عمر شاهين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشهيد عمر شاهين

إعداد: موقع إخوان ويكي

مقدمة

هناك وعلى ضفاف قناة السويس في هذه البقعة التي شهدت بطولات كثيرة وتضحيات عظيمة كان جهاد الإخوان ضد الإنجليز المحتلين قد أخذ نصيبا من تاريخ هذه الحركة .. لقد سعى للشهادة رجال نحسبهم صادقين ..نعم هم في ريعان شبابهم ولكنهم ضربوا أمثلة رائعة في البطولة والفداء .

وكان على رأس هؤلاء الأبطال بطلنا الأخ الفاضل عمر شاهين رحمه الله تعالى .

"عمر شاهين" هو واحد من أبناء هذه الدعوة المباركة دعوة (الإخوان المسلمون).. ولكن سنوات عمره العشرين لم تثنه عن طريق الجهاد ، وكان ممن قدم مهجته نحسبه ليشهد أن دين الله أغلى من حياته كلها..

فكانت شهادة الجميع له كما يقول الأستاذ عبد الحليم الكناني:

بدءًا من زملائه في الجامعة، وإخوانه في الدعوة والجهاد، وقادته في معسكرات التدريب وساحة الجهاد، وأمته جمعاء يوم خرجت عن بكرة أبيها تودع جنازته، حتى أعداءه الذين شهدوا له ولإخوانه بالشجاعة والثبات، وقطع زعيمهم تشرشل إجازته وقال: "لقد نزل الميدان عنصر جديد".

في ركب الإخوان

ولد شهيدنا في عام 1931م بالقاهرة، والتحق بركب (الإخوان المسلمون) في سن صغيرة حيث لم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، وكان من بيت فضل فيه من أبناء الدعوة أخواه "وائل ونعمان شاهين"، كانوا جميعا من بين أعضاء شعبة الإخوان بالعباسية.
ملك حب الجهاد عليه حياته منذ حداثة سنه فكان يجتمع بمنزله مع مجموعة من شباب الإخوان بعد صلاة المغرب يوميًا، وذلك لدراسة طرق مقاومة الإنجليز بما يتفق مع إمكانياتهم البسيطة في ذلك الوقت،ولما كان منزلهم مطلا على ميدان العباسية فقد كان هذا سببا أن تصل مشورتهم إلى مهاجمة جنود الطيران الإنجليز أثناء عودتهم من السينما داخل المعسكرات بجوار كلية البوليس إلى مكان مبيتهم الواقع بين مستشفى الدمرداش وجامعة عين شمس، وكان لهم في هذا الأسلوب تجارب موفقة .. كما شارك عمر شاهين في المظاهرات المتعابقة التي كان يقوم بها الإخوان حينذاك من أجل نصرة قضية فلسطين فكانت هذه بداية طريق الشهيد في ميدان الجهاد..

بداية طريق الجهاد

ظل هذا الشغف ملازما للشهيد حتى إذا جاء نهاية عام 1947م وأعلن عن فتح باب التطوع للجهاد في فلسطين، كان عمر شاهين من أوائل المتطوعين للجهاد، وانتظم في معسكرات التدريب بالهايكستب؛ انتظارًا للسفر إلى فلسطين للمشاركة في الجهاد هناك.
وارتبط بدعوة «الإخوان المسلمين» في سن مبكرة، ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، وشاركه في الارتباط بالدعوة أخواه «وائل شاهين» و«نعمان شاهين»، فكانوا من بين أعضاء شعبة الإخوان بـ«العباسية»، واشترك في المظاهرات التي كان يقوم بها الإخوان حينذاك من أجل نصرة قضية فلسطين، وتأييد مطالب مصر في الجلاء والاستقلال
لم يكن عمر آنذاك قد تجاوز السادسة عشرة، إلا أن نشاطه وحبه للجهاد وإقباله على التدريب ، كان يزكيه عند قادته للسفر لفلسطين.. ولكنه لم يسافر لحداثة سنه وعاد من المعسكر إلى القاهرة لمواصلة الدراسة فقد كان طالبًا بالمرحلة الثانوية حينذاك، وقدر الله له أن يمر بتجربة الاعتقال وذلك لما جاءت بدايات المحنة الأولى وحُلت جماعة (الإخوان المسلمون)، وتم اعتقال رموزها وكثير من القاعدة ، وظل في المعتقل مدة حتى أُفرج عنه ثم واصل دراسته إلى أن التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة.

يقول عنه الأستاذ عبد الرحمن البنان في مذكراته:

"أخيرًا وصلنا إلى قمة الجبل، أخذ «عمر شاهين» شقيق «وائل» بيدي، أنا ولطفي، وقال لنا بأسلوب مهذب: لقد تعبنا جميعًا في أول رحلة، فهذا شيء طبيعي؛ لأننا في المدينة لا نبذل هذا المجهود الكبير، خففت كلمة :«عمر» ما نحن فيه من إحباط وتعب".

وجاءت حرب القناة

وفي عام 1951م أقيمت معسكرات التدريب في جامعة القاهرة وعين شمس والأسكندرية..استعدادًا للقتال والتف شباب الجامعة تحت قيادة الإخوان..
وفي معسكر جامعة القاهرة ، كان عمر وبشهادة الذين رافقوه في المعسكر والذين أجمعوا على أنه كان أبرز شخصية في كل شيء في تدريبه، في خلقه، حتى إن قادة المعسكر اختاروه كأحد قادة المجموعات بالمعسكر ..
وأقيمت قرعة بين طلبة الإخوان المنتمين للمعسكر بعد انتهاء فترة التدريب، و كان التنافس بين الشباب شديدًا للسفر إلى الميدان .. وطرح اسم "عمر شاهين" في القرعة، لكنه لم يفز فأصابه حزن شديد حتى تأثر لذلك إخوانه، وتحايلوا بصورة ما لإجراء قرعة أخرى فكان من الفائزين، فاندفع بكل مشاعره وفرحته يُهنئ إخوانه ويهنئ نفسه وأعلن عن إقامة حفل بمناسبة نجاحه في القرعة ..
و سافرت الكتيبة الأولى من شباب الجامعة إلى فاقوس؛ حيث أقامت معسكرًا للتدريب هناك استعدادًا للبدء في القتال، وكان عمر متميزا بصورة كبيرة في هذا المعسكر..حدث هذا في صباح اليوم التاسع من نوفمبر من هذه السنة ..

صفاته كما رآها قادته

يحدثنا عن صفاته الأستاذ "كامل الشريف" الذي زار معسكر التدريب ذات يوم وكان هو القائد الفعلي لمجاهدي الإخوان في القنال، ورأى الشهيد .. فكتب عنه تلك الكلمة الطيبة.. تحت عنوان "شهيد":

"لا أدرى لماذا ترى أحد الوجوه أحيانًا فيظل عالقًا في ذهنك بشكل بارز، كأنه عنوان لقصة مثيرة لم تكمل فصولها بعد.وقد ترى هذا الوجه وسط مجموعة كبيرة من الناس لا يتميز عنها بشيء، بل ربما كان فيهم هذا الوجه وحده دون الناس جميعًا، وتظل تنتظر خاتمة القصة تحت هذا العنوان البارز.
لقد مرت بي هذه التجربة مرات عديدة خلال حملة فلسطين، وكانت هذه الوجوه عناوين لقصص من سير البطولة والاستشهاد، حتى تكرر مني أكثر من مرة أن أُشير على بعض أصحاب هذه الوجوه، وأقول مازحًا، هذا شهيد، وتصدق الأيام ظني بعد قليل، حتى أصبح الإخوان يخافون من نظرتي تلك ويرونها فألاً غير مرغوب فيه.
إن أوصافًا معينة يلتقي فيها أصحاب هذه الوجوه التي مرت بي: إشراق واضح لا تخطئه العين، وصفاء روحي تحس به، وعكوف على العبادة، كأنَّ صاحبها مقبل على لقاء قريب، وحركات سريعة نشطة كأن قوة داخلية تحركه، تريد أن تشده إلى أعلى وتنطلق به بعيدًا.
لقد رأيت هذه الشارات كلها في عمر شاهين، يوم زرت مجموعة الإخوان الجامعيين لأحيي أفرادها عندما وصلت إلى أحد معسكرات التدريب في الشرقية، وكانت المجموعة تستعد لتناول طعام الغداء، ولفت نظري شاب حديث السن وسيم الخلقة يقفز من مكان إلى مكان وفي فمه صفارة ويصدر أوامره، ثم يطوف على إخوانه ليستمع إلى مطالبهم، ثم يمزح مع هذا، ويربت على كتف ذاك، وسألت أحد الإخوان ولعله الأخ "حسن دوح" عن اسمه فقال: "عمر شاهين" فقلت له هامسًا ما أظن صاحبك هذا إلا شهيد، وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها هذا الشهيد الكريم".

ويصفه الأستاذ "حسن دوح" بقوله :

"كان عمر نموذجًا للشاب الذي يتمناه كل أب ليكون له ابنًا، وكل صديق ليكون له خليلاً وكل امرأة ليكون رجلها، وكل ابن ليكون ابن عمر".
كل ما تحب أن تراه في شاب يمكنك أن تجده في عمر، فيه جمال الرجولة بكل ما تحمله هذه العبارة، قسمات وجهه نضرة رائعة، عضلاته قطعة من صلب، فارع الطول، سوي البنيان، راسخ الخطوات مهيب النظرات، تتمثل فيه القوة والرقة، الإصرار والحنان، الجمال والرجولة.
كان "عمر" مجموعة من الرجال في رجل واحد، إذا التمست الرجل التقي العابد وجدته فيه، وإذا شئت بطلاً رياضيًا أثار إعجابك وحماسك، وهو مع هذا كله محب للعلم والدرس مغرم بالتعمق في الفلسفة وعلم النفس في غير جدل أو مراء.
وأجمل ما في عمر طفولة روحه التي تتضح براءةً وطهرًا في قسمات وجهه، وكأن الرافعي يعنيه وهو يقول: "إذا اكتملت للرجل رجولة أعماله، عادت إليه طفولة روحه".

معركة التل الكبير وشهادة الإخوان للبطل

يحدثنا الأستاذ عبد الحليم الكناني عنها فيقول :

" وبعد انتهاء مدة التدريب توزعت الكتيبة على مواقع متعددة، وكانت قوة الشهيد "عمر شاهين" ترابط في التل الكبير، وبدأ "عمر" وزملاؤه يعدون لأول معركة منظمة مع الأعداء، وجاءت هذه المعركة سريعًا يوم 13 يناير 1952م ."

و يصف لناالأستاذ أحمد عبد المجيد بعض ما كانت تقوم به كتيبة الإخوان من أعمال فيقول :

" بدأت كتيبة إخوان الجامعة وكان من بينها الإخوان حسن دوح، وعلي صديق، وحسن عبد الغني، وأحمد المنيسي، وعمر شاهين، وسعد فريد، وعلي إبراهيم، والضابط مصطفى أبو دومة، وإسماعيل عبد الله، ومحمد عبد الوهاب، وسمير الشيخ، وحسن شافعي.
وقد بدأت الكتيبة أعمالها بمراقبة تجمعات العدو وتحركاته حول المستعمرات صباحًا أثناء تغيير النوباتجيات في سيارة مصفحة وقرروا ضربها.ضرب السيارة المصفحة أثناء تغيير نوبات الحراسة بمعسكر القرين.
ركز أفراد كتيبة إخوان الجامعة النيران على هذه المصفحة عند اقترابها من كمين أعدوه لهذا الغرض، وذلك بمدافع البرن وغيرها الأمر الذي أدى إلى حرق المصفحة بمن فيها، وأصاب كل الجنود الإنجليز الذعر فأعلنوا حالة الطوارئ بهذا المعسكر.
نسف خط السكة الحديد أمام قرية الحماد وقتل المهندسين الذين جاءوا لإصلاحه خرج علي صديق ومعه عمر شاهين في 11 يناير سنة 1952 في دورية استكشافية لتحديد موقع مناسب لكمين يقع فيه جنود الاحتلال.
وقد لاحظوا وجود شريط للسكة الحديد أمام قرية الحماد يصل إلى داخل المعسكر كان قد نسف من قبل، وحضرت ثلة من سلاح المهندسين من الإنجليز لإصلاح الخط الحديدي تحت حراسة مشددة، ومن هذه النقطة فكر علي صديق في إعادة نسف الخط الحديدي بعد إصلاحه، ثم عمل كمين لاصطياد أفراد سلاح المهندسين وحراسهم من جنود الاحتلال.
وفي المساء تسللوا ومعهم الألغام المضادة للأشخاص وقطن البارود لكسر الخط الحديدي الداخل لمعسكر الإنجليز، ثم وضع الألغام وتوصيلها بتوصيلة كهربائية إلى كمين يمكن منه تفجيرها عند قدوم أفراد سلاح المهندسين.
وقد اشترك في هذه العملية عشرة أشخاص انقسموا إلى ثلاث مجموعات، واحدة لوضع الألغام المضادة للأفراد التي تستعمل بالكهرباء، والثانية لوضع الألغام الناسفة للخط الحديدي، والثالثة للحراسة أثناء هذه العمليات، وفتح الكوبري الذي يوصل بالبلدة بعد نجاح العملية لمنع محاولة الإنجليز اللحاق بالمجموعة أثناء انسحابها.
وقد تم نسف الشريط وضرب الإنجليز نطاقًا حول المنطقة بأنوارهم الكاشفة ولكن الإخوان سعد فريد، وعلي إبراهيم، حفرا خندقًا لهما ومعهما بطارية التفجير وبقيا في انتظار الصيد الثمين الذي سيأتي لإصلاح الخط الحديدي حسب الخطط الموضوعة.
ولكن الإنجليز لم يحضروا في اليوم التالي للإصلاح فاضطر الأخ علي صديق إلى استفزازهم بنسف الشريط من نقطة أخرى بعيدة عن منطقة الألغام الكهربائية تحت الحراسة، ثم قام باستبدال الأخوين سعد فريد، وعلي إبراهيم، بآخرين قاما بتفجير الألغام في أفراد سلاح المهندسين عند خروجهم للإصلاح، وتمت العملية بنجاح، حيث قتل جميع أفراد سلاح المهندسين وانسحب الأخوان اللذان قاما بالتفجير عن طريق الكوبري، ثم تم فتح الكوبري لعرقلة تسلل الإنجليز لملاحقتهم، وفقًا للخطة الموضوعة" .
كانت هذه بعض من بطولات كتيبة إخوان الجامعة و التي كان عمر شاهين أحد أفرادها الأساسيين .

ويكمل لنا الأستاذ أحمد عبد المجيد حديثه واصفا لنا ما حدث في معركة التل الكبير فيقول:

" معركة التل الكبير واستشهاد عمر شاهين وأحمد المنيسي: في اليوم التالي لنسف هذا الشريط اختبأ ثلاثة من الإخوان في الحقول المجاورة لموقع النسف مخالفين التعليمات الصادرة لهم بالانسحاب، وكان معهم الأخ حسن عبد الغني الذي طلب منهم الانسحاب؛
ولكن شهوة النصر حببتهم في الاستمرار حتى وصلت عربة أخرى تحمل بعض الجنود البريطانيين لإصلاح الخط، وفور نزولهم وانشغالهم بنزع القضبان الملتوية فاجأهم رصاص الإخوان فقتل منهم ثلاثة واختبأ الباقون وراء حافة القضبان وأخذوا يطلقون الرصاص، واستمر تبادل إطلاق النار ولم ينسحب الإخوان حتى جاءت مجموعة أخرى لنجدتهم وانتشروا على خط محاذ لمجرى الترعة واستمروا في إطلاق النار؛
وتصادف مرور سيارة عسكرية بريطانية تحمل بعض جنود البوليس الحربي، فتدخل جنودها وأخذوا يطلقون النار، فهب شباب القرى المجاورة المسلحين وبعض الخفراء وفجروا خزان السيارة من كثرة ما أصابوها بالنيران، ولكن الإنجليز عمدوا إلى إخراج دفعات منهم من المعسكرات القريبة لمحاصرة الموقع وتطويقه، وقد تطلب إحكام التطويق ضد المتطوعين عبور الإنجليز لجسر مقام على الترعة يحرسه البوليس المصري الذي منعهم من العبور، وتبادل معهم إطلاق النار؛
ولكنهم استطاعوا بكثافة عددهم من العبور على الكوبري، وأصبحت قوتهم كتيبة كاملة تؤازرها خمس دبابات وعدد من السيارات المصفحة، حتى ضاق الحصار على المتطوعين الإخوان ومن عاونهم من الفلاحين والخفراء ولكنهم استمروا في المقاومة حتى نفذت ذخيرتهم فحاولوا الانسحاب من خلال الطوق المضروب حولهم، تحت وابل النيران، حتى استشهد من استشهد منهم، وكان بين الشهداء الأخوان أحمد المنيسي، وعمر شاهين، ووقع الباقون في الأسر بعد أن أنزلوا بقوات العدو خسائر جسيمة."

نعم فلقد كانت معركة التل الكبير أشد معركة ضد الإنجليز آنذاك .. استشهد فيها بطلان من أبطال الإخوان المسلمين هما الشهيد أحمد المنيسي، والشهيد عمر شاهين.

ويصف الأستاذ دوح ما حدث فيقول:

"وما حدث منه في فلسطين حدث مثله في القنال.ففي معركة التل الكبير أعددنا العدة وأخذنا بالأسباب واكتفينا بثلاثين شاباً ليكونوا في الطليعة اخترناهم من أحسن الشباب إيمانا وأفضلهم تدريباً وأكثرهم حرصاً على القتال .ولقد عانينا كثيراً ونحن نختار هذا الشباب فقد كان التنافس بينهم شديداً و الحرص على الشهادة كان رائدهم وحافزهم .
وتحت جنح الظلام وفي سرية تامة ، تحركت سيارة كبيرة تحمل الطليعة الأولى تبعتها سيارات تحمل المعدات ومستلزمات الحياة العسكرية لم تتجه السيارة إلى ميدان المعركة مباشرة فقد كان لابد من دورة تدريبية في أماكن مماثلة للميدان ، حيث مكثوا أسبوعين في قرية تابعة لأبى حماد ، ثم في سرية تامة انتقلوا إلى قرية التل الكبير ، وهو المكان الذي هزم فيه عرابي ، فقلنا لننتصر للرجل وجيشه ...
وكان أول عمل قمت به هو استكشاف الموقع بنفسي وتم توزيع القوات في مواقعها واطمأننت على كل شئ ، وبت ليلة معهم في الموقع ، وبعد أن رتبت الأمر مع عمر شاهين و القيادات التي تعمل معي ، استأذنتهم في العودة ، وما إن وصلت إلى " القرين " إحدى مدن الشرقية ، حتى وصلتني رسالة عاجلة من التل الكبير تطالبني بالعودة ، ثم استمعنا إلى بيانات من الإذاعة عن وقوع معركة في التل الكبير .

ثم يستكمل دوح قائلاً:

وعلى الفور قررت الاتصال بكل الجهات الحكومية لأستعين بها للوصول إلى التل الكبير بعد أن علمت أن الطريق الرئيسي قد أغلقه الإنجليز ، فاستجاب المسئول عن الشرقية وأرسل معي قوة من الشرطة ليساعدوني في إنقاذ الطلبة المحاصرين ، ولكن الرجل تراجع في منتصف الطريق فتركته ، وواصلت سيرى تحت جنح الظلام ، وكان معي مجموعة من المقاتلين الذين كانوا معسكرين في أبى حماد .
وصلنا إلى القرية ، وبعد جهد كبير ومساعدة الأهالي وصلنا إلى حيث كان الشباب يتجمعون في بيوت أهل القرية .كانوا في حالة إعياء شديد ، وحزن كبير لأنهم أمضوا يوماً كاملاً وهم في معركة مع العدو ، ثم إنهم كانوا غير قادرين على المواجهة ثانية قبل أن يلتقطوا أنفاسهم،وتم سحبهم تحت جنح الظلام إلى " أبو حماد " حيث تجمعات أخرى كانت أكثر مأمناً .
ومن " أبو حماد " حاولت الاتصال برئيس الوزراء ووزير الداخلية فلم أفلح ، وتمكنت بعد جهود من الاتصال بمدير الجامعة ، فأخبرته بكل ما حدث وطلبت منه استصراخ المسئولين لإنقاذ الشباب الستة ، وفك الحصار عن القرية ، وقام الرجل بمهمته خير قيام ...
وفي اليوم التالي جاءني موفد من الحكومة يخبرني بموافقة الإنجليز على تسليم جثتي الشهيدين ، كما أخبرني بوجود خمسة من الأسرى لدى المعسكرات البريطانية ... هذا الخبر خفف عنى بعض الشيء لأن استشهاد اثنين في معركة كبيرة في مواجهة جيش بأكمله وقتل ضابط كبير وعدد من الجنود ، وإحداث فزع كبير بين الأعداء ، كل هذا في مقابل شهيدين لاشك أن المعادلة مقبولة ."

و يؤكد ذكاء وبراعاة عمر شاهين الأستاذ كامل الشريف قائلا:

" في صباح ذلك اليوم بدأت أحداث المعركة، وكانت له فيها مواقف مشهودة، يرويها أحد إخوانه المشاركين في المعركة فيقول: "شاهدنا جنود الإنجليز وهم يتجمعون حول مكان الانفجار يحاولون معرفة حقيقته، وكانت فرصة متاحة لنا لنقتلهم جميعًا، ولكن الشهيد "عمر" أصدر إلينا أوامره بعدم إطلاق النار أو إلقاء القنابل؛ لأنه لاحظ وجود عساكر مصريين بين الجنود الإنجليز، وتفتق ذهن الشهيد "عمر" عن حيلة طيبة، فألقى بقنبلة صوتية باتجاه الجنود فولوا هاربين وأسرعنا نصيد عساكر الإنجليز.
إنني لا أملك وأنا أصف المعركة إلا أن أسجل إعجابي بالشهيد "عمر"، فقد كان رحمه الله كتلة من النشاط والحيوية، والقدرة على الحركة مع احتفاظه بابتسامته الهادئة وكأنه يلعب في فريق كرة، وعندما استعصى علينا الانسحاب، ومن بعيد جاءنا صوت الشهيد "عمر" وهو ينادي بأعلى صوته مطالبًا إيانا بالانسحاب، ثم خفت صوته ولم نسمعه بعد ذلك. "

وتتأكد القصة الرائعة من طريق الأستاذ جمعة أمين فيقول:

" واسمع إلى ما رواه لي أحد الناجين في المعركة يقول: وصل إلى علمنا أن الإنجليز سيغيرون على القرية لتخريبها ، وعلى الفور انتشرت قواتنا لحماية مدخل القرية ، وكنا في الليلة السابقة قد فجرنا عبوات ناسفة تحت قضبان السكة الحديدية ، ووضعنا بالقرب منها عبوات أخرى ...
لم يحدث شئ في هذه الليلة ولكن في صبيحة اليوم التالي وصلتنا أنباء عن تحرك القطار الحربي من بلدة العبادلة في طريقه إلى المعسكر الذي نتربص به ... وبسرعة حملنا أسلحتنا من قنابل ومدافع رشاشة ، ورابطنا في مواقعنا ...دوى انفجار كبير فطرنا فرحاً فقد وقع الصيد في الفخ ...
وشاهدنا الجنود الإنجليز وهم يخرجون من المعسكرات لمعرفة حقيقة الانفجار ، ومن قبيل حب الاستطلاع ذهب بعض الجنود المصريين لمشاهدة الحادث ، إلا أن عمر أمرنا بأن نتريث حتى لا نقتل العساكر المصريين وتفتق ذهنه عن حيلة طيبة ... فألقى قنبلة صوتية تفرق على أثرها العساكر المصريين فأعملنا قتلاً في جنود العدو ...
وزاد من فرحتنا وصول زميلنا محمد فريد و الذي تولى مهمة تفجير اللغم ، وأخبرنا أن أشلاء الإنجليز تطايرت في الهواء وتناثرت في كل مكان ... جاءت ثلاثة دبابات فاستقبلناها بالقنابل و الرشاشات ففرت هاربة وهي تطلق الرصاص في الهواء ثم جاءت ثلاثة مصفحات فاستقبلناها بوابل من نيراننا .
جن جنون العدو ، وظن أنها كتيبة كبيرة ، وجيش عرمرم ، فأرسلوا نيرانهم في كل مكان دون تفكير ، وأطلقوا قنابل الهاون على المزارع فاشتعلت ناراً .
سمعنا صوت الشهيد عمر شاهين وهو يأمرنا بالانسحاب ، ثم خفت صوته فقد أصيب برصاصة قاتلة ، واستشهد أحمد المنيسي وكذلك استشهد ستة من شباب القرية ، وجدنا أنفسنا محاصرين من كل جانب وتم أسر ستة من إخواننا الطلبة .وبعد أن وقع الشباب في الأسر لقوا ألواناً من العذاب على أيدي دعاة الحرية ودعاة المساواة ... " .

و عن ذات الحادثة يقول الأستاذ أبو الفتوح عفيفي في كتابه (رحلتي مع الإخوان المسلمين):

" المعركة التي وقعت يوم 12/ 1/ 1952 حيث تمكن طلبة الإخوان المسلمين من تفجير قطار إنجليزي محمل بالجنود والأسلحة في عملية بطولية كبيرة أفردتها الصحف البريطانية.
وحاصر الإنجليز بقوات كبيرة منطقة الحادث لتطويق منفذيه، واستمر شباب الإخوان في إطلاق نيرانهم رافضين الاستسلام حتى نفذت ذخيرتهم وصعدت أرواحهم إلى بارئها, وكان من شهداء تلك المعركة الأخ الشهيد أحمد المنيسي والأخ الشهيد عمر شاهين من طلاب جامعة القاهرة التي خرج طلابها لوداع شهيدين كانا رمزًا لنضال الشباب، فعمرهما الذي لم يتجاوز العشرين لم يكن حائلاً دون حمل راية الجهاد والاستشهاد في سبيل الله, يعيدان بذلك للأذهان بطولات مصعب بن عمير ومعاذ بن جبل وأسامة بن زيد وغيرهم من شباب محمد صلى الله عليه وسلم تقبلهما الله في الشهداء وجعلهما نبراسًا لطلاب جامعتهم وغيرها من جامعات مصر."
نعم لقد كانت ملحمة بطولية رائعة استشهد فيها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

نحسبهم بعد أن أبلوا بلاءً حسناً وحققوا نصراً عظيما ظهرت فيه آيات الرحمن.

ويقول الأستاذ عبد الرحمن البنان في مذكراته:

" وأخبرنا «كامل الشريف» عن عملية أخرى قام بها «عمر شاهين» ورفاقه، فقد فجَّروا عبوة ناسفة في نقطة تفتيش إنجليزية، وحينما جاء للإنجليز تعزيز سريع اصطدم «عمر شاهين» ورفاقه معهم، رغم التعليمات بالانسحاب الفوري بعد العملية الأولى، واستمر تراشق الرصاص عدة ساعات، وسقط «عمر شاهين» شهيدًا، و«أحمد المنيسي»، و«عادل غانم»، وكان «عمر شاهين» و«عادل غانم» من أعز أصدقائي وإخواني الأحباب، وكان شعوري بفقدهم مزيجًا من الحزن لفراق أحباب أعزاء، والغبطة لمصيرهم كشهداء أبرار".

أعداؤه يخافونه

هذا ما حدث بالفعل حيث يقول إخوانه الذين أسروا ثم من الله تعالى عليهم بعد ذلك بالنجاة:

" إن الإنجليز كانوا ينظرون بخوف شديد إلى "عمر" وهو مضرج بدمائه، كانوا يتخيلونه حيًا وقادرًا على مطاردتهم، حتى إن بعضهم همَّ بوخزه مرارًا بسلاحه للتأكد من موته. "

حتى أن جريدة (الديلي ميرور) البريطانية علقت على المعركة بقولها:

"لا نستطيع بعد اليوم أن نقول عن قوات التحرير المصرية المؤلفة من شبابٍ متحمسٍ أنها إحدى الدعايات المضحكة لقد دخلت المعركة في طور جديد، واستمر القتال يوم السبت الماضي اليوم بأكمله، وظلَّ المصريون يحاربون لواء الكاميرون والهايلاندرز باستماتة عجيبة" .

ويقول الكاتب اليساري الدكتور حسن حنفي في مقالٍ بعنوان "ماذا كسبنا من الإخوان المسلمين":

" أثبتت الجماعة وجودها في معاركنا الوطنية وعلى رأسها معارك القناة 1951م؛ فقد كان متطوعوها في الصفوفِ الأولى، وكان شهداؤها يودعون إلى مثواهم الأخير من الجامعة والشعب، وكان الاستعمار يهاب هذا الجند المسلح الذي يسترخص الموت، وقد كان من شعاراتهم "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

في وداع البطل

وفي ذلك اليوم الموافق 13 يناير سنة 1952 استشهد البطل عمر شاهين مع عدد من إخوانه ..وكانت دماء هؤلاء الأبطال الشرارة الأولى لحركة شعبية كبرى ضد الظلم والخيانة

يقول الأستاذ حسن دوح:

" وما أظن مواطنا مصريا لا يتذكر معركة التل الكبير في 13 يناير سنة 1952 التي استشهد فيها عمر شاهين وأحمد المنيسي وستة آخرون، وأسر ستة من شباب الجامعة. ثم ما تبع ذلك من تشييع جنازة عمر شاهين التي هزت وجدان الأمة، وأثارت حفيظتها ضد الإنجليز والعرش.
وكان من نتيجة هذه الثورة الشعبية العارمة، أن تجمعت الأمة كلها حول الإخوان المسلمين وكانت كلمتهم هي الكلمة المسموعة في الأمة كلها وهذا ما دعا الملك وأحزابة وأحلافه إلى تدبير مؤامرة إحراق القاهرة، بعد جنازة عمر شاهين بأسبوعين والتآمر على الحركة الشعبية النظيفة.
إن ثورة سنة 1951 هي الثورة الشعبية الصادقة في تاريخ مصر، بل في تاريخ الأمة العربية وأخشى أن أقول أن ما تلاها من ثورات في كل العالم العربي لم ترق إلى مستوى هذه الثورة.أما قصتا فقد رويت جانبا منها في كتابي صفحات من جهاد الشباب المسلم وفي كتاب شهداء على الطريق."
نعم إن هذا التاريخ ليشهد أن الجامعات قد فتحت أبوابها للمعسكرات وبدأ المسلحون من الإخوان في شن حرب عصابات ضد الإنجيلز وكانت خسائر العدو الانجليزي فادحة وكان دور رئيس الجامعة مشرفا حين فتح الباب لتدريب المجاهدين وكان من نتاج ذلك هذه البطولات التي قام بها عمر شاهين وإخوانه .
لقد كان يوم الجنازة يوما مشهودا حيث خرجت القاهرة عن بكرة أبيها لوداع البطل .. حيث تقدم الجنازة أساتذة الجامعة ورئيسها الدكتور عبد الوهاب مورو الذي كان التنافس بينه ووبين المستشار حسن الهضيبي على حمل النعش ..
وامتدت الجنازة نحو ثلاثة كيلومترات .. وضمت حوالي ربع مليون شخص تقريبا ..وفي ميدان الأوبرا ودعت الأمة أبنها البار وداعا حاراً .. وانطوت بذلك صفحة من التاريخ عطرة لتحمل بين جنباتها اسم (عمر شاهين) كأحد أبرز رموز الجهاد في العصر الحديث ، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وتقبله في الشهداء..

المراجع

  1. كتاب الجهاد هو السبيل الأستاذ مصطفى مشهور
  2. كتاب التضحية والفداء للأستاذ جمعة أمين
  3. كتاب أحداث صنعت التاريخ الجزء الثالث لمحمود عبد الحليم
  4. كتاب 25 عاما في جماعة الإخوان حسن دوح
  5. كتاب حقيقة التنظيم الخاص محمود الصباغ
  6. كتاب رحلتي مع الإخوان المسلمين للأستاذ أبو الفتوح عفيفي
  7. موسوعة شهداء (الإخوان المسلمون) في مصر عبد الحليم الكناني
  8. مذكرات فتى الجهاد عبد الرحمن البنان.


للمزيد عن الإخوان والإنجليز وحرب القنال

كتب وملفات متعلقة

مقالات متعلقة

دور الإخوان في حرب القنال 1951م

الإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي

تابع الإمام البنا والمحتل الإنجليزي

متعلقات أخرى

وصلات فيديو