مقاييس النجاح وعوامل التعثر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقاييس النجاح وعوامل التعثر
راشد-الغنوشى-مسئول-النهضة-التونسية.png

الشيخ راشد الغنّوشي

رغم أن ظاهرة العنف لا تستمد جذورها من الإسلام فهو لا يعطي شرعية للعنف العشوائي، ولا يقاتل إلا من يقاتله "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". ورغم محدودية حجم وأثر جماعات العنف فإنه لا تخلو من مثلها أمة أو ديانة، فبالتأكيد إن جيش تحرير إيرلندا مثل خطرا أعظم على بريطانيا من بعض الشباب الإسلامي الذي تتركز عليه الأضواء للإساءة للإسلام.

ومع ذلك فإن وجود جماعات التشدد وتصاعد موجة الطائفية نكوصا إلى عصور الانحطاط، لا يخلو من الدلالات على أن فكر الإسلام لم ينل ما يكفي من التجديد في مستوى الكم والنوع، وهو ما عبرت عنه سلسلة من المراجعات في أكثر من بلد عربي من قبل فصيل إسلامي "جهادي" قد تورط في منهاج أورثه ندما، بما يؤكد أن بضاعته الفكرية مزجاة، فكان محكوما بمنهج التجربة والخطأ بينما الأصل أن يسبق العلمُ العمل.

مطلوب التجديد لا يزال بعيدا ما دام تعثر المسلم لا يزال قائما في تدبيره لشؤون بيئته وعصره، وآية ذلك تعثر مشاريع التجديد وارتباكها إزاء ممارسة تجربة الحكم لمّا آل إليها الأمر، سواء أكان ذلك في أفغانستان على يد المجاهدين أم كان في السودان أم في إيران أم في الصومال أو في العراق..

حيث كان عجز الإسلاميين فاضحا ارتكاسا في الطائفية والعشائرية والتحالف مع الاحتلال واستدعاء فكر الخوارج والعجز عن إرساء نظام سياسي يستوعب كل التكوينات السياسية والدينية والعرقية، بما لا يمثل شهادة للشعار الذي ترفعه الحركة الإسلامية أن الإسلام هو الحل، بل يمكن لخصومها أن يشككوا في ذلك رافعين شعار "العلمانية هي الحل"، وهو ما أبرزته الانتخابات العراقية الأخيرة من تفوق للقائمة العراقية العلمانية باعتبارها القائمة الوحيدة التي جمعت مكونات عراقية متنوعة سنية وشيعية.

بينما حزب البعث -على دكتاتوريته- كان يجمع في صلبه مختلف مكونات الشعب العراقي السنية والشيعية والكردية والمسيحية، بما يرشحه للزعم بأنه الأقدر على صيانة الوحدة الوطنية العراقية، خلافا للأحزاب الإسلامية التي انغلقت على نفسها وجاءت تبشر بحكم طائفي مرتضية نظام المحاصصة الطائفية الذي أتى به الاحتلال وفي ظله، بما يعد نكوصا على الأعقاب.

الإسلام يكون هو الحل فقط عندما يكون قادرا على صنع الإجماع.

يمكن أن تستثنى من تجارب التطبيق الفاشلة للإسلاميين التجربة التركية التي ارتبط مشروعها -خلافا للمشاريع الإسلامية الأخرى- بتوسيع مجال الحرية وحكم القانون وسلطة الشعب، في مواجهة المشروع العلماني الذي ارتبط منذ نشأته على يد العسكر بفرض وصايتهم على الدولة وعلى المجتمع.

المشروع الإسلامي هنا ارتبط بجهاد سلمي مبدئي لا يتزحزح عنه مهما عرض له من كيد وقمع، دفاعا عن الإسلام والحرية والحداثة، بما أهّله لأن يوالي ويراكم مكاسبه، ويجنّبه الانزلاقات التي استدرجت إليها المشروع الإصلاحي الإسلامي في معظم بلاد العرب أنظمة ذات طبيعة فاشتية طاغوتية.

كما عبر عن محدودية المنجز التجديدي تردّدُ كبرى الحركات الإسلامية إخوان مصر في المضيّ مع آليات النظام الديمقراطي إلى النهاية، ثقة في الشعب واحتكاما إليه.

ظهر ذلك في مشروع البرنامج الذي طرحوه للمناقشة العامة، وحمل في سمته العام نفسا تجديديا واضحا ومتطورا، لولا أن شوشت عليه حتى طمسته تحفظات على مبدأ الاحتكام إلى الناس والثقة في إسلامهم ووعيهم، إذ اقترحوا هيئة علمائية تختص بالرقابة على المجلس التشريعي، مما قرئ على أنه إرادة في فرض وصاية دينية على الإرادة العامة.

ومن نفس القبيل اعتراضهم على حق الشعب في انتخاب امرأة أو غير مسلم للرئاسة، وذلك متابعة لأدبيات سلطانية موروثة لا أثر لها عمليا في الواقع، أو تنزيلا لنصوص دينية على واقع مختلف. وكان يسعهم الاكتفاء بأن لا يرشحوا لأي منصب في الدولة إلا من ارتضوه، دون أن يروموا رفع ذلك إلى مستوى إصلاح دستوري. وواضح أن الخوض في المسألة مضر بل بالغ الضرر دون أن يترتب عليه عمل، فالقبطي لا يكاد يصل رتبة النيابة البرلمانية إلا عبر التعيين، ويقربُ من ذلك حال المرأة للأسف.

إن التجديد والاجتهاد الجديرين بالوصف الإسلامي وما في معناهما من تطور هو الذي يتغيى غاية واضحة -بحسب درجة تحققها يقاس نجاحه أو فشله- هي تمكين المسلمين بأن يعيشوا عصرهم مسلمين فاعلين، ذلك أنه تجديد يتعلق بدين هو تنزيل من حكيم حميد، بما يفرض الالتزام بأعلى درجات تقوى الله في التعامل معه، استحضارا دائبا من طرف المجدد المجتهد أنه بحسب تعبير ابن القيم يوقع عن الله، إذ يستصدر حكما جديدا في مسألة لم يرد فيها حكم منزل، فيبذل أقصى الوسع أن يكون الحكم الجديد مصطبغا بصبغة الوحي تمديدا لروحه ومنطقه ومقاصده.

هذا الصنف من التجديد لا يتساوق مع منطق الحداثة الذي فرض على كثير من الديانات فأخضعها لمقاييسه وقيمه، بما انتهى بها إلى حالة من التفكك والسيولة والنسبية المطلقة، حتى غدا ممكنا في مجتمعات تنتسب تقليديا للمسيحية، التشريع لاستعمار الشعوب، بل حتى إبادتها، كما فعل بشعوب الهنود الحمر، والتشريع للزواج المثلي، حتى بين القساوسة، وتخريج ذلك على معنى أن المسيحية حب وهذا منه!!

ويقابل هذا المنطق الاستعلائي الحداثي منطق التشدد والانغلاق والطائفية، وهو خطر يتهدد التجديد الإسلامي. أما تحدي الحداثة فالإسلام وحده -كما يؤكد الاجتماعي البريطاني أرنست غلنر- قد "استوعب الحداثة ولم تستوعبه، ووظفها لصالح تجدده محتفظا بجوهره لا يساوم عليه".. أليس "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه"؟

المصدر

للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي

مؤلفات وكتابات الشيخ راشد الغنوشي

.

أقرأ-أيضًا.png

مفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

ألبوم صور الشيخ

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان في تونس

.