الإخوان والقضية الفلسطينية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والقضية الفلسطينية


مقدمة


تحظى "فلسطين" بمكانة خاصة عند كل العرب، ولها أهمية خاصة في قلوب المسلمين في كل أقطار الوطن العربي والإسلامي، ففيها أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم، وهي أيضًا أرض الأنبياء ومهد الرسالات، ومنبع الحضارات، كما أنها موضع تقديس أهل الكتاب - من مسيحيين ويهود - وأرض المعارك الإسلامية المجيدة التي لا توجد فيها ذرة رملٍ واحدةٍ إلا وقد رُويت بدماء الصحابة والتابعين و المجاهدين من السلف .. ولهذا فهي تشكل جزءًا من عقيدة ووجدان المسلمين في شتى بقاع الأرض، وتعتبر أرضها وقفًا إسلاميًا على جميع أجيال المسلمين في الماضي والحاضر والمستقبل إلى قيام الساعة.


يمكن تقسيم مراحل الصراع بين المسلمين عربًا وغير عرب، وبين اليهود وحلفائهم على النحو التالي:


المرحلة الأولى: تأسيس الحركة الصهيونية

حيث تم تأسيس الحركة الصهيونية المستندة إلى فكرة القومية اليهودية، والمتبنية لمشروع إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين "دولة الكيان الصهيونى ..".


ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر تبنى عدد من المفكرين اليهود الدعوة إلى تكوين قومية يهودية، وبلور هذه الدعوة المفكر اليهودي الروسي "بينسكر" في كتابه "التحرير الذاتي" الذي أصدره في عام 1882 م، ومن ثم انبرى ثيودور هرتزل إلى إذكاء نيران الفكرة الصهيونية في كتابه "الدولة اليهودية" الذي أصدره في عام 1895 م، حيث دعا فيه جهارًا إلى تأسيس دولة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين ، ثم تبع ذلك انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال السويسرية برئاسة هرتزل في عام 1897 م، حيث تكرَّسَت في هذا المؤتمر الفكرة الصهيونية، وأخذت الحركة الصهيونية شكلها الحركي والتنظيمي بعد أن هزمت فكرة إقامة الوطن القومي اليهودي- أي دولة الكيان الصهيونى في فلسطين - جميع الاقتراحات الأخرى الداعية إلى إقامتها في أوغندا أو الأرجنتين وغيرها.

المرحلة الثانية: تنفيذ مقررات مؤتمر بال

وهي مرحلة التمهيد لتنفيذ مقررات مؤتمر بال. وقد اتخذت هذه المرحلة مَنْحَيَيْن:

الأول في اتجاه إيجاد ثقل ديمغرافي لليهود في فلسطين من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إليها ..


والثاني في اتجاه الحصول على اعتراف دولي يضفي شرعية على الفكرة الصهيونية ومشروعها لإقامة دولة " الكيان الصهيونى " في فلسطين .


وقد جاءت أول محاولة صهيونية لتهجير اليهود إلى فلسطين في عام 1850 م على شكل مشروع وضعه الصهيوني البريطاني "إيرل. إن. شانتري"، وتبناه وقدمه إلى الدولة العثمانية وزير خارجية بريطانيا "بانشتون"، ولكن الخليفة العثماني المسلم عبد المجيد خان - والد عبد الحميد الثاني - رفض المشروع بحزم.


وعندما انفضح دور اليهود في المؤامرة على قيصر روسيا إسكندر الثاني عام 1881 م، تقدمت منظمة "أحباء صهيون" باسترحام للخليفة العثماني عبد الحميد الثاني للسماح ليهود روسيا المضطهدين بسبب تآمرهم على القيصر بالهجرة إلى فلسطين ، فكان جواب السلطان حازمًا بالرفض.


وفي عام 1892 م حاول بعض اليهود الألمان الاستيطان في منطقة الساحل الشرقي لخليج العقبة، وأقاموا مستوطنة لهم في "المويلح"، فأصدر السلطان أمرًا في 16 شباط/ فبراير 1892 م لقواته المرابطة في السعودية بإعادة المستوطنين اليهود من حيث أتوا.


ثم بدأت محاولات هرتزل بعد مؤتمر بال لإغراء وإغواء السلطان عبد الحميد بكل وسائل الإغراء والإغواء، ومستغلاً وساطة العشرات من الزعماء الأوروبيين لدى السلطان لثنيه عن موقفه الرافض لفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين .


وقد دفعت الدولة العثمانية وخليفتها عبد الحميد الثاني دفعا ثمنًا غاليًا مقابل الموقف الإسلامي الصلب ضد الهجرة اليهودية، حيث استطاع اليهود في نهاية المطاف اجتياز هذه العقبة الكؤود المتمثلة في الدولة العثمانية وخليفتها السلطان عبد الحميد حين تمكنت المحافل الماسونية من الإجهاز عليه وخلعه من الخلافة في عام 1908 م، وتسليم زمام أمور الدولة العثمانية إلى الماسونيين من زعماء حزب الاتحاد والترقي.


ولكن مع كل ذلك فإن دور السلطان عبد الحميد كممثل للضمير الإسلامي الصادق لا يمكن أن يُنسى في مواجهة المخططات الصهيونية ضد فلسطين .


إن بريطانيا إذا حكمت أمة مائة عام ... إن سياستها تحكم بعدها مائة عام أخرى

الإمام حسن البنا يستعرض كتائب الإخوان في حرب فلسطين

فلسطين بلاد عربية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، تلك حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ولكن أبت السياسة الإنجليزية الاستعمارية إلا أن تجعل منها قضية شائكة متشعبة وأن تجعل من شعبها البائس كبش الفداء أمام سلطان اليهود ونفوذهم ولن تجد مشكلة لعب فيها الاستعمار دوراً رئيسياً كهذه المشكلة.


قامت الحرب العالمية الأولى في عام "1914" وتغيرت تبعا لنتائجها أوضاع كثيرة في العالم وورثت بريطانيا وحليفاتها تركة ما سمي بـ" الرجل المريض، دولة الخلافة العثمانية " بمقتضى معاهدة " سايكس بيكو " في سنة "1916" وآلت فلسطين إلى بريطانيا.


فوجدها اليهود فرصة سانحة وقاموا يعاودون السعي فلم يجدوا هذه المرة إعراضا ولا جفاء، ولكن وجدوا تأييدا وعطفا شاملا، مما أغراهم بمضاعفة الجهود والسير بالفكرة نحو التنفيذ.


كان هناك شبه اتفاق بين الحلفاء والجماعات اليهودية على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، واستطاعت الفكرة الصهيونية أن تكسب نصرا جديدا حين عمل بعض زعمائها أمام عصبة الأمم، وترك للجنة منهم رسم الخطة التي تنتهجها دول الحلفاء لإبراز الفكرة إلى عالم الوجود، ومن هنا جاء صك انتداب فلسطين ضربة قاصمة لآمال العرب ومشجعا لليهود على مواصلة الكفاح، ويكفي لإبراز الشذوذ الذي كان يرافقه أن نثبت بعض ما جاء في نصوصه الرسمية.


فقد جاء في البند الثاني من ذلك الصك ما نصه:


تكون الدولة المنتدبة "أي بريطانيا" مسئولة عن جعل البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تكفل إنشاء الوطن القومي اليهودي.


وجاء في المادة الخامسة ما نصه:


يعترف بهيئة يهودية صالحة كهيئة عمومية لتشير وتعاون في إدارة فلسطين في الشئون الاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك مما يؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين .


ونلاحظ أن صك الانتداب قد حوى كل هذه الضمانات لليهود حين كان عددهم في فلسطين لا يكاد يتجاوز "2%" من مجموع عدد السكان، ومما يؤكد تدخل الإنجليز ليخرج الصك على هذه الصورة الشاذة أن نصوصه لم تخرج في معناها عن الوعد المشهور الذي وجهه اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا في 2 نوفمبر سنة 1917 إلى البارون روتشيلد الزعيم الصهيوني الإنجليزي والذي جاء فيه:


إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وسنبذل جهدنا لتسهيل تحقيق هذه الغلبة على أن يفهم جليا أنه لم يؤت بعمل من شأنه أن يضير الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلاد الأخرى.


وهنا بداية مشكلة الأرض الفلسطينية رغم الاحتلال فيما بعد.


ثم انتهت الحرب العالمية ودخلت فلسطين تحت رعاية بريطانيا بعد اتفاقية سايس بيكو بين فرنسا و بريطانيا ، وعينت بريطانيا قائدها اللمبي على فلسطين الذي توجه إليها قادما من مصر ، وبدا بعدها تنفيذ الوعد البريطاني لليهود وقد كان اليهود يشكلون 2% من سكان فلسطين والنصارى 2% والمسلمين 96.


تم فتح باب الهجره اليهودية إلى فلسطين من كل أنحاء العالم فأنشئت الوكالة اليهودية لشراء الأراضي والمزارع والممتلكات وقامت الدول الأوروبية بتعيين مندوب سامي في فلسطين فعينت بريطانيا والتر صامويل وهو من أصل يهودي فشجع الهجرة وامتلاك الأراضي وصار المواطن الفلسطيني محتل مسلوب الأرض فبدأت المقاومة و الجهاد والدفاع.


حاولت بريطانيا تخدير العرب والتقليل من هذا الخطر فأصدرت عدة تصريحات تشير إلى أن الوطن القومي لا يعني قيام حكومة يهودية وإنما لا يزيد على كونه وطنا روحيا لليهود تماما كالفاتيكان للمسيحيين أو مكة للمسلمين و"لإظهار مواهب اليهود الثقافية وتمكينهم من ممارسة حريتهم الدينية" وأكدت في الكتاب الأبيض الذي أصدره المستر باسفيلد وزير المستعمرات البريطانية في عام 1930 "أنها لا ترمي إلى إنشاء حكومة يهودية لأن كل محاولة لتوسيع الوطن القومي إلى نقطة أبعد من تلك التي وصل إليها تعتبر خرقا للعهود المقطوعة للعرب".


بيد أن هذه العهود الزائفة لم تمنع بريطانيا من السير في خطتها المرسومة وأخذت تضع الوسائل إنجاز المهمة التي انتدبت من أجلها في فلسطين .


إن أهداف الصهيونيين هي إبادة العرب جميعا وإقامة هيكل سليمان محل المسجدالأقصى (دكتور ليدر: رئيس اللجنة الصهيونية).

الحقد الصهيوني

ما كادت الحرب العامة الأولي تضع أوزارها حتى شملت البلاد العربية موجة من اليقظة والنشاط، فقامت تطالب بحقوقها وتستنجز دول الحلفاء الوعود التي قطعتها على نفسها للشريف "حسين" عاهل الحجاز بمنح البلاد العربية استقلالها وإحياء مجد الوحدة العربية البائدة، وكان العرب يظنون أن الطريق ممهدة أمامهم لنيل هذه الحقوق بعد ما أعلن الرئيس ولسن مبادئه الأربعة عشر التي أكد فيها حرية الشعوب وحقها المقرر في تقرير مصيرها، غير أن هذه الوعود والعهود لم تلبث أن تلاشت وعلم العرب أنهم كانوا مخدوعين حين وقفوا في صفوف الحلفاء متأثرين بالدعايات الباطلة والوعود الكاذبة، فسارت في البلاد العربية موجة من الحنق لم تلبث أن تحولت إلى عراك مسلح فنشبت الثورات الدامية في العراق والشام وغيرهما.


أما في فلسطين فقد كان الوضع أخطر من هذا بكثير إذ كان على عرب فلسطين أن ينازلوا عدوين كبيرين في ميدان واحد كان عليهم أن ينازلوا العدو البريطاني ممثلا في حكومة الانتداب، وأن يحاربوا أهداف الصهيونية ربيبته وصنيعته، وبصدور صك الانتداب ومن ورائه وعد بلفور، شعر العرب بخطورة المؤامرة التي تدور حولهم فقاموا يدافعون عن حقوقهم بالقوة بعد أن يئسوا من نزاهة الضمير البريطانية ومن تذكيره بالعهود التي قطعها على نفسه، وأصبحت فلسطين منذ ذلك الحين مسرحا لثورات دامية ومعارك عنيفة بين الثوار وقوات الاحتلال، ولا تكاد الثورة تبلغ شدتها حتى يصدر الإنجليز وعدا جديدا ويأمروا بتأليف لجنة من رجالهم لدرس الحالة واتخاذ الوسائل التي تكفل حقوق العرب، فتقف الثورات وتباشر اللجان أعمالها وتقدم تقاريرها وتكون النهاية وعدا جديدا يضم إلى الوعود التي سبقته، بينما تستمر الحكومة في خطتها المرسومة من تقوية اليهود وتثبيت جذورهم.


ومن الإنصاف أن نشير إلى أن المقاومة في فلسطين بعد إزاحة السلطان عبد الحميد، كانت من نصيب أهل فلسطين بقيادة العلماء، وبدعم معنوي متقطع من الشعوب العربية والإسلامية التي كان كل شعب منها منشغلاً بهمومه، كما كان لفتاوى علماء المسلمين بتحريم بيع الأراضي والعقارات لليهود تأثير في إعاقة عملية الهجرة.


ولقد بذل أهل فلسطين بأغلبيتهم المسلمة كل ما يستطيعون من جهد في مواجهة الهجرة اليهودية، وقاموا بصراعات مريرة على كافة الجبهات السياسية والعسكرية والإعلامية من أجل ذلك.


وقد كانت قمة هذه الجهود عقد مؤتمر وطني فلسطيني في الخامس من آذار/ مارس 1919 م أعلن فيه الفلسطينيون بأغلبيتهم المسلمة رفضهم لوعد بلفور، ورفضهم للهجرة اليهودية إلى فلسطين .


ثم ثورة البُراق: ففي يوم العشرين من آب / أغسطس 1929 م اندلعت معركة عنيفة بين المسلمين واليهود والبريطانيين إثر محاولة اليهود الاستيلاء على حائط البراق الشريف، واستمرت المعركة داخل القدس ، وعلى مقربة من حائط البراق الذي يسميه اليهود "المَبْكَى" حتى مساء 23 آب / أغسطس وقتل من اليهود 28، واستشهد 13 من المسلمين، ثم انتقل القتال إلى أنحاء أخرى من فلسطين مما اضطر الإنجليز إلى جلب إمدادات من خارج فلسطين ، واستعانوا بالطائرات، وزوَّدوا العصابات اليهودية بالسلاح، واستمرت الثورة 15 يومًا قتل وجرح فيها 472 يهوديًّا، واستشهد وجرح 338 مسلمًا.


وأعقب الثورة حملة من الاعتقالات، وصدرت أحكام بإعدام 20 من الثُوَّار المسلمين، ونُفِّذَ الحكم في ثلاثة منهم في يوم الثلاثاء 17 حزيران / يونيو 1930 م... وأثارت هذه الأحكام وما أعقبها من إجراءات قمعية ضد عرب فلسطين ، ردود فعل في الوطن الإسلامي، وجاء أول رد فعل عملي في تنادي علماء المسلمين في فلسطين إلى عقد مؤتمر إسلامي عالمي في القدس لنصرة الشعب الفلسطيني المسلم، وانعقد المؤتمر في ليلة الإسراء والمعراج 4 كانون الأول/ ديسمبر 1931 م، وشارك فيه ممثلون للمسلمين من 22 قطرًا.

ثم توالت المؤتمرات الوطنية التي كان يغلب عليها التوجه الإسلامي، والتي كان يشرف على تنظيمها الإسلاميون خاصة الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين ، كما توالت الوفود السياسية في زيارات إلى العواصم الأوروبية لإبراز الرفض الفلسطيني للهجرة اليهودية إلى فلسطين ، ولإبراز الرفض لوعد بلفور.


الإمام البنا والمشروع الصهيوني

الإمام الشهيد.حسن البنا

أحسَّ الإمام الشهيد مبكرًا بمقدمات المشروع الصهيوني الذي يستهدف فلسطين ولم يتعامل مع احتلال الإنجليز لفلسطين كأي احتلالٍ لوطن إسلامي، وبدأ يكتب ويُنبِّه لهذا الخطر الشديد منذ عام 1929 م، محذرًا من تصاعد الخطر اليهودي في فلسطين ، .. ففي مقالٍ كتبه مبكرا عام 1930 م أبدى فيه عدم رضائه عن ردود أفعال المسلمين في مواجهة هذا التحدي؛ لأنها لم تزد عن الاحتجاجات، وأن خطة اليهود تقوم على الاستحواذ عليها بالقوة وطرد أهلها.


وفي هذا الوقت المبكر استوعب الإمام الشهيد أبعاد المشروع الصهيوني والمعلومات المرتبطة به، وتواصل ميدانيًّا مع أهلها، وأرسل الرسل هناك لتكون الصورة أمامه كاملةً.


ولم يكتفِ الإمام بذلك، بل وضع رؤية إستراتيجية للحركة، حدد فيها - رحمه الله - منطلقات وثوابت رؤية الجماعة تجاه هذه القضية؛ حيث ينطلق الإخوان المسلمون في تعاملهم مع القضية الفلسطينية من حقيقة أساسية جوهرها: أن أرض فلسطين هي أرض عربية إسلامية، وقف على المسلمين جميعًا حتى تقوم الساعة، يحرم التنازل عن شبر واحد من ثراها مهما كانت الضغوط، فهي بالتالي أمانة في أعناق أجيال المسلمين جيلاً بعد جيل حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومَن عليها .. وأن قضية فلسطين هي قضية العالم الإسلامي بأسره وليست قاصرةً على أهلها الفلسطينيين، وأن المقاومة بكل أبعادها ومحاورها هي الطريق لاسترداد أرض فلسطين .


ومن كلمات الإمام الشهيد في هذا الشأن:"ليست قضية فلسطين قضة قطر شرقي، ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا".


"احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق.. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم تبرعوا بالأموال للأسرة الفقيرة والبيوت المنكوبة و المجاهدين البواسل.. تطوعوا إن استطعتم لا عذر لمعتذرٍ فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان" (عام 1938 م مجلة النذير).


خطوات الإمام الشهيد وفعالياته

الإمام حسن-البنا المتطوع رقم 1 في حرب فلسطين

رغم أن الجماعة كانت في بداية نشأتها وتواجه مناخًا صعبًا من الاحتلال الإنجليزي والقوى السياسية القديمة المتربصة بها، وكذلك كان الشعب في غفلةٍ وفي حالةٍ من الأزمات الاقتصادية، وتشغل الطبقة المثقفة والوسطى منه القضية الوطنية، إلا أن اهتمام الإمام الشهيد وإدراكه لأهمية الوقت وخطورة الإحداث جعلته يسارع بالعمل في هذا الميدان، ويبذل جهدًا كبيرًا في توعية الأمة وإيقاظها لتتبنى هذا الأمر، وتُدرك مدى الخطر.


واستطاع بفضل الله من سنة 1932 م وحتى سنة 1942 م أن يُحدث تحولاً كبيرًا في الشارع المصري.


ثم يحول هذا التحول إلى وسائل ضغط، وإلى مسارات عملية للدعم والمساندة توجِّت بتفاعل قوي حاشد للأمة في عام 47- 1948 م تحت توجيه وقيادة الإخوان .. واضطرت القوى السياسية العلمانية أن تجاري الأمر، وتلحق بهذا الزخم الشعبي، واضطرت الحكومات أن تستجيب لبعض المطالب، وأن تزايد ببعض الشعارات.


ونشير في إيجاز إلى بعض هذه الخطوات:


التوعية العميقة لأفراد الجماعة، وكذلك توعية الأمة بالقضية وبالأحداث المتتالية بشتى الوسائل والسبل:


أ- انتشار الإخوان في المساجد وفي القرى والنجوع؛ يشرحون للأمة ويوجهونها، وكان لهم دعاء يقنتون به في المساجد، ويردده آلاف الجماهير من ورائهم، ومن كلماته "اللهم غياث المستغيثين وظهير اللاجئين ونصير المستضعفين انصر إخواننا أهل فلسطين ...".


ب- توظيف المناسبات للتذكير بالقضية والتركيز عليها, فأصبح يوم 27 من رجب من عام 1933 م احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج لخدمة القضية وإحياء ذلك في كل عام.


ج- طباعة الكتب وكتابة المقالات والبيانات وتوزيعها على نطاقٍ واسع، وكمثال فقط "كتاب النار والدمار في فلسطين " عام 1938 م، وقد قُبض على الإمام الشهيد بسببه ثم أُفرج عنه .. وكتاب "كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب" عام 1946 م، ثم توالت الكتب من علماء الإخوان ودعائهم حتى يومنا هذا.


توالت عشرات المقالات في مجلات وصحف الإخوان ، وفي كلماتهم للأمة من عام 1933 من هذه العناوين "فلسطين الدامية - فلسطين المجاهدة ... إلخ".


هـ- عشرات الندوات والمؤتمرات والمظاهرات الحاشدة في جميع أنحاء القطر المصري رغم الأحكام العرفية التي فُرضت إبَّان الحرب العالمية، ومنها سلسلة المظاهرات العارمة في 36، وعام 1938 م وما بعده، وقد قبض في هذه المظاهرات على أعداد من الإخوان منهم الشهيد يوسف طلعت في الإسماعيلية والحاج عباس السيسي في الإسكندرية.


ومن أهم هذه المظاهرات المظاهرة الكبرى في ميدان الأوبرا بعد صدور قرار التقسيم، وكانت في 15/12/47؛ حيث جمعت فيها زعماء وقيادات مصرية وعربية، ومن الشخصيات التي تكلمت فيها: رياض الصلح (لبنان)، الأمير فيصل بن عبد العزيز (السعودية)، جميل مراد (سوريا)، إسماعيل الأزهري (السودان)، القمص متياس الأنطوني.



إجراءات عملية للدعم والمساندة على المستوى الشعبي

أ- التبرعات وجمع الأموال لدعم المجاهدين والشعب الفلسطيني في محنة؛ وذلك من جيوب الإخوان ثم من عموم الأمة التي تفاعلت مع حملات التوعية.

ب- في مارس 1935 م تقدَّم الإخوان بمشروع جمع التبرعات والأموال لمساندة قضية فلسطين إلى كل الهيئات الشعبية.

ج- حملة قرش فلسطين التي بدأت مع عام 1939 م وتبناها الإخوان ونجحوا فيها.


د- حملة المقاطعة للمؤسسات اليهودية الموجودة في مصر ، وقد بدأت من عام 1936 م، وأصدر الإخوان بذلك قائمة بهذه المؤسسات، ودعت المصريين إلى عدم التعامل معها؛ حيث كانت تمول عملية الاستيطان اليهودي.

تحريك القوى السياسية والشخصيات الوطنية المصرية والعربية في مؤتمرات وفعاليات للخروج بإجراءات عملية لمساندة ودعم القضية، وتقديم المقترحات العملية في هذا الشأن:

أ- في عام 1936 م دعا الإمام البنا إلى عقد اجتماع للقوى الوطنية والعلماء والمفكرين في مصر خاص بهذه القضية، وانبثق عن الاجتماع لجنة عليا لمساندة فلسطين برئاسة الإمام البنا وأعضاء من كبار العلماء والمفكرين، وأرسلوا برقيات المساندة للشيخ أمين الحسيني .


ب- عقد مؤتمر عربي حاشد من أجل فلسطين في مصر بالمركز العام عام 1938 م شارك فيه زعماء العالم العربي، وكان من بين المشاركين فارس الخوري رئيس وزراء سوريا .


ج- وفي أكتوبر عام 1938 م عقب نجاح المؤتمر العربي السابق تم عقد مؤتمر شعبي برلماني على مستوى العالم الإسلامي؛ حيث عقد في سراي آل لطف الله بالقاهرة وحضره وفود شعبية وبرلمانية من المغرب العربي والهند والصين والبوشناق المسلمين وبرلمانيون من مصر و سوريا و لبنان و العراق .. إلخ، بخصوص الترك في هذه القضية.


د- إرسال الدعاة إلى بلدان جنوب شرق آسيا (أ- صالح عشماوي- أ- سعيد رمضان...إلخ) لشرح القضية والتواصل مع القوى السياسية بخلاف دعاتهم المنتشرين في جميع الأقطار العربية.


هـ- مخاطبة القوى الوطنية والمسيحية لمساندة هذه القضية ومنهم الأنبا يؤنس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، وفي أكثر من بيان كان يذكرهم ويخاطبهم وكمثال كان عنوان أحد بياناته "نداء إلى شعب الإخوان المسلمين بالقطر المصري وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء من أجل فلسطين المجاهدة ..".


س- في عام 1947 م استجابةً لنداء الإخوان تم تشكيل هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس وأعضاؤها يمثلون مختلف القوى السياسية في مصر ، بالإضافة ل لإخوان ، وقد نظمت أسبوعًا من أجل فلسطين لشرح أبعاد القضية وجمع التبرعات.


ص- وفي عام 1947 م نظَّم الإخوان المؤتمر الشعبي لنصرة فلسطين بالجامع الأزهر، وتكلَّم فيه اللواء صالح حرب وأحمد حسين (مصر الفتاة)، بالإضافة للإمام الشهيد، والذي تلا فيه بيان الإخوان بإعلان الجهاد المقدس لتحرير فلسطين ، ومما جاء فيه:

"لقد كان عندنا بقية أمل في الضمير العالمي، أما الآن فقد فجعنا في كل هذه الآمال، وكفرنا بهذا الإيمان، وبهذه الحكومات الجاحدة المضللة حكومات الغرب ودوله ..".


ع- ومن المشاريع العملية التي تقدَّم بها الإخوان لتلك القوى على مستوى العالم العربي والإسلامي:

إنشاء صندوق عالمي إسلامي أو شركة لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها من أصحابها حتى لا تتسرب لليهود، وقد أرسله للمؤتمر الإسلامي المنعقد ب القدس عام 1931 م عقب ثورة البراق، كما أعاد تفعيله في مؤتمر 1938 م المنعقد بالقاهرة مع توضيح أساليب اليهود لطرد أهل فلسطين من أراضيهم.

أن تتكون لجنة عامة لإنقاذ فلسطين بوادي النيل تعلن النفير العام وتنظم جهود المقاومة .

إنشاء لجان للدفاع عن المقدسات الإسلامية يكون مركزها الرئيس في القدس أو مكة المكرمة وفروعها في العالم الإسلامي كله.

إنشاء جامعة فلسطين .


إصدار صحيفة إسلامية خاصة بالقضية تُوزَّع على مستوى العالم الإسلامي، وتعمل على التوعية بالقضية والتوجيه والإرشاد.


تنظيم المؤتمرات والفعاليات الشعبية على مستوى العالم الإسلامي والتواصل بين هيئاتها لصالح القضية.


أرسل مقترحًا لوزير الشئون الاجتماعية في مصر وقتها جلال فهيم باشا بتوظيف وتشغيل الشباب الفلسطيني الذي لا يجد مجالاً للعمل ثم تدريبهم وتسليحهم وإرسالهم لفلسطين.


تقدم الإمام في سنة 1939 م بمذكرة إلى علي ماهر رئيس الحكومة المصرية آنذاك طالب فيها بالعمل على إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين إيقافًا تامًّا، واقتراح عليه إجراءات عملية.


برقية الإمام عام 1936 م إلى رئيس وزراء مصر آنذاك يوضح فيها خطر اليهود، وأن علينا أن نستعد ونتهيأ لمواجهة هذا الخطر، وأن الإنجليز واليهود لن يفهموا إلا لغة القوة.


التعاون مع جامعة الدول العربية، ودفعها إلى التحرك لأداء الدور المطلوب، وكان كثير الصلة بعبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة، وأرسل له عدة مذكرات يطالب بأن يتحرك بقوة لتضغط على الحكومات العربية لكي تأخذ الأمور بحزم وتعلن الجهاد .


وفي برقيته إليه في 8 أكتوبر 1948 م نصحه ألا ينخدع بهذه الحلول السياسية التي تعرضها القوى الكبرى مع سرعة الإعداد العملي لإنقاذ فلسطين .


ومما جاء فيها: "إن الإخوان لا يرون سبيلاً لإنقاذ فلسطين إلا القوة، ولهذا يضعون تحت تصرف الجامعة العربية عشرة آلاف من خيرة شبابهم المجاهدين ككتيبة أولى في جيش الإنقاذ".


التواصل مع أهل فلسطين ، ومع قادتها وزعمائها للمساندة والتنسيق ودعم الجهاد هناك:


بدأ الإمام هذا التواصل مع مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني منذ عام 1929 م، وكذلك تقدَّم له بمذكرة إجراءات عملية للمؤتمر الإسلامي المنعقد في القدس عام 1931 م، وقد تليت في المؤتمر وأُحيلت المقترحات إلى اللجنة التنفيذية المنبثقة عنه.


وكان الحاج أمين الحسيني يضع ثقته في الإخوان ، وقد قال عنهم "إني أؤمن ب الإخوان المسلمين ؛ لأنهم جند الله الذين يهزمون جنود الشيطان".


الاتصال بالشهيد عز الدين القسام منذ عام 1933 م وما بعدها، وتقديم الدعم والمساندة.

زيارة من وفد الإخوان في أغسطس 1935 م ل فلسطين إبَّان الثورة الكبرى للتنسيق والتواصل الميداني.


التواصل والتنسيق مع اللجنة العربية العليا ب فلسطين ، والتي تشكلت في نهاية عام 1936 بعد الثورة الكبرى بدعم ومساندة من الإخوان .


أرسل الصاغمحمود لبيب للتدريب الميداني والصلح بين قادة منظمتي "النجادة" و"الفتوة" اللتان تجاهدان في فلسطين عام 1948 م؛ وذلك لتحقيق الوحدة والتئام الصفوف.


من الوفود التي أرسلها الإمام الشهيد نذكر الأساتذة: عبدالمعز عبد الستار - محمد أسعد الحكيم - عبد العزيز أحمد - عبدالرحمن الساعاتي - بخلاف الصاغ محمود لبيب والشيخ محمد فرغلي وآخرين غيرها.


وذلك للمساندة وتنظيم أعمال المقاومة والتمهيد لدخول الإخوان ميدان الجهاد في فلسطين ، كما زار الإمام الشهيد نفسه أرض فلسطين انطلاقًا من غزة عند زيارته لمواقع المجاهدين .


الضغط على الحكومات الأجنبية، واتخاذ المواقف القوية تجاه الأحداث، والتحرك على المستوى العالمي، ومن أمثلة ذلك:


توجيه خطابات التحذير للحكومات الغربية، خاصةً إنجلترا وأمريكا إزاء ما يقدمونه من دعمٍ للمشروع الصهيوني.


مذكرة احتجاج واستنكار أرسلها الإمام الشهيد في 12 أغسطس 1944 م إلى وزير أمريكا المفوض للتنديد بالموقف الأمريكي المشئوم؛ حيث وقتها طالبت أمريكا بهجرة مائة ألف يهودي دفعةً واحدة.


وكذلك أرسل خطابًا مفتوحًا للحكومة والشعب الأمريكي بهذا الشأن؛ ومما جاء فيه: "إننا نحن - الإخوان المسلمين - باسم الشعب المصري والشعوب الإسلامية لنرفع عقائرنا محتجين على هذا التصريح المشئوم الذي تنادي به أمريكا اليوم متحديةً به شعور أربعمائة مليون مسلم".


" .. ونحن باسم الإخوان المسلمين ومن ورائهم كافة العرب والمسلمين في مختلف أقطارهم نحذر حكومتكم من الاسترسال في هذه السياسة الصهيونية الجائرة فإنها وحدها هي التي تضمن لكم أن تخسروا معركة السلم في العالم العربي والإسلامي كله، وإذا خسرتم صداقة العرب والمسلمين فلن تجدوا عوضًا عنها عند اليهود والصهيونية ..".


وعند اعتراف أمريكا بإسرائيل بعث الإمام البنا برقية إلى الرئيس ترومان قال فيها: "اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامي، وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية لهو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وستؤدي حتمًا إلى إثارة عداء دائم نحو الشعوب الأمريكي، كما تستعرض مصالحه الاقتصادية للخطر وتودي بمكانتكم السياسية فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكي".


كما أرسل رسالة مشابهة إلى السفير البريطاني بالقاهرة يستنكر دورهم ويذكر فيها "إن الإخوان سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها".


وعندما صدر قرار التقسيم من الأمم المتحدة وجَّه الإمام البنا نداءً قويًّا ناشد فيه الحكومات العربية والإسلامية بأن تنسحب فورًا من الأمم المتحدة.


وأن تتهيأ الشعوب الإسلامية للدفاع عن فلسطين ؛ وذلك بعد وضوح ضعف حكوماتها.


وفي بيانه القوي الذي أعلنه في اجتماع رؤساء المناطق والشعب عام 1942 م أشار إلى "إن مصر والعالم العربي والإسلامي كله يفتدي فلسطين ، وهذه الحقيقة يجب أن تضعها الدول المتحدة نصب عينها فصداقة المسلمين والعرب في كفة ومطامع اليهود في فلسطين في الكفة الأخرى".


رفض المشاريع والحلول الجزئية التي تعطي لليهود أي حق في فلسطين والضغط الشعبي والعملي على الحكومات لرفض ذلك.


أ- رفض مشروع التقسيم الثلاثي الذي تقدَّمت به اللجنة الملكية البريطانية عام 1937 م تحت ضغط حركة الجماهير وثورة أهل فلسطين الكبرى؛ حيث اقترحت تقسيم أرض فلسطين إلى ثلاثة أقسام قسم لليهود وآخر للعرب وثالث يبقى تحت سيطرة بريطانيا مباشرة.


وقد أكد الإمام الشهيد مع الرفض القاطع أن هذا المشروع يعني القضاء على حقوق العرب كله "ولن يخطر ببال عربي واحد أن يفكر فيه فضلاً عن أن يقبله".


ورفض الإمام البنا الكتاب الأبيض الذي أصدرته بريطانية لمحاولة استيعاب الموقف عام 1939 م وخداع الشعوب العربية.

رفض الإخوان مشروع اللجنة الأمريكية البريطانية الذي يقضي بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود؛ وذلك قبل عرضه على الأمم المتحدة.


وعندما أجازته في نوفمبر 1947 م استنكر الإمام، وشنَّ عليه حملةً قوية، وطالب بانسحاب الدول العربية والإسلامية من الأمم المتحدة، وأرسل إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ووزير خارجية أمريكا معلنًا هذا الرفض.

المشاركة العسكرية الميدانية داخل فلسطين وقتال العصابات الصهيونية:

وقد بدأ هذا الاستعداد مبكرًا بإنشاء النظام الخاص وتدريبه للجهاد في فلسطين وعلى ضفاف القناة ضد الإنجليز.

التواصل الجهادي منذ عام 1935 م والمساعدة في جمع السلاح وإيصاله للمجاهدين داخل فلسطين، وكان الصاغ محمود لبيب على صلةٍ وثيقة بالشهيد عبدالقادر الحسيني لهذا الأمر، وأصبح هو ضابط الاتصال بين الإخوان والهيئة العربية العليا في شئون التسليح المشكلة لفلسطين.


وكان هذا محورًا أساسيًّا في عام 1946 م وما بعدها الدفع بالمئات من شباب الإخوان المجاهدين إلى أرض فلسطين رغم كل محاولات الإنجليز لمنع ذلك ومساعدة الحكومة المصرية إلا أنه وبصورة هادئة تمكَّن شباب الإخوان من التسلل إلى أرض فلسطين عقب نهاية الحرب العالمية الثانية ثم تحت الضغط الشعبي الذي قاده الإخوان ، وتمكَّنوا من إرسال كتائبهم المجاهدة تحت مظلة جامعة الدولة العربية، وأنشأوا لها معسكرات التدريب وجمع السلاح لها، وعندما تطورت الأحداث على أرض فلسطين أعدوا عشرة آلاف كان الإمام سيدخل معهم أرض فلسطين ، لكن وقفت الحكومة ضد ذلك وأعلنت قبول الهدنة ثم اغتالت الإمام الشهيد وزجَّت في السجون بالمجاهدين داخل وخارج مصر بناءً على توجيهات وتعليمات القوى الكبرى المساندة لليهود.


كان لدخول الإخوان أرض فلسطين تأثير كبير، وشكَّلوا خطرًا شديدًا على اليهود الذين ضجَّوا بالشكوى، وطالبوا بسرعة التدخل لإيقاف ذلك.

ما أشرنا إليه هو أمثلة موجزة فقط لتوضيح أبعاد الرؤية وآليات التعامل من جانب الإخوان ، أما تفعيل الأمور وجمع كل الحقائق فما زال يحتاج إلى بحث شامل ومجهود كبير، خاصةً أن الكثير لم يمط عنه اللثام ولم يُسجَّل حتى الآن.

لقد تقدَّم الإمام البنا للحكومات والهيئات السياسية في مواجهة اغتصاب اليهود لفلسطين بمشروعين:


مشروع سياسي ومشروع عسكري جهادي متلازمين، وبلور المشروع السياسي في المذكرة التي أرسلها لجامعة الدول العربية عام 1947 م بأن تتحرك الجامعة للضغط على الحكومات العربية باتخاذها موقفًا موحدًا، وإعلانها جميعًا الجهاد حتى تجلو الصهيونية عن البلاد أو يوافق اليهود على أن يعيشوا مع العرب في ظل الدولة الفلسطينية الحرة على أن يرد إلى وطنه الأصلي كل يهودي دخيل بعد الحرب العالمية. وأن يكون الواقع الميداني على أرض فلسطين هو الحاسم في فرض هذا الأمر.


وأما المشروع العسكري فقد كان حول الاعتماد على المقاومة الفاعلة الميدانية وإعطاء الغطاء الشرعي لها والدعم اللوجستي من الحكومات العربية خاصةً المتاخمة لحدود [فلسطين] .


وأن تدع الحكومات فصائل المقاومة الفعالة من جميع الشعوب العربية والإسلامية وهي كثيرة أن تتحرك على ميدان فلسطين دون أن تلتزم هذه الحكومات بشيء أمام هيمنة الدول الكبرى عليها؛ وبذلك تستطيع أن تهرب من الضغط الذي تتعرض له.


وأن تكون هذه المقاومة مكافئة للواقع الذي تواجهه وتستطيع دحر وهزيمة العصابات الصهيونية، وأنها لن تقف عند أي حدود حتى تحقق الهدف وتغير الواقع الميداني على أرض فلسطين .


لكن هذه الحكومات العربية الهزيلة رفضت ذلك وانتهزتها فرصة للاستعراض وكسب البطولات وإطلاق الشعارات دون أن تدرك الواقع بعمق، وأن موازين القوى قد تغيَّرت بين جيوشها وبين تلك العصابات الصهيونية.


ومع ما قدَّمه الإمام البنا إلا أنه اختطَّ لجماعته مشروعًا إستراتيجيًّا بعيد المدى بشأن هذه القضية يرسخ فيه مبدأ المقاومة ، ويوظف طاقات الأمة، ويحافظ على الثوابت والأهداف.



الأسس التي تقوم عليها الرؤية الإستراتيجية للمشروع الإسلامي

حدَّد الإمام الشهيد أسس ومنطلقات دائمة ومستمرة، يقوم عليها المشروع الإسلامي في التعامل مع القضية الفلسطينية، نشير بإيجاز إليها:


وضع القضية الفلسطينية في وضعها الصحيح ضمن المشروع الإسلامي المتكامل الذي تحمله، وتعمل له الجماعة؛ فهي قضية محورية ومعركة الإسلام الأولى في ذلك العصر.. وهي في نفس الوقت ضمن المحاور الأساسية لهذا المشروع، والذي يجب أن يسير متوازيًا في جميع محاوره.


أن العمل على هذه القضية طوال مسيرة الجماعة؛ سيحتاج إلى تضحيات كثيرة، يجب أن تعد الجماعة نفسها لها، ولا تُوزن هذه التضحيات بحجم الفائدة منها، وإنما بأهمية الحدث والموقف ومسئولية الجماعة في المواجهة.


أن تحرص الجماعة على استمرار مشروعها في المواجهة مهما قلَّت الإمكانيات، وألا تُستدرج من قِبل الأعداء؛ فيتمكنوا من إنهاء حركتها أو إشغالها بعيدًا عن أصل القضية.


الحرص على الثوابت والمبادئ في هذه القضية، والثبات عليها مهما كانت الضغوط، ومهما ضعفت الإمكانيات.


أن المعركة طويلة جدًّا، وستشمل أجيالاً عدة، وأن الأمر يحتاج إلى النفس الطويل وإلى خطوات متدرجة.


أهمية بقاء روح المقاومة و الجهاد مشتعلة في النفوس؛ حتى وإن سُجن أفراد الجماعة أو مُنعوا من التحرك العملي للتعبير عن ذلك.


أهمية إيقاظ الأمة وإشراكها وحشدها في هذه القضية، والتركيز على المنطلق الإسلامي، ومساندتها لهذا المشروع (مشروع المقاومة و الجهاد لهذا العدو المغتصب).


وقد رسم الإمام الشهيد في هذا الشأن منهجية واضحة محددة؛ سواء في تعامله مع الآخرين، أو في تعامله مع الأحداث والمواقف، أو في تناوله للأمور بصفةٍ كلية.

فنرى في تعامله مع الآخرين الحرص على التواصل مع كل القوى السياسية والوطنية والمؤسسات والحكومات العربية... إلخ.


وإيجاد مساحة مشتركة للتعاون مع توضيح أبعاد هذه القضية لهم ومساحة الخطر التي تشمل الجميع، وكذلك استخدام وسائل النضال السلمي والشعبي لدفع الحكومات إلى اتخاذ مواقف إيجابية وتقوية ظهرها أمام الضغوط الأجنبية، مع الحرص على احترام القانون والدستور، وعدم الوصول إلى حالة الفوضى أو الصراع.


والحرص على دعوة الإخوة المسيحيين، وإشراكهم كأبناء وطن واحد في هذه القضية المهمة، وكان الإمام الشهيد في أكثر من بيان يوجه نداءه "إلى الإخوة المسيحيين الأعزاء.."، وقد شاركوا الإخوان في المؤتمرات والمظاهرات، وألقوا الكلمات.


أهمية وضوح الثوابت الإسلامية في هذا الأمر؛ مهما علا صخب المشروعات الأخرى، وما تحمله من شعارات براقة تبتعد بها عن هذا الأصل، وتلك الرؤية الإسلامية.


إخراج القضية عن مجرد حصرها في الفلسطينيين والأمة تساعدهم، إلى الرؤية الإسلامية بأنها قضية كل مسلم؛ فهي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، لا يملك أحد أن يُفرِّط فيها حتى ولو تخلَّى عن هذه الثوابت أهلها.


أن تكون الرؤية الإستراتيجية في المشروع الإسلامي هي الحاكمة والموجهة لأي عمل أو تكتيك أو سياسة متبعة.


عدم الانخداع بالمؤسسات الدولية، والتلويح بسياسة المفاوضات والحلول الجزئية، أو القبول بأن ذلك هو البديل المتاح.

اليقين والأمل في نصر الله؛ مهما أحرز الأعداء من نجاح أو طال الزمن


بيان صحفي صادر عن حركة حماس في ذكرى الوعد المشئوم .. لن ننسى ولن نغفر

في ذكرى وعد بلفور المشئوم تتداعى إلى الذاكرة مأساة فلسطين .. الأرض والمقدسات والإنسان .. وتطرح العدالة نفسها أمام سؤال كبير بات يؤرق الضعفاء في هذا العالم المتحضر، هل من حق أوروبا أن تمنح أرضنا لليهود؟ لتكفر عن ذنبها الذي اقترفته بحق هؤلاء الناس ؟ وهل من حق اليهود أن يغتصبوا أرضنا ويتناسوا جريمة الأوربيين بحقهم ويسقطوا جام غَضبهم علينا.


في ذكرى وعد بلفور لن ننسى ولن نغفر ولن نتنازل عن ذرة من حقوقنا ولا حقوق أجيالنا، وإذا كان آباؤنا وأجدادنا قد سلموا الراية خفاقة فسنسلمها للأجيال من بعدنا مشرقة عالية لا تنحني لها هامة.


إننا في حركة المقاومة الإسلامية حماس وإذ نستعيد هذه الذكرى الثانية والستين لا يمكننا أن نقف عاجزين مستسلمين أمامها، وإنما نستحضر الألم، لنستجمع الهمم، ولنشحذ الإرادة لاستعادة الحقوق، وتطهير المقدسات، وعودة المشردين في أصقاع الأرض، إلى ديارهم وبيوتهم، التي شردوا منها، ونحرر الأسرى الأبطال، ونرسم البسمة على وجوه الأجيال.


وفي هذه الذكرى المؤلمة نود أن نؤكد على ما يلي:


أولاً: أن ثقتنا عالية بالنصر المحتوم واسترداد الحقوق وهذه الثقة مصدرها القرآن الكريم وسنن الكون والتاريخ التي تلفظ الظلم وتنصف المظلومين.


ثانياً: على أوروبا وبريطانيا بشكل خاص أن تتحمل المسئولية الأخلاقية عن الجريمة التي ارتكبتها بحق أبناء شعبنا الفلسطيني.


ثالثاً: كل العرب والمسلمين حكاما وشعوبا مطالبون ببذل كل طاقاتهم لتحرير فلسطين والمقدسات التي دنسها الاحتلال.


رابعاً: نحن مع المصالحة الوطنية التي هدفها إنها الانقسام وحشد ورص الصفوف من أجل مواصلة المقاومة لدحر الاحتلال وعودة اللاجئين.


خامساً: ندعو جماهير شعبنا إلى الالتفاف حول خيار المقاومة، وغرس ثقافة الحرية في نفوس الأجيال ،حتى تظل الراية خفاقة، إلى أن نمسح عار بلفور المشئوم ونستعيد الأرض والكرامة المهدورة.


المصدر: رسالة الإخوان 6-11-2009 18 ذي القعدة 1430هـ العدد 615


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية