جمال سليم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جمال سليم .. الشهيد الحي

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)

النشأة

الشهيد جمال سليم

الشهيد هو ذلك المؤمن الذي يقاتل تحت راية إسلامية ظاهرة لإعلاء كلمة الله فيقتله أعداء الله ، أو يموت في خضم الرحلة الجهادية ميتة طبيعية.

هو من خير الناس منزلاً يجري عليه عمله حتى يُبعث دمه مسك يحلّى من حلية الإيمان هو من أُمناء الله في خلقه روحه في جوف طير أخضر يرِد أنهار الجنة ويأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش يأمن من الصعقة يأمن من الفزع الأكبر يُشفّع في سبعين من أقاربه يزوج باثنتين وسبعين من الحور العين يلبس تاج الوقار ، الياقوته فيه خير من الدنيا وما فيها هو من أول من يدخل الجنة يكلمه الله كفاحاً دون حجاب يسكن الفردوس الأعلى في خيمة الله تحت العرش لا يفْضله النبيّون إلا بدرجة النبوة .

ولد جمال سليم ولد في نابلس بالضفة الغربية لأسرة متدينة عام 1958، أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث، بينما تلقى تعليمة الثانوي في المدرسة الصلاحية في نابلس وأنهاها بعام 1977، وسافر بعدها إلى الأردن والتحق بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة عام 1982م، وبعد أن حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية عام 1982، عاد إلى فلسطين ليعمل مدرسا لمادة التربية الإسلامية في المدرسة الثانوية الإسلامية في نابلس، كما حصل في عام 1996 على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة النجاح الوطنية بنابلس.

في أحضان حماس

  • امتد نشاطه داخل حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بعد تأسيسها في عام 1987، فاشتهر بخطاباته ومحاضراته في مسجد "معزوز" في مدينة نابلس.
  • وبعد أن اختير أمين سر لجنة التوعية الإسلامية وأمين سر رابطة علماء فلسطين في نابلس، أخذ يركز في لقاءاته الجماهيرية على دحض فكرة عدم قبول الإسلاميين للآخر، واختيارهم الديمقراطية خيارا تكتيكيا لا إستراتيجيا ومن كلماته في هذا الأمر: "إن الحركة الإسلامية تقف بكل ما أوتيت من قوة ضد الحكم الفردي الديكتاتوري والاستبداد السياسي وظلم الشعوب، وترفض أن تسير في ركاب أي ديكتاتور مستبد، وإن أظهر الود لها".
  • عمل في الإمامة والخطابة في نابلس والقرى المجاورة، كما عمل في التدريس في المدرسة الإسلامية الثانوية بنابلس. نشط في لجان التوعية والإصلاح، وكان عضوًا في لجنة المؤسسات الإسلامية والوطنية في نابلس وشارك في تأسيس لجنة التوعية الإسلامية في نابلس وهو أمين سرها، كما شارك في تأسيس رابطة علماء فلسطين، كما إنه شارك في اللجنة العليا للاحتفالات الوطنية والدينية في محافظة نابلس، وأيضًا في تأسيس لجنة التنسيق الفصائلي.
  • وفي عام 1994 شارك في الحوار الذي جرى في القاهرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس.
  • أعتقل من قبل الإسرائيليين عدة مرات وذلك في أعوام 1975 و1989 و1990 وأخيرًا 1991م.

في مرج الزهور

القائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي يغسل ثيابه في مخيم مرج الزهور وخلفه الشهيد جمال سليم

أبعد الشيخ جمال سليم مع بعض أفراد حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إلى منطقة "مرج الزهور" عام 1992. وهناك بالاشتراك مع أقرانه المبعدين أصروا على تقديم نموذج ديمقراطي في الانتخابات التي أجريت لاختيار قيادة جماعية تتحدث باسمهم، مكونة من 17 عضوا، يعاد انتخابها مرة كل ثلاثة أشهر. وجرى أثناء فترة إبعادهم أكثر من أربع جولات انتخابية.

وبالرغم من صعوبة الإبعاد والحرمان من الوطن فإن هذه التجربة ظلت حية في قلبه وعقله، وعنها يقول:

"إن الإبعاد يمثل ملحمة بطولية صمودية حقيقية لأولئك الذين مثلوا الشعب الفلسطيني، وأعطوا صورة للثبات والصبر والإيمان بحتمية العودة، رغم صور العقلية الهمجية للصهيونية البشعة، التي استهدفت تفريغ الأرض عبر سياساتها البائسة التي فشلت في إطفاء جذوة الانتفاضة".

قضية اللاجئين الفلسطينيين كانت من أهم القضايا التي شغلت جمال سليم بقوة قبل اغتياله، والتي اعتبرها "لب الصراع العربي الصهيوني، وتجسيدا لمأساة شعب، دُمّر من قراه أكثر من 530 قرية". واعتبرها "أطول جريمة ضد الإنسان الفلسطيني، وقضية متوارثة لا تموت طالما بقي فلسطينيون يتوالدون ويتناسلون".

ورفض سليم فكرة العودة الجزئية لبعض الفلسطينيين إلى مناطق السلطة الفلسطينية أو العودة الفردية للجيل الأول إلى فلسطين 48 كحل إنساني ضمن إطار جمع شمل العائلة، واعتبر هذه الأطروحات والدعوات "التفافا على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وأوطانهم".

وترأس الشيخ سليم العديد من اللجان والفاعليات، خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000، وكان من الأعضاء المؤسسين للجنة "التنسيق الفصائلي" في محافظة نابلس، التي كان من أهم أهدافها تنسيق المواقف بين المقاومة الفلسطينية بمختلف تياراتها في الميدان.

مؤلفاته

صدرت له نشرتان بعنوان "هدى الإسلام" و"من توجيهات الإسلام" وكانت رسالة الماجستير التي قدمها بعنوان "أحكام الشهيد في الإسلام".

استشهاده

اغتالته إسرائيل ظهر يوم الثلاثاء الذي وافق 31 من شهر يوليو 2001 حينما استهدفت طائرة أميركية الصنع يقودها طيار إسرائيلي مكتبا كان يجلس فيه بصحبة الشيخ "جمال منصور" فاستشهد على الفور هو وصديقه الشيخ جمال منصور وصحفيان وطفلان كانوا جميعا في المبنى المستهدف.

وقد وصفت الصحف استشهاده بأبشع المجازر حيث ذكرت صحيفة البيان بتاريخ 1/ 8/ 2001م قولها:

في واحدة من أكبر وأبشع المجازر الوحشية الصهيونية منذ بدء الانتفاضة الباسلة في الأرض المحتلة، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلية جريمة جديدة أمس فاستشهد عشرة وأصيب 19 آخرون حينما قصفت أحد المقار السياسية لحركة حماس في نابلس بطائرات الاباتشي الأمريكية.

فاستشهد على الفور ثمانية منهم طفلان وقياديان سياسيان بالحركة هما جمال سليم وجمال منصور، في حين استشهد اثنان آخران برصاصات الاحتلال في غزة أحدهما أحد نشطاء «الجهاد الإسلامي» والآخر أحد أفراد قوات الأمن الفلسطينية.

وفي أعقاب الجريمة التي هزت الأرض المحتلة دعت السلطة الفلسطينية على لسان رئيسها ياسر عرفات المجتمع الدولي إلى إرسال المراقبين الدوليين فوراً لوقف مؤامرة تصفية الشعب الفلسطيني، في حين تجاوبت حركتا فتح وحماس وبقية الفصائل مع هتافات الشعب الفلسطيني التي هدرت بالقول: «الانتقام الانتقام..يا صقور ويا قسام».

وقال الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس ان الرد على المجزرة سيكون سريعاً وقوياً وفي كل مكان في حين طالب عبد العزيز الرنتيسي الناطق باسم الحركة إلى ملاحقة قادة الحكومة الإسرائيلية انتقاماً من جبن وحقارة قادة الاحتلال الذين سيطر عليهم الذعر أمس تحسباً لوقوع هجمات انتقامية، ولذلك شرعوا في أحكام إجراءات العدوان والحصار الشامل للمدن والقرى الفلسطينية التي تم إعلان الحداد العام فيها امس واليوم حيث سيتم تشييع الشهداء العشرة.

وأدانت البلدان العربية الجريمة الإسرائيلية في حين وصفتها الولايات المتحدة بأنها «استفزاز وعملية مبالغ فيها» !. فقد استشهد ثمانية فلسطينيين، بينهم طفلان، بعد ظهر أمس وأصيب 15 آخرون إثر إطلاق مروحيات إسرائيلية ثلاثة صواريخ على مكتب لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية.

وأفادت تقارير من نابلس بان جمال سليم (42 عاما)، أحد أبرز قادة حماس في الضفة الغربية استشهد في الهجوم على مكتب الحركة وكذلك جمال منصور (41 عاما) وهو من قادة حماس البارزين ايضا ومعه حارسه الشخصي.

كما استشهد في الهجوم محمد البيشاوي (26 عاما) ،عمر منصور، عثمان قطناني (24 عاما) وفهيم دوابشة (26 عاما)، والذي قطع القصف الصاروخي جثمانه اربا، فيما فصل رأس سليم عن جدسه وأصيب 15 آخرون.

وحملت السلطة الوطنية الفلسطينية رئيس الوزراء الاسرائيلى أريئيل شارون ورئيس أركانه شاوول موفاز المسئولية الكاملة عن مجزرة نابلس التى أدت الى استشهاد 8 فلسطينيين بينهم طفلان شقيقان. ونقلت قناة فلسطين الفضائية عن السلطة الوطنية الفلسطينية دعوتها فى بيان لها الى الحداد الوطنى العام اليوم وغدا استنكارا لمجزرة شارون وكل المجازر التى ارتكبها فى جميع أرجاء الوطن الفلسطيني.

واستدرك الرنتيسي القول «الآن اختلف الأمر وتغيرت قواعد المواجهة وستعرف كيف تتصرف حماس بالأمر وهي لن تلقى السلاح بأي حال من الأحوال والحرب معلنة مع العدو الصهيوني».

وناشد الدكتور الرنتيسي الشعوب العربية والإسلامية ان يكونوا على مستوى التحدي والثورة على الواقع المذل والمخزي الذي يقبل بطأطأة الرؤوس للعدو الصهيوني منتقدا قرار السلطة الفلسطينية بوقف إطلاق النار في ظل هذه الاعتداءات البشعة والتي أسفرت عن استشهاد 16 فلسطينيا في اقل من 48 ساعة.


قالوا عنه

كتبه عنه الأسير القساميّ عمار حماد الزبن سجن بئر السبع فقال:

لست أدري عن بكاء الأقلام شيئاً ، فلم تعهد سطوري حدثاً يستوجب ذلك ، لكنني الآن و اللحظة أسطّر أشجاني المتفجرة بماء عيني و ما تبقى من ذاكرة و أترك الطريق ليراعي ليخطّ معاني الألم و الحزن ممزوجاً بالفخر و الرضا و الذاكرة ، على من ترجّلوا هناك في نابلس النار حيث عناق السماء للجمالين في عرس شهادة رائع "جمالنا المنصور و سليمنا الجمال" .
أي الحكايا هما ، ليت شعري كيف أبدو و أنا عاجز عن التعبير ، تقف الكلمات تائهة متحشرجة تأبى الخروج ، لكنها الذكريات توقِظ حنيناً تدفق تلاطفه ابتسامة شيْخينْا الشهيدين ، و أقصى العواطف عنفواناً تلك التي تغزوك في السجن فتحيل الواقع إلى الغائب و تمحو لوحة التواصل المعاش إلى تاريخٍ كان بالأمس فكم هو فظيع أن تفجع بمن أحببت منذ الصغر ، و كم هو رهيب أن يقتلك القيد فتجلس عاجزاً بين أسوار سجنك تأكل القهر و تلوك الصمت بين فكّيك ، و تعود إلى الوراء مع الذكريات تفتّش في عمق صدرك و الذاكرة عن أجزائك التي جمعها شكلك الحاضر.
أذكر و ما نسيت أنني مفردة صغيرة في معجمهم و هم الشهيدان البحران و أنا الجزء من واحتهم الخضراء أنبتت زهراً و إقحواناً لا ينضبُ عطره و عطاؤه ولا يبلى ورقه ، أذكر جيشاً من الكلمات العاصفة صنعت جيلاً من التجديد يحمل خارطة العلم في صدره من سلمة إلى الدامون ، و يرسم صورة الإسلام العظيم و يخط على وجه التاريخ ما عجزت عنه الأجيال . كلمات نشأت و ترعرعت في جامعتهم تحمل فكراً و تربية و جهاداً ، أذكر كلما صحوت من صمتي صرخة أبا بكر المنصور : "إنّ منطقنا في منطق القوة و ليس في قوة المنطق وحده" .
أذكر كلما قَلبت العزة في موطنها فأراه يخطب الآلاف عن شهيد المارينز في لبنان فتلا عليهم آيات النسف ، فترتج الأرض من وقع كلماته ، أذكره يرثي العياش في ثمانين ألفاً من أحبائه فتقع الكلمات زلزالاً في أفئدة أحبّتهم فتحيي في النفوس ألف عياش و عياش ، و هل يغيب الفكر لحظة عن الذي أحيى جيلاً من المجاهدين يملأون ما بين النهر و البحر ، أذكره و أبا مجاهد السليم في عرس شقيق الشهيد يعلن مباراة العرب في عهد الإسلام بأنها السباق للشهادة "منا شهيد و منكم شهيد" .
أذكره كالصقر في معمعان المعركة يتوسّطنا في صحراء النقب يشعِل نور الدعوة في النفوس و يحنو علينا حنوّ الخطاب في حنينه . و يحي كيف تبدو قسوة الغدر عندما تقترب من العظماء و كيف تغدو أشباه الرجال معربدة .. من الأيام التي صنعت حدث اليوم و ويل شُذّاذ الآفاق من التاريخ و ويح قيدنا الجالس على أعتاب أحزاننا أيكون الرحيل .. و هكذا ؟؟ ، أم أن الكبار تأبى السماء إلاّ أن تستقبلهم هكذا عظماء في حياتهم و رحيلهم .
ما مات و حق ربي ، من ظن العظماء تموت ؟ ، و جهل بحمقه أن الأفكار تحيى برحيل صنّاعها فما عساه فاعلاً في أطنان من عزم تلألأت في النفوس ، تغذّيها قطرات الدم التي سالت هناك حيث الجمالين الجملين .
أيا صمتي تفجّر في زنزانتك اللئيمة أهان عليك الوداع ؟ .. أم طاب صمتك على وقع الصواريخ ؟ تحرّكي يا روحي حيث تسجّى الجثامين المسجاة هناك و مثواها علّيين ، و اتلُ "يحيا المريدين و التلامذة و عاش الشيوخ فلا نامت أعين الجبناء".

وكتب رمضان عمر عنه فقال:

لقد جمع الشيخ في تاريخه الحافل أطياف المجتمع الفلسطيني كلها ؛ فقد ولد في مخيم العين عام 1958 بعد هجرة عائلية من قرية الدامون الساحلية قضاء حيفا . ثم زار الشتات الفلسطيني في الأردن ، و بعد ذلك استقر به المقام في مدينة نابلس ، و عايش الإبعاد في مرج الزهور و عمل موظفاً في أكثر من قرية ، فهو بذلك خريطة وطن إسلامية موقّعة بدم طاهر زكي .
و لم تكن نابلس المحطة الأولى و الأخيرة في حياة هذا القائد العظيم ؛ على الرغم من أنّ هذه المدينة قد حظيت بصولاته ، و ما كان لقرية الدامون الساحلية موطنه الأصيل أن تغيبَ عن ذاكرته العامرة على الرغم من مرّ السنين و قسوة الغربة و النزوح ، أمّا مخيم العين الذي استقبل جسده كمولود جديد جادت به أمٌّ مؤمنة ، و حظيَ بمجيئه أبٌ كريم و تلقّته حارات صابرة و أزقة متلاحمة ، يمثّل وحدة الوطن المفكّك ؛ فما عقّه المجاهد و ما نسيه . بل إنّ ثلاثاً و أربعين سنة خلت من عمره تشهد له بصدق الولاء .
و إذا كان مخيّم العين قد رعى المجاهد و احتضنه فترة الطفولة و الشباب في ظلّ عائلة محترمة متدينة ، إلاّ أننا لا نستطيع أن ندّعي بأنّ الأثر الكلي في شخصية هذا المجاهد يعود لهذا المخيم ، فالبيئة الحقيقية القادرة على خلق شخصية فكرية مجاهدة لا بد أن تتحلّى بخصائص معينة تصلح لهذا الخلق الإبداعي المتميز ، و من هنا فإن الانتقال إلى المرحلة الجامعية ، إلى واحة العلم و العلماء سيمكّن من حلّ كافة الرموز و الألغاز .
فقد نشط الشيخ جمال سليم في الجامعة الأردنية كتلميذٍ نال فضل صحبة العظماء و تتلمذ على أيديهم .
لقد كان الشهيد أبو مجاهد واحداً من أولئك الذين هداهم الله إلى ذلك النبع الرقراق ، و الجدول العذب ، فنهل حتى الثمالة ، و حمل في جعبته روائع ما وجد ، و أي منحة تتجلّى لشابٍ واعد كمنحة الالتقاء بالعالم المجاهد الشهيد عبد الله عزام ، و الداعية الشهير أحمد نوفل .
كان هذان العملاقان واحةً غنية وافرة ، و نبعاً عذبا صافياً وجدَ فيهما الشهيد ضالته ، فثنى ركبه متواضعاً أمامها ، و أخذ منهما منهج العلم و الحركة ، طريق الولاء و التربية .
كان لطبيعة التخصّص الذي اختاره الشهيد القائد في دراسته أثرٌ واضح في بناء هذه الشخصية ، و تشكيل معالمها ، فقد التحق بكلية الشريعة ، و تخرّج منها عام 1982 وعاد بعدها إلى مدينة نابلس بزادٍ وافر ، و أساس متين ، لتبدأ في حياته مرحلة العطاء و البذل ، مرحلة تجرّد فيها لله ، و عرف أن المسلم لا يعرف حدوداً للعلم و المعرفة ، و لا تعوقه الحواجز أو المخاطر عن البذل و العطاء ، و أنّ الجامعة مع أهميتها ليست نهاية المطاف ، بل لربما كانت مرحلة تؤسّس لمرحلة الإبداع و القيادة ، و استثمار التجربة و نقلها إلى الساحة الأوسع .
و إذ كانت نشأة الشيخ قد شكّلت ما يمكن تسميته نمطية الانتماء للوطن و التاريخ السياسي و الجغرافي ، فإنه قد مثّل من زاوية ثانية نموذج الداعية المسلم المجاهد . و أعني بذلك أنه استطاع أن يترجم التصوّر الفكري للحركة التي كان ينتمي إليها إلى واقعٍ عملي ؛ ذلك أن عمله القائم على التدريس و الخطابة قد مكنّه من ذلك كله .
فقد عمل الشيخ إماماً لمسجد (مادما) جنوب نابلس ، و بعد ذلك في (الباذان) ، ثم انتقل ليعمل مدرساً في المدرسة الإسلامية الثانوية بنابلس ، و قد أكسبه ذلك أستاذية في التربية في هذه المدينة التي اعتبرت معقلاً حصيناً للإسلاميين .
كان الشهيد المجاهد واحداً من المتحمسين للعمل الوطني ، و له في ذلك تاريخ مشرف بدأه منذ نعومة أظافره قبل أن تتبلور لديه فكرة واضحة للتصوّر الإسلامي للفكر الجهادي المقاوم ، فقد دفع ضريبة ولاء مبكرة ؛ إذ قضى تسعة شهور كاملة في غياهب السجون قبل أن يصل من العمر سن العشرين ، و كان ذلك إثر عمليات رشق بالحجارة لدوريات الاحتلال .
هذه الصحوة النضالية المبكرة بدأت تتشكّل في حالة فكرية منهجية يصبح الشيخ من خلالها واحداً من المجاهدين الأشداء الذين نذَروا حياتهم لله ثم الوطن في منهجهم و اتصل ليلهم بالنهار و بات ديدنهم حب التضحية و الفداء فلم تغفل عنهم يد المحتل ؛ فكانت الاعتقالات و التصفيات و الإبعاد و المطاردة و منع السفر سجلاً ظلامياً شاملاً .
كان جمال سليم مدرسة وطن واعية و ملحمة عز جامعة ، و ساحة مجدٍ لا ينضب لها معين ؛ و ساحة من الفكر النيّر و العلم النافع ، و لن نستطيع تجاوز الجانب الفكري في تاريخه الخالد ؛ لأننا سنتحدّث آنذاك عن مدرسة فكرية فريدة مثّلت الوسطية و الانضباط ؛ تلمح فيها معالم الفهم العميق و الإدراك الواعي و الخطاب المتّزن و الواقعية الإسلامية ، و لقد تجلّى ذلك في تصريحات الشيخ و خطبه و كتاباته بل في تصرفاته اليومية العابرة ؛
يذكر أن الشيخ خطب المسلمين في مسجد بلاطة بنابلس و ما إن انتهى من صلاته حتى قدِم إليه رجل يحاججه مفترضاً أنّ الشيخ قد خالف من سبقه في صلاة رُكعتي ما قبل الخطبة ، سائلاً عن الصحيح منهما فما كان من الشيخ إلاّ أن أعدّ جواباً عملياً قدّمه في جمعتين متتاليتين صلى في أحدهما و جلس في الثانية ؛ مبيّناً أنّ الأمر من النوافل و فيه بابٌ للاختلاف المشروع و لن يشكلّ الاختلاف فيه خوارق فقهية لأنّ الأصول متفق عليها و لا ضرر في فعلٍ لا ينسف أصلاً إذا كان له سند يؤازره .
هذه المنهجية الوسطية انسحبت على مجالات فكرية كثيرة ، كان الشيخ من خلالها يترجِم معالم المدرسة الدعوية إلى عالم فكريّ متجدّد وفق قاعدة معروفة في أدب الاختلاف "نجتمع على ما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" ؛ و من هنا فقد رُشِّح مندوباً عن لجنة الحوار في الحركة الإسلامية بين الفصائل الفلسطينية في مصر .
و قد تنوّعت اهتماماته الفكرية لتشمل الديني و السياسي و الأدبي ؛ و يتّضح ذلك من خلال كتاباته و خطبه و محاضراته ؛ فله في الفقه أحكام الشهيد في [الإسلام] ، و له في الرقائق مذكّرة في التربية الروحية و هي مجموعة من الأفكار و الخواطر التي تناولت المنهج التربوي في بناء الفرد المسلم .
و في الأدب قرأت له مذكرة من عدة صفحات حول الأدب الإسلامي و مفهوم الجمال عند الإسلاميين . و قد رأيت فيما كتب حسن إدراك و قوة فهم و موضوعية في النقل و التصور . و كلامه في السياسة كثير و فعله السياسي أكثر غير أنني سأكتفي بنقل خطبة من خطبه حول الوطنية علّها ترسم بعض معالم الفكر السياسي في تجربته الحركية .
"افتُتن الناس بدعوى الوطنية تارة و القومية تارةً أخرى ، و خاصة في بلادنا ، و انطلقت ألسنة الزعماء و سالت أنهار الصحف و كتب الكاتبون و خطب الخطباء و هتف الهاتفون باسم الوطنية و جلال القومية . حسنٌ ذلك و جميل ، و لكن غير الحسن و غير الجميل أنّك حين تحاول أن تُفهِم أحدهم بأنّ ذلك في الإسلام أوفى و أزكى مما هو في أفواه الغربيين و تلامذتهم الذين فُتِنوا بهم و بأفكارهم الغربية ، و أخذوا يقلّدونهم تقليداً أعمى دون أن يفكّروا بعقولهم أو يزِنوها بميزان الإسلام العظيم الذي فيه سعادة الدنيا و الآخرة .
إننا نحب أن نقول لهؤلاء الناس: إن كنتم تريدون بالوطنية حبّ الأرض و الحنين إليها ؛ فذلك أمرٌ مركوز في الإسلام ، و لنا البرهنةُ على حقيقة ذلك مما ذكر عن النبي – صلى الله عليه و سلم وفريق من أصحابه ، من عظيم شوقهم لوطنهم مكة ؛ فقد جاء في سيرة ابن هشام عن بلال و هو في المدينة قوله :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بوادٍ و حـولي أذخر و جليل

وهل أَردنّ يومــاً مياه مجنة

وهل يبدون في شامه و طفيل
قالت عائشة – رضي الله عنها - : ذكرت ذلك لرسول الله – صلى الله عليه و سلم - ما سمعت منهم ، فقال : (اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة ، و بارك لنا في مدّها و صاعها) .
ما أعظم موقف الحبيب المصطفى عندما خرج من مكة و وقف على ربوعها حزيناً قائلاً : (و الله إنّك أحبُ بقاع الأرض إلى الله ، و لولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) .
و إن كان يراد بالوطنية أنّ من الواجب العمل بكلّ جهد لتحرير البلاد من الغاصبين و تحقيق استقلالها و غرس مبادئ العزة و الحرية في النفوس ؛ فإنّ ذلك فريضة من فرائض ديننا العظيم و واجب من واجباته ، فقد شدّد الإسلام على ذلك أبلغ التشديد ؛ فقال تعالى (و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين) .
و قد حثّ الإسلام على الجهاد في عشرات الآيات ، و ربّى الإسلام أتباعه على رفض الذل و الاستبداد ، و استثار هممهم في الدفاع عن الديار ، فقال لهم : (انفروا خفافاً و ثقالاً و جاهدوا بأموالكم و أنفسكم ؛ في سبيل الله) ، و قال أيضاً : (و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله) .
هذا هو جمال سليم القائد في فكره و أخلاقه ، ذهب بعد أن أدّى رسالة ربّه على أحسن وجه نحسبه كذلك و لا نزكي على الله أحداً ؛ فطبت حياً و ميتاً ، و نعمَت نفسك بصحبة الأطهار في جنة خلد و سلام إلهٍ عليكَ و رحمته و بركاته.

المصادر

  1. المركز الفلسطيني للإعلام
  2. موقع ويكيبيديا .
  3. موقع الرسالة نت .
  4. صحيفة البيان


للمزيد عن الإخوان في فلسطين

أعلام الإخوان في فلسطين

العمليات الجهادية لكتائب القسام منذ تاريخها مقسمة حسب الشهر

المواقع الرسمية لإخوان فلسطين

مواقع إخبارية

الجناح العسكري

.

الجناح السياسي

الجناح الطلابي

الجناح الاجتماعي

أقرأ-أيضًا.png

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.