المؤامرة على المسجد الأقصى وواجب المسلمين تجاهها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المؤامرة على المسجد الأقصى وواجب المسلمين تجاهها

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..!!

فإن المسجد الأقصى هو أولى القبلتَيْن، وثالث الحرمَيْن الشريفَيْن، وإليه كان مسرى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومنه كان معراجه إلى السماوات العلا، وقد باركه الله تعالى وبارك ما حوله ﴿سُبْحَانَ الَّذِيْ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ الْبَصِيْرُ﴾ (الإسراء:1).

ومكانة القدس الشريف رفيعةٌ عند كل مؤمن بالله.. مسلمًا كان أو يهوديًّا أو نصرانيًّا.. وقد وجدوا في ظل الحكم الإسلامي لها السماحةَ والحريةَ الدينيةَ الكاملةَ، وهي حريةٌ يشهد التاريخُ الصادقُ أنها لم تتحقق إلا في ظل الإسلام، فكم عانَى اليهود والمسلمون لمَّا سقطت القدس في أيدي الصليبيين سنة 492هـ= 1099م، وقد بلغت أعداد القتلى من المسلمين يومذاك عدة آلاف، وقد ذُبِح من لجأ إلى المسجد الأقصى عن بكرةِ أبيهم، وخاض الصليبيون في الطرقات في دماء المسلمين وجثثهم، التي وصل ارتفاعها إلى ركبهم.. أما اليهود فقد احتشدوا في كنيس لهم فأشعل الصليبيون فيهم النيران فاحترق بمن فيه!! ومنذ احتل الصهاينة بيت المقدس بعد حرب 1967م ومعاناة المسلمين هناك تجلُّ عن الوصف، وقد شاركهم بعضها النصارى الشرقيون من أهل المدينة المقدسة على مرأى ومسمع من نصارى أوروبا وأمريكا الذين يقدمون كل الدعم للكيان الصهيوني.

وإذا كان احتلال القدس هدفًا صهيونيًا منذ وطئت أقدام الغزاة الذين تجمعوا من شتات الأرض، فقد كان هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانَه حلمَ الصهاينة الذي لم يَغِب عن بالهم وتصريحاتهم وخططهم يومًا، وقد قال مؤسس كيانهم ابن جوريون "لا قيمة لإسرائيل دون القدس، ولا قيمة للقدس دون الهيكل"!!

الحرب على المسجد الأقصى قديمة

ولم يكن عزم جماعات ممن يسمَّون بـ(المتطرفين اليهود) اقتحامَ المسجد الأقصى يوم 10 إبريل الحالي- وهو الأمر الذي أثار غضب المسلمين جميعًا في أقطار الأرض حتى وجدت السلطاتُ الصهيوني نفسَها مضطرةً إلى منع هؤلاء من تنفيذ خطتهم- لم يكن ذلك أول تهديد للمسجد المبارك، ولن يكون آخره، فهناك نحو20 حركة ومنظمة في الكيان الصهيوني تعلن ليل نهار أنها تستهدف هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل مكانه؛ ولعل أشهرها جماعة جوش إيمونيم وحركة كاخ وجماعة أمناء الهيكل، فضلاً عن عديد من المدارس الدينية المتعصبة التي تتخذ مقرًّا لها في القدس الشريف، وتغذي طلابها بألوان العَداء للعرب والمسلمين وحتمية هدم المسجد، وتضع الخطط لذلك، وتجهِّز الرسوم الهندسية للهيكل البديل، وتعد الجيل الجديد الذى سيخدم في الهيكل بعد بنائه!!

والأمر لا يقف عند مستوى الجهد النظري والإعداد للمستقبل، بل إن عديدًا من المحاولات المحمومة لتنفيذ تلك المخططات قد تم بالفعل ولولا قدرُ الله ثم يقظةُ أهلنا في فلسطين وتعاطفُ جماهير أمتنا معهم لكان المحظور قد وقع بالفعل..!!

فلما أتم الصهاينة احتلال المدينة المقدسة سنة 1967م، دخلها وزير الدفاع آنذاك (موشى ديان) خلف الحاخام الأكبر للجيش الصهيوني ليؤدي الجميع الصلوات عند حائط البراق، الذي يسميه الصهاينة حائط المبكى، ويهتف الجميع "يا لثارات خيبر..!!"، ويومها قال ديان "اليوم فتحت الطريق إلى بابل ويثرب" يعني المدينة المنورة!!

أما رئيس الأركان وقتها ورئيس الوزراء فيما بعد (إسحاق رابين) فإنه لما اقترب من حائط البراق يومها قال: "حائط المبكى الذي يميِّز إسرائيل.. لقد كنت أحلم دومًا بأن أكون شريكًا- ليس فقط في تحقيق قيام إسرائيل- وإنما في إعادة حائط المبكى إلى السيطرة اليهودية".

أما مؤسس الكيان الصهيوني (ديفيد بن جوريون) فقد قال آنذاك: "إن شعبي الذي يقف على أعتاب المعبد الثالث (يعني الهيكل) لا يمكن أن يتحلى بالصبر على النحو الذي كان أجدادُه يتحلَّون به"، وصرخ (مناحم بيجين) قائلاً: "آمُل أن يعاد بناء المعبد في أقرب وقت، وخلال فترة حياة هذا الجيل"!!

ومن يومها بدأ العمل حثيثًا لإحاطة المسجد الأقصى بالمغتصبات الصهيونية ليذوبَ وسط بحرٍ صهيونيٍّ متعصِّب حاقدٍ، ولتغيير الواقع على الأرض، ففتحوا الطريق الموصل إلى حائط البراق ليسهُل مرورُ اليهود إليه، وهدموا حي المغاربة ليقيموا حيًّا لليهود في المدينة المقدسة، وأقاموا الجامعة العِبرية على قمة جبل المكبر، الذي أسمَوه (جبل صهيون)، ضمن جهودهم لصبغ الأشياء والأسماء بالصبغة الصهيونية..!!

ثم بدأ سعيٌ محمومٌ متواصلٌ للحفر تحت أساساتالمسجد الأقصى ، وتوسيع تلك الحفريات، وكان أخطرها ذلك النفق الطويل الواسع، الذي يخترق المسجد من غربه إلى شرقه، وقد حصَّنوه بالأسمنت المسلَّح، وأقاموا فيه كُنيسًا صغيرًا افتتحه رئيس وزرائهم ورئيس دولتهم رسميًّا سنة 1986م، واتخذوا معبدًا مؤقتًا لليهود أسفل المسجد، والهدف الواضح من كل ذلك هو تفريغ الصخور والأتربة من تحت المسجد ليظل قائمًا في الفراغ، متعرضًا للانهيار بفعل تقلبات المناخ أو أي هزة أرضية..!!

حريق المسجد الأقصى

ولم يكن إقدام شاب نصراني أسترالي (يُدعَى دينس مايكل) على محاولة إحراق المسجد الأقصى في أغسطس 1969م هو العمل الخطير الوحيد في هذا الصدد، وقد أتت النيران يومها على منبر المسجد الذي كان نور الدين محمود قد أعدَّه ليخطب عليه الجمعة بعد تحرير المسجد من رجس الصليبيين، فمات قبل أن يبلغَ مرادَه، فحمله إليه صلاح الدين بعد تحريره، وقد حكمت السلطات الصهيونية وقتها على ذلك الشاب بعدم تحمله المسئولية الجنائية؛ لأنه مجنون!!

وسار في ذات الطريق آخرون، فاكتُشفت أكثر من مرة بالمسجد متفجراتٌ مخبوءةٌ من مواد شديدة الانفجار لنسف المسجد، وتعددت محاولات اقتحامه والإفساد فيه، وكان أخطرها ما قام به السفاح شارون قبل أن يتولى رئاسة وزرائهم- في حراسة الشرطة الصهيونية- وتفجَّرت على أثرها انتفاضة الأقصى المبارك سنة 2000م.

المخطط إذن قديمٌ وماضٍ ومستمرٌ، ولعل هذه المحاولات التي تأخذ طابع التعجل والهوس الديني الظاهر ليست أكثر من بالونات اختبار لتمديد الموعد المناسب للضربة النهائية، وبدون هذه المحاولات التي تحظى بالاهتمام الإعلامي البالغ فالعمل يسير في جانبَين يحققان المطلب الصهيوني كاملاً:

أولهما: الاستمرار في الحفر أسفل المسجد؛ مما يجعله مهددًا بالانهيار في أي وقت.

ثانيهما: إحاطة المسجد بسياج من المغتصبات (المستوطنات) اليهودية؛ بحيث تتعذر على المسلمين سهولةُ الوصول إليه أو المرابطةُ فيه لحمايته، وكان آخر ذلك إعلان حكومة شارون عن تخصيص عدة ملايين لتوسيع إحدى تلك المغتصبات شرق القدس..!!

ماذا نحن فاعلون

لم يعُد مثيرًا للاهتمام أن لا يتجه أحد المحللين في المحنة الأخيرة التي استهدفت اقتحام المسجد الأقصى بحديثه إلى حكام المسلمين، أو التعويل عليهم، وكأنه بات من المسلَّم به أنهم خارج دائرة الأمل والرجاء، أو خارج دائرة الحياة والزمن!!

فلم يغيِّر الخطر المحدق من سلوكهم شيئًا، ولم يكلف أحدهم نفسَه بإصدار بيانات الشجب والإدانة التي طالما اعتبرتها شعوبنا مادةً للتندُّر والسخرية، وما زالت زيارة شارون لتونس يُجرَى الإعدادُ الحثيثُ لها، وما زال سفيرا العدو في مصر والأردن يغدوان ويروحان دون الشعور بأدنى حرجٍ.. بل إن وزير خارجيتهم سلفان شالوم جاء القاهرة ليطلب من حكومتها وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني، والعمل على تقويض البنى التحية للمنظمات الفلسطينية المجاهدة، ولم ينعت أحد المسئولين المصريين ذلك الطلب بالوقاحة والجرأة؛ إذ يريد توظيف الدور المصري لتحقيق مآرب العدو المغتصب!!

أما لجنة (القدس)- المنبثقة عن جامعة الدول العربية، والتي يرأسها عاهل المغرب- فلم يَسمع عنها أحدٌ شيئًا، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، والذين يولُّون وجوههم شطر أمريكا- من أبناء أمتنا- لم يندهشوا أن تَخلُوَ أجندة اجتماعات بوش وشارون من أي حديث عن المسجد والتهديد باقتحامه، على أنه عمل من أعمال العدوان، يستهدف أرضًا محتلةً وأمةً تمتد من شرقي آسيا إلى غربي إفريقيا، بل هلَّلوا لمطالبة بوش لشارون بالتريث في أمر المغتصبات (المستوطنات) على الأرض المحتلة، التي نظر الرئيس الأمريكي إلى بعضها على أنها غير شرعية، بينما أسبغ وصف الشرعية على بعضها الآخر، وخاصةً تلك المغتصبات الكبرى التي أعلن مرارًا أنها من حق الكيان الصهيوني.

العبء الأكبر إذن والمسئولية العظمى تقع على عاتق شعوبنا الصابرة المجاهدة، فعليها- دون أن تنتظر عونًا صادقًا من غيرها- أن تتحمل قدَرَها في الدفاع عن مقدساتها، وعلى رأسها مسرى النبي- صلى الله عليه وسلم- ومعراجه، والطريق إلى ذلك يبدأ بالوعي بحقيقة المعركة، وأن الإسلام- في القلب منها- هو المستهدف قبل كل شيء، وهو المنجاة والملاذ رغم كل شيء.

لقد اجتهد الصهاينة كثيرًا أن يُبعِدوا الإسلام عن ساحة صراعهم مع أمتنا، وجنَوا كل مكاسبهم لمَّا خاضوا ذلك الصراع تحت رايات وطنية ضيقة أو قومية محدودة تستبعد الإسلام وتُقصي الدعاة إليه..!! لقد كان مؤسس الكيان الصهيوني (ديفيد بن جوريون) يقول: "نحن لا نخشى خطرًا في المنطقة سوى الإسلام"، وكان موشي ديان يقول: "إن دول الغرب- وعلى رأسها الولايات المتحدة- عليها أن تعطيَ اهتمامًا أكبر لإسرائيل، باعتبارها خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية في وجه أعاصير الثورات الإسلامية"، وكان شمعون بيريز يقول: "إننا لن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمِدَ الإسلام سيفه إلى الأبد".

غير أن الإسلام لم يغمِد سيفَه، بل أشهرَه حاليًا في وجه المعتدين، ومثَّلت الصحوة الإسلامية حائطَ الصدِّ لذلك العدوان والتوسع على حساب أمتنا، وظهر جيلٌ جديدٌ من الشباب المؤمن المجاهد، وجدناه في فلسطين يغيِّر خريطة الصراع وآلياته ومساره، بحمد الله عز وجل.

وإن على الصهاينة أن يُدركوا أن المسجد الأقصى يمثل الخطَّ الأحمر، الذي لا يمكن تجاوزه أو إهماله دون نتائج كارثية تحيط بهم، وإن الحكام المسلمين- الذين قاموا بدور مشهود في حماية حدود الكيان الصهيوني، وضمان تفوقه على شعوبنا، وما زالوا يمارسون هوايتهم في التراجع أمام الصهاينة، والهرولة نحو تطبيع العلاقات معهم- لن يكونوا بمنجاةٍ من غضب تلك الشعوب إن مسَّ المسجد الأقصى سوءٌ.

وإن استمرار التربية الجهادية لشبابنا- التي ترفض الانصياع للعدو، وتسعى إلى تحقيق العزة للأمة- هي السبيل الذي لا نرى غيره، وإن من مظاهر ذلك: الاستمساك بهدي الإسلام وعقيدته، ودوام ذكر الله تعالى، وطاعته، واستحضار نية الجهاد إن لم نكن قادرين على ممارسته بالفعل.. "من لم يغزْ ولم يحدثْ نفسَه بالغزو مات على شعبة من شعب النفاق".

وإن استمرار دعم المجاهدين في فلسطين وغيرها من أرض الإسلام، ودوام التذكير بأهمية المسجد الأقصى، والاحتشاد من أجله، مع تنامي الدعوة لمقاطعة منتجات العدو، وإحباط خططه لغزو أسواقنا وتهميش اقتصادنا وتدويره ضمن سياساته وأغراضه.. إن كل ذلك خطوات على الطريق لا بد منها، وإن النصر لآتٍ بلا رَيب، هذا موعود ربنا.. ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لقَوِيُّ عَزِيْزٌ﴾ (الحج:40).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين

القاهرة

في: 4 من ربيع الأول 1426هـ

الموافق 14 من أبريل 2005م

للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية