فى تجديدات الترابى وشمس الدين والغنوشى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فى تجديدات الترابى وشمس الدين والغنوشى

220PX

ممدوح الشيخ قديما أطلق على المتنبي وصف صار شهيرا كشهرة المتنبي؛ حيث قيل إنه: "ملأ الدنيا وشغل الناس"، وفي عصرنا شكلت الحركة الإسلامية حالة قريبة من ذلك؛ إذ شغلت الناس في الداخل والخارج، إعجابا ورهابا في آن واحد.

ومن هنا تكتسب الدراسات الأكاديمية التي تتناول التحولات الفكرية في الحركات الإسلامية أهمية خاصة، ومن هذه الدراسات الأكاديمية كتاب: "إشكاليات التجديد" دراسة في ضوء علم اجتماع المعرفة، للدكتور حسين رحال، وهو صادر عن دار الهادي للنشر ببيروت ضمن سلسلة: فلسفة الدين والكلام الجديد التي يصدرها مركز فلسفة الدين ببغداد، في 2004، وهو يتجاوز 500 صفحة بقليل.

ورغم كونها في الأصل رسالة أكاديمية حصل بها صاحبها على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، فإن الكتاب رحلة ممتعة في عقل عدد كبير من رموز تيار التجديد في الواقع الإسلامي (مفكرين وناشطين).

الكتاب ذو أهمية خاصة؛ فهو خارطة فكرية لتيار التجديد الإسلامي المعاصر، وبصفة خاصة إزاء القضايا التي بدت علاقة العقل المسلم بها ملتبسة: الديمقراطية، والدستورية، والمجتمع المدني، وحرية الفكر، والعلمانية، والردة، والموقف من الآخر،... وهي قضايا، على ما بينها من اختلاف نوعي ظاهريا، يمكن اعتبارها "متصلا" فكريا فقهيا يرسم حدود التفاعل بين الإسلاميين والعالم، وفاقا وخلافا وصراعا!.

والكاتب لا يترك قارئه أمام أي نوع من الغموض إزاء "مستهدفات" الدراسة وانحيازاتها من السطر الأول في المقدمة، فسياقها الواقعي/ المعرفي هو اللحظة التي تلت نكسة يونيو 1967 ؛ حيث حمل صعود التيار الإسلامي وتراجع المشروع القومي تطلعات.. بقدر ما حمل شكوكا إزاء إمكانية تشكيل هذا التيار بديلا فكريا وسياسيا وشعبيا للتيارات الأخرى التي انخرطت في إدارة الصراع المجتمعي في العالم العربي.

من الأمة إلى العالم

ومن "الأمة" إلى "العالم" ينتقل الكاتب محددا السياق الكوني الذي تتحرك الظاهرة في فضائه، فيشير في المقدمة أيضا إلى أنه في عصر "نهاية الأيديولوجية"، وتكثف مسار العولمة، وتغير مفاهيم مثل سيادة الدولة، يصبح الخطاب الذي لا يستطيع مغادرة ثنائياته: كمؤمن وكافر، ودار الحرب ودار الإسلام.. وتعميماته مثل: " الإسلام هو الحل"، خطابا متقادما.

لكن العبارة تتحول من الدقة إلى القسوة عندما يصف هذا الخطاب بأنه "يصبح خطابا عفى عليه الزمن لا يمكنه محاكاة حاجات مجتمعه، أو حل مشاكله، إنما علامة واحدة من علامات عجز المجتمع العربي".

ويرى الدكتور حسين رحال أن بعض أقطاب التيار الإسلامي انبرت لمواجهة هذا الوضع بالقول إن المشكلة ليست في الإسلام بل في الفهم، وقدم هذا البعض خطابا جديدا ولغة تتناسب مع العصر، وأطلقوا على محاولتهم تلك "التجديد".

وحسب اجتهاد الدكتور حسين رحال فإن القضايا الثلاث الرئيسة التي تشكل تحديا لحركة التجديد هي: المساواة، المشاركة، والهوية، وعلى المستوى التطبيقي تتفرع عن هذه القضايا الرئيسة تحديات ذات طبيعة مزدوجة: نظرية/ واقعية في آن واحد، كالحرية الفكرية والعلمانية والمجتمع المدني والمرأة والديمقراطية.

مفهوم التجديد

ويحدد الكاتب مفهومه للتجديد بأنه: "تقديم رأي أو فهم جديد للدين الإسلامي، بعدما تقادم الفهم السابق، وصار غير قادر على مجاراة التطورات السائدة في المجتمعات الإسلامية أو العصر الراهن".

ويضيف أنه انطلاقا من هذا التعريف الأولي يمكن الإشارة إلى لحظة وعي أو اكتشاف يشعر فيها أفراد هذه المجتمعات بتقادم فهمهم للدين وبتخلف فكرهم ومجتمعاتهم مقارنة بشيء آخر، وكان هذا الآخر: الغرب الحديث، فقد بدأ العرب والمسلمون يملكون الوعي بتخلفهم ويدركون حاجتهم للنهوض ولعب الاحتكاك المباشر بالغرب دورا رئيسا في ظهور هذه الإشكالية.

ورغم أن مصطلح التجديد لم يكن رائجا بحرفيته فإن مرادفات أخرى استخدمت للإشارة إلى معناه: الإصلاح، والإحياء، والنهوض (أو النهضة)، والبعث، للدلالة على معنى مشابه، وهو التجديد بحيث يلحق الشرق بالغرب ويجاريه في التقدم.

وحمل هذا النوع من التجديد همين، الأول: المحافظة على الهوية الإسلامية العربية، والثاني اللحاق بالغرب والاقتداء بنموذجه في التقدم العلمي والتقني والتنظيمي.

وينصب اهتمام المؤلف على هذا المنهج في التجديد؛ حيث كان هناك نوع آخر من التجديد لا يأخذ في الاعتبار تقدم الغرب واللحاق به، وهو ما يطلق عليه "الإحياء السلفي".

كذلك ظهر في سياق القرن العشرين تيار آخر يدعو للتجديد بتجاوز الفهم الديني كله عبر اعتماد المنهج الغربي الأوروبي في التعامل مع الدين المسيحي.

وبعيدا عن التيارين الأخيرين: السلفي والتغريبي يركز المؤلف اهتمامه على التيار الإصلاحي الذي يريد تقديم فهم جديد معاصر للدين الإسلامي ينطلق من المنظومة الثقافية الإسلامية، وكان أبرز رواده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وعنه نشأت تيارات عديدة أهمها تياران رئيسان: إسلامي وعلماني.

ولا تقتصر عملية التجديد المنشودة على القيام بتقنية "الاجتهاد" ليبقى الارتباط بالتفسير والتطوير من داخل الإسلام، فالاجتهاد انحصر في الجانب الفقهي بينما التجديد يشمل مختلف العلوم الإسلامية والمجالات المجتمعية، فهو أوسع مدى وأشمل.

والخطاب المدروس في الكتاب هو ما يقدمه مفكرون أو باحثون إسلاميون يتم تقديمه باعتباره رؤية من "داخل" الإسلام كثقافة دينية تقدم للمسلمين وغير المسلمين، وكنموذج لفهم الإسلام والإنسان والكون والحياة، وذلك في فترة الثلث الأخير من القرن العشرين ( 19702000 ).

واختار الكاتب عينة تمثل الإسلاميين التجديديين بينهم الفقيه ورجل الدولة والمعارض المنفي، فضلا عن تباين المجتمعات التي ينتمون إليها.

ويبدأ الدكتور حسين رحال استعراض الرؤية التجديدية للنماذج المختارة في كتابه: "إشكاليات التجديد: دراسة في ضوء علم اجتماع المعرفة" بالسيرة الذاتية لهذه النماذج وهم: راشد الغنوشي ، و حسن الترابي ، و محمد مهدي شمس الدين ، مستحضرا تأثير الأفكار والسياق الاجتماعي معا، ويتناول بعد ذلك رؤيتهم للقضايا التجديدية.

الحرية الفكرية

يتفاوت موقف شمس الدين من موضوع الحرية الفكرية وفقا لمراحل مسيرته، ففي بداية مسيرته الفكرية كان مبدؤه أن الموضوع العقائدي محسوم لا دور للفرد فيه، فالإسلام "مبدأ كامل"، وعقيدة جامعة لا يقبل في ظله قيام حزب آخر ومبدأ يتنافى مع مبادئه، ومن هنا كانت الديمقراطية الشائعة متنافية مع الإسلام.

وفي المرحلة نفسها ينزع شمس الدين عن الأمور الاعتقادية صفة النظر والاجتهاد والاقتناع، فليس للإنسان الحالي حرية أمامها، لكنه بعد 35 عاما يتجاوز هذا الرأي "السلفي" الرافض لدور الإنسان في الأمور الاعتقادية إلى رأي آخر يسمح بمبدأ حرية التفكير والاقتناع، مشددا على دور الإنسان في قبولها.

وبشكل مشابه يتفاوت موقف شمس الدين في معالجته لموضوع "الردة"، فحتى عام 1989 كان يتبنى الموقف التقليدي، وكان له تنظيره الذي يدافع به عن قتل المرتد، لكنه بعد بضع سنوات يتخذ موقفا آخر يتلخص في أن ارتداده "يسقط حقوقه باعتباره مسلما"، بينما يجب عليه الاحتفاظ بموقفه العقائدي شأنا خاصا، فإن تحولت الردة إلى عمل سياسي ضد المجتمع ففي هذه الحالة لا يكون القتل بسبب الردة؛ بل بسبب الحرابة.

وفي موضوع قبول الآخر كان صوت الوحدة –في البداية– يذيب كل التفاوتات في بوتقة واحدة، رافضا التعدد ونشوء الأحزاب، لكنه في أواخر الثمانينيات يتحدث عن مشروعية الأحزاب السياسية، معتبرا أنها سلبية إذا عرضت الوحدة المجتمعية للخطر، أما إذا كانت التحالفات مبنية على اجتهاد في مسائل السياسة والإدارة داخل التوجه العام للأمة أو المجتمع السياسي، بحيث تكون مقبولة التنوع في إطار الوحدة"؛ حيث يقر بمشروعيتها أي أنه يرفض التنافس الأيديولوجي ويشرع فقط التنافس السياسي.

وفي أواخر التسعينيات انقلب موقفه رأسا على عقب، وأصبح الاختلاف هو الأصل، وفي نهاية الشوط دعا شمس الدين إلى تحالف قومي/ إسلامي.

وشهد موقف شمس الدين من الآخر الغربي تحولا كبيرا أيضا، فقد كان في البداية يتخذ موقفا سلبيا من الحضارة الغربية والعلاقة مع الغرب، وهو موقف استمر حتى أواخر الثمانينيات مع بعض التعديلات، قبل أن يشهد تحولا نوعيا في التسعينيات.

وفي المرحلة المشار إليها اتخذ موقفا أقل سلبية فأصبح يرى فيها جانبا إيجابيا هو الجانب التقني المادي، وبالتالي تحول موقفه من الرفض التام إلى الانتقاء.

مع الترابي

وينتقل رحال بعد ذلك إلى موقف المفكر السوداني الدكتور حسن الترابي من القضايا نفسها، فقد تميز خطابه في موضوع الحرية الفكرية بتمجيد الحرية وربطها بالإسلام.

وفي المرحلة الثانية من مسيرته الفكرية ميز بين الحرية التي تنشأ بشكل "وضعي" في إطار مادي دون الاحتكام لقيم عليا، وبين الحرية التي تحتكم لقيم عليا، وهو في الوقت نفسه يستصحب البعد المجتمعي للحرية.

وفي موضوع الردة اتخذ الترابي موقفا خاصا لا يوافق فيه مطلقا على الرأي السائد في حكم المرتد، وهو يرى أن الردة التي يعاقب عليها هي التي تتحول إلى تحريض على الفتنة، وعصيان مسلح ضد المجتمع، وهو بالتالي يرى الردة هنا أقرب إلى الخيانة العظمى.

وفيما يتصل بموقف الترابي من قبول الآخر يقرر المؤلف أن الترابي ربط موضوع الحرية السياسية والمجتمعية بالحرية العقائدية، ويشدد الترابي على أن حركته الإسلامية أقرب إلى "الإصلاحية التطورية الوطنية" وأبعد من "الثورية العنيفة"؛ لأن الدين أساسه الحرية والطوع. وفي العام 1990 حدث تحول في خطاب الترابي إذ أصبح في السلطة، فبقي حتى منتصف التسعينيات يدافع عن النظام، ولم يخل خطابه من تبرير بعض الإجراءات الاستثنائية.

وفيما يتصل بالموقف من الآخر الغربي كانت صورة "النزاع" الأكثر حضورا في خطابه مبررا ذلك بأنه نتيجة روافد –خاصة مع قيادة الولايات المتحدة للغرب– أهمها: الأصولية النصرانية وكثير من الصهيونية، وهو في النهاية يعطي خلاصة لرؤيته لهذه العلاقة معتبرا الاختلال في العلاقات الدولية السبب الرئيس للنزاع.

رؤى الغنوشي

أما راشد الغنوشي فيكثر من الحديث عن حرية الاعتقاد إلى حد السماح لغير المسلمين في الدولة الإسلامية "بانتقاد الدين الإسلامي".

وفيما يتصل بالردة ينطلق الغنوشي من الفهم السائد لدى الإسلاميين في السبعينيات: أن الارتداد كفر يوجب الإعدام، وفي أواخر الثمانينيات وضح الغنوشي موقفه بشكل أدق داعيا لترك أمر تحديد العقوبة للإمام في ضوء ما تشكله الظاهرة من خطر على الأمة، وهو تعزير وليس حدا.

وفيما يتصل بقبول الآخر، تطورت منذ بداية الثمانينيات أفكار الغنوشي باتجاه قبول التعددية، ومنذ أواخر الثمانينيات أصبح يرى أن غير المسلمين سيكون لهم في الدولة الإسلامية من حرية الخطابة والكتابة والرأي والتفكير والاجتماع ما للمسلمين سواء بسواء، ولا يتردد الغنوشي في قبول مفهوم المواطنة.

وفي التسعينيات وصل التجديد في فكر الغنوشي ذروته بالدعوة إلى "اللاعنف"، وتكريس التعدد والاحتكام لصناديق الاقتراع، وتنمية الفكر الديمقراطي في ثقافتنا الإسلامية.

وينقسم خطاب الغنوشي إزاء الغرب لمرحلتين؛ في الأولى كان محملا بشحنة سلبية قوية حملته المسئولية عن أوضاع الأمة بسبب: الاستعمار والتغريب، وكان هذا الموقف السلبي محور خلاف بينه وبين مجموعة من رفاقه انشقت عنه لتؤسس "اليسار الإسلامي"، وفي التسعينيات شهد موقف الغنوشي تطورا باتجاه البحث فيما يمكن أخذه (التقنيات)، وما يجب رفضه (القيم).

المجتمع المدني

يغيب مفهوم المجتمع المدني أو الأهلي عن خطاب شمس الدين في مراحله الأولى مقابل الحضور الطاغي للحاكم والحكم الإسلامي، وفي ظله ثمة شيء واحد: الخضوع لله في كل شيء.

وفي بداية التسعينيات يقدم شمس الدين رأيا جديدا يميز فيه بين الحكم الفرعوني وحكم الشورى منحازا للثاني، ويرى أن تحت سقف حكم الشورى يكون المجتمع حاضرا في التاريخ بقياداته الشعبية ومؤسساته الأهلية، وهو يستخدم السلطة حين يحتاج إليها، وبالتوازي مع هذا التصور طور شمس الدين تصورا لعلاقة المجتمع الأهلي بالسلطة يقوم على المصالحة لا المواجهة.

أما الدكتور حسن الترابي فبدأ التركيز على دور المجتمع مقابل دور الدولة منذ السبعينيات، معتبرا أهم ميزات المجتمع الإسلامي أنه يجرد الحاكم من أكبر سلطتين اتخذتا سلاحا ضد الفرد في الغرب؛ الضرائب والتشريع، وبعد عام 1990 ، وعندما أصبح جزءا من النظام الحاكم في السودان أكد ضرورة تقليص سلطات الدولة، ومنح فضاء أوسع للمجتمع، وبالنتيجة أصبح يرى أن الدولة المطلقة التي تهيمن على حياة الناس منفية بأصل الإسلام، و" الإسلام دين شامل لكن لا ينتهي إلى دولة شاملة".

أما الغنوشي فلم يشر بشكل واضح مفصل لموضوع المجتمع المدني إلا بعد منتصف الثمانينيات حين دعا لترسيخه في مواجهة الدولة.

ويعتبر الغنوشي أن مركز الثقل في البناء الاجتماعي الإسلامي المجتمع لا الدولة، وأن الهدف المركزي للحركة الإسلامية دائما بناء المجتمع الأهلي عبر بناء الفرد المؤمن والجماعة المستخلفة عن الله، ولإقامة التوازن يرى ضرورة "تقليم أظافر الدولة التسلطية، واستئناسها بعد توحش، وإحداث انقلاب في موازين الصراع لصالح الأفراد وكراماتهم".

الكتاب محاولة جادة لرسم مخطط عام –عبر قضايا مختارة- للتحولات التي شهدها الخطاب الإسلامي في مسعاه نحو التجديد، والعينة المختارة مختلفة المشارب والتجارب، فكل سياق فرض تمايزات، سواء كان السياق مكانيا أو وظيفيا أو... وما زالت الحركات الإسلامية تولي اهتماما متصاعدا لظاهرتي: المراجعة والتجديد، لأجل علاقة أكثر توازنا بين الماضي والمستقبل.

المصدر

للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي

مؤلفات وكتابات الشيخ راشد الغنوشي

.

أقرأ-أيضًا.png

مفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

ألبوم صور الشيخ

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان في تونس

.