أزمات في وجه الهيئة التأسيسية للإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أزمات في وجه الهيئة التأسيسية للإخوان

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

حدث العديد من الصدمات داخل الجماعة خاصة بعدما قرر المستشار الهضيبي إلغاء السرية في الدعوة وجعل النظام الخاص نظاما علنيا، فما كان من قادة النظام الخاص القدامى إلا أن اعترضوا على ذلك الأمر، أمثال عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد زكي حسن؛

وحدث أن تحرك عدد من شباب النظام الخاص فحاصروا المرشد العام في منزله بإيعاز من هؤلاء القادة، وطالبوا منه بكتابة استقالته غير أن أن المر لم يفلح، حتى استشعر الكثيرين منهم بالخطأ فلجأوا إلى المركز العام في شكل سيطرة عليه وبمعاونة عدد من كبار الإخوان أمثال الأستاذ صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي.

وقعت هذه الحادثة يوم الجمعة 27/11/1953 ونشرت صحفية المصري في صبيحة السبت 28/11 تحت عنوان : " انقسام خطير في صفوف الإخوان المسلمين بعض الأعضاء يحتلون المركز العام ويغلقونه" .

"اتصل الأربعة المفصولون بأنصارهم،وفي الساعة الخامسة مساء أمس ذهبوا ومعهم نحو خمسين عضوًا إلي منزل الأستاذ الهضيبي طالبين استقالته فرفض .

فذهبوا إلي دار المركز العام وكان اليوم يوم الجمعة ، والمركز هادئ تمامًا ففتحوه بالقوة واحتلوه ، ونادوا بالسيد سابق مرشدًا وصالح عشماوي وكيلاً ، حيث كانا معهم في المظاهرة ، وأعلنوا مبايعتهما .

ووصلت الأنباء إلي الأستاذ عبد الحكيم عابدين فذهب إلي المركز العام وبصحبته الشيخ محمد فرغلي وعمر الأميري، وحاولوا تهدئة الموجودين الذين أصروا أن يطلعوا علي أسباب فصل الأربعة ، فرفض هؤلاء الإدلاء بشيء واتصلوا بالأساتذة عبد القادر عودة وعبد الرحمن البنا وعبده قاسم الذين حضروا وحاولوا محاولة أخري مع المتظاهرين". (1)

وفي 29/11/53 أي في اليوم التالي وهو يوم الأحد نشرت الصحف المصري ما يلي:

"حضرت وفود ضخمة من مختلف شعب القطر إلي المركز العام،وكان المتظاهرون قد انفضوا قبل الساعة السابعة من صباح السبت ، ولم يبق إلا صالح عشماوي وأحمد عبد العزيز جلال اللذان غادرا المركز العام حين حضرت الوفود .وبلغ المصري أن عبد العزيز كامل كان ممن حاولوا التوفيق بين الفريقين .

يضيف عبد الحليم:

وكان مكتب الإرشاد قد قرر الاجتماع بالمركز العام الساعة الثانية بعد الظهر ، وقبل الاجتماع كان قد حضر الطرفان ، فخطب عبد الحكيم عابدين مؤيدًا المرشد ، ثم تلاه الأساتذة سيد قطب رئيس قسم نشر الدعوة ، وحسن دوح عن الطلبة ، وعز الدين إبراهيم عن مكتب إداري القاهرة وسعيد رمضان والدكتور خميس
ثم تكلم المرشد فقال :
"إن الإخوان الذين زاروني أمس دون إذن مني أعلن أني قد سامحتهم.أما الذين أخطئوا في حق الدعوة فليس لها أن تتسامح في أخطاء تمسها".

ثم بدأ مكتب الإرشاد اجتماعه بالتحقيق في حادث الأمس ، والاستماع إلي من كانوا بالمركز العام ومنهم صالح عشماوي وعبد العزيز جلال ومن أرسلهم المكتب للتفاهم وهم : عبد القادر عودة وعبد الحفيظ الصيفي وعبد العزيز كامل ، ثم أذاع المرشد العام البيان التالي إلي رؤساء المكاتب الإدارية الذين كانوا بالمركز العام

واجتمع بهم:

" أرجو أن تبلغوا جميع الإخوان في محيط المكتب الإداري أن مكتب الإرشاد العام قرر بجلسته العادية المنعقدة في مساء يوم الأحد 15 ربيع الأول 1373هـ الموافق 22 نوفمبر 1953م فصل السادة أحمد زكي حسن وأحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ .
ولقد صدر هذا القرار بعد الاستماع إلي البيانات المتعددة التي عرضت علي المكتب عن أخطائهم المتلاحقة في حق الدعوة والجماعة خلال العامين الماضيين ، والتي ثبت منها أنهم سلكوا مسلكاً لا يتفق وأغراض الجماعة وأنهم نقضوا البيعة وخرجوا علي الدعوة. (2)

وفى 23/ 11/ 1953 طلعت جميع صحف الصباح بهذا الخبر (فصل أربعة من أعضاء الإخوان المسلمين):

عقد مكتب الإرشاد لهيئة الإخوان المسلمين مساء أمس اجتماعا هاما برياسة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام ودام هذا الاجتماع من الساعة السابعة حتى منتصف الليل.

وقد أذاع مكتب الإرشاد فى منتصف الليل البيان التالي:

قرر مكتب الإرشاد العام فصل السادة أحمد زكى حسن وأحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ من هيئة الإخوان المسلمين وبهذا القرار تنقطع صلتهم بالدعوة والجماعة انقطاعا تاما. (3)

وفي 30/11/1953 نشرت الصحف البيان التالي:

" استأنف مكتب الإرشاد اجتماعه مساء أمس حتى الواحدة صباح اليوم .. وأذاع الأستاذ عبد الحكيم عابدين علي الصحفيين هذه القرارات ،وهي :
أولاً: وقف كل من الأستاذين صالح عشماوي ومحمد الغزالي عضوي الهيئة التأسيسية وإحالتهما إلي لجنة تحقيق العضوية للفصل في أمرهما .
ثانيًا: وقف الشيخ سيد سابق وإحالته إلي اللجنة التي أمر المكتب بتشكيلها فيما نسب إليه .
ثالثًا: إحالة الأستاذ أحمد عبد العزيز جلال في لجنة تحقيق العضوية للفصل فيما نسب إليه .
رابعًا: اعتبار موقف الدكتور محمد سليمان منتهيًا بالبيان الذي كتبه وقرر ثقته بالمرشد العام واستنكاره لموقف الخارجين علي الجماعة " .

وقد سأل مندوب "المصري" الأستاذ عبد الحكيم عابدين عن الحكمة في التفريق بين الذين تقرر وقفهم في قرار المكتب ؟ فقال:لأن الأولين عضوان في الهيئة التأسيسية أما السيد سابق فليس عضوا فيها. (4)

اجتمعت لجنة تحقيق العضوية لمناقشة كتاب مكتب الإرشاد ودراسته وتحديد الخطوات التي تتبع لإجراء التحقيق، فكان أول شيء واجه اللجنة أن الأخ عبد العزيز كامل رئيس اللجنة قال : إنه يتنحي عن الاشتراك في هذا التحقيق ؛ بدعوى أنه ممن حاولوا الإصلاح بين الطرفين وهذا يحجبه عن أن يكون محققاً فيما هو منسوب لأحد الطرفين.

انعقدت جلسة الهيئة التأسيسية في مساء يوم الخميس 10 ديسمبر 1953 وأذن للثلاثة بالحضور، وقرأ رئيس لجنة العضوية قرار اللجنة وتقريرها التفصيلي ومكنت الهيئة بعد ذلك الثلاثة من أن يسردوا قصتهم ، ويشرحوا موقفهم ثلاث ساعات كاملة لم تعترضهم في خلالها أدنى مقاطعة .

بعد استيضاحات ومناقشات هادئة ظهر من روح الهيئة التأسيسية الإجماع علي إدانتهم وإن بدت رغبات محدودة في تمييز بعضهم عن بعض ، وفي الرأفة ببعضهم مع وجوب العقوبة .. وأخيرًا أصدرت الهيئة قرارها بتأييد قرار لجنة العضوية بأغلبية 92 صوتًا ضد 23 كانت مخالفتهم منصبة علي نوع العقوبة .

قامت اللجنة بالتحقيق في الموضوع ، وأصدرت قرارها الذي نشر بالصحف في أبرز مكان وهذا هو نص ما نشر يوم 10/12/1953:

  1. إزالة صفة العضوية من الإخوان المسلمين عن صالح عشماوي والغزالي وأحمد عبد العزيز
  2. تطبيق 3 مواد
  3. جواز استئناف القرار
  4. رد صالح عشماوي

عقدت لجنة العضوية لجمعية الإخوان المسلمين اجتماعًا مساء أمس قررت في نهايته بالإجماع إزالة صفة العضوية عن الأساتذة صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال .وكان مكتب الإرشاد مجتمعًا عند صدور هذا القرار وقد عرض عليه فاعتمده .

حيثيات القرار:

وقد قالت لجنة العضوية في حيثيات قرارها ما يلي :

عمدتنا من القانون في هذا التطبيق المواد الثلاث الآتية:

المادة 4 : عضو الهيئة هو كل مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها ، وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها ، وينهض بواجبات عضويتها ، ويعمل علي تحقيق أغراضها ، ثم وافقت إدارة الشعبة التي ينتمي إليه علي قبوله ، وبايع علي ذلك ، وأقسم عليه ، ونص البيعة : " أعاهد الله العلي العظيم علي التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها ، والثقة التامة بقيادتها ، والسمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأقسم بالله العظيم علي ذلك وأبايع عليه ، والله علي ما أقول وكيل " .
المادة 36 : لهذه الهيئة "التأسيسية" أن تقرر في أي اجتماع منح بعض الإخوان حق العضوية للهيئة التأسيسية بشرط أن تتوفر فيمن يراد منحه إياها هذه الشروط :
(أ) أن يكون من الأعضاء المثبتين .
(ب) ألا تقل سنه عن 25 سنة هلالية .
(ج) أن يكون قد مضي علي اتصاله بالدعوة خمس سنوات علي الأقل .
(د) أن يكون متصفًا بالصفات الخلقية والثقافية والعملية التي تؤهله لذلك .
المادة 39 : تزول صفة العضوية عن عضو الهيئة التأسيسية بالاستعفاء ، وبفقدانه أحد الشروط التي تؤهله للعضوية ، أو بقرار من اللجنة المنصوص عليها في المادة 37 بالشروط الواردة فيها ، أو بقرار من الهيئة نفسها .. وفي كل الأحوال يجوز للمرشد العام أن يأمر بوقف العضة علي أن يعرض أمره فورًا علي الهيئة المختصة بالنظر في أمره .

واللجنة بعد أن ناقشت قرار الاتهام علي ضوء ما اقتنعت به من أدلة مادية وقرائن مضيئة،تستخلص أن المدعي عليهم قد ارتكبوا الأخطاء الآتية:

أولاً: أنهم اعتصموا في دار المركز العام،وظاهروا الشباب المعتصمين وجرءوهم علي ذلك ، وبذلك حرضوا علي الخروج علي القانون .
ثانيًا: أنهم ادعوا كذبًا أن المرشد العام أعلن استقالته علي الملأ .
ثالثاً: أنهم أصدروا قرارات لا يخولهم إياها قانون الإخوان المسلمين ؛ حيث وقفوا مكتب الإرشاد ، وألغوا قرار المكتب بفصل الأربعة وبذلك يكونون قد خرجوا علي القانون ونقضوا العهد ونكثوا البيعة .
رابعًا: أنهم افتأتوا علي هيئة الإخوان المسلمين بتنصيبهم أنفسهم أوصياء عليها دون الرجوع إليها أو أخذ تفويض منها بذلك .
خامسًا: أنهم متصلون في شئون الدعوة بأحد الأربعة الذين فصلوا خصوصًا ليلة الاعتصام وفي الأيام التالية ، وفي هذا خروج علي قرار الفصل الذي أصدرته هيئة شرعية .
سادسًا : أنهم أساءوا سمعة الدعوة ، وحطوا من كرامتها أمام الرأي العام الداخلي والخارجي باتخاذهم الصحف السيارة لنشر هذه القرارات .

وبناءً علي ذلاك قررت اللجنة بالإجماع إزالة صفة العضوية العامة في الدعوة عن السادة صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال .

3 من شهر ربيع الآخر 1373هـ
9/12/1953م
رئيس اللجنة محمود عبد الحليم
السكرتير سعد الدين الوليلي. (5)

لا شك في أن مسارعة قسم نشر الدعوة بالمركز العام إلي طبع هذه الرسالة وتوزيعها كان إجراءً حاسمًا ، فلقد كان هناك من وراء الكواليس سباق لاهث .. فقيادة الإخوان تريد أن يصل إلي مسمع الإخوان في كل مكان تفاصيل الحقائق في هذه المؤامرة التي يغشاها الغموض ..

وجمال عبد الناصر يريد أن يباغت الإخوان بإجراء جديد من طبيعته أنه يحول بين القيادة وبين توصيل هذه الحقائق إلي الإخوان حتى تكون أذهانهم خالية فتقبل أنباء يختلقها في خطة إجرائه الجديد.

صدام بين الضباط والإخوان

لم تكد الأمور تنتهي حتى خرج مجلس قيادة الثورة بتصريح يتهم الإخوان بالاتصال بالإنجليز، ولذا أصدر قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها حزبا سياسيا، ثم تم اعتقال المستشار حسن الهضيبي وعدد كبير من إخوانه، كما أقال عبد الناصر الرئيس محمد نجيب من منصبه في 25 فبراير، وإذا به في أول مارس يواجه مظاهرة ضخمة ففي ذلك اليوم توجه جم غفير من طلبة الجامعة والتي حققت أهدافها بعودة نجيب للحكم والإفراج عن الإخوان المعتقلين.

وصدرت الصحف معنونه (قرار مجلس الثورة بجلسته اليوم 25/3/1954:

أولاً: يسمح بقيام أحزاب .
ثانيًا: المجلس لا يؤلف حزبًا .
ثالثًا: لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا يكون هناك تأثير علي الانتخابات .
رابعًا: تنتخب الجمعية التأسيسية انتخابًا حرًا مباشرًا بدون أن يعين أب فرد وتكون لها السيادة الكاملة والسلطة الكاملة ، وتكون لها سلطة البرلمان كاملة ، وتكون الانتخابات حرة .
خامسًا: حل مجلس الثورة في 24 يوليو المقبل باعتبار الثورة قد انتهت وتسلم البلاد للمثلي الأمة .
سادسًا: تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها .

ملحوظة: يقول صاحب المذكرات : في الصحف التي نشرت هذه القرارات صورة واضحة لجمال عبد الناصر وبجانبه صلاح سالم ، يبدو فيها عبد الناصر في هيئة المغلوب علي أمره والذي يفكر في مخرج من هذا المأزق الذي وضع فيه .

وبعد أن نشرت الصحف هذه القرارات نشرت ما يأتي:

"تم الإفراج أمس عن الأستاذ حسن الهضيبي من السجن الحربي كما أفرج عن باقي أعضاء جماعة الإخوان المعتقلين.وقد تم اتصال أمس بين المسئولين وبين السيد حسن الهضيبي المرشد العام قبل الإفراج عنه بشأن عودة جماعة الإخوان المسلمين إلي نشاطها السابق .

وقد تم الاتفاق معهم علي ثلاث نقاط:

أولاً: أن تعود الجماعة إلي سابق نشاطها وكيانها بدون أي حد من حرياتها ، وإعادة أموالها المصادرة وشعبها ومركزها العام .
ثانيًا: الإفراج فورًا عن جميع الإخوان مدنيين وعسكريين مع إعادة من فصل منهم إلي الخدمة العسكرية .
ثالثًا: أن يصدر مجلس الثورة بيانًا يوضح فيه حقيقة الأسباب التي اعتبرها داعية إلي حل الإخوان . ويكون هذا البيان بمثابة الختام في هذه المسألة المؤسفة .

وقد صرح السيد حسن الهضيبي بأن الإخوان سيكونون بعد عودتهم عونًا للحكومة علي طرد الإنجليز من منطقة قناة السويس ورد اعتداءاتهم الوحشية وفي منتصف ليلة أمس توجه البكباشي جمال عبد الناصر إلي منزل الأستاذ الهضيبي حيث اجتمع به في منزله. (6)

لقد طالب الإخوان بـ:

  1. إعادة الحياة النيابية
  2. إلغاء الإجراءات الاستثنائية (الأحكام العرفية)
  3. إطلاق الحريات

تطورت الأحداث بين الإخوان وعبدالناصر مما دفعه لغلق مجلتهم (مجلة الإخوان المسلمون والتي لم يكن قد صدر منها سوى 12 عدد فقط)، كما سلبهم حق إصدار مجلة أخري تعبر عن آرائهم، ومنع الصحف من نشر أي شيء منهم أو عنهم.

دفع الوضع الجديد للإخوان والهيئة التأسيسية أن تبحث عن مسارات أخرى فوجدت بغيتها في طريقين للتغلب على فتن وتشكيك عبد الناصر:

الطريق الأول: طريق الانتقال ، فقد كانت توزع محافظات القطر علي مجموعة من القيادات الإخوانية بالمركز العام وتسافر هذه القيادات إلي عواصم المحافظات حيث يجدون في انتظارهم ممثلين لجميع الشعب الرئيسية التابعة للمحافظة، فينقلون إليهم آراء القيادة ويشرحونها لهم ويتناقشون فيها معهم .. وبطريقة التسلسل تصل هذه التعليمات والآراء والتوجيهات إلي كل فرد من الإخوان في المحافظة .. وعيب هذه الطريقة البطء فهي تستغرق وقتاً طويلاً ومجهودًا جسيمًا وتضحيات مادية.
الطريقة الثانية: حرب النشرات .. ولا يخفي علي القارئ أن ظروف طبع هذه النشرات تجعل نشرها محدودًا مهما بذل في سبيل ذلك من جهد، لكن هذه الوسائل أزعجت عبد الناصر. (7)

ظل الوضع يزداد تصادما حتى كان انتقاد المرشد العام لاتفاقية الجلاء وانتقاد الإخوان لها، حيث انتقدها بقوله:

  1. كان المفروض أن ينتهي أجل معاهدة 1936 بعد أقل من عامين .. وإذ ذاك كان علي بريطانيا أن تجلو عن القاعدة ، وأن تتركها دون أساس قانوني يمكنها من العودة إليها فيما بعد أما المعاهدة الجديدة فتمنحها هذا الحق باشتمالها علي مادة تسمح بإعادة تشغيل القاعدة في حالة حدوث أي اعتداء علي أي دولة عربية أو علي تركيا.
  2. المادة التي تسمح بإعادة تنشيط القاعدة في حالة الاعتداء علي تركيا تربط مصر والدول العربية بتركيا وبالتالي تربطهم جميعًا بالمعسكر الغربي .
  3. الفقرة التي تسمح لبريطانيا بصيانة القواعد الجوية تمثل تهديدًا لمصر . وهي علي المدى الطويل أداة لدوام السيطرة .
  4. المدنيون الذين سيناط بهم المساعدة في تشغيل المعدات هم بطبيعة الحال شخصيات عسكرية في ثياب مدنية .
  5. جددت الاتفاقية أجل المعاهدة 1936 لفترة خمس سنوات أخرى ، وسمحت بإجراء تشاور لمراجعة الموقف عند انتهاء فترة العمل بها ، وهو نفس النوع من البنود التي تكفل في الواقع الاستمرار الدائم لمعاهدة 1936 .
وقد طلب المرشد العام أن أي اتفاقية بين مصر وحكومة أجنبية ينبغي أن تعرض علي برلمان منتخب بإرادة حرة يمثل إرادة الشعب المصري ، وعلي صحافة متحررة من الرقابة وتملك حرية المناقشة. (8)

عكف الإخوان علي دراسة الخطوط الرئيسية لهذه الاتفاقية وخرجوا من هذه الدراسة بمذكرة شاملة تقدموا بها إلي رياسة مجلس الوزراء حيث أودعت الرياسة في الثاني من شهر أغسطس 1954 .. ويلاحظ أنه قد تم هذا في غيبة المرشد العام الذي لم يعد من رحلته إلا يوم 22 من أغسطس ..

وننقل فيما يلي نص هذه المذكرة:

السيد رئيس مجلس الوزراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعـد:

فقيامًا بواجب الشوري في الأمر ، والتواصي بالحق والصبر ، والتعاون علي البر والتقوى قد اطلع مكتب الإرشاد العام علي الخطوط الرئيسية للانتقال المقترح عقده بين مصر وانجلترا ، والذي وقعه رئيس وزراء مصر ووزير حربية انجلترا في يوم 27/7/1954 .
كما اطلع المكتب علي الملحق رقم (1) الذي نشر مع الخطوط الرئيسية في اليوم التالي للتوقيع . وقد تبين المكتب من دراسة الخطوط الرئيسية والملحق أمورًا خطيرة يعرضها فيما يلي عليكم ، ويتقدم بالرأي والنصيحة فيها إليكم . وهو إذ يفعل ذلك يقدر كل التقدير ما بذله المفاوضون المصريون من مجهود كبير ومن محاولات ضخمة للوصول إلي حقوق الأمة .

أولاً:الخطوط الرئيسية

(1) تحدد المادة الثانية مدة الاتفاق بسبع سنوات من تاريخ توقيعه ، كما أنها تلزم الحكومتين المصرية والبريطانية بالتشاور خلال السنة السابعة فيما يتخذ من تدابير عند انتهاء المدة ولما كان الجلاء سيتم كما اتفق في ظرف عشرين شهرًا فلا محل لجعل مدة الاتفاق سبع سنوات إلا إذا كانت الاتفاقية تستهدف شيئًا آخر غير تنظيم الجلاء وهو ربط مصر بانجلترا طيلة السبع سنوات بنوع من التحالف أو الارتباط قد يمتد إلي ما بعد السبع سنوات ، كما يدل علي ذلك التزام مصر بالتشاور مع انجلترا فيما يتخذ من تدابير عند انتهاء السبع سنوات .
(2) وتعطي المادة الرابعة لانجلترا في العودة إلي قاعدة القتال إذا هوجمت مصر أو أي دولة من دول الجامعة العربية والتي وقعت معاهدة الدفاع المشترك أو إذا هوجمت تركيا . وتوجب المادة علي مصر أن تقدم لانجلترا كل التسهيلات اللازمة لتهيئة القاعدة للحرب وإدارتها إدارة فعالة ويدخل في ذلك استخدام الموانئ المصرية .

وسنبين فيما يلي وجوه الخطر في هذه المادة:

(أ) أعطت لانجلترا الحق المطلق في العودة إلي القتال واحتلال القاعدة بجنودها لمجرد حدوث هجوم علي مصر أو دولة عربية أو تركيا . ولانجلترا الحق في العودة إلي القتال دون استشارة مصر ودون الحصول علي موافقتها بل ودون رضاها،ولو كانت الدولة المعتدية عليها قادرة علي رد الاعتداء وحدها .. والدول المستقلة لا تقبل أن يفرض عليها العون فرضًا ، ولا تعرض أرضها للاحتلال بهذه السهولة ، ولا تجعل دخول الأجانب بلادها راجعًا لمشيئة الأجنبي.
(ب) وإذا كان الاعتداء علي تركيا أمرًا يقلق راحة المسلم ، وكان الدفاع عن كل بلد إسلامي واجبًا إسلاميًا ، فإننا لا نفهم كيف أن الاعتداء علي تركيا يعطي انجلترا الحق المطلق في احتلال القتال ويلزم مصر التزامات مادية وأدبية قبل انجلترا لا قبل تركيا المعتدي عليها إلا إذا كان المقصود تدعيم السياسة الإنجليزية وحماية الإمبراطورية .
(ج) ولقد انتقدت مصر حلف باكستان وتركيا ، ورفضت من قبل أن تدخل حلفاً بلقانيًا أو في حلف الأطلنطي ، ولكنها طبقاً للمادة الرابعة دخلت في كل هذه الأحلاف بطريق غير مباشر لأن تركيا حليفة باكستان وحليفة لبعض دول البلقان ، كما أنها مرتبطة بحلف الأطلنطي ، فإذا هوجمت أي دولة محالفة لتركيا ودخلت تركيا الحرب فقد حق لانجلترا أن تحتل القتال بحجة مهاجمة تركيا ، ووجب علي انجلترا أن تدخل الحرب في صف تركيا طبقاً لما بينهما من معاهدات .
وإذا دخلت انجلترا الحرب وهي محتلة للقتال فقد اشتركت مصر اشتراكًا فعليًا في الحرب بسماحها باستخدام أراضيها ومطاراتها وموانيها ، ومما تقدمه من معونة وتسهيلات لانجلترا .
ولا شك أن هذه النتيجة التي وصلت إليها انجلترا عن طريق التحالف الواقعي في المفاوضات السابقة عن طريق التحالف الاتفاقي والدفاع المشترك . ولعل هذا التحالف الواقعي الذي أقامته المادة الرابعة ولم تصرح به ألفاظها هو الذي دعا رئيس وزراء مصر ووزير حربية انجلترا إلي أن يعلنا في البلاغ المشترك أنه ليس له غرض عدواني ، وأنهما يعتقدان أنه سيفضي إلي المحافظة علي السلم والأمن .
(د) أعطت المادة الرابعة لانجلترا الحق في استعمال جميع المواني المصرية ويترتب علي ذلك أن يكون لها حق في نقل جنودها وعتادها علي الطرق البرية والمائية والسكك الحديدية المصرية التي تصل مختلف المواني بالقاعدة ، وأن يكون لها مندوبون في كل ميناء . وما كانت انجلترا تستطيع أن تصل لشيء من هذا قبل أن تقرره لها المادة الرابعة .
(3) والفقرة الثانية من المادة الرابعة تلزم مصر أن تتشاور مع انجلترا في حالة قيام تهديد بهجوم علي أي بلد من البلاد التي سلف ذكرها في الفقرة الأولي ولم تبين هذه الفقرة حالة التهديد بالهجوم تلك الحالة التي لا تكاد تختلف في مدلولها عن عبارة "خطر الحرب" التي طالما حاولت انجلترا إلزامنا بالاتفاق عليها ولم تقابل إلا بالرفض .
(4) وتنص المادة السابعة علي جلاء القوات الإنجليزية جلاء تامًا عن الأراضي المصرية في مدة لا تزيد عن عشرين شهرًا من تاريخ توقيع الاتفاق . والجلاء التام الناجز غير المشروط بشرط هو حق الشعب الذي أجمع علي المطالبة به ، وهو ما استهدفته الحركة وصرح به رجالاتها ، ولكن الجلاء الذي جاءت به المادة السابعة جاء مع الأسف مسبوقاً بالتزامات ومعلقاً علي شروط وغير تام ولا ناجز .
وسنري أن الملحق رقم (1) استبدل بالجنود الإنجليز فنيين وموظفين من الإنجليز يديرون القاعدة،ويحافظون عليها.
وهذا يجعل الجلاء صوريًا ، ويحل محل الإنجليز الذين يلبسون الملابس العسكرية انجليزًا يرتدون الملابس المدنية ومهمة الفريقين واحدة .. ولذلك رأينا أن المادة الرابعة تعطي انجلترا حق إعادة جيشها للقاعدة بمجرد مهاجمة دولة من الدول التي عينتها المادة ، كما تفرض علي مصر محالفة واقعية مع انجلترا وحلفائها .
وإذا كانت مدة الاتفاقية سبع سنوات من تاريخ توقيعها ، فمعني ذلك أن تظل القاعدة محتلة بالمدنيين من الإنجليز ومعرضة لدخول الجيش الإنجليزي فيها طيلة سبع سنوات وإذا كان هذا هو الجلاء الذي جاءت به المادة السابعة فلن يستطيع منصف أن يقول عنه إنه جلاء ناجز أو جلاء غير مشروط .
(5) وتنص المادة الثامنة علي اعتبار قناة السويس ممرًا مائيًا له أهميته الدولية . هو تقرير للواقع ، ودليل علي بطلان ما كانت تدعيه انجلترا عن أهمية القتال لها وحدها لكن النص علي احترام اتفاقية سنة 1888 التي تكفل حرية الملاحة كان يقتضي النص علي حق مصر في تعطيل هذه الملاحة في حالة الدفاع عن النفس . والمادة الثامنة بهذا الوضع الناقص لن يستفيد منها سوي إسرائيل .
(6) وتلزم المادة التاسعة مصر بأن تقدم التسهيلات الخاصة بالطيران والنزول والصيانة لكل طائرة تابعة لسلاح الطيران الإنجليزي بمجرد الإخطار عنها؛
وهذا النص يحمل مصر بالتزامات خطيرة:
(أ) فهو يلزم مصر قبول أي طائرة أخطرت عنها دون أن يكون لمصر حق الاعتراض أو الرفض .
(ب) يلزم مصر أن تنشئ مطارات لنزول الطائرات الإنجليزية ، وأن تنشئ محطات لإصلاح وصيانة هذه الطائرات ، كما يلزم مصر أن تضع مطاراتها الحالية ومحطات الإصلاح والصيانة تحت تصرف الطيران الإنجليزي .
(ج) ويلزم مصر أن تقدم التسهيلات السابقة في أي مكان من القطر المصري لا في منطقة القنال وحدها ويكمل هذا الالتزام الجوي التزام بحري هو حق انجلترا في استخدام جميع المواني المصرية المنصوص عليه في المادة الرابعة ويترتب علي هذين الالتزامين التزام بري بنقل الأشخاص والمهمات فيما بين بعض المطارات والمواني وبعضها الآخر ، وفيما بين المطارات والمواني وبين القاعدة .

ثانيًا:الملحق رقم (1)

(1) أعطت الفقرة الثالثة لشركة انجليزية تجارية أو أكثر حق حفظ المنشآت البريطانية وإدارتها وأباحت لهذه الشركات أن تستخدم فنيين وموظفين من البريطانيين علي أن لا يزيد عدد الفنيين عن حد معين سيتفق عليه .
وهذا النص إذا كان قد قيد عدد الفنيين فإنه لا يقيد عدد الموظفين ، ويسمح للشركة أن توظف عددًا كبيرًا من الإنجليز ، وهم جميعًا مجندون ، فيكون هناك جيش من هؤلاء في القنال تحت اسم الموظفين .. ويستطيع هذا الجيش الأجنبي في أي وقت أن يكون خطرًا علي مصر خصوصًا وتحت يده العتاد الكثير ، ولديه العدد الكافي من الفنيين .
ولا يغير هذا المعني ما قد توهم به عبارة الشركة جواز أن تكون الشركة مصرية وبين جواز استخدام المصريين مع البريطانيين ، فإن حق اختيار الشركة أو الشركات متروك لانجلترا ولا يعقل أن تختار شركات مصرية ، وحق اختيار الفنيين والموظفين متروك للشركة .
ولا يعقل أن تختار الشركة الإنجليزية فنيين أو موظفين مصريين إلا إذا كانت أعمالهم تافهة ، ولم يكن لديهم من يقوم مقامهم من الإنجليز . ولو صح أن انجلترا لا يهمها أن يشرف علي القاعدة مصريون لما كان هناك دافع لهذا اللف والدوران ولسلمت القاعدة للحكومة المصرية وتركت مسئوليتها .
وعلي كل حال فإن وضع إدارة القاعدة في يد شركة يشرف عليها موظفون بريطانيون ملحقون بالسفارة البريطانية يدل علي روح الحكومة البريطانية واتجاهها وحرصها علي أن تكون أمور القاعدة في أيد انجليزية .
(2) وتلزم الفقرة الرابعة الحكومة المصرية أن تقدم المعونة الكاملة للشركة التجارية . وتعبير المعونة الكاملة تعبير واسع ومن شأنه أن يرتب علي مصر التزامات غير محددة تنفرد الحكومة البريطانية بتقديرها .
(3) والفقرتان الأولي والخامسة معًا يفيدان أن معظم المنشآت الإنجليزية في القتال ستسلم للشركات التجارية لإدارتها وحفظها وصيانتها . وأن منشآت من نوع خاص كالكباري والمواصلات وأيضًا أنابيب البترول قد تسلم للحكومة المصرية ولكن الحكومة المصرية مع تسلمها هذه المنشآت لن تديرها إلا بواسطة الشركات التجارية . ولا ندري ما الحكمة التي تدعو لتسليم الحكومة المصرية بعض المنشآت وإلزامها بأن تديرها .
(4) وتجعل الفقرة السادسة للحكومة الإنجليزية حق التفتيش علي جميع المنشآت ما يسلم منها للحكومة المصرية وما يسلم منها للشركات . ويتم التفتيش بواسطة موظفين من الإنجليز يلحقون بالسفارة البريطانية في القاهرة .

وبمقتضي هذه الفقرة:

(أ) أن يكون التفتيش علي جميع المنشآت ما سلم منها للحكومة المصرية وما سلم للشركات .
(ب) أن يقوم بالتفتيش عسكريون من الإنجليز ، ولا يمكن إلا أن يكونوا عسكريين لأنهم يفتشون علي منشآت وأعمال عسكرية .
(ج) أن يمنح هؤلاء المفتشون الحصانة الدبلوماسية بحكم إلحاقهم موظفين بالسفارة البريطانية .
(د) أن يكون لهؤلاء العسكريون حق الإقامة في القاهرة بعد أن جلا العسكريون عنها منذ عام 1946 .
(هـ) وأخيرًا فإن قيام شركات انجليزية بإدارة القاعدة ، واستخدامها فنيين وموظفين من الإنجليز ، وجعل التفتيش علي أعمال هؤلاء العسكريين بواسطة موظفين ملحقين بالسفارة البريطانية .. كل ذلك معناه أن انجلترا هي التي تدير القاعدة وتحافظ عليها وتصونها ، وتتصرف فيها ، وأن الوضع السابق علي هذه الاتفاقية لم يتغير في حقيقته وإن تغير في مظهره .

المعاني التي قامت عليها الاتفاقية:

يستفاد من دراسة الخطوط الرئيسية والملحق رقم (1) أن الاتفاقية تقوم علي المعاني الآتية:

الأول: ربط مصر بالكتلة الغربية ربطًا فعليًا وذلك بإدخال تركيا في الاتفاق . وهذا الرباط يجعل مصر حليفة لدول الكتلة الغربية وإن لم تذكر كلمة "التحالف" ، ويعرض مصر لويلات حروب لا مصلحة لها فيها . ولا فائدة تعود منها عليها ، ويجعلها تنفق أموالاً هي أحق بأن تنفقها في محاربة الاستعمار وتدعيم استقلالها .
الثاني: تقرير الجلاء المشروط بإدخال تركيا في الاتفاق واعتبار هذا الدخول شرطاً للجلاء وثمنًا له وهذا هو الجلاء المشروط الذي يحرص الإنجليز منذ سنة 1954 علي أن يتمسكوا به في كل مفاوضة ، وليس الجلاء التام الناجز غير المشروط الذي نادت به الأمة المصرية وتعاهدت عليه واستشهد أبناؤها في سبيله .
الثالث: استبدال الاحتلال المدني بالاحتلال العسكري إذا هوجمت مصر أو أي بلد من بلاد الجامعة العربية أو تركيا ، وهذا المعني مع سابقه يجعلان الجلاء جزئيًا لا كليًا ومؤقتًَا لا نهائيًا ، وصوريًا لا حقيقيًا ، وقد يقال إن تقديم مصر التسهيلات لانجلترا لا يجعل مصر حليفة لها ، ويستدل القاتلون بما حدث في الحرب الماضية ؛
وهؤلاء يجب أن يعلموا أن مصر بتقديمها التسهيلات في أراضيها لدولة محاربة تعتبر مشتركة في الحرب فعلاً ، وإن ما حدث من إيطاليا وألمانيا في الحرب الماضية لن يحدث من روسيا مثلاً ، ذلك أن ألمانيا وإيطاليا كانتا علي علم بشعور الشعب المصري نحو الإنجليز ، ومع ذلك فإن حرصهما علي عدم استشارة الشعب المصري لم يمنع من غارات طائراتها علي المدن المصرية مما أدي إلي تخريب المنشآت وهلاك الأنفس .

علاج الموقف:

إن أول علاج للموقف في رأينا هو أن توقف المفاوضات الدائرة بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية ، وأن يعتبر ما تم منها كأن لم يكن مادامت المفاوضات أساسها المساومة علي الجلاء .
حتى إذا اعترف الإنجليز بجلاء غير مقيد بقيد ولا مشروط بشرط ولا مرتبط باتفاق علي أمر آخر ، جاز للحكومة المصرية أن تدخل معهم في محادثات لا تتعدي تنظيم الجلاء ، فإذا تم الجلاء وانتهت عوامل الضغط وأسباب المساومة ، فإن لمصر أن تفاوض انجلترا ، وأن تتفق معها علي ما تراه في صالحها .
والخطوة الثانية: في علاج الموقف هو تحقيق ما أعلنته الحكومة الحالية من إعداد الشعب وتربيته تربية عسكرية وبث روح الجهاد فيه، وتجميع صفوفه، وتنظيمها لجهاد كريم هو السبيل الطبيعي لاستخلاص الحقوق وإجلاء الغاصبين والمستعمرين ويوم تفعل الحكومة فسيكون الإخوان في الصف الأول ، وستري الحكومة كيف سيبيعون أنفسهم وأفراد الشعب الكريم في سبيل الله وتحرير وطنهم .
وإن ذلك الاتجاه لقمين أن يوصلنا إلي الجلاء التام الناجز في أقرب وقت ممكن وأقل كلفة ، ولن نبذل من التضحيات والخسائر في سبيل الله بعض ما يصيب البلاد من إتمام الاتفاق المقترح وبين الإنجليز .
ولا نحب أن نلزم الحكومة الأخذ برأينا في علاج الموقف .. ويكفينا أن تعلم الحكومة المصرية أن مشروع الاتفاق ضار بمصر للأسباب التي ذكرناها ، وأن الأمة لا ترضاه ولا تقبله ، ولن تسمح بأن تقيد نفسها به ، وأن علي الحكومة أن تراجع موقفها من الاتفاق ، وأن تتخذ منه الموقف بوعي الأمة وجهادها الطويل بأهداف الثورة وما أعلنته منذ قيامها بأنها لا تقبل إلا الجلاء الناجز الطليق من كل شرط وقيد .
هذا ما يري الإخوان المسلمون التقدم به إلي الحكومة آملين أن تستجيب لهم ، فإن أبت إلا المضي فيما بدأته من مفاوضات فإن الأمانة الوطنية تحتم عليها أن تتبين رأي الأمة في هذا الأمر الخطير ، الذي لا يجوز أن تستأثر به حكومة دون شعب .
وإذا كنا قد فات الحكومة أن تتبين رأي الأمة في المفاوضات قبل البدء فيها فلا يفوتن الحكومة أن تتبين رأي الأمة في اتفاق الخطوط الرئيسية،ولن يكون ذلك إلا بإطلاق حرية القول والاجتماع وتوفر الحرية للصحف لتنشر كل ما يصل إليها عن الاتفاق .
ولا يغني عن تبين رأي الأمة في اتفاق الخطوط الرئيسية أن يعرض الاتفاق النهائي بعد إتمامه علي ممثلي الأمة لإقراره والتصديق عليه ، فإن تبين رأي الأمة في الاتفاق قبل المضي فيه يوقر علي الأمة وقتها وجهدها . ويجعل الحكومة علي بصيرة من أمرها فيما تأخذ وما تدع .
وهذا ما جري به العمل في كل مشروعات الاتفاقات السابقة فقد عرضت علي الأمة لاستطلاع الرأي فيها ونوقشت في الصحف وفي الاجتماعات العامة مناقشة حرة لا قيد عليها ولا تثريب علي المشتركين فيها .
وما تقدمنا للحكومة في هذا كله إلا للنصيحة التي يفرضها علينا الإسلام والدين النصيحة وما نريد إلا الخير للأمة والحكومة ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الوكيل العام للإخوان المسلمين
ذي الحجة 1373هـ 2 أغسطس 1954م. (9)
كان الاجتماع السنوي للهيئة قد تحدد له يوم الخميس 9 سبتمبر 1954، وقد عقد الاجتماع فعلا، ولكن الهضيبي أرسل إليه خطابا تلي على أعضاء الجماعة بين فيه وجهة نظره في الخلافات الدائرة بين الجماعة والثورة من جهة، ومن معارضة اتفاقية الجلاء من جهة أخرى ...
وفي هذا الخطاب الهام، أوضح الهضيبي أن ما فعله الإخوان المسلمون من معارضة كل اتفاق مع المستعمرين ليس شهوة عندهم، وإنما هو أصل دينهم، فإن أحكام الإسلام تقتضي أنه إذا وطأت أقدام العدو أرض المسلمين، وجب على كل واحد منهم صغيرا أو كبيرا أن ينهضوا لدفع العدو أيا كان" وبالتالي "فليس لنا أن نرضى بوجودهم على أرض الإسلام بمقتضى اتفاقات نعقدها معهم، ولا أن نرضى بأي ارتباط كان".

ثم ذكر الجماعة بما قدمته من مساعدات "لرجال الانقلاب" منذ بداية الحركة "حتى تماسكوا وثبتت أقدامهم" وتعرض لقرار الحل في يناير 1954، واعتقال الإخوان، وإسناد شتى التهم إليهم، ثم الإفراج عنهم من غير تحقيق ولا سؤال، واستبقاء البعض الآخر في السجون، وقال: إن من حقهم أن يفرجوا عنا بلا كلام.

ولكن وهم يطلبون منا التعاون، فإننا نرجو أن يفرج عن جميع المعتقلين، وأن يلغى قرار حل الإخوان المسلمين، وأن يذكروا كلمة تنسخ أثر الكلام الذي قيل في تبرير الحل والاعتقال".

عقد اجتماع الهيئة التأسيسية يوم 23 سبتمبر، برئاسة محمد خميس حميدة، وحضره نحو مائة عضو من 147 عضوا، و استمر الاجتماع مدة 18 ساعة، في مناقشات وجدل طويل، وحاول أن يوفق بين الحكومة والإخوان؛

فأصدروا هذه القرارات:

  1. إن مجلس قيادة الثورة قد أنجز ما يستحق التقدير بقضائه على الملكية والإقطاع وبتمهيده الطريق لقيام مجتمع أفضل .
  2. إن مجلس قيادة الثورة يستحق كل شكر وعرفان لجوده التي بذلها من أجل صالح الأمة .
  3. إن على الحكومة أن تقر بحق الإخوان المسلمون في أن ناقشوا معها مختلف القضايا وبوجه خاص اتفاقية الجلاء وإن عليها أن تفهم أن انتقاداتهم لا تنطوي على ما يسئ إلى (إخلاص) مجلس قيادة الثورة.
  4. إن علي مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمون أن يعملا معا من أجل ما فيه خير العقيدة والأمة. (10)
لم يدم الحال طويلا حيث حدثت بعض الاختلافات في وجهات النظر وسط الهيئة التأسيسية حتى كانت حادثة المنشية في 26 أكتوبر والتي غيبت بعدها أعداد كثيرة من الهيئة خلف القضبان.

يقول محمود عبد الحليم:

لما قارب المعتقل علي الانتهاء اجتمع إخوان الهيئة التأسيسية الذين بالمعتقل وناقشوا قضية كان لابد من مناقشتها ، تلك هي أنهم حين يخرجون إلي الحياة سيجدون مجتمعًا ذا صبغة معينة ، وسيجدون حكومة هي وليدة الصراع الذي كان بينهم وبين الثورة .. فما موقفهم منها ومن هذا المجتمع ؟ هل يقفون منها موقف المقاومة أم موقفاً سلبيًا أو يتجاوبون معها ؟ .
وقد تمخض نقاشهم عن قرار مؤداه: أننا مهما كان رأينا في الحكومة فإن الشعب الذي تحكمه هو شعبنا،ومسئوليتنا عن مصالحه لا تقل عن مسئوليتها،فعلينا أن نتعاون معها فيما يعود علي هذا الشعب بالخير،منحين جانبًا ما بيننا وبينها من خلاف سياسي،وبذلك تكون في كل أحوالنا متجاوبين فيما عدا الاتجاه السياسي . وتوالت الإفراجات عام 1956م. (11)

المراجع

  1. الإخوان أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق.
  2. الإخوان أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق.
  3. النقط فوق الحروف: مرجع سابق، ص 354.
  4. الإخوان أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق.
  5. نشرة حتى يعلم الإخوان .. القول الفصل.. الإخوان المسلمون.. قسم نشر الدعوة .. 1954م..للمزيد انظر الملاحق
  6. صحيفة المصري: 26/ 3/ 1954م
  7. الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق
  8. المرجع سابق
  9. المرجع سابق
  10. عباس السيسي: في قافلة الإخوان المسلمين، مرجع سابق
  11. أحداث صنعت التاريخ: مرجع سابق

إقرا أيضا