين لا يجدون من يستجيب لطلباتهم إنهم ينامون في العراء والمخازن تملأها بطانيات الصوف التي أرسلناها عن طريق جمعية إنقاذ فلسطين من بغداد.

عبد القادر الحسيني :

لقد حدثني من لا أشك في صدقه أن المجاهد الكبير الشهيد عبد القادر الحسيني وصل إلى المتفشية قبل أن نصل نحن إليها بأسبوعين تقريبا وطلب عتادا وسلاحا وألحا في الطلب وحاول فلم يستجيب على طلبه وكان من أخطر معركة مع الغاصبين والمحتلين من اليهود والمجرمين وهي معركة القسطل ولقد عاد بخفي حنين من المفتشية وهو رحمه يحمل الألم والحسرات على هذه الأمة الضائعة والتي باعها قادتها وزعماؤها بأبخس الأثمان وأخيرا استشهد عبد القادر الحسيني ولقي وجه ربه ومن الممكن أنه لو قدر له أن يزود بالسلاح والعتاد من المفتشية لغير وجه المعركة بل ربما غير وجه التاريخ لهذه القضية المصيرية ولكنه ذهب إلى ربه وبقي السلاح والعتاد مكدسا في مخازن المفتشية العتيدة رأيت المراجعين من المتطوعين وفيهم الجرحى والمرضى ينتظرون الساعات فلا يجدن من يهتم لهم ويسمع لشكواهم وطلباتهم وفي المفتشية جيش من الموظفين الذي عينتهم الجامعة العربية غير المباركة والتي تكونت وكأن في خطتها إتمام المؤامرة في ضياع فلسطين وطمس قضية فلسطين والاكتفاء بالمؤتمرات والاجتماعات والتصريحات الجوفاء واللجان والحفلات والزيارات وإلى ما هناك مما يندي له جبين الإنسان الغيور الصادق مما يرى ويسمع ولا يستطيع تغييره.

لقد رأيت ورأيت ولا أريد أن أطيل فبعد هذه الجولة صعدنا إلى الطابق العلوي لمقابلة الباشا وأنا أكاد أتفجر غيظا وأسفًا وعبد اللقاء مع طه باشا الهاشمي والحديث التقليدي عن السفرة والصحة انفجرت وانطلقت أتحدث عن هذه المآسي التي شهدتها واشتد جدالنا وعلت الأصوات وانتفخت الأوداج وبعد ذلك هدأت العاصفة وأخذ يحدثنا عن خطة ينوي اتباعها في تسيير الأمور في المفتشية وخرجنا منه بعد ساعة من الزمن أما رفيقي العقيد طاهر محمد عارف فقد جمد الدم في وجهه ولم ينبس بينت شفة ولما خرجنا إذا به يشتد على ويعاتبني كيف تكلم الباش بهذا الأسلوب؟ وكيف تصارحه بهذه الأمور؟ فقلت له: أنت عسكري وقد تعودت أن تقف جامدا أمام من هو أرفع منك درجة وترفع التحية العسكرية وتقول نعم نعم.. أما أنا فمنطلقي غير منطلقك أنا رجل دعوة ودعوتنا توجب علينا أن نقول الحق ونتواصى به ونتواصي بالصبر.

إلى جنوب لبنان :

بعد أن انتهينا من زيارة دمشق توجهت أنا والعقيد طاهر محمد عارف إلى لبنان واتجهنا إلى الجنوب مباشرة حيث لنا عدد كبير من أبنائنا وإخواننا المتطوعين المجاهدين وكانوا بفضل الله على جانبي كبير من المعنويات والحماس العجيب وكل منهم يتمنى لقاء العدو يتمنى النصر أو الشهادة في سبيل الله ولقد زرنا عيطرون وترشيحا وغيرهما من مناطق الحدود ولما كنت قد تحدثت بعض الشيء عن هذه الزيارة بكتابي «معركة الإسلام» أو واقعنا في فلسطين بين «الأمس واليوم» وذكرت هناك المشهد المؤسف والمخزي من قائد الجبهة فوزي القاوقجي حيث خرجت في الليل في سيارة مصفحة ومعي رشاشتي التي كنت أحلمها دائما وهي من نوع «استن» لأفتش مراكز المرابطين من شبابنا وإخواننا ومعي كلمة سر الليل وسرت بالمصفحة في ظلام دامس إذ بيننا وبين العدو اليهودي أمتار قليلة ولم نشعل ضياء السيارة وسرنا في حدودنا لأرى المرابطين من شبابنا المؤمن وهم في العرين كالأسود لكنني فوجئت وأنا في طريقي هذا برتل من السيارات أربعة أو أكثر والنور مفتوح والرجال أمام النساء وراء ولم تقف لي السيارة ولم تسألني أعدو أم صديق؟ بل سارت بطريقها توا والضحك والحديث يجري بين ركابها فتعجبت حقا وعدت بمصفحتي بعد جولتي لأسأل عن هذه السيارات وما خبرها؟ فقيل لي أنها سيارات القائد فوزي القاوقجي ومعه كما قالوا لي: مستشفى الميدان وفيه المضمدون والمضمدات وحدثوني من أخبارهم السيئة ما جعلني في أسف مر وحيرة وقلت لقد ذهبت فلسطين ونصر الله لا يأتي مع معصية الله عز وجل وهذا القائد أحد الذين كنا نظن فيهم الخير فإذا به يهوى إلى درك المهانة والخيانة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إلى نابلس:

بعد بضعة أيام قضيتها في عمان اتجهت إلى مدينة الجهاد نابلس البطلة الصامدة برجالها الصادقين وشبابها المؤمنين الذي لا يزالون يواصلون جهادهم المرير ضد الغاصب المحتل اليهودي المجرمين الأقذار ومن ورائهم أمريكا قائد العالم إلى الهاوية والدمار والضلال وروسيا قائدة الإلحاد والفساد والخراب وفي نابس استقرت أكثر القوات العراقية من الجيش العراقي الباسل وكان على رأس هذه القوات رجال من كرام ضباط الجيش وصادقي الرجال وفي مقدمتهم الفريق نجيب الربيعي والفريق مصطفى راغب واللواء عمر علي رحمهم الله جميعا وأسكنهم الجنة وقد كانوا على جانب عظيم من الصدق والإيمان والشجاعة والبطولة ولولا القيادة السياسية المنحرفة في بغداد والمرتبطة بعجلة الاستعمار البريطاني البغيض اللئيم لكان لهؤلاء الرجال مكان بارز في صفحات التاريخ المعاصر ولكن أني لهم هذا وقد قيدتهم أوامر السادة في بغداد ومنعتهم حتى من الحركة البسيطة ولم تعطيهم السلاح إلا بقدر محدود ولم تطلق لهم العنان فكنت أشعر حين اتصلت بهن وبضباطهم وجنودهم من الشباب المؤمن أنهم كالأسود الحبيسة والتي قيدوها بالسلاسل وتركوا أعدائها من الكلاب ينهشونها ويعتدون عليها وهي لا تستطيع حراكا.

الحالة في نابلس:

لقد دخلت مدينة نابلس البطلة هي تغلي كالمرجل الذي يكاد ينفجر بين الفينة والفينة والجيش العراقي كان يسيطر على الموقف إذ دخلتها بعد مجزرة دير ياسين التي كان بطلها اليهودي المجرم القذر «بيغن» رئيس وزراء إسرائيل السباق وهو رئيس عصابة مجرمة وكانت المجزرة البشرية في هذه القرية قريبة من مراكز الجيوش العربية العتيدة والتي دخلت لتسلم فلسطين لليهود ولم تدخل لإنقاذ فلسطين ولذلك فإن هذه الجيوش لم تحرك ساكنا والأطفال والسناء والشيوخ من أهلنا وأبناءنا وبناتنا تذبح ويمثل بها ويبقرون بطون الحوامل بحراب اليهود والجيوش تنظر وكأنها لا تبصر أو قد أصيبت بالعمى والصمم فلم تر المجازر البشرية البشعة ولم تسمع لصراخ الأطفال والأيامى واليتامى ولا لنداء العلماء والفضلاء المجاهدين في كل مكان بل سمعت وأطاعت أوامر من تلقوا الأوامر من أسيادهم الإنكليز الذين أوردوهم موارد الهلكة والضلال وكانت عاقبة أمرهم كما شهدها الكثير منا البطش والسحق والمحق إذ قد أنزل الله بهم بشطه فشتتهم ومزقهم وأهلكهم في أوخم العواقب وأبلغ عبرة ومثال لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الشيخ أحمد الحنبلي:

انفرج الشيخ المفضال أحمد الحنبلي خطيب مسجد نابلس فألقى خطابا حماسيا شديد اللهجة جدا وصريحا وقويا حمل فيه الحكومات العربية والجيوش الرابضة على أرض فلسطين وهي مكبلة مقيدة ولا تستطيع حراكا حملها المسؤولية عما حدث وسيحدث في أرض الإسراء والمعراج وكانت القلوب كلها مكلومة والنفوس هائجة وحائرة ولكن الموقف الحساس جعل السلطة العسكرية تعتقل الرجل وتزجه في السجن وكان هذا الحادث قبل وصولي إلى نابلس بأكثر من أسبوع ولكن بعد وصولي إلى نابلس وقيامي بإلقاء خطبة الجمعة في مسجد نابلس الكبير ولم يكن حماسي بأقل من حماس الشيخ الحنبلي بل ربما يزيد عليه ولكنني سلكت أسلوب التوجيه، بيان الموقف الخطير في أوضاعنا العربية والإسلامية ودعوت بكل قوة إلى مواصلة الجهاد ضد الأعداء المغتصبين بل دعوت إلى النفير العام لنقف صفا واحدا أمام القوى اليهودية والصليبية المتعاونة جميعها ضد شعوبنا وأمتنا وبلادنا وكان في المسجد كبار ضباط الجيش العراقي وعلى رأسهم الرجل المؤمن الفريق صالح صائب الجبوري رئيس أركان الجيش العراقي والزعيم طاهر الزبيدي قائد منطقة نابلس العسكرية وغيرهما من كبار الضباط كما تطرقت إلى مجزرة دير ياسين ودعوت الشعب الفلسطيني إلى الثبات والصمود وكذا دعوت الجيوش العربية أن تتقي الله في أنفسها وأمتها ومستقبلها وأن تتحمل مسؤوليتها كاملة ولا زلت أذكر كما يذكر بعض الإخوة من الحاضرين لتلك الخطبة التي بكيت فيها وأبكيت الحاضرين حتى تعالت الأصوات بالنحيب.

وبعد ذلك اتصل بي علماء نابلس ووجهاؤها وجلسنا طويلا نتشاور في الموقف وما يجب عمله على رأس هؤلاء العلماء والفضلاء الشيخ المفضال مشهور الضامن مفتي نابلس ونائبها في البرلمان الأردني ورئيس شعبة الإخوان المسلمين المجاهدين في نابلس وهو من كرام الرجال وأسرته من كرائم الأسر وله من دماثة الخلق وكرم الطبع ما يحببه إلى كل نفس حفظه الله ورعاه ولقد كلمني هو والجمع معه من العلماء بشأن توقيف الشيخ الحنبلي لدى السلطات العسكرية العراقية وفي نفس اليوم كلمت المسئولين في الجيش وعلى رأسهم الفريق الجبوري رئيس أركان الجيش وكذا الزعيم طاهر الزبيدي قائد المنطقة فأمرا حالا بإخراجه من التوقيف جزاهما الله خيرا ولقد ارتاح الناس لخروجه من السجن والحمد لله رب العالمين.

الفريق مصطفى راغب المسلم الغيور:

كان اللقاء في المعسكر وفي خيمة القائد المؤمن الفريق مصطفى راغب رحمه الله وأثابه خيرا كثيرا فقد استقبلني بحرارة وتقدير وإكرام، وقد أثنى كثيرا على قدومي إلى ميدان المعركة وقال: هكذا نريد من علمائنا أن يشاركوا الأمة في سرائها وضرائها وفي سلمها وحربها ثم جلسنا نتحدث عن أوضاع أمتنا وما أصابها من انتكاسات تدمي لها القلوب ولقد فتح لي قلبه الكبير وكنت أنا وهو فقط وشكا من القيادة السياسية شكوى مرة وقال: ماذا أصنع يا ولدي وقد قيدوني ومنعوني من التحرك أو التصرف وها أنت ترى بنفسك أحوالنا وما صنع اليهود المجرمون في دير ياسين ونحن لا نستطيع حتى الدفاع عن إخواننا المسلمين ونرى ما يجري لهم وتتقطع قلوبنا أسى وحسرة ثم قال لي:

هل أنت ترى الشعب الفلسطيني المعتدي عليه أخذ يترك مدنه وقراه خوفا من المذابح التي رآها في دير ياسين وهذا الأمر ليس في صالحنا وليس في صالح القضية لذا أرجوك أن تقوم بحملة من التوعية الإسلامية بخطبك وأحاديثك لتثبيت الناس وطمأنتهم وسوف أخصص لك السيارات اللازمة والمرافقين من الضباط حتى تسارعوا لإنقاذ الموقف وفعلا خصص لي رحمه الله سيارة «لاندروفر» وثلاثة ضباط من المؤمنين وبدأنا الحملة الإسلامية الواسعة في المدن والقرى الأمامية وفي كل أمسية نقيم حفلا كبيرا في منطقة من المناطق العربية وبدأنا الاجتماع الأول في «طولكرم» الصامدة الشجاعة بدار عمدتها وإخواننا هناك وهكذا كل اجتماع كنا نقيمه نشرح الموقف ووجوب الصمود أمام أعداء الله المغتصبين وواجب المسلمين في جهاد الكفار والمنافقين لعنهم الله جميعا وقد أمر الله سبحانه رسوله الأمين بجهاد هؤلاء وهؤلاء فقال له: ﴿جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم﴾ والحمد لله فقد كان لهذه اللقاءات الإسلامية الجماعية أثر كبير في نفوس أهل المنطقة كلها.

ومصطفى راغب رحمه الله قائد كبير من أصل تركبي وهو مسلم غيور كان يتحرك من منطلق إيماني ويتحرق أسى وكآبة على الأوضاع التي وصلنا إليها وأخيرا قدم استقالته وكنت أتمنى لو أنني احتفظت بنسخة منها لنشرها هنا في هذه المذكرات فقد أطلعت عليها وقرأتها بإمعان وروح الإسلام تنبع من أصول وخروج هذه الرسالة، إذ أحس رحمه الله بمسئوليته أمام الله فرفض الرتبة والمنصب والمرتب وعاد أدراجه ليريح ضميره ويرضي ربه إذ لم يستطع أن يفعل أكثر من هذا رحم الله هذا الرجل المسلم الفريق مصطفى راغب وأسكنه الجنة إذ لا زلت أذكر جلساتنا في خيمته المتواضعة وأراد أن يكرمني وينزلني في مكان مريح فأبيت إلا أن أكون مع الجنود في الخيام وفعلا قضيت كل أيامي هناك وهي طويلة وأنا أنام في خيمة مع إخواني الجنود بالقرب من خيمة القائد الموفق مصطفى راغب رحمه الله.

اللواء عمر علي واسترداد جنين:

حشد اليهود حوالي اثنتي عشر ألف مقاتل حتى تمكنوا من احتلال جنين وأخذوا مواقعهم المسيطرة عليها ولما دخل الجيش العراقي المنطقة هاجمهم بفوجين فاستردها ولم يخسر سوى ست وثلاثين شهيدا بينما بلغت خسائر اليهود حوالي أفلين قتيل أو يزيد.

ورحم الله الأخ القائد اللواء عمر علي فقد كان رجلا شجاعا بطلا شرفه الله بقيادة معركة «جنين» سنة 1948 م وانتصر فيها انتصارا رائعا أذهل اليهود وأرعبهم ولأول مرة يترك اليهود قتلاهم تملأ وديان جنين وروابيها دون أن يحملوها معهم حتى تفسخت وقد وقعت المعركة في شهر رمضان المبارك سنة 1368 وكان اللواء الذي يقوده عمر علي من الألوية العسكرية الشجاعة بضباطه وجنوده وكان قائده المسلم يتصف بالجدية والمغامرة والشجاعة وقوة الشخصية وقد عرفته في العراق معرفة جيدة وتوطدت بيني وبينه المحبة والمودة وعند زيارتي هذه لأرض فلسطين وفي أرض نابلس البطلة بالذات كان اللواء عمر علي يعسكر في منطقة الهوارة بنابلس فلما التقينا رحب بي كثيرا وفرح بقدومي ودعاني إلى حفل غداء يقيمه تكريما لي على أن يجمع لي ضباط وجنود اللواء كله لألقي فيهم محاضرة عن الجهاد بعد الغداء وبعد تحديد الموعد حضرت مع بعض الضباط إلى منطقة الهوارة ودخلت المعسكر وكان المؤذن يرفع صوته بالأذان بصلاة الظهر فاستبشرت خيرا وسررت جدا إذ صوت الأذان والإيمان يصحبه النصر بإذن الله الرحمن الرحيم.

وقد كانت الكتيبة تضم مجموعة كبيرة من الضباط الإسلاميين والمتدينين منهم اللواء الركن والباحث الإسلامي محمود شيت خطاب الذي كان يشغل ضابط ركن اللواء العراقي الذي شارك في معركة جنين وأبلى بلاء حسنا بقيادة البطل المسلم عمر علي آمر اللواء وهو من أصل كردي والذي كب الإسرائيليين 2600 قتيل لا زال الإسرائيليون يذكرونها حتى الآن.

ولست في موضوع التفصيل هنا حتى أذكر مفصلا ما جرى بعد المعركة من المفارقات العجيبة لقادتها وضباطها الأبطال المؤمنين وما جرى من مؤامرات ضد العراق وجيش العراق من مؤامرات عالمية ضد هذا البلد وهذا الجيش الذي كان ولا يزال يملك من الشجاعة والبطولة ما يكفي لإنقاذ فلسطني ومما لابد لي أن أذكره هنا هو أن الطائرات الأمريكية شاركت في حرب الجيش العراقي في جنين لتنقذ اليهود ولكنها بفضل الله كانت خائبة فاشلة في ضرباتها مع العلم بأنها ترمي القنبلة الضخمة جدا فلا تصيب أهدافها ولما تقدمت قوات عمر علي رحمها لله وكادت تصد منطقة «العفولة» لتقسيم فلسطين إلى شطرين جاءت لجنة الجامعة العربية وطلب من عمر علي وقواته أن تعود أدراجها إلى الخط المرسوم لها وإن لم تفعل فسوف يطوقها الجيش الأردني بقيادة الإنكليزي كلوب باشا كما أن البحرية الأمريكية الموجودة في ساحة «ناثانيا» وغيرها هددت بالنزول والتدخل العسكري ضد جيش العراق وأخيرا جاءت الأوامر الصارمة من القيادة العراقية السياسية بوجوب الانسحاب من كل شبر استرده جيش العراق خارج حدود التقسيم كما وصل على جناح السرعة من العراق بعض القادة الكبار فردوا الجيش العراقي إلى مكانه المحدد له والمستعان الله.

بعض الأعمال العسكرية التي قام بها المجاهدون العراقيون

نقلا عن كتاب النكبة لعارف العارف

في 25/ 2/ 1948 طلبت اللجنة العسكرية بدمشق من فوزي القاوقجي قائد الإنقاذ أن يرسل إلى القدس سرية من سرايا فوج الحسين بقيادة الملازم أول فاضل عبد الله الرشيد العراقي لتتولى حماية المدينة وتتولى هو حماية الحامية وهبط العراقي البلاد فحط رحله في بيت رجالا جنوبي القدس ولم يدخلها إلا بعد 21/ 3/ 1948 فاتخذ الروضة إلى الشمال من الحرم مقرا له وأمرته اللجنة بالتعاون مع أحمد حلمي باشا والدكتور حسين الخالدي وهما العضوان الوحيدان اللذان بقيا في القدس من أعضاء الهيئة العربية العليا ونتيجة أعمال تخريبية قام بها اليهود استشهد من حامية القدس المجاهد العراقي حسين الدخدري.

وفي 30/ 4/ 1948 انتدب الرئيس الأول عبد الحميد الراوي العراقي آمر فوج اليرموك الثالث قائد لحامية القدس وكان الملازم أول موسى عبد الهادي أحد القادة العاملين معه ووضعت سرية الرئيس فاضل عبد الله رشيد الموجودة في القدس تحت إمرته وجعلت مهمته إضافية إلى الدفاع عن الأحياء العربية ورام الله واحتلال المراكز الهامة التي يحتلها الجيش البريطاني أن يقطع طريق تل أبيب القدس وكان رجاله خليط من العراقيين والسوريين والفلسطينيين والأردنيين (ص 182).

في 15/ 5/ 1948 أنذر اليهود المجاهدين بمكبرات الصوت بالخروج من الأحياء المجاورة للمستشفى الإيطالي الالتحاق بالمدينة القديمة داخل السور فأصدر آمر حامية القدس القائد فاضل رشيد أمرا بالانسحاب إلى داخل المدينة وكان قائدهم بهجت أبو غريبة وتقدمك اليهود من ناحية مياشورم فاحتلوا جزءا من حي سعد وسعيد ومدرسة الأسوج وبعض المناطق الأخرى وبعد ساعة خرج إليهم فاضل رشيد برجاله وشن هجوما معاكسا على الإسرائيليين من ناحية باب العمود والنوتردام ودعمتهم فرقة أخرى من المجاهدين واستمر القتال من الساعة الواحدة حتى الخامسة مساء انتهى بهزيمة اليهود وانسحابهم وفك الحصار عن عشرين مجاهدا من الأكراد العراقيين الذين كانوا محاصرين في فندق رغدان.

بعد استشهاد عبد القادر الحسيني قابل القاوقجي وفد من سكان القدس يطلبون زيادة القوات المدافعة عن القدس فأسل فصيلا من فوج حطين العراقي وفيصل الشراكسة وفيصل لبنان بقيادة مأمون البيطار وفي 12/4 احتلت هذه القوات النبي صموئيل والآكام المجاورة وسيطرت على القطاع الشمالي من القدس واتصلوا بالقائد العراقي فاضل رشيد ثم راحت تقصف الأحياء اليهودية (ص138).

لقد ساهم فوج اليرموك في معركة باب الخليل مع الإخوان السوريين وكتائب الجهاد المقدس والمتطوعين الأردنيين ثم انسحب جيش الإنقاذ إلى دمشق ليعيد تنظيم نفسه من جديد بعد الخسارات التي منى بها وذلك بعد دخول الجيوش العربية النظامية في 15/ 5/ 1948 أرض فلسطين.

وقد أعيد تشكيل جيش الإنقاذ أثناء الهدنة الأولى على الشكل الآتي: لواء اليرموك الأول بقيادة المقدم صفاء ولواء اليرموك الثاني بقيادة العقيد مهدي العاني ولواء اليرموك الثالث بقيادة المقدم أديب الشيشكلي ووضع الجميع تحت قيادة فوزي القاوقجي وقد خاض اللواء الثاني الثالث معارك الشجرة الناجحة ومعارك الجليل.

جهاد الإسلاميين الليبيين في حرب فلسطين

أما أن أعلنت الأمم المتحدة مشروع التقسيم حتى تحركت روح الجهاد في نفوس المؤمنين فتداعوا للجهاد تحت مظلة جامعة الدول العربية وانتقل الفوج الأول وعددهم مائتي مجاهد ليبي إلى الحدود الشرقية في أول أبريل 1948 وفي الطريق تحركت عواطف الجماهير فلحق بهم الكثيرون فأصبح عددهم أربعمائة وست وخمسون مجاهدا وفي السلوم استقبلهم النقيب محمد سرور رستم مندوبا عن الجامعة العربية واتجهوا جميعا إلى معسكر لتجميع المتطوعين بعد الكيلو متر خمسة في طريق مرسى مطروح الإسكندرية أقيم على أنقاض معسكر للجيش البريطاني وهناك جدوا ثمانية عشر ليبيا سبقوهم إلى المعسكر منهم سالم السركسي والمستيري وهناك تم تسليم الملابس والتموين وأطلقوا على كتيبهم اسم عمر المختار ثم قسموا فيما بعد إلى كتيبتين الكتيبة الأولى والثانية ثم نقلوا بعد أسبوع إلى معسكر هاكتسب فوجدوا فيه أربع مجاهدين آخرين منهم محمد جعاكة وبشير الناجح الذي استشهد في بيت لحم فيما بعد وفي صباح 2/ 5/ 1948 تحرك القطار بالكتيبة الأولى إلى العريش حيث نزلوا في معسكر للجيش المصري وفي العاشر من نفس الشهر تحركوا باتجاه رفح ليلا وقبيل المدينة ترجلوا وساروا على الأقدام عدة كيلو مترات حتى وصلوا خان يونس فنزلوا في مدرستها وفي الصباح ثم توزيع الأسلحة والذخيرة منها رشاشات توميغان برتي ضد الأفراد وبويز ضد الآليات.

عملية وادي الدانجور

في الحادي عشر من الشهر الخامس حضر من أبلغهم أن مصفحات إسرائيل ية ستمر عبر طريق وادي دانجور متجهة إلى قصر قرب الفالوجا لاستلامه من الإنكليز فشددوا الحراسة وفي صباح اليوم الثاني وصلت سيارات الجيش المصري ونقلتهم إلى غزة ومنها إلى قرية عراق سويدان على طريق بئر لاسبع ثم إلى الفالوجا وهناك انقسموا قسمين قسم دخل قرية الفالوجا شبه الخالية من السكان وانتشروا بين أبنيتها لمراقبة المصفحات وقسم انتشر على حافتي الوادي مسلحين برشاشات ضد المدرعات وبعد ساعتين ظهرت المصفحة الأولى ثم تتالت المصفحات واتجهت نحو القصر لتمر في بطن الوادي ثم تتالت المصفحات واتجهت نحو القصر لتمر في بطن الوادي وفي بداية الوادي فاجأهم المجاهدون الليبيون بأسلحتهم الرشاشة المشوقة إلى لقاء العدو فتوقفت المدرعات انقض المجاهدون على عناصرها فاستسلم منهم من بقي على قيد الحياة وكانوا اثنان سلموا إلى الجيش المصري مع المدرعات المليئة بالمشروبات وأكياس الحلوى والدجاج ومن السلاح خمس وستون بارودة إنكليزية وكان يساعد النقيب سرور في قيادة الكتيبة الليبية الرائد معروف الحضري والمقدم الوردياني.

عملية قصر الفالوجا

علم المجاهدون الليبيون أن اليهود سيحاولون ثانية تسلم قصر الفالوجا من الإنكليز وحضر إليهم المقدم الوردياني مع بعض الضباط ولكفهم باعتراض القافلة الإسرائيلية أثناء مرورها من وادي دانجور وسلمهم مسدسات لإطلاق إشارات ضوئية أثناء مرور القافلة الإسرائيلية وفي اليوم السادس عشر من مايو ظهرت أربع عشرة مصفحة ورافعة وخزان ماء فأطلقت الإشارات الضوئية وفتحت المدفعية المصرية نيرانها على الآليات فأعطبت ستة منها وما أن توقف القصف حتى سارع المجاهدون بأسلحتهم إلى الآليات وذهل اليهود واستسلموا دون إطلاق عيار ناري واحد سوى سائق الرافعة الذي أصاب برصاصه المجاهد يونس بركة بجراح نقل على إثرها إلى مستشفى غزة، وكانت نتائج المعركة ثلاثة وعشرين قتيلا إسرائيليا وسحبت المصفحات إلى عراق سويدان مقر الكتيبة سلمت بعدها إلى الجيش المصري وفي المساء زار الوردياني مع ضباط ممثلين عن الأسلحة مركز الكتيبة وأثنوا على المجاهدين الذين كانوا قد تسلموا الفالوجا وقصرها الذي غادره الإنكليز والذين لا يتجاوز عددهم عشرة عساكر.

بعد هذه المعركة تسلم قيادة المنطقة المقدم أحمد عبد العزيز فنقل قسما من المجاهدين الليبيين إلى بئر السبع والقسم الآخر إلى بيت لحم ونصبت خيامهم في مكان اسمه قبة راحيل المشرفة على القدس واتخذ أحمد عبد العزيز مقر قيادته في بناء من ثلاثة طوابق كتب عليه منزل ولسون (سابقا) وفي ذلك الحين وصل الجيش المصري مدينة بيت لحم منتشرا خلف أسوارها على مسافة اثنتي عشر كيلومتر كما وصلت الكتبة اليمنية إلى تبة غرب صفافا سميت بتبة اليمن فيما بعد ووصل المجاهدون السودانين إلى بيت صفافا ثم نقل أحمد عبد العزيز قيادته إلى مقر قيادة الجيش المصري في قرية شرفات والتي كان يرأسها اللواء المواوي بك.

استرداد قرية صفافا

علمت كتيبة عمر المختار بسقوط قرية بيت صفافا فقررت قيادتها استرداد القرية فتحركت قوة من خمسين مجاهدا باتجاه بيت صفافا مخترقة قريت بيت جالا وانتشروا حول القرية مشرفين على مداخلها وهاجمت الكتيبة الثانية القرية من خلف فوقع الإسرائيليون بين فكي كماشة فسقط منهم أربعة وعشرون قتيلا وجرح الكثيرون وولى الباقون هاربين واستشهد من المجاهدين إبراهيم الزوبي وجرح اثنا عشر مجاهدا نقلوا إلى مستشفى بيت لحم.

احتلال قرية بيتر وقصرها

بعد إعلان الهدنة خرق اليهود وقف إطلاق النار وتوجهوا إلى قرية بيتر الواقعة على قمة جبل عين كارم لاحتلالها وسارع المجاهدون الليبيون لدخول قرية بيتر مرورا بعين جالا ولدي وصولهم إليها تبين لهم أن الصهاينة قد احتلوا قصرًا عاليًا فيها وراحوا يطلقون النار في كافة الاتجاهات وأحاط المجاهدون بالقرية والقصر منتشرين بين الأشجار وتسللت مجموعة منهم إلى القصر من بابه الخلفي والذي كان مفتوحا وانهالوا على الصهاينة بالقنابل اليدوية والرشاشات فقضوا عليهم جميعا وكانوا ثمانية من الشباب الصهيوني يضعون نجمة صهيون وسنبلة قمح على صدورهم وحضر القائد أحمد عبد العزيز ليبارك لهم نجاح العملية ثم عادوا إلى مركزهم في شرفات فرحين بنصر الله وتأييده.

نجدة الليبيين في معركة العصلوج

حضر المجاهد الليبي سالم السركس إلى إخوانه في الكتيبة الثانية يشكو إليهم عدم دعم الجيش النظامي لهم في بئر السبع فتحركوا لنجدة إخوانهم بعد أن تركوا قوة صغيرة لحراسة مقرهم في شرفات وفي الطريق أخبرهم بعض المصريين من كبار السن أن المجاهدين الليبيين يشتبكون مع اليهود في العصلوج فيهم المجاهدون شطر العصلوج وكان اليهود يهدفون فتح ثغرة ينفذون منها إلى النقب خلق خطوط المصريين وفاجأهم مجاهدو الكتيبة الثانية بنيران أسلحتهم الرشاشة فولوا هاربين تاركين وراءهم عددا كبيرا من القتلى الأسلحة وسقط من الليبيين ثلاثة شهداء مثل بهم اليهود أشنع تمثيل سلخوا وجوههم وقطعوا أيديهم وآذانهم وهم غازي بو دبوس وفتحي علبة وعلي جبريل الدرنادي وجرح المجاهد محمد عبد النبي ايعيو وسلمت العصلوج للجيش المصري في صباح 10/ 7/ 1948.

معركة الثلوج

في ليلة الخامس من شهر آذار الشديد البرودة والكثيرة الثلوج سمع المجاهدون إطلاق أعيرة نارية أثناء الهدنة الثانية فاتصل المجاهدون في الكتيبة الثانية بقائدهم أحمد عبد العزيز وبالمجاهدين السودانيين واليمنيين فوجدوا الخطوط مقطعوعة فتوقعوا غدر اليهود فتحركوا باتجاه بيت لحم وفي قبة راحيل شاهد أحد المجاهدين دوابا تتحرك وما أن تأكدوا من هذا المشهد حتى فتحوا نيران أسلحتهم عليها عليها واستمرت المعركة زهاء ساعتين أسفرت عن هزيمة الصهاينة وقتل ثلاثة وثلاثين منهم مع حميرهم وبغالهم التي كانوا يختفون وراءها أما خسائر المجاهدين فكانت خمسة عشر شهيدا واثنى عشر جريحا وتسابق سكان بيت لحم وبيت جالا والمراقبون الدوليون والضباط المصريون وقائدهم أحمد عبد العزيز إلى مكان الحادث ليشاهدوا بطولة المجاهدين ونصرهم المبين.

معركة الثأر

قرر المجاهدون الليبيون الانتقام لشهدائهم فنظموا أنفسهم وساروا في الوادي الذي تنطلق منه نيران الصهاينة فلم يجدوا أحدا وتابعوا تمشيطهم حتى وصلوا إلى تقاطع واديين فشاهدوا مستعمرة هيش هادغفودا على اليسار فقرروا مهاجمتها وشاهدوا في طرقها حظيرة تضم البغال والحمير والبقر فساقها المجاهدان القرابويلي ومحمد العقوري فتنبه الصهاينة وأصلاهم المجاهدون نارا حامية انتهت بالقضاء على كل المقاتلين المتواجدين في القرية وغنموا أسلحتهم وعتادهم.

وتقديرا لجهود المجاهدين فقد أصدر القائد أحمد عبد العزيز أمرا بترقية الملازم إدريس أحمد بوشناف إلى رتبة نقيب متطوع والملازم علي بوهادي إلى رتبة ملازم أول متطوع والملازم سليم الزواري إلى ملازم أول متطوع والمجاهد الغماوي الطيرة إلى ملازم متطوع والمجاهد محمد جعاكة إلى عريف متطوع.

تطورات في صف القادة

في صباح 13/ 8/ 1948 أذاعت القيادة العامة نبأ استشهاد القائد أحمد عبد العزيز على يد عسكري في الجيش المصري بحجة أنه لم يسمع كلمة السر من القائد أحمد عبد العزيز الذي كان برفقته الوردياني ومحمد زكريا وصلاح سالم في سيارة جيب عسكرية مما جعل المؤلف يجزم بأن اغتياله كان مؤامرة مدبرة فهو القائد المعروف من الجميع وضمن سيارة عسكرية معروفة مع ضباط معروفين في نفس المنطقة وأن ادعاء عدم سماع كلمة السر حجة واهية يتذرع بها الرؤساء للتخلص من المخلصين من مرؤوسيهم وقد عين بدلا عنه المقدم أركان حرب عبد الجواد طبالة.

معركة المالحة

في الثامن والعرشين من الشهر الثاني حضر الصاغ معروف الخضري والضابط حمدي واصف وأبلغا الكتيبة الثانية بالتوجه إلى قرية المالحة المهجورة جنوبي القدس لمحاولة الإسرائيليين احتلالها وكانت المالحة مركز تسابق المجاهدين والإسرائيليين وتمكنت إحدى مجموعات المجاهدين من دخول المالحة وراحت تضرب تجمعات الصهاينة تلتف حولهم تاركة هلم فرجة للهروب منها فلاذوا بالفرار تاركين خلفهم أحد عشر قتيلا مع الأسلحة والذخيرة واستشهد من الليبيين محمد اجويلي والهادي سلطان المعداني وجرح سليم الزواري.

الانسحاب إلى سيناء

وفي أبريل من عام 1949 وصل المعسكر بقرية شرفات سيارات نقل تابعة للجيش المصري ووصل معها القائد معروف الخضري الذي أبلغهم أمر القيادة بالاستعداد للسفر إلى سيناء وكانت مأساة شعر بها كل مجاهد لمنعه من الجهاد ولضلوع رجالات كبار في مخططات المستعمرين الذين وعدوا اليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.

أما الكتيبة الثالثة الليبية فقد شاركت بالجهاد مع اللواء الرابع عشر السوري بقيادة الرائد عمر القباني أما الكتيبة الثالثة فقد شاركت في الجهاد مع الجيش المصري في منطقة المجدل بقيادة محمد نجيب وكان قائد الكتيبة أحمد عطية الضابط الشجاع.

ما تقدم يلاحظ ما يلي:

1- وضع المجاهدين تحت إشراف وسيطرة الجيوش النظامية لكي تبقى ملتزمة بالخطة السياسية العامة.

2- إن هنالك عدة قرى خالية من أصحابها عرب فلسطين بطلب من الأمم المتحدة ومعرفة الجيوش النظامية لكي يتم تسليمها إلى اليهود لدخولها في منطقة التقسيم.


3- يلاحظ أن هدف القيادة العليا المحافظة على مخطط التقسيم وذلك بعدم السماح للمجاهدين بالبقاء بالقرى التي يهاجمونها وبعدم السماح للصهاينة باحتلال أراضي جديدة خارج حدود التقسيم وهذا ما صرح به الهاشمي القائد العام لوفد الإخوان السوريين والذي نقله لنا الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري.

الإخوان المسلمون الفلسطينيون والأردنيون

«من كتاب التيار الإسلامي في فلسطين لمحسن محمد صالح»

تتابع إنشاء فروع الإخوان في فلسطين قبل حرب 1947 - 1948 فأنشئت فروع في قلقيلية واللد ونابلس (برئاسة الشيخ مشهور ضامن) وطولكرم والمجدل( ) وسلواد (توىل مسئولية عبد الرزاق عبد الجليل) والخليل (ومن أبرز أعضائه: د. حافظ عبد النبي، وعيسى عبد النبي وراشد سلهب) .

وقد تتابع إنشاء فروع الإخوان المسلمين في شمال ووسط وجنوب فلسطين حتى زادت هذه الفروع كما يذكر الشيخ حسن البنا بنفسه عن عشرين فرعا.

هل كان للإخوان المسلمين الفلسطينيين قيادة واحدة:

من مجمل استقرائنا للأحداث ومن خلال المقابلات التي أجريناها مع العديد من الإخوان يوسف عميرة وعبد الرازق عبد الجليل وكامل الشريف ومحمد عبد الرحمن خليفة وجدنا أنه لم تكن للإخوان المسلمين في فلسطين قيادة واحدة تمثلهم جميعا في بدايات التأسيس في فلسطين على الأقل ويرى الإخوان الذين قابلناهم أنه لم تكن لإخوان فلسطين قيادة موحدة حتى نهاية حرب فلسطين عام 1948 ويرى يوسف عميرة وكامل الشريف أن ذلك يرجع إلى إنشاء الإخوان في فلسطين عام 1946 لم يأخذ بعده الطبيعي في النمو والتطور بسبب الاحتلال البريطاني وأساليبه الإرهابية والقمعية وعدائه لقوة المسلمين وحركتهم وكذلك لتعاظم المؤامرة اليهودية لتحقيق طموحاتها في بناء الوطن القومي في فلسطين ولم تكد تمضي أكثر من سنة ونصف على التأسيس حتى أعلن قرار تقسيم فلسطين في 29نوفمبر 1947 وانشغل الإخوان في فلسطين بشكل أساسي في الجهاد وقتال اليهود في المناطق التي يسكنون فها وشبه كامل الشريف شعب «الإخوان» في فلسطين بأنها كانت كالجزرة المعزولة عن بعضها إذ لم يسمح لها الوقت بأن تكون تحت قيادة واحدة( )

ويبدو أن سببا أخر قد أسهم في ذلك وهو أن إخوان فلسطين كما يرى محمد عبد الرحمن خليفة وكما يرى بيان نويهض كانوا يتبعون حركة الإخوان في مصر مباشرة في بداية الأمر وقد يصح هذا باعتبار أن حركة الإخوان في فلسطين كانت ما تزال في مرحلة التأسيس حيث تحتاج إلى مزيد من العناية والمتابعة وهو ما لاحظناه من كثرة تردد الكثير من الإخوان المصريين البارزين على فلسطين.

ويذكر يوسف عميرة أن ما سبق لا يمنع بأن يكون هناك نوع من التنسيق والزيارات المتبادلة بين فروع الإخوان في فلسطين كما كانت هناك لقاءات دورية لرؤساء الفروع في فلسطين (نواب الشعب) حيث كانوا يلتقون بين فترة وأخرى لقاءات دورية ولم يكن عليهم أمر معين وإنما كان يتولى مسؤولية اللقاء دورية ولم يكن عليهم أمير معين وإنما كان يتولى مسؤولية اللقاء رئيس فرع المدينة التي يجتمع فيها الإخوان.

وربما يصح ما ذكر سابقا على بدايات التأسيس إلا أن المؤتمر الذي عقده الإخوان الفلسطينيون في أكتوبر 1946 يوحي بظهور بدايات العمل المنظم الموحد للإخوان على مستوى فلسطين كما أن وثيقة صادرة عن مؤتمر الإخوان المسلمين في حيفا في 27 أكتوبر 1947 تؤكد وجود مكتب إداري للإخوان في فلسطين يزاول مهماته في الإشراف على الشعب وترتيب نظام الأسر والجوالة وتأليف مجالس للمناطق مما يدل على أن حركة الإخوان المسلمين في فلسطين قد أخذت بعدها المؤتمر قبل شهر واحد فقط من صدور قرار التقسيم واندلاع حرب فلسطين.

مؤتمرات الإخوان المسلمين في فلسطين

أ‌- مؤتمر الإخوان المسلمين في حيفا (أكتوبر 1946 )ك في 18 أكتوبر 1946 عقد «الإخوان المسلمون » الفلسطينيون مؤتمرا عاما في حيفا حضره ممثلون عن لبنان والأردن، وقد تقرر فيه:

- اعتبار حكومة فلسطين مسؤولة عن الوضع السياسي المضطرب.

- تأييد الجامعة العربية .


- تأييد مطالب مصر بالجلاء ووحدة النيل.

- عرض قضية فلسطين على مجلس الأمن.


- تأييد المشاريع التي ترمي إلى إنقاذ الأراضي.

- عدم الاعتراف باليهود الطارئين على البلاد.


- تعميم شعب الإخوان المسلمين في فلسطين( )

ب‌- مؤتمر الإخوان المسلمين في حيفا (أكتوبر 1947 ):

بعد عام من انعقاد المؤتمر السابق عقد الإخوان المسلمون مؤتمرا آخر كبيرا في حيفا ف 27 أكتوبر 1947 وقد اتخذت القرارات التالية:

1- يعلن «الإخوان المسلمون » تصميمهم على الدفاع عن بلادهم بجميع الوسائل واستعدادهم للتعاون مع جميع الهيئات الوطنية في هذا السبيل.

2- يعلن المؤتمر باسم هيئة الإخوان المسلمين في سار الأقطار الممثلة استنكارهم لكل محاولة تعلل العرب والمسلمين بتحقيق الأهداف الوطنية عن طريق مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة بعد أن أسفرت المحاولات الكثيرة عن حقيقة هذه التنظيمات الدولية وأنها ليست إلا ثوبا خالصا لمطالمع الدول الكبرى المستعمرة.


3- يعلن المؤتمر أن هيئة الإخوان المسلمين ستحمل نصيبها كاملا من تكاليف النضال.

4- يعلن مندوبو الإخوان المسلمين في شرق الأردن أنهم على استعداد كامل لحمل نصيبهم في تحرير فلسطين.


5- يعلن المؤتمر تعميم نظام الأسر في جميع فلسطين وأن المندوب الذي اختاره المكتب الإداري في فلسين يزاول هذه المهمة فعلا وعلى الإخوان أن يكونوا عونا في تنفيذ القانون العام.

6- مطالبة المكتب الإداري بعقد اجتماع سريع لفرق الجوالة في شعب فلسطين لاختيار مراقب عام يشرف على شؤونها الإشراف الدقيق.


7- يحي المؤتمر أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك العرب ورؤساء جمهورياتهم وحكوماتهم والهيئة العربية العليا وفضيلة الأستاذ المرشد العام ويشكر لهم اهتمامهم بأداء الواجب المقدس ويسأل الله تعالى أن يوفقهم إلى خير الإسلام والعروبة وأن يجعلهم دائما أهلا للآمال المعلقة عليهم.

8- يجدد المؤتمرون البيعة على أن يكونوا الجند البررة الصادقين لدعوة الإخوان المسلمين حتى يتم نوره ويجمع شمل المسلمين والعرب على كلمة الخير في ظل العزة والكرامة.


9- على مكتب المؤتمر إذاعة هذه القرارات وإنابة وفد لمقابلة الهيئة العربية العليا في شأن الأحوال الحاضرة.

10- تأليف مجالس المناطق حسب النظام الذي وضعه المكتب الإداري للإخوان المسلمين .


11- يبتهل المؤتمرون إلى الله تعالى أن ينجي مصر من وباء الكوليرا وأن يحقق (النصر) لجميع الشعوب الإسلامية والعربية الشقيقة.

12- الاتصال بالهيئة العربية العليا للبحث في بعض الشئون الوطنية العامة( )


ونلاحظ أن هذه القرارات مدى جديتها وقوتها وتابعتها للأحداث السياسية والواقعية حيث كان للقرارات السياسية نصيب الأسد فيها كما نلاحظ المضمون الجهاد ي الذي تمخضت عنه هذه القرارات السياسية السائدة في تلك الفترة وبالإضافة إلى ذلك فهناك العديد من القرارات التي رتبت العمل الإخواني المنظم في فلسطين تحت قيادة واحدة إلا أن هذه القرارات لم تأخذ بعدها في التنفيذ بسبب ظروف الحرب التي استجدت بعد ذلك بقليل.

نشاط الإخوان المسلمين في فلسطين

وقد نشط الإخوان المسلمون في فلسطين بين فترة الإنشاء (مطلع 1946 ) وبين قرار التقسيم (29نوفمبر 1947 ) في نشر دعوتهم وتأسيس شعبهم وفروعهم وافتتاح المكتبات والأندية وإلقاء المحاضرات( ).

ونشطوا باعتراف الرواية الإسرائيلية الرسمية لحرب فلسطين 1947 - 1948 بشكل كبير ودعوا العرب إلى رفع راية «التمرد» (ضد اليهود والإنكليز) حتى أن المؤسسات القومية اليهودية احتجت واشتكت عليهم للسلطات البريطانية.

جوالة الإخوان المسلمين الفلسطينيين

وأنشأ الإخوان فرقا للكشاف والجوالة كانت من أفض الفرق في فلسطين وكان من أبرزها فرق جوالة يافا التي كان من قادتها يوسف عميرة وكانت تقوم استعراضات في يافا كما قامت بزيارة قلقيلية وكان من أبرز أنشطتها على المستوى الخارجي الزيارة التي قامت بها إلى مصر والتي شارك فيها 72 جوالا فلسطينيا حيث مكثوا في مصر شهرا نزلوا في معسكر الملك فاروق في حلوان ثم مركز الشبان المسلمين وكانوا خلال تلك الفترة يترددون على المركز العام للإخوان في مصر، وقد زار أربعة منهم (أحدهم يوسف عميرة) الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين الذي نصحهم بالالتزام وتنفيذ الأوامر والطاعة .

كما قامت جوالة الإخوان في يافا بزيارة للأردن اشترك فيها حوالي 70 جوالا وقد رفقهم في جولتهم أعضاء المكتب الإداري لفرع يافا وقد قابلوا أثناء جولته ملك الأردن عبد الله بن الحسين وكان في نية جوالة يافا القيام بزيارات سنوية أخرى إلى سوريا والعراق ولكن ظروف الحرب حالت دون ذلك.

توحيد منظمتي الفتوة والنجادة

وقد ساهم الإخوان المسلمون في توحيد أكبر منظمتين شبه عسكريتين في فلسطين هما «منظمة النجادة» و «منظمة الفتوة» حيث كان الصراع والتنافس قد احتدم بينهما بشكل يخل بالوحدة الوطنية في مواجهة البريطانيين واليهود، وقد توحدت المنظمتان فيما بعد واختير باتفاقهما المجاهد محمود لبيب وكيل الإخوان المسلمين حينئذ للشئون العسكرية مسؤولا عن تنظيم هذه التشكيلات التي توحدت تحت اسم «منظمة الشباب العرب» وأخذ يحاول تنفيذ برنامج حافل لتدريبها وتنظيمها لكن لم تمضي فترة وجيزة حتى تنبهت السلطة البريطانية لدور الحركة الإسلامية وخطورته فقامت بمطاردة دعاة الإخوان المسلمين وشبابهم وأمرت الصاغ «محمود لبيب » بمغادرة البلاد.

وفي الصفحة 32 من كتاب جماعة الإخوان لعوني جدوع العبيدي يفصل هذا المسعى فيقول: ذكر المجاهد عبد الحليم الجيلاني قائد منطقة الخليل وجنوب القدس أنه تلقى رسالة من الحاج أمين الحسيني يطالبه فيها بالسفر إلى مصر برفقة كامل عريقات مؤسس فرقة الفتوة ومحمد نمر الهواي مؤسسة فرقة النجادة وتم اللقاء مع الحاج أمين والشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ومحمد علوية باشا ومحمد صالح حرب باشا تم الاتفاق فيه على دمج المنظمتين باسم منظمة الشباب العربي الفلسطيني وعين الأخ الصاغ محمود لبيب رئيسا للتنظيم وعين رؤساء التنظيمين السابقين مساعدين له.

الإخوان المسلمون والحاج أمين الحسيني

كانت هناك علاقات طيبة بين زعيم فلسطين في تلك الفترة الحاج أمين وبين مرشد الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا ( ) ويذكر كامل الشريف أنه كان هناك تنسيق واسع جدا بين الحاج أمين الحسيني وحسن البنا على المستوى السياسي وقد سمع منهما ذلك شخصيا وكان التنسيق يشمل نواحي تعبئة الشعب النفسية والإعلام وجمع السلاح ويضيق بأنه كان هناك تنسيق كامل على الساحة العسكرية بين الإخوان المسلمين وبين منظمة الجهاد المقدس التي يشرف عليها الحاج أمين أثناء حرب فلسطين 1947 - 1948 وأنه قد اجتمع مع حسن سلامة قائد منطقة يافا عن منظمة الجهد المقدس» لتنسيق علمهما وذلك بتعليمات من الشيخ حسن البنا والحاج أمين الحسيني( ) كما يذكر يوسف عميرة أن الحاج أمين كان يحترم الإخوان وآرائهم وكان كثيرا ما يستشيرهم( ).

ومن مقال الحاج أمين في رثاء حسن البنا رحمه الله تعالى قوله:

لقد كان للشيخ حسن البنا وابتاع ومريديه في نصرة فلسطين والدفاع عنها جهود مشكورة وأعمال مبررة كلها مآثر ومفاخر سجلها لهم التاريخ بحروف من نور وقد بذلوا على ثرى فلسطين مع إخوانهم المجاهدين من أبناء الأمة العربية والإسلامية دماء ذكية ومهجا غالية واستشهد منهم عصبة كريمة كانت من الرعيل الأول الذين نفروا خفافا وثقالا لنجدة فلسطين (الحاج أمين ص385) ويقول بيان نويهض في كتابه القيادات والمؤسسات ص504) ما يلي:

كان اهتمام الإخوان بتحرير فلسطين اهتماما صادقا ومرتكزا على الإيمان الديني العميق ومنذ إعلان قرار التقسيم ابتدأوا يجسدون اهتمامهم الكامل بالتحرير تجسيدا عمليا فاتخذوا من مقرهم بالقدس مقرا للجهاد وانطلقوا على الصعيد العربي يحثون المسئولين العرب على اعتماد الحل العسكري وعلى ذلك كل الممكن من أجل عملية التحرير.

دور الإخوان المسلمين الأردنيين في حرب فلسطين

يحدثنا عن هذا الدور الأخ عوني جدوع العبيدي في كتابه جماعة الإخوان المسلمين فيقول: في عام 1947 تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وقد جرى انتخاب المكتب الإداري لهذه الجماعة من السادة الحاج عبد اللطيف أبو قورة مراقبا عاما وأحمد طراونة نائبا للرئيس والحاج بديع دروزة أمينا للصندوق ومسلم النابلسي سكريتير القلم وممدوح الصرايرة سكرتيرا وممدوح سبتي كركر مراقبا والشيخ يوسف البرقاوي ورياض الجقة والحاج عبدو صبحا أعضاء. وقد تم الاتصال بين الحاج عبد اللطيف أبو قورة المراقب العام الأردني وبين المرشد العام للإخوان في مصر الشيخ حسن البنا للتعاون في نشر الدعوة والتعريف بها ولتوحيد جهود العاملين للإسلام لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين فأرسل البنا أخوين مصريين من كبار الدعاة هما سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين وتلت هذه الزيارة زيارات وضح خلالها هؤلاء الدعاة أهداف الدعاة ووسائلها ودور المسلمين في تحمل مسؤولياتهم تجاهها وتوحيد جهودهم للوقوف في وجه المتآمرين عليها وقد نشرت أنباء تحركاتهم ومحاضراتهم جريدة الجزيرة الأردنية التي يرأس تحريرها الأستاذ محمد تيسير ظبيان كما غطت الجزيرة أنباء تحرك الشيخ عبد المعز عبد الستار في فلسطين حيث حضر حفل افتتاح المركز العام في حي الشيخ جراح بالقدس لقد شكل إخوان الأردن كتيبة أبي عبيدة الجراح برئاسة الشيخ عبد اللطيف أبو قورة يساعده الضابط المتقاعد الأخ ممدوح الصرايرة وقد كان ضابط الارتباط من الجيش الأردني معهم الضابط عبد القادر باشا الجندي وعدد أفارد الكتيبة مائة وعشرون مجاهدا منهم مئة من الإخوان الملتزمين والباقي من الشعب الأردني المسلم.

وقد ساهم في تسليح هذه الكتيبة بسخاء كل من الحاج عبد اللطيف أبو قورة وعبد الله أبو قورة وأبو صلاح حسن الربجي وصبري الطباع وآخرون.

أما سلاح هذه الكتيبة فبنادق وثلاثة مدافع ورشاشة ومدفع هاون 2بوصة وقد انتدبت لهم قيادة الجيش الأردني اثني من ضباط الصف لاستعمار هذه الأسلحة ولتدريب المجاهدين على استعمالها.

دخلت هذه الكتيبة فلسطين بتاريخ 14/ 4/ 1948 وتمركزت في عين كارم قرب المالحة بناء على طلب الملك عبد الله الذي استنجد به وجوه المالحة وقد خاضت هذه الكتيبة عدة معارك في كفار عصيون ورامات راحيل وعين كارم وصور باهر وقدمت بعض الشهداء منهم الأخ سالم المسلم المبسلط من بني صخر وبشير سلطان من الرصيفة.

يقول الأستاذ عارف العارف في كتابه النكبة ص112ي وراح العرب يعنون بصور باهر أكر من عنايتهم من قبل ويحصنوها نظرا لموقعها الاستراتيجي الهام بين القدس وبيت لحم لذا أرسلوا إليها عددا من المناضلين ثم انضم إليهم بعد قليل جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين يقودهم رئيسهم في عمان اللطيف أبو قورة وعندها دخلوا بيت لحم برفقة إخوانهم المصريين بقيادة أحمد عبد العزيز الذي انتدب أحد ضباطه اليوزباشي محمود عبده للدفاع عنها فكان لدفاع الإخوان المسلمين عن مقدسات النصارى في بيت لحم أكبر الأثر لدى سكانها ثم خلفه في قيادة حاميتها الملازم الأول خالد فوزي من الإخوان المصريين الذي صد الهجوم اليهودي على صور باهر وأخرجهم من المرتفع المطل عليها والمسمى بقية اليمن بتاريخ 19 تشرين أول فسميت بعد تحريرها بقية الإخوان المسلمين.

وممن شهد باشتراك إخوان الأردن في تحرير فلسطين الملك عبد الله برسالته الموجهة إلى رئيس تحرير الجزيرة الأردنية الأستاذ تيسير ظبيان قال فيها: في 15 أيار 1948 أتم الجيش الأردني تعبئة العسكرية لخوض المعركة واشتركت فيها جماعات تمثل: نادي الفضائل الإسلامية والإخوان المسلمون وعشائر الحويطات وبني صخر وعرب البلقاء والعدوان والحديد والجنود القدماء.

وقد حدثنا الأستاذ كامل إسماعيل الشريف عن احتلال الإخوان لرامات راحيل التي دك حصونها مجاهدون الإخوان المسلمين بقيادة الأخ المصري أحمد لبيب الترجمان وكان للإخوان الأردنيين دور فعال في هذه المعركة.

ويحدثنا الحاج محمود صرايرة فيقول: لقد تمكن الإخوان من الاشتراك في أكثر من معركة كمعركة رامات راحيل ومعركة الفطمون بقيادة الأخ إبراهيم أبو دية.

وفي آخر يوم نم انسحاب قوات الانتداب البريطاني من القدس حول الإخوان الأردنيون تخفيف الضغط الذي أحدثه اليهود على القدس وبيت المقدس لاحتلاله فأرسلوا ممدوح الصرايرة مع اثنين من إخوانه إلى بيت لحم لرسم خطة التعاون فاتفقوا أن يطلقوا الرصاص بالهواء ليوهموا اليهود بالهجوم عليهم فيوقفوا زحفهم على القدس وقد ساهم في ذلك إخوان الأردن وسرية مانكو وسرية قوات الجهاد المقدس وقد بادلهم اليهود إطلاق النار واستشهد في تلك الليلة الأخ إبراهيم أبو دية حيث كان مرابطا بالغرب من مار الياس.

وقد تمكن الإخوان السوريون المرابطون حول بيت المقدس والأردنيون في عين كارم بالتعاون مع تنظيمي الجهاد المقدس والمتطوعين الآخرين من إحكام الحصار حول يهود القدس والمستعمرات الغربية وسلم الإنكليز مواقعهم في القدس للهيود بتاريخ 15/ 7/ 1948 فقاموا بهجمات على القدس واستبسل الإخوان في الدفاع عنها وأجبروا الحي اليهودي في القدس على الاستسلام.

انتقل الإخوان الأردنيون بعد ذلك إلى المالحة لدعم إخوانهم المتبقيين فيها ثم هاجموا عمارة اليشار المقابلة للمالحة قرب مستعمرة أيتا كيرم خسر اليهود خلالها الكثير من الأفراد والمعدات .

وفي إربد تسلم الأخ أحمد الخطيب مسؤولية العمل الجهاد ي في فلسطين وقد بلغ عدد المتطوعين معه مئة أخ من إربد وحدها وكان يشترك في كل معركة حوالي عشرين مجاهدا يقومون مع بعض إخوان عمان بمهاجمة المستوطنات القريبة المحاذية على طول نهر الأردن ويعودون في اليوم الثاني إلى بيوتهم.

وكان للمجاهد عثمان نصيف دور فعال في هذه العمليات إضافة على تبرعه بسيارته وماله في شراء الأسلحة.

ومن العمليات التي قاموا بها احتلال سفح قرب طبريا واستمروا في عملياتهم حتى بعد وقف القتال بعشرة أيام حيث أعيد المجاهدون إلى بلدانهم وتوقف الجهاد في أرض الإسراء والمعراج ونفذ مشروع التقسيم.


وقد كلف الأخ أحمد الخطيب برئاسة لجنة لجمع التبرعات منه ومن الأخ حسن الغرابية نايف أبو عبيد لشراء السلاح للمجاهدين فجمعوا عشرة آلاف دينار وكلف بالسفر مع أخيه نايف أبو عبيد إلى مصر لشراء الأسلحة والتقي بالمركز العام للإخوان المسلمين من لجنة أخرى من الأخوين أمين شفير والحاج عبد الرحمن أبو حسان شكلت لنفس الغرض وقد ساعدهم إخوان مصر في شراء الأسلحة من المنصورة ومن الصحراء الليبية من مخلفات الحرب العالمية الثانية . وفي دمنهور صادرت قوات الأمن هذه الأسلحة وبعد مساع كبيرة وتدخل الجامعة العربية أفرج عن السلاح وسلم إلى جيش الإنقاذ ولم يحصل مجاهدو الإخوان منه إلا على اليسير.

بعد توقف القتال أصبحت مهمة الإخوان في الأردن إحياء قضية فلسطين حتى لا تنسى وكشف مخططات الصهاينة وأسيادهم في الاستيلاء على أرض فلسطين وطرد ما تبقى من أهالي من هذه المنطقة دعا فضيلة المراقب العام لإخوان الأردن الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة إلى مؤتمر القدس عام 1953 جدد الدعوة لهذا المؤتمر حضره ست وتسعون عالما من كبار علماء العالم الإسلامي وصادف موعد المؤتمر مع زيارة الملك الحسن ملك المغرب إلى عمان فحضر إحدى جلسات هذا المؤتمر تحدث فيه الزعيم المغربي علال الفاس كما أصدر الإخوان جريدة الكفاح الإسلامي رأس تحريرها الأخ الأستاذ يوسف العظم غير أنها لم تدم طويلا.

واستمر الإخوان في أحياء قضية فلسطين في خطبهم في المساجد وفي المناسبات وفي التصريحات ثم إلى الجهاد كلما سنحت لهم الفرصة دون كلل أو ملل شأنهم شأن إخوانهم في بقية الأقطار العربية.

ذكريات الشيخ عبد المعز عبد الستار عن در الإخوان الفلسطينيين في حرب فلسطين

في حديث جرى في مدينة الدوحة في رمضان من عام 1410 هجري 1990 ميلادي.

يقول الشيخ عبد المعز إن أول من تحدث في قضية فلسطين الشيخ محب الدين الخطيب في مجلته الفتح والشيخ رشيد رضا في مجلته المنار والشيخ حسن البنا في جريدة الإخوان المسلمون والحاج أمين الحسيني الذي كان يصدر التصريحات ويعقد المؤتمرات ويقود الثورة التي بدأها عز الدين القسام وكان رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين فكان يرسل المعلومات عن المعارك وعن انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني والأذى الذي يصيبه من اليهود وحكومة الانتداب البريطاني إلى الشيخ محب الدين وهو ينشرها بدوره في مجلته كما ينشر أسماء المتبرعين وصور المجاهدين مما يثير روح الجهاد في النفوس المؤمنة وقد ألفنا لجنة لجمع التبرعات برئاسة الشيخ شحاته إبراهيم يساعده الحاج علي النيلي تاجر أخشاب وكانوا يرسلون التبرعات عن طريق محب الدين الخطيب كما ألفنا لجنة من طلاب الثانوية والصناعية والمعهد الديني تقوم بجمع التبرعات وتوزيع المنشورات وتقود المظاهرات وتطالب بمقاطعة الإنكليز واليهود وتنبه المسلمين إلى القيام بواجبهم المقدس تجاه فلسطين وقد أصدر الإخوان منشورا سجلوا فيه أسماء يهود القاهرة ليحذرهم الناس ويراقبوا تحركاتهم مما كان له أكبر الأثر لدى الجماهير المسلمة وردود فعل لدى الحكومة الخاضعة للنفوذ البريطاني ولما صرح رئيس وزراء مصر حين عودته من مباحثاته في أوربا أنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين ردا على سؤال أحد الصحفيين له عن بحثه في موضوع فلسطين فرد عليه الإخوان بمظاهرة صاخبة أعلنوا فيها أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين وبتنظيم دقيق بدأ المظاهرة في تمام السابعة صباحا من شارع فؤاد الأول قرب بناء لبعثة أمريكية بهتاف الله أكبر ولله الحمد عاشت فلسطين عربية مسلمة هز جنبات القاهرة وفوجئ الشعب كما فوجئ مركز الشرطة في المنطقة بهذه المظاهرة.

وما هي إلا لحظات حتى وصلت سيارات الشرطة لقمع المظاهرة ولكن شباب الإخوان لم يقاموا الشرطة بل صعدوا بأنفهم إلى سيارات الشرطة المكشوفة وهم يهتفون لفلسطين وللإسلام والمسلمين مما أذهل الشرطة والجماهير معا.

وكنا نقوم بإلقاء الخطب في المساجد ونضع اليافطات في الشوارع الرئيسية تعلن حق فلسطين في أرضهم وواجب المسلمين في الحفاظ عليها وقمنا بجمع التبرعات في المدن والقرى وكنا نأخذ الحبوب من المزارعين الذين لا يملكون المال ثم نجمعه ونبيعه في مضافة العمدة ونرسل ثمنه للمجاهدين الفلسطينيين عن طريق الشيخ محب الدين الخطيب كان التعاون قائما بين كافة الإسلاميين في هذا الشأن ولقد شاهدنا من البذل والتضحية لدى الفقراء ما لا نجده لدى الأغنياء واطمأننا إلى هذه الأمة إلى خير ولكن الضعف في القيادة.

وفي إحدى القرى التقينا بالأخوين محمد البنا ومحمود عبد الحافظ وعرفنا أنهما من الإخوان وكانا يقومان بواجب التوعية ودعونا لزيارة المركز العام وهناك التقينا بالأخ محمد عبد الحليم أحمد وكان المرشد العام في رحلة دعوية في الصعيد بدل أن يكون في المصايف في فصل الصيف وقد شاهدنا اهتمام الإخوان بالمسلمين في كافة أنحاء العالم فكان هناك غرفة لنشاط الطلاب وأخرى للعمال وأخرى لفلسطين وأخرى لأوربا وحجرة لأفريقيا وهكذا مما زادنا ثقة بهذه الجماعة وحين سافرنا في بعثة طلابية للحج كان حسن البنا رحمه الله في وداعنا في المحطة وهناك تعارفنا عليه وعانقنا ودعا لنا بالدعاء المأثور استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك زودك الله بالتقوى ادع لنا يا أخي فكان لوداعه أثر محبب إلى نفوسنا.

وشاهدنا من معاملة إخوانه ما جعلنا نشعر أن الإسلام يبعث من جديد فكانوا ينكرون ذاتهم ويخدمون الحجيج ويساعدون المحتاج فحمدنا الله أن بعث الله في هذه الأمة من يرجع بها إلى تعاليم ربها بعد أن غفل عنها المسلمون وتوثقت صلتي بالإخوان والحمد لله وفي عام 1946 قرر الإخوان المشاركة في احتفالات جلاء الفرنسيين عن سورية ووصلت الإخوان دعوة للمشاركة بهذه المناسبة ن رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي الذي يعرف جهاد الإخوان في فلسطين فأرسل حسن البنا بعثة طبيبة برئاسة الأخ الدكتور محمد سليمان كما أرسلني والأستاذ أحمد السكري ممثلين عن الجماعة وفي هذه الأثناء وبعد أن جهزت جواز سفري أعلنت اللجنة الدولية عن توصيتها بتقسيم فلسطين في مارس 1946 مما أثار الحزن والأسى في ربوع العالم الإسلامي عندما طلب إلى الإمام حسن البنا أن أتوجه إلى فلسطين بدل الذهاب إلى سوريا ذلك لأساهم في رفع معنويات الشعب الفلسطيني إذ لا يجوز أن نتركه وحده في محنته وفي اليوم الثاني من تلقي الأمر كنت في السادسة صباحا في غزة وفي التاسعة في يافا وخطبت في مسجدها الكبير ورفعت من معنويات المصلين وأفهمتهم أنهم ليسوا وحدهم في العركة فتحمس المسلمون وخرجوا من المسجد بمظاهرة صاخبة عبرت عن عزمهم على استرداد الحق ورفض الظلم وكان معظم أعضاء الهيئة العربية العليا لتحرير فلسطين خارج فلسطين مما ساعد على ظهور خلاف بين جمال الحسيني وراغب النشاشيبي امتد إلى خلاف بين الأسرتين فسارعنا لرأب الصدع واستعنا بكبار الشخصيات العربية والفلسطينية وطوقنا الخلاف قدر المستطاع وكانت يافا في ذلك الوقت كأنها قرية صغيرة إلى جانب تل أبيب المدينة الكبيرة العصرية وكان يفصل بينهما شارع فقط زرت القدس وصليت الفجر في المسجد الأقصى لم يكمل المصلون صفا واحد بينما كان اليهود يتجمعون حول جدار المبكي يبكون ويخدشون في الجدار وشبابنا العربي المسلمون يضحكون منهم ولم يأبهوا لهذا الشعور الديني الذي دفعهم إلى احتلال فلسطين وكان شباب اليهود يقبلون على التدريب العسكري وينضمون للمنظمات الإرهابية بينما ترى الشباب الفلسطيني لاهيا مائعا لا يهتم بشيء سوى بترفه وملذاته كان الشباب اليهودي حتى في مصر يتدرب على السلاح على مسمع ومرأى من رجال الحكم فلقد شاهدتهم في نادي المكاري اليهودي في القاهرة من شرفة تطل على النادي بأم عيني يتدربون على السلاح كما وأن مساكن اليهود الجديدة كانت مصممة على أساس عسكري حربي.

أما هذا الاستعداد والدعم البريطاني لليهود وأما تشتت المسلمين وضياعهم كتبت للإمام الشهيد أن فلسطين صائرة إلى اليهود إن لم تتغير الأوضاع وكذلك صارحت إمام المسجد الأقصى وكبار الشخصيات الفلسطينية وعقدنا العزم على الاهتمام بالشباب وإعداده لمعركة المصير وعلى ضرورة توحيد الجهود وجمع الكلمة وتوحيد الصف وقد رغب معظم المهتمين بالقضية الفلسطينية أن يوجدوا جهودهم باسم الإخوان نظرا لأنه التنظيم العربي الوحيد الذي اعتبر قضية فلسطين قضيته في ذلك الوقت وحتى عصرنا الحاضر. ففي يافا افتتحنا دارا للإخوان المسلمين ضمت خيرة الوجهاء والعلماء المهتمين بالقضية الفلسطينية منهم الحاج ظافر الدجاني رئيس الغرفة التجارية والحاج محمد الغلاييني والحاج مصطفى الغلاييني والحاج حمدي كردية وكانوا من خيرة من قدم ماله وجهده في سبيل الإسلام وفي سبيل فلسطين وكان من رجالات يافا المشهورين الحاج حامد أبو لبن والأخ عبد الرزاق محمود وكان مثال البذل والتضحية.

وفي حيفا كان فيها الشيخ نمر الخطيب مدير البلدية ورئيس جمعية الاعتصام وهو من العلماء العاملين فأقنعناه أن يضم جمعية الاعتصام على الإخوان لتوحيد الجهود وتنظيم العمل الجماعي فوافق ولكن صديقه الشيخ تقي الدين النبهاني رفض بإصرار وأثناه عن عزمه فزرنا الشيخ تقي الدين في منزله في الخليل وبقينا في نقاش حتى وقت متأخر من الليل وهو مصر على موقفه وحجته في ذلك أن الإخوان المسلمين مستهدفين من الإنكليز ولا بد أن توجه لهم ضربة فإذا اتحدنا لابد ا، يصيبنا ما يصيبهم فتركناه وزرنا الشيخ عبد الرحمن وهو رئيس جمعية خيرية فحولها إلى جمعية للإخوان المسلمين .


وفي القدس أنشئ مركز الإخوان برئاسة إسحق النشاشبي ولم يكن أهلا لهذا المنصب وكذلك كان سكرتير المركز لا يعرف عن العمل الإسلامي شيئا وكانوا يلقبونه أورثة أغلو وكان اسمه اسحق لا أذكر كنيته وآخر من يظن به الخير ولا أعلم كيف دبر الأمر وكيف تم انتخابهم ومن الذي جاء بهم حيث بقي المركز في عهدهم وكأنه ناد رياضي فحسب.

ولكن إخوان يافا كانوا يتلاقون تقصيرهم ويقيمون المحاضرات ويساهمون في إعداد الشباب وتوجيههم وأخص منهم الشيخ محمود الطاهر وكان رجلا صالحا وممن ساهم في الاهتمام بشباب القدس الشيخ اسحق الحسيني مدير الأوقاف وكان رجلا مخلصا وغيروا على محارم الله وأرض فلسطين.

وفي القدس كلفني الإخوان بإلقاء خطبة الجمعة في المسجد الأقصى وما هي إلا دقائق حتى قطعت الإذاعة بث خطبة الجمعة إمعانا من حكومة الانتداب في تجهيل المسلمين في قضيتهم المصيرية.

وحين افتتح إخوان القدس مركزهم في حي الشيخ جراح تلكم فيه أحمد طاهر أمين سر الجماعة في حيفا والشيخ أسعد إمام الحسيني والشيخ عبد الحميد السايح وناصر النشاشيي والشيخ عبد الله غوشة والشيخ محمد صبري عابدين والسيد جمال الحسيني رئيس الحزب العربي نائب رئيس الهيئة العربية العليا وقد أعلن أنه تمنى انتشار دعوة الإخوان في فلسطين منذ زمن بعيد وأعلن انضمامه للجماعة كما تحدث الشيخ عبد المعز عبد الستار ممثلا عن إخوان مصر موضحا غاية الإخوان وأهدافهم ووسائلهم وموقفهم من قضية فلسطين.

وفي الخليل تبنى العمل الإخواني الحاج عبد الجليل عقيل وصبري عقيل وكانا من خيرة الدعاة وكذلك الحاج عدوي وكانوا أتباع الحاج أمين الحسيني وكان من المجاهدين العاملين الشيخ عبد الحي عفه وقد بت في منزله ليلة ثم بلغني أن الإنكليز هدموا منزله لتعاونه مع المجاهدين وفي تلك الأثناء أصدرت حكومة الانتداب البريطاني قانونا أسموه قانون حماية الفلاح وفي الحقيقة كان قانون تسلط الفلاح منع المالك بموجبة إخراج الفلاح من أرضه حتى لو امتنع عن دفع الإيجار لسنوات كانت الغاية منه دفع الملاك لبيع أراضيهم ما داموا لا يستفيدون منها شيئا وفعلا بدأ أصحاب الأراضي بيع أراضيهم وكان معظمهم من الموارنة آل لطف الله وآل سرسق الذين باعوا حوالي 40 قرية في مرج بن عامر من خيرة الأراضي وكان المشترون هم اليهود الذين تصل إليهم أموال جمعياتهم ومؤسساتهم الصهيونية في أوربا وأمريكا.

وقد انتشرت تجارة الأراضي وكثر السماسرة وكان بعضهم من الأردن من الشراكسة فأصدر العلماء فتوى بتحرير بيع الأراضي المسلمة لليهود كما هدروا دم كل من يساهم في ذلك وكان السماسرة موصوفين بالخيانة ومحكوما عليهم بالموت فقد بيعت أراضي بيسان كلها ولم يبق منها إلا القليل وقد قتل في ذلك الحين أحد السماسرة من قبل العناصر الوطنية وعقدنا اجتماعا للمزارعين في جنين نبهنا فيه إلى خطورة بيع الأراضي.

أما جنين والخليل فلم يبع أهلها شبرا واحدا من أراضهم وكان الإخوان يتشبثنون في الأرضي فأنشأوا مصنعا للغزل والنسيج ودعوا لافتتاحه الحاج أمين الحسيني فقال لهم استعدوا للدافع عنه وإلا فأذكركم بقول الشاعر:

لا تثمروا المال للأعداء إنهم
إن يظهروا يأخذوكم والبلاد معه.

في الوقت الذي كان يخيم فيه الحزن على فلسطين نتيجة توصية اللجنة الدولية بتقسيم فلسطين كانت عمان تعلن الأفراح واستعداد لتنصيب الأمير عبد الله ملكا على شرقي الأردن وفي هذه الأثناء جاءتنا دعوة لحضور حفل التتويج فذهبت مع قادة الإخوان ظافر الجاني ومحمد الغليني ومصطفى الغلاييني وحمدي كردية وأديب أبو ضية وكان له موقف مع الملك وصلنا عمان ونزلنا ضيوفا عند رئيس الإخوان آنذاك الشيخ عبد اللطيف أبو قورة وكان تأسيس الإخوان في عمان حديثا كما حضر معنا إخوان القدس ودمشق ولما حاولنا الاعتذار عن حضور الحفل ألح رئيس الديوان الملكي عباس باشا كردي بإصرار على حضورنا ولما دخلنا القصر كان في استقبالنا كلوب باشا بملابسه العربية ولما دخلنا على الملك لم نعرفه فقد استبدل العقال المربع بعمامة ولما عرفناه وعرفنا قال كلمة عجيبة قال: الإخوان المسلمون هم معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحب بنا فأهداه الأخ أديب أبو ضبة شعار الإخوان سيفان ومصحف مع آية وأعدوا.

وفي اليوم الثاني دعينا إلى صالة سينما الحمراء في عمان وكانت عمان صغيرة جدا وكلفت بكلمة وأثناء الاحتفال تكلم عبد الرحمن عزام مندوب الجامعة العربية وأحد السفراء الذي أسف في خطابه وطعن بالسلطان عبد الحميد ثم جاء دوري في الكلام وكنت قد تأكدت من وصل الحاج أمين الحسيني الذي كان متخفيا إلى القاهرة ونزل بضيافة الحكومة المصرية فاستهليت كلمتي بالحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد المرسلين والسلام على الحاج أمين مجاهد القرن العشرين وكان بين الملك والحاج أمين خصومة فضجت القاعة بالتصفيق والتكبير.

بعد الاحتفال طلبت اللقاء مع أمين عام الجامعة العربية واتفقنا على زيارته في مقر إقامته في قصر إسماعيل الدبيسي فيقد كان بينه مضافة للسفراء والوافدين من أهل الشأن وفي هذا اللقاء سألت عبد الرحمن عزام ما الأمر أفراح في عمان وأحزان في فلسطين دولة عربية تقام في الأردن ويهودية في فلسطين فقال لنا: اعتمدوا على أنفسكم ولا تنتظروا العون من أحد وكأنه يعرف اللعبة.

وفي اليوم التالي سافرنا إلى غزة والتقينا في الجامع الكبير بالشيخ لا أذكر اسمه من آل الشوا والتقينا بزملائنا الأزهر يين الشيخ محمود شاوي وإسماعيل تنينة وشكلنا نواة التنظيم الإخواني.

وكانت يافا وغزة عماد العمل الجهاد ي وقد أسند التدريب العسكري وأعمال المقاومة إلى صبحي بكل الخضرا من يافا وكان ضابطا في الجيش العثماني واشتغل في المحاماة وكان صديقا لرئيس الجمهورية السرية شكري بك القوتلي وكان يتعاون مع محب الدين الخطيب ومع الحاج أمين الحسيني الذي كان ضابطا في الجيش العثماني كذلك وقد كلف الأخ عبد البديع بتأمين الأسلحة بالتعاون مع الأخ سعيد عبده من الخليل الذي اشترك في ثورة 1936 مع حسن سلامة وهو من بلدة عرب نصير في الصحراء الشرقية وتعاون معهم الدكتور الأخ أبو بكر نور الدين والمهندس الأخ مصطفى..

وفي الجامعة الأزهرية أنشأنا لجنة للشئون الإسلامية ساهم فيها الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان في سوريا تعني بشئون العالم الإسلامي كقضية فلسطين والظهير المغربي الجزائر وغيرها وكنا نصدر منشورا كل أسبوع يعرف المسلمين بقضايا إخوانهم في العالم ويتلخص دورنا في الجهاد الفلسطيني بما يلي:

1- جمع السلاح والذخيرة والعتاد ونقله إلى أرض فلسطين.

2- جمع التبرعات المالية وإرسالها إلى قيادة المجاهدين.


3- التوجيه المعنوي والتوعية وبعث روح الجهاد وإرسال المتطوعين.

4- المساهمة في التدريب العسكري والأعمال العسكرية ضد القوى الصهيونية المعتدية.


5- النشاط السياسي والدبلوماسي والشعبي وإقامة المؤتمرات وإرسال البرقيات وتحريك المظاهرات بما يخدم القضية الفلسطينية.

وقد كان التعاون والتنسيق قائما بين الإخوان المسلمين والحاج أمين الحسيني في كافة المجالات كما ساهم الإخوان في كافة اللجان التي تشكلت لهذا الغرض وانضم كافة الإخوان الفلسطينيين إلى قيادة الحاج أمين الحسيني وقد خصص الأخ الحاج إبراهيم المتني دارا لاستضافة المتطوعين وتعهد بالإنفاق على زوارها وكانت مراكز لتجميع وتدريب المتطوعين حتى إذا اكتمل الفوج الأول أرسل لفلسطين واستقبلت الدار الفوج الثاني وهكذا .

واستنفر الإخوان المسلمون إخوانهم للجهاد في فلسطين فتطوع عدد من إخوانهم ضباط الجيش المصري كأحمد عبد العزيز ومعروف الحضري و أبو المكارم عبد الحي وحسن حموده وعبد المنعم عبد الرؤوف وغيرهم كثير كما ساهم الأخ يوسف طلعت في نقل الأسلحة إلى فلسطين وكان الدخول إلى سيناء يحتاج إلى جواز سفر كأي بلد آخر وفي أحد المرات سأل العسكري الأخ يوسف ماذا معك في الكيس فقال له أقفال ولما سأل العسكري الأخ يوسف ماذا معك في الكيس فقال له أقفال ولما سئل يوسف ماذا تعمل لو فتشها وظهرت أنها سلاح فقال إما أن يقلبها الله أقفالا أو يفجر السلاح في وجهه أنها ثقة كبيرة بالله وقلوب عامرة بالإيمان.

كما اتخذ الإخوان دارا في العباسية لتجميع السلاح يضم ورشة لإصلاحه وإرساله صالحا للاستعمال إلى المجاهدين في فلسطين كان أحدهم يبيع جاموسته ليشتري السلاح ويوصي بإعالة أسرته ريثما يعود كما تعاون مع الحاج أمين الحسيني كبار الشخصيات الإسلامية منهم صالح حرب باشا والبشير الإبراهيمي وعبد الرحمن عزام وحسن البنا والفضيل الورتلاني وعبد الكريم الخطابي وفي أحد اللقاءات بينما كانوا يبحثون في تأمين السلاح قال الأمير عبد الكريم الخطابي مستغربا هذا السؤال نحن كنا نقاتل المستعمرين بالسلاح الذي نأخذه من أيديهم.

وقال حسن البنا رحمه الله تعالى الذي كان يدرك أبعاد القضية لقد دخلت الجيوش العربية فلسطين لتسليمها إلى اليهود وهذا ما اجتمعت عليه الآراء.

نشاط إخوان غزة الجهادي قبيل العدوان الثلاثي حتى نهايته

بعد ثورة يوليو بحوالي سنة ونصف بدأ إخوان غزة ينظمون عمليات عسكرية تهاجم اليهود في الأراضي المحتلة عن طريق البر والبحر فتزرع الألغام وتنسف المنشآت وتخرب خطوط الماء والكهرباء وهكذا أدى ذلك إلى قصف وحشي إسرائيلي للأسواق والمناطق السكنية في غزة وإلى هجمات على القوات المصرية عندها حاولت الإدارة المصرية أن تضبط هجمات على القوات الإسلامية فجعلتها تحت إشراف مدير المخابرات المرحوم مصطفى حافظ ولكن الإخوان لم يرضخوا لهذا الإشراف مما أدى إلى مطاردتهم وملاحقتهم واعتقل الرأس المدبر لهذه الهجمات الأخ خليل الوزير حيث لقي من التعذيب في إدارة المباحث المصرية في سرايا غزة ما الله به أعلم ثم أفرج عنه بعد أسبوع بكفالة مالية وكان لازال طالبا في المرحلة الثانوية.

الإخوان ومشروع الاستيطان

واستأنف الأمريكان مشروعهم في توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء مع حكومة الثورة المصرية واتفقنا على إسناد المسؤولية المشتركة عن إدارة الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع المحدد في الاتفاق إلى المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي ممثلا للجانب المصري وإلى مكتب وكالة الغوث في القاهرة ممثلا للوكالة وقد تم هذا الاتفاق خلال شهر تشرين الأول أكتوبر 1953 وقد كلفت اللجنة المصرية وكالة الغوث بتنفيذ ذلك المشروع الذي كان يرمي إلى زراعة خمسين ألف فدان في الشمال الغربي لسيناء لتوطين اللاجئين فيها لزراعتها كما اقترح المشروع قيام نوع من الحكم المحلي مع أخذ التجمعات التي انتظم اللاجئون على أساسها بعين الاعتبار بحيث يكون أبناء العشيرة الواحدة والقرية الواحدة في مستوطنة واحدة (عن كتاب غزة لحسين أبو النمل ص85- 86) كما نقلت جريدة البيان الصادرة في دبي عدد 922 ص14 ما نشرته الصحف الأمريكية عن بعض الاتصالات المصرية الأمريكية عام 1955 حول هذا المشروع وأما غضبة الشعب الفلسطيني على هذا المشروع أصدر نائب الحاكم المصري في قطاع غزة بيانا للصحف المحلية بتاريخ 28/ 5/ 1953 أعلن فيه أنه قد أرجئ البحث في هذا الموضوع وأنه قد تمت المقابلة بين قائد القوات المسلحة والحاكم الإداري العام للمنطقة انتهت إلى أن موضوع إسكان اللاجئين هو محل إعادة نظر في الوقت الحاضر ولن تتخذ إجراءات إلا بما يحقق أماني الفلسطينيين وآمالهم عن قطاع غزة 48- 85) ويعلق مؤلف الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث منظمة التحرير الفلسطينية على البيان الذي أصدره نائب الحاكم العام بقوله: كان نائب الحاكم الإداري لا يقول الحق لأن الحكومة الثورية المصرية كانت اقترحت اعتبار نهر النيل كمصدر لمياه الرأي للأراضي الواقعة مباشرة شرق قناة السويس ونتيجة لهذا الاقتراح أتمت الوكالة في 30 يوليو 1953 اتفاقية برنامج مع الحكومة المصرية أتاحت الاحتفاظ بمبلغ ثلاثين مليون دولار لأغراض أبحاث المشروع في شبه جزيرة سيناء وغزة الباقي ليستعمل في الإنشاء والاستيطان إذا ما أثبتت الدراسات الأولية أن هناك مشروعات عملية يمكن القيام بها وأن تخوف اللاجئين وأهالي القطاع له ما يبرره (قطاع غزة 85).

ويقول الدكتور عبد الله أبو عزة في كتابه مع الحركة ص33 واستطيع أن أضيف إلى ما ذكره مركز الأبحاث الفلسطيني أنني رأيت بنفسي ملف مشروع سيناء عندما نقلت للعمل في مكتب المدير العام لوكالة الغوث في غزة عام 58 وأنني لم أتمكن من الإطلاع على كافة محتوياته لأنه كان في عهده سكرتيرة المدير.

ولم يستطع الإخوان السكون على هذه المشاريع التصفوية فكان لا بد أن يحركوا الشعب للمطالبة بإلغائها وأن يصعدوا عملياتهم الجهادية داخل الأراضي المحتلة مما كان له أكبر الأثر ف التراجع عن هذا المشروع.

يقول الدكتور أبو عزة في كتابه ص34: لقد أعطى هذا النشاط الإخواني ثماره المرجوة فإثر كل عملية تسلل ونسف كانت إسرائيل بهمجيتها تغير على إحدى النقاط العسكرية على طول حدود القطاع، مما اضطر الحكومة المصرية إلى تشكيل الكتيبة الفلسطينية للدفاع عن قطاع غزة وجعلت قادتها قرب رفح.

وفي مساء 28/ 2/ 1955 قامت إسرائيل بهجوم كبير على موقع صغير للقوات المصرية قرب غزة ووضعت كمينا على طريق غزة رفح إلى الشمال قليلا من مخيم البريج للاجئين ليعترض أي نجدة تأتي من الكتيبة الفلسطينية المعسكرة في رفح وعندما وصلت النجدة فجر الإسرائيليون براميل البترول التي وضعوها في عرض الطريق المسفلت فقتل كافة أفراد النجدة كما دمروا حامية محطة غزة ونسفوا مركز ضخ المياه فكانت خسائر فادحة دفعت الشعب الفلسطيني للخروج بتظاهرات صاخبة في كافة أنحاء قطاع غزة ضد حكومة الثورة المصرية التي أهملت الدفاع عن قطاع غزة تتهم جمال عبد الناصر بالخيانة والتقصير وتنادي بسقوط مشروع سيناء وقد ساهم في هذه التظاهرات كافة أفراد الشعب الفلسطيني بما فيهم الشيوعيون الذين حضروا برئاسة زعيمهم معين بسيسو إلى المسجد العمري لأول مرة وخرجوا بالمظاهرات إلى جانب الإخوان المسلمين خصومهم التقليدين مناقضين مواقفهم من القضية الفلسطينية المجاهرة بالتعاون مع الرفاق الماركسين اليهود فما كان من السلطة المصرية إلا أن قمعت المظاهرات بالقوة فقتل وجرح عدة أفراد كما اعتقوا العشرات من الإخوان المسلمين والشيوعيين ورحلوهم إلى سجن القاهرة ومع هذا التصدي من الحكومة المصرية للمتظاهرين إلا أنها اضطرت لاتخاذ خطوتين إيجابيتين.

1- التراجع عن مشروع سينا لإسكان اللاجئين وصرف النظر عنه.

2- أدخلت قوات كبيرة من الحراس المصري إلى قطاع غزة فما كان من اليهود اللئام إلا أن غيروا استراتيجيتهم فبدأوا يقصفون بمدفعيتهم الثقيلة المناطق المدنية والشوارع المزدحمة بالسكان وإن كانت لا تخلو من بعض المناوشات مع القوات المصرية بالأسلحة الرشاشة إلى أن وقع العدوان الثلاثي بعد خمسة عشر يوما من تعسف المحتل الصهيوني بتجميع الناس وضربهم والإساءة إليهم بدأ الإخوان بالتحرك والاتصال ببعضهم وإعادة تشكيلهم التنظيمي وبعد مضي أقل من شهر على الاحتلال دعا الإخوان الشعب إلى إضراب عام احتجاجا على استمرار الاحتلال وممارستها وقد تم توزيع منشور ليستنهض همة الشعب للمقاومة كان ذلك في آخر كانون ثاني / يناير / 1957 ونفذ الإضراب بالفعل وكسرت قوات الاحتلال أبواب المتاجر وسرقت الأشياء الثمينة وعثرت أثناء ذلك على بعض المناشير ونتيجة التعذيب عثروا على آلة النسخ وألقى القبض على العناصر القيادية والنشيطة من جماعة الإخوان المسلمين منهم: داود أبو جبارة سعيد المزين، عبد الله أبو عزة غالب الوزير محمد أبو دية منير عجور هاشم الخازندار وبعد أربعين ليلة خرج المستعمرون من قطاع غزة واستلم جنود الأمم المتحدة قطاع غزة وأفرج عن الإخوان المسجونين وخشية أن يبقى قطاع غزة تحت إدارة الأمم المتحدة كما هو مقرر له فقد حمل الإخوان الأعلام المصرية وخرجوا بمظاهرات ينادون بعودة الحكم المصري ونتيجة الضغوط الشعبية التي استمرت أسبوعا كاملا سقط خلالها بعض الشهداء برصاص القوات الدولية وافقت الأمم المتحدة على إدارة مصرية مدنية على قطاع غزة وسمي حاكمها الحاكم الإداري بدل الحاكم العسكري.

شباب الإخوان يؤسسون منظمة فتح

شغف بعض إخوان غزة بمقاومة الاستعمار الصهيوني دفعهم إلى التفكير في تأسيس منظمة عسكرية تقاوم العدو الصهيوني ومشاريعه الاستيطانية مستبدلين الفكرة الإسلامية بفكرة القومية الفلسطينية ففي تموز من عام 1957 وزع الأخ خليل الوزير بيانا على إخوانه القياديين يدعو الإخوان فيه إلى إقامة تنظيم خاص بجانب تنظيمهم بحيث لا يحمل التنظيم لونا إسلاميا في مظهره وشعاراته وإنما يعمل تحت شعار تحرير فلسطين عن طريق الكفاح المسلح وعلى الراغبين بالعمل في هذا التنظيم أن يخلعوا ثبابهم الإخوانية أو الحزبية ويلبسوا بدلا منها ثيابا فلسطينية كما عليهم أن يمتنعوا عن الدعوة لأية عقيدة أو أيديولوجية حزبية وأن لا يقفوا مع أو ضد أية دولة عربية (عن مع الحركة الإسلامية 71- 72) وقد تحمس لهذا المشروع الإخوان سعيد المزين وغالب الوزير وتبين فيما بعد أن عددا من الإخوان المرموقين قد انضموا إلى منظمة فتح التي تأسست عام 1958 سرا بينما ظلوا على ولائهم الظاهري للإخوان منهم الإخوة سليم الزعنون صلاح خلف- أسعد السفطاوي وآخرين ولما شعر الإخوان بخطورة هذا التحرك حرصوا على إبقاء هذه العناصر بعيدة عن التنظيم بحجة أنها عناصر مكشوفة وليس من المناسب إشراكهم في تنظيم سري ويقول الدكتور أبو عزة في كتابه ص 75: والحقيقة أن موقف الإخوان كان متأثرا بنظرة المرحوم هاني بسيوني الذي كان يشك في انضباط أصحاب الفكرة الجديدة ويتهمهم بالمراوغة الذي يجرح صورة الاستقامة حسب المقاييس المثالية الإخوانية وبدأ تحرك هؤلاء واتصالهم بالقواعد والحوار مع إخوانهم الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية الأخرى حسمه رد الإخوان على أفكارهم بمذكرة مطولة تبلغ عشرين صفحة فولسكات عمموه على إخوانهم عام 1960 يتخلص بما يلي:

1- إن الإخوان الفلسطينيين الذين فتحت عيونهم على إخوانهم المصريين والسوريين يخوضون معارك الجهاد المقدس في فلسطين والذين يؤمنون بأن قضية فلسطين لا تحل إلا بالجهاد لعلى استعداد لتجميد نشاطهم الإسلامي وتحويله من أجل تحرير فلسطين بشرط أن يقدم إخوانهم دعاة التحرير خطة عمل يحتمل في غالب الظن أن يكتب لها النجاح أما أن نترك العمل للإسلام للدخول في مغامرات غير مدروسة ولم يراع فيها الاستفادة من خبرة الماضي فهذا مرفوض.

2- إن الظن بأن التحرر من الإسلام يزيل الحواجز بين التنظيم الجديد والجماهير وهم كبير لأن التاريخ أثبت أن الجماهير لا تتجاوب ولا تنقاد في القضايا الإسلامية خاصة إلا للإسلام فلقد سارعت في الماضي للالتحاق بكتائب الإخوان في فلسطين وسارعت في الحاضر للتعاون مع منظمة حماسي الإخوانية لأنها ترفع راية الجهاد الإسلامي ذلك لأن الجهاد الإسلامي ذلك لأن الجهاد على غير عقيدة الإسلام أو دون عقيدة ما أمر خطير يجعل إيمان صاحبة في خطر لأن الله لا يقبل الجهاد إلا إذا كان خالصا لوجهه الكريم فالسلام هو معين الجهاد الدائم والأمل الدافع للإقدام إما إلى النصر وإما إلى الشهادة.

3- أما الاعتماد أن البعد عن الإسلام أو الإخوان يرضي الحكام إن وقفت منهم المنطقة موقف الحياد فهو وهم آخر لأن الحكام في عام 1948 لم يسمحوا لقواتهم أن تتحرك مترا واحدا خارج حدود التقسيم ولا للمجاهدين الذين يعلمون تحت إشرافهم نظرا لخضوعهم للضغوط الدولية لذا طالب حسن البنا رحمه الله تعالى أن يترك تحرير فلسطين للجماهير الإسلامية ويكفي الحكام أن يقدموا الدعم للمجاهدين فلم يستجب لطلبه كما تناسى هؤلاء أن الحكام لن يرضوا عن المنظمات العسكرية إلا إذا خضعت لقيادتهم كما أنهم لن يسمحوا لهم بدخول الأرض المحتلة من أراضيهم لئلا يورطوهم بمشاكل ليسوا مستعدين لها.


4- لقد نسي هؤلاء أن التخلي عن الإسلام يسمح لأصحاب العقائد الفاسدة والمأجورين والطامعين بالتسلل إلى صفوف المنظمة يعيثون فيها فسادا ويحرفونها عن مسارها ويخرجون بها عن أخلاق الإسلام ومبادئ الإسلام كما يتربصون بهم ويكيدون لهم كخصوم عقيديين لهم لقد قامت بعض ثورات التحرير الإسلامية فاستشهد القادة الإسلاميون المخلصون واستلم زمام أمرها بعد النجاح الاشتراكيون كما حدث أن قام انقلابيون في بعض الدول العربية وتعاونوا مع أقرب الناس إلى أفكارهم وما هي إلا أشهر حتى أصبح الانقلابيون خارج الحكم.

5- أما تشبيه حركة فلسطين بقضية الجزائر فهذا قياس مع الفارق لأن وضع الجزائر القانوني والدولي يختلف عن وضع فلسطين ففرنسا في الجزائر تعتبر دولة مستعمرة في وجهة النظر الدولية أما فلسطين فقد أعطت الدول العظمى لليهود شرعية التملك حين أصدروا قرار التقسيم لذا فهم يحرصون على سلامة إسرائيل حرصهم على سيادتهم باعتبارها الدولة التي تحقق مصالحهم في الشرق الأوسط كما تختلفان بالأهداف فأهداف الاستعمار الفرنسي في الجزائر إقتصادية أما هدف الصهيونية فهو استيطاني ديني وشتان بين الهدفين كما أن الشعب الجزائري يعيش على أرضه الواسعة بينما يعيش الفلسطينيون خارج أراضهم التي لا يسمح لهم بمهاجمة الصهاينة فيها.


لذا كان لابد من العمل لدعوة الإسلام وتكثير أنصارها وإعدادهم لتكوين القاعدة الصلبة التي تنتظر الفرصة المناسبة للتحرير يدعمهم مسلمو العالم الإسلامي أجمع والحكومات المخلصة فما على الإخوان إلا أن يحددوا موقفهم إما باختيار الإسلام والتحرير على أساسه وإما باختيار غير طريق المسلمين والتعاون مع أخلاط الناس عقيدة وفكرا للتحرير وإقامة دولة قومية لا يشترط الإسلام أساسا لقيامها لذا رفض الإخوان الازدواجية بينهم وبين المنظمة وبعد حوار وجدال حسم الموقف بخروج أصحاب المشروع من تنظيم الإخوان إلى تنظيم فتح وكان ممن تبع فتح من المقيمين في قطر كل من رفيق النتشة- محمود عباس- سليمان الشرفا- كمال عدوان- يوسف النجار- خالد الحسن الذي كان سكرتير الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله المراقب العام لإخون سوريا ثم التحق بحزب التحرير ثم بمنظمة فتح ومن المقيمين في الكويت: صلاح خلف د/ عبد الله الدنان، ياسر عرفات الوزير د/ عادل عبد الكريم وهو الذي اقترح للتنظيم اسم فتح وعلي الحسن الذي كان من إخوان سوريا ثم عمل مع نجيب جويفل عميل المخابرات المصري وأنور حمادة وعبد المجيد طرابلسي على إقصاء السباعي عن قيادة الإخوان حين لجوئه إلى لبنان إبان حكم الشيشكلي وقسم جماعة الإخوان في سوريا كما سعوا لتقسمها في مصر فباءت مساعيهم بالفشل كما أسسوا ملة تدعو لأفكاره وتعبر عن رأسهم أسموها فلسطيننا وكلفوا الأخ اللبناني الدكتور توفيق حوري لترخيصها باسمه عام 1968 واستلام رئاسة تحريرها وقد حال إسلاميو فتح الاتصال بقواعد الإخوان لكي لا يتورطوا مع فتح ثم هدأت الأمور وبدأت علاقة طيبة مع قادة فتح استمرارا لصلاة الود القديم تمثلت بإستئناف التزاور وبالدعم المادي وبعد تعرض أي طرف للأذى وما دام التحرير هو الهدف المشترك للطرفين فلا يعكر علاقتهم اختلاف الوسائل.

ترى هل حقق الإخوة في فتح أهدافهم:

الواقع يثبت أن الإخوان كانوا بعديدي النظر فتوقعاتهم حدثت فعلا.

1- إن التهاون في أمر العقيدة والأخلاق أثناء قبول المقاتلين أدى إلى تصرفات سيئة وممارسات غير إسلامية وتعديات شملت حتى رجال الأمن في البلد التي تؤويهم مما دفع السلطات الأردنية إلى توقيف نشاطهم ومنع تسلطهم وطردهم خارج البلاد بالقوة كما أقدموا على تدمير معسكر للجهاد أقامه الحاج أمين الحسيني عام 1963 فقتلوا من فيه وسلبوا سلاحه وأمواله وقد حدثني من أثق بدينه أنه كلف من قبل الحاج أمين بنقل رسالة لأبي يوسف مفادها أن قتلى المعسكر شهداء وأن سلاحهم سيستخدم ضد إسرائيل لذا نرجو إرسال المال ووعد أبو يوسف بالعمل على رده ولكنه لم يفلح لقد سردتن هاتين الحادثتين على سبيل المثال لا الحصر لأنني لا أرغب بإحصاء أخطاء الآخرين.

2- محاولة إرضاء الحكام دفعهم لقبول بعض العناصر التي ترضيهم لتنقل لهم صورة مطمئنة عن المنظمة فقد رفضوا قبول الضابط الكبير عبد المنعم عبد الرؤوف لاختلافه مع عبد الناصر وعينوا نجيب جويفل مستشارا عسكريا.


3- ترى هل سمح لهم بدخول فلسطين من أراضي الدول المجاورة لا أظن ذلك لأن حكام الدولة العربية ليس لديهم مخطط لتحرير فلسطين كما صرح بذلك عبد الناصر فلم يتحملوا إذا ردود الفعل الصهيونية نتيجة هجمات الفدائيين؟ كما أنهم لا يأمنوا على حكمهم من وجود قوات مسلحة ليست موالية لهم صرح بذلك ياسر عرفات حيث قال (إن بعض الأنظمة التقدمية رددت الاتهام بأننا نريد توريط الدول العربية وقيل إننا كعملاء لحلف السنتو نتآمر لإحراج الأنظمة التقدمية لإسقاطها فوق ساحة القضية الفلسطينية وبعد 5حزيران قيل لنا إذا أطلقتم رصاصة واحدة اعتبرناكم مجرمين وخونة إن عملكم غير المسئول الآن سيؤدي إلى تدمير الأمة العربية) أنظر طلال سلمان مع فتح والفدائيين إصدار دار العودة ففيه التصريح كاملا.

4- ماذا كانت النتيجة؟ خسروا آلاف المقاتلين وخسرنا آلاف الدنمات من الأراضي العربية ورضوا بدولة محدودة منزوعة السلاح وبدأوا ينادون بالحل السلمي الحل العسكري أين شعاراتهم يوم بدأو تنظيمهم من شعاراتهم حين انتهوا ومن يتحمل مسؤولية إزهاق الأرواح التي استشهدت طالما سينتهي بهم المطاف إلى هذا التخاذل والضعف والاستسلام.


دعم الإخوان لمجاهدي فتح

1- عرف الإخوان الحاج أمين الحسيني على محمد يوسف النجار أحد قادة فتح كوسيط بين القيادة والحاج أمين بغية دعمهم.

2- ساعدهم الحاج أمين بالمال فدفع 20000ليرة على دفعتين.


3- عرفهم على حكام السعودية ليساعدوهم فكانت أول دولة عربية تقدم لهم المساعدة.

4- انضم الإخوان إلى الجبهة المساندة لتفح وعلى رأسهم القاضي فيصل مولوي

5- وإبراهيم المصري والتقوا مع ياسر عرفات وأبو المكارم عبد الحي.


6- توسط لهم لشراء صواريخ أرض جو لدى أحد رؤساء الدول العربية.

7- أنشأت فتح مجلة فلسطين واستلم رئاسة تحريرها الأخ: توفيق حورية لأن الترخيص يجب أن يكون باسم لبناني.

الإخوان في معسكر الجهاد عام 1968- 1970م

بعد هزيمة حزيران عام 1967 أصيب العالم العربي والإسلامي بخيبة أمل وإحباط شديدين نتج عنهما ردود فعل سلبية وإيجابية تمثلت بكثرة الحركات الفدائية وبانفتاح منظمة التحرير الفلسطيني فتح وبتحرك روح الجهاد لدى الإسلاميين لمقاومة العدو الإسرائيلي واسترداد الأراضي السليبة وأصبحت الأردن تعج بالمنظمات الفدائية المختلفة الأفكار والنزعات وكانت فتح أقوى هذه المنظمات وقد قررت في خطتها الجديدة تكثير أنصارها فأنشأت الجبهة المساندة وعرضت على الإخوان الالتحاق بمعسكراتها بصفاتهم الإخوانية وهي تعلم من هم الإخوان في معارك الجهاد عام 1948 فاستجاب لطلبهم الإخوة السودانيون والكويتيون والمصريون المقيمون خارج مصر والأردنيون وبعض السوريين برئاسة الشيخ مروان حديد والتحق الفوج الأول بمعسكرات فتح غير أنهم لم يحتلموا أسلوب المدربين الفظ وشتائمهم المنكرة لذلك طالبوا قيادة فتح بتخصيص معسكر خاص لهم وإلا فسينسحبون من معسرك فتح فاستجابت منظمة فتح لطلبهم وأنشأت لهم معسكرا خاصا باسم فتح جميع عناصره من الإخوان يدرب فيه الأخ عبد العزيز خاصا باسم فتح جميع عناصره من الإخوان يدرب فيه الأخ عبد العزيز العلي والضابط اليمني الجنوبي محمد سعيد باعباد والضابط الفلسطيني إبراهيم عزي أبو الحسن وكان من خيرة المدربين ومن مؤسسي حركة فتح وبدأ التدريب على مرحلتين شهر ونصف تدريب عسكري وشهر ونصف تدريب على السلاح وقد عرف معسرهم باسم معسكر الشيوخ وعرف بأن عناصره من الإخوان لوجود عدد من القياديين المكشوفين بين صفوفهم مثل الدكتور اسحق فرحات والدكتور عبد الله عزام ومحمد صالح عمر الوزير السوداني السابق وتردد إخوان الأردن عليه وقد كسب مجاهدو معسكر الشيوخ ثقة الأهالي المحتكين بهم والجيش الأردني المجاور لهم لتميزهم بالإخلاص والشجاعة والفداء وبدأت الأفواج تترى ولكما اجتاز الإخوة التدريب بنجاح وزعوا عل المراكز الحدودية للرصد والقيام بأعمال عسكرية داخل الأراضي المحتلة وأصبح للإخوان عدة مراكز على الحدود في العلوق والأزرق وعجلون وجرش وإربد والأغوار وقد استدلت المخابرات الإسرائيلية إلى معسكرهم في العلوق من عملائهم على الحدود فقررت القضاء عليهم فهاجمهم المعسكر سرب من الطائرات الإسرائيلية في تمام الساعة السادسة والنصف من صباح أحد أيام عام 1969 لعلمهم أن اجتماع العمل الصباحي يبدأ في الثامنة صباحا فقدمت موعد الهجوم لتقض على الإخوان وهو في فراشهم ولكن الله خيب ظنهم فقد كان المعسكر خاليا إلا من الحراس.

وكان الإخوان وعددهم ست وتسعون مجاهدا يتدربون خارج المعسكر منذ الخامسة صباحا والذي شاهد آثار الهجوم الجوي على المعسكر يجزم بكل تأكيد أن الإخوان لو كانوا ضمن المعسكر لما نجا منهم أحد مما يؤكد لطف الله بهم.

لقد شارك من إخوان السودان خمسون أخا منهم اثنان وعشرون يحملون شهادة الدكتوراه وست وعشرون يدرسون الدراسات العليا واثنان مدرسان وقد زارهم الدكتور الترابي أميرهم ثلاث مرات في قواعدهم كما ساهم من الإسلاميين في سوريا تسعمائة وخمسون مجاهدا منهم مائتان وخمسون مجاهدا من الإخوان ومائتان وستون من مدينة حماة وحدها وقد حاولت الجبهة الشعبية القضاء على الإخوان فسرقت لهم سيارتين من على باب المركز الإسلامي في الزرقاء وتحرشوا بعدد من الإخوان فكالوا له الصاع صاعين وقتلوا اثنين من مقاتليهم وأسروا واحدا ولم يتركوه إلا بعد أن تعهدوا بعد التعرض لهم ثانية ساهم في وقف الأعمال العدوانية للجبهة الشعبية تهيبهم من الصدام مع منظمة الفتح التي تعتبر معسرك الشيوخ من معسكراتها.

عملية الحزام الأخضر: لقد ساهم الإخوان في عملية الحزام الأخضر قرب الحمة الأردنية حيث كان لليهود مركز عسكري لا يرى منه إلا سطحه وبعض النوافذ العليا (بركس) يزوده الصهاينة بالطعام والذخيرة بواسطة طائرة هيلوكبتر يفصله عن الأردن جبل شبه عامودي يستحيل النزول منه. فنزل إليه المجاهدون بسلالم من حبال وهاجموا المركز الصهيوني وأبادوا جميع من بداخله وكان عددهم ستة عشر عسكريا، وهرب من هذه المعركة بعض المنتفعين ملقين بأسلحتهم وقنابلهم أرضا فأحضرها لهم مجاهدوا الإخوان وعادوا يصعدون السلالم فرحين بنصر الله ولما تم اللقاء بعد المعركة تعلل الهاربون بأسباب واهية من محض خيالهم فما كان من مجاهدي الإخوان إلا أن قدموا لهم أسلحتهم وقنابلهم التي لم يستخدموها فكشف زيفهم وارتفع الإخوان بأعين القادة والمقاتلين والحمد لله رب العالمين.

مذكرات الدكتور عبد الله عزام عن معسكر الشيوخ

يسرني إن أنقلكم إلى مذكرات الدكتور عبد الله عزام التي سجلها في كتابه حماس صفحة 84/100 لتعرفوا ماذا يفعل الإسلام في نفوس أنصاره حيث يجعلها تستعذب الموت في سبيل الله. بعد هزيمة العرب سنة 1967 تقدمت حركة فتح ووسعت كوادرها ونادت بالناس وتقدم إليها كثير من الناس ولكن معظمهم غثاء وتأخرت الحركة الإسلامية ولكنها قدمت ثلاث سرايا وكان لها أربع قواعد وكانت تحت اسم فتح وكان الناس يطلقون عليها (قواعد الشيوخ) ولقد أبلت بلاء حسنا وكنت أميرا في إحدى القواعد (قاعدة بيت المقدس في مرو).

والحق أن السرية الأولى تقدمت وكنت منها كانت نماذج رفيعة وكان من بيننا مجموعة من الإخوة السودانيين على رأسهم الوزير السوداني محمد صالح عمر الذي استشهد فما بعد جزيرة«أبا» بقذائف الطيران المصري.

وكانت على خلق عال، وأدب إسلامي جم، وقد كتبت بعض ذكرياتها في رسائل من القلب إلى القلب في مجلة الجهاد رسالة الإخلاص والزهد والإخوة والمحبة كانوا يرفضون أن يحدثوا عن معاركهم خوفا من الرياء ولئلا ينقص ثوابهم، كان القائد الشهيد صلاح حسن يربينا بعمله دون قوله، وكان أخوه أبو خليل يعتبرنا أخوة له ولسنا تلاميذ، وكان قائد العام عبد العزيز على له في قلوبنا هيبة وأيما هيبة، وحبا ومودة لا نظير لها.

وبقيت مجموعات الشيوخ طريقها بين الأعاصير الهوجاء التي تريد أن تقتلعها من جذورها ونحن نقيم علائق طبيبة مع الجيش الأردني الذي كان يحترمنا أيما احترام حتى كان خلف رافع- قائد اللواء – المسؤول عن حراسة الحدود- الغور يوقف سيارته إذا رأى شابا من شبابنا.

ذكريات الرفيد وحرثا

وكان بيننا وبين الأهالي صلة وثيقة ومحبة عميقة خاصة الذين كانت قواعدنا في أكنانهم وأخص بالذكر آل عبيدات في الرفيد وحرثا ولقد احتضنونا كأننا أبناؤهم ويودون لو يضعوننا في أجفانهم وقلوبهم ولقد وقفوا وقفة طبيبة عندما دخل الجيش الأردني لضرب قواعدنا فقالوا: نحورنا دون المس بهم وصدورنا دون إيذائهم قالوا: عرفناهم لأبنائنا معلمين ولمساجدنا أئمة وخطباء ولقرانا ولمزارعنا حراسا أمناء، والحق أن ذكر الرفيد لا يمكن أن يأتي النسيان عليه والله أعلم ما دام لنا عين تطرف أو قلب ينبض ولقد كان أحد أنبائهم أحمد قد عرفنا من خلال حديث أهله وقريته وعشيرته عنا فأحببنا عن بعد ثم ارتقى مناصب عليا في الدولة حتى تسلم رئاسة الوزراء فكان خير مدافع عنا إذا كثرت الأقاويل أو اشتدت علينا الحملات.

ولقد خاض الإخوة معارك كثيرة وكان الجيش الأردني خير متعاون معنا إذ أننا صدقناه فصدقنا وعاملناه بالرجولة الإسلامية فعاملنا بالمروءة والنخوة البدوية.

معركة المشروع

وإذا كنت أنشى فلا أنسى معركة المشروع (روتنبرغ) التي دخلناها.

وكنت فيها وكان معنا أبو مصعب السوري الذي تحمل على جراحه البالغة التي أصابته في المعركة بجانبي فجاء قائد الكتيبة الأردني واقتحم النيران الملتهبة من جراء القذائف المتصببة وأصابته شظية وجرح القائد ولكنه أنقذ أخانا وأوصله إلى المستشفى حيث أشرع على الموت وهيموجلوبين الدم.

معركة 5حزيران سنة 1970

ستة من إخواننا منهم أو إسماعيل مهدي الإدلبي الحموي، إبراهيم (بن بلة) وبلال الفلسطيني وفي أرض مكشوفة تصدوا لدبابتين وكاسحة ألغام وكان دايان أرسل مراسلا كنديا وأمريكيا ليطوف بهم على الحدود ويريهم أن العمل الفدائي قد انتهى وإذا بجند الله يخرجون لهم كالجن المؤمن من باطن الأرض وانهالت القذائف وجرح الصحفيان واعترف اليهود باثنى عشر قتيلا ولكن قتلى الأعداء أكثر من هذا بكثير.

وقد ضج الإعلام العربي وخاصة فتح بهذه العملية الرائعة في رابعة النهار ضحى يوم 5 حزيران واستشهد ثلاثة من إخواننا منهم الحبيب مهدي الإدلبي أحد أبناء قاعدتي و بلال المقدسي من قاعدة/ غزة.

عملية سيد قطب

ولقد كان الأخ أبو عمرو (صلاح حسن) يعد لعملية بالصواريخ يسميها علمية سيد قطب ضد دورية من عدة دبابات ورتب الخطة وأشرف على المكان وزرع الصواريخ التي سيطلقها بالكهرباء ولكن المنية كانت له بمرصد إذ كمن له اليهود قرب المشارع ودارت بينهم معركة سقط فيها أبو عمرو شهيدا واستشهد معه محمود البرقاوي وزهير سعدو (من حماة) ومن الموافقات العجيبة أن تاريخ الشهادة كان في نفس اليوم الذي استشهد فيه سيد قطب 29 أغسطس (آت) سنة 1970.

وهكذا فاز أبو عمرو بالشهادة كما نرجو من الله ولا نزكي على الله أحد قبل ضرب العمل الفدائي في الأردن بعشرين يوما.

وشيعت جنازته بوادع مهيب في مطار عمان واستقبلت في مطار الكويت حيث يسكن أهله وكان يوما من أيام المسلمين في الكويت.

وأما جنازة زهير فقد قمت بنقلها إلى حماة في سوريا ومكثت هناك عدة أيام في ضيافة الشيخ مروان حديد وقد قدمت جنازة أخرى إلى حماة وأنا هناك وهي جنازة (نصر عيسى) شقيق الدكتور رشيد عيسى الذي قضى معنا في فلسطين فترة طيبة يرعى إخوانه من شاب حماة وقد عاش معنا في هذه الفترة في فلسطين الأخ عبد الستار الزعيم.

وبدأ الاستعداد لضرب العمل الفدائي: واجتمعنا نحن الإخوة المسؤولين عن الشباب وقررنا فيما إذا اصطدم الجيش مع الفدائيين أن لا ندخل في هذا الصراع الذي لا طائل من ورائه ونخشى أن نصيب دما حراما (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل امرئ مسلم) وكذلك المعركة ليست واضحة والراية عمية وليست إسلامية خاصة وأن العمل الفدائي قد اجتاحه طوفان من الغثاء وأصبح الكثير منه زبدا رابيا فلم يكن قتال الجيش أمرا مقبولا شرعا ولا عقلا ولا مصلحة.

فآثرنا الوقوف على الحياد ولقد دار حديث حول الأخطار التي تكتنف المرحلة القادمة والغموض الذي يلف الليالي المقبلة ولكن عين الله كانت ترعى هذه المجموعة فقلت للإخوة اطمأنوا فلن يضيعنا الله ولن تكون نهاية هذه الصفوة السحق تحت جنازير الدبابات الأردنية، ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾ وفي الحديث الصحيح «ثلاثة حق على الله عونهم: الغزي في سبيل الله والناكح يريد العفاف والمكاتب (العبد) يريد الأداء»

ولدق كان فضل الله علنيا عظيما إذ رعانا بعين رعايته وأحاطنا بعنايته فلم يسم أحد منا بأذى رغم أن كثيرا من المدنيين قتلوا وعذبوا وسجنوا وأهينوا.

الشهداء: واستشهد من أبناء الحركة الإسلامية 13 شهيدا منهم رضوان كريشان ورضوان بلعة الدمشقي ومحمد سعيد باعباد الضابط اليماني و[[أبو الحسن إبراهيم الغزي وهو من مؤسسي حركة فتح وكان من خيرة المدربين في معسكر العلوك.

رأي في جهاد الحركة الإسلامية سنة 1969

والحق أن الدع,ة قصرت من ناحيتين:

الأولى: أنها تأخرت في التحرك للجهاد وسبقتها المنظمات العلمانية والقومية الشيوعية التي تجمعها جميعا للعداء للإسلام ومحاربة الخط الإسلامي.

إذ قلما كنت تجد آنذاك مصليا في المنظمات ولعلك تستطيع أن تدرك السوء البالغ الذي كانت تحياه المنظمات والدرك الهابط الذي كانت تتخبط فيه أنه في 4 نيسان سنة 1970 (الذكرى المئوية لميلاد لينين المئوي) اتفقت المنظمات جميعا دون استثناء على أن تحتفل ولمدة أسبوع بهذه الذكرى المجيدة المشرفة؟ واشترك وزير الأوقاف الأردني آنذاك بالترتيب للاحتفال وفي الإسهام في إنجاحه.

وبإمكانك بعد هذا أن تتصور الضيق البالغ الذي كان يأخذ بخناقنا أبناء الحركة الإسلامية ونحن نعيش في هذا الوسط المظلم المكفهر.

وأذكر أنني طلبت لمحاكمة عسكرية لأنني انتقدت جيفارا فقلت للمثقف الثوري وهو يمثل الادعاء العام ( من هو جيفارا؟ فقال مناضل شريف فقلت: له: وما هو دين فتح؟ فقال: فتح لا دين لها فقتلت له: أما أنا فدينيا الإسلام وجئت لأجاهد في سبيل الله وأما جيفارا فهو تحت قدمي هذا).

وهذا الغثاء لم يكن موجودا سنة 1948 لأن الحركة الإسلامية آنذاك كانت سيدة الموقف ورمز الصمود والنجم المتألق على الساحة الفلسطينية وذلك لأنها سبقت الناس إلى الجهاد وبقيت ثابتة حتى عصفت بهم النوائب التي ساقها الله على يد حكامهم العرب يومئذ.

فإذا كانت الحركة الإسلامية تعيب على المنظمات الثورية يساريتها وانحرافها وتخبطها وإغوائها للشباب فما ذاك إلا لغياب الحركة الإسلامية.

وجدير إذا الليوث توارت
أن يلي ساحها جموع الثعالب

والعامل الثاني: لتبجح أهل الباطل وانتفاشهم وانتفاخم أن عدد المسلمين كان قليلا في منظمة فتح لقد كانت المنظمات اليسارية تسب الله ورسوله عمدا أمامنا ليغيظونا وقد كانت بجانبنا جبهة ديمقراطية (نايف حواتمة) فكانت كلمة السر في الليل أثناء الحراسة شتم الله أو النبي أو الدين، وكنا أحيانا نلتقي في تجمع فنقف لنؤذن فيصطفون مقابلنا يرددون:

إن تسل عني فهذي قيمي
أن ماركسي لينيني أممس

والحق أنه لولا الله ثم لافتة فتح لمزقونا إربا إربا أو لمنعونا من الجهاد في سبيل الله.

إعتذار:

ونحن نعتذر للحركة الإسلامية أن رأسها كان رهن الأغلال والقيود في سجون عبد الناصر وقد أعلن هذا الطاغوت من فوق قبر لينين سنة 1965 أننا ألقينا القبض على سبعة عشر ألفا من الإخوان المسلمين ولئن عفونا المرة الأولى فلن نعفو المرة الثانية، ولقد صب عليهم من العذاب ما لم تره حركة في الأرض أبدا يقول الأستاذ محمد قطب: (راجعت تاريخ الاضطهاد في البشرية فلم أر جماعة اضطهدت وعذبت مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر اللهم إلا ما كان من محاكم التفتيش في إسبانيا التي أبادت المسلمين) ويحضرني في هذا المجال كلمة كتبها أحمد رائف في كتابه البوابة السوداء قال: (فتح علينا السجان ذات يوم باب الزنزانة قلنا له: يا أفندم هذا شاب مات هذه الليلة من آثار التعذيب فرد علينا قائلا: يا أولاد الكلب حنودي وشنا فين من الريس ما متش إلا واحد هذه الليلة) هكذا وبكل صفاقة وتبجح إنه يشعر بالخجل من الرئيس عبد الناصر لأنه لم يمت ليلتها إلا واحد.

الملاحقة التي لا تكف عن ضرب التجمعات الإسلامية:

وبعد أن رفع السادات فكي الكماشة عن الحركة الإسلامية واستيقظت الأجيال وبدأت الصحوة الإسلامية تقوى في مصر وقد جاءت على قدر من الله ثم كانت ثمرة طبيعية لصبر الحركة الإسلامية الأم على المحن والضربات هنا انتبه أعداء الله مرة أخرى وبدأوا يحذرون من التيار الإسلامي الذي بدأ يقوى بإذن ربه. فجاءت الضربات المتلاحقة: الفنية العسكرية التي انتهت بإعدام صالح سرية وكارم الأناضولي ثم قضية التكفير والهجرة (جماعة المسلمين) والتي تمت بتعليق شكري مصطفى رئيس الحركة وخمسة من أصحابه على الأعواد. ثم جاءت أحداث سنة 1981 وقتل السادات وتلاحقت قضايا تنظيم الجهاد لا يكاد يمر عام إلا وعمليات السحق والإبادة تلاحق رؤوسه وتطحن قادته.

وفي فلسطين:

لقد كانت الأجهزة الصهيونية واليهودية قد نظمت أنباء فلسطين في الحزب الشيوعي اليهودي (راكاح) منذ وقت مبكر 1920 على يد (روز شتاين) و (جابوتينسكي – أستاذ ببغن) و (أفروبوخ( أبو زيام) صديق لينين).

وقد تولى رئاسة الحزب الشيوعي الفلسطيني من سنة 1924- 1929م.

وأبرزت الشيوعية اليهودية إميل توما سكرتيرا لنقابة العمال الشيوعية في حيفا وإميل حبيبي سكرتيرا لها في الناصرة وفؤاد نصار سكرتيرا لها في يافا.

وكان الجميع يطالبون بإقامة يهودية لليهود في فلسطين ويرون أن قتال اليهود الشرفاء رجعية دينية متعاونة مع الإمبريالية وأدخلت إسرائيل توفيق طوبي وإميل حبيبي في الكنيست الإسرائيلي وكذلك أبرز اليهود محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد والأخيران في مجلس الكنيست الإسرائيلي وكان محمود درويش وسميح القاسم يحملان العلم الإسرائيلي في مؤتمر صوفيا لدولي.

يقول رفيق رضا مساعد خالد بكداش صحيحة قيادة الحزب الشيوعي للبناني السوري (كانت قيادة الحزب الشيوعي بمثل حماس ابن غوريون على بعث الدولة اليهودية في فلسطين فإسرائيل في نظرهم واحة ديمقراطية في الشرق).

وقال فهد/ سكرتير الحزب العراقي (مرحبا بإنشاء دولتين عربية ويهودية في فلسطين واشترط لها الإشتراكية والتحالف ضد الرجعية الدينية العربية) انظر التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية ص171.

وكانوا يقولون عن اليهود (شعب له حق الحياة كما لنا حق الحياة).

واستمر أجهزة الإعلام اليهودي مثل محمود درويش الذي يقول (أنا من قرية عزلاء منسية وكل رجالها في الحقل والمعمل يحبون الشيوعية).

وكان نشدي الثورة الذي يتردد على لسان كل طفل فلسطيني (أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيع والمكبل وحملت رشاشي لتحمل بعدنا الأجيال منجل).

فالقتال في فلسطين لتحمل الأجيال (المنجل والمطرقة «الشاكوش» شعار الشيوعية.

ويقول محمود درويش (وصرنا نقرأ مبادئ الماركسية التي أشعلتنا حماسا وأملا وفي سنة 1961 دخلت الحزب الشيوعي فتحددت معالم طريقي).

ولذا ليس غريبا أن يكتب درويش (نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير) ويقول (فسبحان التي أسرت بارودتي إلى يدها) تعالى الله عما الله عما يشركون.

العودة إلى الله في فلسطين المحتلة:

بعد هزيمة سنة 1967 نفض الشباب في فلسطين المحتلة أيديهم من الأصنام التي تعلقت بها الأوهام ويئس الجيل من الطواغيت التي عبدوها ردحا من الزمن، وبدأوا يبحثون عن مخرج ويتلمسون عقيدة يعتنقونها بعد أن سقطت كل الشعارات وتهاوت كل المنارات فهداهم الله عز وجل إلى الإسلام ولم يجدوا خيرا من قرآنهم الذي فيه الروح والحياة النور والهدي ومن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم التي فيها الرشاد والحكمة.

الدعاة من أبناء الحركة الإسلامية

وبدأنا أبناء الحركة الإسلامية بعد سقوط الضفة الغربية يدخلون المنطقة المحتلة سنة 1948 ومن بين هؤلاء أحمد ياسين والشيخ محمد فؤاد أبو زيد وسعيد بلال وأحمد الحاج علي إبراهيم أبو سالم.. وقد نفع الله بهم كثيرا وصارت الجموع تدخل في دين الله أفواجا وخلصت من تلك الأسمال البالية التي ضاقت بها ذرعا فخلعت ثياب الشيوعية والقومية والناصرية والإشتراكية وعادت إلى الله تقول:

(آيبون تائبون لربنا عائدون)

بعد الله نمر درويش: هذا الشاب يحتاج كتابا كاملا لنوفيه حقا فهو من أبناء كفر قاسم التي شهدت المذبحة المشهورة وكان عضوا بارزا في الحزب الشيوعي ثم رجع إلى ودرس في المعهد الشرعي في نابلس ثم أصبح معلما في أم الفحم التي كانت معقلا خطيرا من معاقل الشيوعية وبدأ أبناؤنا يعودون إلى الله ويخرجون من الشيوعية ويحملون الدعوة الإسلامية حتى غيروا اسم البلد إلى (أم النور) وتحدي عبد الله نمر كاهانا وعبد الله يردد دائما (نحن شعب الله المختار) وقد تحولت أم النور إلى حصن شاهق من معاقل الإسلام.

ولقد بدأ عبد الله سرايا الجهاد واكتشفها اليهود مما جعلهم يرتعدن رعبا وفزعا وضيقوا على عبد الله وحددوا إقامته ومنعوا حركته.

إرهاصات جهاد الانتفاضة

كنت أحس منذ سنوات أن اليهود يتوجسون خيفة من هزة قادمة بسب الزلزال الذي حدث في أفغانستان وكنت ألمح من خلال التشديدات التي تجريها أجهزة الأمن الإسرائيلي في كل قادم من باكستان وزاد رعبهم عندما وجدوا أفواج الشباب العربي تفد إلى أفغانستان وبدأ الشهداء يتساقطون فانتفضت إسرائيل هلعا وحركوا أجهزة الحكم الغربية وأمريكا حتى تشدد على منح التأشيرات إلى باكستان ثم الأوامر الصارمة التي ألقيت على شركات الطيران العالمية أن لا تقل على ظهرها راكبا إلا بعد التأكد من التأشيرة.

وكتب شخترمان اليهودي الأمريكي عن الجهاد الأفغاني ما الذي فعلناه؟ لقد أيقظنا العملاق) واشتر اليهود في معاهدة جنيف إغلاق المعسكرات الأفغانية في باكستان حتى لا يتدرب فيها الشباب العربي. وفي المقابل كان التيار الإسلامي من أبناء الصحوة الإسلامية الذين تأثروا بالحركة الإسلامية الأم في فلسطين يرددون في أناشيدهم أعلام الجهاد الأفغاني الذين أصبحوا رمزا للتضحية وعنوانا للعزة والمجد والفداء.

وفي أهازيجهم الوطنية الفلسطينية (أخي يا سياف الروس منك تخاف أخي يا حكمت يار على العداء مثل النار) (بنا نريد) رجال تعد أجيال تقوم الليل تهد جبال كسياف الصامد)

وقد بدأ الشباب يتلقفون كتاب (آيات الرحمن في جهاد الأفغان) ويطبعونه ويوزعونه وقوات الأمن الإسرائيلي تتابعه وتطاردهم.

موقف الشعب الأفغاني: وأما الشعب الأفغاني المسلم فهو ينظر إلى قضية فلسطين أنها قضية عقيدة ودين باعتبار المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولذا فإن بعضهم يدعو الله عز وجل (اللهم افتح على أيدينا كابل ولا تمتنا إلا في بيت المقدس).

وكثيرا ما يردد سياف وحكمت يار ورباني أن قضية فلسطين هي أهم قضايا العالم الإسلامي.

وإن كنت أنسى فلا أنسى موقف الأخ أحمد شاه الذي عقد صفقه سلاح مع تاجر أسباني وبعد أن تمت الصفقة طلب التاجر الأسباني من أحمد شاه أن يوقع على ورقة يتعهد فيها أن لا يستعمل السلاح ضد اليهود فرفض وألغى الصفقة فقال التاجر: وهل تريدون استعمالها ضد اليهود؟

قال: لا ولكنك تريدني أو أوقع على ورقة أتعهد فيها إيقاف حرب شنها رب العزة على اليهود منذ بضعة عشر قارنا، وألغى الصفقة وعاد فقال التاجر ( ما رأيت شعبا أعز منكم رغم فقركم).

بداية جهاد الانتفاضة:

بدأ بعمليات عسكرية قام بها تنظيم الجهاد الذي يقوده عبد العزيز عودة وفتحي الشقاقي في غزة ومناطقها وكذلك بعض العمليات التي قامت بها سرايا الجهاد وبعض الشباب الراجع إلى الله ضمن فتح، مثل عملية حائط المبكى التي هزت اليهود ثم حصلت عملية جباليا التي داس فيها يهودي أربعة من أبناء المخيم انتقاما لأخيه، ثم تحرك المسلمون وأبناء فلسطين قاطبة وقام أحمد ياسين رمز صمود الحركة الإسلامية وبدأ يحرك أبناء الحركة الإسلامية وبدأ الشارع الفلسطيني يرجع إلى الله على أصداء نغم الله أكبر خيبر خيبر يا يهود، دين محمد سوف يعود واشترك في هذا المجال جميع الطبقات والفئات من أبناء فلسطين وبدأت المنظمة تدخل الأموال لدعم الانتفاضة ولكن (حركة المقاومة الإسلامية: حماس) قد برزت بشكل منظم واضح وأخذت تشتد يوما بعد يوم ويصلب عودها ويقوي تيارها وبدأت تستحوذ على اهتمام الجماهير وإعجابهم بسبب التزامها ونظامها ونحن نرقب ذلك اليوم الذي يتحول فيه الحجر بأيدي حماس إلى رصاص وتبدل الحجر وتحل القنبلة والبندقية وهذا سهل بأمر الله إذا وجد الشباب الذين ينتزعون سلاحهم من أيدي أعدائهم ويقاتلونهم به ونرقب اليوم الذي تهتز الأرض فيه تحت أقدام اليهود وتزيغ فيه أبصارهم ونبتهل إلى أن يفتح لنا ثغرة إلى فلسطين نزاول فيها عبادة القتال وفريضة الجهاد وما ذلك على الله بعزيز ﴿ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا﴾

قيام الدولة الفلسطينية

وعندما أعلنت حماس عن هويتها وأنها فرع من حركة الإخوان المسلمين انتفضت الدنيا كلها هلعا وتداعت دول الكفر من كل ناحية وبسرعة كالبرق الخاطف اجتمع المجلس الفلسطيني بإيحاء من هذه الدول وأعلن قيام الدولة الفلسطينية التي ليس لها شبرا أرض تقف عليه فهي معلقة في الهواء وليس بيدها أية ورقة ضاغطة على اليهود فلا الموقف العسكرية القوية التي تحسم القضايا ولا الأرض الصلبة التي تستوي قائمة عليها.

وخلال أسبوع تعترف بها خمسون دولة تقريبا ثم فطنت أمريكا أنها تسرع بالاعتراف فأخرجت مسرحية تأشيرة أبي عمار لدخول أمريكا واعترفت المنظمة بدولة إسرائيل على مرأى من العالم كله وقال أبو عمار: هل يرضيكم هذا؟

فقالت أمريكا: لا بل لابد من أن تقرأ الكلمات التي نكتبها لك وكتبت له الكلمات وأعاد قراءتها على شاشة التلفاز على مرأى ومسمع من الدنيا كلها ومع هذا كله ولا زالت إسرائيل رافضة أن يجتمع بالمنظمة واعترف بالمنظمة حتى الآن أكثر من مائة دولة.

وصورة أخرى مشرقة تقابلها من فوق ذري الهندوكوش من أولئك الأبطال الذين دوخوا روسيا فولت على أعقابها خاسرة وقد مزق شملها وتشتت جمعها واندحرت على أدبارها خاسئة ذليلة تحدث لمن بعدها من دول الكفر قائلة:

(أنج سعد فقد هلك سعيد):

فقد طلب ريغان بنفسه مقابلة حكمت يار ورفض فأرسل له رسالة مع ابنته مورين ريغان فرفض مقابلتها ودعي من الكونجرس ورفض مقابلته وقابل يونس خالص ريغان وعرض عليه الإسلام، ورفض خالص مقابلة كوردوفيز مندوب الأمم المتحدة أكثر من مرة وأعلن مجددي أننا لن نقابل روسيا، وعندما طلب فورنتسوف وكيل الخارجية الروسية مقابلة رباني اشترط عليه شروطا:

1- أن تكون المقابلة في أرض إسلامية كالسعودية وباكستان.

2- أن لا تتضمن المباحثات شكل الحكومة القادمة.


3- أن يدخل الوفد الروسي إلى القاعة قبل الوفد الجهادي حتى يقوم الروس للمجاهدين.

4- أن لا يصافح المجاهدون الروس.


وقبل الشروط كلها وطلب فورنتسوف من رباني أثناء المباحثات أن يدخلوا ثلاثة وزراء مسلمين من حكومة نجيب في دولتهم ريثما يتم خروج القوات الروسية حتى يحفظوا ماء وجوههم أمام العالم فقال المجاهدون:

(إن الإسلام لا يعطي حق الحياة للشيوعي (من بدل دينه فاقتلوه) فكيف يعطي حق الحكم للشيوعي)؟

وهربت روسيا من أفغانستان لا تحمل بيدها ورقة واحد موقعة من المجاهدين، ولا أظن أن المجاهدين حتى الآن قدموا ورقة التماس واحدة لأية دولة من دول العالم الكبرى غربية أو شرقية. ومع هذا كله: فقد قامت دولة المجاهدين في أفغانستان فوق 90٪ من أرض أفغانستان وسيوفهم لا زالت تقطر دما من أعدائهم ومعاركهم التي يخوضونها الآن لتصفية شراذم الشيوعيين الذين يشهقون شهقات الموت لم يشهد لها نظير في شراستها وعنفوانها.

ومع هذا كله لم تعترف بهم إلا السعودية والبحرين والسودان وماليزيا. جزاهم الله خيرا.

أما الدولة الفلسطينية فقد أنيط بها مهمة إخماد نار جهاد الانتفاضة وإطفاء نورها وعبثا يحاولون.

قواعد الشيوخ

1- وعن قواعد الشيوخ يحدثنا الأستاذ عبد الله عيسى في كتابه «متفجرات في مكتب شامير» من صفحة 21- 26فيقول....

في مرحلة مبكرة من بداية الثورة الفلسطينية حاول قادة حركة التحرير الوطنية الفلسطيني «فتح» الاتصال بكافة القوى السياسية والشخصيات الوطنية والإسلامية الفلسطينية لاستقطابهم لصالح الحركة الناشئة وعلى الرغم من أن معظم هذه القوى لم تفرح بولادة هذا المولود الغامض في حينها فقد نجحت بعض هذه الاتصالات وفشل البعض الآخر لأسباب عديدة، أو لعل المثير في الأمر أن شخصيات عديدة غيرت آرائها في حركة فتح بعد نجاحها الساحق والسريع على الساحة الفلسطينية وسيطرتها على منظمة على منظمة التحرير الفلسطينية وحسمها المعركة السياسية لصالحها وربما أسهمت الجذور الإسلامية لقادة حركة فتح في فتح حوار هادئ وبناء مع حركة الإخوان المسلمين التي يحس قادتها بمرارة نحو «جمال عبد الناصر» الذي تنكر لهم بعد مساعدتهم له في ثورة الثالث والعشرين من يوليو وكذلك نحو « حركة فتح» التي كان بعض قادتها أعضاء في حركة الإخوان.

ولم ينس هؤلاء علاقة القادة الفلسطينيين بحركة الإخوان في الخمسينات وأصروا على القول دائما بأن الثورة الفلسطينية بدأت إسلامية وستنهي إسلامية وتجسد هذا الطموح خلال السنوات الأخيرة بإعلان حركة «حماس» داخل الأرض المحتلة وفي تلك المرحلة نجحت «فتح» تحديدا في استقطاب معظم القوى والشخصيات الفلسطينية ولا سيما بعد معركة «الكرامة» لأنها طرحت نفسها كحركة للشعب الفلسطيني لتحرير وطنه بدون إيديولوجية معينة، وبقيت منتبهة إلى مخاطر السقوط في فخ الأيديولوجية ولم تسقط به رغم الضغوط العنيفة التي تعرضت لها في مراحل عدة وبقيت ترى في تبني أيديولوجية ما سيؤدي بها إلى التقوقع والابتعاد عن الجماهير ويفقدها ميزتها الخاصة التي استطاعت من خلالها استقطاب هذه القوى بكافة اتجاهاتها السياسية وعجزة باقي القوى الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطيني إلى الآن عن منافستها.

مع بداية العمل الفدائي تولى مهمة الاتصال بحركة الإخوان المسلمين بشكل خاص الشهيدان «أبو إياد» و «أبو جهاد» ورفضت حركة الإخوان المشاركة في الثورة الفلسطينية إلا بشكل مستقل في قواعد عسكرية خاصة بها وبشكل شري غير معلن، وبعد مفاوضات تم التوصل إلى اتفاق سري بين قيادتي حركتي الإخوان وفتح على إقامة قواعد عسكرية خاصة تقوم «فتح» بتقديم التجهيزات والأسلحة والخبرة والتدريب في حين أن إذاعة العمليات يتم باسم «قوات العاصفة» كما تم الاتفاق على طبيعة هذه العمليات بحيث تقوم حركة الإخوان بتنفيذها بشكل مستقل وأحيانا بالتنسيق مع الجناح العسكري لحركة فتح أي عمليات فدائية مشتركة.

وقد لاقت هذه الصيغة ارتياحا لدى القيادتين لعدة أسباب فحركة الإخوان المسلمين تخشى المتاعب في حال كشف مشاركتها في العمل الفدائي بسبب كثرة الخصوم والصورة الكريهة التي كان الإعلام المصري يبثها آنذاك حولها كما أن حركة فتح كانت تخشى أيضا من جانبها رد فعل الرئيس «جال عبد الناصر» على هذا الاتفاق خاصة أنه قدم للثورة الفلسطينية تسهيلات كثيرة تتوجت بالزيارة التي قام بها الرئيس «أبو عمار» إلى الاتحاد السوفياتي.

وفعلا بعد إبرام هذا الاتفاق بدأ التنفيذ الفعلي وتشكلت القواعد العسكرية الإسلامية أو «قواعد الشيوخ» وكان أبرز قادتها «عبد الله عزام » و«ذيب أنيس» و«أحمد نوفل»

والتزام الجانبان طوال فترة العمل المشترك ببنود هذا الاتفاق ولم يذع بيان واحد باسم حرة الإخوان المسلمين، كما لو لم تكن «قواعد الشيوخ» ثابتة من حيث العدد أو الحجم فكان يصل عددها إلى ست وأحيانا عشر قواعد.

واستمرت هذه القواعد في العمل بنجاح خلال الفترة «1968، 1970» ونجحت بالقيام بعمليات فدائية عديدة بعضها خاص بحركة الإخوان المسلمين والبعض الآخر مشترك مع حركة فتح من حيث الإعداد والاستطلاع والتدريب والتنفيذ وعادة ما كانت تتم المشاركة في العمليات الكبرى.

وكانت حركة الإخوان المسلمين ترى أنه من الحكمة أن يتم التنسيق مع حركة فتح دون غيرها لأنها الأقرب إليهم وبالمقابل كانت قيادة الثورة الفلسطينية تأنس لهم لصدق القصد. وفي تلك الفرتة بدأت العلاقة بين الشيخ «عبدا لله عزام» وحمدي سلطان وأبو حسن قاسم، من خلال العمل الفدائي، وقام «عبد الله عزام » بالمشاركة مع «حمدي» و «أبو حسن» في العديد من العمليات الفدائية أو الاستطلاع وكان لا يفصلهم أحيانا عن الموت سوى أمتار وفي إحدى الليالي كان الشيخ يكمن مع مجموعة من الفدائيين قرب موقع إسرائيل ي للاستطلاع وألق أحد الجنود بحجز صغير أصاب رأسه وصمت ولم يرفع صوته وتندر رفاقه فيما بعد بقولهم الحجر أفضل من الرصاص..

هجوم في الجولان

من أبرز العمليات التي تم تنفيذها وأعلن عنها في قوات العاصفة عملية «دير ياسين» وكانت تستهدف ضرب مستعمرة في الجولان وتدعى «ناحال هجولان» وبدأت العملية مشتركة مع حركة فتح من حيث الاستطلاع وتسجيل الأهداف والتنفيذ فتولت مجموعات قطع الطرق المؤدية إلى المستعمرة وأخرى الاقتحام ومجموعات لتغظية الانسحاب وفي ليلة الرابع عشر من أيلول 1969 كانت المستعمرة الإسرائيلية تتحول إلى بركان من حجم الهجوم المباغت فتم تدير نادي الضباط ومحطة للوقود ومستودعات التموين وسيارات عسكرية إسرائيلية كما يرى شاهد عيان، استغرقت العملية حوالي ساعة ونصف بعد أن تم عزل المستعمرة من قبل القوات المهاجمة من الجهتين الشمالية والجنوبية وذلك بعد منتصف الليل وقد اعترف العدو بقتيل واحد واثنى عشر جريحا محاولا التقليل من شأن العملية وخسائره فيها وفي حين يروي أحد المشاركين بها إلى أن مشاهدات المجموعة الفدائية أحصت حوالي ستين قتيلا إسرائيل يا وكانت خسائر المجموعة الفائية شهيدا واحد وثلاثة جرحى فقط.

ويتذكر الشيخ ذيب أنيس هذه المرحلة التي أشرف خلالها مع الشيخين «عبد الله عزام» و «أحمد نوفل» على هذه القواعد فيقول:

في ليلة الحادي والثلاثين من آب 1969كانت عملية أخرى يتم تنفيذها بالتعاون مع حركة فتح استهدفت ثلاث مستعمرات إسرائيلية متقاربة «دياروينا»و «بيت يوسف» و «بيت يور» وتم الهجوم في ليلة واحدة وكانت أصداؤها مدوية واتفق على تسميتها بعملية الحزام الأخضر.

كذلك تنفيذ عمليات أخرى عديدة قبل أن يتم إلغاء الاتفاق في عام 1970

5- وفي لبنان أصدرت حركة الإخوان المسلمين توصية إلى جماعاتهم بعدم قطع خيوط الاتصال مع حركة فتح وبقيت العلاقة معنوية الاتصالات محدودة رغم أنها كانت ترى في حركة فتح الأقرب إلى الخط الإسلامي كما ذكرنا.

هذه المشاركة في الثورة الفلسطينية أسهمت في قيام حركات إسلامية على الساحة الفلسطينية في مرحة لاحقة مثل حركة «حماس» وهذا يتناسب مع النوايا المعلنة لفتح عند قيامها و«حماس» قامت لتصحح المسيرة ولتنادي قيادة «فتح» بالعودة إلى الأصل.

ومن أبرز القوى الإسلامية التي تشكلت على الساحة الفلسطينية والقريبة من حركة الإخوان المسلمين وهي حركة الاتجاه الإسلامي المجاهد «سرايا الجهاد »وتوثقت علاقاتها مع الإخوان المسلمين ولا سيما مع الشيخ «عبد الله عزام» واستمرت حتى وصوله إلى أفغانستان انتهى.

ويربط الأستاذ عبد الله عيسى في كتابه المذكور بين اغتيال القادة العسكريين في منظمة التحرير حميد سلطان وأبو حسن قاسم ومروان كيالي الذين اغتيلوا في قبرص وبين اغتيال عبد الله عزام لاشتراكهم في الإعداد لتفجير مكتب شامير وتدريب المجاهدين الفلسطينيين في معسكرات تدريب المجاهدين الأفغان.

ويعلل ذلك فيما يلي:

1- ففي تشرين أول 1987 تسربت معلومات إلى سرايا الجهاد الإسلامي من مصادر متعددة مفادها أن المخابرات الإسرائيلية تبحث بشكل جدي عن أسماء الأربعة.

2- حاولت المخابرات الإسرائيلية استدراج الشيخ عبد الله عزام إلى فخ معين ولكنه كان منتبها له فنجاه الله من الكمين.

3- أجرت السفارة الأمريكية اتصالات مع الحكومة الباكستانية تطالب بوقف تدريب الشباب الفلسطيني في معسكرات المجاهدين الأفغان من خلال الشيخ عبد الله عزام كما طالبت بإبعاده عن باكستان فلم تفلح.

4- نظرا لتغلغل المخابرات المركزية الأمريكية في أفغانستان حاولت عام 1988 من خلال السفارة الأمريكية في باكستان إدانة الشيخ عبد الله عزام لتعمل على إبعاده فلم تفلح فلم يبق أمام المخابرات المركزية الأمريكية إلا أن تمد يد العون للموساد الإسرائيلي الذي تمكن بعد دارسة طويلة وضع خطة محكمة قضت على الشيخ عبد الله عزام.

5- وبنفس الأسلوب الإسرائيلي الذي اغتيل به زملاؤه الثلاثة في قبرص.

6- تستر الحكومة الباكستانية عن القتلة حيث وقفت التحقيقات في اغتيال الشيخ عزام فجأة وتهاونت الشرطة الباكستانية في البحث عن المجرمين نتيجة الضغوط الخارجية.

7- رفض وزير الداخلية الباكستاني طلبا تقدم به قاضي حسين أحمد لمناقشة قضية اغتيال عبد الله عزام في مجلس الشيوخ المنعقد في كانوا أول 1989 واعبرها قضية إقليمية تهم بشاور فقط وهذا دليل آخر على رضوخ الحكومة الباكستانية للضغوط الخارجية.

إن ما أورده الأستاذ عبد الله عيسى مؤشرات واضحة على قناعته ودليل واضح على صدق الشيخ عبد الله عزام في الجهاد لتحرير أراضي المسلمين المحتلة دون التميز بين أفغانستان وفلسطين ودليل على تعاون أعداء الإسلام مهما اختلفت مصالحهم على القضاء على روح الجهاد في الأمة المسلمة مهما كلف الثمن، إذ ليس للمستعمرين أصدقاء دائمون إنما لهم مصالحهم الدائمة يتقلبون معها حيث تكون.

حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)

ظهرت تحركات ومظاهرات وإضرابات في الأرض المحتلة بين الحين والآخر ولكن ما إن ظهرت حركة الانتفاضة بتاريخ 1محرم 1409 الموافق 18 آب 1988 حتى استمرت أكثر مما كان متوقعا لها ويعزو بعض المطلعين سبب استمرارها إلى تبني الإخوان المسلمون لها.

ذلك لأنهم لا يخضعون إلى الضغوط الدولية والسياسية ولأن عقيدتهم تأبي عليهم القبول بإنصاف الحلو ولا الاعتراف بالحلول السلمية التي تنح المغتصب شرعية تملك جزء من الأرض السلبية لذا فقد تجاوب الشعب الفلسطيني معها بعد أن يئس من الشعارات التي طرحها دعاة التحرير وبعد أن شاهدوا التنازلات التي رضخوا لها ولنتعرف الآن إلى حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس من ميثاقها.

المادة الأولى:

في المنطلقات الفكرية: حركة المقاومة الإسلامية(حماس) الإسلام منهجها منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان وإليه تحتكم في كل تصرفاتها ومنه تستلهم ترشيد خطاها.

المادة الثانية:

حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عاملي وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث.

المادة الثالثة:

تتكون البينة الأساسية لحركة المقاومة الإسلامية من مسلمين أعطوا ولاءهم لله فعبدوه حق عبادته﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وعرفوا واجبهم تجاه أنفسهم وأهليهم ووطنهم فاتقوا الله في كل ذلك ورفعوا راية الجهاد في وجه الطغاة لتخليص البلاد والعباد من دنسهم وأرجاسهم وشرورهم.

المادة الرابعة:

ترحب حركة المقاومة الإسلامية بكل مسلم اعتقد عقيدتها وأخذ بفكرها والتزم بمنهجها وحفظ أسرارها ورغب أن ينخرط في صفوفها لأداء الواجب وأجره على الله.

المادة الحادية عشر:

استراتيجيتها: تعتقد حركة المقاومة الإسلامية أن أرض فلسطين أرض وقف إسلامية على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة لا يصح التفريط بها أو بجزء منها ولا تملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية ولا يملك ذلك رئيس أو كل الرؤساء ولا تملك ذلك منظمة أو كل المنظمات سواء كانت فلسطين أو عربية.

المادة الثانية عشر:

الوطنية جزء من العقيدة الإسلامية وليس أبلغ في الوطنية ولا أعمق من أنه إذا وطئ العدو أرض المسلمين فقد سار جهاده والتصدي له فرض عين على كل مسلم ومسلمة تخرج المرأة لقتاله بغير إذن زوجها والعبد بغير إذن سيده.

المادة الثالثة عشر:

تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية (كالقبول بمشروع التقسيم) مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدين ولا حل للقضية الفلسطينية إلا بالجهاد .

بدء الانتفاضة

واقع المسلمين في الأرض المحتلة:

لقد استطاعت الحكومة الصهيونية أن تعمل على تدجين الشعب الفلسطيني كي ينشى قضيته ويرضى بالأمر الواقع واتخذت لذلك وسائل متعددة منها التدخل في التعليم لطمس بعض المعالم القومية الإسلامية كما سعت لإفساد أخلاق الجيل وإبعاده عن دينه وشجعت العمال العرب على العمل في مصانع الصهاينة فأدى ذلك إلى هجرة اليد العاملة إلى المصانع مما أضعف الصناعات والزراعة الوطنية اشترت بعض النفوس الوضعية للاستعانة بهم في كشف أي تحرك وطني وشجعت على هجرة العرب إلى الخارج واليهود إلى الداخل فقد نزح من الضفة والقطاع حوالي 24287 نسمة من سبتمبر 1968 حسب إحصائيات رسمية «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» وكان لابد للإخوان أن يتحركوا على اتجاهين:

الاتجاه الأول: الانشغال بتصحيح العقيدة وتقوية الإيمان في النفوس وبث روح الجهاد والاهتمام بالأفكار الفاسدة الوافدة وبيان تهافتها وعدم صلاحيتها وتفوق الإسلام عليها وتعاونوا مع المسلمين الصادقين في بناء الكثير من المساجد وإنشاء الجامعات الإسلامية ولجان الزكاة الإسلامي هو الاتجاه الواضح لدى الشباب المثقف والحمد لله رب العالمين.

أما الاتجاه الثاني: فهو تنمية روح المقاومة والتصدي لأفراد السلطة الصهيونية في مختلف المناسبات ولكنها أعطت الاتجاه الأول الأولوية لأهميته في تأمين القاعدة الصلبة المؤمنة المقاتلة إذ لا فائدة من السلاح في يد الجبناء والمتخاذلين وقد ساهمت في كل المظاهرات والاضطربات والصدامات وقدمت العديد من الشهداء ففي مظاهرات جامعة بيرزيت عام 1986 قدمت الحركة شهيدين من خيرة إخوانها هما صائب أبو الذهب وجواد سليمة كما أقدم الإخوان في 17/5/ 1987 على مهاجمة سجن غزة المركزي حررت فيها ستة من الشباب المسلم في عملية الشجاعية الشهيرة التي أذهلت العدو الإسرائيلي وكان لابد من كسر حاجز الخوف من اليهود فقرر الإخوان المجابهة.

قرار المجابهة:

اتخذت قيادة الدعوة الإسلامية قرارا بدعوة كافة عناصرها في كافة أماكن تواجدهم في فلسطين المحتلة إلى المشاركة في المظاهرات والصدامات مع العدو المحتل بل والدعوة للمظاهرات والصدامات معه وذلك في صيف 1985 (عن الانتفاضة المباركة ص41).

ثم شكلت القيادة الإخوانية الهيكل التنظيمي المسؤول عن ا لعمل الصدامي لمجابهة القوى الصهيونية ووزعت المسؤوليات وعينت القيادات الرديفة بحث تضمن استمرار الانتفاضة وعدم توقفها حين اعتقال بعض قيادتها في الأسر وحددت استراتيجيتها وعلاقتها مع كافة القوى العاملة على الساحة الفلسطينية ثم بدأت روح الجهاد والتضحية وراحت تستعد لمجابهة لا نكوص بعدها ودعت كافة أبناء الشعب الفلسطيني إلى ممارسة دوره في مجابهة المستعمرين فالتهبت الأرض في كافة أرجاء فلسطين وخاصة في غزة حيث خرج المصلون بعد صلاة الجمعة يوم 11/12/ 88 بمظاهرة صاخبة وصل صداها إلى كافة ومدن ومخيمات فلسطين وأصدرت حماس بيانها الأول بتاريخ 15/ 12/ 1987 دعت فيه الشعب إلى التلاحم في تصعيد الانتفاضة المباركة وهددت العدو الإسرائيلي والمستوطنين الصهاينة بأنها ستواجههم بأعنف مما يتوقعون إن هم لجأوا إلى أسلوب العنف كان ذلك بعد أن عبأت شعور الجماهير إثر استشهاد أربعة فلسطينيين في حادثة المقطورة التي نفذها أحد اليهود حيث تحولت مراسم تشيع جثمان الشهداء إلى مظاهرة صاخبة وصدامات عنيفة مع القوات الإسرائيلية في مخيم جباليا بتاريخ 8/ 12/ 1987 ضمت خمسة آلاف متظاهر ثم تبعتها أحداث ومظاهرات في كافة أنحاء القطاع ففي 15/ 12/ 87 خرجت مظاهرة من مسجد الخلفاء انضم إليها الكثيرون من أبناء المخيم وأحاط المتظاهرون بقوات الجيش الإسرائيلي واصطدموا معه بالحجارة وتصدى لهم الجيش بالرصاص فاستشهد الأخ خالد عمار أبو طاقية وفي رفح بتاريخ 16/ 12/ 1987 بعد صلاة المغرب صدر نداء من مسجد تل سلطان ينبه الأهالي إلى حصار اليهود لأهل الحي وسارع أهل الحي واصطدموا مع القوات المسلحة وفي يوم الجمعة خرجت مظاهرة تستنكر هدم منزل الشهيد عطوة أبو سمهدانة الذي اغتال جنديا إسرائيليا وفي 18/ 12/ 87 شهدت القدس أضخم مظاهرة ضمت عشرات الألوف واشتبك المتظاهرون مع قوات الاحتلال عبد باب العمود فأصيب العشرات برصاص العدو وفي 18/ 19/ 12/ 1987 اشتدت المواجهة بين شباب الخليل وقوات العسكريين والمستوطنين إثر محاولة المواطنين اقتحام الحرم الإبراهيمي وفي 20/12/ 87 فرض حظر التجول على المدينة إثر تدمر سيارة عسكرية قرب مبنى البلدية وقد أوردت صحيفة النهار المقدسية نقلا عن مركز الأبحاث بالجيش في عددها بتاريخ 15/ 3/ 1988 إن الجنود الصهاينة تصدوا لـ4454 حادثة في الضفة الغربية ولـ 1303 حادثة في القطاع كما وألقيت ثماني قنابل يدوية أصابت سبعة منها قوات الاحتلال هذا فضلا عما لم يعترف به العدو من أحداث وصعدت الحكومة الإسرائيلية وسائل القمع وصعد المسلمون أعمالهم البطولية واستمرت الأحداث تتوالى والبطولات تتعاظم ولا يمكننا أن نسجل كافة الأعمال البطولية لأنها تحتاج لكتاب مستقل ولكننا ذكرنا بعضها على سبيل الاستشهاد لا على سبيل الحصر اسمع إن شئت إلى ما كتبته صحيفتنا القدس والنهار المقدسيتان في عدده الصادرين في 16/ 6/ 1988 إحصائية منقولة عن مجلة صهيونية قولها: إن معدل حوادث الصدام بين العرب والجيش بمعدل تسعة عشر حادثة يوميا وإن قتلى العرب 156 شخصا وأضافت أن 4231 مظاهرة جرت في الأرض المحتلة و 22 حادثة طعن بالسكين وألقت 887 زجاجة حارقة وجرت 215 عملية احتراق سيارات ومؤسسات صهيونية و 40 حادث وضع عبوات ناسفة هذا ما اعترف به العدو الإسرائيلي نفسه.

المشاركون في الانتفاضة:

الذي لاشك فه أن الإخوان المسلمون هم الذين بدأوا الانتفاضة ونتيجة دراسة وتخطيط بدأت بالأعداد الفكري والإيمان ثم بالإعداد النفساني لكسر حاجز الخوف من لقاء العدو الإسرائيلي فكانت الانتفاضة ثم تأتي مرحلة المقاومة المسلحة ولقد ضبطت بعض الأسلحة لدى أخوة من قطاع غزة فتحمل الأخ الشيخ أحمد ياسين قائد حركة المقاومة مسؤوليتها ليبعد المخاطر عن إخوانه الآخرين.

وهذا لا يعني أن الإخوان هم وحدهم الذين يقومون بمجابهة المستعمرين الصهاينة لقد تجاوب الشعب الفلسطيني بكافة اتجاهاته ومنظماته حتى المنظمات والأحزاب التي كانت تعلن عن قناعتها بعدم جدوى مقاومة ومجابهة الاستعمار الصهيوني والتي كانت تدعو للتعايش معه بسلام كالحزب الشيوعي مثلا فقد اضطرت للالتحاق بالمقاومة لكي لا توصم بالخيانة ولكي لا تفقد ثقة الشعب بها وهذا ما يؤكد أن حماس هي التي بدأت الانتفاضة قبل غيرها ومما لا شك فيه أن اشتراك كافة فئات الشعب بالمقاومة عزز الانتفاضة زادها قوة وصلابة وجعل خطرها على المستعمرين كبيرا وليس ذلك على الإخوان بغريب فهم أول من تصدى للصهاينة عام 1948 وكسبوا خلالها ثقة الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي ومن المشاركين في الانتفاضة:

1- تنظيم الجهاد الإسلامي: وهو ليس تنظيما جماهيريا بل هو تشكيل عسكري تموله الحكومة الإيرانية وتحظى بالتالي بولائه لها ما حسر التأييد الشعبي عن اتباعه ويكاد ينحصر تواجده في قطاع غزة وعلى نطاق محدود وهم أقرب المنظمات إلى منظمة فتح لالتقائهم في فكرة إمكانية لقاء الدين والعلمانية ويختلفون مع حماس لأن قادتها يصرون على أن الإسلام هو الحل الوحيد لمشكلة فلسطين وأن الجهاد هو الطريق الوحيد للتحرير وأشهر قادة تنظيم الجهاد في غزة عبد العزيز عودة وفتحي الشقاقي.

2- حزب التحرير الإسلامي: فلقد ساهم بالانتفاضة وتبنى أسلوبها والدعوة للمشاركة يها بل يقال إنه قاد مظاهرة في المسجد الأقصى ويعتبر هذا تحول جذري في خطته وهم يشاركون فتح قناعاتها كتنظيم الجهاد .

3- جماعات صغيرة وعلماء: ومسلمون مستقلون استجابوا لنداء الجهاد وساهموا كل حسب طاقته.

4- القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة: وتضم منظمة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية والديمقراطية وقد أعلن الحزب الشيوعي انسحابه منها وأنكرت منظمة الجهاد علاقتها التنظيمية بهم وهذه الأخيرة تسعى لتجاهل دور حماس في الانتفاضة وتفرض على نشاطها تعتيما إعلاميا ارتاحت له الجهات الاستعمارية والتزمت به ولكن الحقيقة وإن حجبت بعض الوقت فلن تحجب كل الوقت وما هي إلا أن بدأت أخبار حماس ونشاطاتها تغزو وكالات الأنباء العالمية والحمد لله رب العالمين.

وأما تواجد هذه المنظمات فهو كما يلي:

1- قطاع غزة محسوم جماهيريا لصالح حماس.

2- في الضفة الغربية تشارك القوى الأخرى حماس في قيادة الجماهير غير أنه بتصاعد الانتفاضة واستمرارها أصبحت حماس تتمتع بتأييد جماهيري لا نظير له في قري ومخيمات رام الله وجنين وقراها ومخيماتها والخليل وقراها ومخيماتها وفي نابلس والقدس ويقل تواجدها في بيت لحم وقراها وفي طول كرم وقراها وإن كان بدأ التأييد الشعبي لصالح حماس أخيرا في طول كرم ولا زالت الانتفاضة مستمرة الحمد لله تعالى.


وهي بحاجة لدعم المسلمين المادي والمعنوي لأنها تحمل عبء الجهاد عنهم ولأنها أعادت الأمل للنفوس بعد أن كاد يتملكها اليأس.

رأي في الصلح مع اليهود

قال تعالى: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا﴾ [المائدة:72]

منذ أن أعلن وعد بلفور وتم تقسيم فلسطين وفتاوي العلماء المسلمين تتوالى معلنة تحريم بيع أرض فلسطين المسلمة لليهود وتعلن تحريم مهادنتهم على اقتسامهم وتأثيم المسلمين المتهاونين في تحريرها قد يستغرب البعض هذا الموقف نظرا لأن الإسلام يدعو للمسالمة ﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله﴾ ولتوضيح هذا الالتباس أقول مستعينا بالله تعالى:

أ‌- ما جنح اليهود للسلم في يوم من الأيام أبدا وما صدقوا يوما في طلبهم للصلح إلا إذا كانوا ضعفاء ويريدون أن يتقووا على عدوهم خلال هذه الهدنة ذلك لأن الغدر طبيعة متأصلة فيهم ولتأكيد ذلك ارجع إلى تاريخهم القديم.

(1) لقد احتالوا على الله وكادوا لرسله فقد أمرا بالامتناع عن الصيد يوم السبت وكثرت الأسماك يوم السبت واصطادوها يوم الأحد قال تعالى: ﴿واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون﴾[الأعراف: 163] لقد حاولوا قتل سيدنا عيسى وصلبه كما حاولوا قتل الأنبياء من قبله يقول تعالى: ﴿لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريق كذبوا وفريقا يقتلون﴾ [المائدة: 70]

(2) خيانة عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وغدرهم به: لقد أمنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وأعطاهم حقوقهم كاملة في وثيقة المدينة المشهورة ولكنهم ما لبثوا أن اعتدوا على نساء المسلمين وحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسم ورمي حجر عليه من فوق السطح كما انقلبوا على المسلمين وغدروا بهم يوم الخندق وبدأ يهود خيبر بالاستعداد للمعركة الفاصلة مع المسلمين فعاجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن جزيرة العرب جزاء مكرهم وخياناتهم المتكررة قال تعالى: ﴿أوكلما عاهدوا عهد نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون﴾ [البقرة: 100]


(3) لما عجز اليهود عن مجابهة المسلمين وجها لوجه لجأوا إلى التخريب من داخل الصف واستطاع عبد الله بن سبأ اليهودي المتظاهر بالإسلام أن يوهم المسلمين بصدق إسلامه وادعي حب آل البيت فأله الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه فغضب عليه وحاول قتله ثم استطاع ابن سبأ أن يضع نواة الفرق الغالية التي راحت تسعى في الفتنة بين المسلمين إلى أن تمكنوا من قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه وأحدثوا في الإسلام فتنة لا زالت آثارها حتى عصرنا الحاضر.

ولما عجز اليهود عن شراء أرض فلسطين من السلطان عبد الحميد استأنفوا دورهم في التخريب من الداخل فحركوا يهود الدونمة المتظاهرين بالإسلام فأنشأوا الجمعيات الوطنية القومية التي تمكنوا بواسطتها من القضاء على الخلافة الإسلامية وراح أتاتورك يمعن في الإسلام فتكا وتمزيقا.

(4)- ولما أدركوا أن سري قوة المسلمين ترجع إلى قوة تعاليم الإسلام حاولوا أن يشككوا المسلمين في إسلامهم فأوعزوا إلى المتخصصين منهم أن يتحركوا: فطرح ماركس نظريته المادية وفرويد نظريته الجنسية ودارون نظرية التطور شغلوا المسلمين بها عن دينهم نصف قرن من الزمن حتى كشف الله زيف هذه الترهات فتداعت علميا وتطبيقا ﴿فأما الزبد فيذهب جفا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾

(5)- وفي عام 1948 استطاعوا أن يتواطؤوا مع بعض الحكام على تقسيم فلسطين وإن أحسنا الظن فنقول إنهم استطاعوا أن يخدعوا بعض الحكام في الوصول لتحقيق أغراضهم ولم يطلبوا خلال هذه الحرب سوى هدنة واحدة استطاعوا خلالها أن يستوردوا السلاح والمقاتلين وخاضوا عبدها معركة رابحة برعاية ودعم حكومة الانتداب البريطاني والمتعاونين معها.

(6)- اليهود أمة عدوانية عنصرية يتوهمون بأنهم شعب الله المختار وأن الأميين أبتاع باقي الديانات الأخرى خلقوا لخدمة بني إسرائيل لذا سمحوا لأنفسهم باستخدام كافة الأساليب المشروعة وغير المشروعة للتسلط على اتباع الديانات الأخرى فلقد استطاعوا أن يسيطروا على الدول الكبرى بأموالهم ومؤسساتهم الاقتصادية وبجمعياتهم السرية وبالجنس وبوسائل الإعلام التي أسسوها حتى تمكنوا من السيطرة الخفية على العالم هذه الوسائل جعلتهم أمة محتقرة في أوربا وغيرها وكانت كلمة يهودي مسبة لصاحبها واسمع إن شئت إلى أقوال بعض رجالات الغرب:

يقول أدولف هتلر في كتاب كفاحي ما يلي: (إن اليهود لا يمكنهم أن يؤلفوا منظمة دينية لأنهم لا مثالية عندهم ولأنهم لا يتطلعون إلى ما وراء عالمنا هذا فالتلمود لا يشير بكلمة إلى العالم الآخر) هذا يدل عن انحطاط أخلاقهم أما عن ماديتهم فيقول: (وبدأو اليهود بقرض الناس مالا بفائدة فاحشة ولم يكن الآريون قد اعتادوا هذا النوع من القروض فما تنبهوا إلا بعد فوات الأوان وبعد أن احتكر اليهود التجارة والأعمال الفنية ثم شغلوا في المدن أحياء خاصة بهم مؤلفين دولة ضمن دولة ولكن الربا الفاحش أفقدهم عطف السكان واشتدت النقمة عليهم عندما راحوا يسترهنون الأراضي الواسعة ويتحكمون برقاب مالكيها وفلاحيها مما جعل ضحاياها تتألب عليهم وقد اكتشف من هؤلاء الغرباء طفيليات مزعجة وخطيرة). (كفاح – 177).

يقول الفيلسون المؤرخ الفرنسي غوستاف لايون في كتابه اليهود في تاريخ الحضارات الأولى: لم يكن تاريخ اليهود الكئيب غير قصة لضروب المنكرات فمن حديث الأساري الذين كانوا ينشرون بالمنشار أحياء والذين كانوا يشوون في الأفران فإلى حديث سكان المدن الذين كانوا يذبحون من غير تفريق بين الرجال والنساء والشيب والولدان (عن كتاب اليهود في القرآن ص45).

وما مذابح دير ياسين ورضخ أيدي الأطفال الانتفاضة بالحجارة عنا ببعيد لذلك طردوا وحوربوا من معظم دول أوربا للخلاص من شرورهم.

(7)- اليهود أمة استعمارية توسعية: إنها تطمع في ضم البلاد العربية إليها من النيل إلى الفرات إلى المدينة المنورة وقد سجلت هذا الشعار على مدخل الكنيست: حدودك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات وباعتبارها الطفل المدلل لأمريكا فإنها تخالف الأعراف والقوانين الدولية التي تقضي بانسحابها من القطاع والضفة بل إنها تتحدى العالم وتقيم المستعمرات في الضفة والقطاع دون اكتراث بأحد. بسب الدعم غير المحدود لها من أمريكا التي تعتبرها مخلب القط لها ومركز انطلاق للتسلط على العالم العربي الإسلامي.

أما الخطان الأزرقان في عمهما فيشيران إلى النيل والفرات التي تطمح بالوصول إليهما.

(8)- والآن نسأل العقلاء

أ‌- ما هي الضمانات التي تبرر لنا مصالحة اليهود الصهاينة المفسدين في الأرض الضالعين في الخيانة المكر والتأمر والذين لا عهد لهم ولا ذمة على كافة حقب التاريخ والذين لم نعرف عنهم سوى الحق الأسود على الإسلام والمسلمين والبطش والتنكيل بخصومهم أجمعين.

الضعيف عادة هو الذي يهادن ويرغب بالصلح فهل إسرائيل التي تعتبرها أمريكا جزءا منها والتي لا زالت ألمانيا تدفع لها الإتاوات حتى الآن والتي توجه اقتصاد العالم وتسيطر على وسائل الإعلام فيه هل تعبرون إسرائيل صادقة بطلب الصلح ألت ترون أن الفلسطينيين يتراجعون خطوة خطوة عن مطالبهم وهي تزداد تعنتا وصلابة خطوة خطوة ألا ترون معي أنه لا عهد لحقود مخادع بطاش تحركه القوي الاستعمارية التي تطمع بالسيطرة علينا يقول الحكماء من جرب المجرب حلت به الندامة «ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب‌- ترى ألا تعتبر أي معاهدة سلم معهم اعترافا منا بحقهم في الأراضي التي يحتلونها شتان بين أن نسكت لضعفنا وعدم استطاعتنا إجلاءهم عن بلادنا مع استمرارنا بالاستعداد لمعركة المصير، بين أن نستسلم للأمر الواقع ونمنحهم الشرعية الدولية على امتلاك أرضينا قد يتعلل البعض بأن أشقائنا العرب لا يساعدوننا على تحرير الأرض الفلسطينية ونحن ضعفاء فلم يبق أمامنا إلا الحل السلمي فهو أفض من التشرد والضياع وأقول المهادنة ليست أفضل بل أسهل من المقاومة لا تعالجوا الخطأ بخطأ أكبر ولا تعيدوا تجاربكم السابقة دون الاستفادة منها، لا تلجأوا إلى الآخرين ليساعدوكم على التحرير ولا تربطوا جهادكم بمساعدتهم.

اعتمدوا على أنفسكم وخططوا لاستعادة أرضكم واستعدوا لمعركة المصير إن كنتم صادقين في التحرير وعندها ستجدون من الشعوب العربية المسلمة ما تقر به أعينكم خذوا بأسباب القوة حبل من الله وحبل الناس إعداد مادي عسكري وإعداد روحي معنوي وثقوا أن النصر لكم واعلموا أنه ما خرج مستعمر أو طامع من أرض بالحلول السلمية لم يخرج إلا بالقوة لا تستعجلوا النصر ولا تدعوا الملل يتسرب إلى النفوس مهما طال أمد التحرير فالله معكم ولن يتركم أعمالكم.

رحم الله الشابي إذ يقول:

إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر

إن ما يحاول الغرب والشرق فرضه علينا من حلول استسلامية تمكن اليهود في أرض فلسطين لدليل جديد على استمرار ضلوعهم في التآمر بغية الإجهاز على العرب والمسلمين والتمكين لعملائهم الصهيونيين وإن معظم المواقف الفلسطينية والعربية لتؤكد أن الأمة قد فقدت العزة والكرامة وأماتت روح الجهاد ورضخت لتسلط البغاة المستعمرين والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ومع دفع هذا الكتاب إلى أبواب المطبعة صدر قرار منظمة التحرير بقبول الحل السلمي وبالاعتراف المتبادل بين إسرائيل والمنظمة وبقبول مشروع غزة أريجا أولا.

لم أستغرب هذا التراجع الكبير من المنظمة فقد اعترفت بإسرائيل ككيان شرعي في فلسطين كما اعترفت إسرائيل المنظمة التي حارتها طويلا ككيان له الحق أن يعيش عل جزء من أرض فلسطين أعزل من السلاح الذاتي تحت إشراف وسيادة إسرائيل أما المستعمرات والقدس

فيمكن التباحث فيها بعد ذلك وهبط الكرم دفعة واحدة على إسرائيل فسمحت للمنظمة باستلام غزة وأريحا قبل مضي السنوات الخمس ذلك لأن غزة ذات عبء اقتصادي كبير لصغر مساحتها وكثرة سكانها ولأنها عبء عسكري يكلف إسرائيل الخسائر والضحايا شريطة أن تضمن المنظمة استقرار الأمن في غزة يعني تتعهد المنظمة بالقضاء على المقاومة المسلمة الفلسطينية في غزة بدل أن تتحمل أعباء القضاء عليها إسرائيل أما أريحا فإنها مدينة مشؤومة كذا ورد وصفها في الكتاب المقدس والذي أراه أن المنظمة لم تقدم على هذه الخطوة إلا لكي تخلص الفلسطينيين من المعاناة التي يلقونها من بعض الأنظمة العربية ولكن تخلص الفلسطينيين من المعاناة التي يلقونها من بعض الأنظمة العربية ولكن الخطأ لا يعالج بخطأ أكبر وسيسجل التاريخ أسماء الذين أقدموا على هذه الخطوة وستحكم عليهم الأجيال المقبلة وفق النتائج التي تترتب على هذا الوفاق إن خيرا فخير وإن شرا فشر ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾

المراجع

الإخوان في حرب فلسطين: كامل إسماعيل الشريف.

الإخوان المسلمون أحدث صنعت التاريخ: محمود عبد الحليم.

مذكرات الدعوة والداعية: حسن البنا.

مصر وفلسطين: دكتورة عواطف عبد الرحمن.

قافلة الإخوان:

مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف: البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف.

حماس: دكتور عبد الله عزام.

النكبة: عارف العارف.

سجل ذكرياتي: محمد محمود الصواف.

حضارة الإسلام: دكتور مصطفى السباعي.

التيار الإسلامي في فلسطين: محسن محمد صالح.

جماعة الإخوان المسلمين : عوني جدوع العبيدي.

الانتفاضة المباركة.

اليهود في القرآن.

كفاحي: هتلر.

• لقاء مع الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري: عمر الأميري.

• لقاء مع الشيخ عبد المعز عبد الستار: عبد المعز عبد الستار.