صفحات من تاريخ الإخوان في العبادة والكرامات
إعداد: موقع إخوان ويكي
بقلم: أ/ علاء ممدوح ،أ/ أشرف عيد
مقدمة
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم :
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (3.) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)}
لقد أعلن الإمام الشهيد حسن البنا حين أسس جماعة الإخوان المسلمين أن دستورها هو القرآن الكريم ،وحرص أيما حرص على تربية الأخ تربية قرآنية في عباداته و معاملاته ليكون سببا في نصر الله تبارك و تعالى لا مانعا له ... وليكون مهيئا للصمود في وقت المصاعب و المحن مستحقا لتنزل الكرامات تثبيتا له من عند الله تعالى .
وقد نجح الإمام البنا في تلك التربية و ذاك الإعداد بتوفيق الله تعالى له ، فكان نصر الله لهذه الجماعة نصرا مؤزرا في جهادها ضد اليهود و الصليبيين ،ثم كان تثبيته تبارك و تعالى لهم في محنهم والشدائد التي مرت عليهم بعبادات وفقهم لآدائها و الحفاظ عليها ، و كرامات أراهم إياها فكانت بردا و سلاما على قلوبهم وليثبت بها الأقدام .
عبادات وكرامات
يحكي الأستاذ عباس السيسي هذا الموقف الذي يبن كيف كان حال الإمام البنا مع ليله إذا هجع الناس وناموا بليلهم فيقول:
ذهب الأمام الشهيد إلى مؤتمر بالمنزلة دقهلية وبعد الفراغ من المؤتمر ، و الذهاب إلى النوم ، توجه الإمام و في صحبته الأستاذعمر التلمساني إلى حجرة بها سريران ، ورقد كل على سريره .
وبعد دقائق قال الأستاذ : أنمت يا عمر ؟ .
قال : لا .
وتكرر السؤال .
وتكرر الرد.
وقال الأخ عمر في نفسه إذا سأل فلن أرد .
وظن الأستاذ أن الأخ عمر قد نام .
فتسلل على أطراف أصابعه ، وخرج من الحجرة ، وأخذ نعليه في يده ، وذهب إلى دورة المياه حافياً ، حيث جدد وضوءه ، ثم اتجه إلى آخر الصالة ، وفرش سجادة ، وأخذ يتهجد ."
ويحكي عن موقف آخر مع الإمام البنا رحمه الله حدث معه شخصيا فيقول :
" مضت الأيام وجاء الأستاذ المرشد إلى الاسكندرية فى ليلة من شهر رمضان المبارك، وكان معه وفد من الإخوان بالسودان وبعد أن حضروا مؤتمرا شعبيا فى حى باكوس، عاد الأستاذ إلى دار المكتب الإدارى قبيل منتصف الليل، وأوصانى أن أوقظه قبيل الفجر لتناول السحور ولكنه بقى فى حجرته يصلى القيام لفترة طويلة ثم نام."
هذا هو الحال الذي كان عليه مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ، الإمام البنا رحمة الله عليه في العبادة وقيام الليل خاصة ، والذي يعد الزاد الأساسي و الأهم لكل داع إلى الله... لقد كان يتزود في ليله للعمل لربه في نهاره ... ليس هذا فقط بل كان أيضا حريصا على التخفي في العبادة رجاء الإخلاص ..
وعلى هذا الأساس المتين الذي كان عليه رحمه الله ، ربى الإمام البنا أفراد جماعته يقول رحمه الله تعالى :
" أيها الإخوان الصادقون:
أركان بيعتنا عشر فاحفظوها:
وذكر منها " .... الإخلاص و العمل ......".
ويشرح الإمام البنا رحمه الله معناهما فيقول :
وأريد بالإخلاص :
أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله , وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر , وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة , لا جندي غرض و منفعة , (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا) و (الله أكبر ولله الحمد) .
وأريد بالعمل :
ثمرة العلم والإخلاص : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:1.5) .
و مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق :
1 - إصلاح نفسه حتى يكون - وذكر الإمام البنا رحمه الله من ذلك -:"سليم العقيدة , صحيح العبادة ". - وعلى هذا تربى كل الإخوان قيادات و أفرادا ، وكانت العبادة هي زادهم الروحي ، وسبب قوتهم و صمودهم و ثباتهم في وجه زلازل المحن و أعاصير الفتن .
فهاهو المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي يجد في العبادة ، ويوصي بذلك .. يقول المهندس محمد الصروي : " ويحكي الإخوان أن المرشد حسن الهضيبي كان يقرأ يومياً عشرة أجزاء من القرآن الكريم ويختم كل ثلاثة أيام، وكان يعتب على الأخ محمد عاكف (المرشد السابع)أنه يقرأ ثلاثة أجزاء يومياً ويحضه على أن يختم كل ثلاثة أيام."
- وهذه العبادة التي تربى على آدائها الإخوان ، ما فارقوها حتى وهم في سجون المجرمين مغيبون ظلما و عدوانا .. بل زادوا منها و اجتهدوا فيها أكثر و أكثر .
وهذه بعض الروائع يحكيها الأخ المهندس محمد الصروي فيقول :
" كان فاروق المنشاوى يصلى بنا في نهاية اللقاء ركعتين قيام الليل يطيل فيهما القراءة والركوع والسجود , ويقرأ بصفة دائمة قوله عز وجل " كل نفس ذائقة الموت , وإنما توفون أجوركم يوم القيامة , فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ... " ويطيل التأمل فى كلمة ( فاز ) .. حتى فاز بالشهادة رحمه الله .
كان الأخ مبارك عبد العظيم .. يصلى قيام الليل يستفتح بسورة البقرة .. ويتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم .. كما روى البخاري كانت قراءته مدا .. يمد ببسم الله , ويمد بالرحمن , ويمد بالرحيم كما تحدث السيدة عائشة رضى الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم .. يقف مبارك عبد العظيم قارئا بهدوء وسكينة حتى تتملل أقدام المصلين وراءه ثم يركع .. وبعد السلام .. يقول " هذا هو الطريق " ولقد كان له فضل التربية الروحية لغالبية أبناء تنظيم القاهرة والجيزة ."
ويواصل رحمه الله تعالى كلامه قائلا :" فعاش الإخوان في فترة بقائهم في عنبر الإيراد بالحياة مع القرآن الكريم.. فهذا الأخ عبد الرحيم الزيادي (من إخوان المنصورة) يختم القرآن كل يوم.. لسانه دائماً وقلبه يلهجان بالقرآن الكريم.
وهذا الأخ عبد القوي عطية بدر (من إخوان المحلة) كنت أنام بجواره، فكلما استيقظت بالليل أجده واضعاً رأسه على المخدة ولسانه منشغل بقراءة القرآن. وهذا الأخ محمد جمعة حامد (صاحب مصنع ألبان في شربين دقهلية) يقرأ القرآن ليل نهار..
وكل أسبوع نحتفل بختم حفظ أحدنا للقرآن الكريم.. ولقد ختمت حفظ القرآن بفضل الله وكرمه في أكتوبر 1967 م بعد وصولنا إلى الليمان بأربعة أشهر"
ويواصل الصروي سرد الروائع التي حفل بها تاريخ الإخوان في العبادة فيقول:
" كان كثير الصلاة بالليل .. ولقد جاورته في غرفة رقم ( 5) في مزرعة طره عنبر رقم ( 2) فكان يصلى العشاء وينام بعد الصلاة مباشرة ثم يقوم في حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا ... صيفا شتاءً ويظل يصلى حتى صلاة الفجر .. ولم يكن أحد من الشباب يستطيع أن ينافسه في هذا الخير رغم أن عمره كان قد تجاوز الستين وأغلب من معه في الحجرة شباب بين الثلاثين والأربعين .."
وهاهو الأستاذ حسن دوح يخبر عن عبادته في السجن الحربي فيقول :
" : لقد ساقوني إلى السجن الحربي وألقوا بي في زنزانة ضيقة كان بها سرير وقلة ماء وأقفل على الباب ولم أكن أسمع ولا أدرى ما يجري حولي، اللهم إلا أبواب زنزانات تفتح وتغلق وكان من حسن حظي وفضل الله علي أن جعل القرآن أنيس هذه الوحشة، فقد تيسر لي مصحف صغير استطعت أن أخفيه من الحراس فعشت معه طيلة أيامي، وقد كنت أختم المصحف كل ثلاثة أو أربعة أيام.."
- وما من سجن دخلوه إلا ويشهد لهم بعبادتهم... فكما كانوا يرتبون و ينظمون أمورهم ... كانوا أيضا ينظمون أوقات عبادتهم ... يقول الأخ علي أبو شعيشع في كتابه " يوميات بين الصفوف المؤمنة " :
" إن هذا المعتقل كان فيه أسرة (جمع سرير)، لكن بسبب كثرة عدد المعتقلين كان كل اثنين من الإخوان المعتقلين ينامان على سرير واحد.. وقد تم توزيع بطاطين (أغطية) عليهم... وكعادة الإخوان قاموا بترتيب المعتقل.. وأبرز ما حدث في هذا المعتقل هو السرعة الفائقة في تنظيم الإخوان لأمورهم داخله رغم أنه كان مجرد محطة للترحيل إلى جبل الطور.. ومن هذه الترتيبات:
- طابور رياضة الصباح لجميع الإخوان.
- تقديم الوجبات الغذائية وانتظامها.
- إيقاظ الإخوان قبل صلاة الفجر.
كان أحد الإخوان وابنه يطوفان المعتقل يرددان نداءً عذبًا:
- قمْ واعبدْ الحي الذي لا ينام
مولاك يدعوك إلى ذكره
- وأنت مشغول بطيب المنام"
حتى أعداءهم شهدوا لهم بذلك يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
" الأستاذ عبد العزيز عطية أكبر أعضاء مكتب الإرشاد سنًا ، والأب الروحي للجميع ، والذي وصفته التقارير السرية بأنه لا يشغله إلا قيام الليل وقراءة القرآن والنيل من جمال عبد الناصر".
وظل الإخوان على العهد في ديمومتهم على العبادة وازدادوا في ذلك كثيرا حتى ارتفع رصيدهم الروحي إلى عنان السماء ، فاستصغروا كل ما واجهوه من ابتلاء و امتحان وثبتوا في الميدان أسودا ... فهم يعلمون أن من لا زاد لديه يخشى عليه ...
يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :" ... تعلم عبدالناصر من مهارات التنظيمات السرية الكثير .. وله ذاكرة حديدية وهو مولع بالسلاح .. وحمل السلاح .. والتعامل معه , لكن رصيده الروحاني كان ضعيفا فلم يصمد أمام العاصفة ولأمر ما يقول المولى عز وجل لمن يحمل السلاح ويواجه به الأعداء " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " .. فالفرد المجاهد لا بد أن يكون له من كثرة الذكر الحظ الأوفر .. فالذكر أهم عوامل الثبات عند لقاء العدو وعند الأزمات العاصفة .. والآية الكريمة تحدد عوامل الثبات عند المواجهة.
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة :
1. ... فاثبتوا.
2. ... واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .
3. ... وأطيعوا الله ورسوله .
4. ... ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم .
5. ... واصبروا , إن الله مع الصابرين .
6. ... ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله .. والله بما يعملون محيط.
هذه هي عوامل الثبات التي تحددها الآية الكريمة في سورة الأنفال .. كما أفهم .. والله اعلم بمراده " .
- حتى بعدما خرجوا من سجون الظلمة ظلوا على حالهم من العبادة مع الله تعالى، ومثالنا على ذلك الحاج حامد الزقم الذي يقضي وقته معتكفا على كتاب الله عز وجل يختمه كل خمسة أيام ، إضافة إلى محافظته على صلاة القيام برغم بلوغه 85 عاما.
وهذا التاريخ الإخواني الحافل بالاجتهاد في العبادات في السراء وفي الضراء آتى أكله بثمار طيبة زكية من كرامات تفضل الله بها على الإخوان ليزدادوا بأمر الله ثباتا و صمودا و قوة وهم المظلومون وراء الأسوار ، والمجوعون ، و المكدرون .
ليفرحوا بنصر الله لهم ، ويموت المجرمون بغيظهم .
وهذه نماذج لبعض الكرامات التي حفل بها تاريخ الإخوان المجيد والتي تنوعت ما بين أحداث يثبت الله بها الأقدام و رؤى تطمئن النفوس:
نبدأ بما حدث مع الإمام حسن البنا رحمه الله إذ يقول :
" وأذكر أننا في الطريق وقد وصلنا إلى زفتى حوالي الساعة الثانية صباحاً وجدنا أن الكوبري مغلق فلم يكن بد من أن نمر على قناطر"دهتورة"، في طريق كثيرة التعاريج والالتواءات لا يعرفها السائق وليس بها خبيرا، وكنا في العاشر من الشهر العربي تقريباً والقمر يلقي أضواءه على الماء فيبدو كأنه أرض مستوية، وجاوزنا القناطر أو خيل لنا ذلك واندفع السائق في سيره ولم يرعنا إلا وقوفه فجأة وتأملنا فإذا نحن على لسان من الأرض ممتد في الماء لا يزيد عرضه على عرض عجلات السيارة. ومعنى هذا أننا إذا حاولنا النزول ففي الماء وإذا حاولنا الحركة فقد تنحرف يد السائق شمالاً أو يميناً ولا شيء إلا الماء أيضاً. والعجيب أن مقدم السيارة لم يكن بينه وبين اللسان إلا نصف متر تقريباً.
واضطرب بعض الإخوان وحاول التحرك من موضعه فكان الأمر حازماً جازماً بعدم الحركة حتى تهدأ السيارة والأعصاب ونفكر فيما سيكون وضحكت وقلت لأمين الطعام أين الشاي المحفوظ عندك؟ فقال: ولماذا؟ فقلت: نشرب فقال وتمزح في هذه الساعة؟ وكان هذا الأخ محمود الجعفري وكان خفيف الروح عذب الحديث شجاع النفس بادي المروءة، فقلت له بل أجد يا محمود فهات الشاي وامتثل الأمر، وأخرج الترمس من جانبه وصب شايا وأخذنا نشرب ونحن على حافة الموت فعلا ولكنها رعاية الله. وبعد أن هدأنا وهدأ السائق والسيارة أخذ الأخ حسن يوسف وهو قائدنا وسائقنا الماهر يتحرك إلى الخلف في سرعة لا تزيد عن بطء السلحفاة وكله حذر وأعصاب. ومضى نصف ساعة تقريباً ونحن على هذه الحال حتى انتهينا إلى عرض مناسب في الطريق واندفعنا إلى الصراط المستقيم وأنجانا الله من هول هذه اللحظات. وكان عجيباً كذلك أن نصل إلى الإسماعيلية حوالي الساعة السادسة صباحاً تقريباً فنرى أن السيارة نفد كل ما فيها من زيت ولا ندري بم كانت تسير، وهي والمصادفة الموفقة أن يوافق نفاد الزيت نهاية الشوط والحمد لله على منه وكرمه وجميل لطفه" إن ربي لطيف لما يشاء"..
- في أثناء التدريبات لحرب 48 بفلسطين وكان الأخوة يتدربون في بعض الجبال فتاهوا في الجبل ولم يستطيعوا الوصول لطريق السكة الحديد .
فظلوا في حيرة فإذا بصوت الامام البنا يأتيهم سيروا في اتجاه كذا ثم كذا حتى وصلوا إلى الطريق وركب الأخوة القطار فنزل الأخ قائد المجموعة على بيت الإمام أولا فطرق الباب ففتح له الإمام وقال هل عرفتم الطريق فانكب الاخ يقبل يد الامام ويؤكد القصة د.خالد أبو شادي في ملتقى الإخوان قائلا:
"القصة سمعتها بأذني من الأستاذ أحمد سيف الإسلام في بيته، وهو سمعها من الأستاذ أحمد نار صاحب القصة والذي سمع الصوت، وذلك أثناء التقائهما في المعتقل في آخر الستينات، وقال الأستاذ أحمد نارأن الإمام البنا استأمنه أن لا يذكر هذه الوقعة لأحد، ولكنه قال للأستاذ سيف أنك من صلب الإمام وذريته وسأقصها عليك إكراما للبنا في شخص ابنه، رزقنا الله قوة الصلة بالله والقرب منه، فهذا هو المستفاد من قصة كهذه، وإلا فكرامات إمامنا الأكبر متمثلة في غرسه الذي أثمر في بقاع الأرض شرقا وغربا تقض مضاجع اليهود وتغيظ الظالمين والطغاة المستكبرين وتحمل الخير للعالمين."
يقول الأستاذ حسن دوح :
" ولكني فوجئت بالأستاذ البنا وهو يطلب مني إرجاء السفر فحزنت حزنا شديدا، ولكني لم أشأ أن أخالف أمر رجل لم نتعود من قبل مخالفته حبا فيه، وتقديرا للسمع والطاعة التي جبلنا عليها..وعدت إلى بيت سعيد أنتظر أوامر أخرى وبعد عشاء اليوم التالي أرسل إلى الأستاذ البنا رسولا برسالة لا أزال أذكرها: أذهب إلى الإسماعيلية لتعزي في بديلك .. وفسر لي حامل الرسالة ما حدث، قال لي: إن يوسف طلعت اصطحب معه شابا آخر من الإسماعيلية ليقوم بالحراسة بعد أن أرجأ الأستاذ سفرك.. وأن السيارة التي استقلاها انكفأت بهما وتحطمت بالقرب من الإسماعيلية وقتل فيها المرافق ونجا يوسف من الموت بأعجوبة. هذه القصة على الرغم من بساطتها تكشف لنا من شفافية الرجل وهي من قبيل كرامات الصالحين."
وكرامة أخرى يرويها الأستاذ محمود عبد الحليم :
" وقد أخبرني الأخ الأستاذ محمود الجوهري أيضا قال : كنا نستعد للتجمع لهذه المظاهرة وكانت وقفتي بجانب الأخ محمد عبد الرحيم وهو مسند ظهره إلي سور مدرسة المحمدية بشارع أحمد عمر قريبًا من المركز العام وكان في زيه المعروف به وهو الجلباب الأبيض والعمامة البيضاء الكبيرة وسمعته يقول قولة لا أنساها " إنني أشم اليوم رائحة الجنة " وأذكر أن الأخ الأستاذ لبيب البوهي قد أخرج قصة باسمه في ذلك الوقت . وقد رأيت بإيراد هذه اللمحات أن يتبين القارئ في ضوئها صورة للمواقف ومدي البون الشاسع بين الأم الثكلى والنائحة المستأجرة . ولم يفت الأستاذ المرشد في خلال هذا الإجراء الغاشم من البوليس أن يعتب علي اللواء سليم زكي حكمدار القاهرة" ...
كرامات الإخوان في السجون
وهذه الكرامة حدثت للأستاذعباس السيسي يرويها فيقول :
" فى السجن الحربى أغسطس 1965 أخرجت من الزنزانة بالإرهاب المعروف للتحقيق معى أمام العقيد شمس بدران .. وكان التحقيق يدور حول موقف الأخ محمد نصر الدين قاسم الموظف بكلية هندسة الإسكندرية بشأن صلته بتنظيم إسكندرية الأخير .. وقد ذكرت لشمس بدران حقيقة موقف الأخ محمد نصر الدين من التنظيم بكل صدق وأمانة وبعد أخذ ورد وشىء من الإرهاب أخذنى جندى الحراسة وأعادنى إلى زنزانتى.. وبعد فترة من الوقت وكان الوقت محددا للذهاب إلى العيادة لتضميد الجراح من أثر التعذيب أخرجنى العسكرى من الزنزانة فى طريقنا إلى العيادة، وفجأة قال العسكرى (قف) فوقفت كما أنا وذهب هو لبضع دقائق، وفى هذه الحالة كان مكان وقوفى أمام زنزانة بعيدة عن زنزانتى وفجأة سمعت صوت الأخ محمد نصر الدين ينادينى من ثقب الزنزانة ويقول لى أنا استدعيت أمس مساء من سجن أبى زعبل للتحقيق معى. فأسرعت أحدثه بصوت يسمعه هو فقط دون أن ألتفت يمينا أو يسارا حتى لا ألفت النظر - وقلت له كل ما حدث بينى وبين شمس بدران بالنص وجاء الجندى وذهبت إلى مكان العيادة - وبعد لحظات جاء عسكرى من مكاتب التحقيق وأخرج محمد نصر الدين من الزنزانة وتوجه معه إلى مكاتب التحقيق أمام شمس بدران وذهل شمس بدران من الإجابة التى جاءت مطابقة تماما لما سبق أن قلته أمامه .. وسأل شمس بدران عن أماكن تواجدنا فى السجن فقيل له إن كلا منا بعيد عن الآخر فضلا عن أن الأخ محمد جاء من سجن أبى زعبل أمس ولم يحدث أى لقاء بينهما !؟"
وتلك كرامة أخرى عجيبة يحكيها أيضا الأستاذ عباس السيسي ، يقول :
" وروى لى الأخ مصطفى المغير أنه أثناء التحقيق معه فى سجن القلعة بالقاهرة فى أحداث 1965 - طلبوا منه الدخول فى دولاب من (مصراعين).. وأمروه أن يقف فى جزء من الدولاب متصلباً بحيث لا يستند إلى أى جنب من الدولاب. وقد وقف لمدة من الوقت ثم استدعوه للتحقيق وسألوه عن أسماء بعض الأخوة الهاربين. ويقول الأخ أنه حين كان يقف فى هذا الدولاب.. سمع الضابط يحقق مع الأخ المهندس سيد شريف وهو خريج كلية الهندسة وزميله فى الكلية وسمع كل ما قاله عنه شخصيا وقد استفاد بما سمعه منه وهو فى هذا الدولاب العجيب. وحين خرج وسأله الضابط عن سيد شريف أجاب بما سمع.. ويقول الأخ الذى وقع معه التحقيق - أنه بعد أن انتهى التحقيق بعدة سنين تقابل مع الأخ سيد شريف فى سجن مزرعة طره أو سجن طره. وأخبره بما حدث معه فى سجن القلعة - فقال له الأخسيد شريف أنه لم يذهب إلى سجن القلعة على الإطلاق ولم يحقق معه هناك!! وأدرك الأخ أن الذى سمعه كان إلهاما من الله تعالى وهو يعيش داخل هذا الدولاب (دولاب التعذيب) ".
وقصص أخرى يحكيها الأستاذ السيسي فيقول :
" ... أطلق الصول صفوت الروبى صفارته وفى لمح البصر كان الإخوان جميعا خارج الزنازين ووجوههم للحائط لا حركة ولا صوت على الإطلاق بحيث إن الواقف فى حوش السجن لا يرى سوى ظهور الإخوان ويستطيع أن يلمح أى حركة تصدر من أى واحد حتى ولو حاول أن يطارد ذبابة ثقيلة تقف على وجهه. فإذا تحرك ينادى عليه ليأخذ نصيبه من الكرابيج.. ثم أطلق الصول صفوت الصفارة الثانية فإذا هذا الجمع الهائل فى الحوش واقفون ينتظرون أوامر الطاغوت ونادرا ما تكون فى صالح المعتقلين.. وفيما الإخوان يقفون ثابتون صامتون والطاغوت يتفرس فيهم. إذا بالأرض تهتز بقوة وأدرك الإخوان أنه زلزال ونظر الصول صفوت وهو مشدود إلى الإخوان يقول لهم يا أولاد الكلب حظكم من حديد .. لو كنتم فوق الآن لوقع بكم السجن وخلصنا منكم. هكذا يريد صفوت الروبى!! والواقع أن بناء السجن قديم وليس متماسكا ومرتفع إلى أربعة أدوار . ولكن الله سلم وأغاظ الظالمين."
ويقول الأستاذ السيسي أيضا :
" كانت إدارة السجن تصرف فى بعض الأيام أطعمة محفوظة - منها سمك روسى مطبوخ - ولما كان من المعروف أن الإخوان يصرف لهم ربع قيمة التعيين أو ثلثه على الأكثر من المقرر لهم وباقى الكمية سواء فى السمك أو اللحوم أو الجبنة أو البيض يكون من نصيب بضعة عساكر لا يتجاوز عددهم فى السجن الكبير عشرة - هؤلاء يأكلون باقى الكمية بصورة شرهة مقززة .. وأكل الإخوان ما قدموه لهم من الأسماك وحمدوا الله تعالى . وفجأة وبعد حوالى ساعة من تناولهم الطعام .. دوت الصفارات فى السجن ونزل الإخوان إلى الحوش ووقف صفوت الروبى أمام الطابور يسأل الإخوان - هل يوجد أحد منكم عنده إسهال فيرد الإخوان لا - فيقول حد منكم عنده مقص فيرد الإخوان لا ؟ فيضرب كفا على كف ويأمر بالإنصراف. وتبين بعد ذلك أن جميع العساكر أصابهم تسمم وذهب بعضهم إلى المستشفى فى حالة إعياء شديد .. نعم لقد أكل كل عسكرى من الحراس بقدر ما يأكله عشرون من الإخوان أو أكثر. لهذا كان التسمم مركزا عندهم ولم يظهر له أثر على الإخوان!؟"
ويواصل الأستاذ عباس السيسي حكاياته عن بعض من كرامات الإخوان في السجون فيقول :
" كان بين الإخوان فى كل السجون ترابط يجمعها لتنظيم شئونهم واحتياجاتهم .. كما كانت بينهم مكاتبات ومراسلات وكتب وأشياء تعتبر ممنوعة فى قانون السجون. وكان الأخ الذى يتولى شئون المحافظة على هذه الوثائق عليه تبعة كبيرة وخطيرة . فعليه مراقبة كل قادم من الضباط للتفتيش وخاصة فى صباح كل يوم كما هى العادة فى لوائح السجن .. وذات يوم وفى الصباح فوجئ الإخوان فى سجن قنا بقدوم حملة تفتيشية من ضباط مباحث السجون من القاهرة .. وكان الإخوان لا يزالون داخل الزنازين وهى مغلقة عليهم. فاستطاع الإخوة أن يتخلصوا من كل هذه الممنوعات الموجودة لديهم.. وبقى أمر خطير جدا .. أن هناك حقيبة موجودة فى حجرة المخزن وهى حجرة معزولة وبعيدة المنال ويوجد بالحقيبة أوراق هامة.
وجاء الضباط وفتحوا حجرة الحقائب واختاروا بعض هذه الحقائب وفتشوها ولم تقع أيديهم على هذه الحقيبة رغم أنها كانت قريبة من أيديهم.. وكان الأخ محمد سليم رحمه الله هو المسئول عن هذه الحقيبة. وسئل الأخ محمد عن شعوره قبيل التفتيش - فقال إن هذه دعوة الله وهو صاحب الشأن يفعل ما يشاء . وكان موقف الأخ محمد فى توكله الكامل على الله صورة رائعة من الإيمان - وانتهى التفتيش بعناية الله ورعايته ولم يمسسنا سوء !!"
وتلك قصة فيها من لطف الله تعالى و فضله الشيء الكثير يخبر بها الأستاذ محمود عبد الحليم فيقول :
" بل إنه اختار أضعفنا جسمًا ، وأكبرنا سنًا ،وأقربنا إلي الشيخوخة ، وأمر أن يوضع معه في الزنزانة كلبه المتوحش ، وكان هذا الأخ هو الدكتور مصطفي عبد الله .. وكان معني هذا الأمر الفاجر إلا يصبح الصباح علي الدكتور مصطفي عبد الله إلا وقد فتك به ، ومزق إربًا إربا .. وما كنا نملك له ولا لأنفسنا شيئًا .
واختير لحراستنا حارس يبدو أن الذي اختاره ليس هو ذلك الفاجر ؛ لأنه كان الحارس الوحيد الذي كنا نلمس في تصرفاته معنا الأدب والرحمة وقد نسيت اسمه ولابد أن بعض من زاملونا في خلال تلك الفترة في هذا السجن من الإخوان يذكر اسمه . وقضينا الليلة الأولي ونحن أقرب ما يكون من الله حيث كان التجرد كاملاً .. ولم أكن في تلك الليلة مشغولاً بنفسي وإنما كنت مشغولاً بالدكتور مصطفي عبد الله ذلك الشيخ الضعيف الذي حكم عليه بأن يعيش مع الكلب الكاسر في زنزانة مغلقة وكنت أتذكر في تلك الليلة قول الشاعر :
- كيف الحياة مع الحيّات في سفط
وكان قلبي يهلع كلما تذكرت في أثناء تلك الليلة كيف أتلقي في الصباح حين يفتح الحارس الزنزانة ليلقي إليّ بلقيمات الإفطار نبأ وفاة الدكتور مصطفي ممزقاً كل ممزق .. وأصبح الصباح ، وفتح الحارس باب زنزانتي ليقدم لى اللقيمات فابتدرته سائلاً عما إذا كان قد فتح زنزانة الدكتور مصطفي فأجابني بالإيجاب ، وفهمت منه أنه لازال علي قيد الحياة .. فتعجبت وقلت : لعل الكلب لازال شبعانا ، ولكنه بعد انقضاء يوم وليلة لابد أنه سيجوع ، وإذا جاع كلب كهذا دون أن يقدم له طعام فلن يجد غذاءً له إلا لحم الإنسان المكلف بشئوننا . وأحب في هذه المناسبة أن أقرر حالة شعورية كانت مستحوذة علينا - نحن نزلاء هذا السجن في تلك الأيام - تلك هي أن استقبال الموت كان من الأمور المتوقعة في كل لحظة ، ثم إنه من الأمور العادية بل أكاد أكون أصْرَح فأقول إنه كان من الأمور المحببة ؛ لأننا وجدنا أنفسنا قد وضعنا في أيدي قوم متخلين عن الدين والخلق والإنسانية والحياء ، غير مقيدين بعرف ولا أدب ولا قانون . ولا فرق في ذلك بين أكبرهم رئيس الجمهورية وبين أصغرهم وهو جندي الحراسة في هذا السجن .. ولذا فقد كان كل منا يتوقع الموت في كل لحظة ، ولكنه يجهل الطريقة التي يزهقون بها روحه .
وقضينا الليلة الثانية في الحبس الانفرادي . وفي الصباح فتح باب الزنزانة وجاء الحارس ليلقي إليّ بلقيمات الإفطار ، وهممت أن أسأله عن الدكتور مصطفي ولكنه بادرني بقول : ألا تعرف ما حدث للدكتور مصطفي ؟
قال : لقد كنا جميعًا متوقعين أن يصرعه الكلب ، وينهش لحمه وعظمه . ولذا كان همي طول الليل أن أنظر إليه من ثقب الباب بين لحظة وأخري .
قلت : فماذا رأيت ؟
قال الحارس : لقد رأيت عجبًا .. لعلك لا تعلم أن الباشا (قائد السجن الحربي هكذا كان يلقبونه) كان قد أمر بألا نقدم طعامًا للكلب طول الأسبوع .. فلما أدخلت للدكتور طعام العشاء أمس ثم نظرت من ثقب الباب فرأيت الكلب جاثيًا أمام الباب ووجهه نحو الباب ، لا يتحرك كأنه يحرس الزنزانة من داخلها .. ورأيت الدكتور يقدم الطعام للكب والكلب لا يقربه ، والدكتور يكلم الكلب كأنه إنسان ، ويعزم عليه أن يأكل والكلب يرفض - ويأكل الدكتور ثم يقدم للكلب بقية الطعام فيأكله الكلب .. ويقدم له الماء فلا يمد فمه في الجردل ، وينتظر حتى يتوضأ الدكتور فيلحس الكلب الماء الذي وقع في أثناء الوضوء علي الأرض . ويقضي الدكتور الليل يصلي والكلب جاثم أمام الباب يحرسه .. والدكتور حين يغلبه النوم فيضع جنبه أنظر فأري الكلب في حالة تحفز نحو الباب ، كالحارس الذي يخشي أن يقتحم عدو الباب علي صاحبه وهو نائم .. وكنت أري الدكتور في بعض الأوقات يكلم الكلب كأنه إنسان ، ويضع يده علي ظهره فينيخ الكلب ويبسط أقدامه بجانب الدكتور كأنه ولده الصغير ......
وجاء الحارس بعد انتهاء الليلة الثالثة ليقول لنا : إن الباشا (قائد السجن) سألني عما كان من شأن الدكتور مصطفي فأخبرته بما رأيت فاغتاظ ثم أمر بإنهاء الحبس الانفرادي لكم . وقد يعجب القارئ حين يعلم أن هذا الفاجر بعد أن رأي كيف رد الله كيده في نحره ، وكيف تحطمت وحشيته الدنيئة علي صخرة إيمان رجل ضعيف لا يملك إلا الإيمان .. كيف لا يفيق من غفلته ، ويفئ إلي رشده ، وينحني ساجدًا أمام عظمة الله وقدرته ، ويكفر بمن دونه من المخلوقين ؟ ."
وفي قصة أخرى يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي :
" قطع عليَّ سكوتي صوت أحد رجال البوليس الحربي وهو يجوب ممر العربة باحثًا عني .. مردداً اسمي .. يا للطامة الكبرى .. هل ثمة توصية خاصة بي .. لإعادة تحضيري للمحاكمة في تلك الحجرة المظلمة ، التي سمعنا عن وجودها تحت منصة القاضي ، والتي تقشعر جلودنا مما يحدث فيها .. تجاهلت نداءه لعله ييأس ويبحث عني في عربة أخري .. ولكن إصراره واضح ولا مفر من الرد ، فاستجمعت كل قوتي وقلت :
نعم أنا عبد الحليم خفاجي .. قلتها وأنا أتحفز لتقبل الضربات الغاشمة عند رؤيته قادمًا نحوي .. دنا مني ثم همس في أذني :
- تعرف سيد مرزوق وعلي بدوي .. و ..
- لا أعرفهم .. وسرح فكري فيما عساه قد أصابهم .. إنهم أصدقائي من طلبة قليوب الثانوية ويسكنون بالقناطر الخيرية .. إن أحدهم دلني علي محطة صوت الحق ، التي تذيع ضد مصر ، فهل لذلك دخل في القبض عليهم أم ماذا ؟ أدرك الشرطي سر إنكاري فقال :
إنهم يعرفونك جيداً وآنت تعرفهم .. كن مطمئنًا .. إنهم يحملون إليك تحياتهم ، ويطمئنوك علي إخوتك ، فقد زارهم في بيتك .. ولقد كلفوني بعمل أي شيء لك ، فاطلب ما شئت أو اكتب رسالة لأهلك .. أحسست وأنا أستمع إليه كأن شعاعًا من النور قد ألقي فجأة علي الظلام المحيط بي .. وأن يداً حانية قد ضمدت كل جراح نفسي .. وأن لمحة الوفاء هذه أثمن عندي من ملء الأرض ذهبًا .. وشعرت بحب مماثل للرقيب زكريا ، الذي أعاد إلي إيماني بوجود الخير في الدنيا رغم غلبة الشر ..
وشكرته واعتذرت عن تعريضه لأي خطر .. ولما انصرف وجدت دموع الحب والوفاء تفيض من عيني بدرجة لم أعهدها من قبل ، من قبل ، وفشلت تمامًا في إيقاف انهمارها ؛ خشية أن يفسرها إخواني تفسيراً آخر .. ولم تتوقف هذه الدموع إلا بعد أن غسلت روحي تمامًا ."
- ونختم بهذه الكرامة التي يرويها الحاج محمد عبد الرحيم ( الشهير بمحمد رحمي ) يقول حفظه الله تعالى :
" كان يوما شديد الحر جدا فوضع الإخوان مناديلهم القماش على رؤوسهم اتقاءً للهيب الشمس أثناء ركضنا في الطوابير ،و أتى الأمر بإلقاء هذه المناديل من على الرؤوس .. ونفذ الإخوان الأمر مسلمين حالهم لله العلي القدير ، و فجأة رأينا سحابة كبيرة فوق السجن الحربي فقط وغطتنا من حرارة الشمس الشديدة برغم أن السماء صافية ما فيها سحابة واحدة ، والشمس ساطعة بحرارتها الشديدة جدا هذا اليوم .. و رأى الجميع هذه السحابة التي بقيت ثابتة تظللنا فترة طويلة حتى هدأ الجو ثم ذهبت ".
كرامات خارج الأسوار
يحكي الأستاذ عباس السيسي هذه الحادثة فيقول :
"... صدر قرار بنقلى عام 1948 من مرسى مطروح إلى سلاح الصيانة فى منقباد مركز أسيوط، وحصلت على إجازة وسافرت إلى رشيد لزيارة أهلى، وعدت إلى القاهرة فى طريقى إلى أسيوط ومعى بعض الأطعمة وبعض الكتب، ونزلت على الأخ الأستاذ محمد أبو رجيلة المقيم فى 6شارع الطباخ بالوايلى - لحين موعد القطار الذى يقوم فى وقت متأخر من مساء نفس اليوم - وخرجت فى جولة سريعة فى حى السيدة زينب - وفى نفس الوقت سقطت أمطار غزيرة جداً، حالت دون وصولى إلى المنزل فى الوايلى لأخذ حاجياتى. فاضطررت للسفر إلى أسيوط بدونها.
... وبعد أيام أعطيت خطاباً لأحد الإخوة المسافرين إلى القاهرة للأستاذ محمد أبو رجيلة كى يسلمه الكتب مع الشكر.
... الأخ المسافر لا يعرف أحياء القاهرة فهو غريب عنها، ركب الأخ ترام رقم 3 من العتبة الخضراء متوجهاً إلى الوايلى - وكان ركوبه بجوار شخص لا يعرفه- طلب منه أن يتكرم فيدله على محطة حى الوايلى فقال له ذلك الرجل : أنا نازل إن شاء الله فى هذه المحطة. ولما وصل الترام إلى المحطة قال له الرجل : هذه محطة الوايلى، ولما نزل سأله الأخ: هل حضرتك تعرف منزل رقم 6 شارع الطباخ، قال الرجل : أنا ساكن فى نفس الرقم، أظنك تكون قادما من عند الأخ عباس السيسى من أسيوط لمقابلة محمد أبو رجيلة - هو أنا محمد أبو رجيلة !
... فأخرج الأخ الخطاب وسلمه له، وذهبا إلى المنزل معا وبعد أن أن قام الرجل بواجب الضيافة أعطاه الكتب مع رسائل.
... تلك قصة حقيقية ((يهديهم ربهم بإيمانهم)) - القاهرة فى هذا الزمان كان عدد سكانها لا يقل عن خمسة ملايين ."
وتأييد الله عزوجل كان أيضا لأهل الإخوان وفي هاتين القصتين دليل ذلك، يقول الأستاذ السيسي تحت عنوان " آية ربانية"
... تروى إحدى الأخوات المسلمات .. فتقول قبض على زوجى وسيق إلى الإعتقال وترك وراءه أربعة من الأطفال. وذات مساء مرض ابنى الصغير (بالحمى) ووقعت فى ذهول ليس لى حيلة ولا صلة وثيقة بالجيران. فاستعنت بالله أدعوه وألح فى الدعاء أن ينقذنى ويرحم ضعفى وغربتى .. ولم تمض ساعة أو يزيد.. حتى طرق الباب ففتحت فإذا الذى أمامى طبيب .. جاء يسأل عن المريض. وبعد أن أتم الكشف وقدم بعض الدواء الذى يكون معه عادة نزل بعد أن أدرك حالة الأسرة وظروفها من شاهد الحال والمقال. وحين عاد الطبيب إلى منزله - دق التليفون ليستعجلوا الطبيب. فتعجب الطبيب وقال لقد عدت من عندكم لتوى الآن. وتبين للطبيب بعد ذلك أن السكن الذى كان يقصده فى نفس المنزل يقع أمام الشقة التى طرق عليها الباب خطأ. فسبحان من له الكون كله يسيره حيث يشاء. فاعتبروا يا أولى الألباب!؟"
ويحكي هذه القصة الثانية فيقول :
"قصة ليست من نسج الخيال .. ولكنها فى واقع المؤمنين فوق الخيال . أعتقل أحد الإخوة ولم يترك فى منزله مليما واحدا. وكانت الأسرة على عادة أن ينزل أحد أبنائها كل صباح ومعه صحن ليشترى من صاحب محل (الفول) طعام الإفطار .. وغابت الأسرة عن عادتها اليومية فاستفسر صاحب محل الفول عن السبب . فعلم بالذى كان - وأقسم على الأسرة أن تبقى على عادتها يوميا تأخذ حاجياتها بلا مقابل حتى يخرج عائلها من الاعتقال.. وعلم بذلك صاحب البيت. فامتنع عن طلب إيجار الشقة حتى يخرج العائل أيضا وتنافس الجيران على خدمة هذا الأخ المعتقل بصورة رائعة يجب أن تكون مثالا يحتذى به المؤمنون، حتى إذا خرج الأخ من المعتقل بعد عدة شهور - وأراد أن يرد لكل صاحب حق حقه، قابلوه أحسن مقابلة وبعضهم لم يأخذ منه شيئا وقالوا.. ألا ترضى أن نساهم معك فى الجهاد فى سبيل الله!!"
الرؤى ... كرامة و بشارة
هذه طائفة من الرؤى الطيبة التي كانت سببا في ثبات الإخوان وفرحهم بالأجر من عند الله ، و تصبرهم انتظارا للفرج من الله تعالى ، و أنهم إنشاء الله على الحق في محنتهم تلك ، وأن نفعهم سيعم و ينتشر بإذن اله تبارك و تعالى :
يقول المهندس محمد الصروي :
" روى الشهيد سيد قطب رؤيا رآها عام 1965 " أنه رأى في منزله بحلوان خلايا نحل يتدفق العسل منها بغزارة , ولما امتلأت أوعية المنزل وعجزوا على إيقافها , انساح في كل جنبات المنزل , ومنه إلى الشوارع , فالمنطقة كلها , وجاءت الشرطة والمطافي لمنعه فلم تستطع , وصار يتدفق في كل الشوارع " ولقد أوّلها الشهيد رحمه الله أنها كتبه وقد كان مما يجدر الإشارة له أن الأستاذ سيد قد اعتمد عددا من كتبه فقط في نهاية عمره والباقي هو في حكم المتراجع عنه يقول المستشار عبدالله العقيل في مجلة المجتمع العدد 112 تاريخ 8/8/1972م : [ إن سيد قد بعث لإخوانه في مصر والعالم العربي أنه لا يعتمد سوى ستة مؤلفات له وهي : هذا الدين , المستقبل لهذا الدين , الإسلام ومشكلات الحضارة , خصائص التصور الإسلامي , في ظلال القرآن , ومعالم في الطريق ] .
ويقول الأستاذ محمد قطب نفس الكلام :
"إنما الكتب التي أوصى بقراءتها قبيل وفاته هي الظلال ( وبصفة خاصة الأجزاء الإثنا عشرة الأولى المعادة المنقحة وهي آخر ما كتب من الظلال على وجه التقريب وحرص على أن يودعها فكره كله ) معالم في الطريق (ومعظمه مأخوذ من الظلال مع إضافة فصول جديدة ) و"هذا الدين" "والمستقبل" "لهذا الدين" ، "خصائص التصور الإسلامي" ، ومقومات التصور الإسلامي ( وهو الكتاب الذي نشر بعد وفاته ) "والإسلام ومشكلات الحضارة" ، أما الكتب التي أوصى بعدم قراءتها فهي كل ما كتبه قبل الظلال ، ومن بينها " العدالة الاجتماعية "."
ويحكي أيضا عن رؤيا المهندسعبد الفتاح شريف فيقول :
" مهندس عبد الفتاح رزق شريف .. كان مهندس مساحة , ورأى رؤيا في أول أيام دخوله السجن الحربي (65) حيث كان أحد مؤسسي التنظيم .. رأى أنه يجلس في ركن في زنزانته , يجلس القرفصاء , والزنزانة كلها مرصوصة بالخبز رصّا محكما حتى السقف ولا يوجد سوى الفراغ الذي يجلس منكمشا فيه . أما ما عدا ذلك من حجم الزنزانة فهو مملوء بالخبز .. وبالفعل تحركت حاسة الهندسة المساحية عنده وظل يحسب حجم الزنزانة وحجم الرغيف أو بعملية حسابية قام بقسمة حجم الزنزانة على حجم الرغيف .. فوجد الرقم مهولا وكبيرا .. ومنه علم أنه سيمكث في هذه الزنزانة حتى يأكل كل هذا الخبز سنين طويلة وقد كان ."
ويخبرنا الأستاذ محمود عبد الحليم بهذه القصة فيقول :
" موقف الأخ حسن على العناني من نفس بلدتي «كفر وهب» والذي أرسل ولديه عبد الوكيل ومحمد للجهاد في فلسطين, وقد أصيب الأخ محمد أثناء المعركة وبدأ ينزف بشدة فاستغاث بشقيقه عبد الوكيل الذي اندفع لنقذه فانهمرت عليه رصاصات الغدر الصهيوني فاستشهد وأخوه في الحال، وقد أقام الإخوان حفل تأبين لهما فقام الرجل وقال «لا أقبل فيهما عزاء ومن يتقدم إلى فليهنئني لأنهم أحياء, ولا عزاء في الأحياء, وقرأ قوله: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
وجاءه الأستاذ البنا ليقدم التعازي إليه فقال له «بل أعزيك أنا لأنك فقدت اثنين من رجالك, أما أنت فتهنئني لأنني قدمت هدية لله وقبلها مني»!!
فقد شاهد الرجل الصالح رؤيا صالحة, رأى ولديه يجلسان في الجنة، وقد تحققت بفضل الله رؤيته وصار أبا الشهيدين, معيدًا للأذهان السيرة العطرة لصحابة محمد صلى الله عليه وسلم وتضحياتهم العظيمة. وأن آياته سبحانه وتعالى التي عشناها آنذاك وتدعو المسلم للتفكر في عظيم قدرة الله، وأن قنابل الأعداء كانت تُلقى علينا فلا تنفجر, أو تنفجر فتتسبب في حفرة كبيرة يخرج منها الماء دون أن تصيب أحدًا من الإخوان, كما أذكر أن جسد الشهيد الأخ علي إسماعيل الفيومي من منطقة (بين السرايات) بالقاهرة لم يمسسه شيء رغم مرور 15يومًا على استشهاده!!
وعذرًا فالذاكرة تخونني الآن فلا أذكر أسماء شهداء معركة كفار ديروم، ولذلك عدت إلى رواية أخي حسن الجمل رحمه الله مستعينًا بما ذكره من أسماء هؤلاء الشهداء نذكرهم هنا تقديرًا لجهادهم"
يقول الأستاذ جابر رزق :
" قصة حب في الله تربط بين الشهيدين سيد قطب , ومحمد يوسف هواش . . حتى إن الشهيد سيد قطب كان يعتبر الشهيد هواش شريكه في كل ما وصل إليه من فكر . . حتى قيل أن الشهيد سيد قطب وهو يكتب في ظلال القرءان حول سورة يوسف رأى الشهيد هواش في رؤية سيدنا يوسف عليه السلام يقول له : قل لسيد قطب إن ما تبحث عنه موجود في سورة يوسف . . أو ما معناه . . وكانت رؤيا حق . . فقضية " الحكم لله " واضحة كل الوضوح في سورة يوسف . . وكانت رفقة الشهيد محمد يوسف هواش للشهيد سيد قطب رفقة طويلة استغرقت فترة سجنه كلها التي بدأت في أكتوبر سنة 1955 وانتهت في أغطس سنة 1964 حين أفرج عنه بموجب عفو صحي"
ويروي المهندس الصروي رؤيا للشهيد يوسف هواش فيقول :
" ومن عجب أن الشهيد هواش كان يستيقظ معظم الليل في زنزانته يقوم الليل .. ومن شدة التعب من كثرة القيام وقلة النوم .. أخذته سنة من النوم وهو ساجد .. فرأى رؤيا عجيبة .. رأى طوابير الإخوان تخرج من السجن الحربي .. وطوابير أعداء الإخوان تدخل السجن الحربي .. وحكى هذه الرؤيا ولم يجد أحد لها ـ حينئذ ـ تفسيرا .. ومات محمد يوسف هواش شهيدا , ولم تتحقق الرؤيا وبعد وفاته بعشرة شهور تحققت الرؤيا كما هي .. فلقد احتاج عبد الناصر لكبش فداء لنكسة يونيو فكان شمس بدران وعصابته كبش الفداء .. دخلوا السجن الحربي يحفوهم خزي النكسة وعارها , ويتبادلون الاتهامات بالتواطؤ والخيانة .
وهكذا حقق سيد قطب وإخوانه مأربهم .. خالدين فيها أبدا إن شاء الله ولا نزكى على الله أحدا وهكذا ـ أيضا ـ حقق شمس بدران مأربه في معركة اكتشاف التنظيم ولكن إلى حين .. واستدرج لكي يكون وزيرا للحربية ويحمل خزي النكسة أبد الآبدين .. فهو من صنّاعها بلا ريب أما الإخوان فلن تجد - رغم ما حدث ـ إخراجا خيرا من هذا الإخراج ..كيف؟
1- اعترف علي عشماوي على التنظيم كله .. فلقد كان موهوب الذاكرة فكفى الناس جميعا مؤنة التعذيب والاعتراف .. فكان أفراد التنظيم يعذبون تعذيبا متوسطا فليس لديهم ما يستطيعون إخفاءه أو إنكاره .
2- انهار على عشماوى سريعا .. وأراد أن يبرهن على ولائه للحكومة ـ آنذاك ـ فاعترف على إسماعيل الفيومي الحارس الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر وبهذا نجا جمال عبد الناصر من الاغتيال .. فكان من الممكن أن يقوم إسماعيل الفيومي بهذا العمل في ظل هذه الأجواء المستفزة جدا .. ولو فعلها لذبحت الحكومة كل أفراد جماعة الإخوان المعتقلين في كل السجون ( كان عدد المعتقلين 34 ألفا ) فنجى الله جماعة الإخوان بهذا الاعتراف لعلي عشماوي حيث دلهم على إسماعيل الفيومي."
ورؤية أخرى يرويها المهندس الصروي :
" وقال له في العاشرة صباحاً: يا عم ديهوم أنا شفت لك رؤيا إنك أصابك مرض مفاجئ ووقعت على الأرض. فخلي بالك من نفسك.
فرد عليه بحدة: أنا صحتي أحسن منكم كلكم وإنتم اللي هتتصابوا بالأمراض.. وكان الأخ أبو اليزيد عسقول من أصحاب القلوب الصافية جداً. ونفسه شفافة.. وقلبه كما يقولون مثل اللبن الحليب.. ولعله من الذين لو أقسموا على الله لأبرهم (ولا نزكي على الله أحداً).
وبعد ساعتين بالتمام وقع ديهوم على الأرض وأصابته رعشة، وفقد النطق وأصيب بشلل في الأطراف، وحملوه للعلاج وظل شهوراً طويلة يعالج من هذا الشلل النصفي ولم يبرأ منه.. وكان هذا درساً قاسياً لجميع العساكر والشاويشية والضباط الذين يتعاملون معنا.. فتحسنت المعاملة معنا كثيراً.
وتروي الحاجة زينب الغزالي هذه الرؤية فتقول :
" كان فيه رؤيا مباركة هي إحدى رؤاي الأربع لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام في محنتي :
"رأيت بحمد الله صحراء مترامية وإبلاً عليها هوادج كأنها صنعت من النور، وفى كل هودج أربعة من الرجال كأنهم أيضا وجوه نورانية ، رأيتني خلف هذا السيل من الإبل في هذه الصحراء المترامية التي لا يحدها البصر، أقف خلف رجل عظيم مهيب وهو يأخذ بخطام امتد في أعناق هذا السيل الجارف من الإبل التي لا يحصى عددها . أخذت أردد في سرى : أتكون حضرة محمد صلى الله عليه وسلم . فإذا به يجيبني : "أنت يا زينب على قدم محمد عبد الله ورسوله " . سألت : "أنا يا سيدي يا رسول الله على قدم محمد عبد الله ورسوله ؟" .
قال عليه الصلاة والسلام : "أنتم يا زينب على الحق ، أنتم يا زينب على الحق ، أنتم يا زينب على قدم محمد عبد الله ورسوله " . وقمت من النوم وكأنني ملكت الوجود بهذه الرؤيا ، وأدهشني - بعد ما نسيت ما أنا فيه وأين أنا - أنى لا أجد ألم السياط ولا الصلبان القريبة من النافذة، فقد نقلت إلى مكان بعيد وأصبحت الأصوات تأتيني عن بعد .
يحكي لنا أ. أحمد عبد المجيد عن رؤيا يوسف هواش فيقول :
" وفي إحدى الليالي أتوا بنا من سجن 3 إلي سجن 1 (السجن الكبير) وأثناء وقوفنا صفوفًا بسجن واحد ، وكنت واقفًا علي يمينه قال لي : " والله يا أخ أحمد رأيت رؤيا ، لا أدري إن كان هذا تفسيرها أم أن لها تفسيرا آخر ، رأيت غفوة سريعة أثناء سجودي ليلاً أننا تفتح لنا الزنازين ونخرج منها ، وهؤلاء الناس (يقصد رجال المباحث) يدخلون الزنازين بدلاً منا " وقد كان ....... فبعد حرب 1967 بأيام وتصاعد الأزمة بين عبد الناصر والمشير عامر بدأ باعتقال أنصار عبد الحكيم عامر في الجيش والمباحث العسكرية وغيرها ، وبدأت تتوالي الأفواج حتى ضاق السجن بنا وبهم ، وتم ترحيلنا للسجون المدنية ليتسع المكان لهم ، ورأي بعض الإخوة فعلاً رجال المباحث ممن كانوا يباشرون التعذيب في نفس السجن يدخلون الزنازين رهن الاعتقال بدلاً منا ، وتم حبس من اتهم بالتعذيب بعدها من الضباط وضباط الصف والجنود أثناء تحقيقات النيابة معهم والمحاكمة ، حتى صدرت ضدهم الأحكام ، وتم ترحيلهم للسجون المدنية بعد ذلك . وعلمنا بعدها أن حمزة البسيوني اعتقل بسجن القلعة ، وشمس بدران اعتقل بالسجن الحربي بعد رحيل الإخوان منه .
أما الرؤيا الأخرى التي قصها علي وتحققت فعلاً نهايتها ، فقد قال : " إنه رأي نفسه يسير في طابور يتقدمه رسول الله وبعده الخلفاء الراشدون الأربعة ويليهم جمع آخر من الصحابة حوالي ستة أذكر منهم عبد الرحمن أبو عوف ، وهو في آخر الطابور حتى وصلوا إلي شاطئ البحر ، وهناك كان أبو جهل الذي طعنه سيفه في بطنه " ، ولعل أبا جهل هو جمال عبد الناصر . أما الرؤيا الرائعة الحاسمة ، وهي أنه رأي نفسه في جمع من الصحابة يبايعون رسول الله صلي الله عليه وسلم ولما جاء دوره للبيعة قال : يا رسول الله هل غيَّرنا من بعدك ؟ هل بدلنا من بعدك ؟ فأجابه صلي الله عليه وسلم : لا بل أمناء ، أمناء ، أمناء ."
رؤية أخرى يخبرنا بها الأستاذ جابر رزق قائلا :
" للأستاذ شريف نفسه رؤيا رأى فيها بطانية من بطاطين السجن كتب عليها .. 17 و 9 . . فقط وانتظر الأستاذ شريف تفسير تلك الرؤيا فإذا بالأحداث تتلاحق وتقع هزيمة يونيو وتحقق رؤى الإخوان ونخرج من السجن الحربي يوم 17 يونيه الموافق 9 في الشهر العربي !"
وهذه رؤيا مبشرة للأخ عبد الحميد البرديني رآها له الشيخ أحمد شريت يقول:
" لقد وجدت الأخ عبد الحميد البرديني في الجنة يرفل في النعيم، فتاقت نفسي لصحبته .. وقد توفي بعدها فالله نسأل أن يتقبله في الشهداء وأن يجزيه خيرا على ثباته ونصرته للدعوة حتى آخر عمره ...
يقول فضيلة الشيخ عبد الستار :
" رأيت رؤيا - في السجن الحربي - أنهم كانوا يصلون صلاة الجماعة وإمامهم كان يفعل أشياء عجيبة في صلاته كأنه يلهو ويعبث بيديه ويصفق ونحو ذلك فتركته وأخذت نعلي وهَمّمت بالخروج فقال الشيخ هاتوه فهربت منهم وخرجت من هذه الجدران فأولتها بأمر مريب يحدث في البلد وخروجي من بين الجدران هو الإفراج عنا وكان ماكان هزيمة الطغيان والإفراج عن الإخوان."
وبعد .... فإن هذه الصفحات توضح و بجلاء كيف كان تاريخ الإخوان مليءً بالإيمانيات و الكرامات التي كانت كلها رزقا لهم من عند الله اللطيف الحكيم .
ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و صمودا و ثباتا في طريق دعوتهم .
المراجع
|
. |