توطئة لكتاب المأثورات للإمام الشهيد حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
توطئة لكتاب المأثورات للإمام الشهيد حسن البنا
الامام.jpg

الشيخ راشد الغنوشي

يظل الرجال العظام في تاريخ الأمم مهما تقادم بها العهد واشتد عليها الظلام وتعرضت هوياتها لخطر الاختراق والتمزيق والانحلال منارات هداية وقوة دفع وركن صمود ووقودا للسير وطاقة للتحدي وزادا للإصلاح ودواء للنفوس وملاطا للتماسك، ونداء للتجديد ومحرضا على الثورة والتغيير. توطئة للترجمة النرويجية للمأثورات بتاريخ سبتمبر 1999

يظل الرجال العظام في تاريخ الأمم مهما تقادم بها العهد واشتد عليها الظلام وتعرضت هوياتها لخطر الاختراق والتمزيق والانحلال منارات هداية وقوة دفع وركن صمود ووقودا للسير وطاقة للتحدي وزادا للإصلاح ودواء للنفوس وملاطا للتماسك، ونداء للتجديد ومحرضا على الثورة والتغيير.

وما من شك في أن أحدا من رجال الإصلاح في هذا القرن الذي يلفظ أنفاسه لم يترك في أمة الإسلام من الأثر ما ترك ذاك الشاب البطل الشهيد حسن البنا الذي ولئن نجح الطغيان المحلي والكيد الدولي في تصفيته 1947 وهو في ريعان العمر (ولد سنة 1906 ) فلقد ظل يتلألأ

في سماء الامة كالكوكب الدريّ زمن اشتداد الظلمات عليها وغلبة الغرب وسيطرته على كل أرضها والسماء واختراقه لكيانها الفكري والسياسي والاقتصادي في العمق بعد أن فشلت المعالجات الجزئية التي تقدم بها المصلحون من قبله في النزول بمشاريع الاصلاح الى الجماهير فظلت نخبوية لا يعرف خطابها له سبيلا لتعبئتها وتجنيدها لمهمة الاصلاح ومواجهة الاجتياح الخارج في كل أبعاده الثقافية والعسكرية والاقتصادية وتحريرها من أوهام القرون القائمة حجر عثرة في طريق النهوض:من جمود على القديم وتمزق طائفي بسبب العكوف على جزئيات من الدين، والتلهي بها عن مقاصده الكبرى في التقوى والعدل والتحرر والمساواة والعزة، وذلك الذي حاول الامام البنا انجازه وحقق فيه أقدارا مهمة من النجاح، بما توفق اليه من تكوين متنوع وعقلية تركيبية عملية معاصرة ،إذ جمع في دعوته ما تفرق في حركات الاصلاح من قبله سواء:

  • أكان ذلك من جهة التجديد تجاوزا للتقليد وعودا الى الربط الذي فقد من زمان، وذكر به وركز عليه رجال الاصلاح منذ القرن الثامن عشر بريادة ابن عبد الوهاب والدهلوي والشوكاني إحياء لتراث ابن تيمية والمدرسة السلفية عامة التي تأثر بها المصلحون الكبار في القرن التاسع عشر :مثل الافغاني وعبده ورشيد رضا، أؤلئك الذين أخذوا على عاتقهم إعادة الربط بين ما استجد في حياة الناس من مشكلات ومعارف وبين الوحي بمصدريه لاستلهام حلول لها في ضوئه وذلك هو الاجتهاد:آلية تجديد الدين التي تعطلت منذ قرون فتعطلت الحركة الحضارية في الامة.

ولقد كان حسن البنا تلميذا لهذه المدرسة وامتدادا لها مستفيدا من تتلمذه المباشر لرشيد رضا ولوالده محقق موسوعة الحديث :مسند الامام أحمد.

إلا أنه يمثل طورا جديدا من أطوار الاجتهاد الكبير أي في تلك المسائل التي كاد الإجتهاد يتوقف فيها منذ انتهاء عصر الراشدين عاكفا على مسائل العبادات والمعاملات الجزئية منصرفا طلبا للسلامة غالبا عن المسائل الكبرى مما تعلق بفقه السياسة وعلاقة الحاكم بالمحكوم وفقه التغيير, والسياسات الدولية..الخ.

فكان حسن البنا مجددا ومجتهدا عظيما في فقه السياسة الشرعية، وهي مسائل لا تزال في أشد الحاجة لمزيد من الاجتهاد الجريء

  • أم كان من جهة التربية والتوجيه فلقد تمكن الإمام البنا مستفيدا من نشأته الصوفية ومن اطلاعه الواسع على تراث كبار رجال التربية الاسلامية مثل حجة الاسلام الغزالي وأمثاله كاطلاعه على طرائق التربية الحديثة بحكم تكوينه كمعلم أن يزاوج بين مدارس في الاسلام لم تكد تعرف بينها لقاء بقدر ما عرفت من خصام وصدام أعني مدرسة الفقه ومدرسة الكلام ومدرسة العرفان أو التصوف، غير أن البنا بأفقه الواسع استطاع أن يدرج هذه المدارس في منظور متآلف ينبع كله من نبع واحد هو الوحي كتابا وسنه. ولنا عود الى هذا الجانب من تراث الرجل التربوي إن شاء الله
  • أم كان التجديد منصبا على حقل أخطر شأنا من جهة علاقته بالواقع أعني التجديد في فقه الحركة والتغيير وهوغاية كل تجديد جدير بهذا الاسم باعتباره المقصد الاعظم من بعثة الرسل ألا وهو اصلاح حياة الناس بإقامة ميزان العدل بينهم بوصل دنياهم بآخرتهم وأرضهم بالسماء وعمارة هذه الارض مجالا لترقية ملكاتهم وتمحيص معادنهم وتحصيلهم للسعادة اللائقة بهم في الدارين وإعدادهم للقاء ربهم وهو راض عنهم.

ولقد كان تجديد البنا على هذا الصعيد ربما أهم إضافاته في الفكر الاسلامي الحديث،

وهو تجديد يتعلق بفقه العمل ويتمثل فيما توفق اليه من تركيبه لآلة تنظيمية مهمتها وضع مشروع الاصلاح موضع تنفيذ والنزول به من مستوى الجهد الفردي النخبوي الى مستوى أوسع القطاعات الجماهرية. والتنظيم ولئن أشبه في صورته التنظيمات الحديثة في الغرب التي كانت معروفة في عهد البنا إلا أنها تختلف في المضمون الفكري والروحي وفي المقاصد. فليس التنظيم مجرد آلة للصراع على السلطة وليس هو كما هو الحال عند الصوفية ملجأ للهروب من الدنيا وإنما هو الحامل المادي لمشروع الاسلام في شموله ومختلف أبعاده

البنا رجل العمل: ورغم اتساع الافق الاجتهادي التجديدي للبنا إلا أنه يظل قبل كل شيء هو رجل العمل.ولأن العمل لا يستقيم في الاسلام دون أن يتأسس على علم صحيح فقد أتاح للرجل أفقه العلمي الواسع أن يلخص مشروعه الفكري والعملي في أمرين :

الاول مجموعة رسائل مختصرة جمعت في كتاب من متوسط الحجم وضمت تصوره العقدي الجامع بين مدرستي السلف والأشاعرة مع ميل الى الأولى كما ضم الكتاب (مجموعة الرسائل )تصوره لنمط المجتمع الاسلامي الحديث في مختلف مركباته السياسية (حيث اعتبر النظام البرلماني الديمقراطي الحديث الأقرب الانظمة للإسلام) والاقتصادية فدعا الى حرب لا هوادة فيها لمختلف ضروب الحيف الدولي على الاقتصاد الوطني وتسلط القلة من الاقطاعيين على أرزاق جمهرة الناس من أجل عدالة اجتماعية حقيقية واقتصاد وطني كما دعا الى الجهاد ضد هيمنة الدول الاستعمارية على أمتنا والشعوب المستضعفة والى وحدة بلاد العرب والمسلمين.

وما كان لهذا العقل العملي التركيبي الجامع أن يغفل عن ركن جوهري في التصور الاسلامي باعتباره المقصد الاعظم لحياة الانسان أعني التربية الروحية بما هي تحرير للعبد من سلطان الشهوات وشياطين الانس والجن ومن نزواته واندفاعاته وتمحيضه عابدا لله وحده مخلصا له الدين بعد أن عرف ربه فأحبه وأطاعه ووثق فيه وتقوّى به وأنس له حتى امتلأت نفسه وحياته كلها بالحضور :حضور الله سبحانه في حياته حضورا دائما لا يفارقه أنى توجهت ركائبه (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) سورة الانعام.

لقد ضمت الرسائل في جزئها الاخير بابين أحدهما للمناجاة مناجاة الله سبحانه بضروب من الابتهالات، ورد بعضها في القرآن الكريم أو في السنة المطهرة أو في مأثور الصالحين والصالحات على مر أجيال الامة.

أما الباب الثاني في مسألة التربية الروحية فهو المعروف بالمأثورات، وطّأ لها الامام بتأصيل للذكر من حيث مكانته في الاسلام وآدابه.

ثم كشف لأصحابه ولكل مسلم عما تخيّره لهم من وظيفة يلتزمون بذكرها في الصباح والمساء هي عبارة عن آيات وسور وأدعية منتخبة من الكتاب والسنة.

وذلك على عادة رجال التربية والتصوف الذين اقترحوا أو ألزموا تلاميذهم بأذكار محددة عونا لهم على الانتظام مع ذكر الله ودوام حضوره.

والجدير بالملاحظة في هذا الصدد جمع هذه الباقة بين الدعوة الى التفكر في آيات الله سبحانه (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون..الخ)

وبين تعدّد مواطن الابتهال والدعاء.

وأن هذه الادعية لا تغطّي فقط مقاصد العبد في الآخرة كالنجاة من النار والفوز بالجنة بل تغطي أيضا مطالب الدنيا: استعاذة بالله من الفقر ومن الاستبداد ومن غلبة التداين الى بجانب استعاذته من الكفر ومن عذاب القبر بما يجعل الذاكر الاسلامي الصحيح لا ينفصل عن العالم ويهرب من قساوته صوب دفء حياة روحية مقطوعة عن راهن المشكلات، فليست التربية على الهروب من تحديات الحياة من الاسلام في شيء وانما الاسلام التربية على ذكر الله جنبا الى جنب مع التربية على الجهاد والمغالبة والاقتحام.

إن الذاكر هنا يستمد من حلقة الذكر ومن مناخاته المشرقة قوة على مواجهة تحديات الحياة وما تزخر به من اغراءات, فهي لا تعزله عن مشكلاته بل تعدّه لمواجهتها في قوة وعزم وثبات ومبدئية .

كما أنها لا تعزله عن محيطه وأصحابه في دنيا الله الواسعة بل تنتهي الوظيفة بابتهال الى الله سبحانه يناجي فيه المؤمن ربه ويحاول أن يستحضر أحبابه ليشركهم فيما يرجوه من فضل ربه .

أما القسم الثاني من المأثورات فيتضمن وردا من القرآن الكريم، يستهله الامام ببيان فضل القرآن وبركة تلاوته والترغيب في تعلمه فهو مائدة الله المعروضة أطايببها على عباده .

ويتضمن القسم الثالث والرابع مختارات من الأدعية المأثورة عن صاحب الدعوة عليه السلام يحتاجها المؤمن في كل ما يعرض عليه ويمر به من مشاهد الكون وحركة الزمن وتقلبات الحياة من صبحه الى المساء.

وبذلك تتوثق وشائج العبد الضعيف مع نبع الرحمة والقوة والحكمة والخير والنصرة فيرى لله في كل شيء آية تشهد أنه الواحد وتسبّح بأسمائه الحسنى سبحانه فينخرط المؤمن في هذه السمفونية الكونية علما وعملا، وجدانا وسلوكا ، صبرا وشكرانا ،جهادا ومجاهدة، فردا وجماعة، وتفيض نفسه حبا لله سبحانه وأنسا به وشوقا الى لقائه وشكرا على نعماء لا تحصى ومدد لا ينضب، ومصابرة في جهاد لمنكرات لا يفتر ولا ييأس ، ف(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) أما المؤمن غير الغافل،

الذاكر لمعيّة الله، لسانه رطب بذكر الله، فهو في الدنيا يعمرها بالعدل والذكر، ولكنه أكبر منها ،يسعى لامتلاكها وعمارتها بالايمان ولكنها لا تملكه، بل يمشي فيها بين الناس نورا ورحمة وتقويما للمعوج، لا يهن عزمه عن غرس فسائل الخير، لا يصرفه عن عمل بدأه حتى نفخ الصور،حتى يلقى ربه وهوكادح اليه كدحا.

والصلاة والسلام على سيد الذاكرين وإمام المتقين وقائد الغر المحجّلين سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وجدد طريقته وجاهد جهاده من الأئمة الاعلام ومجددي الاسلام على مر الدهور وعلى مجدد هذا القرن نحسبه حسن البنا الامام الشهيد رضي الله عنه وأرضاه.

المصدر

للمزيد عن الشيخ راشد الغنوشي

مؤلفات وكتابات الشيخ راشد الغنوشي

.

أقرأ-أيضًا.png

مفات متعلقة

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

ألبوم صور الشيخ

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.

أقرأ-أيضًا.png
ملف الإخوان في تونس

.