الإسراء والمعراج عبر ودلالات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسراء والمعراج عبر ودلالات

رسالة من محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن سار على هديه وسلك طريقه إلى يوم الدين..

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1).

أيها المسلمون..

أيها الناس أجمعون..

أيها الحكام والرؤساء أجمعون..

إن المسجد الأقصى هو القبلة الأولى للمسلمين.. بُنِيَ على الأرض المبارك فيها للعالمين؛ أرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين.

و المسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تُشدُّ إليها الرحال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا و المسجد الأقصى".

و المسجد الأقصى بوابة السماء، وملتقى المرسلين؛ الذين عقدوا فيه أعظمَ مؤتمر بقيادة محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج؛ حيث كانت البيعة التي تؤكد وفاء الأنبياء والرسل بالميثاق الذي أخذه الله عليهم في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران: 81).

الإسراء يمنحنا الحق في فلسطين

وقد سبق في علم الله أن الصراعَ حول هذه البقعة المباركة من الأرض سيدور رحاه في قابل الزمن، وأن كل أمة ستدَّعي أحقيتَها بملكية هذه الأرض، وأحقيتَها في الاستيلاء والسيطرة عليها كعقيدة في دينهم؛ لأن نبيَّهم وَطِئ تلك الأرض بقدميه، والتاريخ شاهد ناطق بصحة ذلك.. ألا ترى إلى توالي الحروب الصليبية تترا للعودة إلى تلك الديار التي شهدت مولد المسيح!! وألا ترى تدفُّق شراذم بني صهيون ليقيموا دولتهم حول هيكل سليمان الموهوم، بينما المسلمون جميعًا والعرب خاصةً هم أصحاب هذه الأرض، ولا حقَّ لأحد سواهم فيها.

وإن الإسلام ليوجِب على المسلمين أن تكون هذه المنطقة تحت يد المسلمين وفي حوزتهم؛ حتى يكون طريق المسجد الأقصى آمنًا ومفتوحًا أمامهم، يشدُّوا الرحال إليه، ولا يصدَّهم عنه أحد، وإذا كان لهؤلاء في تلك الديار مقدساتٌ يعظِّمونها ويحجُّون إليها؛ فإن الإسلام يحترمها، ويحافظ عليها، وما صدَّهم عنها قديمًا ولا حديثًا، ولن يصدَّهم عنها مستقبلاً؛ لأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تعيش في كنفه بقية الأديان، دون إكراه لها على غير ما تعتقد، بل ويسمح لأصحابها بأداء شعائرهم.. أما غير الإسلام فإنه لا يرى إلا نفسه، ومن ثمَّ يسحق كل من عداه أو خالفه.

أستاذية العالم

وإن في إمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء في القدس في ليلة الإسراء إعلانًا لتسليم القيادة لهذه الأمة، وإذا كان أنبياؤهم قد اتبعوا نبينا صلى الله عليه وسلم، وصلُّوا خلفه؛ فعلى أتباعهم- لو كانوا صادقين في إيمانهم بأنبيائهم واتباعهم لهم- أن يتبعوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتموا به؛ لا سيما أن كتبهم التي بين أيديهم قد بشَّرت به كما جاء على لسان عيسى ابن مريم: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ (الصف: 6).

ولتعلم الدنيا وليسمع العالم أجمع أن البشرية سوف تعيش في أمن وأمان حين يظللُها الإسلام بعدله وحريته ومساواته ورحمته التي لم تفرِّق بين الناس بعقيدة أو جنس أو لون أو طبقة، وإنما الجميع أمامه سواء، ومن ثمَّ ينعم الجميع، وتهدأ الجنوب في المضاجع، وتجفُّ في العيون المدامع، ويتوقف سيل الدماء في الشوارع..

في المقابل نؤكد أن العالم لن يعرف الاستقرار ولا الأمن، طالما أن فلسطين لم ترجع إلى أهلها، وطالما بقيت قيادةُ العالم بيد تلك الحفنة التي تجرَّدت من الإنسانية ومن القيم والمثُل العليا، ولا تسعى إلا إلى مصلحة نفسها، وقلةٌ من هؤلاء هي التي تسعى لمصلحة شعبها ولو سحقت الشعوب الأخرى.

التفريط في القدس جرح للإيمان

إن فلسطين و القدس جزء من عقيدة أمة ما زالت تحيا رغم كل المعوقات والضربات، والقدس جزء من تاريخ الأمة الإسلامية التي ما زالت مرتبطةً بالعقيدة التي تسكن في الفؤاد؛ مما يجعل القدس في الأعماق محفورةً، وفي الشرايين تسري، وإن القدس جزءٌ من انتصارات الأمة، والانتصارات لن تتوقف بإذن الله.

وإذا كانت القدس حقًّا للمسلمين بنص كتاب الله؛ فإن التفريط فيها تفريطٌ في كتاب الله وحضارة الأمة وعقيدتها وتراثها، وإن التنازل عن أي جزء منها لليهود أو لغيرهم، بل إن مجرد الاعتراف بأي حق لغير المسلمين فيها ليس ملكًا لشخص أو جهة أو دولة بعد فتح المسلمين لها وإقرار الله لنا فيها، وإن فرض سلطان غير سلطان المسلمين على المدينة المقدَّسة يعدُّ في منطق الحق والخير والعدل والتاريخ إطفاءً لضوء الشمس في وضح النهار، وستبقى ثُلْمةً في عقيدة كل مسلم يرضى بالهوان، ولا يعمل على استرداد الحق المغتصب، وتحرير الوطن من رجس الاحتلال الصهيوني الغاشم، المدعوم من قوى البغي والاستبداد والظلم الأمريكي.

حقنا لن يعود عبر أروقة الأمم المتحدة

ليعلم المسلمون ويستيقن المؤمنون أن استرداد المقدَّسات، وصون الأعراض والدماء من أيدي بني صهيون، لن يتم عبر أروقة الأمم المتحدة، ولا عبر المفاوضات؛ فالصهاينة لا يعرفون غير أسلوب القوة، ولا يرجعون عن غيِّهم إلا إذا أُخذوا على أيديهم، ولن يكون ذلك إلا بجهاد مقدَّس، وتضحيات غالية.

ويوم أن يستيقنوا من أننا سنسلك هذا السبيل، ونرفع علَمَ الجهاد في سبيل الله، وسنتقدَّم إلى ميدان الجهاد، طمعًا في الاستشهاد وفي جنة عرضها السماوات والأرض، ويوم أن يتحقق ذلك فينا، ويعلم الصهاينة ومن يساندهم أننا نسلك السبيل الأقوم لاسترداد حقنا.. فإن الرعب سوف يدبُّ في قلوبهم، ويرجعون من حيث أتَوا، وتخلُص الأرض من رجسهم وشرورهم وفسادهم، ولا يبقى إلا أهل فلسطين الأصليون من مسلمين ومسيحيين ويهود؛ يظلِّلهم جميعًا عدلُ الإسلام ومساواتُه وحريةُ العقيدة.. ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

القدس ألم وأمل

إن القدس هي مصدر الألم اليوم، لكنها معقد الأمل غدًا، وإن سقوط القدس في يد المحتلين يمثِّل أقسى آلام أمتنا العربية والإسلامية، ويمثِّل منتهى الهوان والضعف، ولكنه في الوقت نفسه طريق الأمل الواعد بتوحيد جهود الأمة؛ على طريق الإيمان بالله و الجهاد في سبيله؛ ليكتب لها النصر المبين، وقد وعدنا الله بدخول المسجد الأقصى: ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوا تَتْبِيْرًا﴾ (الإسراء: من الآية 7) كما وعدنا بالنصر ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الروم: 47).

هل من نخوة عربية وغضبة إسلامية

عجيبٌ أمرُ حصار المسلمين في شِعب أبي طالب؛ حيث لم يرضَ به بعضُ أشراف العرب ورجالُها أصحاب النخوة والمروءة؛ فكانوا يخرقون الحصار ويقدمون لأهليهم الطعام والثياب، بل تحرَّك أحدهم محرِّضًا أصحاب الرجولة والحمية العربية مع أنهم لم يسلموا لكي يبطلوا صحيفة الحصار.. فهل يرتقي زعماء العالم المتمدِّن إلى ما كان عليه العربي قبل الإسلام؟! وهل نسمع من زعماء المسلمين وزعماء العالم الحر من يعلن خروجه على حصار أهلينا في غزة ويتقدم إليهم بالزاد والدواء والكساء والوقود ويساندهم لاسترداد حقهم من الغاصبين؟!

من الحصار إلى الإسراء

ومن الإسراء نأخذ درسًا مهمًّا يدفع إلى الثبات ويبعث الأمل في إخواننا في فلسطين؛ فالتاريخ يُعيد نفسه؛ فحين يئس المشركون من أن يصرفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه عن دينهم، وعجزوا عن ردِّهم إلى كفرهم، فكَّروا في حصار المسلمين، والذي أعقبه أن فتحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الآفاق، فذهب إلى القدس ، وصعد إلى السماء، ولم تمضِ بضع سنوات حتى غدت للإسلام دولةٌ مرهوبةُ الجانب، مسموعةُ الكلمة.. ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ (يوسف: من الآية 110).

إن في ذلك دعوة لإخواننا في فلسطين بالصبر والثبات على آلام الحصار، وإن طال أمده لكنه في النهاية دحرٌ للصهاينة وأمريكا، ومن يسارعون فيهم خشية أن تصيبهم دائرة أو تحلُّ بهم نازلة، كما أنه بشرى بأن صحائف الحصار سوف يمزِّقها الله بقدرته، ثم بثباتكم وجهادكم، وسوف يتحقَّق نصر الله الموعود، والتمكين للدين المشروط بعبودية لله لا تشرك معه أحدًا: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).

إن المسلمين اليوم في حاجة إلى العود الحميد والسريع إلى الإيمان الصادق، كما أنهم في حاجة ماسَّة إلى نبذ الخلاف والشقاق، والتآلف فيما بينهم والتمسك بكتاب ربهم، والتعرف على أعدائهم من خلاله، ورسم خطط المواجهة مع عدوهم؛ انطلاقًا من ثوابت الإيمان ونواميس النصر التي لا تتغيَّر ولا تتبدل، ولنا عودٌ إلى ذلك في الرسالة القادمة إن شاء الله، والله أكبر ولله الحمد.. والحمد لله رب العالمين.

﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)﴾ (الإسراء).

أيها المسلمون..

أيها الناس أجمعون..

أيها الحكام والرؤساء أجمعون..

الإسراء والمعراج منحنا نحن العرب والمسلمين الحقَّ في فلسطين ، وجعلنا شهداء على البشرية ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143)؛ فنحن ورثة الأنبياء، الذين يُرشدون الناس إن ضلوا، ويُنيرون لهم السبل حين تظلم، ويضعون أقدامهم على الطريق المستقيم: ﴿.. قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ (المائدة).

سبيلنا لنكون خير أمة

وحتى نكون خير أمة ونتمكن من قيادة البشرية لما فيه خيرها؛ يجب أن نستلهم من الإسراء الزاد الذي يؤهِّلنا لنصر الله ويتلخَّص ذلك في:

1- طهارة القلوب من الشرك والشك والذنوب التي تقطعنا عن السماء وملؤها بالإيمان؛ حتى تتمكَّن من الاتصال بالله.. ألا تلمح ذلك مما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "فَفَرَجَ صَدْرِي ثُم غَسَلَهُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جاءَ بِطسْتٍ مِنْ ذهَبٍ مُمْتلِئ حِكْمَةً وَإيمانًا فأفْرَغَهُ فِي صَدْرِي".

إنها التحلية بعد التخلية بالتوبة النصوح، وتطهير حياتنا من أكل الحرام والربا وأموال الناس بالباطل وأموال اليتامى، وخيانة الأمانة، وتطهير ألسنتنا من الغيبة والنميمة ومن أن نقول ما لا نفعل، أو الكلمات التي تشعل الفتن والحروب، وأن نطهِّر فروجنا من الزنا، وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صورًا من العذاب لهؤلاء تجعل المسلم يتوب ويستغفر مما وقع منه، ويصطلح مع الله.

كما يجب أن يملأ الإيمان قلوبنا؛ فهو القوة التي لا تُقهر، والسلاح الفعال في كل مواجهة مع الباطل، وإذا وُجِد الإيمان تحقق لنا كل عوامل النجاح، ويكفي أنه يجعل كل قوى السماء في صفنا.. ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينََ﴾ (الأنفال: من الآية 19)، ومن كان الله معه كان معه كل شيء، ومن خذله الله فلا ناصر له.

2- دوام الصلة بالله والعروج الدائم بقلوبنا نحو السماء.. وذلك بالمحافظة على الصلوات الخمس، وقد فُرضت في ليلة الإسراء وبتكليف مباشر لأهميتها ومنزلتها؛ فهي معراج المؤمنين، وحتى يتحقق لنا الفلاح يجب أن نحرص على إقامة الصلاة في وقتها وفي جماعة وفي المسجد مع الخشوع.. ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾ (المؤمنون).

وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم تُرضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رُضِخَت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء؛ فقال: "ما هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة".

3- الاستجابة لأمر الله وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم.. فذلك يمنحنا الحياة الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 24)، ومع الحياة الكريمة نور يكشف لنا الظلمات: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ (الأنعام: من الآية 122).

4- أن نحدِّد وجهتنا وأن نلتزم منهاجنا.. ففي ليلة الإسراء- كما جاء في الأثر- تعرَّض إبليس للرسول صلى الله عليه وسلم لينحِّيَه عن الطريق "فيقول هلم إليَّ، وداعي اليهود وداعي النصارى يتعرضان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله، قائلين: انظرنا نسألك، فلم يجبهم، ومضى في طريقه..".

وهكذا يجب أن يكون المسلم.. يعرف طريقه ولا ينحرف عنه يمنةً ولا يسرةً، ويمضي إلى غايته، وليحذر مزخرف القول: "الديمقراطية، الحرية، المساواة، حقوق الإنسان.." كلمات لا نشاهد في الواقع إلا نقيضها.. دكتاتوريات تُدعم، وحريات تُسلب، وتفريق بين الناس لجنسياتهم.

  • ألا تدهش معي من أنهم ينادون بمحاكمة مجرمي الحروب وهم قادتها!.'
  • وألا تعجب ممن يشرِّعون لأنفسهم بعدم محاكمة جنودهم أمام المحاكم الدولية!.
  • وألا يزداد العجب ممن يشرِّعون لاحتلال العراق بمعاهدة أمنية تنص على عدم محاكمة لجنود التي تنتهك حقوق الإنسان؛ فتعتدي على العِرض وتقتل الطفل والشيخ والمرأة، وتنهب الخيرات، وتهلك الأخضر واليابس، دون أن يتعرض لهم أحد!.

5- أن نتحرر من اليأس، وأن نوقن بأن نصر الله آتٍ، وقد لاحت بشائره.. فالرسول صلى الله عليه وسلم حين تجمَّعت عليه الأحزان بموت زوجه وعمه، وبذلك زاد أذى قريش له، وأعقب ذلك ما كان من أذى الطائف.. وسط هذه الأحزان والشدائد يأتي الإسراء والمعراج ليقول له: إذا ضاقت بك الأرض فإن أبواب السماء تفتح لك، وإذا تجهَّم لك الناس وآذوك؛ فإن الأنبياء والملائكة ترحِّب بك، ويلقونك بالبشر، وربك الذي بيده ملكوت السماوات والأرض يدنيك من عرشه، ويفيض عليك من نوره، ويُريك من آياته: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾ (النجم).

هذا يجعل المسلم يوقن أن الفرج بعد الكرب، وأن النصر مع الصبر: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

وقد طلعت علينا بشائر النصر.. في فلسطين وفي العراق وفي أفغانستان؛ ف المقاومة و المجاهدون أقضُّوا مضاجع المعتدين، ولا يمضي يوم إلا ويزداد يأسهم ويقوى الأمل فينا.. ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾.

6- أن يكون الجهاد في سبيل الله هو السبيل الوحيد لاسترداد حقوقنا.. وليسمع كل من يمد يدًا للتفاوض مع عدوّه أنها سوف تُعَض، ولن يردوا إليه حقًّا، والتاريخ شاهد على أن هذه الأيدي ملوثة بالدماء في القديم والحديث، ولن تتورَّع عن الولوغ في دمائنا في المستقبل، ولن يردعهم إلا أن يروا منا عزمًا صادقًا على أخذ حقِّنا، مهما كلفنا من تضحية واسترداد حريتنا، ولو بذلنا أرواحنا، فإما أن نحيا كرامًا أحرارًا، أو نموت شهداءَ أبرارًا، ونحن نعلن للعالم أجمع أن من شعارنا ولن نحيد عنه قيد أنملة: "الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

7- أن نستفيد من تجارب الدعاة السابقين والاستماع لنصحهم متى توفر الإخلاص والأمانة والصدق.. فإن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، ويستفاد ذلك من قول موسى عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: أنه عالج الناس قبله وجرَّبهم..

ألا يستفيد من ذلك كل مسلم مخلص صادق؛ يعمل لدين الله، فيستفيد من تجارب من سبقوه، ولا داعي لأن يجرِّب هو حتى يرى بنفسه؛ ففي ذلك إضاعة للوقت والجهد، ومنح الفرصة للأعداء، وتأخير في الوصول إلى الأهداف والغايات.

وفي الإسراء.. نرى الواقع ونبصر الأمل

وهذه دلالات من سورة الإسراء تصور الواقع وتبعث الأمل:

  • الحديث عن الإسراء مقرون بإفساد بني إسرائيل.
  • توعد الله بني إسرائيل بأن يبعث "البعث حياة من بعد موت، ويقظة من بعد نوم" من يطهِّر الأرض من فسادهم، ويخلص العباد من شرورهم.
  • فتح لهم باب التغيير، وأن من الخير لهم أن يحسنوا ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ (الإسراء: من الآية 7).
  • مع فتح باب الرحمة توعَّدهم بأن يرسل عليهم بمن يضرب على أيديهم إن عادوا إلى الفساد.. ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ (الإسراء: من الآية 8).
  • وعدنا الله بعودة المسجد الأقصى.. ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء: من الآية 7).
  • أرشدنا الله إلى الطريق الأقوم.. ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: من الآية 9).

نداء لوحدة الصف الإسلامي

أيها المسلمون أجمعون..

هل نتَّحد على منهج القرآن الكريم، والذي يدعونا إلى الاتحاد وينهانا عن التفرق.. وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: من الآية 103).

واعلموا أيها المسلمون أن أعداءنا يكيدون لنا ليمزقوا وحدتنا، وليس ما يقع في فلسطين والعراق ولبنان والسودان إلا دليلاً على أنهم يغرسون بذور الفتنة، وينفخون في نار الفرقة بين المسلمين؛ فهل يفيق الشارد وينتبه الغافل ونتحد لمواجهة الغاصب المحتل؟!

أيها الإخوان المسلمون..

هذه طريقكم، وتلك معالمكم، فلا تحيدوا عنها، ولو تخلى عنها الناس جميعًا، ونحن على يقين من أن أعداءنا يدركون عظمة دعوتكم، وأنها بعث الإسلام في الحياة من جديد، وأن جندها هم الوحيدون القادرون على قهر اليهود وهزيمتهم، وأنها العقبة الكئود في سبيل نيل أمريكا مآربها من الشرق الأوسط وغير الشرق الأوسط، ومن ثمَّ فهم يجمعون كل جند الباطل، ويسخِّرون ما لديهم من طاقة، وينفقون مئات المليارات من الأموال من أجل القضاء عليكم؛ فلا ترهبوهم ولا تخافوهم..

﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج: من الآية 78).. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.

المصدر

للمزيد عن معجزة الإسراء والمعراج

تاريخ احتفالات الإخوان بالإسراء والمعراج

كتابات الإمام حسن البنا عن الإسراء والمعراج

كتابات الأستاذ محمد مهدي عاكف عن الإسراء والمعراج

كتابات الأستاذ محمد مهدي عاكف عن الإسراء والمعراج

مقالات أخرى عن الإسراء والمعراج

.