المعارضة المستباحة
المشاركون في إعداد التقرير
- الباحثون:
- مساهمون بأوراق:
صبحي صالح ... نائب بالبرلمان
عادل الأنصاري ... صحفي
ناصر الحافي .... محام
د/ محمد البنا ... دكتوراه في الشريعة
- فريق العمل المركزي:
أسامة الحلو ... محام
حاتم عبد الوهاب ... محام
سيد جاد الله ... محام
علي كمال ... محام
محمد علي ... محام
مصطفى الدميري ... محام
- فريق العمل الميداني:
أحمد عابدين ... محام
أحمد هاشم ... محام
عمرو السيد ... محام
مصطفى الشورة ... محام
- الترجمة: محمد الأنصاري
- الصف الالكتروني: محمد حسن
- الموقع الالكتروني: سيد زكي
- التصحيح: يوسف إسماعيل
- التحرير:
الإشراف العام:
مــديــر المـركـز
مقدمــة
برزت ظاهرة إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري خلال العهد الحالي في مصر منذ عقد التسعينيات ومثّلت المصدر الرئيسي لانتهاك الحق في المحاكمة العادلة حيث طالت مدنيين من كافة شرائح المجتمع لم يكن لهم أي صلة بأعمال العنف، يعبرون عن كبرى القوى المعارضة في البلاد وهم أعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين.
وتعد المحاكمة العسكرية الأخيرة لأربعين شخصًا من قيادات وناشطين ورجال أعمال وأساتذة جامعات من جماعة الإخوان المسلمين، هي القضية رقم (7) في سلسلة المحاكمات العسكرية للإخوان، والتي تلجأ إليها السلطات كلما حققت الجماعة انتشارًا شعبيًّا جديدًا وحازت ثقة الشعب المصري.
إن المحاكمة العسكرية الأخيرة لم يشهد لها أحد بالعدالة نظرًا لأنها قيدت حرية معارضين سلميين لم يرتكبوا أي جريمة يعاقب عليها الدستور والقانون، إضافة إلى أن إجراءاتها من بدايتها إلى نهايتها، لم تسترشد بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو تقم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هذه المواثيق.
إن استقلال القضاء معناه أن تبت السلطة القضائية - بوصفها مؤسسة والقضاة كأفراد فيها - في مختلف الدعاوى ويمارسون مسئولياتهم دون تأثير من أحد .. وبهذا المعنى فإن القضاء المستقل يكون وحده القادر على إقامة العدل بشكل نزيه وبالاستناد إلى القانون ومن ثم يكون قادرا على حماية حقوق الإنسان والحريات الشخصية والعامة في البلاد.
وإضافة إلى الاستقلالية يجب أن يكون القضاء "نزيهًا" بمعنى أنه يعبر عن: "حالة عقلية أو ذهنية أو موقف للمحكمة عند النظر للقضايا والأطراف في دعوى بعينها" أو بتعبير آخر: يجب على القضاة أن يكونوا مجردين من جميع الأفكار المسبقة بشأن المسألة التي تطرح عليهم ولا ينبغي لهم أن يتصرفوا على النحو الذي يخدم مصالح طرف من الأطراف"
وتؤكد طريقة الإحالة وتجربة تلك المحاكمة العسكرية بأكملها أن الاستقلال والنزاهة كانا على المحك! ولعل ما يؤيد وجهة النظر تلك ليس فقط غياب أي أدلة مادية على الاتهامات وقرارات الإفراج والحكم التاريخي بوقف قرار الإحالة إلى القضاء العسكري .. إلخ وإنما أيضًا هذه الأحكام القاسية وغير العادلة بحق معارضين سِلْميِّين.
لقد أكدت المواثيق الدولية على أنه حتى في حالة الطوارئ والتهديد بالحروب أو وقوع الكوارث فإن الحق في أن يُحاكَم الشخص من قبل محكمة مستقلة ونزيهة هو حق مطلق لا يمكن الاستثناء منه بأي حال من الأحوال مع ضرورة أن تكفل ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية حتى في أشد الحالات حرجًا.
لكن المحالين في هذه المحاكمة العسكرية لم تتوافر لهم ضمانات المحاكمة المنصفة ولم تصان حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق الدولية، ومن أهمها: عدم التعرض للتمييز أثناء الدعوى أو في الطريقة التي يطبق بها القانون عليهم، والحق في افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة وهو مبدأ يحكم المعاملة الواجب أن يلقاها المتهمون خلال فترة التحقيقات، والحق في محاكمة علنية وجلسة نطق علنية، والحق في محاكمة دون تأخير لا مبرر له ويتصل ذلك ليس فقط بالوقت الذي ينبغي فيه أن تبدأ المحاكمة بل يتصل أيضًا بالوقت الذي يجب أن تنتهي فيه بصدور الأحكام، وحظر المحاكمة أو الاستهداف على ذات الجرم مرتين وهو حق يعكس مبدأ عدم المحاكمة بنفس التهمة أو على جريمة سبق أن أُدِين بها أو بُرِأ منها بحكم نهائي.
وبالتالي فإنه من المنظورين القانوني والحقوقي تكون محاكمتهم باطلة وغير قانونية! فضلاً عن أن سجنهم يؤدي إلى استمرار انتهاك حقهم في الرأي والتعبير المنصوص عليه في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث أنهم لم يقترفوا أي جرم وتم حبسهم وإحالتهم للقضاء العسكري وإصدار أحكام قاسية وغير عادلة ضدهم لا لشيء سوى أنهم يعبرون عن آراء سلمية معارضة للسلطات.
وتشدد المواثيق الدولية على أنه في حال وجود قيود على حرية الرأي والتعبير فإنه يجب أن تكون قانونية ومفروضة لواحد أو أكثر من الأغراض المشروعة، ونظرًا لأن السلطات الحكومية لم تحدد بدقة التهديد المزعوم لهؤلاء المحالين إلى القضاء العسكري الاستثنائي أو تعطى أدلة مادية على أنهم هددوا الأمن أو النظام العام فإن تقييد حريتهم لن يكون إلا انتهاكًا جديدًا لحقوقهم!.
أما من المنظور السياسي فإن اللجوء إلى القضاء العسكري لاستصدار الأحكام المرغوب فيها لا يعنى سوى السير في اتجاه معاكس للالتزامات بالإصلاح السياسي الذي يشدد عليه الخطاب الحكومي المعلن من خلال العمل على تجديد آليات الاحتواء وتحديث أدوات العنف وابتكار سياسات إقصاء المعارضين معنويًّا وماديًّا وإجبارهم على الانسحاب من الحياة العامة.
إضافة إلى أن السعي المستمر لإضعاف أكبر قوى المعارضة السلمية في البلاد يعبر أيضا عن السير في اتجاه معاكس لما هو مفترض من تصحيح الخريطة الحزبية لكي تتفق مع الواقع الاجتماعي والسياسي في البلاد.
إن تجربة العلاقة بين السلطات وجماعة الإخوان المسلمين تؤكد أن الاعتماد على الضربات الأمنية لا يمكن أن يكون حلاً لمشكلة معقدة ومتعددة الأبعاد، ويحفل الواقع بإشارات ودلالات على أن الحملات الأمنية والمحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين تستدر عطفًا وتأييدًا أكثر مما تُقَوِّض قدرتهم على الحركة.
وفيما يتعلق بتأثير مثل تلك المحاكمات على واقع الديمقراطية والإصلاح في البلاد فإنه من المؤكد أن ما جرى أَثّر بالسلب على الحريات العامة وعكس في الوقت نفسه أزمة شرعية حيث أن قدرة نظام الحكم على تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية يؤدى لبناء سياسات معتدلة مع المعارضة واحترام القانون، أما كثرة اللجوء للقوانين الاستثنائية وضرب قوى المعارضة بالوسائل الأمنية والقضائية الاستثنائية فيمثل الوجه المقابل للتعبير عن تناقص الشرعية السياسية.
ولعل ذلك كله هو ما دفعنا إلى توثيق وتحليل ما جرى في القضية خلال ما يقرب من سنة ونصف بدأت بأحداث جامعة الأزهر وانتهت بصدور أحكام قاسية وغير عادلة في القضية، وذلك من خلال عدد من المحاور أبرزها: السياق السياسي المحلي والدولي الذي أجريت فيه المحاكمة العسكرية، تطورات القضية والجدل القانوني حولها، الأبعاد الفقهية والإنسانية للقضية، الحملات الحكومية الإعلامية والاقتصادية المصاحبة للمحاكمة، تعاطي المجتمع المدني والإعلام – صحافة وإنترنت- مع القضية، شهادات على المحاكمة من محالين للمحاكمة وحقوقيين ومثقفين وسياسيين وإعلاميين .. إلخ، وأخيرا دراسة أثر المتغير الخارجي على الأوضاع السياسية الداخلية واستشراف الوضعية المستقبلية للإخوان المسلمين في إطار الجماعة الوطنية.
وأخيرًا.. يجب التأكيد على أننا لم نبذل جهدًا مضنيًا في هذا الكتاب التحليلي التوثيقي من أجل نصرة سجناء الرأي – مع أن هذا حق علينا – أو لمجرد توجيه وثيقة إدانة واتهام للنظام السياسي بالاستبداد وفقدان الرضا الشعبي.. وإنما بهدف كشف تأثيرات الإحالة للقضاء الاستثنائي على حقوق الإنسان والحريات العامة في بلادنا مع الأخذ في الاعتبار أن واجب الوقت هو الحوار ومد جسور التعاون بين السلطات والمجتمع المدني من أجل سيادة حكم القانون وتحسين سجل حقوق الإنسان.
مدير المركز
ملخص تنفيذي للتقرير
إن محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية المصرية يخالف المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وكما هو معترف به في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت مصر عليه في 1982، فإن لكل شخص الحق في أن تكون قضيته محل نظر من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون. وفضلاً عن ذلك، يؤكد الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (الميثاق)، الذي انضمت إليه مصر كدولة طرف، في المادة 26، على "واجب الدول الأطراف ...في أن تكفل استقلالية المحاكم".
وتعد المحاكمة العسكرية الأخيرة لأربعين إصلاحيا من القيادات ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات وعلى رأسهم المهندس محمد خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، هي القضية رقم (7) في سلسلة المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين.
وقد أجمع المراقبون على أن إحالة هؤلاء الناشطين قد تم بعد أن فشلت الحكومة في ضمان إصدار إدانات من قبل المحاكم المدنية العادية، مما اضطرها إلى إحالتهم محكمة عسكرية استثنائية لإصدار الأحكام المرغوب فيها!.
وإضافة إلى المقدمة، والخاتمة والتوصيات، ووثائق القضية يتضمن هذا التقرير عن المحاكمة العسكرية الأخيرة للإخوان المسلمين، الذي يصدره مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز، ثمانية أبواب - تشمل على 18 فصلا - كالتالي:
المحاكمة العسكرية .. السياق السياسي المحلي والدولي
يغطي الباب الأول من الكتاب السياق السياسي للقضية العسكرية بفصلين هما:
الفصل الأول: " البيئـة السياسيـة للمحاكمـات العسكريـة" الذي يحدد ملامح البيئة السياسية التي عقدت خلالها المحاكمة العسكرية الأخيرة من خلال نقطتين:
الأولى: طبيعة النظام السياسي: ويقصد بها الاستبداد الجديد الذي ولد في رحم مرحلة الانفتاح وسمح بوجود الأحزاب والبرلمان وحرية الصحافة وحرية التنظيم والتعبير ولكنه ارتكز على المؤسسات الأمنية بما يعنى أن عنوان المرحلة الجديدة هو : " الأمنوقراطية" وتشير إلى مرحلة جديدة تلعب فيها الأجهزة الأمنية والعقلية السياسية الأمنية دورًا في تعطيل قدرات الجماهير وتوظيفها في الوقت نفسه لاستمرار ما هو قائم.
وفي ظل هذه المرحلة سعى النظام السياسي إلى تحجيم المعارضة عموما وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا فلجأ إلى القضاء الاستثنائي لمواجهتها حيث تنبه المشرع إلى أن الاصطدام المباشر مع السلطة القضائية قد يجلب إليه سوء السمعة دوليا فلجأ إلى وسائل أخرى أقل ضجيجا وأكثر فعالية مثل القضاء الاستثنائي وهو تقليد متوارث منذ عصور الاحتلال الأجنبي.
الثانية: الصعود السياسي للإخوان: حيث بدأت الجماعة في العودة إلى مكانها الطبيعي كأهم قوة شعبية إصلاحية معارضة منذ مبادرتها للإصلاح عام 2004، وتلاه صعودها الانتخابي في الانتخابات البرلمانية عام 2005 عندما فاز 60% من مرشحيها.
وكان من المفترض أن تدفع نتائج الانتخابات البرلمانية كافة الأطراف إلي الاعتراف للإخوان بوضعهم كقوة رئيسة وبحقهم في العمل السياسي الشرعي شريطة أن تنجز الجماعة مشروعا سياسيا لها لكن يبدو أن النظام السياسي قد سعى إلى إرسال رسالة للجماعة مفادها أن شيئا لم يتغير وأن استراتيجية التحجيم والاحتواء ستظل متبعة تجاه الجماعة فضلا عن أنه أطلق حملة تخويف مدروسة عقب الصعود السياسي للجماعة في تلك الانتخابات.
وصاحب ذلك حملات اعتقالات طالت أكثر من 3000 آلاف خلال عامي 2006 و 2007 مع استئناف أسلوب المحاكمات العسكرية حيث بدأت هذه القضية الأخيرة بمحضر تحريات لا يستند إلى دليل مادي ويتهم قيادات الإخوان بأنهم يعملون على إعادة إحياء نشاط جماعة الإخوان المسلمين ونشر أفكارها ومبادئها وعقد اجتماعات تنظيمية تهدف للتغلغل داخل القطاع الطلابي وعمل المظاهرات وتعكير صفو الأمن وإشاعة جو من الفوضى .. إلى آخر هذه الاتهامات المتكررة!.
أما الفصل الثاني فيجيء تحت عنوان: " المحاكمة العسكرية فى ضوء تحولات النظام السياسي" ويحلل تركيبة وأداء النظام السياسي فى سياق المناخ الداخلي والخارجي، خلال الفترة 2000 – 2007 م .
ويبدأ الفصل بإلقاء الضوء على التحول الاقتصادي والليبرالي فمن خلاله سعت القوى الخارجية إلى تعزيز هذا التحول بإدماج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى، غير أن هذا التوجه لم يتحول لقناعات لدى المؤسسات السياسية وظل مسألة جدلية فى داخلها.
ثم يتناول التفاعلات داخل النظام المصري والتي تمثلت فى التوسع فى فرض قيود على العمل السياسى العام ، وهو ما اتضح فى قانون الأحزاب، وترسيخ دور القضاء الاستثنائى ، فمن الملاحظ على هذه الفترة ، أنها ارتبطت بداية ونهاية بإحالة مدنيين ينتمون للإخوان المسلمين إلى القضاء العسكرى، وهو ما يعكس طبيعة الثقافة السياسية الإقصائية للنظام القائم .
كما أن تطوير الحزب الديمقراطي كشف عن تركز الإرادة السياسية داخل الحزب الوطنى، حيث ظلت الإرادة السياسية للحزب فى يد الرئيس "مبارك" ، وذلك باستثناء محاولات من بعض النافذين داخل الحزب لترسيخ أوضاعهم التنظيمية، غير أن هذه المحاولات لم تسبب إخلالا بهيمنة الرئيس على شئون الحزب وفى تصعيد الأعضاء للمستويات القيادية.
وما شغل النخبة الحزبية عمليات تطوير الحزب كان الربط بين الارتقاء التنظيمى وبين تعزيز المكانة السياسية فى الدولة، وكان ذلك فى سياق ما يمكن تسميته بتقاسم أكبر قدر ممكن الموارد والقدرات السياسية والاقتصادية فيما بين النخبة المنضوية تحت لواء الحزب الوطنى.
ويشير إلى أن المحاكمة العسكرية قد جاءت هذه في سياق عدد من الأحداث وهي :
أ ـ نتائج الانتخابات الطلابية حيث اشتدت النزعة نحو تكوين اتحادات مستقلة في الجامعات والنقابات العمالية، بما يعنى أن الأمر تعلق بحالة تنازع علي الشرعية السياسية مع الحكومة، وهذه المسألة تعد من مسائل السيادة وسلطة الحكومة – حسب تصورها.
ب ـ التحضير للتعديلات الدستورية: والتي تأسست على فكرة مفادها أن التحكم في وضع مدخلات( قواعد ) النظام، يزيد من قدراتها السياسية في مواجهة الأطراف الأخرى.
ج ـ العلاقات الخارجية: بينما يتراجع التأثير الإقليمي للنخبة السياسية، ازدادت حاجة الولايات المتحدة إلي مساهمتها في تهدئة بعض مناطق التوتر، وخاصة في فلسطين، ومن هذه الوجهة، لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في ظهور مناطق توتر أخرى، ولذلك فإن التجاوزات الحكومية ضد المعارضين، قد لا تلقى اعتراضا في هذا الوقت.
د. الإصلاحات الداخلية في الحزب الوطني: رغم المحاولات التى بذلت لتطوير الحزب تنظيميا وفكريا، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نقلة نوعية ترسخ قواعد الهيكل التنظيمى وتعزز المكانة السياسية للحزب، سواء فى علاقته بكل من الدولة و الحكومة، أو في علاقته بالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية الأخرى. تطورات القضية والصراع القانوني حولها
ويتضمن الباب الثاني من الكتاب فصول أربعة كالتالي:
الفصل الثالث وهو تحت عنوان: "خلفيـات القضيـة" ويعود ببداياتها إلى أوائل شهر ديسمبر 2006 حين نظم طلاب الإخوان في جامعة الأزهر عرضاً رياضياً أطلقت وسائل الإعلام عليه وصف "العرض العسكري لميليشيات الأزهر"، تبعته حملة اعتقالات طالت في 14 من الشهر ذاته 132 من قيادات الجماعة والطلاب في الجامعة.
وقد جاء هذا العرض عقب تهديدات وتجاوزات مادية ومعنوية من جانب أجهزة الإدارة تجاه الطلاب الذين شاركوا في انتخابات الاتحاد الطلابي الحر، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت تهدئة الأمور وأصدر الطلاب بيانًا يعتذرون فيه عن الصورة السلبية - التي أعطاها العرض الرياضي التمثيلي - فإن ذلك لم يلق تجاوباً في أوساط عديدة داخل القوى الفكرية والسياسية .. وكانت التربة ممهدة جدا للقيام بضربة قوية ضد الجماعة.
قامت الأجهزة الحكومية عقب أحداث الأزهر مباشرة بشن حملة جديدة ضد الجماعة شارك فيها خصوم من تيارات سياسية وفكرية أخرى حيث تم تصوير ما قام به الطلاب على أنه عرض عسكري يعود بالبلاد إلى زمن للتنظيم الخاص السري، ويكشف كذب ادعاء الجماعة بأنها ابتعدت عن العنف في العمل السياسي. ومهدت هذه الحملة الدعائية لتوجيه ضربة أمنية قوية لكوادر جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية والطلابية حيث تم القبض على 132 من قيادات وطلاب الإخوان بناء على محضر تحريات ضابط واحد لم يستند إلى أي دليل مادي.
وقبل قرار الحكم العسكري يإحالة هؤلاء القيادات إلى القضاء العسكري يوم 5 فبراير 2007 شهدت القضية العديد من التطورات الدراماتيكية مثل: إضافة محاضر تحريات جديدة لمحضر تحريات القضية، صدور قرارات إفراج عن المتهمين من القضاء الطبيعي، .. إلخ.
أما الفصل الرابع فيجيء تحت عنوان: "مدى دستورية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية" ويفند أسانيد الإحالة للقضاء العسكري بالقول أن قانونية حق رئيس الجمهورية في إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدى قانونية النص القانوني وخصوصا المادة 6 من قانون القضاء العسكري.
ويؤكد أن هذه المادة محكوم عليها بالإعدام من وجهين: الوجه الأول أنها مادة ملغاة ومن ثم فهي غير واجبة الإعمال، والوجه الثاني: أنها وعلى فرض جدلي بوجودها فإنها مقضى عليها بعدم الدستورية وذلك لاصطدامها مع أكثر من مادة من مواد الدستور.
إضافة إلى أن العقوبات تتسم بالغلظة والقسوة والجسامة وتنصب على حريات المواطنين وحقوقهم بل وحياتهم ويتعدى أثرها إلى أسرهم بوالديهم وزوجاتهم وأبنائهم وقد تنتهي بضياع مستقبلهم المهنى والأدبي والمادي فضلا عن حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وهو ما يسمى ( بالإعدام المدني ) وهو ما يتناقض مع الباب الثالث من الدستور
ويتحدث الفصل أيضا عن طبيعة القضاء العسكري والذي تنص المادتين الأولى والثانية من قانون القضاء العسكري على أنه إحدى إدارات القيادة العليا - تتبع وزارة الدفاع وهو ما يعنى تبعيته للسلطة التنفيذية وعدم استقلاليته وحصانته وهي الصفة التي لا تعد مزية للقضاء بقدر ما هي ضمانه لحقوق المواطن وحرياته.
ويستعرض الفصل الخامس وعنوانه:" المحاكمات العسكرية للإخوان...ملف تاريخي وقانوني" تاريخ المحاكمات العسكرية خلال العهد الأول والثالث من ثورة يوليو، والصراع القانوني الذي مرت القضية العسكرية رقم 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا والمقيدة برقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا. إن تاريخ المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين في العهد الناصري يعود إلى سنة 1953 حيث تم تشكيل محكمة الثورة من ضباط الجيش .. وكانت أول قضية عسكرية للإخوان معروضة أمام هذه المحكمة في أكتوبر 1954 م.
ثم تلتها بعد ذلك في العام التالي ثلاث محاكمات في يناير 1955، و مارس 1955، و يونيو 1955، وفي العام 1965 قامت السلطات بحملة محاكمات عسكرية في مواجهة الإخوان تمثلت في سبع قضايا، أربع منها كانت التهم فيها تتمثل في الاتهام بتغيير الدستور وتشكيل تنظيم سري جماعة الإخوان المسلمون، ومحاولة قلب نظام الحكم، وثلاث قضايا أخرى كانت التهم فيها تنحصر في محاولة إحياء الجماعة وتزويد المعتقلين والمسجونين من الإخوان وأسرهم بالمال.
أما في عهد الرئيس مبارك فقد عاد أسلوب المحاكم العسكرية إلى الظهور مرة أخرى منذ أواسط عقد التسعينيات في القرن الماضي حيث عقدت حتى الوقت الراهن 7 قضايا أهمها: قضيتي عام 1995، وقضية حزب الوسط 1996، قضية النقابيين 1998 وقضية أساتذة الجامعات 2001 .. ثم القضية الأخيرة. ورغم حصول المتهمين على قرارات بالإفراج إلا أن السلطات قد حولتهم إلى القضاء العسكري مما دفع هيئة الدفاع إلى تقديم شهادة رسمية من المحكمة الدستورية العليا تفيد وجود الدعوى رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا ووجوب وقف السير في إجراءات نظر الدعوى بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا وإخلاء سبيل جميع المحالين إلي القضاء العسكري.
كما طعن المتهمون على قرار الإحالة أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الأولي منازعات الأفراد وبجلسة 8 / 5 / 2007 أصدرت المحكمة حكمها التاريخي بوقف الطعون شكلا وفي الموضوع بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة الطاعنين إلي القضاء العسكري علي أن ينفذ الحكم بمسودته ودون إعلان إلا أن الحكومة قامت وبالمخالفة للدستور وللقانون بالطعن علي الحكم بالاستشكال أمام محكمة غير مختصة ( محكمة عابدين للأمور المستعجلة)... وتوالت التجاوزات والانتهاكات خلال جلست المحاكمة.
أما الفصل السادس: فهو بعنوان :"المحكمة العسكرية.. مشاهدات هيئة الدفاع" فيرصد الكثير من التجاوزات الصارخة التي شهدتها القضية وكشفت عنها هيئة الدفاع والتي تبدأ مع الحبس الاحتياطي حيث قامت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين حبسا احتياطيا على ذمة القضية واستمرار حبسهم رغم صدور قرار الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة بإلغاء قرارات الحبس.
كما أثبتت هيئة الدفاع أن مجري التحريات لم يكن جادا في تحريه وأن محاضر التحريات شابها الكثير من التناقضات والمخالفات الصارخة مثل: محال إقامة أغلب من وردت أسماؤهم في محاضر التحريات غير صحيحة وتخالف الواقع، اختلاف الأسماء الحقيقية لعدد من المتهمين عن الأسماء الواردة في محضر التحريات، عدم معرفة مجري التحريات لوظائف الكثير من المتحري عنهم.. الخ.
وفي الوقت الذي كان المحالون يحاكمون فيه أمام القضاء المدني تمت إحالتهم إلى القضاء العسكري وتوافرت حالة من حالات التنازع الايجابي في الاختصاص فأقام المتهمون طلب التنازع رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا بتاريخ 26 / 2 / 2007 والتي أصدرت حكما تاريخيا بوقف الإحالة للقضاء العسكري. لكن جلسات المحاكمة العسكرية بدأت واستمرت! وهنا دفع الدفاع بانعدام التحريات واحتياطيا عدم جديتها وعدم كفايتها، وبطلان جميع أذون القبض والتفتيش لعدم جدية محاضر التحريات السابقة عليها، وبطلان محاضر التحقيق والاستجواب لعدم جديتها.
وأكد على عدم اختصاص القضاء العسكري بنظر الدعوى المحالة إليه لعدم دستورية المادة 6 / 2 من قانون القضاء العسكري، وقدم طعونا بالتزوير علي محاضر التحريات, ومحاضر الضبط, تحقيقات النيابة, ومحاضر أعمال لجنة الخبراء والكسب غير المشروع ... لكن المحكمة لم تأخذ بأي من هذه الدفوع وأصدرت أحكاما قاسية وباطلة.
الأبعاد الفقهية والإنسانية للقضية
يتناول الباب الثالث من التقرير الأبعاد الفقهية والحقوقية للمحاكمة العسكرية من خلال فتوى للعلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بشأن المحاكمة العسكرية الأخيرة، وفصلين هما:
الفصل السابع بعنوان: " التعامل مع السجناء.. أحكام من الفقه" ويتناول هذا الفصل مفهومي العدل والحرية، والضوابط العامة في التعامل مع المحبوسين احتياطيا.
فيعتبر العدل هو القيمة العليا في الاسلام ومن أهم صوره عدل الحكام، وعدل القضاة، أما الحرية فإنها أساس المقاصد الشرعية كلها، وتنتفي الحرية بالاحتلال أو بالحبس حيث يعد حبس الفرد في السجون منع لحريته، لذا يجب أن يكون هذا الأمر مرتبط بوجود جريمة حقيقية ارتكبها الفرد، ووجود محكمة عادلة حكمت على الفرد بالسجن، وتحديد مدة السجن ولا يجوز الزيادة عليها، لايجوز الانتقاص منها إذا تحقق الزجر والردع، ووجدت ظواهر التوبة الحقيقية.
ويذكر أن هناك مجموعة من الضوابط المهمة التي يجب أن تكون عنوانا للتعامل مع المتهم أهمها: أن البراءة هي الأصل، ولا تجريم إلا بنص شرعي، ولا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طيعة قضائية كاملة، كما لا يجوز - بحال - تجاوز العقوبة، التي قدرتها الشريعة للجريمة، ولا يؤخذ إنسان بجريرة غيره، وحق الحماية من تعسف السلطة، وحق الحماية من التعذيب، وأنه مهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعاً، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة.
وهذه الضوابط تعد قواعد أساسية في حقوق المتهم يجب مراعاتها، وقلما نجد من يعمل بها، ولكنها في حقيقة الأمر أساسيات إسلامية، وضوابط منهجية، وقواعد إنسانية تصلح للتطبيق في كل مكان . ويتناول الفصل الثامن: " المحاكمة العسكرية في ضوء المواثيق الدولية" ضمانات المحاكمة العادلة وفقا لمواثيق حقوق الإنسان، ومدى اتساق إحالة المدنيين للقضاء العسكري مع هذه الضمانات مشيرا إلى أن إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية يشكل حجبا للقضاء العادي في بسط ولايته على الوقائع التي يرتكبها المدنيون وتمثل في الوقت نفسه افتئاتا على حق المتهم في المثول أمام قاضية الطبيعي واعتداء على حق المجتمع في الحفاظ على استقلالية القضاء ونهوضه بالمهام المنوط به أدائها.
وفيما يتعلق بتعديلات قانون القضاء العسكري فقد أجمع خبراء قانونيون وسياسيون وحقوقيون أن التعديل كان هزيلا وليس له أي تأثير، ومن الملاحظات القوية في هذا الصدد أن قانون الأحكام العسكرية ينشئ قضاءً موازياً، ويجعل هناك محكمتين للنقض في مصر، وهو أمر خطير جداً لأنه يقطع أواصر القانون، وقد يجعل التطبيق القانوني به تناقض بين محكمة النقض والمحكمة المزمع إنشاؤها طبقاً لقانون الأحكام العسكرية.
كذلك فإن قرارات الإحالة الصادرة من قبل السلطة التنفيذية تعد نوعا من التمييز بين المحالين للمحاكمة العسكرية وغيرهم من المتهمين الخاضعين لأحكام القضاء العادي، ففي الوقت الذي تحظى فيه الفئة الأخيرة بكافة ضمانات المحاكة العادلة يجرد المتهمين الخاضعين للقضاء العسكري من كافة حقوقهم دون تفرقه معيارية بين الجرائم المرتكبة من قبل أفراد الطائفة الأولى والثانية. وتنص المواثيق الدولية على مجموعة من الحقوق التي تكفل إجراء المحاكمة العادلة، وهي التي لا تتحقق عند إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ومن أهمها: الحق في عدم التعرض للقبض عليه أو الاعتقال التعسفي، الحق في الإبلاغ بحقوقه، الحق في الإبلاغ بسبب إلقاء القبض، الحق في افتراض الإفراج، الحق في إعادة النظر في الاحتجاز، الحق في عدم التعرض للتعذيب، الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب، الحق في سرعة إجراء العدالة، الحق في المساواة أمام القانون، الحق في علانية المحاكمة، إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع، استقلال السلطة القضائية
الحملات الحكومية الاقتصادية والإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية
يشمل الباب الرابع من الكتاب على فصلين هي:
الفصل التاسع: الحملة الإعلامية الحكومية" ويعتبر أن المحاكمة العسكرية الأخيرة تميزت بأن منشأها كان إعلاميا حيث ارتبط قرار الإحالة بما نشر في أحد الصحف عن ميليشيات الأزهر مما كان له أثر في بناء القضية وتأسيسها أمنيا بل وطرح وتدشين الحملة الإعلامية ضد المحالين إلى المحاكمة . وركزت الحملة على فكرة محورية وهي: تشويه صورة الجماعة لإجهاض التأييد الشعبي الذي حظيت به عقب الانتخابات البرلمانية عام 2005 م من جهة وتبرير قرار الإحالة ومصادرة الأموال وخلق غطاء للحملة الأمنية لتمريرها من الناحية الشعبية من جهة أخرى.
كما ركزت الحملة على المحيط المحلي في غالب الأحوال واستهدفت الجمهور المصري بصورة خاصة حيث أن مستهدفات الحملة محلية في الأساس واستهدفت بالأساس الطبقة المتوسطة التي تتابع الصحف الحكومية.
وبعد أن يقرأ الفصل نتائج ومستهدفات الحملة يشير إلى أنها نجحت بصورة كبيرة في تحقيق نسبة عالية من مستهدفاتها: ففي الهدف الخاص بتسكين الرأي العام تجاه التعاطف مع الجماعة خاصة حال صدور أحكام فقد نجح هذا الهدف بصورة كاملة، أما في الهدف الخاص بتشويه صورة الإخوان فقد تحرك الهدف من موضعه وإن كان قد فشل في تحقيق هدفه بصورة كاملة في تشويه الصورة إلا أن الحملة الحكومية نجحت في إضعاف الالتفاف الجماهيري حول الإخوان بالصورة التي كان عليها الحال عقب فوز الإخوان في انتخابات البرلمان عام 2005.
وجاء الفصل العاشر تحت عنوان: " الأبعاد الاقتصادية للمحاكمة العسكرية السابعة" ويسعى إلى تقييم الدور الاقتصادي للدولة عموما وأثر إحالة رجال الأعمال من الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكري على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ويشير إلى أنه ومنذ بدء فترة الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات تعاني مصر من الفساد وذلك لأنها لا تضع حدود فاصلة بين أنشطة وممارسات رجال الأعمال الاقتصادية وبين نفوذهم داخل النظام السياسي. وأنه على الرغم من دخول الاقتصاد المصري في برنامج للاصلاح الاقتصادي منذ عام 1991/1992 إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تتغير للأفضل وكانت نتيجة التطبيق لهذا البرنامج هى تعاظم سلبياته، بينما بقيت إيجابياته محدودة الأثر ومحصورة في استفادة طبقة معينة، تتمثل في رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات قوية بالنظام المصري.
وفيما يتعلق بالمحاكمة العسكرية فإن الأبعاد والآثار لا تتعلق فقط برجال الأعمال الإخوان، سواء من حصلوا على أحكام بالبراءة، أو من حصلوا على أحكام بالسجن فقط، أو من حصلوا على أحكام بالسجن ومصادرة الأموال حيث أن تثبيت التهمة الموجهة للنظام بعدم احترامه لأحكام القضاء، يعد ثغرة قاتلة في عالم الاقتصاد والمال، فضلا عن أن مصادرة الأموال الخاصة، يولد شعورا لدى المستثمرين بأن نمو مشروعاتهم مرتبط بتأييدهم للنظام، وهو أمر يصادر حريات الأفراد، أو يضطرهم للخروج باستثماراتهم إلى بلدان أكثر حرية.
ومن الأبعاد الأخرى تأثر البورصة المصرية سلبا، إبان صدور قرار النائب العام في 28 يناير 2007 بالمنع من التصرف وعند صدور قرار الحاكم العسكري - في 5 فبراير 2007، وأيضاً إبان صدور الأحكام من قبل المحكمة العسكرية في 15 إبريل 2008.
تعاطي المجتمع المدني والإعلام مع القضية
تحت هذا العنوان يغطي الباب الخامس من التقرير دور منظمات حقوق الإنسان والإعلام تجاه القضية من خلال فصلين هما:
الفصل الحادي عشر: "منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية ..المواقف والفاعلية"، ويتناول مواقف المنظمات المصرية والدولية من إحالة هؤلاء المدنيين إلى القضاء العسكري الاستثنائي فمن جهة أن المنظمات الحقوقية المصرية لم يكن لها دور مباشر في الدفاع عن المحالين إلى المحاكمة العسكرية ورغم ذلك فقد كان لها دور غير مباشر في الدعم من خلال النضال لتنقية البيئة الدستورية والقانونية من المواد التي تسمح للسلطة التنفيذية بتقييد حركة المعارضة السياسية وتقليل هامش الحريات العامة حيث ناضلت ضد كلا من: قانون الأحكام العسكرية، قانون مكافحة الإرهاب.
ويلاحظ أنه قد غاب عن هذه المنظمات غياب التشبيك بينها في هذه القضية ليس بمعنى إصدار بيان مشترك معا وإنما كآلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق أهداف معينة حتى ولو كانت أهدافا بسيطة أو هدفا واحدا.
أما فيما يتعلق بنشاط المنظمات الدولية فإنه لم يتسم فقط بإصدار البيانات لتسجيل موقفها فيما جرى وإنما جاءت بياناتها في سياق مراقبتها لتلك القضية لفترة طويلة نسبيا، إضافة إلى أنها ربطت تلك القضية بالحريات العامة.
واعتبرت هذه المنظمات أن الإحالة للمحكمة العسكرية يمثل انتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة وأن محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية المصرية يخالف المعايير الدولية للمحاكمات العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وإلى جانب إصدار البيانات اتخذت المنظمات الدولية عددا من الوسائل الأخرى مثل: التشبيك والعمل الإعلامي، مناشدة السلطات بالإفراج عن المحالين، وإرسال مراقبين إلى المحاكمة منذ بدء أولي جلساتها غير أن السلطات قامت بمنع المراقبين من دخول قاعة المحاكمة.
الفصل الثاني عشر: الإعلام والمحالين للمحاكمة العسكرية..عام مأساوي للطرفين! ويشير إلى أن البيئة السياسية والقانونية التي تعمل في ظلها وسائل الإعلام المختلفة وخصوصا الصحافة كان لها أثر واضح على تغطيتها لمجريات المحاكمة العسكرية، كما كان لمناضلي الإنترنت دور كبير في الدفاع عن المحالين للمحاكمة وكسر الحصار الإعلامي المفروض على القضية!
وأن البنية التشريعية والقانونية المحيطة بالصحافة في مصر ما زالت مليئة بمواد معيبة تقف عائقا أمام حرية الرأى والتعبير وحق تداول المعلومات، ومنها على سبيل المثال المواد التي تقف عائقا أمام حرية إصدار الصحف والمطبوعات وفرض الرقابة عليها مما يتنافى مع أحكام المادة 48 من الدستور التي تنص على حرية الصحافة.
أما بخصوص الفضائيات فإن الملاحظ أنه في مقابل التقدم التكنولوجي في مجال البث الفضائي فإن الخطاب الحكومي لم يتطور باتجاه احترام التعددية وأن الحكومة المصرية سعت إلى إدخال تعديلات علي القوانين المنظمة لعمل الفضائيات العربية (وثيقة مبادىء تنظيم البث الفضائي في العالم العربي – فبراير 2008)
ويفسر غياب الاهتمام الكافي بالقضية العسكرية بالقول أن الدعايات الحكومية نجحت نسبيا إلى تقليل التعاطف مع سجناء الرأي المحالين للمحاكمة العسكرية، فضلا – وهذا هو المهم – أنه في الوقت الذي بدأت فيه وقائع جلسات المحاكمة العسكرية لهم، كانت الصحافة تقوم بدورها في تغطية قضايا أخرى لها علاقة بالهجوم على الحريات العامة وانتهاك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعديد من الفئات في المجتمع.
كما أن العام الذي شهد وقائع جلسات المحاكمة العسكرية كان عاما أسودا على الصحافة حيث لوحق الكثير من الصحفيين والمدونين قضائيا مما يعنى أن الطرفين: الصحافة، وسجناء الرأي كانوا يتجرعون من ذات الكأس الحكومية.!
ويذكر أن مواقع الإنترنت استطاعت أن تحدث انقلاباً بكل المقاييس في عالم الصحافة حيث فتحت الأبواب المغلقة وتسللت إلى الأماكن الممنوعة واستطاعت أن تكشر عن أنيابها لأي سلطة سياسية!! من خلال المواقع والصحف الإلكترونية الموجودة على الشبكة التي تمكنت من الجرأة في التناول وحرية النشر دون رقيب.
شهادات على المحكمة العسكرية
يحمل الباب السادس من التقرير مجموعة كبيرة من شهادات الحقوقيين والمثقفين والساسة ومحالين إلى المحاكمة العسكرية ويتضمن فصلين كالتالي:
الفصل الثالث عشر: وهو بعنوان "شهادات هيئة الدفاع والمثقفين والسياسيين" ويتضمن شهادات لأعضاء في هيئة الدفاع عن المحالين، وناشطين مصريين وأجانب في مجال حقوق الإنسان، وقيادات من جماعة الإخوان المسلمين، ومثقفين وباحثين متخصصين في شئون الحركات الإسلامية، وسياسيين.
الفصل الرابع عشر: " شهادات محالين إلى المحاكمة العسكرية" ويسعى إلى نقل تجارب شخصية لمحالين للمحاكمة العسكرية من القادة والناشطين ورجال الأعمال وأساتذة الجماعات مع الاعتقال والإحالة للقضاء العسكري، ومعاناتهم وذويهم وأبنائهم وأحفادهم مع المحاكمة العسكرية، وكذلك مواقف إنسانية ومفارقات تعرضوا لها خلال تلك التجربة المؤلمة القاسية.
دلالات الأحكام العسكرية
وتحت هذا العنوان يشمل الباب السابع على فصلين هما:
الفصل الخامس عشر الذي يجيء تحت عنوان:" الأحكام العسكرية- الدلالات والأهداف" ويؤكد أن الأحكام القاسية الصادرة عن المحكمة العسكرية قد عبرت عن مجموعة من الدلالات والأهداف كالتالي:
فيما يتعلق بدلالات الأحكام فإن أولها يتمثل في غياب الثقافة السياسية التي تتسامح مع المعارضة السياسية وتعتبر قوى هذه المعارضة جزءا من النظام السياسي وليس منافسا له أو بديلا عنه. أما ثانيها فهي أن هذه الأحكام قد دفعت بعض المحللين والباحثين إلى اعتبارها مؤشر على سعي النظام السياسي إلى تغيير المعادلة القائمة في العلاقة بين الطرفين من خلال التفكير في تبني سيناريو جديد عنوانه الاستئصال! لكن الخبراء والباحثين يجمعون على أن النظام السياسي لا يمتلك القدرة على إتباع نموذج استئصالي نظرا لاتجاهات الإخوان السلمية وتحركهم تحت مظلة الشرعية الدستورية والقانونية وتبنيهم لمنهج وسطي معتدل بعيدا عن الغلو والعنف ونجاحهم في دخول كثير من مؤسسات المجتمع وقيادتها بنزاهة فضلا عن أن إخفاقه في معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية يقف وراء كبح جماحه عن إتباع ذلك النموذج رغبة في وقف انفجارات الغضب الشعبي.
ومن الدلالات أيضا أن التعامل مع الإخوان كملف أمني وليس سياسي يعكس الفشل في امتلاك تنظيم سياسي حقيقي يقود التحول السياسي الديمقراطي في البلاد مما يجعله يستند إلى قوة الدولة وخصوصا القوة الأمنية في مواجهة الأطراف التي يتصور أنها تنافسه أو تكون بديلا عنه.
أما فيما يتعلق بأهداف المحاكمة العسكرية الأخيرة فإن الفصل يشير إلى هدفين الأول: سياسي ويعكس سعي النظام السياسي إلى وقف نمو الجماعة الذي أصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. والثاني: أمني ويتعلق الأمر بكلمة واحدة هي "التنظيم" حيث يعتبر النظام أن الإخوان تنظيم سري محظور، ويجب أن يمنع من ممارسة العمل السياسي.
وأما الفصل السادس عشر: " مقارنة بين أحكام القضية وأحكام القضايا السابقة" فيهدف إلى مقارنة الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية في القضية الأخيرة وبين الأحكام الصادرة في القضايا السابقة خلال عهد الرئيس مبارك محاولا الإجابة على سؤال هو: هل أدى إختلاف الظروف السياسية إلى إصدار أحكام متفاوتة؟ أم أن النظام السياسي قد أصدر أحكاما قاسية ومتشابهة في القضايا العسكرية السبع التي حوكم فيها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين؟ وما هي أهداف النظام السياسي من ذلك؟
أثر المتغير الخارجي .. واستشراف المستقبل
يناقش الباب الثامن من التقرير مسألتين: أثر المتغير الخارجي وخصوصا السياسة الأمريكية تجاه الإسلاميين وانعكاساتها على وضعية الإخوان المسلمين في النظام السياسي، والوضعية المستقبلية للجماعة بعد صدور الأحكام العسكرية، وذلك في فصلين كالتالي:
الفصل السابع عشر تحت عنوان: "الإدارة الأمريكية والمحاكمات العسكرية للإخوان – حسابات المصالح ودعاوي الاصلاح" ويشير إلى أن الوضع في مصر أكثر تعقيداً مما عليه في دول أخرى، فالولايات المتحدة تضغط من أجل التحول الديموقراطي في مصر، ولكن القيادة المصرية هي حليف قوى للولايات المتحدة لا يمكن تعريض استقراره للخطر.
وأن هناك نوع من الازدواجية أو التعارض بين المباديء والمصالح في السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية السياسية. فهناك نظريتان تعارضتا في الإدراك الأمريكي للإسلام السياسي إحداهما نظرية المواجهة التي تستند إلي العداء بين أمريكا و الإسلام، والثانية هي نظرية الاحتواء التي قالت بالتوافق الأمريكي مع الإسلام والمسلمين وقد أدي ذلك إلي غياب إستراتيجية أمريكية شاملة ومتكاملة تجاه الحركات الإسلامية والدول الإسلامية وإلي غلبة التعامل من منطلق المصالح الأمريكية.
وحول الجدل الأمريكي حول الإخوان في مصر يلاحظ أن الولايات المتحدة بررت رغبتها في الحوار مع الإخوان بأنه دبلوماسية تقليدية لجمع المعلومات ولكن سرعان ما توقفت عن هذه الاتصالات، وتجنبت إعلان أي موقف ضد الإجراءات الحكومية ضد الإخوان. وكان عدم الحركة الأمريكي دليلاً علي دعم النظام في المواجهة مع الإخوان.
واختارت الإدارة الأمريكية التراجع عن الضغوط من أجل الإصلاح الديموقراطي حتى لا يصبح الإخوان المستفيد الأكبر من ذلك، ويطالب البعض وزارة الخارجية الأمريكية بعدم التخلي عن الحكومات العربية دون وجود بدائل واضحة، والعمل بدلا من ذلك على إجراء تغييرات هيكلية بعيدة الأمد وإيجاد سبل للتأثير على الرأي العام العربي.
ثم حسمت إدارة بوش الجدل حول الموقف من الإخوان بعد انتخابات 2005 في مصر وانتخابات 2006 في فلسطين حيث أعادت النظر في خططها المعلنة لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وباتت قناعتهم بتكرار هذا النموذج الأوربي بين دول المنطقة ضعيفة بعد أن كانوا يرون أن نشر الديمقراطية وسيلة ناجعة لمكافحة "الإرهاب" القادم من تلك المنطقة.
كما تبلورت مواقف مشتركة بين الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية تعتبر الإخوان خطراً ينبغى التصدي له، ولكن ينبغي توزيع الأدوار، فالحكومة المصرية تقوم بالجهد الأساسي في المواجهة التشريعية والسياسية والأمنية، في حين تكتفي الإدارة الأمريكية بغض الطرف عما يحدث من تجاوزات، مع احتفاظ أمريكا بحق النقد إذا أصابت سياسات المواجهة ما تعتبرهم الولايات المتحدة قوى علمانية وليبرالية معارضة تطمع أن تشكل البديل الممكن لتطوير النظام السياسي المصري.
أما الفصل الثامن عشر: "مستقبل العلاقة بين النظام السياسي وجماعة الإخوان - من التنافسية والإقصاء إلى التوافقية" فيتناول معطيات البيئة السياسية الداخلية والخارجية التي تمثل تحديا ضخما سواء أمام المشروع الإصلاحي لجماعة الإخوان المسلمين أو أمام دمجها في إطار الجماعة الوطنية.
ويذكر أن الباحثين قد وضعوا مجموعة من السيناريوهات المحتملة للمسار السياسي للعلاقة بين النظام و الإخوان تتراوح بين الانسحاب من العمل السياسي وبين التصعيد مع النظام وهي:
1 - مسار التنزيه والتفويض: ويقوم على فكرة مفادها ضرورة أن يكون مركز إرشاد حركة الإخوان منزه عن الانخراط في مستنقع السياسة، ولكن من دون أن يعني هذا تبني موقف المقاطعة للعملية السياسية فتكون الحركة منصرفة للإدارة الروحية للشعوب الإسلامية، مع تفويض العملية السياسية لمن يفضل من كوادرها أن يشتغل بالعمل السياسي.
2. سيناريو الاعتزال السياسي الكلي المرحلي: ويقوم على مسلمة مفادها أن مكتب الإرشاد يرفض الفصل بين تنظيم الدعوة وتنظيم السياسة، مما يعني أن المطروح هو اعتزال العمل السياسي بصورة كلية ومرحلية. ويتم وضع تصور عن البيئة التي يكون فيها العودة للعمل السياسي ممكنة .
3 . سيناريو الاعتزال السياسي الجزئي: ويشير إلى اعتزال الجماعة العمل السياسي بصورة جزئية، بحيث تنصرف الجماعة عن العمل السياسي في المجال العام وتحتفظ بحضورها العام الروحي والثقافي والفكري والاجتماعي والإغاثي.
4 - سيناريو الانخراط والتصعيد السياسي: ووفقا له ستقبل الجماعة على تحدي الإدارة المصرية الحاكمة لكن المشكلة أنه ينطوي بالضرورة على مواجهات قوية وارتفاع التكلفة الاجتماعية. ويأخذ السيناريو صورة أحد سيناريوهين فرعيين: إما التصعيد التحذيري المحدود. أو سيناريو التصعيد الكامل.
وأمام هذه السيناريوهات التي لا تقبل بها الجماعة أو لا تلائم الوضع السياسي في البلاد يمكن وضع مقترحات لدمج الجماعة في إطار الجماعة الوطنية فإن البديل المتوقع – حسب فريق من الباحثين - يتمثل في: "الشهادة على الناس" ويعني وجود تحرك مع عموم الأمة أو من يريد التحرك من الأمة لبناء المؤسسات واستحضار القيم التي تحقق المثالية الإسلامية، والشهادة بهذا المعنى غير الإقامة أو التمكين، وتتطلب تقديم الاجتهادات التي تحقق معالجة مشكلات الناس في إطار من مصلحة عامة حقيقية، وعرض هذه الاجتهادات على الملأ ليأخذ بها من يأخذ.
وعلى الصعيد المؤسسي، لا شك في أن التحول نحو خطاب الشهادة يعني تغييرا مؤسسيا حقيقيا. فلن تكون أطراف الجماعة فقط عبارة عن مؤسسات بحثية سياسية وكتلة برلمانية، بل أيضا ستكون أطرافها مراكز بحوث ودراسات فقهية وفكرية، وجماعات حقوقية متخصصة ومنتديات ثقافية مركزية ومحلية، وقناة إعلامية لتأدية الغرض.
خاتمـة وتوصيـات
يرى التقرير أن الوضع في مصر أصبح مقلوبا، فمن يملك المشروعية القانونية يفتقد للشرعية الاجتماعية، ومن يملك الشرعية الاجتماعية يفتقد المشروعية القانونية! كما أن الضربة الأمنية المتمثلة في تلك المحاكمة العسكرية وأحاكمها القاسية افتقرت إلى الذكاء والحنكة السياسية، فالنظام حين يضرب الكِـيان الاقتصادي للجماعة، فإنه يُـعرِّض اقتصاد البلد كلّـه للخطر ويؤثر على الاستثمار الأجنبي، الذي يرى المناخ الاقتصادي غير مبشـِّر.
وبناء عليه: طالب مركز سواسية في خاتمته بتصحيح جميع الأوضاع غير العادلة الناتجة عن الإحالة للقضاء الاستثنائي كما توجه إلى النظام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، والمعارضة السياسية، ومنظمات حقوق الإنسان بالتوصيات التالية:
1. النظام السياسي: أن يتبني دورا محددا يتمثل في: حماية الأمة من المخاطر الخارجية، وتحقيق الأمن الداخلي، وحماية الفقراء وغير القادرين والضعفاء.
وأن يوقف العمل بحالة الطوارئ مع عدم إصدار أي قوانين استثنائية أخرى، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة محاكمة المحكوم عليهم من المحاكم العسكرية أمام القضاء الطبيعي، ورفع يد السلطة نهائيا عن النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني سعيا إلي مجتمع أهلي قادر علي المساهمة في بناء الديمقراطية
2. المعارضة السياسية: دعاها المركز إلى الحوار من أجل فهم سلوك الاستبداد السياسي ونجاحه في مقاومة الضغوطات وتجنب الإصلاح الديمقراطي، والتنسيق من أجل إبداع أساليب عمل ومقاربات ناجحة وفعالة بدلا من الاستسلام للطرائق والأساليب السهلة والسريعة السائدة كإبراز عيوب ومثالب النظام السياسي.
كما طالبها: أولا: الانفتاح المتبادل بين قوى المعارضة المختلفة بما يوحد قطاعات الرأي العام المطالبة بالديمقراطية ويوحدها في معركة الإصلاح، وثانيا: العمل بشكل مستمر على تمييز موقف هذا التحالف الديمقراطي عن مواقف القوى الأخرى سواء أكانت قوى الاستبداد أم قوى الهيمنة والسيطرة الأجنبية.
3. الإخوان المسلمين: إن الإخوان المسلمين – بحسب التقرير - مطالبون ببلورة رؤى فكرية وسياسية واضحة فيما يخص العلاقة مع النظام السياسي، والخطاب الإعلامي، وقضية حقوق الإنسان، فضلا عن المجهود العملي في التشبيك مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان حول أهداف مشتركة تتعلق بهموم الناس – حتى وإن كانت بسيطة.
4. منظمات حقوق الإنسان: دعا التقرير المنظمات المصرية إلى إعادة الاعتبار لأسلوب التشبيك فيما يتعلق بالإحالة للقضاء العسكري الاستثنائي مما يعني أن المطلوب ليس مجرد بيان مشترك وإنما العمل وفق آلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق ذلك الهدف البسيط!.
وشدد على أن هذا النوع من القضايا يخص المجلس القومي لحقوق الإنسان ويقع في نطاق اختصاصاته وبالتالي فالمجلس مطالب بالاهتمام الكافي بقضية سجناء الرأي الذين أحيلوا للمحاكمة الأخيرة وحصلوا على أحكام قاسية والتحقيق في شكاوى أسرهم.
وختاما .. أكد المركز إن إقامة العدل وتعزيز حقوق الإنسان المصري سوف يؤدي إلى إرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية ويسمح للشعب المصري باسترجاع حريته وكرامته لأنه لا حرية ولا كرامة في ظل القمع والفساد.
الباب الأول: القضيـــة في سياقهــا السياســي (إشارة لمفهومي الاستبداد والشرع)
الفصل الأول: البيئـة السياسيـة للمحاكمـات العسكريـة
تسود البيئة السياسية المصرية مفاهيم استبدادية ووصائية واحتكارية مما أدى إلى زحف النظام السياسي نحو المجتمع المدني من أجل السيطرة عليه وإلحاقه به، وفي الوقت الذي يتبنى فيه النظام السياسي خطابا معلنا يتحدث عن الديمقراطية وحرية التنظيم فإنه يستخدم ترسانة من القوانين المقيدة للحريات لتحجيم القوى الفكرية والسياسية المختلفة، أما تلك التي تسعى أن تخلق هامشا للحركة والحرية وتنور شعبها بحقوقه وحرياته فإنه يتعامل معها بالأساليب الأمنية وسط عملية دعائية قوية تهدف إلى تشويهها وتبرير (الضربات الإجهاضية) الموجهة إليها.
وعند تناول البيئة السياسية التي عقدت خلالها المحاكمة العسكرية الأخيرة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين يمكننا تناول ملامح وأبعاد هذه البيئة من خلال النقطتين التاليتين: طبيعة النظام السياسي وتأثيراته، الصعود السياسي لجماعة الإخوان وتداعياته.
1 - 1 : النظـام (الأمنوقراطـي) وتأثيراتـه
وردت حرية التنظيم المتعلقة بحق كل اتجاه فكري وسياسي في المجتمع في تنظيم نفسه اجتماعيا أو سياسيا وحقه في التجمع في المصادر التشريعية الوطنية والدولية الخاصة في مرتبة الحقوق الملزمة كالتالي:
- المصادر الوطنية: ونعني بها نصوص التشريع الوطني التي تنص على الحريات والحقوق وفي مقدمتها يأتي الدستور الذي لم يخلو من فصل خاص بالحقوق والحريات وتكمن أهمية النص عليها من أنها تصبح ملزمة لسلطات الدولة.
وقد أورد الدستور المصري في الباب الثالث الخاص بالحريات العامة بعض المواد التي تنص على حرية التنظيم ومن أهمها:
- المادة (54): " للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة في حدود القانون" .
-المادة (55) "للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، ويحظر إنشاء جمعيات يكون نشاطها معاديا لنظام المجتمع أو سريا أو ذا طابع عسكري".
- المادة (57) كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء".
- المادة (64): سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.
- المادة (65): تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.
- المواثيق الدولية: وهي المواثيق التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية دون أن تتقيد بإقليم محدد أو جماعة بعينها والأمثلة الواضحة عليها هي ما صدر عن هيئة الأمم المتحدة من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان بدء من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما تلا ذلك - أو تخلله - من اتفاقات.
وتؤكد هذه المواثيق على حرية الرأي والتعبير باعتبارها أحد أهم مقومات النظم الديموقراطية ولا يجب تقييدها سوى بما يقتضيه حماية الأمن القومي أو النظام العام أو حقوق الغير وسمعتهم كما ورد في المادة التاسعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
وتكفل المادة (21) الحق في التجمع السلمي الذي يشير إلى حق المواطنين في عقد الاجتماعات للتعبير عن آرائهم وتنظيم المسيرات والتظاهر السلمي في الأماكن العامة شريطة ألا يقتصر هذا الحق على الأحزاب السياسية بل يشمل كافة التجمعات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
وهذا الحق يرتبط ارتباطا وثيقا بحرية تكوين الجمعيات التي تنص عليها المادة (22) بالقول أنه لا يجوز وضع قيود على حرية مشاركة الفرد مع الآخرين في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها لحماية مصالحه المشروعة عدا تلك القيود التي ينص عليها القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديموقراطي.
أولا: الاستبداد السياسي .. من الإقصاء إلى الأمنوقراطية.
ورغم الاعتراف المعلن بهذه الحقوق والحريات إلا أن الواقع يشهد انتهاكا واسعا لها وفيما يحاول البعض – في محاولة فاشلة - الربط بين واقعنا الاستبدادي وبين الدين من خلال الادعاء أن تاريخ الإسلام لم يكن سوى سلسلة متوالية من أنظمة الجور فإنه يغضون الطرف عن نمط من الاستبداد القائم الذي لا يستمد شرعيته من الإسلام والأمة.
هنا يلزم الإشارة إلى إن ثمة ظاهرة استبدادية تخلقت في رحم التوسع الإمبريالي الغربي، وما زالت تلقي بظلالها الثقيلة على الواقع السياسي في بلادنا مما يعنى أن هناك استبدادا حداثيا وليس دينيا – حتى وإن كان يوظف المؤسسات الدينية لصالحه - يعمل على تأميم المجتمع من خلال توثيق علاقة الحزب الحاكم بالمؤسسات المدنية واحتواءها.
بكلمة أخرى: منذ الاستقلال أقامت النخبة السياسية حكمًا شموليًا فرديًا يعتبر كل أشكال المعارضة السياسية ضربًا من الفتنة وينعت المعارضين بأوصاف منفرة بما يعني إلغاء مبدأ شرعية المعارضة السياسية من جهة ويحكم في ظل قانون عام هو انتزاع الطاعة من الشعب بالعصا أو الجزرة أو كلتيهما وبين هذه وتلك يستخدم أساليب التسويغ والخداع والتضليل أو أساليب التخويف كما يستعمل (الجزرة) وهي أنواع أولها الهبة والمنحة والمنصب وأعلاها الحظوة.
وفي ظل هذا الوضع عاش المجتمع المدني في ظل حالة مزمنة من احتكار السلطة ويقترن ذلك بإقصاء القوى الاجتماعية والسياسية ذات التوجهات المغايرة وحتى في مرحلة التحرر الاقتصادي الشكلي، والانفتاح السياسي المحدود أصبحت الدولة أكثر تسلطًا حيث ترعرعت فيها المصالح الشخصية البيروقراطية الطفيلية في ظل آليات الخصخصة والانفتاح.
وفي رحم مرحلة الانفتاح ولد استبداد جديد، يسمح بوجود الأحزاب والبرلمان وحرية الصحافة وحرية التنظيم والتعبير ولكنه يرتكز على المؤسسات الأمنية بما يعنى أن عنوان هذه المرحلة هو : " الأمنوقراطية" وتشير إلى مرحلة جديدة تلعب فيها الأجهزة الأمنية والعقلية السياسية الأمنية دورًا في تعطيل قدرات الجماهير وتوظيفها في الوقت نفسه لاستمرار ما هو قائم.
وعلى الرغم من أن الأمنوقراطية هي نتاج فشل الدولة العسكرية الاستبدادية إلا أنها تحاول العمل على استمرار التحكم والسيطرة من خلال قيادتها لمرحلة الإصلاح السياسي الذي يشكل انفراجًا مؤقتًا للاحتقان السياسي والاجتماعي مما يعنى استمرار المناورة وتأجيل الإصلاح والتحول نحو الديموقراطية.
وهذه المرحلة تؤكد أن ظاهرة الاستبداد لا تقوم على أبعاد دينية وفكرية بما يجعلها خاصية عربية، ولكنها في جوهرها غرس خارجي وجد تربة صالحة فازدهر وتجذر! فالاستبداد يشير إلى طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع حيث يكون قويًا حسب قوة تدخل الدولة في المجتمع وقوة الدولة في مواجهة المجتمع وطوال التاريخ الإسلامي كانت الدولة قليلة التدخل نادرة الاحتكاك بالمجتمع إلى أن تغير الوضع في العصر الحاضر، وقامت الدولة بربط مواطنيها بحبل سري بها وتدخلت في كل شئونه!.
ثانيا: الحريات العامة.. انتهاكات واسعة
الحرية في معناها الواسع تعنى اختفاء القيود والضوابط المفروضة على النشاط الانسانى سواء كان هذا النشاط فرديا أو جماعياً أي أن الحرية هي قدرة الإنسان على التصرف دون قيود ولكن هذا لا يعنى الفوضى إذ يتم تنظيمها عن طريق القانون وهو ما يطلق عليه الحرية المسئولة.
وهناك أشكال وصور مختلفة للحريات:
- فقد تكون حرية فكرية ويقصد بها حرية الفرد في التفكير دون أي قيود أو رقابة وتشمل صور مختلفة أهمها حرية العقيدة أي حرية الشخص في أن يعتنق الدين الذي يفضله وحريته في ممارسة شعائر هذا الدين وحرية الرأي وتشمل حرية تكوين الرأي والتعبير عنه.
- وقد تكون حرية سياسية: ويقصد بها أن يتمتع الفرد بحقوقه السياسية كاملة وخاصة حقه في الانتخابات واختيار ممثلين في المجالس المحلية والبرلمانية وحقه في التنظيم وتكوين الأحزاب والجماعات السياسية،
- أو حرية اقتصادية: وتشمل حرية التملك والحق في العمل والحق في الحماية ضد الحاجة في حالة المرض أو البطالة أو الشيخوخة والحق في مستوى معيشي مناسب ويطلق على معظم هذه الحريات أيضا اسم "الحريات العامة" ويقصد بها مجموع الحقوق والامتيازات التي يتوجب على الدولة أن تؤمنها لمواطنيها وتنص العديد من المواثيق الدولية على ضرورة احترام هذه الحريات الأساسية ولعل أبرزها في ذلك المجال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وعادة ما يشير دستور الدولة إلى تلك الحريات الأساسية ويضع الضوابط التي تصونها ضد التجاوزات سواء من جانب الأفراد أو من جانب الدولة نفسها مثل الدستور المصري في الباب الثالث بعنوان: "الحريات والحقوق والواجبات العامة"0
غير أن النظام السياسي يستخدم القوانين المقيدة للحريات من أجل قطع السبيل أمام مشاركة فعالة في إدارة الشؤون العامة للبلاد، ومواجهة المعارضين السياسيين ممن ينتهجون منهجا سلميا في العمل السياسي.
فمن جهة نجد أنه يعوق المشاركة في الانتخابات من خلال تزوير الإرادة الشعبية بطريقة واضحة وهو الأسلوب الذي اتبعه قبل الإشراف القضائي الذي شهدته انتخابات عامي 2000 و 2005 وسوف يعود بكل تأكيد إلى إتباعه بعد إقرار التعديلات الدستورية التي أطاحت بالإشراف القضائي، والذي يتواكب معه التدخل الأمني لصالح مرشحي الحزب الحاكم، والتضييق على قوى وأحزاب المعارضة وأنصارهم .
ومن جهة أخرى يرفض قيام أحزاب تملك قواعد شعبية ويمكنها المنافسة الحقيقية في الانتخابات حيث يهيمن الحزب الحاكم على عضوية لجنة الأحزاب، والتي تتألف من رئيس مجلس الشورى رئيسا وعضوية كلا من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الدولة لشؤون مجلس الشعب، إضافة إلى ثلاثة من أعضاء الهيئة القضائية يصدر قرار بتعيينهم من رئيس الجمهورية، أي أن حكومة الحزب الحاكم والرئاسة هي الخصم والحكم... وهذه اللجنة غالبا ما تعترض على تشكيل أي حزب جديد، وقد رفضت منذ تشكيلها في عام 1977 وحتى اليوم عشرات الأحزاب فضلا عن قيامها بعرقلة نشاطات أحزاب قائمة بالفعل.
ومن جهة ثالثة يقوم بضبط حرية الرأي والتعبير حيث يسمح بإصدار عدد من الصحف الحزبية والصحف الخاصة التي يملكها أفراد والتي تعرف "بالصحف المستقلة" والقنوات التلفزيونية الخاصة التي أتاحت للمشاهد المزيد من الاختلاف في الآراء لكنه يربط كل ذلك بقوانين ضابطة وضاغطة جعلها تبدو وكأن سقف الحريات فيها أعلى من بعض مثيلاتها العربية، فيما هي تمارس قدرا كبيرا من الكبت. ففي ميدان الصحافة على سبيل المثال صدر العديد من القوانين أو عدلت قوانين أخرى لغرض السيطرة على مضامين وسائل الإعلام والتحكم في آليات إصدار الصحف وملكيتها، وفي الوقت نفسه تم إعطاء هامش من حرية الرأي حيث تعتقد السلطات أن هذا الهامش يمكنه امتصاص زخم المطالبين بالحرية ولو لبعض الوقت.
وتسيطر الدولة في مصر على كم ونوع الصحف من خلال التعقيدات البيروقراطية الشديدة التي تفرضها القوانين الحالية على آليات إصدارها برغم أن الدستور يتيح للأفراد والأحزاب ذلك، ويقتضي الحصول على رخصة لإصدار صحيفة في مصر موافقة العديد من الجهات مثل المجلس الأعلى للصحافة وهو هيئة حكومية والأجهزة الأمنية المختلفة وأخيرا مجلس الوزراء ومثل هذه الموافقات تعد أمرا صعبا ومعقدا، فضلا عن ارتباط الموافقات على التراخيص بدفع مبالغ مالية كبيرة. ومن جهة رابعة يعتبر قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 نسخة مكررة من قانوني الجمعيات رقم 32 لسنة 1964 والقانون 153 لسنة 1999، بل إنه قد فرض المزيد من القيود على العمل الأهلي في مصر من خلال إعطاء صلاحيات واسعة لجهة الإدارة في تقييده سواء تعلق الأمر بالتأسيس أو الأنشطة أو مصادر التمويل .
ولم يكتف النظام السياسي بكل هذه الانتهاكات للحريات العامة من أجل تحجيم المعارضة عموما وجماعة الإخوان المسلمين خصوصا فلجأ إلى القضاء الاستثنائي لمواجهتها حيث تنبه المشرع إلى أن الاصطدام المباشر مع السلطة القضائية قد يجلب إليه سوء السمعة دوليا فلجأ إلى وسائل أخرى أقل ضجيجا وأكثر فعالية مثل القضاء الاستثنائي - كما سنرى - وهو تقليد متوارث منذ عصور الاحتلال الأجنبي.
ثالثا: تعددية مقيدة .. معارضة مهمشة.
تمثل المشاركة السياسية أرقى تعبير للديمقراطية لأنّها تقوم على مساهمة المواطنين في القضايا المختلفة مثار الاهتمام على المستوى المحلي والوطني وتندرج في إطار التعبير السياسي الشعبي وتسيير الشأن السياسي من قبل كلّ أطراف المجتمع.
وتمرّ بدرجات أو مراحل مختلفة فتبدأ بالاهتمام بالشأن العام أو السياسي، ثم تتطور إلى الانخراط السياسي، ثم تتحول إلى القيام بنشاط سياسي، حتى تنتهي بالوعي بضرورة تحمّل المسؤوليات السياسية وتعاطي النشاطات السياسية وكل أشكال العمل والنضال السياسي وكلّ هذه المراحل ما هي إلا تعبيرات مختلفة لتفعيل مفهوم للمواطنة.
ويوجد دور حيوي للدولة في تعزيز المشاركة من خلال حرصها على قبول نتائج صناديق الاقتراع والتوجهات الحرة للرأي العام، والعمل في نفس الوقت على أن يحكم القانون إضافة إلى أن من بين وظائفها: الوظيفة التربوية السياسية التي تتمثل في تدعيم اهتمام المواطنين بالشأن العام وإدماج جميع فئات المجتمع في العملية السياسية، والوظيفة الأمنية وتتلخص في تحقيق العدل وكفالة جميع الحقوق بما يعنى تقنين مبدأ المساواة والاعتراف الواقعي بكافة الحقوق العامة والخاصة للمواطنين وتمكينهم منها.
ويبدو أن هناك فجوة بين النظريات والنصوص من جهة وبين الواقع من جهة أخرى والمثال الأوضح على ذلك هو أن الخريطة الحزبية لا تمثل واقع التعددية المجتمعية ونسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية وآخرها انتخابات عام 2005 والتي وصلت نسبة المشاركة فيها – حسب الإحصاءات الرسمية - إلى نحو 26 % فقط من المقيدين بالجداول الانتخابية والذي يصل عددهم إلى 32 مليون مصري بما يساوى أكثر قليلا من 8 مليون مواطن.
ومن اللافت أن المجتمع شهد وقتذاك حالة من الحراك السياسي أسهمت لحد ما في اتخاذ النظام السياسي لبعض الخطوات الإصلاحية بهدف تقليل حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد حيث وافق على أن تجرى الانتخابات في صناديق شفافة وبأحقية المنظمات الحقوقية في مراقبة الانتخابات وهو ما انعكس إيجابيسا على المرحلة الأولى من تلك الانتخابات بوجود نسبة مشاركة كبيرة نسبيا.
لكن سرعان ما انخفضت المشاركة بطريقة مؤسفة في المرحلتين التاليتين نظرا لقيام أجهزة الأمن بإغلاق العديد من الدوائر ومنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بعد أن اتضح أن جماعة الإخوان المسلمين التي لا تملك تمثيلا حزبيا في طريقها لتحقيق نسبة الثلث من أعضاء مجلس الشعب.
وهذه الممارسات أعطت مؤشرا واضحا على حقيقة التعديلات الدستورية التي قامت بها حكومة الحزب الوطني بعد الانتخابات حيث لم تلبي الحكومة مطالب المعارضة والحركات الشعبية بإجراء تعديلات تسمح بالتعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة في النظام السياسي.
فضلا عن أن الحزب الوطني نفسه والذي رفع شعارات الديمقراطية والإصلاح لم يتزحزح عن موقعه كنموذج للحزب المسيطر، والذي تنبع سيطرته من "الهيكل البيروقراطي للدولة"، فالحزب مندمج في "هيكل الدولة"؛ مما يعني أننا إزاء التوحد بين السياسي والحزبي ، وأن النموذج الأساسي يتمثل في هيمنة السلطة التنفيذية على مقادير الدولة، ويظهر ذلك في تنصيب وتمثيل قيادات الدولة التنفيذية ... في المناصب العليا للحزب (الرئيس - الأمين العام - أمين التنظيم - أمين الإعلام - أمينة المرأة - أمين العمال - أمين الفلاحين - أمين الشباب)، هذا إلى جانب أعضاء المكتب السياسي كل هذه التطورات أكدت أن البلاد لم تغادر مرحلة الأمنوقراطية التي يتم في إطارها تهميش المعارضة، والتقليل من حجمها بشكل يضعف من قوتها، ومن أهم الوسائل المتبعة في هذا الإطار الأساليب القمعية التي استخدمت أكثر من مرة في وجه المظاهرات والإضرابات .. ثم إزاء المعارضين السلميين.
1– 2 : الصعـود السياسـي للإخوان وتداعياتـه
تتمتع المعارضة السياسية في المجتمعات الحديثة بحقها الدستوري والسياسي الديموقراطي في العمل، كمعارضة، مع إحاطة ذلك الحق بالضمانات القانونية والتشريعية اللازمة لذلك، بالإضافة إلى السعي لتمكينها من حق الوجود، ومن حرية العمل السياسي، وذلك بهدف منع أي قوة سياسية من أن تعبر عن نفسها ومطالبها خارج القواعد الديموقراطية.
وهذا يؤدى إلى صون الحياة السياسية من الاضطراب، لكن المعارضة السياسية فى المجتمعات العربية ومن بينها الدولة المصرية حالها مختلف!، حيث لا تنظر إليها السلطات الحاكمة نفس النظرة التي تنظرها السلطات في الدول الديمقراطية في قارات العالم المختلفة.
ففي تلك الدول توجد صور ثلاث تعبر عن سعى المعارضة السياسية نحو تحقيق هدف الوصول للسلطة، وهي كالتالي:
- الصورة الأولى: حيازة السلطة حيازة كاملة من طرف الفريق السياسي المعارض، وهذه الحيازة تحدث حينما يميل ميزان القوى الداخلي إلى القوة السياسية المعارضة فى معادلة الصراع على السياسة والسلطة، وغالبًا ما يحدث ذلك لأحزاب المعارضة المتمتعة بالتمثيل الشعبي الواسع.
- الصورة الثانية: هي اقتسام السلطة بين المعارضة السياسية والنخبة، أو النخب الحاكمة، وهذا لا يحدث إلا في حالتين هما: امتلاك المعارضة قوة ضغط ونفوذًا كبيرًا يسمح لها بإجبار النخبة الحاكمة على قبول مثل هذا الاقتسام للسلطة، مع حيازة النخبة لثقافة سياسية ديمقراطية حديثة.
- الصورة الثالثة: هي المشاركة في السلطة من قبل المعارضة بحصة غالبًا ما تكون متواضعة، ولا ترقى لمستوى اقتسام السلطة.
والواضح أن الخبرة المصرية في ظل "التعددية المقيدة" لم تشهد أي صورة من هذه الصور نظرا لأن النظام السياسي لم يبرهن حتى الآن على قبوله بمبدأ تداول السلطة فضلا عن سعيه إلى إضعاف المعارضة السياسية بطريقة مستمرة.
وفي هذا الإطار لا يمكن إعفاء قوى وأحزاب المعارضة نفسها من مسئولية المشاركة في عملية الإضعاف بل وترسيخ الاستبداد حيث أن المعارضة السياسية يمكن أن تسهم في تدعيم الاستبداد من خلال فقدان معناها الحقيقي وفعاليتها في الشارع السياسي وهو ما يترتب عليه عدم التفات النظام إليها، أو أن تتورط مع النظام السياسي بحيث تبدو مستفيدة من الوضع القائم.
أولا: إرهاصات الصعـود
إن المعارضة المصرية تعاني عموما من مأزق مزدوج طرفه الأول يتمثل في حالة الجمود الفكري والحركي الذي يسيطر على الأحزاب السياسية الموجودة والثاني يتمثل في زيادة الضغط السلطوي والالتفاف من جانب النظام السياسي على مطالبها الإصلاحية بشكل يجعل من العلاقة بين الطرفين علاقة تبعية أكثر من كونها علاقة أنداد.
وفي هذا الإطار توجد بعض الاختلالات داخل بعض أحزاب المعارضة تقود إلى ترسيخ الاستبداد مثل: الضعف البنيوي، والرغبة في حصد المكاسب دون مقابل، وعدم الرغبة في تشكيل تحالف أو ائتلاف لمواجهة الممارسات الاستبدادية للنظام السياسي، وعدم وجود فوارق واضحة في الفكر والمنهج بينها وبين الحزب الحاكم.
وفي هذا الإطار يلزم الاعتراف أن القوى الإسلامية ذاتها غير معصومة من الخطأ لكونها تجربة جديدة في أرض مليئة بالألغام السياسية فرغم أنها تدعو إلى الديمقراطية والإصلاح وبدأت تمارسه داخل مستوياتها التنظيمية بالفعل إلا أنها ما زالت تعاني من ضعف التجديد الفكري والمعرفي فضلا عن أن بعض الأعضاء لا يقتنع بالنضال داخل جماعته من أجل قيم الحرية، والتفكير والتغيير والنصح، والتوجيه وهي المطالب التي قد يضحي بحياته من أجلها في الخارج!
ورغم هذا الواقع المليء بالقيود واحتمالات الأخطاء فإن جماعة الإخوان المسلمين ظلت تدعو للإصلاح و الديمقراطية وبدأت في العودة إلى مكانها الطبيعي كأهم قوة شعبية إصلاحية معارضة منذ مبادرتها للإصلاح عام 2004 وساهم في صعودها المناخ الدولي والإقليمي المنادي بالإصلاح فضلا عن أن الغالبية الساحقة من أحزاب المعارضة قليلة الحيلة، صغيرة العدد، غير معروفة بأي دور سياسي يتجاوز إصدار جريدة يومية أو أسبوعية، والقليل منها والذي لا يتجاوز أربعة أحزاب في الواقع، تعبر عن تيارات وقوى سياسية وفكرية وأيديولوجية واضحة المعالم.
وهذا الصعود يؤكد أن الحملات الأمنية والإعلامية، والاعتقالات المستمرة لم تمنعها من أن تكون من أهم الحركات السياسية التي لها وجود في الشارع السياسي المصري، وقد حددت الجماعة مطالبها من خلال التأكيد على نقاط معينة في قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي مثل: إنهاء قانون الطوارئ، وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب والجمعيات والصحف، بما يعني أن الجماعة تستند إلى مشروع سياسي وهو المشروع الديموقراطى.
وفي إطار هذا المشروع تنوعت آليات الجماعة بين أسلوب الضغط بالمظاهرات والمؤتمرات الشعبية، والسعي لتكوين جبهة وطنية من جميع الأحزاب والقوى الوطنية الفاعلة للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح وتأييد استقلال السلطة القضائية ..إلخ.
ثانيا: صعود انتخابي مـدوي
كانت الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2005 نقطة فاصلة في العلاقة بين النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين إذ رغم الانتهاكات الخطيرة التي شابت العملية الانتخابية والتي رصدها تقرير مركز سواسية وتقارير المنظمات الأخرى عن نتائج مراقبة الانتخابات وقتذاك فقد تمكن الإخوان من تحقيق فوز كبير تمثل في فوز 60% من مرشحيهم في الانتخابات ودخول 88 نائبا منهم لمجلس الشعب يمثلون بذلك أكبر كتلة معارضة في تاريخ البرلمان المصري، ويشاركون في الوقت نفسه في ظهور الإخوان المسلمين كقوة سياسية كبيرة خلال الأعوام اللاحقة.
وهذا الإنجاز الانتخابي غير المسبوق هو دليل على تأثير الجماعة في المجتمع إلا أنه ينبغي الحذر عند الربط بين الصعود الانتخابي وبين وزن أي قوة اجتماعية أو سياسية نظرا لأنه يثير قضايا تتعلق
أولا: بالمصداقية، وهل يمكن الاستدلال بالمؤشر الانتخابي في عملية الصعود على الساحة السياسية؟
وثانيا: بالكفاية، وهل يكفي هذا المؤشر للدلالة على عملية الصعود السياسية؟ وثالثا: الملائمة، وهل يعطى هذا المؤشر دلائل على أن هذا الصعود يعنى وجود تأثير وفاعلية في المجتمع؟ أم أن المجتمع أراد التعبير عن رغبته في تجربة البديل وعقاب السلطة على استبدادها وفسادها؟
إن الفاعلية الاجتماعية والسياسية هي قضية أبعد بكثير من مجرد مقاعد انتخابية حصلت عليها قوة سياسية معينة في مؤسسة سياسية أو غير سياسية، ويكتسب العمل الاجتماعي والسياسي الفاعلية والتأثير إذا كان مستندًا إلى "مشروع" يؤسس لها عوامل النجاح والصعود، مثلما كان للأحزاب الوطنية قبل ثورة يوليو 1952 مشروع وطني استقلالي اشتبك مع الاحتلال الأجنبي ودحره بالنضال السياسي الجماهيري، أو بالكفاح المسلح...إلخ، مع ضرورة الإشارة إلى أن أي مشروع في الوقت الراهن لابد وأن يأخذ عناوين مثل: الديمقراطية، والتنمية كسبيل وحيد للاستقلال.
وإذا كان الإخوان قد ناضلوا منذ العام 2004 من أجل الديمقراطية والإصلاح فإنهم لم يكونوا حتى هذه اللحظة قد بلوروا مشروعهم الوطني المتكامل أو تبنوا رؤية استراتيجية من أجل الدفاع عنه واجتذاب المجتمع من أجله، وربما يفسر ذلك الإنجاز أن الكتلة الغالبة في المجتمع والتي تحرص السلطة دائما على ترويضها بينما تحرص القوى السياسية الأخرى على استقطابها كواحد من أهداف حركتها السياسية قد تعاطفت مع مرشحي الجماعة وكان بالإمكان أن يؤدي هذا الأمر إلى أن يحقق الإخوان نسبة الثلث في البرلمان وهو ما فطنت إليه بعض المؤسسات الحكومية بعد الإعلان عن نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات فاضطرت إلى إغلاق مقار اللجان الانتخابية ومنع الناخبين من الوصول إليها .
كما يفسر ذلك الإنجاز أن الجماعة تبنت خطابا ثلاثي الأبعاد، الأول: دولي: يشرح أنه ليس هناك ما يمنع من العمل السياسي الديمقراطي والعملية الانتخابية، وصفة الإسلامية لا تمنع أو تعوق من ممارسة الأدوات الديمقراطية. الثاني: للشعوب: أن الدين لا يمكن إهماله في عملية التنمية وهو مستهدف من قوى خارجية وداخلية. الثالث: خطاب للسلطة: أنكم فشلتم في التنمية في إطار الخطط العلمانية والمستوردة التي تسببت في اتساع نطاق الفقر والفساد في البلاد، وبناء عليه فإن الإسلاميين قادمون!.
ورغم عدم ملائمة أجزاء من هذا الخطاب مع الواقع السياسي في البلاد من جهة أنه يؤدي إلى استفزاز النظام وبعض مؤسساته ضد الجماعة إلا أن هذا كله قد ساعد في تعزيز وضع الجماعة في الحياة السياسية المصرية، كما ساعد علي تحولهم إلي قوة المعارضة الرئيسة.
ولكن هذه القوة واجهت تحديين رئيسيين، تعلق الأول بما تعنيه المرجعية الإسلامية علي كافة أصعدة الحكم والاجتماع، في إطار دولة حديثة وفي بلد كبير وبالغ التعقيد. أما التحدي الثاني فيتعلق بوضع الإخوان المسلمين كقوة سياسية والتي ما زالت تعتبر – من وجهة نظر النظام السياسي - حتى الآن قوة غير مشروعة قانونا.
ثالثا: التخويف.. ردود على الصعـود
كان من المفترض أن تدفع نتائج الانتخابات البرلمانية كافة الأطراف إلي محاولة التعامل مع هذين التحديين فمن جهة كان يلزم الاعتراف للإخوان بوضعهم كقوة رئيسة وبحقهم في العمل السياسي الشرعي شريطة أن تنجز الجماعة مشروعا سياسيا لها ومن جهة أخرى كان علي الدولة المصرية أن تبدأ خطوات تصحيح الموقف القانوني للإخوان المسلمين، وتطبيع الحياة السياسية المصرية إذ سيصبح من غير المفهوم إبقاء القوة السياسية المعارضة الكبرى خارج نطاق المشروعية، بينما يصوت المواطنون المصريون لمرشحيها في كل محافظة من محافظات البلاد.
لكن يبدو أن النظام السياسي قد سعى إلى إرسال رسالة للجماعة مفادها أن شيئًا لم يتغير وأن استراتيجية التحجيم والاحتواء ستظل متبعة تجاه الجماعة فضلا عن أنه أطلق حملة تخويف مدروسة عقب الصعود السياسي للجماعة في تلك الانتخابات.
وقد بدأت هذه الحملة الدعائية بمشاركة إعلاميين وليبراليين - مسلمين وأقباط - من أجل التهويل والتضخيم واستخدام النتائج فزاعة للتخويف من قرب وصول الإسلاميين للحكم بما خدم النظام جيدا حيث عمل على تغطية فشله الداخلي والخارجي وروج لفكرة بقاء استبداد قائم نعيش ونعمل في ظله أفضل من استبداد إخواني ديني محتمل في المستقبل لا يطاق!.
وتطورت هذه الحملة بعد مشاركة القيادة السياسية بتصريحات ضد الإخوان في أكثر من مناسبة تعتبر أن الجماعة تسعى لأن تكون بديلاً للنظام القائم وسوف تكون مصر "محاصرة" أو "متناحرة" على غرار النموذجين الفلسطيني والجزائري.
رابعا: احتكار السياسـة .. اعتقـالات وتعديـلات.
ولم تتوقف الأمور عند استعمال الأسلوب الدعائي مع الجماعة حيث لجأ النظام إلى الإسراف في أسلوب الاعتقالات حيث زاد عدد المعتقلين على 1000 مواطن من أعضاء الجماعة بين شهر مارس وشهر ديسمبر عام 2006 رغم أن هذا العام لم يشهد سوى المظاهرات المناصرة للقضاة فقط ثم وصل عدد المعتقلين إلى نحو 2204 شخص خلال العام 2007 بدءا من الاعتقالات التالية على أحداث جامعة الأزهر خلال ديسمبر 2006 (والتي كانت ذريعة ملائمة جدا لتحويل قيادات الإخوان للمحكمة العسكرية وسط حملة دعائية قوية أشرنا لها في موضع سابق).
وفي الوقت الذي بدأت فيه إجراءات المحاكمة العسكرية وزادت وتيرة الاعتقالات شهدت البلاد احتجاجات عمالية كثيرة، وأعربت مختلف القوى السياسية والفكرية عن مخاوفها من سيناريو التوريث وبدلا من أن يعمل النظام السياسي علي بناء علاقات متوازنة مع قوى المجتمع المختلفة فإنه أجرى تعديلات دستورية مثيرة للجدل بعد فترة قصيرة جدا على إقرار قانون جديد للسلطة القضائية اعترض عليه نادي القضاة لأنه لم يأخذ في الاعتبار معظم مطالب القضاة.
وإضافة إلى أن هذه التعديلات لم تقترب من مفهوم تداول السلطة نجد أنها أجهزت على مفهوم المشاركة الشعبية بعد إنهاء الإشراف القضائي على الانتخابات، ولم تعزز من صلاحيات السلطة التشريعية وأبقت على الاختصاصات الضخمة للسلطة التنفيذية كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مطالب فئات هامة في المجتمع مثل القضاة والصحفيين.
ورغم تلك التعديلات الدستورية فضلا عن استمرار الحصار الأمنى والحملات الإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية شاركت جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى يونيو 2007 وانتخابات المحليات أبريل 2008.
ولم تستجب الجماعة لدعوات المقاطعة التي طرحتها بعض القوى والأحزاب السياسية, مؤكدة أن المقاطعة أمر مشروع لكل القوى والتيارات الوطنية ولكنها في ظل الظروف السياسية الصعبة التي تشهد احتكارا للسياسة وتأميما للمشاركة لا تحل المشكلة و الإخوان يحاولون تجاوز الاحتجاج إلى محاولة إيجاد حل.
واعتبر الإخوان أيضا أن الانتخابات تمثل ورشة عمل ضخمة للتدريب على التفكير والإعداد، واتخاذ القرارات، وتنفيذ الإجراءات، ومتابعة الأعمال، وتقييم الجهود والأفراد، وضخّ دماء جديدة في حياة الإخوان.
واختارت الجماعة المشاركة لتوصيل عدة رسائل: أولها: إلى الإخوان أنفسهم: بأن الجماعة وبرغم الضربات الأمنية المتلاحقة ما زالت تتمتع بالقوة والعافية والقدرة على المنافسة،والثاني: إلى الشعب المصري: أن الإخوان أهلٌ للثقة التي حصلوا عليها في 2005 م من جهة، ودعم للتيار المطالب بالحقوق والحريات من جهة أخرى، الثالث: إلى النظام السياسي: بأن التعامل الأمني ليس هو الحل بل هو المشكلة، الرابع: إلى القوى الدولية: بأن الجماعة مصرة على مواصلة التغيير والإصلاح بالأسلوب السلمي والديمقراطي.
خامسا: المحاكمـة .. نتيجة منطقية!
ووسط أسلوب مستمر من الاعتقالات شهدت جامعة الأزهر أوائل ديسمبر 2006 عرضا رياضيا لطلاب الأزهر كان مفاجئا (وصادما) للبعض، فتبارت الصحف والقنوات الفضائية في نقل وقائعه وخلع كل صفات العسكرة والقوة عليه، ما بين «ميليشات»، و «جيوش، و«تدريبات عسكرية» و «شبه عسكرية» و «حرب أهلية»!.
في حين شنت بعض وسائل الإعلام هجوماً عنيفاً، بهدف التمهيد لاتخاذ إجراء فعلي تجاه الجماعة، بعد أن أظهر طلابها «متلبسين» في ممارسة عروض القوة والتشبه بحركات المقاومة في فلسطين المحتلة، وبالفعل لم تمر سوى اثنين وسبعين ساعة، فصلت بين العرض المسرحي، وصدور مذكرة اعتقال طالت 132 عضو في الجماعة، ما بين طلاب وأساتذة وقادة تنظيميين.
وبدأت القضية بمحضر تحريات لا يستند إلى دليل مادي ويتهم قيادات الإخوان بأنهم يعملون على إعادة إحياء نشاط جماعة الإخوان المسلمين ونشر أفكارها ومبادئها وعقد اجتماعات تنظيمية تهدف للتغلغل داخل القطاع الطلابي وعمل المظاهرات وتعكير صفو الأمن وإشاعة جو من الفوضى .. إلى آخر هذه الاتهامات المتكررة!.
وبتاريخ 5 / 2 / 2007 أصدر رئيس الجمهورية قرارًا برقم 40 لسنة 2007 بإحالة موضوع القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا إلى القضاء العسكري.
وبعد حوالي ما يقرب من عام من الجلسات حجزت القضية للحكم يوم 26 فبراير 2008 غير أنها تأجلت إلى يوم 25 مارس ثم 15 أبريل حيث صدرت أحكام قاسية بحق المتهمين.
وتواكب ذلك التأجيل مع انتخابات المحليات التي شاركت فيها الجماعة وتعرضت لحملات أمنية وإعلامية قوية إضافة إلى منع آلاف من مرشحيها من خوض الانتخابات ويمكن القول أن التأجيل يرجع إلى الرغبة في صرف الانتباه عما يجري في انتخابات المحليات من تجاوزات وانتهاكات وخصوصا فيما يتعلق بترشيح المعارضة عموما والجماعة خصوصا للمحليات، وفيما يتعلق باختيار الحزب الوطني لمرشحيه ودلالاته من جهة وإضعاف تأثير الجماعة في المحليات من جهة أخرى وكذلك إضعاف تأثير الأحكام على الرأي العام، من خلال تقليل التعاطي الإعلامي مع القضية من جهة ثالثة فضلا عن أن الأوضاع السياسية والاقتصادية وما يصاحبها من حملات مطلبية لفئات مهنية عديدة قد دفعت للتروي في إصدار الأحكام التي قد تتراوح كالعادة بين الإفراج والإدانة بأحكام مخففة أو قاسية .. حيث إن ثمة مأزق يعانيه النظام يتمثل في ارتفاع الكلفة السياسية والاقتصادية لضرب الإخوان بما قد تنوء به البلاد، خاصة أن النظام يعيش أضعف لحظاته مع تصاعد أزمات الغلاء التي طالت السلع الأساسية ، وكذا توسع حملات المعارضة للنظام وسياساته ودخول قوى غير تقليدية فيها لأسباب مطلبية مثل العمال والمهنيين.
ومنذ البدء في هذه المحاكمة وحتى موعد صدور الأحكام القاسية فيها تمحورت التساؤلات حول أسباب توجيه هذه الضربة القوية للجماعة وطرحت احتمالات متعددة كان أكثرها تشاؤما هو أن هذه الضربة القوية للجماعة ليست سوى مقدمة للقضاء على الجماعة واستئصالها!
وهنا يبرز إجماع على أن هذه العملية غير ممكنة، وأن فشل الضربات التي وجِّهت إلى الإخوان خلال الثمانين عامًا الماضية دالٌّ على عمق حضورها في المجتمع، لكن يبدو أن النظام السياسي يعمل على إضعاف وجود الجماعة وتأثيرها أملا في أن يحدث لها تحلل ذاتي يزيل عنه معضلة البحث عن حل لتوفيق أوضاعها سياسيا، وهو ما تعتبره الجماعة خيالا على اعتبار أن الضربات تقويها ولا تضعفها.
الفصل الثاني: المحاكمة العسكرية فى ضوء تحولات النظام السياسي
فى ظل المعطيات المحلية والدولية، يثور التساؤل عن وضع الإخوان المسلمون فى النظام السياسي وطبيعة العلاقة بينهم ونظام الحكم، وهذا ما يقتضى التعامل تحليلياً مع تركيبة وأداء كل منهما فى سياق المناخ السياسى داخلياً وخارجياً، وذلك خلال الفترة 2000 – 2007 م.
ويتناول هذا الفصل الوضع السياسى فى البيئة المحلية وكذلك البيئة الدولية، اللتين شهدتا محاولات لتطبيق سياسات التحول الديمقراطي والاقتصادي بالإضافة إلي الأزمات السياسية الإقليمية ثم السياسات فى النظام المصرى، وذلك باعتبارها مدخلات تؤثر فى البيئة المحلية.
كما يتناول استمرار الخلاف السياسي بين نظام الحكم و الإخوان المسلمون، فى إطار التنازع على الشرعية السياسية، ومدى تحقق شرعية الإنجاز لدى النظام، حيث أن قدرة نظام الحكم على تحقيق إنجازات سياسية واقتصادية يؤدى لبناء سياسات معتدلة مع المعارضة واحترام القانون، فان كثرة اللجوء للقوانين الاستثنائية هو الوجه المقابل للتعبير عن نقص الشرعية السياسية.
2 – 1 المناخ السياسى فى البيئة الدولية
تعد دراسة المناخ السياسى فى هذا المستوى من العناصر الضرورية لتحليل التوجهات وبناء السياسات ، وذلك من خلال استكشاف التحديات والفرص التى يوفرها النظام السياسى القائم، وأيضا ما توفره البيئة الدولية من إمكانات.
- سياسات التحول الديمقراطى والاقتصادى : بدأ التأسيس لهذه السياسات منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضى ،وخلال عملية تطبيق سياسات التحول السياسى والاقتصادى ثار جدل كثيف حول عدد من المسائل المهمة ومنها ، دور الدولة ، التنمية المستدامة ، الحكم الرشيد، المحاسبة ، الشفافية، وعلى أهمية هذه التوجهات أثيرت أيضاً مسألة مشاركة أو دمج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى ، وكانت قمة النقاش حول هذه المسألة فى السنوات 2002 - 2005 .
وكان من الملاحظ أن المناقشات – رغم تعدد توجهاتها – اتجهت فى غالبها لإدماج الحركات الإسلامية فى العمل السياسى ، غير أن هذا التوجه لم يتحول لقناعات لدى المؤسسات السياسية وظل مسألة جدلية فى داخلها، فعلى مستوى المؤسسات الأمريكية والأوربية ، لم يحسم الجدل بشأن مشاركة الحركات الإسلامية فى السلطة ، ويمكن وصف الجدل هنا بأنه يمثل حالة انقسام يصعب التنبؤ بمآلها ، وخاصة فى ظل تعثر سياسات التحول السياسى والاقتصادى فى العديد من البلدان مثل؛ مصر ، الجزائر ، لبنان ، الأردن ، تونس ، اليمن ، و سوريا ، وذلك إلى جانب ضعف الأداء فى سياسات التحول الاقتصادى أيضاً ، وهو ما يلقى بظلال سلبية على موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى من التحول السياسى فى بلدان الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بمشاركة الحركات الإسلامية فى السلطة.
وقد ارتبطت السياسة الأمريكية المتعلقة بالإصلاح بتفكيك البنية المحتملة لمساندة الحركات الإسلامية، وأسست سياستها على أن تنامي قطاع الشباب وارتفاع المعدلات العالية للنمو السكاني في العديد من الدول الإسلامية يخلق احتياجات تعليمية واقتصادية واجتماعية تلبيها الحركات الإسلامية مستفيدة من عجز النمو الاقتصادي وقلة فرص التوظيف، وهو ما يفرض تهديدًا للمصالح الأمنية للولايات المتحدة، وفى هذا السياق تبذل السياسة الأمريكية اهتمامًا بالمبادرات التي تحسِّن الظروف الاقتصادية للشباب عبر الدوائر المحلية والمنظمات غير الحكومية، وبهذا المعنى فإن السياسة الأمريكية لا تسعى لمعالجة الأزمات السياسية بحد ذاتها، ولكنها تعالجها فى إطار سياسة وقائية لتقويض المصادر المحتملة لـ"الإرهاب".
- تجدد الأزمات السياسية فى المنطقة : هناك أربع أزمات إقليمية تؤثر نتائجها على الأوضاع الداخلية للدول فى منطقة الشرق الأوسط – منها مصر - ، حيث تشمل أبعادها ، ليس فقط العلاقات بين الدول ولكن أيضاً التركيبة الداخلية للنظم السياسية، ومن ثم فإن التعرف على المسار المتوقع لسيرورة الأزمات الأربع ؛ الفلسطينية ، العراقية ، اللبنانية ، ثم الأزمة الإيرانية – الأمريكية ، يساعد فى تحليل شبكة العلاقات الداخلية للنظم السياسية المحلية ومدى انفتاحيتها.
أ- الأزمة الفلسطينية : تعد الأزمة الفلسطينية من الأزمات الممتدة والمركبة ، وفى ظل الأوضاع الحالية يصعب التنبؤ بحدوث تغيرات جوهرية بشأنها ، ويمكن القول أن الوضع الراهن وطبيعة العلاقات بين الأطراف المنخرطة فى الأزمة ، يرجح استمرارها فى المدى المنظور.
وهناك عدة خصائص رئيسية لهذه الأزمة إلا أنه يمكن التركيز على اثنين منها، وهما ، وضع الحركة الإسلامية فى الأراضى الفلسطينية فى ظل البحث عن إطار للتفاوض والتسوية السياسية ودور الإخوان المسلمون فى مصر كطرف مساند للقضية الفلسطينية بشكل عام .
وتكمن أهمية هذا التحديد فى أنه يكشف عن طبيعة العلاقات والتفاعلات بين الأطراف المنخرطة فى الأزمة ، ومدى انعكاسها على المستوى الإقليمى فى التعامل مع الحركات الإسلامية ، فالتوجهات السابقة على مؤتمر " أنابولس" واللاحقة عليه تتقارب ضد الحركات الإسلامية.
ب- الأزمة العراقية : تتكون هذه الأزمة من عاملين ؛ السياسة الأمريكية لبناء النظام الدولى الجديد فى فترة ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ، وسياسة مكافحة الإرهاب ، ومن هذه الزاوية يمكن النظر للأزمة العراقية على أنها أزمة ذات أبعاد دولية تحتاج تسويتها إلى وقت قد يطول. وفى ظل غموض الرؤية الأمريكية تجاه العراق ، لا يتوقع حل أو تسوية للأزمة خلال السنوات الأربعة القادمة ، فرغم مرور خمس سنوات على الاحتلال الأمريكى للعراق ، لم يتم تبلور رؤية سياسية قادرة على تحقيق الاستقرار، ومع استمرار هذا الوضع ، فإن سلم الأولويات الأمريكية سوف ينحاز لحشد الموارد السياسية لمعالجة هذه الأزمة ، سواء بدعم وتفعيل مؤتمرات دول جوار العراق ، أو السعى لتوفير مساندة إقليمية للسياسات الأمريكية .
ج - الأزمة الإيرانية – الأمريكية : تعد الأزمة الحالية بين الطرفين امتداداً لتراكم الخلافات بينهما منذ وقوع الثورة الإيرانية فى 1979 وما ترتب عليه من انقلاب حاد فى النظام السياسى الإيراني .
ورغم عداء الولايات المتحدة إلا أن سياستها لم تحقق نجاحاً يعتد به، وذلك للأسباب التالية :
مرور النظام الدولى بمرحلة انتقالية خلال هذه الفترة ، ترتب عليه انخراط الولايات المتحدة فى الصراعات المحلية والإقليمية فى وسط آسيا والمشرق العربى وشرق أفريقيا. أن النظام الإيرانى لم يظل أولوية أولى فى أهداف السياسة الأمريكية ، فيما حظيت الجماعات الإسلامية السنية المذهب اهتماماً مبالغاً فيه خلال هذه الفترة .
ارتفاع القدرات التفاوضية للنظام الإيرانى نتيجة عاملين ؛ الأول: اختلاف المصالح الدولية بشأن إيران ، الثانى: تعدد أدوات التأثير لدى الإيرانيين وبشكل خاص فى لبنان .
وباستمرار هذه العوامل ، فإنه لا يتوقع الانتقال بالأزمة من مستوى المفاوضات إلى الدخول فى حرب مباشرة ، دون تمهيد الوضع الدولى وتهدئة الأزمات الإقليمية الأخرى .
د- الأزمة اللبنانية : ترتبط الأزمة اللبنانية مباشرة بالأزمتين ؛ الفلسطينية ، والإيرانية الأمريكية ، وبالنظر إلى تعدد الأطراف المنخرطة فيها، يمكن القول أن التوصل لتسوية فى الأزمة اللبنانية – ليس فقط انتخاب رئيس – سوف يكون محصلة تسويات أخرى فى الملف الإيرانى – الأمريكى ، وفى العلاقات السورية – الأمريكية ، ومع تعدد أطراف الأزمة اللبنانية، فإن استمرارها سوف لا ينعكس فقط على هذه الأطراف، ولكنه يمتد ليؤثر فى الأوضاع الإقليمية ، سواء من ناحية التأثير المباشر كما هو فى الحالة الفلسطينية ، أو التأثير على مناعة نظم الحكم ضد التدخلات الخارجية .
2 – 2 البيئة السياسية للنظام المصرى
لدى تناول بيئة النظام المصرى ، فإنه من الضروري وضع عدد من المحددات الكاشفة عن طبيعة السياسات التى اتخذها عبر فترة من الزمن ، وذلك لتحديد شكل تطورها فى المستقبل فى ظل العوامل المحلية والدولية ، وانعكاساتها على قدراته .
- النمط الرأسي للتفاعلات داخل النظام السياسي: يعد هذا النمط هو السائد فى العلاقات بين مكونات النظام السياسى، حيث تسعي السلطة السياسية لتأكيد هيمنتها على العلاقات السياسية هذا من ناحية، كما تعمل على إضعاف الروابط والاتصالات بين القوى السياسية من ناحية اأخرى، وهذا ينطبق بشكل أساسي على طبيعة العلاقة بين كل من أحزاب المعارضة والقوى السياسية من جهة وبين الحزب الوطني والمؤسسات السياسية من جهة أخرى.
وقد مثلت الفترة من يوليو حتى نوفمبر 2005 ـ من حيث الزمن ـ انقطاعاً لهذا النمط ، فقد تشابكت التفاعلات السياسية خلال هذه الفترة ، ولكنها عادت للإطار السابق وبشكل مفاجئ، وهذا ما يثير السؤال التالى: لماذا لم تستطع القوى السياسية او المعارضة بشكل عام الاستحواذ على المكاسب السياسية المتحققة منذ بداية نفس العام وتطويرها ؟
- العلاقات التشابكية المتساندة : يعد هذا النمط هو الحالة المتطورة على النمط السابق ، ويقصد به تعدد التفاعلات المتبادلة بين الفاعلين فى النظام السياسى ومدى تحقيق التحول السياسي، ويكشف فى ذات الوقت عن الفرص التى يتيحها النظام السياسى لحدوث توازن سياسى بين القوى السياسية، ربما هذا ما يفسر لجوء النظام للمحاكمات العسكرية – نتيجة تشابك المصالح، سواء بين النخبة السياسية ومع أفراد من الإخوان المسلمين.
وإذا كان كثير من الدارسين يشيرون إلى أن وجود تشابك فى المصالح بين رجال الأعمال والسلطة ، يؤمن استمرار هذه الأعمال، فإن ذلك يساهم فى تفسير الأسباب التى دعت السلطة لمصادرة الأموال والأملاك الخاصة، رغم التوجه نحو اقتصاد السوق، فهو يكشف عن إرادة السلطة فى وقف انتشار أفراد الجماعة فى الأوساط الاقتصادية والمالية.
- التحول نحو الانغلاق السياسى: يشكل الانغلاق السياسى استراتيجية عمل النظام المصرى ، وهذا لا يعنى الانغلاق على الدوام ، إذ أنه فى فترة ما تحدث سماحية بالتحرك السياسى ، إلا أنها ما زالت – من حيث الزمن – ومضات صغيرة مقارنة بعمر النظام القائم .
ولتقدير مدى انغلاق وانفتاحية النظام القائم ، فإنه يمكننا فعل ذلك من خلال تحليل سلوكه السياسى عبر الفترة 2000 – 2007 ، باعتبارها فترة شهدت حدوث تغيرات بين الانفتاحية والانغلاقية ، وقد اتسمت هذه الفترة بالخصائص التالية :-
• الفقر الشديد فى الانفتاح السياسى شبه الكامل ، حيث اقتصرت على الفترة من أغسطس 2005 حتى نوفمبر من نفس العام، وهى ما تشير إلى أن مسألة الانفتاح السياسى لم تكن مخططة أو تمثل استراتيجية جديدة للنظام .
• رغم وجود بوادر انفتاحية فى بداية الفترة ، إلا أنه تم الانقلاب عليها مع اقتراب نهاية الفترة ، يتضح هذا الانقلاب على سبيل المثال – فى التعامل مع قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى بدأ بتأكيد الإشراف القضائى على الانتخابات العامة ، وانتهى إلى إلغائه وزيادة القيود على الممارسات الانتخابية .
• لعل السمة العامة والتى سادت الفترة ، تمثلت فى التوسع فى فرض قيود على العمل السياسى العام ، وهو ما اتضح فى قانون الأحزاب، وترسيخ دور القضاء الاستثنائى ، فمن الملاحظ على هذه الفترة ، أنها ارتبطت بداية ونهاية بإحالة مدنيين ينتمون للإخوان المسلمين إلى القضاء العسكرى ، وهو ما يعكس طبيعة الثقافة السياسية الإقصائية للنظام القائم .
- السياسات الاقتصادية : يعد انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادى فى ظل غياب مشروع قومى للتنمية ، من أهم التحديات المستقبلية ، لتعدد آثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
ولعله من الأهمية بمكان ، الإشارة أيضاً إلى أن سياسة الخفض السريع للدور الاقتصادى للدولة ، تتم فى ظل عدم نضج القطاع الخاص وعدم وجود مؤسسات رأسمالية وهو القطاع المفترض أن يتحمل الأعباء الاقتصادية للتنمية وبافتراض وجود علاقة طردية بين الدور الاقتصادى للدولة وبين القدرات السياسة لنظام الحكم ، فإنه يمكن إثارة تساؤلات عن كيفية صنع السياسات العامة وكفائة تنفيذها ، ومنها؛ تمويل الخدمات العامة، سياسات الضمان الاجتماعى، ومعالجة المشكلات المزمنة ، الفقر والبطالة . - السياسة الخارجية: نتناول السياسة الخارجية هنا من خلال منظورين ؛ الأول : حيث يمكن تناولها من وجهة استقرار الرؤية السياسية لمصالح الدولة فى الخارج، أما المنظور الثانى فباعتبارها انعكاس للقوة الشاملة للدولة .
هذا الفرز التحليلي يتيح، ليس فقط إدراك حالة ووضع السياسة الخارجية ، بقدر ما يساعدنا فى التمييز بين إمكانات وقدرات المؤسسات الرسمية فى تحديد الرؤية والتوجهات ، وبين فجوة السياسة الخارجية وهى الفرق بين الإمكانات والمصالح الحقيقة وبين السياسات المتخذة فعلياً، وهو ما يمكن التعبير عنه بالإنجازات السياسية التى يحققها النظام فى علاقاته الدولية بشكل يضفى عليه شرعية سياسية على المستوى الداخلى.
وبشكل عام يمكن القول بوجود فجوة فى السياسة الخارجية آخذة فى الاتساع رغم استمرار النظام الحالى لأكثر من ربع قرن ، وقد ظهرت هذه الفجوة فى السياسات الانكماشية تجاه القضايا اللصيقة بمسائل الأمن القومى؛ فى السودان ومنطقة القرن الأفريقى بشكل عام وتراجع المكانة الإقليمية فى المحيطين العربى والمتوسطى، وبهذا المعنى فإن السياسة الخارجية سوف تشهد انكماشاً أشد فى المستقبل أو فى المدى المتوسط ، وهو ما يعنى أن البدائل المتاحة أمام النظام لتبنى سياسة خارجية نشطة تعبر عن موارد الدولة ، سوف تظل محدودة .
لعل المشكل الأهم فى هذا السياق يتعلق بطبيعة إدراك قضايا السياسة الخارجية بما فيها الأمن القومى ، أو بمعنى آخر ماهو ترتيب أولويات السياسة الخارجية لدى النظام الحالى ؟ ومدى الإنجاز الذي تحقق بشأنها؟، بشكل عام يمكن الإشارة إلى أربع مجموعات تمثل عينة من قضايا السياسة الخارجية ، وهى :
• تأمين الدولة ضد المخاطر العسكرية الخارجية ، وهذا الجزء يتعلق بتكوين المؤسسة العسكرية وأيدلوجيتها السياسية والحرية التى تتمتع بها الصناعات العسكرية من الناحية الفنية .
• امتداد مظلة الدولة لحماية مصالحها ومواطنيها فى الخارج ، كتأمين أسواق عمل لفائص القوة البشرية ، والدخول فى اتفاقيات متوازنة لهذا الغرض .
• ارتباط سياسات الأمن الداخلى ( الأمن الغذائى ، الحفاظ على كيان الدولة ، الاستقرار الاجتماعى .. ) بالسياسة الخارجية .
• هيكل العلاقات الخارجية
المجموعة الأخيرة تمثل المؤشر الرئيسى على مدى الحرية التى تتمتع بها عملية صنع السياسة الخارجية ، حيث أن هيكل العلاقات الخارجية يؤثر مباشرة فى القرارات التى تتخذها الحكومات، وهذا لا يعنى إهمال تأثير المجموعات الأخرى ، حيث أن ما نقصده - بالنسبة للحالة المصرية – هو إلى أى مدى تستطيع مصر اتخاذ قرارات تعبر عن مصالحها فى ظل ارتفاع كثافة علاقتها بدولة كالولايات المتحدة أو مجموعة من الدول الأوربية ؟ ، فإن الحديث عن ارتقاء العلاقة مع الولايات المتحدة لمستوى قضايا الأمن القومى لا يعكس إدراك أهمية أو ترتيب قضايا السياسة الخارجية بقدر ما يربط السياسة الخارجية المصرية بالسياسة الأمريكية.
وهذا ما يثير التساؤل عن طبيعة القضايا المشتركة بين الطرفين ، وأيضاً تلك القضايا واتجاهاتها يساعد – فى ظل ضعف مناعة النظام ضد التدخل الخارجى ، وخاصة ما يتعلق بقضايا التحول السياسى والتنمية الاقتصادية ووضع التيارات الإسلامية داخل النظام السياسى .
2 – 3 الوضع السياسى للجماعة
تتناول هذه الجزئية طريقة ومنهج الجماعة فى التعامل مع الوضع السياسى القائم ، ولعل القضية الأساسية التى نسعى إلى تحديدها ، تتعلق بمدى تأثير الجماعة فى الشئون السياسية كواحدة من مفردات النظام السياسى ، ويمكن مناقشة هذه القضية من خلال المحاور التالية :
- الرؤية السياسية للإخوان: يعد هذا المحور الأكثر أهمية من وجهة القدرة على التمييز بين الثابت والمتغير، فإن وضوح هذه المسألة يساعد فى ذات الوقت فى التوصل لقراءة واضحة ومحددة للأحداث السياسية .
وبشكل عام تشكلت رؤية الجماعة فى ثلاث قضايا رئيسية هى ، مرجعية الشرعية الإسلامية، دعم القضية الفلسطينية ، ورفض الإرهاب والعنف ، واستراتيجية المشاركة السياسية ، ومثلت هذه الأخيرة محور العمل السياسى خلال هذه الفترة ، وهو ما انعكس فى التوسع فى الانفتاح على المجتمع .
وفى هذا السياق يمثل الشروع فى كتابة البرنامج السياسي ( برنامج الحزب ) عاملاً مساعدا فى تحديد وتطوير المحتوى المعرفى للقضايا السياسية ، وخاصة فى ظل المناقشات التى أثيرت حول التوجهات السياسية للجماعة أثناء انتخابات 2005 وتلك التى أثيرت حول مشروع البرنامج ، وخاصة ما يتعلق منها بالتعامل مع القواعد والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وكيفية تحويلها لأجل بناء المؤسسات السياسية، ووضع إطار للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الخارجية .
- التوجهات العامة : يمكن تناول هذه التوجهات من زاوية المشاركة السياسية، حيث أنها تعكس مدى الفاعلية السياسية للجماعة، ويضم هذا المؤشر فرص التحالف مع الأحزاب والقوى السياسية ومدى الانتشار فى المجتمع، ويضاف إلى ذلك مدى التكيف مع التغيرات الدولية، سواء فيما يتعلق بشروط التحول السياسي أو التفاعل مع الأزمات الإقليمية أوالدولية.
أما بالنسبة للعلاقات والتحالفات السياسية ، فقد شاركت الجماعة فى " التجمع الوطنى من أجل التغيير " و " الجبهة الوطنية " وأسست " التحالف الوطنى "، غير أنه من الملاحظ أن أى من هذه التحالفات لم يحقق أهدافاً يعتد بها ، ولعل هذا يرجع للتنافر الأيديولوجي ،وتباين القرارات السياسية ، وتذبذب مواقف الأحزاب السياسية بين معارضة الحكومة وتأييدها، وفى منتصف الفترة اعتبرت الجماعة أن الانتشار فى وسط المجتمع استراتيجية رئيسية فى العمل العام .
وعلى المستوى التشريعى تبنى نواب "الإخوان المسلمون" إتجاهاً يهدف إلى إجراء تعديلات على النظام الحالى، بل يدعون إلى التحول إلى النظام الرئاسي ـ البرلمانى، هذا فى الوقت الذى تدعو فيه أحزاب المعارضة – فقط - إلى إجراء إصلاحات سياسية ودستورية تضمن لها هامش من حرية العمل مثل حرية تكوين الأحزاب، وضرورة مساءلة الحكومة والأجهزة التنفيذية على وجه الخصوص، إلا أن تقاطع المصالح بين جماعات المعارضة والذى حال دون نجاحها فى صياغة منظومة موحدة للتغيير، قد جعل الحزب الحاكم يستغل هذا الموقف فى مبادراته الجديدة.
_ نوعية النخبة: ويدخل فى نوعية النخبة مؤشرات مثل ، التأهيل العلمى ، التوجه الأيديولوجي والانتشار الاجتماعى، ووفقاً لهذه المؤشرات يتمتع الإخوان بميزة نسبية مقارنة بالتنظيمات السياسية الأخرى بما فيها الحزب الوطنى، وإذا ما أدخلنا النخبة السياسية ، فإنه يصعب القبول نظرياً باختلال هذه الميزة ، وذلك لاستناد الإخوان كنخبة إلى أساس أيديولوجى يلقى قبولاً اجتماعياً وداخل المؤسسات السياسيةً، وبشكل عام تعد هذه الجزئية من محددات العلاقة التى يعتد بها لدى صناعة النظام لسياساته .
2 – 4 سياسة إصلاح الحزب الوطنى
بدأت هذه السياسة منذ عام 2002 بهدف تطوير الحزب ليكون الداعم الأساسى للسلطة السياسية، وفى هذا السياق عقد الحزب أربع مؤتمرات سنوية لمراجعة تشكيلاته وتوجهاته الأيديولوجية، وركز خطاب الرئيس في المؤتمر السنوي الثالث للحزب على الإصلاحات الداخلية فى الحزب والتي استحوذت علي أغلب مفردات الخطاب، وذلك كمدخل يعكس أهمية تحقيق نجاح ملموس فى الانتخابات التشريعية 2005، بما يشير إلى أن التوجه السياسى للسلطة السياسية يتمثل في إفساح دور للحزب ليكون قاطرة الإصلاح السياسى. وكان هدف هذه السياسة الجديدة هو اعتماد الحزب علي أفراد أكفاء في الانتخابات البرلمانية، بدلاً من السياسة السابقة التي كانت ترتكز علي اعتماد الأفراد علي الحزب وأجهزة الدولة الرسمية من أجل الفوز بالانتخابات.
وترجع أهمية تناول سياسات إصلاح الحزب الوطنى إلى أن تحقيق التحول السياسى يتوقف على مدى تماسك ونضج الحزب الحاكم أو التحالف مع الحكومة، وهنا تصبح الأهمية فى التركيز علي ماهية دور الحزب الوطنى في تقوية نظام الحكم.
- دور الحزب الحاكم في النظام السلطوى:
إن دراسة الطريقة التي يعمل بها الحزب الوطني تقتضى التركيز علي النخبة السياسية للحزب ووظيفتها داخل نظام سلطوي يواجه تحديات، لعل أهمها مسألة خلافة الرئيس مبارك ومسألة الإصلاحات علي المستوي الحزبي.
ولتحليل التطور السياسي للنطام المصرى كنظام سلطوي وفقا لدراسة" ميشيل كامو" وخاصة مفهومه لـ"تقوية الأنظمة السلطوية"، فإن الأنظمة السلطوية تجري سلسلة من التحولات- التي تقدم غالبا علي أنها تحديثاث- بهدف زيادة فاعليتها الداخلية فى السيطرة كحالة مصر، ويعتبر كامو أن ترابط النخبة السياسية المتحالفة مع القيادة أحد العناصر الهامة لتقوية السيطرة وقد أجري الحزب الوطني الديمقراطي مثل الحزب الاجتماعي الديمقراطي في الحالة التونسية علي سبيل المثال, عملية أساسية لضبط سياسات التحالف بينهما بهدف تقوية الحزب والنظام، مما جعل الحزب بؤرة استراتيجيات النظام.
كما قام "جاسون برونلي"، بدراسة ظاهرة السلطوية خلال الموجة الثالثة للديمقراطية للنظامين المصري والماليزي, ودرس دور الأحزاب الحاكمة وأهمية التحالفات في بقاء هذه الأنظمة، وخلص إلى أن المؤسسات تعد الركائز الأساسية التي يعتمد عليها النظام فى الانتخابات، وكذلك على قدرة الحزب الحاكم علي الترويج الإعلامي لأنصاره, ويعتمد احتفاظه بالسلطة والسيطرة, علي ترابط النظام، ومن ثم يشكل الحزب الوطني الديمقراطي, كحزب حاكم ومتحالف مع القيادة عنصرا هاما في استراتيجيات السيطرة التي أقرها النظام.
لقد تركزت دراسة براونلي حول بقاء واستقرار النظام لمصري، علي قدرة حزب السلطة الاحتفاظ بترابطه الداخلي في مواجهة المعارضة وذلك عبر حل الصراعات الداخلية فمنذ نهاية عام 1990 وحتى عام 2002، وهو العام الذي يشكل بداية عصر جديد من التغييرات الكبيرة في الحزب, أصبحت عملية التأثير داخل الحزب الوطني واضحة, فقد عملت علي إثراء النقاش الإعلامي بصورة موسعة, حيث لم يتوقف الصحفيون والمحللون عن التحدث عن الحرس القديم داخل الحزب وفريق الإصلاحيين المتحالف مع جمال مبارك
- انتخابات 2005 مرآة لسياسة إصلاح الحزب :
وهنا تكمن أهمية دراسة انتخابات عام 2005 كممارسة سياسية داخلية بالنسبة للحزب الوطنى وعلاقاته مع القوي السياسية، وكمحرك لصراعات النفوذ بين الكتل الداخلية, وكلها مؤشرات على مدى التقدم في عملية الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
فقد وصف قرار تعديل المادة 76 من الدستور علي أنه خطوة حقيقية في طريق الإصلاح وكنتيجة حتمية للمطالب الداخلية، وفي نفس السياق منذ الإعلان الرسمي للحملة الانتخابية الرئاسية في نهاية أغسطس 2005 ظهرت بعض الإشارات الديمقراطية الجديدة التي أنعشت الحياة السياسية وتدل علي أهمية الإصلاحات الجارية منذ 2002، والتى قادها الحرس الجديد فى الحزب.
ورغم تراجع دور الحرس القديم للحزب الوطني في الإعداد للحملة الانتخابية الرئاسية, فقد أجروا مراجعة لأجل استمرارهم كقياديين فى الحزب والاحتفاظ بمكاسبهم في مجلس الشعب، وفي الحقيقة يبدو أن رموز السلطة استفادوا من فرصة الانتخابات من أجل احتواء جيل الشباب المنافس, بالرغم من افتقادهم إلي المصداقية والدعم الشعبي.
وبالنسبة إلي اختيار مرشحي الحزب للانتخابات التشريعية وإدارة العملية الانتخابية مارس الحرس القديم تأثيره ونفوذه بصورة سلبية وبعنف أحياناً، مما أثر على نتائج هذه الانتخابات, فنجح 145 مرشحا من إجمالى 444 رشحهم الحزب.
وبصورة عامة شكلت الانتخابات التشريعية فرصة لملاحظة حالة التنافس بين القادة داخل الحزب الواحد, وهذه المنافسة ليست بسيطة حيث أنها تشكل " صراعا مباشرا بينهم على السلطة" لم تحسمه الانتخابات التشريعية.
- ترابط النخبة المؤيدة
وفي ديسمبر 2005 , وخلال هذه الانتخابات, وجد الحزب الوطني نفسه في مواجهة واضحة مع المعارضة, من أجل الاحتفاظ بسيطرته عليمجلس الشعب، ومن جهة أخري طبق الحرس القديم فلسفة المحاور داخل الحزب بصورة سيئة منذ بدء العمل بسياسة الفكر الجديد عام 2002, وخاصة خلال المراحل الثلاثة للانتخابات التشريعية، وهو ما يشير إلى ضعف الترابط داخل الحزب واحتمال تفككه, وبالتالي تهديد استقرار النظام.
ووفقا لدراسة جاسون براونلي" عن عوامل استقرار الأنظمة السلطوية, فإن" قدرة الحزب الحاكم علي لعب دور الوسيط بين النخبة والحكومة تعتبر مسألة حيوية في المناخ الغير ديمقراطي حيث أن الاحتفاظ بالسلطة يعتمد علي ترابط النظام "، وعند الأخذ في الاعتبار الوضع الذي يواجهه الحزب الوطني المصري, فإن ثمة تساؤل حول المحددات التي تقود إلي الاختيار ما بين التكامل الداخلى والانشقاق عن الحزب.
ومن أجل احتفاظ القيادات بنفوذهم وإعادة ترتيب وضعهم السياسي, تناول براونلي, الدور المركزي الذي ظهر عبر توافر الفرص داخل أروقة الحزب" والتي " أرضت الطموح الفردي وزادت من الصراع بين الأجنحة المتنافسة". وهذا النمط من الدراسة ملائم لدراسة الأشكال الجديدة التي برزت علي قمة النظام المصري خلال الانتخابات التشريعية.
وفي 31 ديسمبر 2005, ضمت الحكومة الثانية للدكتور أحمد نظيف ثمانية وزراء جدد من بين 30 وزيرا، ومن هؤلاء الوزراء الجدد بعض رجال الأعمال ومؤيدي التحول الاقتصادي وفي بداية شهر فبراير 2006 صرح الرئيس بضرورة" فتح عضوية الحزب" علي كل المستويات خاصة أمام الشباب والمرأة, معلنا دخول 11 عضوا جديدا ينتمون إلي فريق الإصلاحيين إلي الأمانة العامة للحزب، وهكذا أصبح عام 2006 هو عام الانفتاح مع إعادة توزيع الأدوار والتي جعلت الإصلاحيين داخل اللعبة- والتي تبدو كأنها عملية تمكين لجيل الشباب داخل الحزب.
وفي بداية شهر مارس 2006, أعلن أسامة الغزالي حرب, وأحد الأعضاء المنتمين لأمانة السياسات, الاستقالة من الحزب، معلنا أن آماله في الإصلاح فشلت بواسطة الحزب واللجنة التي يديرها جمال مبارك, والتي يري أنها ليست سوي " نادي للمناقشة" في وسائل الإعلام، وقد أعلن "أسامة الغزالي" عقب استقالته أن الحزب عاجز عن إصلاح نفسه وغير قادر علي قيادة البلاد نحو طريق الديمقراطية، وقد اختار هذا الطريق بسبب عملية التوريث داخل الحزب ولذا فضل الاستقالة علي التوريث.
- واقع الانشقاق بين النخبة المركزية والأعضاء المحليين
هل تشير التغيرات الأخيرة داخل الحزب الوطنى أن معسكر الإصلاحيين الذي يقوده الشباب قد تولي عملية القيادة وعلي وشك فرض أجندته؟ في هذه الحالة, لا شيء مؤكد, بالرغم من التأثير الكبير في وسائل الإعلام للجنة السياسات التي يديرها "جمال مبارك".
وبشكل عام يبدو أن الحزب الوطني يعاني حالة من عدم المصداقية خاصة في مسألة التغيير، فضلاً عن ذلك لا يبدو أن فريق الإصلاحيين يشكل جناحا قادراً علي ممارسة تأثير دائم داخل الحزب الوطني.
وحسب التحديد الذي قدمه "كاتز", فهو جناح يتميز في الحقيقة بعلاقات دائمة بين القيادات والأعضاء, فهو جناح منظم علي كافة دوائر الحزب ويمارس دورا قويا علي أعضائه من أجل احترام نظام العضوية، وفي الحالة الحالية يبدو أن جماعة الإصلاحيين وعلي رأسها جمال مبارك لا تتماشي أبدا مع هذا التعريف.
وفي الحقيقة يجب إدراك أن التشكيل الحديث للأمانة العامة للحزب الوطني, تشير إلى أن الحزب لا يتوقف عند حدود تركيبة القيادات علي المستوي الوطني، وأن " الفكر الجديد" مازال منحصرا داخل الإطار المركزي, دون الوصول إلي الوحدات القاعدية في القري والمحافظات حيث مازال الحرس القديم الذي ورث الاتحاد الاشتراكي قائما بصورة موسعة.
وفي ظل هذه الظروف فإن إعادة تشكيل هياكل الحزب علي مستوي المحافظات الذي أعلن في بداية شهر يونيو 2006, يشكل أحد المعطيات المهمة التي يجب دراستها، فهي تتيح لنا أهمية تحديد الاستراتيجية التي تمارسها المراكز القيادية لصالح جيل الشباب.
فضلا عن ذلك, تعتبر أحد المشكلات الكبرى التي يواجهها جيل الشباب اليوم هي مسألة التعبئة الجديدة للنخبة المؤيدة علي المستوي المحلي، فالحزب بحاجة إلي جذب الشباب المؤهل علميا وثقافيا لأجل تشكيل وإعداد نخبة جديدة من المسئولين المحليين للعمل ولاستئناف عملية الإصلاحات.
- المؤتمر العام التاسع وجدوى سياسة إصلاح الحزب الوطنى
رغم عقد الحزب الوطنى لمؤتمره التاسع فى الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر 2007، إلا أن عملية تطويره لما تزل فى بداياتها الأولى ولم تحقق نجاحا ملموسا، يؤهل الحزب لأن يكون حزبا حاكما، وليس حزبا مرتبطا أو تابعا للسلطة، وهذه المسألة تعد ضرورية لحدوث التطور السياسي، إذ أن الانفتاح التنظيمى وحرية الوصول للمناصب القيادية، وتكريس القبول بثقافة التعددية السياسية، وتحسن الأداء السياسى يعد من العناصر الضرورية لحدوث التطور السياسي.
وقد تناول المؤتمر العديد من القضايا التى تتعلق بمسائل الإصلاح السياسى وتطوير الأداء التنظيمى، حيث ظلت هذه القضايا تشغل حيزا مهما فى المؤتمرات العامة للحزب منذ ما يقرب من أربع سنوات، وبالتالى فان التساؤل الهام الذى يطرح نفسه يتعلق بمدى مساهمة التطوير الداخلى فى الحزب الوطنى فى التحول نحو نظام سياسى انفتاحى يرسخ المساءلة والمحاسبة.
أ - الترتيبات التنظيمية فى المؤتمر العام
على خلاف الانتخابات فى المستويات القاعدية تم تشكيل المكتب السياسي والأمانة العامة، وبينما شهدت الانتخابات القاعدية قدرا يعتد به تمثل فى إتاحة فرص للأعضاء فى الترشيح وزيادة حجم العضوية المشاركة فى الانتخابات القاعدية، تم تشكيل المكتب السياسي والأمانة العامة بطريقة أقرب للتعيين، حيث لم تتح فرصة للمؤتمر العام لانتخاب أعضاء المستويين القياديين واختيارهم من بين متنافسين، فقد وافق المؤتمر على الأعضاء الذين رشحهم رئيس الحزب لعضوية المكتب السياسي، كما تم التصويت على أعضاء الأمانة العامة كقائمة واحدة فى ظل غياب قائمة أخرى منافسة.
وكان التطور المهم فى هذا السياق، هو أن المؤتمر العام أنشأ هيئة قيادية عليا والتى تتكون من أعضاء المكتب السياسي والأمانة العامة، وذلك بغرض التكيف مع التعديلات الدستورية المتعلقة باختيار مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية من بين أعضائها، وهذه الهيئة أنشئت دون تحديد اختصاصاتها، وهو ما يكشف ضعف البنية التنظيمية للحزب، فهذه الترتيبات لم تتم مناقشتها داخل الأطر التنظيمية سواء فى المستويات القيادية أو المستويات الوسيطة.
وبالإضافة إلى عدم الوضوح فى الاختصاصات، يترتب على تشكيل الهيئة الجديدة حدوث تداخل بين مستويي العضوية، بشكل يؤدى لإضعاف المكتب السياسي لصالح الأمانة العامة، حيث أن كثرة عدد أعضائها (34 عضوا) مقارنة بعدد أعضاء المكتب السياسي (13عضوا) تهدر الميزة النسبية للمكتب السياسى كأعلى هيئة فى التنظيم الحزبى مما يفقده دوره المفترض فى الرقابة على أعمال الآمانة العامة.
ب - المؤسسية الداخلية
تعد طريقة تشغيل الآليات الداخلية من المسائل الحاكمة فى التطور السياسي داخل التنظيمات السياسية وخارجها، حيث أن تحقق الديمقراطية فى إدارة الشئون التنظيمية، يدفع باتجاه تبني رؤى وسياسات انفتاحية وإصلاحية للنظام السياسي.
وبتحليل عناصر المؤسسية داخل الحزب الوطنى وصولا للمؤتمر العام وتشكيل المستويات القيادية، يتضح حدوث تطورات مهمة يصعب إهدارها أو تجاهلها، كانتظام عقد المؤتمرات السنوية فى السنوات الأخيرة ومحاولة الوصول بالانتخابات للوحدات القاعدية، غير أن مؤشرات فاعلية مؤسسات الحزب ما تزال فى الحدود الدنيا
فكان من اللافت غياب التمييز بين المؤتمر العام وبين المؤتمر السنوي، وذلك من وجهة الإجراءات التنظيمية، فقد تماثلت وظائف المؤتمرات السنوية مع المؤتمر العام وخاصة فى إعادة تشكيل المستويات المركزية، رغم أن هذه الجزئية تعد من مهام المؤتمر العام .
وهذا ما يكشف عن تركز الإرادة السياسية داخل الحزب الوطنى، حيث أنه من الملاحظ خلال السنوات الخمس الماضية والتى تمثل دورة المؤتمر العام، أن ظلت الإرادة السياسية للحزب فى يد الرئيس "مبارك"، وذلك باستثناء محاولات من بعض النافذين داخل الحزب لترسيخ أوضاعهم التنظيمية، غير أن هذه المحاولات لم تسبب إخلالا بهيمنة الرئيس على شئون الحزب وفى تصعيد الأعضاء للمستويات القيادية.
وهذا الوضع لم يلغ أدوار أو مكانة النافذين فى الهيكل التنظيمية للحزب، حيث حدث نوع من التفاهم والتعايش حول سقف الممارسة والأدوار السياسية للقيادات العليا، وبالتالى فان ما شغل النخبة الحزبية خلال السنوات الماضية انصب على الربط بين الارتقاء التنظيمى وبين تعزيز المكانة السياسية فى الدولة، وكان ذلك فى سياق ما يمكن تسميته بتقاسم أكبر قدر ممكن الموارد والقدرات السياسية والاقتصادية فيما بين النخبة المنضوية تحت لواء الحزب الوطنى.
وفى هذا السياق، لم تشهد هذه الفترة تنافسا من قبل النخبة الحزبية على منصب رئيس الحزب، كما ارتبط اختيار أعضاء المكتب السياسي بإرادة الرئيس، ولكن تركز جهدها الأساسي فى تثبيت وتعزيز مواقعها التنظيمية وربطها بالمصالح السياسية والاقتصادية الخاصة.
2 – 5 انتخابات 2005 والواقع السياسي
شهدت الساحة السياسية منذ الإعلان عن تغيير المادة (76) من الدستور والمتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية نشاطاً ملحوظاً تركز أولاً حول عملية صياغة المادة البديلة وما ارتبط بها من نقاش حول السعي لتغيير شامل لمواد الدستور الحالي أو الاقتصار علي تعديل بعض المواد الأخرى خاصة تلك التي لها ارتباط بمحتوى المادة (76)، وثانياً حول انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت في السابع من شهر سبتمبر 2005 م.
وقد حرص النظام خلال الفترة الماضية سواء أثناء الاستفتاء علي تعديل المادة (76) أو خلال انتخابات الرئاسة علي أن يتسم أداؤه بمجموعة من السمات لعل أهمها:
- الحزب الوطنى و الانتخابات الرئاسية:
عكست الانتخابات الرئاسية تنامي الدور الذي تقوم به مجموعة لجنة السياسات داخلالحزب الوطني، حيث كان لها الدور الأكبر في إدارة حملة مرشح الحزب الوطني وخروجها بالطريقة التي ظهرت بها، بل يمكن القول أن جزء كبير من التغيير الذي حدث في مفردات الخطاب السياسي الذي ساد أثناء الحملة يرجع إلي جهود هذه المجموعة التي بدا واضحاً أنها أصبحت علي وشك أن تحسم الأمور لصالحها داخلالحزب الوطني.
وشهدت تلك الفترة اتساع في مساحة التسامح مع الوجود الإسلامي في الحياة السياسية، مع اعتراف متزايد بالقوة السياسية والشعبية للإخوان المسلمون، فقد شاركت جميع القوي السياسية بلا استثناء تقريباً بما فيها الحزب الوطني والشخصيات النقابية في التعبير عن تأثير الإخوان فى الشئون السياسية، فقد تعددت زيارات مرشحين للرئاسة لأيمن نور و نعمان جمعة ومرشحين لمجلس نقابة الصحفيين لمكتب المرشد العام.
- ظروف الانتخابات التشريعية:
تمت العملية الانتخابية في ظل مناخ سياسي شهد مجموعة من التغيرات التي أدت إلي تطورات مهمة في الإطارين القانوني والسياسي، وتعود هذه التغيرات إلي مؤثرين هامين كان لهما دوراً بارزاً في الحياة السياسية في العامين الماضيين، وهما الضغوط الخارجية لتحقيق تحول ديمقراطي، والمطالب الداخلية المتصاعدة لإحداث عملية انفتاح سياسي من النظام علي كافة عناصر البيئة السياسية، بما يؤدي إلي ترسيخ القيم والممارسة الديمقراطية.
وقد عكست الانتخابات التشريعية إلي حد كبير الطريقة التي يتعامل بها النظام مع هذين النوعين من المؤثرات، وحدود عملية التغيير والإصلاح، وطبيعة وحجم القوي المتفاعلة مع وحول هذه العملية والأدوار التي يمكن أن تترتب علي كل منها في المراحل القادمة.
- دور الحكومة فى الانتخابات التشريعية:
يمكن التمييز في أداء الحكومة بين مرحلتين، في المرحلة الأولي كان الخطاب الحكومي ينحو إلى التأكيد على ضمان أجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهذا التأكيد يصل الى درجة التواتر، بشكل يعكس خطابا حكوميا متماسكا، وقد عضدت الحكومة هذا التوجه بتصريحات تفيد بحظر استخدام الوزراء المرشحين لنفوذهم تجاه المؤسسات الحكومية فى الدعاية الانتخابية، كما عكست الصحف الخاضعة لإشراف الحكومة هذا التوجه بشكل واضح، فأشارت التغطية الإخبارية المنشورة عن الحملة الانتخابية الى بعض سمات الحياد الحكومى، ومنها؛ اتساع مساحة النشر، سواء لتغطية دوائر الجمهورية، أو لنشر أخبار تتعلق بمرشحين من مختلف الاتجاهات، واعتبر هذا التوجه مختلفاً عن الانتخابات السابقة، بالإضافة إلى الحياد النسبى للمحتوى الإخباري عن المرشحين والدوائر.
وإزاء الأداء غير المتوقع لمرشحي الإخوان، ونجاح الجماعة في الفوز بـ 34 مقعداً في المرحلة الأولي، و13 مقعداً في الجولة الأولي من المرحلة الثانية، حدث تغير في الأداء الحكومي باتجاه تكثيف الضغوط والتدخلات الحكومية للتأثير في العملية الانتخابية بشكل يساهم في زيادة عدد مقاعد الحزب الوطني، ويوقف زحف النتائج الجيدة لمرشحي الإخوان.
وقد تخلي الإعلام الحكومي عن حياده بشكل تام، وأصبح مهاجماً للإخوان بصورة مكثفة، عكست رغبة النظام في التأثير علي إرادة الناخبين فكرياً وذهنياً قبل الوصول إلي مرحلة التأثير المادي، واستخدم النظام التدخل الأمني المكثف في الدوائر التي يوجد بها مرشحين للإخوان والمعارضة، وتنوعت صور التدخل؛ من منع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم، والتوسع في الاعتقالات، إلي الغلق التام للجان الانتخابية، وقد شهدت المرحلة الثالثة وقوع عدد من القتلي كنتيجة لاستخدام الشرطة المفرط للقوة.
- العنف الحكومى ضد الإخوان المسلمين:
قبل انتهاء الانتخابات التشريعية، تعرض الإخوان المسلمون لحملة اعتقالات طالت الناشطين فى العملية الانتخابية، وذلك بادعاء ممارستهم "البلطجة"، ولم يتوقف العنف الحكومى عند هذا الحد، بل بدأت سلسلة جديدة من الاعتقالات بدأت فى شهر مارس 2006، ويرى "الإخوان المسلمون" أن العنف الحكومى ( الاعتقال وإساءة استغلال الحبس الاحتياطى)، يرجع إلى رغبة الحكومة تقويض الإنجازات التى حققها الإخوان المسلمون فى الانتخابات التشريعية.
وقد بلغ العنف الحكومى مدى غير مسبوق ، حيث اتخذ إجراءات تعسفية ضد قيادين من الإخوان المسلمون، وذلك بضمهم لـ " قضايا أخرى" أثناء قضائهم عقوبة الحبس الاحتياطى، كما حدث فى قضيتى "مركز الدراسات"، وتنظيم "مرسى مطروح"، حيث أدرج عشرة من المحبوسين على هاتين القضيتين.
- نتائج الانتخابات:
أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية عن فوز مرشحي الحزب الوطني بنحو 33 % من إجمالي مقاعد المجلس، وفوز الإخوان بنحو 20 % ، وتعكس هذه النتائج واقع الحياة السياسية المصرية، إذ أدت الهيمنة المستمرة علي مدي الخمسين عاماً الماضية من قبل الدولة علي مجمل مفردات العملية السياسية إلي حدوث ضمور لدي كافة الأحزاب والقوي السياسية.
فالحزب الوطني لم يعتد الدخول في منافسة انتخابية حقيقية، ورغم ما شاب المرحلتين الثانية والثالثة للانتخابات من التدخل لصالح مرشحي الحزب، إلا أن قائمة الحزب المعلنة قبل بدء الانتخابات فشلت في الحصول علي الأغلبية، مما دفع الحزب للجوء إلي أسلوب ضم المستقلين الناجحين إلي هيئته البرلمانية لتأمين الحصول علي أغلبية الثلثين.
ووفقاً للنتائج يعد الحزب الوطني هو أبرز الخاسرين في هذه الانتخابات، فبالإضافة إلي انخفاض عدد المقاعد التي حاز عليها، خسر الحزب عدد من رموزه الذين فشلوا في تحقيق الفوز أمام مرشحين غير معروفين علي المستوي الوطني أغلبهم من الإخوان المسلمين.
وهو ما يرجع إلى وجود صراعات داخل الحزب، إلا أن الشكل الذي ظهر به أداء الحزب في الانتخابات يؤكد وجود مشاكل هيكلية أكبر بكثير من مجرد صراع بين جناحين، كما لم يكن أداء أحزاب المعارضة أحسن حالاً من الحزب الوطني، إلا أن هذه الأحزاب يمكن أن ترجع ضعفها إلي الإجراءات والقيود التي مورست ضدها طوال العقود الماضية.
2 – 6 التحول نحو السلطوية
رغم الخطوات الانفتاحية التي اتخذها النظام خلال فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية، إلا أنه فى فترة ما بعد الانتخابات التشريعية فى نوفمبر 2005 أخذ فى العودة مرة أخرى لسياساته التسلطية ومن المؤشرات التي تدل على ذلك ما يلي:
- الحراك السياسي للمعارضة
هناك على الساحة السياسية – غير الحزب الوطنى الحاكم – من تقدم برؤية إصلاحية، مثل "الإخوان المسلمون" ونادى القضاة، والذى مارس دورا مهما فى المطالبة باستقلال القضاء، وجماعات مدنية أخرى، وكذلك الأحزاب اليسارية، كل هذه الجماعات والهيئات عبرت وبوضوح عن آرائها فى الدستور وبدرجات متفاوتة من التفصيل.
كذلك دعت جماعة الإخوان المسلمون فى مبادرتها التى أعلنتها عام 2004، وقبل إنتخابات عام 2005، إلى المزيد من التغييرات الجذرية؛ مثل التحول من النظام الرئاسى إلى النظام البرلمانى.
أ. قانون السلطة القضائية: وفيما يتعلق بقانون السلطة القضائية طالب الإخوان بتوفيرَ الاستقلالِ الكاملِ للسلطةِ القضائيةِ، باعتبار أن ذلك يعد أحدُ أهمِّ سماتِ الديمقراطيةِ الحقيقيةِ في المجتمعات المتقدمة، وهو ما تحرصُ عليه هذه المجتمعات ضمانًا لنهضتها ورقيِّها، فضلاً عن قدرتِها على مواجهةِ التحدياتِ الداخليةِ والخارجية.
لذلك كان من أهم مطالب "الإخوان المسلمون" والقوى السياسية والوطنية في مصر بالنسبةِ للإصلاحِ السياسيِّ هو ضرورةُ صدورِ قانونِ استقلالِ السلطةِ القضائية، والذي صاغه وطالب به نادي قضاة مصر.
ب. التعديلات الدستورية والحراك السياسي: مع عقد المؤتمر "الرابع "للحزب الوطنى ظهر توجهان إزاء تعديل الدستور، أحدهما يذهب للمطالبة بتعديل بعض المواد، فيما يذهب الآخر للدعوة لصياغة دستور جديد، فالتوجه الأول دعا لتعديل بعض مواد الدستور ويتبنى هذا التوجه غالبية الأحزاب والقوى السياسية، وخاصة أحزاب ؛ الوطنى، التجمع، والناصرى، إلى جانب جماعة "الإخوان المسلمين، وتتوافق رؤية هذه الأطراف حول التعديلات الدستورية المرغوب فيها إلى حد كبير، وهى تتناول خفض صلاحيات رئيس الدولة، لحساب السلطتين؛ التشريعية، والقضائية، وبما يؤدى إلى تقليل الاختلال فى العلاقة فيما بين السلطات.
ورغم توافق التوجه العام لهذه الأطراف – باستثناء الحزب الوطنى - نحو الأهداف من تعديل الدستور، إلا أن ثمة خلافا فيما بينها دار حول نقطتين؛
2. مدى التعديلات التى يمكن إجراؤها على الدستور، وبهذا المعنى فإن الخلاف انصب بشكل أساسى على المواد المشمولة بالتعديل، فبينما رأت الأطراف المعارضة والمنظمات المستقلة، أن المواد المشمولة بالتعديل، هى تلك التى تتعلق مباشرة بصلاحيات الرئيس كالمادة (74) على سبيل المثال، ركز الحزب الوطنى على مواد أخرى أقل أهمية بالإضافة إلى مواد أخرى لا تتعلق باختصاصات رئيس الدولة. 3. أما النقطة الثانية، فتتعلق بتوافر الضمانات لإجراء تعديلات حقيقية وجوهرية تؤدى للإصلاح السياسى، ولهذا طالبت القوى السياسية بالمشاركة فى طرح وصياغة التعديلات، وتجنب الأخطاء التى صاحبت تعديل المادة (76).
أما التوجه الثانى فتبنى إلغاء الدستور الحالى وكتابة دستور جديد ومثله حزبا "الوفد" و "الجبهة الوطنية " تحت التأسيس، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الصغيرة، وتستند رؤية هذه الأطراف حول الدعوة لدستور جديد إلى سببين ؛ أن الدستور الحالى – بإطاره المرجعى والفلسفى – لا يتوافق مع الظروف الراهنة، والتى تشهد إختلافاً عن تلك الفترة التى شهدت صياغته، ومن ثم فإن هناك ضرورة لإعادة تشكيل قواعد النظام السياسى، كما أن خبرة التعديلات، سواء فى الدستور أو القوانيين، تكشف عن الرغبة فى تكريس السلطة وتدعيم الاستبداد، وقد أشير فى هذا الصدد إلى تجربتى المادة (76) ورغبة الحكومة فى إصدار قانون مكافحة الإرهاب كبديل عن حالة الطوارئ.
ج. الوضع داخل الحزب الوطنى بشأن التعديلات: رغم عقد المؤتمر الرابع للحزب الوطنى، ورغم إعلان الرئيس عن إجراء تعديلات دستورية فى الدورة المقبلة لمجلس الشعب، إلا أن اتجاهات التعديل لم تكن واضحة.
ففى أثناء جلسات مؤتمر الحزب الوطنى، أشير بحسم إلى أنه لا يمكن تغيير الدستور، لأن الدولة ليست مستقلة حديثاً، أو فى حالة ثورة أو انقلاب، وكانت هذه النقطة المدخل نحو الحديث عن التعديلات المرغوب فى إجرائها، وتضمنت الاقتراحات، إعطاء دور تشريعى لمجلس الشورى، وإلغاء جهاز المدعى العام الإشتراكى، وحق مجلس الشعب فى تعديل الموازنة، وسحب الثقة من الحكومة،...... ، .
- بداية التراجع عن التحول السياسي
بينما لم يقدم المؤتمر السنوى الرابع للحزب الوطنى طرحا فكرياً جديداً، يعتبر خطاب الرئيس أمام الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب و الشورى (26 نوفمبر 2006)، محدداً للسياسات التى سوف يتبعها النظام تجاه الأطراف السياسية الأخرى، إذ أشار الرئيس إلى أن استمراره فى الحكم ترتبط بقدرته على العطاء ، وثارت فى تلك الفترة تعليقات ذهبت إلى أن تقييد مدد الرئاسة سوف لا يكون مطروحاً فى التعديلات الدستورية.
وقد لازم هذا الخطاب الإعلان عن الرغبة فى تعديل المادة (76)، بحيث تتيح الفرصة للأحزاب للتقدم بمرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، بغض النظر عن نسبة تمثيلها فى المجالس المنتخبة، وهذا الإعلان جاء فى سياق سعى الحكومة لوضع موانع لترشيح المستقلين، كوسيلة لمنع ترشيح المنتمين لـ "الإخوان المسلمون" وغيرهم.
ومن بين القضايا التى طرحت فى التعديلات الدستورية، التخفيف من الشروط الموضوعة للترشيح للانتخابات الرئاسية، ومنح مزيد من الصلاحيات للسلطة التشريعية، وتغيير نظام الانتخابات البرلمانية، وفى هذا السياق تقدم "مبارك" بخطوات تفصيلية لبعض التعديلات، كما أن الحزب الوطنى الحاكم سوف يقوم بإدخال تشريعات فعلية فى الفترة القليلة القادمة ضمن حزمة التشريعات الإصلاحية التى بدأت منذ عام 2005، ولكن على الرغم من أن الحزب الوطنى من البداية قد يتقدم بإصلاحات ذات دلالة فى مجال الحريات السياسية، إلا أن ما قدم فى مجال التشريعات كان أقل بكثير.
- رؤية النظام للتعديلات الدستورية
وقد ألمح مبارك فى خطابه الذى وجهه إلى البرلمان إلى أن التعديلات تهدف إلى إعادة تشكيل النظام السياسى فى الحقبة الجديدة، قائلاً إنه بالرغم من أن آثار هذه التعديلات قد لا تكون واضحة للجميع على المدى القريب، إلا أن تداعياتها سوف تظل عقوداً عديدة، كذلك فهمت هذه الخطوة على أنها تهدف إلى احتواء المعارضة المصرية ، وتعميق الانقسامات بين"الإخوان المسلمون"، وأحزاب المعارضة العلمانية.
- الانتخابات الرئاسية والمادة (76)
إذا كان الحزب الوطنى قد قام بتعديل المادة (76) من الدستور لأول مرة عام 2005، فإن دعوة الرئيس "مبارك" للمزيد من التعديلات فى نفس المادة، وضعت الحزب الوطنى فى حرج شديد، فعلى الرغم من أن الأحزاب الرسمية قد سمح لها بترشيح شخصيات من أعضائها لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2005، إلا أن المعايير التى وضعت فى انتخابات لاحقة كانت معجزة بحيث لا يستطيع أى من الأحزاب باستثناء الحزب الوطنى، أن يوفى بهذه المعايير والشروط فى الانتخابات القادمة، والتى سيحين موعدها عام 2011، وربما قبل ذلك.
وبالطبع فإن الحزب الوطنى كان قد أرسى هذه المعايير لإقصاء جماعة "الإخوان المسلمون" عن تقديم مرشحين، وليس لأنه يخشى منافسة جادة من أى من الأحزاب القائمة، وها هو "مبارك" يطلب من البرلمان الآن أن يتوسع فى الشروط التى تسمح للأحزاب حتى التى ليس لها تمثيل فى البرلمان أن تشارك فى إنتخابات عام 2005.
لكن الشروط التى تسمح بمرشح مستقل فى الإنتخابات الرئاسية سوف تظل تعجيزية حتى لا تسمح لـ "الإخوان المسلمون" بموضع قدم فى الانتخابات الرئاسية، ولذلك فإن تعديل المادة (76) بشكل يسمح للأحزاب القانونية بالاشتراك فى الانتخابات الرئاسية سوف يترك أمام "الإخوان المسلمون" عدة خيارات؛ فإما أن تحاول أن تؤسس لنفسها حزباً،أو أن تقيم تحالفاً مع حزب قائم، أو تقدم مرشح مستقل فى قائمة المرشحين للرئاسة.
- تغيير النظام الانتخابى وتأكيد حظر الأحزاب الدينية
كما طرح "مبارك" إقتراحاً بتعديل الدستور كى يمنح البرلمان القدرة على تغيير نظام الانتخابات البرلمانية، والحزب الوطنى الحاكم من أنصار التحول من النظام الفردى إلى نظام التمثيل النسبى( أو ربما نظاماً خليطاً يسمح ببعض التمثيل الفردى)، مبرراً تلك الرؤية بأنها ستزيد من فرص الأحزاب السياسية والمرأة، وفى نفس الوقت، دعا "مبارك" إلى إضافة فقرة إلى المادة (5) من الدستور ( والتى تعرف مصر بأنها دولة متعددة الأحزاب)، لتفرض حظرا على إقامة أحزاب على أساس الدين أو الجنس أو النوع، ومثل هذا الحظر على الأحزاب الدينية موجود فى قانون الأحزاب السياسية (القانون 40 لسنة 1977) ، وبالطبع فإن مصلحة الحزب واضحة فى منع "الإخوان المسلمون" من إنشاء حزب. وفى الواقع أدت تصريحات الرئيس "مبارك" الخاصة بحظر إقامة أى حزب على أساس دينى، إلى تضييق الخناق على "الإخوان المسلمون"، مما وضعها أمام عدة خيارات صعبة.
فالحزب الوطنى لديه سببان رئيسيان من الدعوة إلى تغييرات فى النظام الانتخابي، والذى سيعيد مصر إلى نظام شبيه بما كان سائداً فى التسعينات والثمانينات، السبب الأول هو أنه بتلك التغييرات سوف تقلص –وبشكل كبير – الفرص أمام "الإخوان المسلمون" والتى تتلاءم جيداً مع النظام الفردى حيث أنها ستدفع بمرشحين مستقلين مما يجعلها مؤهلة للفوز بأكثر من 60 % من المقاعد التى تنافس عليها عام 2005، رغم تدخلات قوات الأمن فى العملية الإنتخابية.
وثانى الأسباب التى دعت الحزب الوطنى لإجراء تغييرات فى النظام الانتخابى، هو أن الحزب كان أداؤه سيئاً فى إنتخابات 2000- 2005 البرلمانية، كما خسر فى دوائر كثيرة أمام المرشحين الذين تركوه، وتقدموا للترشيح كمستقلين، والذى رحب الحزب بعودتهم إليه بعد الانتخابات – حيث كان الحزب فى حاجة إلى مقاعدهم لضمان الأغلبية.
ولذلك فإن النظام النسبى أو نظام القائمة سوف يسمح للحزب الحاكم بإعادة الانضباط الحزبى داخل صفوفه.
- القمع الحكومى للمتضامنين مع القضاة
ولم يقتصر العنف الحكومى علي الإخوان بل تعداه إلي فئات أخرى من الشعب خاصة في تعامله مع مسألة قانون السلطة القضائية، حيث تعرض المتضامنون مع القضاة لحملات مطاردة واعتقال شارك فيها 20 ألفاً من أفراد الأمن المركزى، لدرجة وصلت لضرب ومطاردة القضاةً، هذا فضلاً عن تقديم إثنين من القضاة لمحاكمة تأديبية بسبب مواقفهم من الانتخابات التشريعية.
- التدخل فى الانتخابات العمالية والطلابية
وكان من اللافت أن السياسة الحكومية تجاه الانتخابات الطلابية والعمالية، اعتمدت قاعدة إستبعاد غير الموالين، والتركيز على فوز المرشحين بالتزكية، وقد لازم هذه السياسة أعمال عنف فى مواجهة المرشحين فى قطاعى الطلبة والعمال بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.
واتبعت الأجهزة الحكومية طرق وأساليب قانونية - بدلا من أسلوب القبض والاعتقال - والتي تعتمد على عدم منح المرشحين إيصالات معتمدة، تثبت تقدمهم لخوض الانتخابات، وظهر ذلك جليا في الانتخابات الطلابية كما دفعت عشرات الطلاب للطعن في زملائهم المرشحين، واستبعادهم من القوائم، وتوقيع عقوبات استباقية على جميع الطلاب الناشطين.
وفرضت قوات الأمن حصاراً حول الجامعات والتي لم تمنع الطلاب من تنظيم مظاهرات في عدد منها، ولكنها كانت تحمل رسالة قوية إلى الطلاب عموما والناشطين على وجه التحديد بأن ما هو مخطط له سيتم فلا داعي للاحتجاج!
وعقب يوم التصويت الذي كان بمثابة يوم عادي في الجامعات خرجت التصريحات الحكومية بأن الطلاب شاركوا، وأن الانتخابات جرت بنزاهة، ومن الأمثلة على ذلك تصريحات رئيس جامعة القاهرة لوسائل الإعلام بأن الجامعة لم تتدخل في استبعاد أي طالب، ولكن كان هناك شروط يجب توافرها!! وتأتى إساءة الحكومة لمسألة "طلاب الأزهر"، فى سياق حملة شاملة لأجل إضعاف المعارضة، ومؤسسات المجتمع المدنى، وكان من نتيجة هذه الحملة، إضعاف الأحزاب السياسية، حتى تلك التى تعمل على الأرضية الفكرية للحزب الوطنى، كحزبى "الغد"، "الوفد".
ويشير السلوك اللاحق فى تعامل النظام مع قضية "طلبة الأزهر"، إلى أنه يتبنى أسلوب المكافحة الشاملة، ويتضح ذلك من تعدد الوسائل المستخدمة فى التعامل، بداية من وسائل الإعلام العامة والخاصة، وإصدار جامعة الأزهر لقرارات من شأنها تقييد النشاط الطلابى، وفرض رقابة مباشرة على الأساتذة، ومراجعة مناهج التدريس.
- الترويج للتعديلات الدستورية
وفى الوقت الذى يعصف فيه النظام بالمعارضة، وبالإخوان على وجه الخصوص، يسعى للترويج للتعديلات الدستورية من وجهة أنها تتوافق مع الأجندة الدولية فى محاور؛ المرأة ، النظام الاقتصادى، ومكافحة الإرهاب، وباعتبارها من العناصر الأساسية للأجندة الدولية، ويبدو أن الهدف هنا يكمن فى طرح النظام الحالى كبديل وحيد أمام الأطراف الخارجية، باعتباره مؤهلاً لتنفيذ بعض مطالبهم فى عملية التحول السياسى، ومؤهلاً كذلك فى التعاون معهم لتحقيق مصالحهم الإقليمية.
2 - 7 اعتقال قيادات الإخوان وإحالتهم إلى القضاء العسكري
قد تكون العملية الأمنية التى استهدفت إغلاق شركات مساهمة وفردية مملوكة لأفراد منتمين لجماعة "الإخوان المسلمون" فى ديسمبر 2006، آتية فى سياق العلاقة بين الطرفين، غير أن السياق العام للوضع السياسى فى مصر، يمكن أن يعطى مؤشراً على الصورة الكلية لشبكة العلاقات بين عناصر النظام السياسى، وخاصة ما يتعلق منها بتصور نظام الحكم لدوره ووضع العناصر الأخرى، ولعل الدلالة الأهم لهذه العملية، هى ما يتعلق بنوعية النخبة المستهدفة، من حيث المستوى التنظيمى والنطاق الجغرافى ؛ داخل وخارج مصر، وهو ما يعكس شدة الأزمة فى العلاقة بين الطرفين.
وقد جاءت هذه العملية في سياق عدد من الأحداث وهي :
أ ـ نتائج الانتخابات الطلابية والعمالية :
فبعد إجراء الانتخابات الطلابية والعمالية، اشتدت النزعة نحو تكوين اتحادات مستقلة في الجامعات والنقابات العمالية، وكان هذا التوجه أكثر وضوحا في الجامعات، فقد أجريت انتخابات " الاتحاد الحر " في حوالي 12 جامعة وصولا إلي انتخاب أمين اتحاد الجمهورية، وقد لازم مراحل إجراء انتخابات " الاتحاد الحر" تغطية إعلامية ملموسة.
ورغم عدم تبلور التوجه ذاته في النقابات العمالية، إلا أن الأزمات المتكررة بين قطاع العمال والحكومة ، تقضي علي شرعية الانتخابات العمالية، ومن هنا يمكن القول، أن ما يثيره نموذجا الطلاب والعمال، يتعلق بحالة تنازع علي الشرعية السياسية مع الحكومة، وهذه المسألة ـ كما عبر عنها الخطاب السياسي للحكومة ـ تعد من مسائل سيادة الدولة وسلطة الحكومة.
ب ـ التحضير للتعديلات الدستورية
هذه الجزئية تعد مهمة من وجهة الإعداد لعلاقات جديدة داخل النظام السياسي، وبالتالي فإن الفكرة التي تذهب إليها الحكومة هي أن التحكم في وضع مدخلات( قواعد ) النظام، يزيد من قدراتها السياسية في مواجهة الأطراف الأخرى.
ورغم حديث المسؤولين في الحكومة عن التشاور مع القوى السياسية قبل إقرار التعديلات الدستورية، إلا أن الخبرات السابقة في تعديلات الدستور والقوانين، تضعف مصداقية تصريحات المسؤولين الحكوميين.
ج ـ العلاقات الخارجية
علي المستوى الخارجي هناك ملاحظة مهمة، وهي أنه بينما يتراجع التأثير الإقليمي للنخبة السياسية، تزداد حاجة الولايات المتحدة إلي مساهمتها في تهدئة بعض مناطق التوتر، وخاصة في فلسطين.
من هذه الوجهة، لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي في ظهور مناطق توتر أخرى، ولذلك فإن التجاوزات الحكومية ضد المعارضين، قد لا تلقى اعتراضا في هذا الوقت.
أما فيما يتعلق بالمتغيرات الخارجية، فإن الاتجاه العام لسياسات النظام والقوى الدولية، يتراوح بين التحول الديموقراطي ومكافحة الإرهاب، هذا الوضع يوفر في الأجل القصير فرصة للنظام الحاكم، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، حيث يعمل علي انتهاز هذه الفرصة لتطوير قدراته السياسية وطرح نفسه كبديل وحيد أمام القوى الخارجية.
د. الإصلاحات الداخلية كمؤشر على الإنجاز السياسي
ورغم المحاولات التى بذلت خلال الفترة بين المؤتمرين العامين الثامن والتاسع (2002 ـ 2007) لتطوير الحزب تنظيميا وفكريا، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق نقلة نوعية ترسخ قواعد الهيكل التنظيمى وتعزز المكانة السياسية للحزب، سواء فى علاقته بكل من الدولة و الحكومة، أو فى علاقته بالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية الأخرى.
1. تطور علاقة الحزب بالدولة والحكومة: استقرت السياسات التنظيمية خلال هذه الفترة على إعادة تنظيم النخبة فى المستويات العليا وتوزيع الأدوار عليها، فيما لم تتضح سياساته لإنتاج النخبة الحزبية، وقد انعكست هذه السياسة فى الثبات النسبى لشاغلى المناصب القيادية، وذلك إلى جانب تنامى الدور والمكانة السياسية لأمانة السياسات داخل التنظيم الحزبى واستقطابها لبعض النخب السياسية.
وعلى مستوى علاقة الحزب الوطنى بالدولة والحكومة، لا يعد مدى تداخله معهما المدخل الوحيد لتفسير أدائه السياسى، ولكن يمكن الاعتداد بالإنجازات التى حققها وفاعليته السياسية كمدخل مهم فى التفسير، ولذلك فان تحقيقه للأهداف التى وضعها خلال هذه السنوات ـ وخاصة ما يتعلق منها بالجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ـ يعد مؤشرا على توافر المؤسسية الداخلية، وهو ما يؤهل الحزب الوطنى للاعتماد على موارده الخاصة ويرفع من قدراته على محاسبة الحكومة.
فقد كان اتجاه العلاقة بين الحزب الوطنى وكل من الدولة والحكومة ـ خلال هذه الفترة ـ أكثر تداخلا وارتباطا، حيث ظل أكثر اعتمادا على الدولة والحكومة، وتمثل ذلك فى إساءة استخدام موارد الدولة و إمكاناتها لأجل فرض هيمنة السلطة السياسية على مؤسسات الدولة، فاذا ما أخذنا العلاقة بين الفاعلية السياسية للحزب الوطنى وبين شدة تدخل السلطة السياسية فى الانتخابات التشريعية، يمكننا الوصول إلى نتيجة مفادها؛ أن الحزب الوطنى سوف يكون أكثر اعتمادا على مؤسسات الدولة، وهذا ما يمكن أن يتضح من خلال: ـ
أ. تدهور الأداء الانتخابى للحزب خلال هذه الفترة، وذلك إذا ما أخذنا فى الاعتبار أداءه الانتخابى فى انتخابات مجلس الشعب 2005 و انتخابات مجلس الشورى 2007، حيث زادت شدة الاعتماد على الأجهزة الأمنية.
ب. أن السلطة السياسية توفر للحزب الوطنى مظلة تشريعية حمائية ضد الدخول فى منافسات حقيقية مع الفاعلين السياسيين الآخرين، والملاحظ أن التشريعات والتعديلات الدستورية التى صدرت خلال هذه الفترة ركزت على جانبين؛ الأول : توسيع الفرص أمام المتنفذين داخل الحزب للجمع بين السلطة والثروة، والثانى: التوسع فى استخدام كوابح النشاط السياسي، وخاصة ما يتعلق منها بتعزيز القيود على الترشيح لمنصب رئاسة الدولة، والسعى لتشريع قانون لمكافحة الإرهاب يقيد الحريات العامة.
2. العلاقة مع الأحزاب والقوى السياسية: تشهد العلاقة بين الحزب الوطنى و الأحزاب الأخرى حالة انقطاع ممتدة ، وذلك باستثناء فترات محدودة شهدت وجود علاقة اتسمت بالطابع الانتهازى، فقد سعى الحزب الوطنى لإجراء حوار مع بعض أحزاب المعارضة واستقطابها لفرض عزلة سياسية على جماعة الإخوان المسلمون، كما قام بحملة دعائية مورست خلالها ضغوط على الاحزاب لأجل المشاركة فى الانتخابات الرئاسية.
وقد رسخت التعديلات الدستورية والتى أجريت فى ابريل 2007 هذا النمط من العلاقة، وذلك من خلال إصدار القوانين المقيدة للحريات السياسية والمقيدة أيضا للمشاركة السياسية، حيث تعد هذه القيود جزء من المظلة الحمائية التى توفرها السلطة السياسية لأحد أطراف العمل السياسي.
3. التعبئة لمصلحة السلطة: تقوم السياسات العامة للحزب الوطنى على التعبئة السياسية، فمن خلال التحليل السابق، يتضح أن الفلسفة العامة لشكل التنظيم وإدارته تقوم على توسيع العضوية وإجراء الانتخابات على بعض المستويات التنظيمية لأجل توفير الإسناد السياسى للنخبة القيادية ثم توظيف الكيان الحزبى لمصلحة السلطة السياسية، وهذه العلاقة أقرب لعلاقة التابع بالمتبوع والتى يمكن من خلالها استكشاف طبيعة المصالح المتبادلة فى إطار شبكة العلاقات داخل النخبة السياسية.
كما تكشف فى ذات الوقت عن حجم المصالح التى يحققها أعضاء النخبة الحزبية فإلى جانب نركيز أعضاء بعض النخبة الحزبية على مصالحهم، استطاعت السلطة السياسية توظيف ممثلى الحزب، وخاصة فى المؤسسة التشريعية لتحقيق أهدافها، كما حدث فى تأييد التشريعات التى قدمتها الحكومة لمجلس الشعب رغم أضرارها على الحياة السياسية ومستقبلها، ومنها الموافقة على؛ تأجيل الانتخابات المحلية لمدة عامين، وتعديل المادة 76 من الدستور مرتين، ثم التوسع فى التعديلات الدستورية.
وفى ظل هذا الوضع يمكن القول أن مساهمة الحزب الوطنى فى حدوث تطور سياسي تظل محدودة، وما يمكنه القيام به سوف لا يتجاوز تبعيته للسلطة، وهذه القضية تتجاوز ما يثار عن مسألة توريث السلطة.
4. السياسات الاقتصادية وانخفاض الشرعية السياسية: ورغم مرور سنوات على تطبيق برامج التحول الاقتصادى،لم يحدث تطور فى السياسات الاقتصادية فهى لم تخرج بعد من نطاق البنية الأساسية، فقد حظى الصرف الصحى بنصيب كبير من النفقات العامة المذكورة فى خطاب الرئيس أمام المؤتمر الرابع للحزب، وكان من الملاحظ أنه لم يكن ثمة ذكر للسياسات الصناعية، وهو ما يكشف عن ارتباك سياسة التنمية واختزالها فى البنية الأساسية وبعض جوانب سياسات الدفاع الاجتماعي وخاصة الدعم وليس تطوير القطاعات الإنتاجية، كما أن سياسات تمويل البنية الأساسية والدعم تعتمد بشكل أساسى على بيع الأصول المملوكة للدولة، وما أشير إلى هذا الجانب فى "الخطاب"، لا يكشف عن مصادر أخرى لتمويل النفقات الحكومية فى مجال الدعم على وجه الخصوص، فتشير تقارير التنمية الإنسانية العربية إلى أن التعثر في مسيرة التحول السياسي يرجع إلى غياب الحريات العامة و الديمقراطية، وتخلف إنتاج المعرفة والتكنولوجيا، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ تحديث المؤسسات، وتعبئة الطاقات، وتعظيم الحيوية المجتمعية.
وبالتالى فإن قدرة نظام الحكم على الخروج من الأزمات السياسية ، سوف تظل محدودة فى المدى المنظور، وهذا ما يرجع إلى ضعف المؤسسية والقدرات الذاتيه؛ الاستخراجية والتوزيعية وخاصة فى ظل سياسة بناء ودعم النخبة التسلطية والاحتكارية، وفى هذا السياق يمكن القول أن العلاقة بين النظاام وجماعة الإخوان المسلمون ستشهد توترات شديدة خلال السنوات القادمة.
أهم مراجع الفصل:
- خيري عمر: متى يصبح الحزب الوطنى حزبا حاكما؟، فى :
شريف منصور (محرر): تقرير المجتمع المدنى والتحول الديمقراطي فى الوطن العربي (القاهرة: لمركز ابن خلدون للدراسات الانمائية ، 2004 ).
- مجموعة الأزمات الدولية: تحديات الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط: مصر ما بعد حرب العراق، بروكسل: 30 سبتمبر، 2003.
- الإخوان المسلمون رسائل وبيانات، أكتوبر 2007.
- مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات: آفاق استراتيجية - العدد السادس، بيروت – لبنان، نوفمبر 2005.
- مؤسسـة رانـد للقـوات الجويـة للولايـات المتحـدة: العالـم المسلم بعـد 11سبتمبرـ نظــــرة عامـــة ،فى: www.ikhwanweb.com
- نجاد البرعي : ذكر ما جري التقرير الختامي حول أعمال مراقبة الانتخابات الرئاسية المصرية ـ الانتخابات الرئاسية المصرية 2005، الانتخابات الرئاسية المصرية الأولي (القاهرة: جماعة تنمية الديمقراطية، 7 سبتمبر 2005 ).
- رئيس الوزراء المصري يقترح وسيلة لتهميش الإسلاميين، فى:
www.alarabnews.com/alshaab/2006/02-06-2006/e4.htm- - Jean-Noël Ferrié : L’Egypte à la veille du changement – Novembre 2006, http://www.ceri-sciences-po.org
- Michele Dunne: Time to Pursue Democracy in Egypt
- Polticy outlook, (CARNEGIE Endowment for international peace, Middle Eastern program, January 2007).
- Virginie Collombier : Le Parti national démocratique (PND) et le système politique ... – Novembre 2006. http://www.ceri-sciences-po.org - Bassma Kodmani: HE DANGERS OF POLITICAL EXCLUSION: Egypt’s Islamist, Problem Democracy and Rule of Law (CARNEGIE P A P E R S, Middle East Series Project, Number 63, October 2005).
الباب الثاني : تطورات القضية والجدل القانوني حولها
الفصـل الثالث : خلفيـات القضيـة
على مدى عقود طويلة، شهدت ساحات الجامعات المصرية تظاهرات ومسيرات واعتصامات وغيرها من أشكال التعبير السلمي، وخلال هذه الأحداث، برز طلاب الجامعة كقوة لها تأثير واسع ومسموع حتى أن الجامعات الرئيسية في مصر حاليًا تظل تحت حصار قوات الأمن معظم العام الدراسي.
وتعود وقائع القضية العسكرية إلى أوائل شهر ديسمبر 2006 حين نظّم طلاب الإخوان في جامعة الأزهر عرضًا رياضيًّا أُطْلِق عليه "العرض العسكري لميليشيات الأزهر"، تبعته حملة اعتقالات طالت في 14 من الشهر ذاته المهندس الشاطر وتسعة وثلاثين من قيادات الإخوان ومائة وثمانين طالباً من جامعة الأزهر.
3 – 1 أحداث جامعة الأزهر
ولا يمكن فهم ما حدث بجامعة الأزهر والذي تذرعت به الأجهزة الحكومية من أجل إحالة قيادات الإخوان إلى المحاكمة العسكرية إلا بعد الرجوع إلى التفاعلات الخاصة بالانتخابات الطلابية للعام الدراسي 2006 – 2007 حيث قام (الأمن) وإدارات النشاط الطلابي في الجامعات باتخاذ عدد من الإجراءات التي أفرغت الانتخابات من مضمونها حيث صدرت القوائم النهائية للمرشحين بشطب طلاب الإخوان وغيرهم وهو ما دفعهم للتظاهر والاعتصام في أكثر من جامعة.
وانتهت الانتخابات الطلابية بفوز القوائم الحكومية بلا مشاركة تصويتية لافتة وحاول الطلاب من الإخوان والمستقلين والتيارات الأخرى التفاوض مع إدارة الجامعة لحل مشكلات المشطوبين والمحالين للتحقيق والمفصولين والمستبعدين أمنيًّا من المدينة الجامعة إضافة إلى تسجيل أسر طلابية يمارسون من خلالها أنشطتهم ولكن إدارة الجامعات اتبعت معهم سياسة "الباب الدوار" حيث أعطتهم وعودًا أو موافقات شفوية ... تراجعت عن أغلبها.
ونتيجة لذلك دشّن الطلاب في جامعة الأزهر وعدد آخر من الجامعات وبمشاركة أعضاء هيئة التدريس من حركة 9 مارس والإخوان المسلمين انتخابات الاتحاد الطلابي الحر احتجاجًا على شطب الطلاب من الكشوف الانتخابية وبغية تشكيل اتحاد موازٍ للاتحاد المعين من جانب جهة الإدارة.
وأُجرِيت بالفعل في عدد من الجامعات انتخابات "الاتحاد الحر"، وشهدت إقبالا كثيفًا في الترشيح والاقتراع, ووصف مراقبو منظمات المجتمع المدني تلك الانتخابات "البديلة" بالناجحة.
وفي جامعة الأزهر أجريت الانتخابات يومي الأحد والاثنين 12، و13-11-2006 في ثماني كليات ترشح فيها خمسمائة وأربعة وثمانون طالبًا منهم اثنان وتسعون طالبًا فقط من طلاب الإخوان، والباقي مستقلون أو من توجهات سياسية أخرى، وأجريت بإشراف أساتذة الجامعة ومنظمات المجتمع المدني، وتراوحت نسبة المشاركين في التصويت بين ثلاثين وأربعين بالمائة.
وعقب تلك الانتخابات كانت أجواء جامعة الأزهر – مثل غيرها من الجامعات - ساخنة جدًّا حيث تم فصل بعض الطلاب المشاركين في الانتخابات الموازية, وأُحِيل آخرون للتحقيق وزادت المضايقات الأمنية للحريات الطلابية إلى حد الاعتداء على إحدى الطالبات واستبعاد حوالي مائتين وتسعة طلاب من التسكين في المدينة الجامعية على خلفية الانتماء الفكري والسياسي.
وأدت هذه التجاوزات والانتهاكات بحق طلاب الاتحاد الحر بجامعة الأزهر إلى موجة قوية من التظاهرات والاعتصامات لم تتوقف بسبب تعنت الإدارة إزاء مطالبهم ويمكن القول أن هذا التعنت والتحرك وسط تهديدات مادية ومعنوية من أجهزة الإدارة قد دفع الطلاب إلى القيام بالعرض الرياضي "المثير" لردود الأفعال المختلفة – والذي كان يشبه عروضًا رياضية يقيمها الطلاب كل عام - خلال اعتصامهم بالمدينة الجامعية ثم أمام مكتب رئيس الجامعة يوم 9 2006 م.
وحاولت جماعة الإخوان المسلمين عبر الكثير من قياداتها تهدئة الأمور عبر الإعلان أن ما تم كان خاطئًا ولم يكن بعلم قيادة الجماعة، غير أن هذا التحرك لم يلق تجاوباً في أوساط عديدة داخل القوى الفكرية والسياسية .. وكانت التربة ممهدة جدًّا للقيام بضربة قوية ضد الجماعة.
وأصدر الطلاب الذين قاموا بالعرض بيانًا يعتذرون فيه عن الصورة السلبية "التي أعطاها العرض الرياضي التمثيلي الذي كان ضمن فقرات الاعتصام للاعتراض على فصل ثمانية طلاب لمدة شهر من الدراسة لنشاطهم في الدعوة لانتخابات الاتحاد الحر بالجامعة" وأضاف الطلاب في بيانهم: "هذا الاعتذار أولاً لجامعتنا وأساتذتنا وزملائنا عن هذا العمل الذي قمنا به، وهو ما أساء لشكل الجامعة، وأيضًا ما شكل إساءة لأنفسنا نحن بوصفنا بأننا ميليشيات عسكرية، وهو على غير الحقيقة مطلقًا إذ إننا طلاب".
3 – 2 حملة إعلامية تمهد التربة
ولم تجد الاعتذارات عن قيام الحكومة بشن حملة دعائية ضد الجماعة شارك فيها خصوم من تيارات سياسية وفكرية أخرى حيث تم تصوير ما قام به الطلاب على أنه عرض عسكري يعود بالبلاد للتنظيم الخاص السري، ويكشف كذب ادعاء الجماعة بأنها ابتعدت عن العنف في العمل السياسي، وانتقد بعضهم صمت أجهزة الدولة على هذا التحدي من جانب الإخوان الذي ينذر بالعنف، ويمثل رسالة للدولة يفرض على الأخيرة الاستجابة له والرد الحاسم عليه!.
ويشير مفهوم الدعاية إلى السعي إلى الإقناع بفكرة، أو بمبدأ ما كان يصل إليه الفرد، لو ترك لمنطقه الذاتي يتطور بتلقائية دون أي ضغوط أو توجيه، أي أنها تقوم على أساس التلاعب بالعواطف، بهدف الحصول على ذلك الاقتناع.
وهي لا تعنى دائمًا الكذب، نظرًا لأن الدعايات التي تلجأ إلى الكذب تعد أسوأ أنواع الدعاية، وأقلها نجاحًا، ومصيرها الفشل، وذلك عندما يُكتشَف الكذب، وخصوصًا إذا قابلتها دعاية عكسية ذكية تستغل ذلك الكذب، إلا أنه في أحيان كثيرة يجد القائمون على الدعاية أنفسهم، وقد فرضت عليهم الأحداث أن يستخدموا من الكذب أداة أساسية لبناء عملية الدعاية، فيقومون باختلاق الحوادث والتزوير في الصفات والتصرفات، ونسج القصص حول الزعماء والتلاعب في الإحصاءات، وصُنْع أخبار لا وجود لها، ونشر الإشاعات .. وفي الحقيقة فإن تصريحات عديدة صادرة من قيادات في الجماعة لم تسمح كثيرًا للدعاية الحكومية أن تلجأ للكذب!.
ومن الأساليب التي استخدمتها الدعاية الحكومية ضد الجماعة:
- الأسلوب النفسي: فتلجأ إلى التأثير بإثارة انفعالات معينة مثل: القلق من صعود الإسلاميين وخطورته على المواطنة والأقباط.
- أسلوب التكرار مثل: وصف الإخوان بالرجعية واستعمال العنف، وأن النظام القائم هو أفضل البدائل لتحقيق السلام والتنمية.
- التحويل من أفكار مقبولة إلى العكس مثل: تحويل الصفات إلى نقائضها، فالمتسامح هو من يقوم باضطهاد الأقليات وممارسة العنف، والقبول بالديمقراطية يصبح وسيلة للصعود للحكم بسلم الديمقراطية وعندئذ يركل الإخوان السلم فلا هم ينزلون ولا غيرهم يصعد.!.
- الشخصية البارزة: وتقوم تلك الدعاية بتلميع بعض الشخصيات في الإعلام والثقافة شريطة الهجوم على حركات وقوى معينة، ومن المفارقة أن بعض رموز التوجه العلماني اتهموا الإخوان بتسييس الدين أو تديين السياسة بينما أهملوا تمامًا حركة السلطة باتجاه تسييس الدين وتأميمه.
- أسلوب الربط بين الأسماء: أي باستعمال أوصاف معينة بشكل يخلق مشاعر سلبية لدى الجمهور المستقبل مثل: ربط الإخوان بالعنف وأنهم أعداء الحرية.
3 – 3 القضية.. تبدأ!
وفرت أحداث الأزهر والحملة الدعائية التالية عليها الفرصة المناسبة لتوجيه ضربة أمنية جديدة لكوادر جماعة الإخوان المسلمين التنظيمية والطلابية حيث قامت الأجهزة الأمنية باقتحام الحرم الجامعي من خلال مداهمة مدينة الصفا وألقت القبض على مائة واثنين وثلاثين طالبًا وليس فقط الثلاثين طالبًا الذين قاموا بالعرض الرياضي.
ثم ألقت قوات الأمن – تباعا – على ثلاثة وثلاثين من القادة ورجال الإعمال وأساتذة الجامعات كانوا ضمن أربعين متهمًا في القضية، أسماؤهم كالتالي:
1- المهندس / محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر ... رجل أعمال
2- المهندس/ حسن عز الدين يوسف مالك ... رجل أعمال
3 - الدكتور / محمد محمود حافظ محمد ... طبيب عيون
4- المهندس / أسعد محمد أحمد الشيخة ... مهندس حر
5- المهندس / أحمد محمود أحمد شوشة ... مهندس حر
6- المهندس / أحمد أشرف مصطفى عبد الوارث ... مدير دار التوزيع والنشر
7- السيد / صادق عبد الرحمن صادق الشرقاوي ... محاسب
8- السيد / حسن محمد أحمد زلط ... محاسب
9- الأستاذ الدكتور / فريد علي أحمد جلبط ... أستاذ بكلية الشريعة والقانون
10- السيد / جمال محمود شعبان السيد ... محاسب
11- المهندس / محمود المرسي محمد قورة ... مهندس حر
12- السيد / ياسر محمود عبده علي ... مدير بالمصرف الإسلامي
13- الدكتور / عبد الرحمن محمد محمد سعودي ... رجل أعمال
14- الأستاذ الدكتور / خالد عبد القادر علي عودة ... أستاذ بكلية العلوم
15- المهندس / أسامة عبد المحسن عبد الله شربي ... رجل أعمال
16- الأستاذ الدكتور / محمد إسماعيل علي بشر ... أستاذ بكلية الهندسة
17- المهندس /مدحت أحمد محمود الحداد ... رجل أعمال
18- الدكتور / عصام عبد الحليم إبراهيم حشيش ... أستاذ بكلية الهندسة
19- الدكتور / ضياء الدين السيد عبد المجيد فرحات ... رجل أعمال
20- المهندس/ أحمد أحمد أحمد النحاس ... رجل أعمال
21- الأستاذ الدكتور / أمير محمد بسام النجار ... مدرس بكلية الطب
22- مهندس / سعيد سعد علي عبده ... مهندس
23- السيد / محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد ... رجل أعمال
24- المهندس / أيمن أحمد عبد الغني حسنين ... مهندس
25- الأستاذ الدكتور / محمود أحمد محمد أبو زيد ... أستاذ بكلية الطب
26- الأستاذ الدكتور / صلاح الدسوقي عامر مراد ... مدرس بكلية الطب
27- الأستاذ الدكتور / عصام عبد المحسن عفيفي محمد ... أستاذ بكلية الطب
28- المهندس / ممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني ... مهندس
29- السيد / سيد معروف أبو اليزيد مصبح ... محاسب
30- السيد / محمد مهني حسن موسى ... محاسب
31- السيد /فتحي محمد بغدادي علي محمد ... مدرس
32- السيد / مصطفى محمد محمود سالم ... محاسب قانوني
33- السيد / أحمد عز الدين أحمد محمد الغول ... صحفي
34- الدكتور / محمد علي محمد بليغ ... أستاذ بمعهد بحوث الرمد
35- الدكتور/يوسف توفيق علي يوسف المتعايش و شهرته يوسف الواعي ... مدرس بكلية الشريعة الإسلامية جامعة الكويت
36- الدكتور/ إبراهيم فاروق محمد الزيات ... مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأوربا
37-السيد/ علي غالب محمود همت ... رجل أعمال
38-الأستاذ/ فتحي احمد حسن الخولي ... صاحب مدارس التيسير بالسعودية
39- المهندس/يوسف مصطفي علي ندا ... رجل أعمال
40- الدكتور/ احمد محمد محمد عبد العاطي ... مدير شركة حياة للأدوية
- محضر التحريات:
تم القبض على قيادات وطلاب الإخوان بناء على محضر تحريات المقدم عاطف الحسيني الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة الذي كتبه في الساعة الثامنة مساء يوم ١٣/١٢/٢٠٠٦، ولم يتضمن أى أدلة مادية.
وذكر المحضر أنه: أفادت معلومات مصادرنا السرية الموثوق بها، أن بعض العناصر المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المحظور نشاطها قانونًا، قد اتفقوا فيما بينهم علي معاودة إحياء نشاطهم السري القديم، والعمل علي نشر أفكارهم، ومبادئهم الإخوانية بمختلف القطاعات الجماهيرية، وخاصة القطاع الطلابي الجامعي، والعمل علي السيطرة علي ذلك القطاع، وتوجيهه بما يخدم مخططات هذه الجماعة المحظورة".
وأشار إلى أن المعلومات والتحريات، أكدت أن هؤلاء العناصر عقدوا عدة اجتماعات تنظيمية فيما بينهم بمنازل بعضهم، لإعداد مخطط يستهدف التغلغل في ذلك القطاع الطلابي بمختلف الجامعات، وبصفة خاصة جامعة الأزهر، وتحقيق تأثير فعال في صفوفهم وتحريكه وفق مشيئتهم، في إطار مخطط يستهدف إثارة القاعدة الطلابية بجامعة الأزهر، ودفعها للتظاهر والاعتصام والتعدي علي باقي الطلاب والأساتذة، ثم الخروج بتلك التظاهرات إلي الطريق العام، وتعطيل الدراسة وتعكير صفو الأمن، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، وإشاعة جو من الفوضى، على غرار ما يحدث في بعض دول الجوار، وصولاً إلي ما سمّوه بمرحلة التمكين، وتحقيق أستاذية العالم، ومن ثم إقامة الخلافة الإسلامية وتعطيل القوانين المعمول بها واستبدالها بما يسمونها قوانين إسلامية.
وأضاف: وقد أمكن من خلال معلومات مصادرنا الموثوق بها، التي أكدتها التحريات السرية الدقيقة، تحديد بعض هؤلاء القائمين علي ذلك المخطط الآثم المحركين للأحداث الطلابية الأخيرة بجامعة الأزهر، وباقي الجامعات، وهم: محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر (مواليد ٤/٥/١٩٥٠)، ويعمل مهندسًا حرًّا وصاحب ومدير شركة «السلسبيل» للتنمية والاستثمار، ويضطلع بمسئولية توفير الدعم المالي لأنشطة التنظيم، ومحمد أحمد محمد أبو زيد، طبيب وأستاذ بكلية الطب - جامعة القاهرة، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي الحركة التنظيمية بالقطاع الطلابي بمختلف الجامعات، وأيمن أحمد عبد الغني حسنين، مهندس بشركة المقاولون العرب، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي ما سمّوه بالبرنامج التربوي والتثقيفي لكوادر التنظيم بالقطاع الطلابي بالجامعات، وأحمد عز الدين أحمد محمد الغول (مواليد عام ١٩٥٤)، صحفي بمجلة «لواء الإسلام»، ويضطلع بمسئولية الإشراف علي الحركة الإعلامية للتنظيم، ونشر وترويج الأفكار والتوجهات الإخوانية بمختلف وسائل الإعلام المتاحة.
ويكمل المحضر: كما أمكن من خلال مصادرنا الموثوق بها، تحديد تشكيل اللجنة المنوط بها اختراق القطاعات الطلابية بجامعة الأزهر، وتشكيل تشكيلات شبه عسكرية علي غرار الميليشيات التابعة لبعض الأحزاب الدينية بكل من لبنان وإيران والأراضي الفلسطينية المحتلة من بين صفوف هؤلاء الطلاب وإلزامهم، بارتداء أزياء محددة وتسليحهم ببعض العصي والجنازير، ودفعهم للتظاهر وإحداث وقائع عنف وشغب داخل الجامعة وخارجها، وإرهاب باقي الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، فضلاً عن مساندة هؤلاء ودعم أدوارهم التخريبية إعلاميًّا وماديًّا ومعنويًّا، وقد تم التعرف منهم علي كل من: فريد علي أحمد جلبط، مدرس بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وصلاح الدسوقي عامر مراد، مدرس بكلية الطب بجامعة الأزهر، وعصام عبد المحسن عفيفي، أستاذ بكلية الطب - جامعة الأزهر، وياسر محمود محمد عبده، مدير ائتمان بالمصرف الإسلامي، وحسن محمد أحمد زلط «محاسب»، وصادق عبد الرحمن صادق الشرقاوي، وممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني، ويعمل مهندسًا حرًّا، ومحمد علي فتحي محمد سليمان بليغ «طبيب عيون»، وأسعد محمد أحمد الشيخة، ويعمل مهندسًا حرًّا، وسيد معروف أبو اليزيد إخصائي رياضيات، ومصطفي محمد محمود سالم محاسبًا قانونيًّا، ومحمود المرسي محمد مهندسًا حرًّا ورئيس مجلس إدارة شركة «المساعي» التعليمية، ومحمد مهني حسن موسي محاسبًا، وجمال محمود شعبان السيد محاسبًا بشركة «السلسبيل» للتنمية والاستثمار.
وحسب المحضر يتم إعداد الطلاب وفق برنامج تدريبي عملي شاق يتمثل في القيام بتدريبات على فنون القتال «الكونغ فو» والكاراتيه - حسب نص المحضر - والتدريب علي استخدام السلاح الأبيض والجنازير والعصي والأدوات التي تستخدم في ممارسة العنف، والتدريب علي السير لمسافات طويلة في الصحراء. ومن برنامج التنظيم الترويج لمبدأ الجهاد في أوساطهم، لإقناع البعض منهم بالسفر للبلدان التي تشهد حروبًا بين المسلمين وأطراف أخري، مثل العراق و فلسطين ولبنان، تحت زعم مشاركة فصائل المقاومة الإسلامية، لمواجهة قوات الاحتلال في تلك البلدان، وذلك لتحقيق الهدف الرئيسي من ذلك، وهو تلقيهم التدريبات العملية علي استخدام الأسلحة من خبراتهم القتالية، حال عودتهم للبلاد، من أجل تغيير الأوضاع القائمة بالقوة في الوقت المناسب.
وفي إطار البرنامج التدريبي لهذه العناصر، والذي يعتمد في أحد محاوره علي إلهاب حماسهم، صدرت تكليفات لبعض هؤلاء الطلاب بجامعة الأزهر، بارتداء زي موحد للعناصر التي أنجزت تدريباتها البدنية والقتالية، عبارة عن بدلة شبه عسكرية وأقنعة سوداء تشبه الزي العسكري لأعضاء حزب الله اللبناني وحركة «حماس» و«جيش المهدي» بالعراق، والحرس الثوري الإيراني، ومدهم بهذا الزي والأسلحة البيضاء والجنازير، التي يتم إدخالها إلي الحرم الجامعي، باستخدام سيارات مملوكة لبعض أعضاء التنظيم، ممن يشغلون مواقع وظيفية بالجامعة من أعضاء هيئة التدريس، وتخزينها ببعض مكاتب هؤلاء المدرسين وحجرات العناصر الطلابية بالمدينة الجامعية.
ويتابع: وأشارت التحريات إلي صدور تكليف من قيادات التنظيم لهؤلاء الطلاب بتنظيم تظاهرة شبه عسكرية يوم الأحد ١٠/١٢/٢٠٠٦ بجامعة الأزهر، في استعراض مماثل لطوابير عرض الميليشيات العسكرية، وارتدوا أغطية سوداء علي رؤوسهم تحمل عبارة «صامدون» والبعض منهم قام بتغطية وجهه لإخفاء هويته وتلافي الرصد الأمني بدعوى تضررهم من إصدار الجامعة قرارًا بفصل هؤلاء الطلاب، وقاموا بإرهاب القاعدة الطلابية، وحاولوا الخروج إلي الشارع وتعطيل العملية التعليمية والمواصلات العامة مستخدمين بعض الأسلحة البيضاء والعصي والجنازير في استعراض للقوة.
- تطورات دراماتيكية: وقامت نيابة أمن الدولة بالانتقال إلى المدينة الجامعية لجامعة الأزهر وعمارات مدينة الصفا الجامعية حيث عاينت المدينة الجامعية والسكن الطلابي الذي كان محلاً لعملية القبض على الطلاب وصورت المدينة الجامعية والأماكن التي تم فيها القبض على الطلبة المتهمين في القضية بالفيديو.
وأدت هذه الإجراءات إلى تزايد المخاوف من وجود رغبة لدى النظام في تقديم الطلبة إلى المحاكمة مما يهدد مستقبلهم العلمي .. وتواكب ذلك مع التصريحات التي أدلى بها رئيس جامعة الأزهر وتحدث فيها عن نصيحته بعدم التدخل للدفاع عن الطلبة أو المطالبة بالإفراج عنهم وهو ما اعتبره كثيرون تعبيرًا عن نوايا حكومية مبيتة للعصف بمستقبل الطلبة المعتقلين.
لكن القضية شهدت العديد من المفاجآت والتطورات الدراماتيكية بعد ذلك منها على سبيل المثال:
- إضافة محاضر تحريات جديدة لمحضر تحريات القضية بما يكشف أن القضية لن تتوقف – مثل كل مرة
- عند حبس المتهمين احتياطيًّ,ا ثم الإفراج عنهم بموجب أحكام قضائية وإنما اتخاذ إجراءات تصعيدية تتمثل في ضم أشخاص آخرين للقضية، والتحفظ على الشركات والممتلكات الخاصة بالمتهمين بذريعة أنها تستخدم في تمويل الجماعة!.
- صدور قرار من القضاء الطبيعي بالإفراج عن ستة عشر قياديًّا من الجماعة يوم 29 يناير 2007، وإخلاء سبيلهم من سراي المحكمة غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم في خطوة عكست وجود نوايا حكومية للتصعيد.
- أثناء التحقيقات في القضية رقم ٩٦٣ لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا، المعروفة "ميليشيات طلاب الأزهر" المتهم فيها نحو مائة واثنين وثلاثين طالبًا تمثلت في الإفراج عن الطلاب كافة وذلك بعدما قرر النائب العام يوم 18 فبراير 2007 إخلاء سبيل طلاب جامعة الأزهر، المنتمين إلي جماعة الإخوان المسلمين موضحًا أنه بذلك تكون النيابة العامة قد أخلت سبيل جميع الطلاب في القضية .. وتم إرسال صورة رسمية من التحقيقات إلي جامعة الأزهر، لاتخاذ الإجراءات التأديبية ضد الطلاب. واستمرت التحقيقات مع ثلاثة وثلاثين من قيادات الجماعة تم حبسهم على ذمة القضية – إضافة إلى سبع شخصيات منهم خمسة من خارج مصر إلى أن صدر قرار رئيس الجمهورية يوم 5 فبراير بإحالتهم إلى القضاء العسكري.
وقد بدأت أولى جلسات المحاكمة يوم 26 أبريل 2007 وقاطع محامو الدفاع عن المتهمين المحكمة احتجاجًا على عدم إخطارهم بموعدها... ثم صدر حكم تاريخي بتاريخ 8 / 5 / 2007 حيث قضت الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 40 لسنة 2007 بإحالة المتهمين إلى القضاء العسكري.
لكن بمجرد صدور الحكم قامت الحكومة بالاستشكال في تنفيذه أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة والتي تختص ابتداءً بالمنازعات المدنية ومن ثَمّ لجأت الحكومة إلى هذه المحكمة الغير مختصة بغية تعطيل تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها رغم أن قانون مجلس الدولة يؤكد على أن الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة مشمولة بالنفاذ ولا يجوز وقف تنفيذها إلا بقرار صادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا.
وبتاريخ 15 مايو 2007 أوقفت الدائرة الأولى فحص طعون بالمحكمة الإدارية العليا حكم محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية القاضي بإحالة قادة «الإخوان» إلى القضاء العسكري على الرغم من عدم صلاحية الدائرة للتصدي للطعن لوجود دعاوى رد لهيئة المحكمة – لم يفصل فيها حتى الآن - وخصومة قضائية سابقة.
الفصل الرابع : مدى دستورية حق رئيس الجمهورية فى إحالة المدنيين للقضاء العسكري
أثارت مسألة محاكمة أشخاص مدنين أمام المحاكم العسكرية في مصر العديد من المنازعات والإشكاليات ما بين مؤيد ومعارض - وأعتبرها البعض دليلا على انعدام الديمقراطية والحريات العامة في مصر.
ومن الناحية القانونية يرى بعض الباحثين أن لجوء السلطات السياسية إلى إحالة بعض القضايا المتهم فيها أشخاص مدنيون إلى القضاء العسكري أمر تمليه ضرورات الواقع واعتبارات الأمن العام - ويجد سنده في القانون .
فيما يرى البعض الآخر - أن إحالة هذه القضايا إلى القضاء العسكري هو بمثابة مصادرة للرأى والحريات العامة ويتنافى مع مبادئ العدالة والمساواة والتشريعات القانونية المصرية الدستورية - فضلا عن الاتفاقات والمعاهدات الدولية - كما أن ذلك يعد ولا شك تدخل من الجيش في المسائل السياسية وفى هذا نوع من القهر والديكتاتورية والتسلط.
ولعل هذا هو ما دعانا لخوض غمار البحث في هذه القضية التي سوف نتناولها من أربع زوايا كالتالي:
4 – 1 الأسانيد القانونية للإحالة للمحاكم العسكرية
يحق لرئيس الجمهورية - استنادا إلى الحق المقرر له بالمادة السادسة (الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية25/1966 (المعدل القوانين 5 / 7 / 1968 ، 82 / 1968 ، 14/ 1972 ، 72 / 1970 ، 46 / 1975 / 1979 ، 1983 ) وأخيرا بالقانون 16 لسنة 2007 ) والتى تنص على :
( تسرى أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها فى - البابين الأول والثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم – والتى تحال إلى القضاء العسكرى بقرار من رئيس الجمهورية..
ولرئيس الجمهورية – متى أعلنت حالة الطوارئ – أن يحيل إلى القضاء العسكرى أى من الجرائم التى يعاقب عليها قانون العقوبات أو أى قانون آخر).
ولما كانت المادة سالفة البيان تتكلم عن سريان قانون الأحكام العسكرية على بعض الجرائم التى لها حساسية خاصة وطابع سياسى - أو ما يسمى بالإجرام السياسي أو جرائم الرأي (وهى جرائم الكتاب الثانى من قانون العقوبات ) وكان من ثم يعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إحالتها للقضاء العسكري. فإنه والحال كذلك فإن مدى قانونية حق رئيس الجمهورية فى إحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية مرتبط بمدى قانونية النص القانوني سند الإحالة ارتباط السبب بالمسبب ارتباطا لا يقبل التجزئة إذ أنه من المستقر أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما .
وحيث أن هذا النص مشكوك في مدى قانونيته من وجهين – ( الوجه الأول أنه نص غير واجب الإعمال لسبق إلغائه – ومن وجه آخر – فإنه على فرض جدلى بوجوده – فإنه نص مطعون عليه بعدم الدستورية لاصطدامه مع أكثر من مادة من مواد الدستور – وهذا ما سوف نتولى بحثه فى هذا البحث ).
4 – 2: مدى قانونية تلك الأسانيد - وفق التشريعات المصرية المعمول بها .
ولما كانت المادة محل البحث– هى المادة السادسة(الفقرة الثانية) من قانون الأحكام العسكرية25/1966 الصادر فى 23 مايو 1966 والمنشور بالجريدة الرسمية العدد123 فى أول يونيه 1966 ولما كان هذا القانون قد عدل بالقوانين(5/1968،7/1968،82/1986،5/1970،14/1970،72/1975،46/1979،1/ ،1983)
ولما كانت المادة محل البحث لم تتعرض لأى تعديل سوى ما ورد بالقانون رقم 5 لسنة 1970 المنشور بالجريدة الرسمية فى 29 / 1 / 1970 .
ولما كان الدستور المصرى قد عدل بالدستور الحالى الصادر فى 11 سبتمبر 1971 – فإن هذه المادة باتت محكوم عليها بالإعدام من وجهين – ( الوجه الأول أنها مادة ملغاه ومن ثم فهى غير واجبة الإعمال – والوجه الآخر أنها - وعلى فرفض جدلى بوجودها – فإنها مقضى عليها بعدم الدستورية – وذلك لاصطدامها مع اكثر من مادة من مواد الدستور) وذلك كما يلى :-
أولا: أثر صدور الدستور الحالى عام 1971
وما تضمنه من أحكام بشأن إنشاء محاكم أمن الدولة وصدور القانون رقم 105 لسنة 1980 .
لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 131 / 1948 بإصدار القانون المدنى والتى تنص على أنه : ( لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ) . فإنه والحال كذلك تضحى أحكام المادة السادسة من القانون 25 / 1966 ملغاة بكل صور الإلغاء المنصوص عليها قانونا – على النحو سالف البيان - وذلك على النحو التالى :-
الصورة الأولى من صور الإلغاء
1- بتاريخ 5 رجب 1400 المقابل 20 مايو 1980 صدر القانون رقم 105 / 1980 ( بإنشاء محاكم أمن الدوله ) والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 23 مقرر فى 21 / 5 / 1980 مشيدا لنظام قانونى متكامل متخصص للجرائم التى تمس أمن الدولة بكافة صورها وأشكالها بل بجناياتها وجنحها على النحو المبين تفصيلا بالمادة الثالثة من الباب الأول من ذلك القانون.
2- كما وأنه لما كانت نية المشرع تتجه الى البعد التام بالقوات المسلحة عن مسائل السياسة والرأى وأمن الدولة الداخلى ومع رغبة المشرع بالاحتفاظ بمساحة يراها هامة ولازمه للمصلحة العامة ومن ثم فقد نظم هذا التشريع نظام الخلط والمز واجه عند اللزوم بما نص عليه بالمادة الثانية من القانون 5 / 1980 بصدد حديثه عن تشكيل المحاكم إذ نص صراحة على أنه ( تشكل محكمة أمن الدولة العليا من ثلاثة من مستشارى محكمة الاستئناف على أن يكون الرئيس بدرجة رئيس محكمة استئناف . ويجوز أن يضم الى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة والقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعينها قرار من رئيس الجمهورية ) ويبين من مطالعة مجمل نصوص القانون 105 / 1980 أن المشرع (( نظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع ) (م 2 من القانون المدنى ) وبما يكشف عن اتجاه نية المشرع لإلغاء أى اختصاص للقضاء العسكرى بهذه الجرائم إذا ما أتهم بها مدنيون .
مظاهر التنظيم التشريعى الجديد
وهذا النظام الجديد راعى فيه المشرع مفاداة كافة المطاعن والمآخذ التى توجه وتثار عادة لدى إحالة قضايا لأفراد مدنيين الى القضاء العسكرى ... مع احتفاظه بكافة صلاحياته المقررة بقانون الطوارئ والأحكام العسكرية والذى يمكن ملاحظتها فى الأمور الآتية :-
1- إنشاء محاكم متخصصة فى كل محكمه من محاكم الاستئناف ( م 1 ) .
2- تشكيل هذه المحاكم من مستشارى محكمة الاستئناف يكون رئيسها بدرجة رئيس محكمة استئناف( م2)
3- تتبع الإجراءات والأحكام المقررة بقانون الإجراءات الجنائية ( م 5 ) .
4- تختص النيابة العامة بالاتهام والتحقيق.. إلخ ( م 7 ).
كما احتفظ بهذه المحاكم بكل المبررات التى كانت تساق عادة لتبرير إحالة أشخاص مدنيين للقضاء العسكرى كاملة غير منقوصة يمكن ملاحظتها من مجرد مطالعة نصوص القانون مثل :-
1- يجوز أن يضم الى عضوية هذه المحكمة عضوان من ضباط القوات المسلحة بالقضاء العسكرى برتبة عميد على الأقل ويصدر بتعيينها قرار من رئيس الجمهورية ( م2 /2).
2- ترفع الدعوى الى المحكمة مباشرة من النيابة العامة ويفصل فيها على وجه السرعه ( م3 / 2 ) .
3- يجوز أن تنعقد محكمة أمن الدولة العليا فى أى مكان أخر فى دائرة اختصاصها أو خارج هذه الدائرة عندالضرورة ( م 4 / 2 ) . 4- لا يقبل الإدعاء المدنى أمام محاكم أمنالدولة ( م5 / 2 ) .
5- تكون أحكام محكمة أمن الدولة العليا نهائية - ولا يجوز الطعن فيها إلا بطريق النقض وإعادة النظر (م 8/1)
وبتاريخ 18 / 8 / 1992 صدر القانون رقم 97 / 1992 والذى أقر القانون 105 / 1980 وأبقاه على نظامه بل وأضاف إليه بحصر الاختصاص المكانى لمحكمة استئناف بالقاهره دون غيرها ومن ثم أصبحت محاكم أمن الدولة العليا بمحكمة استئناف القاهرة ( فى دائرة أو أكثر ) هى المختصة وحدها ولائيا ونوعيا ومكانيا- دون غيرها
وحيث أن المادة الثانية من مواد إصدار القانون 105 / 1980 نص على أنه : ( يلغى كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون) ومن ثم فإنه ومن جماع ما تقدم يتضح - أن المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 / 1966 وتعديلاته ألغيت إلغاءا تاما ونسخت أحكامها بكافة صور الإلغاء المقررة قانونا :-
أ - ألغيت بإعادة تنظيم الموضوع على خلاف المقرر بمقتضى حكمها .
ب- ولاشتمال تشريع لاحق عليه على نصوص تعارض نصوصه – خاصة أن أحكام القانون 105لسنة 1980هى قواعد خاصة وبالتالى هى ناسخه لأحكام القانون 25/1966 بما تضمنه من أحكام خاصة أيضا.
وحيث أنه لما كان الأمر كذلك يضحى النص محل البحث معدوم قانونا ومن ثم فاقدا للمشروعية ومبينا على تأويل فاسد وتفسير خاطئ .
ثانيا: مدى توافق المادة السادسة فقرة 2 مع أحكام الدستور
وعلى فرض جدلى - لا نسلم به - بأن هذا النص الشاذ لا زال ساريا فإنه معيبا بعدم الدستورية ولما كان القرار الصادر بإحالة قضيه إلى القضاء العسكرى وكان المتهم فيها مدنيون - استنادا لنص المادة السادسة من قانون 25 / 66 بمواد الاتهام ( المواد 30 ، 86 مكرر، و 88 مكرر من قانون العقوبات ) وهى مواد تتضمن عقوبات السجن والأشغال الشاقة والمصادرة فضلا عن التدابير الواردة بالمادة 88 مكرر (د) عقوبات .
وهى عقوبات تتسم بالغلظة والقسوة والجسامة - كما وأنها تنصب على حريات المواطنين وحقوقهم بل وحياتهم ويتعدى أثرها إلى أسرهم بوالديهم وزوجاتهم وعيالهم . وبدهى أنها تنتهى بضياع مستقبلهم المهنى والأدبى والمادى فضلا عن حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية وفق صريح نص المادة 2/1 من قانون73/1956 وهو ما يسمى ( بالإعدام المدنى).
ولما كانت هذه الحقوق والحريات غالية ولا تقدر بثمن وأحاطها الدستور بجمله من النصوص وأفرد لها الباب الثالث - الذى توجه المشرع الدستورى ( بالمادة 57 ) التى قررت بعدم سقوط الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم لأى جريمة اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة .
ومن ثم فقد نص الدستور على الضمانات الآتيه:
1- سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة ( م64)
2- تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ( م 65)
3- المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمه قانونيه تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه(م 67 /1)
4- التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضيه الطبيعى (م68/1-2 )
5- فضلا عن 000 علنية الجلسات ( م 169 )
6 - تكفل الدوله تكافؤ الفرص لجميع المواطنين (م 8 )
7 – المواطنون لدى القانون سواء – وهم متساوون فى الحقوق والواجبات ولاتمييز بينهم ( م 40 )
وبناء على هذه النصوص فإن لكل مواطن عدة حقوق وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أى قانون أو قرار كائنا ما كان شأنه أو شأن من أصدره أن يمسها أو ينتقص منها فضلا عن ابتلاعها أو اغتيالها وتتمثل فى :
أ - التمتع بسيادة القانون التى تعلو على سيادة الحكم والحكام ( م 64 ، 65 ) .
ب - الحق (إذا ما وجه إليه اتهام) فى محاكمه قانونيه تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه) (م 67/1)
ج - الحق فى الالتجاء لقاضية الطبيعى وهو حق مكفول للناس كافة ( م 68 ) .
د – وأن تكون هذه المحاكمات فى جلسات علنية يطلع عليها الرأى العام والمنظمات الحقوقية المادة 169
هـ – وان يتم التعامل معهم بالمساواه
و – وان يتمتع الجميع بفرص متكافئه
وحيث أن الإحالة للمحاكمة العسكرية تعصف بكل هذه الحقوق مجتمعه لأنها تسلم الخصم لخصمه ثم تأمنه على التفرد به واغتيال حقوقه وتدمير مستقبله بمنأى عن رقابة القضاء وبعيدا عن مظلة حماية الدستور عندما يجرد من كافة حقوقه وضماناته فى محاكمه تتلاشى فيها كافة الضمانات الدستورية وتنهار فيها الثوابت والمبادئ الدستورية المقررة .
4 – 3: طبيعة القضاء العسكري :
أولا: الطبيعة القانونية للقضاء العسكرى
تنص المادة الأولى من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 (بعد التعديل) على ما يلى :- (القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة ، تتكون من محاكم ونيابات عسكرية وفروع قضاء أخرى طبقا لقوانين وأنظمة القوات المسلحة ويختص القضاء العسكرى دون غيره بنظر الجرائم الداخلة فى اختصاصه وفقا لأحكام هذا القانون وغيرها من الجرائم التى يختص بها وفقا لأى قانون آخر وتقوم شأن القضاء العسكرى هيئة تتبع وزارة الدفاع ) ( مادة 1 )
كما تنص المادة الثانية على :-(يتكون القضاء العسكرى من رئيس وعدد كاف من الأعضاء يتوافر فيهم فضلا عن الشروط الواردة بقانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الصادر بالقانون رقم 232 لسنة 1959 الشروط الواردة فى المادة 38 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1973
ويكون شأن شاغلى وظائف القضاء العسكرى شأن أقرانهم فى القضاء والنيابة العامة على النحو المبين بالجدول المرفق فى مجال تطبيق هذا القانون ) ( مادة 2 )
ومن مطالعة النصين تتبين خصائص القضاء العسكرى وهى :
1- القضاء العسكرى ( إدارة عامه ) .
2- إنها إحدى إدارات القيادة العليا - تتبع وزارة الدفاع - مثل إدارة المركبات وإدارة المهمات .. إلخ
3- رئيسها - يتبع وزير الدفاع ( يعنى موظف إدارى ) والوزير أحد أعضاء السلطة التنفيذية .
4- الإدارة العامه للقضاء العسكرى يتبعها :-
- ( إدارة المدعى العام - ( نيابة عسكرية )
- ( إدارة المحاكم )
إذا رئيس المحكمة العسكرية العليا هو موظف فى إدارة المحاكم - التى تتبع الإدارة العامة ويترأسها مدير والتى تتبع وزير الدفاع الذى يتبع رئيس مجلس الوزراء - الذى يتبع رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية
إذا رئيس المحكمة العسكرية العليا موظف فى السلطة التنفيذية يأتى بعد كل من :-
1- رئيس السلطة التنفيذية
2- رئيس الحكومة
3- رئيس الوزراء
4- وزير الدفاع
5- رئيس القضاء العسكرى
6- مدير إدارة المحاكم العسكرية .
وهؤلاء جميعا عسكريون ( يعينهم رئيس الجمهورية ويعفيهم من مناصبهم عملا بأحكام الدستور المادة 141 143هذا بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور أيضا بالمادة 157 - من أن الوزير هو الرئيس الإدارى الأعلى لوزارته ويتولى رسم سياسة الوزارة فى حدود السياسة العامة للدولة ويقوم بتنفيذها ) إذا هو ينفذ سياسة وزاره فى حدود السياسة العامة للدولة وليس من اختصاصه إقامة العدالة بين الناس ويترتب على ذلك بداهة انتفاء استقلال القاضى العسكرى
ثانيا: :- المركز القانونى للقاضى العسكرى ( ومدى تمتعه بالحصانة والحيدة والإستقلال ) إذا كان القاضى العسكرى ليس مستقلا كما بينا - فإنه أيضا لا يتمتع بأى حصانه على الإطلاق سواء فى (التعيين او الترقيه - أو الندب - او الإعارة - أو العزل - اوالتاديب) وذلك على النحو التالى:- تنص كانت أحكام مواد القانون 25/1966 صراحة فى اكثر من موضع على خضوع القضاة العسكريين لأحكام قانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة رقم 232 لسنة 1959– ومن ثم فهم يخضعون للأحكام الأتيه :-
أ. فى التعيين :
1 - يكون تعيين القضاه العسكريين بقرار من وزير الدفاع ( م 54 / 1 ) القانون 25/1966 .
2- يخضع القضاه العسكريين لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية ( م 57 ) القانون 25/1966
3- يقسم ضباط القوات المسلحة عند بدء تعيينه يمين الطاعة . ( م 101 القانون رقم 232 لسنة 1959)
وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بذلك .
ب . فى الترقية :
4- تكون الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة مقدم بالأقدمية العامة ( م 27 القانون رقم 232 لسنة 1959)
5- تكون الترقية إلى رتب عقيد وعميد ولواء بالإختيار ( م 28 القانون رقم 232 لسنة 1959)
فاذا كان غير أهل للترقيه فيحال للمعاش (م 31و34)
ملحوظه - بغض النظر عن سنه انذاك 00علما بأن القاضى الطبيعى يظل فى الخدمه دون رأى لأحد حتى سن السبعين وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بذلك .
ج. فى التأديب
6- يخضع العقوبات التى توقع على الضباط المنصوص عليها بالمادة 110 و 112 و134 من القانون رقم 232 لسنة 1959) ومنها الترك فى الترقية – والإحالة إلى الإستداع – والإستغناء عن الخدمات . وتختص لجان الضباط المنصوص عليها بالماده 4 القانون رقم 232 لسنة 1959) بتوقيع هذه العقوبات .
د. فى الحصانه :
7- فتنص الماده 22على انه ينشأ بادارة كاتم اسرار حربيه لكل ضابط عند بدء تعيينه ملفان أولهما ملف خدمه – والثانى الملف السرى 000
8- و تنص الماده 23 /3 على انه – يجوز فى الاحوال الاستثنائيه كتابة تقرير كفاءة خاص عن الضباط وذلك بناء على طلب الرئاسات أو اذا رأى القائد المباشر فى أى وقت ان الضابط غير صالح للخدمه لاى وجه من الوجوه0
9- وتنص المادة 26 على انه اذا كتب عن الضابط تقرير خاص غير مرض – او ذكر انه غير اهل لوظيفته الحاليه او لوظيفة أخرى او للترقية – يعرض أمره فورا على لجنة الضباط المختصه .
وأخيرا 000تنص الماده 138 فقره أخيره على انه (يجوز لرئيس الجمهوريه - بقرار منه – انهاء خدمة الضابط باحالته الى المعاش0
(فلا حصانه ولا حماية لا فى التعيين ولافى الترقيه ولا فى النقل أو العزل ولا المساءلة والمحاكمة).
لما كان ذلك وكان الدستور ينص على أن :
( استقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات ) ( م 65 ) إن استقلال القضاء وحصانته - ليست مزية للقضاء - بقدر ما هى ضمانه لحقوق المواطن وحرياته
ولما كان القضاء العسكرى مجرد مجالس عسكرية (إدارية) لها اختصاص قضائى لا يتمتع أعضاؤها بأى قدر من الحصانة ولا الاستقلال ويتبعون تبعيه بعيدة المدى لأكثر من ست سلطات تنفيذية تابعه للسلطة التنفيذية فإنه تضحى الحقوق والحريات بلا أدنى قدر من الحماية والرعاية وفى ذلك مصادمه صريحة ومخالفه مفضوحة لأحكام الدستور .
إذا السؤال الآن هو: هل القاضى العسكرى هو القاضى الطبيعى ؟
لما كان القضاء العسكرى إدارة تابعه لإحدى إدارات السلطة التنفيذية وخاضعة لها تمام الخضوع ولا تتمتع فى مواجهتها بأى قدر من الحصانة والحماية فهل تعتبر هى السلطة القضائية المنصوص عليها الدستور المادة 68 ؟؟ والإجابة كالتالي:
( أ )- أوردتها المذكرة الإيضاحية للقانون 25 لسنة 1966 والتى تنص على أن ( هذه السلطات هى أقدر من غيرها على تفهم مقتضيات النظام العسكرى وتصرفات أفراد القوات المسلحة سواء فى الحرب أو السلم ) وبمفهوم المخالفة فإن القضاء العادى هو القاضى الطبيعى وهو أقدر من غيره على تفهم الحقوق والحريات للمواطنين ومدى اتساقها وانضباطها فى إطار المصلحة العامة وفق حدود الدستور والقانون.
(ب)- كما أوردتها المادة 54 من ذات القانون (يعين القضاة العسكريون بقرار من وزير الدفاع ).
(ج) - وأنهم يخضعون ( لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية (م57). فهل هؤلاء يمثلون القاضى الطبيعى ؟!
وعلى ذلك يصبح الطعن بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية – وكذا ما استند إليه من نص المادة السادسة من القانون 25 / 1966 وتعديلاته طعنا صحيحا واقعا وقانونا .
4 – 4 أحكام المحاكم العسكرية- وطرق الطعن عليها
1 - تنص المادة 84 من القانون 25 / 1966 وتعديلاته على انه :- ( لا تصبح الأحكام نهائيه إلا بعد التصديق عليها على الوجه المبين فى هذا القانون)
2 – وتنص المادة 97 من ذات القانون – على انه – (يصدق رئيس الجمهورية – أو من يفوضه على أحكام المحاكم العسكرية)
3 – وتنص المادة 99 و100 منه - على انه:- يكون للضابط المصدق- عند عرض الحكم عليه – السلطات الآتيه:
(تخفيف العقوبة – أو إبدالها بأقل منها – أو إلغاء كل العقوبات - أو بعضها أيا كان نوعها – أو إيقاف تنفيذها كلها أو بعضها – أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى – أو الأمر بإعادة المحاكمة أمام محكمة أخرى )
الأمر الذى يعنى خضوع الأحكام العسكرية لهوى السلطة ورضاها وذلك 00 يخالف أحكام الدستور حيث تنص المادة 166/2 بأنه: (لا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو شئون العدالة)
4 – أما عن طرق الطعن عليها- فتختص به المحكمة العليا للطعون العسكرية المنسأة بالقانون 16 لسنة 2007 كبديل لمحكمة النقض – بما يحرم المحكوم عليه من اللجوء لمحكمة النقض (القاضى الطبيعى) اخلالا بالمواد 8 و40 من الدستور ( المساواة – وتكافؤ الفرص)
وأخيرا 0000 وبعد ما سلف بيانه - يثور التساؤل - أليس قرار إحالة المدنيين للمحاكمة أمام القضاء العسكرى تطبيقا نموذجيا لفكرة التعسف وإساءة استعمال السلطة والانحراف بها ؟
الفصل الخامس: المحاكمات العسكرية للإخوان ... ملف تاريخي وقانوني
مرت القضية العسكرية رقم 2 لسنة2007 جنايات عسكرية عليا والمقيدة برقم 963 لسنة2006 حصر أمن دولة عليا الخاصة بمحاكمات قيادات وأساتذة جامعات من جماعة الإخوان المسلمين– ولا زالت – بجدل وصراع قانوني لا يقل ضراوة عن الصراع السياسي المحتدم بين الحكومة والإخوان ... بل كان أشد وطأة. وسلكت هيئة الدفاع عن المحالين كل سبيل قانوني من أجل إفشال مخطط الحكومة في محاكمتها لسجناء الرأي هؤلاء, وإسباغ الشرعية القانونية على هذه المحاكمة التي خالفت كل الشرائع من دساتير وقوانين ومواثيق دولية وأعراف.
وفي هذا الفصل نتناول القضية توضيحًا وتجلية لوقائع حدثت فعلا لتكون شاهدًا على ما جرى واضعين أمام القانونيين والمهتمين بحقوق الإنسان حقائق ما تم في هذه القضية من إجراءات.
وفي تناولنا لهذا الملف التاريخي القانوني لهذه القضية نتعرض لثلاث نقاط رئيسية هي كالتالي: أولها: تاريخ الإخوان المسلمين مع المحاكم العسكرية.
ثانيها: مدى قانونية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
ثالثها: الصراع القانوني والقضائي الذي شهدته هذه القضية.
5 - 1 تاريخ المحاكمات العسكرية مع الإخوان.
بدأت المحاكمات العسكرية للإخوان منذ قيام ثورة 1952 واستمرت طوال الحقبة الناصرية، ثم عادت للظهور في عصر الرئيس مبارك سنة 1995، وسوف نسلط شيئًا من الضوء على المحاكمات العسكرية خلال هاتين الحقبتين كالتالي:
1. المحاكمات العسكرية للإخوان في العصر الناصري:
يرجع تاريخ المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين في العهد الناصري إلى سنة 1953 حيث تم تشكيل محكمة الثورة من ضباط الجيش .. وكانت أول قضية عسكرية للإخوان معروضة أمام هذه المحكمة في أكتوبر 1954 م.
ثم تلتها بعد ذلك في العام التالي ثلاث محاكمات في يناير 1955، و مارس 1955، و يونيو 1955. وفي هذه القضايا العسكرية الأربع تم الحكم على أكثر من تسعمائة شخص (هذا بخلاف آلاف المعتقلين الذين لم يقدموا للمحاكمة وقتها) وتراوحت الأحكام ما بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
وفي العام 1965 قامت السلطات بحملة محاكمات عسكرية في مواجهة الإخوان تمثلت في سبع قضايا: أربع منها كانت التهم فيها تتمثل في الاتهام بتغيير الدستور وتشكيل تنظيم سري (جماعة الإخوان المسلمون)، ومحاولة قلب نظام الحكم، وثلاث قضايا أخرى كانت التهم فيها تنحصر في محاولة إحياء الجماعة وتزويد المعتقلين والمسجونين من الإخوان وأسرهم بالمال.
وشملت القضايا الأربع الأولى مائة وتسعة وتسعين متهمًا (43 في الأولى، 46 في الثانية، 50 في الثالثة، 60في الرابعة)، وتم الحكم فيها على سبعة أشخاص بالإعدام، وبالمؤبد على ستة وعشرين شخصًا، فيما حُكِم على اثنين وأربعين شخصًا بالسجن لمدة خمس عشرة سنة، وعشرين شخصا بالسجن لمدة عشرين سنة، وواحد وثلاثين شخصًا لمدة عشر سنوات، وأربعة عشر شخصًا لمدة أربع عشرة سنة، وشخصين لمدة سبع سنوات، فيما حصل أربعة عشر شخصًا على البراءة وحكم بالإفراج.
أما القضايا الثلاث الأخرى فهي كالتالي:
- القضية الخامسة تم محاكمة ثلاثة وأربعين شخصًا فيها, وحكم على ثلاثة أشخاص بالسجن عشر سنوات، وشخص واحد سبع سنوات، واثنان خمس سنوات، وأربعة وعشرين فردًا بالسجن ثلاث سنوات، وثمانية أفراد بسنتين، وخمسة أفراد بسنة واحدة، بالإضافة إلى أن ثلاثة من المحكوم عليهم بالحبس تم الحكم عليهم أيضًا بغرامة مالية كبيرة.
- القضية السادسة وتم خلالها محاكمة ثمانية وخمسين شخصًا فيها وتراوحت الأحكام ما بين ثلاث سنوات وسنة حيث تم الحكم على واحد وأربعين فردًا بالسجن ثلاث سنوات، خمسة عشر فردًا بسنتين، وفرد واحد بسنة مع الإيقاف، هذا بالإضافة إلى براءة شخص واحد.
- القضية السابعة وحوكم فيها واحد وخمسون شخصًا فيها وتراوحت الأحكام مابين ثلاث سنوات وسنة.
2. المحاكمات العسكرية للإخوان في عهد الرئيس مبارك:
وعاد أسلوب المحاكم العسكرية إلى الظهور مرة أخرى في عهد الرئيس مبارك وهي:
- قضيتا سنة1995 م التي تزامنت مع الانتخابات البرلمانية في مصر وحوكم فيها ما يقارب من تسعين شخصًا من الإخوان وحملتا رقمي 8 ، 11 لسنة 1995 جنايات عسكرية عليا وتراوحت أحكام السجن فيها ما بين ثلاث وخمس سنوات، مع صدور بعض الأحكام بالبراءة.
- قضية حزب الوسط سنة 1996: وحملت رقم 5 لسنة 1996 جنايات عسكرية عليا.
- قضية النقابيين سنة 1999: وحملت رقم 8 لسنة 1999 جنايات عسكرية حيث اتخذت السلطات قرارًا بإحالة مجموعة من الإخوان إلى القضاء العسكري من المحامين والأطباء والمهندسين والتجاريين والأطباء البيطريين والصيادلة والمعلمين، بتهم التغلغل في الأوساط النقابية والإعداد للانتخابات فيها.
- قضية أساتذة الجامعات: وحملت رقم 29لسنة 2001 جنايات عسكرية عليا وأحيل على ذمتها مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات بعد أن تم انتزاعهم من أمام قاضيهم الطبيعي وصدر بحقهم أحكام بالسجن ما بين (ثلاث – خمس سنوات) مع تبرئة بعضهم.
- قضية جامعة الأزهر: والمقيدة تحت رقم 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا وكان نواتها أو بدايتها ما سُمِّي بأحداث طلبة الأزهر (الذين تلاشى أثرهم في القضية عند إحالتها للقضاء العسكري) تم توجيه اتهامات لأربعين من قيادات الإخوان المسلمين..
وأغلب المتهمين في هذه القضية من رجال الأعمال الذين يملكون مشروعات اقتصادية كبيرة داخل مصر وخارجها، وكذلك مجموعة من العلماء البارزين وأساتذة الجامعات، وقد وجهت لهم اتهامات منها العمل على تعطيل الدستور وتولي قيادة في جماعة أُسِّست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة أعمالها، وأضافت لبعضهم تهمة غسيل الأموال.
جدول يوضح (القضايا التي أحيل فيها الإخوان إلى المحاكمات العسكرية في عهد الرئيس مبارك)
مسلسل | القضية | المتهمين | سجن | براءة | العقوبة |
---|---|---|---|---|---|
1 | 8 لسنة 1995 جنايات عسكرية عليا | 49 | 34 | 15 | السجن من 5-3 سنوات |
2 | 11 لسنة 1995 جنايات عسكرية عليا | 32 | 20 | 12 | السجن من 5-3 سنوات |
3. | 5 لسنة 1996 جنايات عسكرية عليا (قضية حزب الوسط) | 13 | 8 | 5 | السجن من 5-3 سنوات |
4 | 18 لسنة 1999 جنايات عسكرية عليا(قضية النقابيين) | 20 | 15 | 5 | السجن من 5-3 سنوات |
5 | 29 لسنة 2001 جنايات عسكرية عليا (قضية أساتذة الجامعات) | 22 | 15 | 7 | السجن من 5-3 سنوات |
6 | 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا | 40 | 25 | 15 | السجن من 10-3سنوات مع مصادرة أموال بعض المتهمين |
الإجمالي | . | 177 | 117 | 59 | . |
5 – 2 المحاكمات العسكرية من وجهة نظر قانونية
تختص المحاكم العسكرية أصلاً بالنظر في القضايا الخاصة بالعسكريين أو التي تقع بالأساس على الجيش ووحداته العسكرية، وتتكون هذه المحاكم من ضباط بالجيش يحصلون على الرتب العسكرية ويعاملون بذات القواعد واللوائح التي يعامل بها ضباط باقي وحدات الجيش، ويخضعون لذات قواعد التأديب الخاصة بهم، .وذلك طبقًا لما نَصّ عليه القانون رقم٢٥لسنة ١٩٦٦ وتعديلاته في المادتين الثانية والثالثة منه بشأن تطبيق قواعد الترقية والجزاءات الواردة بقانون شروط الخدمة والترقية لضباط القوات المسلحة الصادر بالقانون رقم ٢٣٢ لسنة ١٩٥٩ على الضباط الذين يتولون وظيفة القضاء العسكري.
أما المحاكم الجنائية العادية فهي التي تختص بنظر الجرائم التي يرتكبها المدنيون وهي التي تمثل القضاء الطبيعي بالنسبة لهم وقضاتها هم القضاء الطبيعي بالنسبة للمدنيين.. وهذا هو معنى القاضي الطبيعي الذي نص الدستور على أن لكل مواطن الحق في الالتجاء إليه.
وبالتالي فالمحاكم العسكرية هي محاكم استثنائية بالنسبة للمدنيين، ولا تختص بنظر نزاعاتهم وجرائمهم وتمثل قضاءً استثنائيًّا مخالفًا للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية حتى ولو نَصّ عليها قانون فإنه يعد بذلك مخالفًا للدستور، ولما نصت عليه دساتير الدول المتقدمة ومبادئ حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة والمواثيق والمعاهدات الدولية.
1. ضمانات المحاكمة العادلة في الدستور المصري وضوابطها
نص الدستور المصري على ضمانات لوجود محاكمة عادلة للمواطنين ولمواجهة عسف السلطة في مواجهة خصومها السياسيين وهي تتمثل في :
المادة(65) والتى تنص على (تخضع الدولة للقانون. واستقلال القضاء وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات.)
المادة(67/1) والتي نصت على (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمه قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه).
المادة (68) والتي حظرت حرمان المواطنين من حقهم في المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي (التقاضي حق مصون . ومكفول للناس كافة - ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.)
مادة(70) والتي نصت على (لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية).
وبناء على هذه النصوص: فإن لكل مواطن حقوقًا وضمانات كفلها له الدستور يمتنع على أي قانون أو قرار أن يمسها أو ينتقص منها فضلاً عن ابتلاعها أو اغتيالها، والقضاء العسكري لا تتوافر فيه هذه الصفات إذ أنه لا يتمتع بالاستقلالية وليست له حصانة وقضاته يتبعون وزير الدفاع الذي يمثل السلطة التنفيذية طبقًا لنص القانون.
2. ضمانات المحاكمة العادلة في المعاهدات والمواثيق الدولية:
جاءت المعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مؤكدة على حق المواطنين في محاكمة عادلة منصفة أمام قاضيهم الطبيعي، معتبرة أن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أو الاستثنائية مخالفة لما استقرت عليه الأمم المتحضرة، واعتبرت ذلك مخالفة لحقوق الإنسان.
فقد نصت المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرًا منصفًا وعلنيًّا للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمه جزائية تُوجَّه إليه"
كما نَصّ على ذلك أيضًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة الرابعة عشر منه فقد نصت على " الناس جميعًا سواء أمام القضاء . و من حق كل فرد ، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه و التزامات في أية دعوى مدنية ، أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية ، منشأة بحكم القانون".
وقد صدّقت الحكومة المصرية على هذا العهد وأصبح قانونًا ملزمًا واجب التطبيق إلا أنها لم تلتزم به عملاً.
فإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية التي تفتقد الضمانات التي نصت عليها مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمعتمدة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29 نوفمبر 1985 ورقم 40/146 في 13 كانون الأول / ديسمبر 1985 تتناقض مع ما أقرته هذه المبادئ التي نصت على أن:
"(1) تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه . ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .
(2) تفصل السلطة القضائية في المسائل المعروضة عليها دون تحيز، على أساس الوقائع ووفقًا للقانون، ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو أية إغراءات أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، من أي جهة أو لأي سبب .
(3) تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي، كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسألة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون .
(4) لكل فرد الحق في أن يُحاكَم أمام المحاكم العادية أو الهيئات القضائية التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية، لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة حسب الأصول والخاصة بالتدابير القضائية، لتنتزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية أو الهيئات القضائية".
وعلى الرغم من النص في الدستور المصري والمبادئ والمعاهدات والاتفاقيات الدولية على إلزام سلطات الدولة بمحاكمة المدنيين أمام قاضيهم الطبيعي إلا أن قانون القضاء العسكري المصري رقم 25لسنة 1966 وتعديلاته جاء في مادته السادسة باستثناء خطير يمس الحقوق والحريات وينال منها فقد أعطى لرئيس الجمهورية حق إحالة أي من المدنيين المتهمين في القضايا أو الجرائم العادية – غير العسكرية- إلى المحاكم العسكرية الاستثنائية.
وقد تقرر هذا الحق الاستثنائي بموجب المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية رقم 25لسنة 1966 والمعدل بالقانون رقم 5لسنة 1970 – والذي خَوّل لرئيس الجمهورية – حق إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية دون إبداء أية أسباب أو وضع معايير موحدة تتعلق بذلك، حيث تنص على: " تسري أحكام هذا القانون على الجرائم المنصوص عليها في البابين (الأول والثاني) من الكتاب الأول من قانون العقوبات وما يرتبط بها من جرائم والتي تحال إلى القضاء العسكري بقرار من رئيس الجمهورية – ولرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يحيل للقضاء العسكري أيا من الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر"..
إلا أن الحكومة استخدمت هذا الاستثناء الذي خوله لها القانون في العصف بخصومها السياسيين فقط دون غيرهم، مما نتج عنه إخلال جسيم بحقوقهم وحرياتهم، وأصبح بابًا للالتفاف على الحقوق والحريات ولمخالفة المعاهدات والمواثيق الدولية.
5 – 3 الصراع القانوني في القضية
قامت نيابة أمن الدولة بالتحقيق في هذه القضية ووجهت للمقبوض عليهم التهم المعتاد توجيهها للإخوان في المناسبات المختلفة، وذكر منها قرار الاتهام ما يلي: الانضمام إلى جماعة أسست على خلاف أحكام القانون وتولي القيادة فيها، والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقانون ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية والحقوق العامة لمواطنين التي كفلها الدستور، وإحياء نشاط الجماعة بين مختلف قطاعات الدولة والتغلغل بالتوجيه الفكري والدعم بالمال والسلاح بين القاعدة الطلابية وسائر المنضمين إليها من قطاعات الشعب، واستعمال الإرهاب وسيلة لتحقيق وتنفيذ تلك الأغراض ... فضلاً عن توجيه تهمة جديدة لم توجهها النيابة لأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين من قبل وهي تهمة غسيل الأموال.
1. جلسات نظر الحبس الاحتياطي:
قامت نيابة أمن الدولة العليا بحبس المتهمين حبسًا احتياطيًّا على ذمة القضية رقم 963لسنة 2007 حصر أمن دولة عليا فطعن المتهمون بالاستئناف وتحدد لنظره جلسة 29 يناير 2007 أما الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة التي أصدرت قرارها بإلغاء قرارات الحبس الاحتياطي الخاصة ب 16 متهما المعروضين عليها وإخلاء سبيلهم فورًا من سراي المحكمة بإخلاء سبيل المتهمين فورًا وبلا ضمان وإلغاء جميع قرارات الحبس الصادرة من نيابة أمن الدولة العليا.
إلا أن وزارة الداخلية لم تنفذ القرار وأصدر وزير الداخلية قرارًا باعتقالهم بموجب قانون الطوارئ.
وبعد أن أصدر وزير الداخلية قراره باعتقال المخلى سبيلهم من قبل قاضيهم الطبيعي -والذي ألغى جميع قرارات نيابة أمن الدولة الصادرة بحبسهم- تظلم دفاعهم من القرار الصادر باعتقالهم، فنظر هذا التظلم أمام محكمة الجنايات في دائرة أخرى غير التي أخلت سبيلهم سابقًا فقضت هذه الدائرة بإخلاء سبيلهم أيضًا لثاني مرة من قاضيهم الطبيعي.
إلا أن وزارة الداخلية اعترضت عليه فنظر أمام دائرة جنايات ثالثة قررت رفض اعتراض وزير الداخلية وتأييد قرار المحكمة بالإفراج عنهم للمرة الثالثة..
2. التحفظ على الأم
وعلى إثر توجيه النيابة تهمة غسل الأموال أصدر النائب العام قرارًا بمنع المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر من التصرف في أموالهم السائلة والعقارية والمنقولة والنقدية ومنعهم من إدارتها وتحدد لنظر هذا الأمر جلسة 30 يناير 2007 أمام الدائرة الرابعة محكمة جنايات جنوب القاهرة والتي أصدرت قرارها بالتأجيل لجلسة 22 فبراير 2007، وطبقًا لقانون الإجراءات الجنائية يجب لتنفيذ قرار النيابة بالمنع من التصرف أن يعرض على محكمة الجنايات لتصدر قرارها بتأييده.
وأثناء نظر طلب المنع من التصرف أمام محكمة الجنايات وقبل الفصل فيه، وبتاريخ 5 فبراير 2007 صدر القرار الجمهوري رقم 40لسنة 2007 بإحالة المعتقلين إلى القضاء العسكري.
3. تنازع قضائي غير مسبوق:
في الوقت الذي أصدرت محكمة أمن الدولة العليا الدائرة 16 جنايات شمال القاهرة قرارًا بالإفراج عن جميع المعروضين أمامها وإلغاء قرارات النيابة القاضي بحبسهم، وكانت الدائرة الرابعة جنايات جنوب القاهرة تنظر أمر النائب العام بمنع المتهمين وزوجاتهم وأولادهم القصر من التصرف في أموالهم على الرغم من علم المحكمة بصدور القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 من خلال المستندات التي قدمتها نيابة أمن الدولة لها بجلسة 22 فبراير 2007 وإصرار المحكمة على نظر الأمر ... في ذات الوقت كانت المحكمة العسكرية تباشر إجراءات نظر الدعوى!
مما حدا بهيئة الدفاع عن المحالين إلى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لطلب تحديد جهة القضاء المختصة بنظر هذه القضية وفض هذا التنازع وذلك طبقا للدستور، وطبقًا لقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والذي نص في الفقرة الثانية من المادة 25 منه على ".......... ثانيًا: الفصل في تنازع الاختصاص بتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وذلك إذا رفعت الدعوى عن موضوع واحد أمام جهتين منها ولم تتخل إحداهما عن نظرها أو تخلت كلتاهما عنها....."
وقد قيد طلب التنازع برقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا حيث أنه: " يترتب على تقديم الطلب وقف الدعاوى القائمة المتعلقة به حتى الفصل فيه" (المادة 31/3 من قانون المحكمة الدستورية العليا) وكان يجب علي كلا المحكمتين (المدنية، والعسكرية) وقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب التنازع إلا أن ذلك لم يحدث.
4. الصراع القانوني مع القرار الجمهوري...
ما إن صدر القرار الجمهوري رقم 40لسنة 2007 بانتزاع المحالين في القضية رقم 963لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا من أمام قاضيهم الطبيعي الذي أصدر قراره بإخلاء سبيلهم إلا وسلك دفاعهم طريقه القانوني لإلغاء هذا القرار الجمهوري حيث لجأ إلى مجلس الدولة فأقام الدعوى رقم 16336لسنة61ق أمام محكمة القضاء الإداري والتي نعى فيها على القرار الجمهوري مخالفته للدستور بحرمانه المحالين، المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي واعتدائه على حرياتهم وحقوقهم وذلك استنادًا لنصوص المواد (64، 65 ، 67 ، 68) من الدستور ، وكذلك للاتفاقيات والمبادئ والمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان التي وقّعت عليها الحكومة المصرية.
هذا فضلاً عما انطوى عليه القرار الجمهوري من عدم مشروعية لسبب إصداره، واعتباره مشوبًا بإساءة استعمال السلطة والانحراف بها وما ابتغاه القرار الطعين من تحقيق مآرب وأغراض السياسية، ولم يبغ تحقيق مصلحة عامة.
كما أن بعض المحالين في هذه القضية والذين تضمنهم القرار الجمهوري قد سبق إحالتهم إلى القضاء العسكري في العام 1995 وقاموا بالطعن بعدم دستورية نص المادة السادسة من قانون القضاء العسكري رقم 25لسنة 1966 أمام المحكمة الدستورية العليا إلا أن المحكمة لم تفصل في الطعن حتى الآن، ما يدلل على جدية الطعن بعدم دستورية النص الذي يخول رئيس الجمهورية الحق في إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
5. حكم تاريخي
بعد صدور قرار الإحالة رقم 40 لسنة 2007 طعن عليه المتهمون أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدائرة الأولي منازعات الأفراد وبجلسة 8 / 5 / 2007 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها التاريخي بوقف الطعون شكلاً وفي الموضوع بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة الطاعنين إلي القضاء العسكري علي أن ينفذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
إلا أن الحكومة قامت مخالفة للدستور وللقانون بالطعن علي الحكم بالاستشكال أمام محكمة غير مختصة ( محكمة عابدين للأمور المستعجلة).
وطعنت الحكومة علي حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا وتحدد نظر الطعن جلسة 14 / 5 / 2007 أمام الدائرة الأولي فحص الطعون فقام بعض المطعون ضدهم برد أعضاء الدائرة رئيسا وأعضاءً وذلك قبل نظر الطعن... أما أثناء نظر الطعن تم رد أعضاء الدائرة جميعًا أيضا للمرة الثانية لأنه ثبت أن أعضاء الدائرة ( رئيسا وأعضاء) منتدبون لدى خصوم المطعون ضدهم ومرؤوسيهم إلا أن دائرة فحص الطعون أو المخالفة للدستور والقانون و المستقر عليه من أحكام فصلت في طلب الرد ثم أمرت بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري و ثبوت انعدام هذا الأمر الصادر عن دائرة فحص الطعون؛ لأن الحكم الصادر من القاضي في الدعوى التي أوقفت بقوة القانون لسبب طلب رده حكم منعدم وعلة ذلك انحصار ولايته عنها نقض في 25 / 2 / 1999 الطعن رقم 4008 لسنة 62 ق.
6. انتداب القضاة باب خلفي للتأثير والشبهة
يطالب نادي القضاة منذ سنوات بعيدة بمنع ندب القضاة للعمل في غير الجهات القضائية، وبرز هذا الاتجاه في مؤتمر العدالة الأول سنة ١٩٨٦، والذي افتتحه الرئيس مبارك، كما برز في مشروع النادي لقانون السلطة القضائية، والذي أعده القضاة المطالبون باستقلال القضاء وإصلاحه منذ التسعينيات، حيث دأبوا في كل الجمعيات العمومية التي عقدوها داخل ناديهم خلال الخمس عشرة سنة الماضية علي تأكيد أن ندب رجال القضاء إلي الجهات الحكومية تدخل في شئون القضاء، وله تأثير سلبي علي حياد القضاة.
وتعود قضية الندب إلي جهات غير قضائية مثل الوزارات والهيئات وغيرها إلي سنوات طويلة ماضية، بدأت ـ بحسب سجلات النادي ـ في حقبة الرئيس جمال عبد الناصر وتحديدًا سنة ١٩٥٩، حيث تم النص عليه في القانون رقم ٥٦، ولأول مرة في تاريخ القضاء المصري العريق منذ نشأته في ١٨٨٣، وبرزت بشكل أكبر في عصر الرئيس أنور السادات، خصوصًا أنه جرى تصنيف القضاة إلي متعاونين وغير متعاونين، بمعنى مع الحكومة أو النظام أم ضده.
وإذا كان الندب عمومًا يظل داخل القضاء محصورًا في العمل داخل المحاكم أو وزارة العدل للعمل في أعمال إدارية، فإن قرارات الندب إلي خارج القضاء هو الأخطر، حيث يعمل من خلالها القضاة كمستشارين قانونيين للوزراء وأحيانًا مستشارين لـرؤساء الهيئات والمصالح الحكومية.
وقد برزت قضية الندب علي السطح مجددًا بمناسبة الطعن الذي نظره القضاء الإداري والمقدم من هيئة الدفاع عن المحالين للمطالبة برد الدائرة الأولى فحص الطعون عن نظر الطعن في الحكم الصادر في دعوى وقف محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية.
ففي القضية العسكرية رقم 2لسنة 2007 جنايات عسكرية عليا قامت الحكومة بالطعن على حكم محكمة القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا في اليوم التالي لصدور الحكم وتحدد جلسة بسرعة لم يسبق لها مثيل لنظره في خلال ثلاثة أيام في حين أن الطعون المقامة أمام المحكمة الإدارية العليا في الوضع الطبيعي لا تحدد لها جلسات إلا بعد مرور عام أو أكثر .
وبالنظر إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا التي نظر أمامها الطعن وجد أن من بينهم مستشار رئيس الجمهورية (مصدر قرار الإحالة الطعين إلى المحاكمة العسكرية) وباقي أعضاء الدائرة مستشارون لدى الهيئات والوزارات التابعة للسلطة التنفيذية، فقامت هيئة الدفاع بالطعن على قرارات انتدابهم للعمل لدى السلطة التنفيذية، وكذلك قدمت طلبات لردهم وتنحيتهم عن نظر الطعن إلا أن الدائرة التفتت عن طلبات الرد ورفضت التنحي عن نظر الطعن بالمخالفة للقانون الذي أوجب على الدائرة التي يقدم إليها طلب لردها أن تحيل طلب الرد إلى دائرة أخرى لتفصل فيه وتوقف نظر الدعوى لحين الفصل في طلب الرد.
وأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في أول جلسة بوقف تنفيذ حكم محكمة أول درجة (القضاء الإداري) القاضي بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية وذلك بالمخالفة للقانون وعلى الرغم من وجود طلبات رد للدائرة التي أصدرت الحكم.
والطعن على هذا الحكم من قبل الحكومة بهذه السرعة وتحديد جلسة أسرع ما يكون بهذه الطريقة، وصدور قرار المحكمة في أول جلسة بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم إلى القضاء العسكري يؤكد تأثير الانتدابات على السلطة القضائية وتدخل السلطة التنفيذية فيها مما يجب معه العمل على إلغاء هذه الانتدابات بالنسبة للقضاة مع توفير الاعتمادات المالية المستقلة للقضاة لنفي شبهة التأثير عليهم والعمل على استقلالهم، ولزرع الثقة لدى المتقاضين بشأن استقلالية السلطة القضائية.
ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي توضح أثر "الانتدابات" حيث أشار المستشار محمد حامد الجمل أحد رؤساء مجلس الدولة السابقين إلى حالة مماثلة صدر فيها حكم من محكمة القضاء الإداري لصالح مجموعة من المدنيين تمت إحالتهم للمحاكم العسكرية بإلغاء قرار رئيس الجمهورية بإحالتهم للقضاء العسكري إلا أن المحكمة الإدارية العليا ألغت هذا الحكم أثناء رئاسته لمجلس الدولة وذلك بسبب الانتدابات وتأثيرها على القضاة!.
7. إعلان بالإحالة في يوم عطلة رسمية
بعد أن قرر القاضي الطبيعي إخلاء سبيل المتهمين يوم 24 أبريل 2007 فوجئوا في اليوم التالي الموافق الأربعاء 25 أبريل 2007 وهو يوم عطلة رسمية بمناسبة عيد تحرير سيناء بتحديد جلسة الخميس 26 أبريل ميعادًا لبدء جلسات المحاكمة.
الفصل السادس : المحكمة العسكرية .. مشاهدات هيئة الدفاع!
تنوء الصحف والفضائيات ومواقع الإنترنت بمواد إعلامية كثيرة عما جرى في جلسات المحكمة العسكرية من تجاوزات وانتهاكات من جانب هيئات إعلامية وحقوقية أو على لسان شهود العيان الذين حضروا الجلسات والمحالين للمحكمة أنفسهم.
ورغم كثرة ما تداوله الإعلام عما جرى من تجاوزات وانتهاكات خلال جلسات المحكمة إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى ذكر أهم ما جرى وقتذاك، وذلك من أجل رسم صورة عن قرب ترصد أبرز تلك المخالفات والتجاوزات..
ومن أهم التجاوزات الصارخة التي شهدتها القضية ما يلي:
6 – 1 الحبس الاحتياطي
- دفع الدفاع بانعدام جميع قرارات الحبس الاحتياطي لعدم التسبب الذي أوجبه المشرع في نص المادة 136 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية وعدم وجود قرارات الحبس المسببة ولما صمم الدفاع علي الاطلاع علي قرار الحبس الاحتياطي تبين خلو الملف منه وطلب رئيس المحكمة من الحرس إحضاره وبعد فترة تم إحضار قرار حبس ولما طالعه الدفاع والمحكمة تبين أنه لمتهمين آخرين ولكن القرار المعتاد يستمر الحبس لمدة خمسة عشر يومًا أخري.
- قدّم الدفاع شهادة رسمية من المحكمة الدستورية العليا تفيد وجود الدعوى رقم 8 لسنة 29 ق تنازع دستورية عليا و وجوب وقف السير في إجراءات نظر الدعوى بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا وإخلاء سبيل جميع المحالين إلي القضاء العسكري.
- طعن الدفاع بالاستئناف علي قرارات الحبس الاحتياطي تطبيقًا لتعديل قانون الإجراءات وعند نظر جلسة الاستئناف وجد الدفاع والمتهمون ذات المحكمة التي أصدرت قرار الحبس الاحتياطي المطعون عليه بالاستئناف هي هي التي تنظر طعن الاستئناف وعندما طعن الدفاع بعدم جواز نظر ذات المحكمة للاستئناف صممت المحكمة علي نظر الاستئناف وانسحب الدفاع احترامًا للقانون . . . إلا أن المحكمة أصدرت قرارها برفض الاستئناف.
وفي اليوم التالي وفي تحدٍّ سافر لأحكام القانون كان محددًا نظر استئناف آخر فوجئ الدفاع بأن المحكمة التي تنظر الاستئناف أقل في الرتب العسكرية من المحكمة المستأنف قرارها.
6 – 2 محاضر التحريات
أثبتت هيئة الدفاع أن مجرى التحريات لم يكن جادًا في تحريه وأن محاضر التحريات شابها الكثير من التناقضات والمخالفات كالتالي:
- أن محال إقامة أغلب من وردت أسماؤهم في محاضر التحريات غير صحيحة وتخالف الواقع.
- اختلاف أسماء عدد من المتهمين عن الأسماء الواردة في محضر التحريات.
- عدم معرفة مجرى التحريات لوظائف الكثير من المتحري عنهم.
- أن مجرى التحريات لم يحدد واقعة مادية واحدة تثبت صحة كلامه المرسل.
- أن مجرى التحريات أقر في جلسات المحاكمة انه لم يضبط لقاءً تنظيميًّا واحدًا حضره أي من المحالين.
- وإقراره أنه لم يضبط أيًّا من التسعة والثلاثين المحالين حال إمداده لأي من الطلاب بأي دعم مادي أو معنوي.
- عجز الضابط عن الرد على أسئلة هيئة الدفاع والاحتجاج بالنسيان أو الرجوع لمحضر التحريات.
- أن محضر التحريات ذكر بعض الشركات التي ليس لها علاقة بأي من المتهمين المحالين للمحاكمة العسكرية.
أن ضابط التحريات أورد أسماء بعض المتحرى عنهم بينما كانوا رهن الحبس أثناء إجراء التحريات. هذا إجمال! .. وفيما يلي نذكر محاضر التحريات وأهم التجاوزات التي شابت كل واحد منها على حدا كالتالي:
1 – محضر التحريات الأول مؤرخ 13 / 12 / 2006 الساعة 8 مساء بمعرفة المقدم / عاطف الحسيني الضابط بجهاز أمن الدولة.
وتناول هذا المحضر تسعة عشر شخصًا من المحالين للمحاكمة العسكرية و سبعة وتسعين طالبًا من جامعة الأزهر، علما أن محال إقامة التسعة عشر شخصًا : القاهرة ، الجيزة ، المنوفية ، القليوبية ، الإسكندرية .
وتشمل محافظة القاهرة مناطق واسعة وهي: ( مدينة نصر ، عين شمس ، عباس العقاد ، المنطقة الثامنة ، التجمع الخامس ، الحي السابع ، المرج الشرقية ، مساكن الشروق ، ميدان الإسماعيلية مصر الجديدة ، المطرية ، عين شمس الشرقية، المنيل )، أما محافظة الجيزة فتشمل ( شارع الهرم ، مدينة الأندلس ).
وقد أقر ضابط التحريات أمام النيابة العسكرية وأمام المحكمة العسكرية أنه وحده وبشخصه دون الاستعانة بأي من ضباط جهاز أمن الدولة الآخرين في سواء القاهرة أو المحافظات القائم بإجراءات التحريات عن هذا العدد الكبير المقيم في أماكن متفرقة ومتعددة.
2 – محضر التحريات الثاني بذات التاريخ 13 / 12 / 2006 الساعة 11.30 مساء، وحرره ذات الضابط عن عدد اثنين من طلبة جامعة الأزهر.
وبسؤال الضابط أمام المحكمة العسكرية عن الفترة الزمنية التي استغرقها في الذهاب إلي منزل المستشار المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة من أجل عرض محضر تحرياته الأول ثم العودة لكتابة المحضر الثاني قرر بأن الفترة الزمنية كانت حوالي ساعتين ذهابًا ومثلها إيابًا!.
وبالاطلاع علي تأشيرة المستشار العام الأول عن محضر التحريات الأول تبين أن توقيتها الساعة 10.30 مساء فكيف استطاع هذا الضابط أن يقوم بإرسال الفاكسات الخاصة بقرارات القبض والتفتيش لعدد مائة وسبعة عشر شخصًا في أماكن مختلفة كما أوضحنا سابقًا ثم يقوم بتحرير محضر تحرياته الثاني؟!!
3 – محضر التحريات الثالث وحرره ذات الضابط يوم 19 / 12 / 2006 الساعة 12 ظهرا، وتناول خمسة عشر شخصًا من بينهم من يقيم في أوروبا وعدد اثنين بالقاهرة، فضلاً عن التحري عن شركات وشقق وعقارات عددها عشر شركات بالإضافة إلي واحد وعشرين فرعًا و عشر شركات بالقاهرة و الإسكندرية و الجيزة.
وتبين أن من العقارات اثنين فيلا تحت الإنشاء بمنتجع لايك فيو بمنطقة التجمع الخامس عبارة عن أرض فضاء ولا يوجد فيها أي مباني وذلك من خلال معاينة اللجان الهندسية المنتدبة من لجنة خبراء الكسب الغير مشروع.
وقد قرر الضابط أيضًا أنه قام بمفرده بإجراء التحريات في قارة أوربا وداخلجمهورية مصر العربية عن هذا العدد من الأشخاص وأيضًا الشركات والفروع الكائنة بطول البلاد وعرضها.
4- محضر التحريات الرابع والمحرر بمعرفة نفس الضابط بتاريخ 12 / 1 / 2007 الساعة 7 مساء عن تسعة أشخاص خارج البلاد في دولة الكويت والمملكة العربية السعودية بقارة آسيا ، وألمانيا بقارة أوروبا، وداخل البلاد في محافظات المنوفية ، الجيزة ، أسيوط ، الإسكندرية .. بالإضافة إلي عدد ثماني شركات.
وعند سؤال ضابط التحريات أمام المحكمة العسكرية هل سافر للخارج لإجراء التحريات عن الأشخاص المقيمين خارج البلاد أجاب بالنفي!
5 – محضر التحريات الخامس وحرره ذات الضابط بتاريخ 16 / 1 / 2007 الساعة 2 مساء حول أربعة أشخاص محل إقامتهم: الشرقية ، أسيوط ، كفر الشيخ ، البحيرة ، القاهرة ، الإسكندرية ، الدقهلية.. بالإضافة إلي عدد خمس شركات.
ونسب ضابط التحريات أفعالاً وأعمالاً للدكتور أمير محمد بسام مع أنه نفسه قرر بأن المتحري عنه كان رهن الاعتقال في تاريخ سابق عن التحريات وما زال معتقلاً أثناء إجراء التحريات!!! وأثبت ضابط التحريات أن هناك اجتماعات تنظيمية واستقبال الأموال من الخارج ولجنة لإدارة الأموال بالخارج وأخرى من الداخل ولجان نوعية وفنية واختراق لطلاب الجامعات ومعسكرات وتدريبات علي تفصيله الثابت في محاضر تحرياته.
وعندما سأله الدفاع عن تحديد مكان تنظيمي واحد ( أشخاص المجتمعين ومكانه وزمانه ) وأيضًا مكان التدريبات والمعسكرات والأموال التي وردت من الخارج وأشخاص الذين أرسلوها والآخرين الذين تلقوها وأعضاء اللجان الثابتة في محاضر تحرياته كانت الإجابة بالإحالة إلي محاضر التحريات التي خلت من أي وقائع مادية ثابتة يمكن نسبتها إلى أحد من المتهمين مما يؤكد عدم جدية هذه التحريات.
6 – 3 محاضر الضبط
لم تقل التجاوزات التي أثبتها الدفاع في محاضر التحريات عن مثيلتها في محاضر الضبط ومن أبرزها:
1 – محضر ضبط مؤرخ 17 / 1 / 2007 الساعة 5 صباحًا بمعرفة الرائد ياسر الحاج علي، وأعيد فتح المحضر ذاته الساعة 11 مساء بمعرفة الرائد هشام زين.
وعند سؤال الأخير أمام المحكمة العسكرية عن المحضر أنكر صلته به وأنه ليس بتوقيعه، أما الضابط محرر محضر الضبط فعند سؤاله في النيابة من الذي كلفك بالمأمورية؟ أجاب بالقول: إنه العميد أحمد أمين مفتش فرع مباحث أمن الدولة بكفر الشيخ تليفونيًّا... وأمام المحكمة العسكرية أجاب أن الذي كلفه بالمأمورية هو المقدم عاطف الحسيني ضابط التحريات.
وقد قامت هيئة الدفاع بالطعن بالتزوير علي محضر الضبط وطلبت التحفظ علي ضابط محرر محضر الضبط لقيامه بالتزوير في أوراق رسمية.
2 – محضر ضبط مؤرخ 24 / 12 / 2006 بمعرفة النقيب محمد مكاوي الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية الساعة 2 مساء، والذي قام بتفتيش محل سرار للملابس الكائن بمول سيتي سنتر.
3- وبمطالعة محضر التحريات سند التفتيش تبين خلو المحضر والإذن من المحل الذي قام الضابط بتفتيشه، وطلب الدفاع من المحكمة العسكرية التحفظ علي الضابط لدخوله وتفتيشه محل دون سند من القانون.
4 – قام الرائد محمد فاروق الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالإسكندرية بتحرير 4 محاضر ضبط هي كالتالي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 7 صباحًا بخصوص المتهم جمال محمود شعبان.
- الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة الواحدة صباحًا وخاص بمحل استقبال الكائن بمول جرين بلازا.
- الثالث بتاريخ 14 / 1 / 2007 الساعة 8 صباحًا وخاص بالمتهمأسامة عبد المحسن عبد الله شربي.
- الرابع بتاريخ 17/ 1 / 2007 الساعة 7.30 صباحًا وخاص بالمتهم أحمد أحمد النحاس.
وعند سؤاله أمام المحكمة عن الشخص الذي قام بتدوين هذه المحاضر قرر بأنه بشخصه قام بتحرير المحاضر الأربعة وبمطالعة المحكمة العسكرية للمحاضر الأربعة تبين أنها بخطوط مختلفة.
وقد طعن الدفاع بالتزوير المادي عليها وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جريمتين في نفس الوقت هما: التزوير في محرر رسمي، واستعماله بتقديمه إلي النيابة.
4 – الرائد حسن عبد الحميد شكري الضابط بمباحث أمن الدولة حرر خمسة محاضر ضبط وهي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 4 صباحًا وخاص بالمتهم أحمد عز الدين أحمد الغول.
- الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006، الساعة 11 صباحًا، محل سرار للملابس الجاهزة.
- الثالث بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 11 صباحًا، محل مادوك للملابس الجاهزة.
- الرابع بتاريخ 24 / 12 / 2007 الساعة 11.30 صباحًا عن محل مادوك للملابس الجاهزة.
- الخامس بتاريخ 14/ 1 /2007 الساعة 1 صباحًا، مقر شركة التنمية العمرانية للاستثمار العقاري.
وعند سؤال الضابط أمام المحكمة العسكرية عن الشخص القائم بتحرير هذه المحاضر قرر بأنه قام بشخصه بتحريرها وعند مطالبة المحكمة العسكرية لهذه المحاضر الخمسة تبين أنها بخطوط مختلفة بالإضافة إلي أن المحضرين الثالث والرابع يتعلقان بتفتيش نفس المكان وهو محل مادوك وقد حررا بذات العبارات ولكن بخط مختلف وبتوقيت مختلف الأول الساعة 11 صباحا والثاني الساعة 11.30 صباحًا!. وقد طعن الدفاع علي هذه المحاضر الخمسة بالتزوير المادي وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها بتقديمها للنيابة.
5 – النقيبمصطفي عبد المجيد حرر ثلاثة محاضر هي:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 6 صباحًا عن المتهم محمد علي فتحي سليمان بليغ بمصر الجديدة.
- الثاني بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 7 صباحًا عن المتهم صلاح الدسوقي عامر مراد المقيم بمدينة عين شمس.
- الثالث بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 6.30 مساء ويخص شركة المدائن الهندسية.
وعند سؤاله قرر أنه قام بمفرده بتحرير المحاضر الثلاثة أمام المحكمة العسكرية قرر بأنه بشخصه من قام بتحريرها ولكن تبين من مطالعة المحاضر الثلاثة أنها بخطوط مختلفة مما دفع هيئة الدفاع إلى الطعن بالتزوير المادي عليها والمطالبة بالتحفظ علي الضابط لارتكابه جريمتي التزوير واستعمال محررات رسمية بالإضافة.
وتبين أيضًا أن المحضر الأول والثاني تم تحريرهما بذات التاريخ بفارق زمني ساعة رغم استحالة أن يقوم ضابط واحد بتنفيذ مأموريتين في منطقتين مختلفتين خلال هذا الوقت القصير وكما هو موضح في محضريه (وقد طعن الدفاع بالتزوير عليها أيضًا).
كما قام هذا الضابط بإثبات واقعة غير حقيقية بمحضر ضبطه وهي أنه تقابل مع شقيقة المتهم الأول فاطمة محمد علي فتحي سليمان بليغ رغم أن المتهم ليس له شقيقة بهذا الاسم!.
6 – النقيب هشام محمد توفيق حرر محضرين هما:
- الأول بتاريخ 14 / 12 / 2006 الساعة 8 صباحًا، عن المتهم محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر وخاص بمسكنه وشركة سلسبيل.
وتحت بند ملحوظة أثبت الضابط أنه تم تسليم شركة سلسبيل لقسم شرطة مدينة نصر أول لتعيين الحراسة اللازمة عليها وتم تحرير محضر بتلك الإجراءات لحين صدور تعليمات نيابة أمن الدولة العليا وأرفقت صورة منه - أي محضر التشميع والحراسة.
وبمطالعة المحضر المرفق اتضح أنه برقم 635 قسم شرطة مدينة نصر أول بتاريخ 14 / 12 / 2006 بمعرفة م . أ. خالد النبوي رئيس الدورية وأثبت فيه أنه تقابل مع الرائد هشام زين الضابط بالإدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة وذلك لتأمين مأموريته بغلق وتشميع الشقة حيث قرر أن الغلق بناء علي أذن نيابة أمن الدولة.
وتبين أن محضر الضبط المحرر بمعرفة الضابط هشام توفيق مزور بدليل المحضر المحرر بمعرفة قسم شرطة أول بمدينة نصر والثابت به أن الذي قام بالقبض والتفتيش الرائد هشام زين وليس الرائد هشام توفيق.
- المحضر الثاني بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 8.30 صباحًا ويتعلق بالقبض والتفتيش لشخص ومسكن وشركات حسن عز الدين يوسف مالك وثابت في محضر الضبط ملحوظة رقم 3: تم تحريز الخزينة الحديدية التي عثر عليها بمحل إقامة المأذون بضبطه وتفتيشه حسن عز الدين يوسف مالك والتي تحتوي كمية من المشغولات الذهبية والمبالغ المالية ... وتم غلقها وتحريزها بمعرفة الضابط هشام توفيق ولم يذكر محتويات الخزينة تفصيلاً وتم عرضها علي نيابة أمن الدولة التي لم تقم بفض الحرز بالمخالفة للقانون وتعليمات النيابة العامة إلى أن أحيلت القضية إلي القضاء العسكري وبتاريخ 19 فبراير 2007 فشلت النيابة العسكرية في فتح الخزينة بحضور الضابط / هشام توفيق والمتهم حسن مالك وأثبتت أن المفتاح الخاص بالتشغيل غير موجود ومنزوع من لوحة الأرقام الخاصة بالخزينة مما ترتب عليه وجود عطل في الدائرة الكهربية اللازمة لفتح الخزينة.
وبجلسة المحكمة العسكرية تقرر فتح الخزينة بمعرفة أحد الخبراء وبحضور الضابط / هشام توفيق وسجين الرأي حسن مالك وبمعرفة النيابة العسكرية ... وقد أقر الضابط أما النيابة العسكرية أن الخزينة كانت تحتوي علي كميات كبيرة من المشغولات الذهبية والمبالغ المالية وعند قيام النيابة العسكرية بفتح الخزينة بمعرفة أحد الخبراء تنفيذًا لقرار المحكمة كانت المفاجأة أن الخزينة خاوية تمامًا!
7 – محضر ضبط مؤرخ بتاريخ 17 / 1 / 2007 بمعرفة م. أ: أحمد رفعت الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة بضبط وتفتيش مسكن المتهممحمود عبد اللطيف علي عبد الجواد الساعة 6 صباحًا بمحافظة البحيرة.
8 – محضر ضبط مؤرخ بتاريخ 17 / 1 / 2007 بمعرفة نقيب عصام طه الضابط بجهاز مباحث أمن الدولة بضبط وتفتيش شخص ومسكن ضياء الدين السيد عبد المجيد فرحات الساعة 8 صباحًا.
وثابت في نهاية المحضرين أنه أعيد فتح المحضرين بتاريخ 17 / 1 / 2007 الساعة 11 مساءً بمعرفة الرائد هشام زين وبمواجهة الرائد المذكور بهذين المحضرين أمام المحكمة العسكرية أنكر علاقته بهما قائلاً: " إن هذا المحضر والتوقيع غير منسوب إليه وطعن الدفاع بالتزوير علي المحضرين وطلب من المحكمة التحفظ علي الضباط الثلاثة لقيامهم بارتكاب جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها.
9 – محضر ضبط محرر بمعرفة النقيب السيد إبراهيم ضابط بمباحث أمن الدولة بتاريخ 24 / 12 / 2006 بشأن تفتيش المخزن التابع لدار التوزيع والنشر الإسلامية والكائن بطريق القاهرة الإسكندرية الزراعي بقليوب، وأثبت المذكور أنه تقابل مع أكثم مصطفي إبراهيم متولي وأرفق صورة طبق الأصل من المحضر رقم 4151 لسنة 2006 إداري قسم قليوب وبمطالعة الصورة المرفقة تبين أنها محررة الساعة 6 صباحًا أي في تاريخ لاحق علي محضر الضبط، أي أنها كانت أثناء تحرير محضر الضبط في حكم العدم فكيف تم إرفاقها في المحضر وذكر رقمها؟!!
وطعن الدفاع علي محضر الضبط بالتزوير وطلب التحفظ علي الضابط السيد إبراهيم لارتكابه جناية التزوير في محرر رسمي.
10 – محضر ضبط مقرر في ذات التاريخ وبذات التوقيت بمعرفة الرائد نادر يوسف محجوب الضابط بمباحث أمن الدولة حول تفتيش مكتبة البشائر الكائنة علي نفق نصر الدين بالهرم الجيزة.. وذكر أنه تقابل مع ذات الشخص أكثم مصطفي إبراهيم الذي تقابل معه زميله في قليوب في ذات التاريخ والتوقيت وتم الطعن بالتزوير علي المحضرين وطلب الدفاع التحفظ علي الضابطين لارتكابهما جناية التزوير في محررات رسمية واستعمالها.
11 – محضر ضبط محرر بمعرفة الرائد محمد رياض بتاريخ 24 / 12 / 2006 الساعة 7.30 صباحًا بضبط وتفتيش مسكن ومحل عمل أحمد محمود أحمد شوشة حيث أثبت أنه تم ضبط مبلغ مالي وقدره (واحد وسبعون ألفًا ومائة وخمسون جنيهًا فقط لا غير ).
وأثناء تحقيق نيابة أمن الدولة مع الضابط بتاريخ 28 / 12 / 2006 تبين أن المبلغ المضبوط هو تسعة وستون ألفًا وأربعمائة وعشرون جنيهًا أي أن هناك اختلاسًا لمبلغ ألف وسبعمائة وثلاثين جنيهًا وامتنع الضابط عن الحضور أمام المحكمة العسكرية وتم اتهامه باختلاس المبلغ المنوه عنه سابقًا. 12 – الضابط الرائد / وائل مخلوف الضابط بمباحث أمن الدولة بالمنوفية حرر محضري ضبط وهما:
- الأول : 14 / 12 / 2006 الساعة 7.30 صباحًا بمسكن الدكتور فريد أحمد جلبط قرية كفر الجلابطة مركز الشهداء محافظة المنوفية.
- الثاني : 14 / 1 / 2007 الساعة 10 صباحًا شخص ومسكن الدكتور محمد علي إسماعيل بشر شبين الكوم محافظة المنوفية.
بمطالعة المحضرين المنسوبين صدورها إلي الرائد وائل مخلوف تبين أن محررها ليس شخصًا واحدًا وبمواجهته أمام المحكمة العسكرية قرر بأنه هو محرر المحضرين وبمطابقة المحكمة العسكرية للمحضرين بالعين المجردة تبين أنهما لشخصين مختلفين وأيضًا التوقيع علي المحضرين وطعن الدفاع بالتزوير علي المحضرين وطلب التحفظ علي الضابط لارتكابه جناية التزوير في أوراق رسمية واستعمالها.
6 – 4 الإحالة والمنع من التصرف
بتاريخ 5 / 2 / 2007 صدر القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 إحالة القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا إلي القضاء العسكري وقررت نيابة أمن الدولة العليا بتاريخ 7 / 2 / 2006 إرسال القضية إلي القضاء العسكري.
وبتاريخ 28 / 1/ 2007 صدر من النائب العام أمر مؤقت بمنع المتهمين وزوجاتهم وأبنائهم القصر من التصرف وتحدد النظر هذا الأمر جلسة 30 / 1 / 2007 أمام الدائرة الرابعة جنايات القاهرة والتي قررت تأجيل نظر الدعوى إلي جلسة 22 / 2 / 2007 للاطلاع بناء علي طلب دفاع الممنوعين من التصرف.
- استلمت النيابة العسكرية أوراق القضية والمضبوطات بتاريخ 8 / 2 / 2007 وتم عرض المتهمين المحبوسين احتياطيًّا علي المحكمة العسكرية المركزية بتاريخ 11 / 2 / 2007 ، 14 / 2 / 2007 ، 20 / 2 / 2007.
- بتاريخ 22 / 2 / 2007 وأمام الدائرة الرابعة جنايات القاهرة – نُظر أمر المنع من التصرف وقدم ممثل نيابة أمن الدولة صوره من القرار الجمهور رقم 40 لسنة 2007 بإحالة القضية إلي القضاء العسكري، على الرغم من ذلك أصدرت الدائرة الرابعة قرارها بحجز الأمر الحكم بجلسة 28 /2/2007.
ومن المستقر عليه قانونًا بضابط نص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا يترتب علي تقديم طلب التنازع الإيجابي وقف الإجراءات أمام المحكمتين المتنازعتين.
• ومع ذلك صدر حكم عن الدائرة الرابعة جنايات القاهرة بجلسة 28 / 2 / 2008 بتأييد أمر المنع الصادر عن النائب العام وظلت المحكمة العسكرية هي الأخرى تقوم بنظر جلسات الحبس الاحتياطي بالمخالفة للدستور والقانون وأحكام المحكمة الدستورية العليا مما يترتب عليه انعدام كافة الأحكام والإجراءات والقرارات الصادرة عن المحكمتين المتنازعتين .. علما بأن طلب التنازع لم يفصل فيه حتى كتابة هذا التقرير!!!!
6 – 5 لجنة الخبراء
أثبتت هيئة الدفاع على مدار جلسات المحاكمة وجود كثير من المخالفات التي شابت إجراءات انتداب اللجنة وعملها وكان من أبرزها ما يلي:
• بتاريخ 27 / 12 / 2006 الساعة 1 ظهرًا أصدرت نيابة أمن الدولة العليا قرارًا بندب لجنة ثلاثية من خبراء وزارة العدل لفحص مستندات القضية وإعداد تقرير عنها، وبذات التاريخ صدر قرار من مساعد وزير العدل بندب لجنة ثلاثية.
• وفي اليوم التالي حضرت اللجنة الثلاثية أمام نيابة أمن الدولة العليا ولكن تبين أن جميع إجراءات هذه اللجنة الثلاثية المنتدبة من إدارة الكسب غير المشروع مزورة ودليل ذلك : 1 – محضر إجراءات نيابة أمن الدولة العليا الثابت بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 3 م والثابت به حضور أعضاء اللجنة الثلاثية وهم سعد الدين السيد رجب ، عبد الرحمن عزت عبد الرحمن و أحمد محمد حسن الخبراء الحسابيين بوزارة العدل وقد عهد المحامي العام للسيد رئيس النيابة بسؤالهم.
2 – محضر أعمال لجنة خبراء إدارة الكسب غير المشروع ( المحضر الأول ) المؤرخ بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 8.30 صباحًا بالمكتب والتي أثبتت صدور القرار الوزاري رقم 257 لسنة 2007 بندبها.
والملحوظة الهامة أنه لم يتم إرفاق القرار الوزاري بندب لجنة الخبراء وعند طلب الدفاع من المحكمة العسكرية إلزام أفراد اللجنة بتقديم هذا القرار الوزاري المزعوم تبين التالي : أ – صدور القرار عن مساعد وزير العدل لقطاع الخبراء والطب الشرعي وليس عن وزير العدل وطعن الدفاع علي قرار الندب بالانعدام لصدوره من شخص غير مختص بإصداره.
ب – تبين من مطالعة القرار المعدوم بالندب أنه صادر عن رئيس مصلحة الخبراء برقم صادر 787 بتاريخ 3 / 1 / 2007 أي بعد مباشرة اللجنة لمأمورياتها بأسبوع والتساؤل كيف علمت اللجنة بصدور قرار الندب مع الثابت أن التاريخ الصادر 3 / 1 / 2007؟!!
ج – قدمت لجنة الخبراء تفويض صادر عن وزير العدل لرئيس مصلحة الخبراء وبمطالعة المحكمة لهذا التفويض تبين خلوه من تفويض ندب الخبراء مما يتأكد معه أن هذه اللجنة قد ولدت ولادة غير شرعية!.
3 – محضر أعمال لجنة الخبراء الثاني بتاريخ 28 / 12 / 2006 الساعة 10.30 صباحا وفيه أثبتت اللجنة أنها تقابلت مع السيد الأستاذ / رئيس نيابة أمن الدولة العليا وأن سيادته قام بتسليمهم أحراز القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة عليا.
وبمطالعة محضر إجراءات النيابة تبين أن ساعة وصول اللجنة إلي نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة الجديدة الساعة 3 مساءاً والتساؤل إذا كان ساعة اتصال اللجنة بالنيابة و الاحراز لاحق للساعة الثالثة مساءاً فكيف قامت اللجنة عمل محضر الساعة 10.30 صباحا بالمكتب وأثبتت استلامها أحراز القضية مما يتأكد معه ارتكاب اللجنة للتزوير في سهذا المحضر الرسمي وطعن الدفاع بالتزوير علي هذا المحضر وطلب التحفظ علي أعضاء اللجنة لارتكابهم جناية التزوير في محرر رسمي واستعماله.
فضلا عن أنه تمت مواجهة أعضاء اللجنة بالقرار الوزاري والثابت أنه صادر عن رئيس المصلحة بتاريخ 3 / 1 / 2007 مما يعني أنه لا يجوز لهم الاتصال بهذه الدعوى ومباشرة إجراءاتها، ولم يكن لدى اللجنة أي رد على ذلك.
وقد طلب الدفاع استدعاء رئيس مصلحة الخبراء لسؤاله في التزوير إلا أن المحكمة العسكرية لم تحقق هذا الطلب الجوهري .
وبمطالعة الاحراز المزعوم تسليمها من النيابة لأعضاء اللجنة تبين أن محضر أعمال اللجنة طوي أحراز لم تقم النيابة بتسليمها إليها كما هو ثابت من الكشف الصادر عن نيابة أمن الدولة العليا والثابت به الأحراز وعددها علي سبيل الحصر والتحديد.
4 – المفاجأة الكبرى بمطالعة المجلد رقم (3) الخاص بإجراءات نيابة أمن الدولة العليا تبين أن هناك قرار استلام اللجنة المشكلة من خبراء وزارة العدل لفحص المستندات والأوراق التجارية الخاصة بالنسبة ببعض المتهمين "الآتي أسمائهم" وموقع عليه من أعضاء اللجنة الثلاثية وهما:
1 – الدكتور / عبد الرحمن محمد مصطفي سعودي.
2 – الدكتور / خالد عبد القادر عودة.
وبمطالعة محضر التحريات الخاص بسالفي الذكر تبين أن تاريخه 12 / 1 / 2007 وهو ذات التاريخ الذي صدر فيه قرار القبض والتفتيش من نيابة أمن الدولة، وأن محاضر الضبط تاريخها 14 / 1 /2007 . واستلمت أيضا أحراز كل من:
3 – الدكتور / ضياء الدين السيد عبد المجيد.
4 – أ / محمود عبد اللطيف عبد الجواد.
5 – م / أحمد أحمد أحمد النحاس.
وثابت أن محضر التحريات تاريخه 16 / 1 / 2007 وأن قرار نيابة أمن الدولة العليا بالقبض والتفتيش بذات التاريخ أما محاضر الضبط فتاريخها 17 / 1 / 2007 .
وبناء على ما سبق: فقد أثبتت هيئة الدفاع أن محاضر التحريات لم تحرر بعد...أذون بالقبض والتفتيش لم تكن صدرت..ومحاضر القبض والتفتيش وضبط الأحراز لم تتم بعد...وأحراز تتسلمها لجنة الخبراء لم تولد بعد.
5– بمطالعة الأحراز المسلمة للجنة المالية وجد الدفاع أنها غير مفرزة بما يؤكد حدوث عبث في محتويات هذه الأحراز.
6 – محضر أعمال لجنة الخبراء رقم (26) بتاريخ 1/ 2 / 2007 حول استلام أحراز جديدة تبين استلام اللجنة لاحراز سبق وأن تسلمتها من قبل وهي الأحراز الخاصة بكل من:
- شركة فيرجينيا للسياحة، الخاصة بالمتهم أحمد أحمد أحمد النحاس
- شركة الضياء التجارية للتوكيلات، الخاصة بالمتهم ضياء الدين السيد عبد المجيد.
- أحراز المتهم خالد عبد القادر عودة.
- أحراز المتهم عبد الرحمن سعودي .
- أحراز المتهم محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد.
والمفاجأة استلام اللجنة لحرز منسوب لحسن مالك ومن المعلوم أن تاريخ ضبطه 24 / 12/ 2006 وأن اللجنة سبق وأن تسلمت الأحراز الخاصة به كما هو ثابت بمحضر أعمالها بتاريخ 28 / 12 / 2006، وقد أثبتت هيئة الدفاع أن هذا الحرز قد أضيف للمتهم.
والتساؤل أين كان هذا الحرز ولماذا لم تقدمه النيابة للجنة الخبراء ضمن الأحراز الخاصة لحسن مالك؟ وهذا الحرز غير مدرج بالكشف الصادر عن النيابة بتسليم لجنة الأحراز لنيابة أمن الدولة العليا وتسليمهم المستشار الأول لنيابة أمن الدولة العليا وتسليمه بيان المستندات والأوراق والبيانات المطلوبة لاستكمال المأمورية.
7 – محضر أعمال لجنة الخبراء رقم 31 بتاريخ 7 / 2 / 2007 ثابت به انتقال أعضاء اللجنة ومقابلتهم مع المحامي العام وعندما واجه الدفاع لجنة الخبراء أمام المحكمة العسكرية مع من تقابلت وما هو دليلك علي هذه المقابلة؟ لاذ أعضاء اللجنة بالصمت ... والثابت أن أوراق القضية أحيلت إلي القضاء العسكري وأرسلت إليه وانقطعت صلة نيابة أمن الدولة العليا منذ صدور قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية من القضاء المدني إلي القضاء العسكري.
8 – محضر أعمال اللجنة رقم 44 المؤرخ 22 / 2 / 2007 والثابت فيه انتقال اللجنة إلي إدارة المدعي العام العسكري واستلامها الاحراز الخاصة بالمتهمين المستخرجة من الحاسب الآلي وثبوت استلام اللجنة للأحراز الخاصة بالمتهم خالد عبد القادر عودة.
وبمطالعة محضر إجراءات النيابة العسكرية بتاريخ 25 / 2 / 2007 تبين أن الحرز الخاص بالمتهم خالد عبد القادر عودة تم تسليمه لإدارة المدعي العام العسكري بتاريخ 25 / 2 / 2007 فكيف استلمت لجنة الخبراء حرز بتاريخ 22 / 2 / 2007 وهو لم يسلم للمدعي العام العسكري بعد؟! وطعن الدفاع بالتزوير علي محضر أعمال لجنة الخبراء وطلب الدفاع التحفظ علي أعضاء اللجنة المزورين.
9 – بمطالعة محضر إيداع لجنة خبراء الكسب غير المشروع والمسلم للمحكمة بتاريخ 3 / 6 / 2007 تبين أن هناك أمام مسلسل 6 حرز (3) بداخله تقرير مجمع معد من اللجان الفنية وطلب الدفاع من المحكمة إطلاعه علي هذا التقرير المجمع من جلسة 3 / 6 / 2007 وحتى آخر جلسة من جلسات المرافعة وتبين اختفاء هذا التقرير المجمع مما يتأكد معه العبث بهذا التقرير.
10 – أقر أعضاء اللجنة أمام المحكمة العسكرية أنه لا توجد جريمة غسل أموال ولم يثبت تلقي المتهمين أي أموال من جماعة الإخوان المسلمين وأن المأمورية الموكلة إليهم لم يكن فيها البحث عن جريمة غسل الأموال.
11 – إعادة المحكمة المأمورية مرة ثانية إلي لجنة الخبراء وثبت أن المحكمة لم تمكن الدفاع من مقابلة لجنة الخبراء ومناقشتها واثبات الاعتراضات وفق أحكام القانون مما يؤكد تعمد المحكمة الإخلال بحق الدفاع ... وبمطالبة المأمورية الصادرة عن المحكمة العسكرية أيضا تبين أنها خلت من بحث أركان جريمة غسل الأموال.
12 – إيداع اللجنة لتقريرها الثاني والذي يؤكد وفق أعمال الخبرة الصحيحة قمة التناقض والتضارب بعد استبعادها لعدد 66 شركة قالت اللجنة أنها لا توجد بها تلاعب وعند طلب المحكمة استيضاح نوع هذا التلاعب وأي جريمة يشكلها هذا التلاعب التفتت المحكمة عن تحقيق هذا الدفاع.
6 - 6 طلبات الدفـاع
- دفع الدفاع بانعدام التحريات واحتياطيا عدم جديتها وعدم كفايتها.
- بطلان جميع أذون القبض والتفتيش لعدم جدية محاضر التحريات السابقة عليها.
- بطلان محاضر التحقيق والاستجواب لمخالفتها قانون الإجراءات الجنائية.
- ودفع بعدم جواز نظر هذه الدعوى لسابقة محاكمة بعض المتهمين من قبل بهذا الاتهام وطلب ضم القضايا سند هذا الدفع بضابط التطبيق الصحيح للمادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية ومع أن هذا الدفع من النظام العام ويلزم علي المحكمة تحقيقه.
- دفع الدفاع بعدم دستورية القرار الجمهوري رقم 40 لسنة 2007 بإحالة المدنيين إلي القضاء العسكري لمخالفته لمنصوص المواد 8 , 40 , 64 , 65 , 68 من الدستور.
- ودفع بانعدام اتصال القضاء العسكري بالدعوى الجنائية لثبوت صدور حكم من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية بإحالة المدنيين إلي المحكمة العسكرية وقدم صورة من هذا الحكم مطالباً النيابة العسكرية أن تقدم ما يفيد إلغاء أو وقف هذا الحكم كما تقدم ببلاغ تم إثباته في محضر الجلسة بالتحقيق في محاكمة المحالين إلي المحكمة العسكرية والمحبوسين احتياطيا دون سند من القانون وأيضاً جريمة عدم تنفيذ الأحكام القضائية والمعاقب عليها في المادة 123 من قانون العقوبات.
- انعدام القرار الصادر عن المدعي العام العسكري بإحالة الدعوى إلي المحكمة العسكرية بالمخالفة لنص المادة 31 / 2 من قانون المحكمة الدستورية العليا لثبوت وجود دعوى تنازع لم يفصل فيها بعد مما يعني وجوب الإفراج عن جمع المحالين إلي المحكمة العسكرية لحين الفصل في هذه الدعوى.
- عدم اختصاص القضاء العسكري بنظر الدعوى المحالة إليه ولائياً لعدم دستورية المادة 6 / 2 من قانون القضاء العسكري.
- قدم الدفاع طعون بالتزوير علي محاضر التحريات, محاضر الضبط, تحقيقات النيابة, محاضر أعمال لجنة الخبراء والكسب غير المشروع وتمسك بتحقيقها لأنها تشكل دفاعا جوهريا.
- وأكد تلفيق وتزوير هذه الاتهامات، الخطاب الصادر عن النائب العام المساعد بتاريخ 27 / 1 2007 إلي المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا يستفسر منه عما تم من إجراءات خاصة بقرار المنع من التصرف الصادر من النائب العام بتاريخ 28 / 1 / 2007 والخطاب مؤرخ 27 / 1 / 2007 وصادر عن مكتب النائب العام المساعد بتاريخ 27 / 1 للاستعلام عن واقعة كانت في حكم العدم.
- وطلب الدفاع وقف السير في إجراءات هذه المحاكمة لحين الانتهاء من تحقيقات سرقة خزينة المجوهرات الخاصة بالمتهم حسن عز الدين مالك خصوصا أن أصابع الإتهام تشير إلي جهات متعددة هي دليل الاتهام وأن هذا طلب جوهري يترتب علي تحقيقه تغيير المراكز القانونية في هذه الدعوى حيث سيصبح المتهم المحال إلي المحاكمة العسكرية مجني عليه.
- طلبت المحكمة من النيابة العسكرية تقديم قرار حظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين سند الاتهام وعلي الرغم من تمسك الدفاع بوقف السير في نظر إجراءات المحاكمة لحين تقديم النيابة العسكرية هذا القرار وعلي طول هذه الجلسات لم تقدم النيابة العسكرية دليل الاتهام الأوحد ومع ذلك ظلت المحكمة في نظر هذه المحاكمة .. إلي أن حجزتها للحكم.
- قررت المحكمة العسكرية في جلسة 16 / 12 / 2007 تعديل وصف الاتهام الوارد في نص قرار الاتهام وهذا التعديل يفقد المحكمة صلاحياتها لنظر الدعوى لأنها تصدت وأضافت تهم جديدة للمتهمين بالمخالفة لنص المادة 308 أ. ج وتمسك الدفاع بعدم صلاحية المحكمة العسكرية بنظر الدعوى بضابط التطبيق الصحيح للمادة 11 , 247 من قانون الإجراءات الجنائية والمستقر عليه من أحكام محكمة النقض ولكن المحكمة ظلت تنظر الدعوى بالمخالفة للقانون.
وأثبت الدفاع أن ما يؤكد مدي هذا الزيف والبهتان والزور بجميع إجراءات هذه الدعوى وأيضاً تحقيقات النيابة:
- أن النيابة قامت بالتحقيق مع المتهمين ولم يكن المحامي العام وفق الثابت لمحاضر الإجراءات قد تسلم محاضر الضبط الخاصة بهم ولم يقم بتوزيع المتهمين علي السادة أعضاء النيابة للتحقيق.
- أيضا أحراز يقوم السادة أعضاء النيابة بالإطلاع عليها ثم نفاجأ بأن الخبراء قد تسلمت هذه الأحراز وقامت بعمل محاضر خاصة بها مع أن الثابت من تحقيقات النيابة أنها ما زالت في حوزة النيابة وأن السيد المحقق يقوم بعمل محضر بعد الإطلاع عليها في تاريخ لاحق علي تسلمها للجنة الخبراء.
- أحد السادة رؤساء النيابة يقوم بعمل محضر معاينة لإحدي الشركات وتبين أنه اصطحب أحد ضباط أمن الدولة وعند سؤال الضابط أمام المحكمة أنكر اصطحابه لرئيس نيابة أمن الدولة ويأتي ضابط آخر ويقر أنه كان في صحبة رئيس النيابة وبمطالعة محضر المعاينة يتبين أن ساعة تحريره بعد المعاينة بتسع ساعات ولم يثبت سيادته أن سكرتير التحقيق قد رافقه أثناء المعاينة ويقر بتحرير محضر المعاينة في سراي النيابة.
- يعرض الحرز الخاص بخزينة أ / حسن مالك علي نيابة أمن الدولة العليا ولا تقوم النيابة بفض الحرز علي الرغم من ثبوت أن محتوياته مجوهرات ومبالغ مالية ويظل هذا الحرز دون فض من تاريخ الضبط في 24 / 12 / 2006 حتى يتم فتحه بمعرفة النيابة العسكرية أثناء جلسات المحاكمة بعد أن أمرت المحكمة بفضه، واكتشاف أن الخزينة خاوية.
- أحراز تقوم نيابة أمن الدولة بتسليمها لجنة خبراء الكسب غير المشروع لأشخاص لم تحرر بشأنهم محاضر تحريات ولم تصدر قرارات من النيابة بالقبض والتفتيش ولم تحرر محاضر ضبط لهم ولم يعرضوا علي النيابة ولم تكن هناك أحراز لهم.
6 – 7 صدور الأحكام
جاءت الأحكام القاسية يوم 15 أبريل 2008 بعد استمرار الموقوفين رهن الحبس لمدة تقارب على السنة مما يضع علامات استفهام حول أحد التبريرات التي تذرعت بها السلطات من أجل إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري الاستثنائي وتتمثل في سرعة الفصل في القضايا عن القضاء الطبيعي. وقد تم منع الجميع من دخول المحكمة بمن فيهم أهالي الموقوفين وهيئة الدفاع والصحافيين وجميع مراقبي منظمات حقوق الإنسان من الدخول للمحكمة وتحولت جميع المناطق المحيطة بالمحكمة والطرق المؤدية إليها إلى ثكنات عسكرية.
وفي هذه الأجواء الاستثنائية أسدل الستار على الفصل الأول من هذه القضية نظرا لأنه من حق المحكوم عليهم أن يطعنوا على هذه الأحكام أمام محكمة الطعون العسكرية طبقا للتعديل الجديد بالقانون رقم 16لسنة 2007 بتعديل بعض أحكام قانون الأحكام العسكرية بإتاحة حق الطعن للمحكوم عليه
الباب الثالث :الأبعاد الفقهية والإنسانية وفتوى للعلاّمةيوسف القرضاوي
شهادة تزكية
استفتاء من مركز سواسية لحقوق الإنسان - مصر
سماحة العلامة الدكتور الشيخ. يوسف القرضاوي حفظه الله.
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فنودُّ أن نسألك فضيلتكم عن حكم الشرع في إخلال الدولة بقاعدة المساواة مع رعاياها، من خلال إحالة شخصيات مدنية من إحدى قوى المعارضة السياسية إلى القضاء العسكري الاستثنائي، في نفس الوقت الذي يحال فيه آخرون بجرائم أشد جسامة إلى القضاء الطبيعي، الذي تتوافر فيه كلُّ الضمانات للمتَّهم والدفاع؟
وقد انتهت المحاكمة العسكرية لتلك القيادات الإصلاحية بأحكام قاسية تتراوح بين السجن لمدد مختلفة، وبين مصادرة الأموال والشركات الخاصة، بما أثر على أسرهم، وعلى عدد كبير من أسر العاملين بهذه الشركات.
وهنا نسأل أيضا: عن الحكم الشرعي في مثل هذه الحالات؟ وكيف يمكن معاملة الجميع على قاعد المساواة، وما واجب المجتمع ومنظَّماته تجاه المظلومين من المحاكمين؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
بغضِّ النظر عن السؤال وظروفه وما يلابسه، يؤسفني أن أقول: إن الأوضاع في بلادنا مقلوبة في عصرنا الحالي، فالإنسان ممنوع من أبسط حقوقه وهو التعبير عن رأيه، والدفاع عن نفسه، والمحاكمة أمام قاضيه الطبيعي. إن من أجلى مظاهر ضياع حقوق الإنسان العربي: المحاكمات العسكرية للمدنيين، وإلقاء الأبرياء في السجون بدون تُهَم.
إن الشريعة الإسلامية تشدِّد كثيرا فيمن يعيَّن قاضيا بين الناس، وتشترط فيه شروطا علمية ودينية وأخلاقية، حتى لا يقضي بغير علم، أو يقضي بالهوى، فيكون من أهل النار ، حتى إن الأصل في الشريعة: أن يكون القاضي عالما بلغ درجة الاجتهاد.
ثم إن من حقِّ الفرد الذي يُتَّهم اتهاما يعتبره ظالما: أن يدافع عن نفسه تجاه مَن ظلمه، أو مَن يعتقد أنه ظلمه، ويرفع صوته جاهرا بالحقِّ، بل أباح الله تعالى له ما لم يُبِح لغيره، رعاية لظرفه، وذودا عن حرمته، حين قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء:148]، ولا يجوز لأحد منع المتَّهم من الدفاع عن نفسه، أو محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، فهذا حقٌّ طبيعي شرعي وقانوني، وقد أعطى الله الحرية لإبليس اللعين ليجادل عن نفسه أمام ربِّ العالمين، حين أمره بالسجود لآدم، فأبى واستكبر، فلما سأله ربه: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ} [الأعراف:12]، كما جعل من حقِّ كلِّ نفس يوم القيامة أن تجادل عن نفسها، كما قرَّر القرآن الكريم: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [النحل:111].
ويجب على المجتمع المسلم أن يتيح لكلٍّ مُتَّهم الفرصة، ويحفظ له حقَّ الحرية في هذا الدفاع عن النفس بكلِّ ما يستطيع: قولا باللسان، أو كتابه في الصحف، أو حديثا إلى المذياع، أو إلى التلفزيون، ولا سيما إذا كان شخصية عامَّة لها وزنها وتأثيرها وتاريخها. فلا يجوز شرعا أن يترك لمخالب خصومه وأنيابهم تفترسه جهارا نهارا، والمجتمع يتفرَّج، ولا يحرِّك ساكنا، والأبواب مغلقة على المتَّهم البرىء، لا يملك أن يردَّ عن نفسه أسلحة الخصوم الذين يملكون كلَّ شىء، وقد جرَّدوه من كلِّ شىء.
إن الله تعالى أنزل تسع آيات في القرآن من سورة النساء تدافع عن يهودي اتُّهم بالسرقة ظلما، وكان السارق من المسلمين، وكاد الرسول الكريم يصدِّق قول قوم السارق، ويجادل عنهم، لولا أن نزل الوحي يبيِّن له، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:105-113].
إن هذه الآيات تدل على أن العدل في القرآن، أو العدل في الإسلام - وهو عدل الله سبحانه – لكل عباد الله، وليس عدلا للمسلمين وحدهم. وقد قال تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
إن المجتمع المسلم مجتمع متضامن متكامل، لا يقبل أن يسقط أحد البرآء فيه ضحية لظلم مبيَّت، ومؤامرة مدبَّرة، وكيدٍ عظيم، وهو ساكت، فإن الساكت عن الحقِّ شيطان أخرس، وهذا موقف المجتمع المؤمن المتضامن، والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:71]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه" . ومعنى "لا يسلمه": أي لا يتخلَّى عنه، ولا يتركه في ساعة الشدَّة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تمنعه من الظلم، فذلك نصرك له" .
فالإسلام يوجب على المجتمع المسلم أن ينصر المظلوم على الظالم مهما تكن قوَّته وجبروته، والحديث النبوي يقول: "إذا رأيتَ أمتي تهاب أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودِّع منهم" .
وقد عرَف العالم المعاصر وسائل وآليات شتَّى سلمية وقانونية، لمواجهة الظلم الواقع على الأفراد، ولو كان ظالمهم هو حكومتهم نفسها، وعلى مجتمعاتنا أن تستفيد من هذه الوسائل، لترفع الظلم عن المظلومين، أو تخفِّف عنهم ما استطاعت، فإنما تهلك الأمم إذا انتشر فيها الظلم، ولم تجد أحدا يقاومه، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.
الفقير إليه تعالى/ يوسف القرضاوي
شهادة تزكية
الفصل السابع : الحبس الاحتياطي والسجن.. أحكام من الفقه
إن الحرية هي أسمى شيء في حياة الإنسان فهي تعبر عن إرادته وبدونها لا تتحقق ذاتية الإنسان وتتكبل إرادته وكرامته وقدرته على تقرير مصيره، أما العدل فهو ضد الظلم، وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفزه على أداء الحقوق والواجبات، وهو قوام المجتمع المتحضر، وسبيل السعادة والسلام. ولا يمكن بحال من الأحوال لأحد أن يدعي أن للحاكم أن يقيد الحريات، أو يحبس الأفراد بدون جريمة تثبت عليه، فلابد كما هو مقرر في جميع الشرائع والقوانين أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولا بد أن تتوافر للمتهم جميع الضمانات التي تكفل محاكمة نزيهة عادلة.
وسوف يتناول هذا الفصل مفهوم العدل – كقيمة عليا في الإسلام – ومفهوم الحرية كأساس للمقاصد في الشريعة الإسلامية، إضافة إلى ضوابط الحبس الاحتياطي، وبعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالتعامل مع السجناء.
7 – 1 إشارات حول مفهوم العدل
مجده الإسلام، في القرآن والسنة فيقول تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) "النحل: 90"، ويقول عز وجل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) "3النساء: 58".
ومن أهم أنواع العدل:
أولا: عدل الإنسان مع المجتمع، وذلك برعاية حقوق أفراده، وكف الأذى والإساءة عنهم، وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحب الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.
وقد لخص الله تعالى واقع العدل العام في آية من كتابه المجيد: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون) "1النمل: 90".
ثانيا: عدل الحكام، وحيث كان الحكام ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، فهم أجدر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلي به، وكان عدلهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالا وبهاءً، وأبلغها أثرا في حياة الناس.
وبعدلهم يستتب الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعية. وبجورهم تنتكس تلك الفضائل، والأماني إلى نقائضها، وتغدو الأمة آنذاك في قلق وحيرة وضنك وشقاء.
وقد فطرت النفوس السليمة على حب العدل وتعشقه، وبغض الظلم واستنكاره، وأجمع البشر عبر الحياة، واختلاف الشرائع والمبادئ، على تمجيد العدل وتقديسه، وحب فضائله ومآثره، والتفاني في سبيله. وما زالت الدول الكبرى، وتلاشت الحضارات العتيدة، إلا بضياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل، ومن صور إهداره في المجتمعات المعاصر ما تقوم به الأنظمة الدكتاتورية والأنظمة الاستبدادية حيث تلعب بالقوانين وتعطلها بأحكام الطوارئ، والأحكام الاستثنائية، فنجد أن الشخص يُحاكم أمام المحكمة المدنية العادية، أو المحكمة الجنائية العادية، والمحكمة تحكم له بالبراءة، ثم تقوم السلطة التنفيذية وتأخذه في الحال إلى المعتقل، لأنها لا تبالي بحكم المحكمة، وعندها أحكام عرفية تطلق يدها لتفعل ما تشاء ... وهذا أساس المشكلة.
ثالثا: عدل القضاة: ويكون القاضي عادلاً إذا عرف القانون الذي يحكم به ويقول النبي عليه الصلاة والسلام قال: " قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة "، وهؤلاء الثلاثة هم: قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، وقاض عرف الحق فقضى بغيره فهو في النار، وقاض جهل الحق فقضى، حتى ولو قضى بالحق جهلاً، فهو في النار، لأنه لم يعطِ الأمر حقه من العلم.
صحيح أن الحاكم هو من يعين القاضي ولكنه بعد ذلك لا سلطان له عليه وذلك ضمانة لتحقيق العدل وحماية المجتمع، ونجد في الخبرة الإسلامية تجربة واضحة تتمثل في القاضي شُريح الذي حكم ضد الخليفة علي بن أبي طالب، وكان خصمه نصرانياً، حيث حكم للأخير بدرع بعد أن طالب الخليفة بأن يعطي دليلا على أحقيته فيه.
ونظرا لأن القضاء هو سياج العدالة في المجتمع فمن الأهمية توفير الضمانات الواضحة في المحاكمة ولعل أولها أن يقاضى السجين أمام القاضي الطبيعي، ولا نأخذ المدني للمحاكمة العسكرية حيث أن الأصل بها محاكمة العسكريين، ولها قوانينها الخاصة ولها إجراءاتها الخاصة.
7 – 2 الحرية أساس المقاصد في الشريعة
إن الحرية أساس المقاصد الشرعية كلها، وتنتفي الحرية بالاحتلال أو بالحبس، لذا كان على المسلمين أن يهبوا لتطهير بلادهم من كل دخيل، لأن الاحتلال سيقوض الدين، ويحبس النفس، ويصادر المال، ويهلك الحرث والنسل، لذا كانت الحرية أساسا دينيا ومقصدا شرعيا أساسيا لكل المقاصد،.
ولعل ما يشير لهذه الحقيقة قوله تعالى على لسان بلقيس: " قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ "( )، فالاحتلال من أهم أهدافه من قديم الزمان قلب النظم، وعدم احترام الآخرين، وتقويض الحريات، وإذلال الذات.
وروي عن القاضي عياض أنه قال: ارحموا في الناس ثلاث: عزيز قوم ذل، وغنى قوم افتقر، وعالما بين جهال. فتدبر قوله، برحمة العزيز الذي دارت عليه الدوائر، وقارنه بما كان سائدا في الأمم، وما هو مقرر في الواقع المعاش، وما قتل الملوك، وإعدام الرؤساء، وتشريد الحكام، وطرد السفراء منا ببعيد.
ليس معنى هذا إقرار الظلم، أو الرضا بالقمع، ولكن المراد أن يحاكم محاكمة عادلة، يتم فيها الوضوح والمكاشفة، ويضمن فيها كفرد عادي ضماناته القانونية كإنسان ذل بعد عز، وأهين بعد كبرياء. والأصل في الإسلام أن يولى الحاكم العادل، فإن جار وجد من يقومه ويرشده للحق، والحاكم والمحكوم أما الحق سواء، فهنا يعرف كلٌ حقوقه، ويعيشون في كنف الحق مرتاحو الضمير أحرارا لا يخشون إلا الله سبحانه وتعالى.
وقد اهتم العلماء بهذا الأمر اهتماما بالغا فلقد ذكر محمد الطاهر بن عاشور في كتابه "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام"( ) أن الحرية أساس مقاصد الشريعة.
والمقصود بها أن يتمكن الفرد من التصرف دون معارض في نفسه وماله وسائر شئونه في ضوء أحكام الشرع، فليس هناك ما يمنع الشخص في ضوئها من ممارسة شعائره الدينية، ولا من أن يتصرف في ماله مادام لم يخالف أصلا من أصول الشريعة أو مقصدا من مقاصدها.
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة: "ومن قواعد الفقه قول الفقهاء: (الشارع متشوف للحرية) واستقراء ذلك واضح من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية، لكن دأب الشريعة في رعي المصالح المشتركة وحفظ النظام وقف بها عن إبطال العبودية بوجه عام وتعويضها بالحرية"( ).
فالقاعدة السابقة تعني أن الحرية مقصد أسمى من مقاصد الشريعة، ولا شك أن الحرب تعني الذل، وتعني القهر، كما تعني سلب الإرادة ، والتحكم في التصرفات بل أيضا الأقوات، وإقرار هذه المقصد الشرعي يعني إقرار المقاصد كلها، وترتيب الحقوق.
ومن المشهور في كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب قال لعمرو بن العاص في رسالة شديدة اللهجة وجهها له منصفا بها مصريا عليه وعلى ابنه فقال له: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". فالإنسان يولد حرا، ولكن تسلط العبيد في الناس هو ما يجعله عبدا مقهورا لعبد، من دون الله تعالى. إن الحفاظ على الحرية –للأفراد والبلاد- أساسا من أسس الدين ومقصدا أكيدا من مقاصده، بل إن شئت فقل معلما من معالم هذا الدين.
وحبس الفرد في السجون منع لحريته، لذا يجب أن يكون هذا الأمر مرتبط بما يلي:
أولا: وجود جريمة حقيقية ارتكبها الفرد.
ثانيا: وجود محكمة عادلة حكمت على الفرد بالسجن.
ثالثا: تحديد مدة السجن ولا يجوز الزيادة عليها.
رابعا: يجوز الانتقاص منها إذا تحقق الزجر والردع، ووجدت ظواهر التوبة الحقيقية. فيما عدا ذلك نكون قد منعنا حقا أصيلا للأفراد، كفلته إياهم الشريعة الإسلامية، ومقصدا من أهم مقاصدها بل يعد أساسا للمقاصد كلها.
7 – 3 الحبس الاحتياطي وضوابطه
يقول المستشار محمد محمود منصور رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق في تعريف الحبس الاحتياطي: الحبس الاحتياطي هو سلب حرية المتهم مدة من الزمن تسمح بها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط معينة .
وللتوسع في الحبس الاحتياطي ضرره فهو يناقض قرينة البراءة باعتباره ينزل بالمتهم إيلاما في وقت لم تثبت فيه إدانته ، ويفصم صلته بعائلته، ويوقف نشاطه المهني ويعرضه لأضرار يصعب وقد يستحيل فيما بعد إصلاحها .
وأما عن ضوابط الحبس الاحتياطي فيقول الدكتور أنور دبور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة :
القاعدة في الإسلام هي براءة الذمة ومنها أخذ مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، ومن هنا ما لم تثبت إدانة الشخص ، فهو معصوم كرامته مصانة ، ولا يجوز بحال إهدار هذه الكرامة .
والحبس الاحتياطي له أسباب ترجع للجريمة وللشخص فما يرجع للجريمة يتلخص في وجود شبهة قوية ، يحد معها تعزيرا إن لم تثبت عليه الجريمة ، ولا يكون الحبس الاحتياطي لمدي بعيد فقد حدده العلماء بشهر ، ولا تمارس فيه أي وسائل ضغط . أما في الشبهة الضعيفة فلا يجوز الحبس الاحتياطي.
وما يرجع للشخص فيتلخص في حال الشخص نفسه ، فإن كان ظاهر حاله الصلاح فلا يعزر بدون تهمة بل يعزر من اتهمه . وإن كان مجهول الحال ، فيجوز حبسه إلى أن يتبين حاله . والمشهور بالفجور والفسق وارتكاب الجرائم يحبس ويعزر .انتهى
مدة الحبس الاحتياطي :
وقال الإمام الماوردي من فقهاء الشافعية في كتابه الأحكام السلطانية:
للأمير أن يجعل حبس المتهم للكشف والاستبراء . واختلف في مدة حبسه لذلك , فذكر عبد الله الزبيري من أصحاب الشافعي أن حبسه للاستبراء والكشف مقدر بشهر واحد لا يتجاوزه . وقال غيره : بل ليس بمقدر وهو موقوف على رأي الإمام واجتهاده وهذا أشبه وليس للقضاة أن يحبسوا أحدا إلا بحق وجب.
ويقول ابن فرحون الفقيه المالكي في تبصرة الحكام:
وأما قدر مدة الحبس فيختلف باختلاف أسبابه و موجباته , فحبس التعزير راجع إلى اجتهاد الحاكم بقدر ما يرى أنه ينزجر به وفي مختصر الأحكام السلطانية والحبس في التعزير قد يكون يوما , ومنهم من يحبس أكثر .أ.هـ
ضوابط الحبس الاحتياطي:
توجد فتوى مفصلة على موقع إسلام اون لاين بعنوان ضوابط الحبس الاحتياطي جاء فيها:
الحبس الاحتياطي مشروع في الإسلام ، ولكن بضوابط حددها الفقهاء منها أن تكون الشبهة قوية ، والمتهم غير مشهور بالصلاح ، فإن كان مشهورا بالصلاح فلا يحبس ولا يعزر بل يعزر من اتهمه ، ولا يستمر الحبس أكثر من شهر .
7 – 4 ضوابط عامة في التعامل مع المتهم
هناك مجموعة من الضوابط المهمة التي يجب أن تكون عنوانا للتعامل مع المتهم يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى-عن حقوق المتهم وضوابط التعامل معه حق الفرد في محاكمة عادلة وذلك في فتوى على موقع إسلام اون لاين . نت:
أ- البراءة هي الأصل: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" وهو مستحصب ومستمر حتى مع اتهام الشخص ما لم تثبت إدانته أمام محكمة عادلة نهائية.
ب- لا تجريم إلا بنص شرعي: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" (الإسراء: 15)، ولا يعذر مسلم بالجهل بما هو معلوم من الدين بالضرورة، ولكن ينظر إلى جهله ـ متى ثبت ـ على أنه شبهة تدرأ بها الحدود فحسب: "وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم" (الأحزاب: 5).
ج- لا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طيعة قضائية كاملة: "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (الحجرات: 6 ) "وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً" (النجم: 28).
د- لا يجوز - بحال - تجاوز العقوبة، التي قدرتها الشريعة للجريمة "تلك حدود الله فلا تعتدوها" (البقرة: 229) ومن مبادئ الشريعة مراعاة الظروف والملابسات، التي ارتكبت فيها الجريمة درءاً للحدود: "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله"
هـ- لا يؤخذ إنسان بجريرة غيره: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" (الإسراء: 15)، وكل إنسان مستقبل بمسئوليته عن أفعاله: "كل امرئ بما كسب رهين" (الطور: 21). ولا يجوز بحال ـ أن تمتد المسألة إلى ذويه من أهل وأقارب، أو اتباع وأصدقاء: "معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون" (يوسف: 79).
و- حق الحماية من تعسف السلطة: لكل فرد الحق في حمايته من تعسف السلطات معه، ولا يجوز مطالبته بتقديم تفسير لعمل من أعماله أو وضع من أوضاعه، ولا توجيه اتهام له إلا بناء على قرائن قوية، تدل على تورطه فيما يوجه إليه: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا" (الأحزاب: 58).
ز- حق الحماية من التعذيب:
أ - لا يجوز تعذيب المجرم فضلاً عن المتهم: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" كما لا يجوز حمل الشخص على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل ما ينتزع بوسائل الإكراه باطل "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
ب - مهما كانت جريمة الفرد، وكيفما كانت عقوبتها المقدرة شرعاً، فإن إنسانيته، وكرامته الآدمية تظل مصونة. أ.هـ
وهذه الضوابط تعد قواعد أساسية في حقوق المتهم يجب مراعاتها، وقلما نجد من يعمل بها، ولكنها في حقيقة الأمر أساسيات إسلامية، وضوابط منهجية، وقواعد إنسانية تصلح للتطبيق في كل مكان .
7 – 5 الرعاية الصحية للمسجونين:
لقد اعتنى الإسلام بأمر السجون وأحوال المسجونين عناية عظيمة قلَّ أن يوجد لها نظير في أي مكان أو زمان ، وذلك بما قرره الفقهاء في كتبهم من الأحكام المتعلقة بالسجناء وأحوالهم وكيفية التعامل معهم ، وهذا الاهتمام نابع من اهتمام الإسلام بكرامة الإنسان وحفظه لآدميته .
ولتسهيل الأمر وتوضيح الأحكام في هذا الشأن فقد قسم أهل العلم الكلام في هذه المسألة إلى قسمين : أحكام متعلقة بصحة السجين الشخصية ، وأحكام متعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن ، وقد وردت فتوى مفصلة على موقع إسلام اون لاين .نت توضح هذه الأحكام تفصيلا يحسن بي أن أسوقها.
الأحكام المتعلقة بصحة السجين الشخصية :
1 - سجن المريض : بحث الفقهاء مسألة سجن المريض ابتداء ، هل يحق للوالي أن يسجن الشخص المريض ؟ والجواب أن هذه المسألة مسألة اجتهادية يرجع فيها البَتّ إلى القاضي ، من خلال تقديره لموجب السجن وخطورة المرض وإمكان رعاية السجين في سجنه . فمتى توفرت الرعاية الصحية الكافية للمريض في سجنه ولم يكن ذا مرض خطير قد يفضي به إلى الهلاك لو سجن ، جاز سجنه ، وإذا لم يتوفر ذلك يوكل به القاضي من يعالجه ويحفظه دون تركه كُليّة حتى يعود بالإمكان سجنه .
2 - إذا مرض السجين داخل السجن : إذا مرض المسجون في سجنه وأمكن علاجه داخله فإنه يجب علاجه دون إخراجه ، ولا يمنع الطبيب والخادم من الدخول عليه لمعالجته وخدمته ، ولو تسبب عدم علاجه في هلاكه يترتب على ذلك مسؤولية جزائية وعقوبة على المتسبب في ذلك . وقد مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأسير في وثاقه ، فناداه : يا محمد يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ قال : إني جائع فأطمعني وظمآن فاسقني . فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء حاجته . رواه مسلم 3/1263 . ولا شكّ أن العلاج من حاجة المريض.
أما إذا لم يمكن علاجه داخل السجن ، فيجب إخراجه إلى حيث يمكن معالجته تحت إشراف السجن وأن يوكل به من يراقبه ويحرسه .
هذا ولم يفرّق الفقهاء بين الأمراض العضوية أو النفسية ( النفسية الحقيقية وليست النفسية الكاذبة أو العاديّة التي يتّخّذها كثير من المحامين وسيلة لتبرئة المجرمين ) ، لذا ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجوز قفل باب السجن على المسجون - إذا أمن عدم هربه - ولا جعله في بيت مظلم ولا إيذاؤه بحال أو أي شيء من شأنه إثارة الذعر في نفسه . كما لا ينبغي منع أقاربه من زيارته لما في ذلك من أثر صحي ونفسي عليه .
3 - يشرع للوالي أو من ينوبه تخصيص قسم طبي في السجن يهتم بشؤون المسجونين الصحية وأحوالهم ، وهذا يغني عن إخراجهم إلى المستشفيات العامة وتعريضهم للإهانة أو التحقير .
4 - ينبغي تمكين السجين من رؤية زوجته ، ومعاشرتها إذا توفر المكان المناسب لذلك في السجن ، حفاظا عليه وعلى أهله .
5 - نص الفقهاء على وجوب تمكين السجين من الوضوء والطهارة ، ولا شك أن هذا من العوامل الوقائية المهمة من المرض .
الأحكام المتعلقة بالعناية الصحية بالمكان المتخذ للسجن :
ينبغي أن يكون المكان المتخذ للسجن مكانا واسعا نظيفا ذا تهوية جيدة تصله أشعة الشمس تتوفر فيه كل المرافق الصحية التي تستلزمها طبيعة الحياة .
ولا يجوز جمع عدد كبير من المسجونين في مكان واحد بحيث لا يستطيعون الوضوء والصلاة .
ثالثاً : هذه بعض الأمور التي نص الفقهاء على تحريم استخدامها في تأديب المسجون أو التعامل معه :
1- التمثيل بالجسم : فلا تجوز معاقبة السجين بقطع شيء من جسمه أو كسر شيء من عظمه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالأسرى فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمثلوا ) رواه مسلم 3/1357 .
2- ضرب الوجه ونحوه ، لما فيه من الإهانة ، كما لا يجوز وضع الأغلال في أعناق المسجونين أو مدّهم على الأرض لجلدهم ولو حدا ، لما فيه من الإهانة والضرر الصحي والجسدي على المسجون .
3- التعذيب بالنار ونحوها أو خنقه أو غطّه في الماء ، إلا إذا كان هذا على وجه المماثلة والقصاص ، كأن يكون السجين قد اعتدى على غيره بأن حرقه بالنار ونحوه فيجوز استيفاء الحق منه على نفس الوجه .
4- التجويع والتعريض للبرد ، أو إطعامه ما يضرّه ويؤذيه ، أو منعه من اللباس ، فإن مات المحبوس بسبب هذه الحال ، فحابسه معرّض للقتل قصاصا أو دفع الدية .
5- التجريد من الملابس لما فيه من كشف العورة وتعريض السجين للمرض البدني والنفسي .
6- منعه من قضاء حاجته ومن الوضوء والصلاة : ولا يخفى ما في ذلك من ضرر صحي على السجين . التعويض عند ظهور براءته:
أجاز الإسلام حبس المتهم من أجل التحقيق حتى يأخذ العدل طريقه في المجتمع ، مع ملاحظة عدم جواز التباطؤ في التحقيق حتى لا يترتب على ذلك بقاء المتهم في الحبس ظلماً دون حاجة إلى ذلك ،فإذا حدث هذا وترتب عليه زيادة مدة الحبس على المظلوم فإن له الحق في أن يطالب بالتعويض للضرر المادي والأدبي الذي لحقه ، وذلك في حال ظهور براءته.
يقول أ. د•حسن عبد الغني أبوغدة أستاذ الفقه المشارك جامعة الملك سعود ـ الرياض [بتصرف] نقلا عن موقع إسلام اون لاين:
الحبس بتهمة أمر مقرر في الشرائع والأنظمة القديمة والحديثة، وهو ما تدعو إليه الحاجة حال تعيّنه للكشف عن الحقيقة موضوع الدعوى وإيصالها لأصحابها، ولمنع المتهم من الاستحواذ على حقوق غيره والفرار بها بعيداً عن هيمنة العدالة•
وقد أجاز الإسلام حبس المتهم، واعتبره من السياسة العادلة والتصرف الحكيم،وذلك إذا تأيدت التهمة بقرينة قوية أو ظهرت علامات الشك والريبة على المتهم، أو كانت له سوابق في الانحراف والجريمة•• مع ملاحظة عدم جواز التباطؤ في التحقيق حتى لا يترتب على ذلك بقاء المتهم في الحبس ظلماً دون حاجة إلى ذلك•
وعلى الدولة معاقبة أو تضمين من يتسبب في حبس المتهم، أو يتأخر في الإفراج عنه بغير قرينة مقبولة أو موجب شرعي، وكذا تعويض المتهم عن الأضرار الواقعة عليه في مدة حبسه، وخصوصاً إذا تجاوزت الحد اللازم المشروع عرفاً للكشف عنه واستبراء حاله بحسب ما سبق بيانه•
هذا، ومما يمكن اعتماده دليلاً مؤنساً لما نحن بصدده ما رواه عبد الرزاق في "المصنف" وأبو عبيد في "الأموال"، وابن حزم في "المحلى" وغيرهم: أن رجلين من قبيلة غفار نزلا بمياه حول المدينة، وعليها ناس من قبيلة غطفان معهم ظهر "إبل" لهم، فأصبح الغطفانيون قد أضلوا بعيرين من إبلهم، فاتهموا الغفاريين بهما، فأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا أمرهم فحبس أحد الغفاريين، وقال للآخر: اذهب فالتمس "البعيرين" فذهب وعاد بهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمحبوس: استغفر لي، فقال: غفر الله لك يا رسول الله، فقال النبي: ولك، وقتلك في سبيله، قال الراوي: فقتل يوم اليمامة• ووجه الدلالة: أن الرجل حبس بتهمة ثم ظهرت براءته، فأطلقه النبي صلى الله عليه وسلم وعوَّضه بدعائه له بالشهادة في سبيل الله، وأعظم بهذا الدعاء النبوي وبهذه الشهادة ذات المكانة العظيمة عند الله تعالى، قال تعالى: (ولاَتَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ •••) آل عمران 169
الفصل الثامن: المحاكمة العسكرية في ضوء مواثيق حقوق الانسان الدولية
وضع ديننا الحنيف والمجتمع الدولي مجموعة بالغة التنوُّع من المعايير لضمان المحاكمة العادلة باعتبارها حق من الحقوق الأساسية للإنسان، بهدف حماية حقوق الأشخاص منذ لحظة القبض عليهم، وأثناء احتجازهم قبل تقديمهم إلى المحاكمة، وعند محاكمتهم، وحتى آخر مراحل الاستئناف والنقض.
وتمثل انتهاكات هذه المعايير مبعث قلق كبير لدى مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني كافة؛ لأنها تمثل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتساهم في وقوع شتى ضروب الانتهاكات الأخرى، بما في ذلك الزَّجّ بالأفراد في السجون،لأسباب تُدْرجهم في عداد سجناء الرأي والتعذيب.
ولا يمكن أن تصبح المحاكمة عادلة، أو أن يشهد الناس لها بالعدل، إلا إذا توافر لها شرطان على الأقل، أما الأول، فهو أن تسترشد إجراءات المحاكمة كلها، من بدايتها إلى نهايتها، بمواثيق المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمجتمع الدولي، وأما الثاني، فهو أن تقوم سلطة قضائية مستقلة ومحايدة بتنفيذ هذه المواثيق وبالتالي لا تستند إلى قوانين تخالف موادها روح هذه المواثيق الإنسانية.
وفي إطار البحث عن مدى مراعاة المحاكمة العسكرية لنصوص المواثيق الدولية الخاصة بضمانات المحاكمة العادلة سوف يتناول هذا الفصل نقطتين هما: أولا: ضمانات المحاكمة العادلة وفقا للدستور المصري والعهود والمواثيق الدولية. ثانيا: مدى مواءمة التعديلات التي أقرتها الحكومة لقانون الأحكام العسكرية للعهود والمواثيق الدولية.
8 - 1 المحاكمة العادلة في الدستور والمواثيق الدولية
نص الدستور المصري الصادر سنة 1971 على مبادئ المحاكمة العادلة، من خلال التأكيد على استقلال القضاء وحيدته ، وحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى، وألا توقع عقوبة على أحد إلا بعد محاكمة عادلة يوفر له فيها حق الدفاع.
وقد نظم قانون السلطة القضائية رقم 48 لسنة 1971 ضمانات استقلال القضاء، كما نصت القوانين الإجرائية على كافة ضمانات التقاضى من علانية ومواجهة بالتهمة و بالأدلة، وغير ذلك من الضمانات التى تحقق مفهوم المحاكمة العادلة فى المواثيق الدولية.. غير أن قانون القضاء العسكري وتعديلاته المختلفة لم تراع هذه الضمانات سواء في النظرية أو التطبيق – وهو ما سنناقشه لاحقا.
أولا: القضاء العسكري والحق في المحاكمة العادلة
يقتصر تشكيل المحاكم العسكرية على ضباط القوات المسلحة وهم يخضعون لوزير الدفاع ويعينون بقرار منه، وهو ما يؤثر على أدائهم لوظيفتهم وربما يؤثر في أحكامهم وخصوصا في حالة المحاكمة الأخيرة التي أقحم فيها القضاء العسكري في صراع سياسي.
وتشكل إحالة متهمين مدنيين للمحاكم العسكرية حجبا للقضاء العادى فى بسط ولايته على الوقائع التى يرتكبها المواطنون المدنيون كما تمثل افتئاتا على حق المتهم فى المثول أمام قاضية الطبيعى واعتداء على حق المجتمع فى الحفاظ على استقلالية القضاء ونهوضه بالمهام المنوط به أدائها وقد أقر الدستور حق المواطن فى اللجوء إلى قاضية الطبيعى كما نص على استقلال القضاة وعدم جواز التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة من أي سلطة، وحدد قانون السلطة القضائية الهيئات القضائية واختصاصاتها وطريقة تشكيلها وخصائص الأعضاء كالحيدة والاستقلال والحصانة والتأهيل، وشروط تعيين أعضائها ومنها أن يكون القاضي حاصلاً على إجازة فى الحقوق.
والمعروف في القضاء العسكري أنه لا يشترط التأهيل القانونى اللازم لكل المستويات القضائية كما أن القضاة العسكريين يخضعون لكافة الأنظمة المنصوص عليها فى قوانين الخدمة العسكرية، ومن المفترض أن يستلزم تولي القضاء مؤهلات خاصة وممارسة طويلة فى العمل القضائى ومن العسير جدا لأى شخص أن يتصور أن يكون فى استطاعة المحاكم العسكرية تأدية وظيفة القاضى.
وتنص الوثيقة التي تحمل عنوان "المبادئ والإرشادات بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا" على أن الحق في محاكمة عادلة يشمل الحق في الطعن على الأحكام الصادرة أمام هيئة قضائية أعلى وعلى ضرورة استقلال وحيادية المحاكم وضرورة فصلها عن السلطة التنفيذية وكفالة حق أي من الأطراف المتقاضية أمامها في الطعن في عدم انحيازها.
غير أن من أهم المبادئ المتضمنة في الوثيقة ما يتعلق منها بالمحاكمة أمام محاكم عسكرية أو خاصة حيث نصت المبادئ على أن المحاكم العسكرية يجب اللجوء إليها فقط "للنظر في المخالفات ذات الطبيعة العسكرية البحتة والمرتكبة بواسطة أفراد عسكريين"، وأنها "لا يجب تحت أي ظرف مهما كان أن يكون لها اختصاص في محاكمة المدنيين" وتضيف الوثيقة أن المحاكم الخاصة لا يجب أن يكون لها هي الأخرى أي اختصاص بالنظر في جرائم تخضع لاختصاص المحاكم المدنية.
ثانيا: ضمانات المحاكمة العادلة
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 على الحق في محاكمة عادلة وضرورة أن تراعيه حكومات العالم فتنص المادة 10 منه على أن: "لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظراً منصفاً وعلنياً، للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية تُوجَّه إليه".
ويشدد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حماية هذا الحق بهدف حماية الأشخاص من انتقاص حقوقهم الأساسية الأخرى وحرمانهم منها بصورة غير قانونية أو تعسفية، فتنص المادة 14 من العهد على أنه: "من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قِبَل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون".
وتنص المواثيق الدولية على مجموعة من الحقوق التي تكفل إجراء المحاكمة العادلة، والتي لا تتحقق عند إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ومن أهمها:
- الحق في عدم التعرض للقبض عليه أو الاعتقال التعسفي:
فينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز القبض على أحد أو اعتقاله تعسفاً، وعلى رفض حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للإجراء المقرر فيه. وذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان أن مصطلح " التعسف " لا يعني فقط أن الإجراء "مخالف للقانون"، بل يجب تفسيره تفسيراً أوسع ليتضمن بعض العناصر الأخرى، مثل عدم اللياقة والظلم وعنصر المفاجأة.
- الحق في الإبلاغ بحقوقه:
لكل شخص الحق في الاطلاع على ما له من حقوق باللغة التي يفهمها ويقول المبدأ 13 من " مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السَّجْن: " تقوم السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن على التوالي بتزويد الشخص، لحظة القبض عليه وعند بدء الاحتجاز أو السجن أو بعدها مباشرة، بمعلومات عن حقوقه وتفسير لهذه الحقوق وكيفية استعمالها".
- الحق في الإبلاغ بسبب إلقاء القبض:
إذا أن من حق كل شخص أن يبلغ بسبب إلقاء القبض عليه، ويشدد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على إبلاغ كل شخص يقبض عليه بأسباب القبض عليه لدى وقوعه، ويجب إبلاغه على وجه السرعة بأية تهمة تُوجَّه إليه.
- الحق في إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه:
فمن حق كل شخص إبلاغ أسرته بنبأ القبض عليه حيث تنص القاعدة 92 من (القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء) على أنه يجب السماح للمتهم بأن يقوم فوراً بإبلاغ أسرته نبأ احتجازه، وأن يُعطَى كل التسهيلات المعقولة للاتصال بأسرته وأصدقائه واستقبالهم.
- الحق في افتراض الإفراج:
تفترض المواثيق الدولية أن الأشخاص المتهمين بجرائم جنائية (وليس سياسية!!) يجب ألا يُحتَجزوا قبل محاكمتهم وتدعو نصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على عدم جواز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة.
- الحق في إعادة النظر في الاحتجاز:
من حق كل شخص أن يَمْثُل على وجه السرعة أمام القضاة بعد القبض عليه أو احتجازه؛ بهدف إعادة النظر قضائياً في أمر احتجازه، وهو ما يعرف في بعض البلدان باسم "حق الحضور"، وهو حق منصوص عليه صراحة في المواثيق الدولية المختلفة والهدف من ذلك البت فيما إذا كانت هناك أسباب قانونية تبرر القبض على المتهم، وإذا ما كان احتجازه قبل المحاكمة ضرورياً كما يرمي كذلك إلى ضمان سلامة المتهم وعدم تعرُّضه لانتهاكات حقوق الإنسان.
- الحق في عدم التعرض للتعذيب:
ويحظر القانون الدولي في جميع الظروف، تعريض أي شخص للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة فتنص المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ويؤكد على ذات المعنى نصوص مماثلة في الاتفاقيات الدولية، وخصوصا في اتفاقية مناهضة التعذيب والمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب:
وفي هذا السياق تنص المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب على أنه: "على السلطات أن تضمن إجراءات التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب"، كما ينص على ذلك المادة 9 من إعلان مناهضة التعذيب.
- الحق في افتراض البراءة:
تنص المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: " كل شخص متهم بجريمة يُعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه". وهذا الحق منصوص عليه في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية مما يؤكد ضرورة أن افتراض البراءة سارياً منذ لحظة إلقاء القبض على الشخص؛ حتى يتم تأكيد الإدانة في مرحلة الاستئناف النهائية.
- الحق في سرعة إجراء العدالة:
تنص المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: " كل مقبوض عليه أو مُحتجز بتهمة جنائية يجب أن يُحال سريعاً إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المُخوَّلين قانوناً مُباشَرَة وظائف قضائية، ويكون من حقه أن يُحاكم خلال مدة معقولة أو أن يفرج عنه". وقد فسرت اللجان المعنية بحقوق الإنسان كلمة "سريعاً" بأنها تعني (أيام معدودة).
- الحق في المساواة أمام القانون:
تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "الناس سواء أمام القضاء" ومعنى ذلك إتاحة الفرصة لكل شخص، بعيداً عن أي لون من ألوان التمييز، وعلى قدم المساواة مع غيره، لأن يلجأ إلى القضاء، وأن تتاح ضمانات المحاكمة العادلة، على قدم المساواة، للجميع.
- الحق في علانية المحاكمة:
بما يعنى حضور ممثلين عن منظمات حقوق الإنسان لجلساتها من أجل التأكد من نزاهتها فتكفل المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في المحاكمة العلنية، باعتبار ذلك عنصراً أساسياً من عناصر المحاكمة العادلة ولا يجوز منع الجمهور وأجهزة الإعلام من حضور جانب من المحاكمة، أو من حضورها كلها، إلا على ظروف استثنائية كأنْ يكون الإعلان عن بعض المعلومات الخاصة بالقضية مصدر خطر حقيقي على أمن الدولة.
- إتاحة ما يكفي من الوقت والتسهيلات للدفاع:
من حق كل متهم بارتكاب جريمة ما أن يتاح له أن الوقت ومن التسهيلات ما يكفي لإعداد دفاعه بنفسه وللاتصال بمحامٍ يختاره بنفسه" وذلك بنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
- استقلال السلطة القضائية:
ليس من المحتمل أن تتسم المحاكمة بالإنصاف، بل ولن يرى الناس أنها منصفة، إذا كان المسئولون عن إصدار الأحكام والعقوبات يفتقرون إلى الاستقلال والحياد، ويقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن البعد عن التحيز شرط جوهري، بصفة مطلقة، لإجراء المحاكمة العادلة.
بتعبير آخر: يجب ألا تتعرض الهيئة القضائية ككل، وألا يتعرض كل قاضٍ على حدة، إلى التدخل في عمله من جانب أفراد بعينهم ويجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استناداً إلى الحقائق الثابتة وبموجب القانون، بعيداً عن التدخل أو المضايقة أو التأثير من جانب أي فرع من فروع الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية.
ويجب أن يكون القاضي محايدا أي ألا تكون له آراء مسبقة عن أية قضية ينظرها، وألا تكون له مصلحة في النتيجة التي ينتهي إليها نظر القضية كما يجب أن تتاح له فرصة العمل بعيداً عن أي تأثير، مباشر كان أو غير مباشر، من الهيئات الحكومية، وبعيداً عن وسائل الإغراء أو الضغط.
8- 2 مدى مواءمة قانون الأحكام العسكرية للمواثيق الدولية
إن مقارنة مجريات المحاكمة العسكرية للمحالين ليها من قيادات جماعة الإخوان المسلمين تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المحاكم العسكرية تمثل أقوى صورة من صور انتهاك الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة؛ فهي لا تختص بمحاكمة العسكريين فقط أو الجرائم العسكرية، بل امتد سلطان اختصاصها ليشمل المدنين وخصوصا المعارضين السلميين.
- مطالب المجتمع المدني وتعديلات الحكومة
قامت الحكومة المصرية بتعديل بعض نصوص قانون المحاكم العسكرية (أصبح يسمى قانون الأحكام العسكرية) وذلك بعد تعديل المادة 179 من الدستور، وقد طالبت منظمات المجتمع المدني قبل إجراء تعديله أن يتضمن مشروع القانون الجديد جملة من التعديلات الأساسية من أهمها:
- إلغاء إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وأن تجرى محاكمتهم أمام القضاء الطبيعي، نظراً لإهدار المحاكم العسكرية للعديد من الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة والمنصفة وإعمالاً للمادة 68 من الدستور التي تنص على أن: "لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي".
- أن ينعقد الاختصاص للقضاء العسكري للعسكريين فحسب وللجرائم التي تقع في المعسكرات أو في المواقع المختلفة التي يشغلها أو يتواجد فيها العسكريون بمعنى قصر ولاية المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية، وأن يكون هناك استئناف لأحكامها.
- إلغاء المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1977 والتي تجيز لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية وذلك في ظل حالة الطوارىء.
لكن مناقشات مشروع القانون في البرلمان المصري لم تتطرق إلى هذه المطالب ونص تعديل قانون الأحكام العسكرية على استبدال عبارة "قانون القضاء العسكرى" بعبارة (قانون الأحكام العسكرية) فيما وردت في القانون أو فى أي قانون آخر .
وأوضح التعديل أن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة تتكون من محاكم ونيابات عسكرية وفروع قضاء أخرى طبقا لقوانين وأنظمة القوات المسلحة ويختص هذا القضاء دون غيره بنظر الجرائم الداخلة فى اختصاصه وفقا لأحكام هذا القانون وغيرها من الجرائم التى يختص بها وفقا لأى قانون آخر، وتقوم على شأن القضاء العسكرى هيئة تتبع وزارة الدفاع .
كما تضمن التعديل أن القضاة العسكريين مستقلون ولا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون وضباط القضاء العسكرى عدا عضو النيابة العسكرية برتبة ملازم أول غير قابلين للعزل الآمن خلال الطريق التأديبى .
وأضاف التعديل مادة جديدة برقم 43 مكررا إلى القانون نصت على أن مقر المحكمة العليا للطعون العسكرية هو القاهرة وتؤلف من رئيس هيئة القضاء وعدد كاف من نوابه ومن القضاة العسكريين برتبة عقيد على الأقل وتتكون من عدة دوائر يرأسها رئيس المحكمة أو أحد نوابه برتبة عميد على الأقل .
ونص التعديل على أنه متى صار الحكم بالإعدام باتا وجب رفع أوراق الدعوى فورا إلى رئيس الجمهورية، وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة، ولرئيس الجمهورية أو من يفوضه تخفيف الأحكام الباتة بعقوبة مقيدة للحرية أو وقف تنفيذها نهائيا أو لفترة محدودة .
وألغى التعديل المواد 55 و58 و59 من قانون القضاء العسكرى والتي كانت تنص على أن يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة وأن هؤلاء الضباط يعتبرون نظراء للقضاة المدنيين وأن يكون تعيينهم لمدة سنتين قابلة للتجديد ولا يجوز نقلهم إلى مناصب أخرى إلا للضرورات العسكرية .
وقد قدم المذكرة الايضاحية لمشروع القانون المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع والإنتاج الحربى القائد العام للقوات المسلحة والتي أشارت إلى أن مراجعة القانون الحالى أصبحت لازمة بعد أن مضى على تطبيقه أكثر من ثلاثين عاما صدر خلالها دستور جديد عام 1971 كما أبرمت مصر خلالها معاهدات وعهودا دولية عديدة صارت جزءا من نسيجها القانونى.
إلا أنه كان من الواضح أن تمرير القانون في مجلس الشعب لم يراع هذه المواثيق أو مطالب مؤسسات المجتمع المدني وقامت الحكومة ببعض التعديلات لإسكات الانتقادات الشديدة والمستمرة الموجهة لقانون المحاكم العسكرية مما يطرح السؤال التالي: هل أدت هذه التعديلات دورها المطلوب في مراعاة المواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية وبالتالي إسكات المنتقدين من منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية؟
- أهم الانتقادات الموجهة للقانون المعدل
أجمع خبراء قانونيون وسياسيون وحقوقيون أن تعديل قانون القضاء العسكري لم يكن سوى تعديل هزيل!، وليس له أي تأثير، خصوصا وأن القضاء العسكري قضاء استثنائي لا تتوافر فيه شروط الاستقلالية أو الحيادية أو الشفافية.
وقرروا أن ما تم لم يكن سوى إجراء شكليٌّ أو تجميليٌّ لتحسين صورة الحكومة في الداخل والخارج، خاصةً في ظل الانتقادات التي تتعرَّض لها مصر؛ بسبب إحالة مدنيين إلى القضاء العسكري، سواءٌ على الصعيد المحلي أو الدولي، ومطالبة جميع القوى الوطنية المختلفة- بما فيها نادي القضاة وجمعيات حقوق الإنسان بعدم إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري؛ لما يمثله ذلك من عدم دستورية وانتقاص من الحقوق والحريات للمواطنين.
ومن الملاحظات القوية في هذا الصدد أن قانون الأحكام العسكرية ينشيء قضاءً موازياً، ويجعل هناك محكمتين للنقض في مصر، وهو أمر خطير جداً لأنه يقطع أواصر القانون، وقد يجعل التطبيق القانوني به تناقض بين محكمة النقض والمحكمة المزمع إنشاؤها طبقاً لقانون الأحكام العسكرية.
أما أن يقال إن القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة فهذا رأي محل نظر وهو رأي غير سديد في ذات الوقت فكيف تكون هناك جهة مستقلة داخل المؤسسة العسكرية ثم يقال في المادة نفسها من التعديل إنها تتبع وزارة الدفاع؟! فالقضاء المستقل لا يتبع جهة تنفيذية.
كذلك فإن قرارات الإحالة الصادرة من قبل السلطة التنفيذية تعد نوعا من التمييز بين المحالين للمحاكمة العسكرية وغيرهم من المتهمين الخاضعين لأحكام القضاء العادي، ففي الوقت الذي تحظى فيه الفئة الأخيرة بكافة ضمانات المحاكة العادلة يجرد المتهمين الخاضعين للقضاء العسكري من كافة حقوقهم دون تفرقه معيارية بين الجرائم المرتكبة من قبل أفراد الطائفة الأولى والثانية ، بل على العكسٍ ففي بعض الأحيان تشكل الجرائم المرتكبة من قبل المتهمين الخاضعين للقضاء العادي أكثر خطورة على المجتمع من تلك المعاقب عليها من قبل القانون العسكري كما هو الحال في بعض قضايا التجسس التي أحيلت للقضاء العادي!!.
وأخيرا .. فإن نص المادة السادسة يتناقض مع مبدأ حق الأفراد في الخضوع لقاضيهم الطبيعي، حيث أن المحكمة الخاضع لها المتهم تحدد بعد ارتكاب الجريمة لا قبلها، فبعد ارتكاب الجريمة يصدر القرار بالإحالة من قبل السلطة المختصة حتى ولو قضى القضاء العادي بخضوع الجرائم المحالة له لأنه طبقا لما نصت عليه المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية السلطة القضائية العسكرية هي وحدها صاحبة الاختصاص الأصيل في تحديد اختصاصها.
الباب الرابع:الحملات الحكومية الاقتصادية والإعلامية المصاحبة للمحاكمة
الفصل التاسع: الحملة الإعلامية الحكومية على الإخوان
طوال الفترة التي عقدت فيها المحاكمة العسكرية للأربعين إصلاحيا المحالين للقضاء العسكري خلال عامي 2007 و 2008 شنت السلطات حملة إعلامية واسعة النطاق على هؤلاء المحالين وتيارهم الفكري, شاركت فيها العديد من الصحف الحكومية وعدد من القنوات التليفزيونية الرسمية.
وتعد الحملات الإعلامية قاسما مشتركا في كافة القضايا التي تم إحالة أعضاء من جماعة الإخوان إلى المحاكم العسكرية إلا أن هناك عددا من الملاحظات تتوجب الإشارة إليها في القضية الأخيرة، من أهمها:
- أن هذه القضية كان منشأها إعلامي حيث ارتبط قرار الإحالة بما نشر في صحيفة المصري اليوم عما أسمته " ميليشيات الأزهر " مما كان له أثر في بناء القضية وتأسيسها أمنيا بل وطرح وتدشين الحملة الإعلامية ضد المحالين إلى المحاكمة .
- غياب صحيفة ناطقة باسم جماعة الإخوان .. ففي بعض المحاكمات السابقة كان لجريدة آفاق عربية الناطقة باسم الجماعة دور في التعريف برأي الجماعة في القضية وقياس حجم اهتمامها بالحدث من خلال صحيفة ورقية.
- أن الحملة الإعلامية ضد المحالين للمحاكمة اعتمدت على الصحف بصورة رئيسة وموسعة وبحدود فاقت كثيرا ما كان موجودا في المحاكمات السابقة للجماعة حتى أننا نستطيع أن نطلق على هذه المحاكمة أنها كانت ضربة إعلامية للجماعة بنفس القدر الذي كانت فيه ضربة أمنية ومالية.
9 - 1 مفهوم الحملة الإعلامية
تتفق آراء المختصين في المجال الإعلامي على أن الحملة الإعلامية هي الاستخدام المخطط لمجموعة متنوعة من الوسائل الاتصالية والأساليب الابتكارية لحث المجتمع عامة وبعض فئاته بشكل خاص لقبول فكرة أو أفكار وتبنيها ودعمها وذلك باستخدام استراتيجية أو أكثر من خلال جهود متواصلة في إطار زمني ممتد ومحدد .
ووفقا للدكتور سامي عبد العزيز الأستاذ بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، فان مفهوم الحملة الصحفية يمكن تحديده بأنه سلسلة من الجهود المتواصلة التي تستخدم كافة الفنون والقوالب الصحفية المتاحة والمستحدثة التي تصنع قضية ما على أجندة الرأي العام بهدف إثارة الاهتمام بها وقبولها وتبنيها ودعمها في إطار زمني ممتد ومحدد.
وترتبط الحملة بعدد من المحددات منها: أولا: التركيز: حيث تركز الحملة على وجود فكرة محورية وغاية واضحة المعالم بما يمكن من تحديد محاور أساسية. ثانيا: التنوع: من حيث الأشكال الصحفية سواء على مستوى المطبوعة ذاتها أو المطبوعات ككل بما يضمن الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع. ثالثا: الامتداد الزمني: فقد تمتد الحملة إلى فترات تزيد عن عام مما يضمن اهتمام الجمهور المتلقي لها. رابعا: إمكانية القياس القبلي والمرحلي والنهائي لفاعلية الحملة.
وانطلاقا من الرؤية النظرية إلى الواقع العملي في الحملة الإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية لقيادات الإخوان نجد أنها ركزت على فكرة محورية هي: تشويه صورة الجماعة لإجهاض التأييد الشعبي الذي حظيت به عقب الانتخابات البرلمانية عام 2005 م، وسعت إلى تبرير قرار الإحالة ومصادرة الأموال وخلق غطاء للحملة الأمنية لتمريرها من الناحية الشعبية. كما تنوعت الأشكال التي تناولت بها الحملة الإعلامية الحكومية ضد المحاكمة العسكرية لتشمل الصحف الحكومية المختلفة إضافة إلى عدد من القنوات التليفزيونية، وامتدت الحملة زمنيا لتشمل فترة المحاكمة بدءا من الحملة الأمنية التي طالت 132 شخصا من الإخوان وطلاب جامعة الأزهر وحتى موعد صدور الأحكام.
9 -2 : مصادر ومعلومات الحملة
وباستقراء الواقع والعودة إلى ما تم نشره في الحملة الإعلامية ضد الجماعة التي تزامنت مع المحاكمة العسكرية نستطيع أن نخلص إلى أهم المصادر التي تم تجميع معلومات الحملة وهي:
- التقارير الأمنية وبيانات وزارة الداخلية سواء المنشورة أو غير المنشورة.
- المصادر الأمنية، حيث عزت كثير من الكتابات المنشورة في إطار الحملة المعلومات المنشورة إلى مصادر أمنية غالبها مجهلة وغير معروفة.
- مذكرات الأمن الخاصة بالضبط والإحضار حيث يلاحظ أن هذه المذكرات كانت تنشر على أنها حقائق ومعلومات نهائية بينما هي في حقيقة الأمر اتهامات أولية لم تثبت في حينها على أصحابها. وباستقراء المنشور في وسائل الإعلام خلال مدة الحملة الأخيرة نجد فيه تشابها كثيرا مع مفردات الخطاب الإعلامي في المحاكمات السابقة ربما يصل في بعض الأحيان إلى حد التطابق.
وبافتراض أن بعض الأجهزة الحكومية تدفع نحو نشر هذه المصادر والمعلومات في صحف بعينها إلا أنه يمكن القول أن تغطية بعض وسائل الإعلام لم تكن موجهة من أي أجهزة حكومية حيث تعد الموضوعات المنشورة في كثير من وسائل الإعلام مادة ثرية يتم تداولها وبالتالي المشاركة في الحملة – بقصد أو بدون قصد - حيث :تقوم مطبوعة بالاستفادة من المنشور في أحد المطبوعات .... تستفيد بعض القنوات الفضائية من المنشور في بعض الصحف ....يستفيد بعض الكتاب من المعلومات المنشورة في بعض الفضائيات والصحف ....تستفيد بعض الصحف من المقابلات المتلفزة والمذاعة في عدد من الفضائيات والقنوات التليفزيونية….. متابعة الحدث من خلال المصادر الخاصة كالمراسلين وغيرهم.
9 -3 : أهداف ومحاور الحملة الإعلامية
تحددت الفكرة المحورية التي تم بناء الحملة عليها بحيث تقوم على أركان ثلاثة هي:
- تشويه صورة الجماعة
- التأكيد على شرعية المحاكمات الاستثنائية.
- تمهيد وتأهيل الرأي العام لقبول الأحكام.
كما تحددت المحاور والأبعاد المختلفة للحملة والتعرف على المشكلات والعقبات التي يمكن أن تقف أمام الحملة والتعاطي معها إعلاميا لتخطيها وتتركز هذه المشكلات لدى صانعي الحملة الإعلامية الحكومية في التالي:
- تعاطف الرأي العام مع الإخوان.
- عدم قانونية الإجراءات التي صاحبت الحملة الأمنية.
- تراجع مصداقية الصحف الحكومية والقنوات التليفزيونية الرسمية.
- تراجع مصداقية أجهزة الأمن في القضايا السياسية.
وتم انتقاء الأهداف المناسبة والقابلة للقياس المطلوب تحقيقها والوصول إليها من خلال الحملة وتتركز على: دفع الرأي العام إلى عدم التعاطف مع الجماعة، تسكين الرأي العام وعدم انتقال التعاطف إن وجد إلى مرحلة المساندة، ويمكن قياس هذه الأهداف من خلال صدور أحكام عسكرية على المحالين دون حدوث ردود أفعال شعبية مساندة أو مؤيدة لهم.
9 -4 : الجمهور المستهدف واتجاهاته
باستقراء معطيات الحملة الإعلامية المصاحبة للمحاكمة العسكرية الأخيرة نجد أن الجمهور الذي تعاطت معه الحملة الحكومية خضع لعدد من العوامل والمؤثرات يمكن أن نتناولها من خلال عدد من المحددات هي:
أولا: شرائح الجمهور: وتنقسم هذه الشرائح وفقا لمعايير المكان والثقافة والعمر كالتالي:
1. الشريحة المكانية: ركزت الحملة على المحيط المحلي في غالب الأحوال واستهدفت الجمهور المصري بصورة خاصة حيث أن مستهدفات الحملة محلية في الأساس وهي كما ذكرنا تسكين الرأي العام ودفعه لعدم اتخاذ مواقف حادة للإخوان.
2. الشريحة الثقافية: ركزت الحملة على الطبقة المتوسطة التي تتابع في الغالب الصحف الحكومية والتي شكلت في الغالب الذراع الأكبر للحملة بينما النخبة يحسم كل منها خياراته إما مع الإخوان أو ضدهم فيما تنشغل الطبقة دون المتوسطة في هموم ومشاكل الحياة اليومية ولا تعبأ كثيرا بالخلافات السياسية أو القضايا من هذا النوع.
3. الشريحة العمرية: بغض النظر عن الاستهداف من عدمه إلا أن الواقع أكد أن الحملة ركزت بصورة طبيعية على الشريحة العمرية من 40-70 سنة وهي الشريحة التي تطالع الصحف الحكومية ، بينما تنصرف فئة الشباب في الغالب عن الصحف الحكومية ويتركز اهتمامها بمطالعة الأحداث من خلال شبكة الإنترنت التي تشهد تنوعا نسبيا نظرا لوجود دور لجماعة الإخوان على شبكة الإنترنت.
ثانيا: أدوات وآليات التعاطي مع الجمهور: من أجل إنجاح أي حملة يلزم التعرف على خصائص الجمهور المستهدف واتجاهات والاستفادة في نفس الوقت من الحملات الإعلامية السابقة في بناء مفردات خطاب إعلامي تحقق الأهداف المرجوة من الحملة.
1. التعرف على الخصائص الديموجرافية والنفسية للشريحة المخاطبة: حيث تتميز طبيعة الجمهور المخاطب بعدد من المحددات في هذا الاتجاه تساعد كثيرا في نجاح مثل هذه الحملات منها: سرعة تغيير الصور الذهنية، سرعة تغيير المواقف، عدم تركيز الاهتمام، الخوف الذي يتسرب للجمهور من فكرة المساندة للإخوان والذي ينشأ من مصدرين مترابطين: الحملات الأمنية على أعضاء الجماعة وما ينشره الإخوان أنفسهم أو المتعاطفون معهم عن عمليات المداهمة والقسوة الناجمة عنها.
2. بعض الاتجاهات المسبقة لدى الجمهور المتلقي والتي تساند بطبيعة الحال وتتعاطف مع الإخوان وهو ما يتم مراعاته في الحملة من خلال: التخويف من المساندة، تسريب اليأس في قدرة الإخوان على التغيير، تكثيف المعلومات المناقضة للانطباعات السابقة.
3. طبيعة الممارسات السابقة: تمت خلال المحاكمات السابقة حملات إعلامية واسعة كان لها نفس المستهدفات وجرت أيضا في ظل تعاطف جماهيري مع الحركة بل ونجاحات بارزة خلال تجربة النقابات المهنية، إلا أن التجارب السابقة أتاحت للعاملين في الحملة الإعلامية فرصة لاستقراء التجارب السابقة المماثلة والوصول إلى النتائج المرجوة.
4. مستوى النبرة ونوعية الخطاب المستخدمين: تميزت هذه النبرة بالتركيز والتكثيف في بداية الحملة ثم تراجعت حدتها وفقا للتالي:
- كثافة وتركيز للحملة الإعلامية في المرحلة السابقة للحملة الأمنية وذلك للتمهيد لوجود إجراء ما يتوقعه الجمهور سيتم اتخاذه حول هذا الحدث الخاص بطلاب الأزهر.
- هدوء نسبي قبيل الحملة الأمنية
- تصعيد إعلامي مواكب ولاحق للحملة الأمنية والمداهمات والاعتقالات.
- تخفيف حدة الحملة في المرحلة اللاحقة خلال فترة حصول المعتقلين على قرارات الحبس المستمرة.
- تصاعد الحملة الإعلامية قبيل وأثناء قرار الإحالة للمحاكمة العسكرية مع إعادة الحديث عن مشهد الطلاب الملثمين.
- تراجع حدة الحملة الإعلامية مع زيادة فترة المحاكمة وطول الجلسات دون أن تصل الحملة إلى مرحلة الصفر.
- تزايد حدة الحملة الإعلامية مع اقتراب صدور الأحكام ثم مع صدور الأحكام.
9 - 5: عناصر الحملة ووسائلها.
أ - أبعاد التركيز: تم التعاطي مع الحدث بصورة جنائية وليس في إطار سياسي حيث يتم النشر في صفحات الحوادث، وتبرير قرار الإحالة بالقضاء العسكري والإشادة به في بعض الأخبار المستقلة كمحاولة لخلق انطباع بعدالة إحالة المدني إلى قضاء عسكري.
وفي هذا الإطار تركز موقف الصحف الحكومية على التغطيات الإخبارية للحدث ومقالات الافتتاحية ومقالات مسئولي التحرير في الصحف بينما قلت المقالات الأخرى للكتاب عن الموضوع وربما توارت تماما، كما تم التركيز على ما حدث مع طلاب الأزهر وتضخيم الأمر استباقا لقرار الإحالة وتهيئة للرأي العام لقبوله، والترويج لمصطلح الميليشيا العسكرية والذي سبقت بصكه صحيفة المصري اليوم مع الاستفادة منه وترويجه بصورة كبيرة في وسائل الإعلام.
ب - محاور الحملة ونقاطها ومرتكزاتها الأساسية: قدمت الحملة وجهة نظر أحادية وهي وجهة نظر وزارة الداخلية بهدف التمهيد للإجراءات بطريقة استباقية، وتبرير القرارات الإدارية سواء بالاعتقال أو خلافه.
كما استفادت من الحدث في محاولة تشويه سمعة الإخوان ماليا ومحاولة السحب من الرصيد الذي حصل عليه الإخوان في انتخابات عام 2005، ووظفت تصريحات بعض المسئولين في جامعة الأزهر حول موضوع الاستعراض الرياضي لطلاب الجماعة في تبرير الإجراءات الاستثنائية التي قام بها النظام في القضية.
وفي هذا السياق تم الترويج الإعلامي لمذكرة أعدها الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر, وعرضت على مجلس الشعب ويذكر فيها عن أن الجامعة لاحظت في العامين الأخيرين أن هناك مجموعة من الطلاب يتصيدون الطلاب الجدد, ويعرضون عليهم خدمات مادية من تسديد الرسوم الجامعية, وقيمة السكن في المدن الجامعية, إلي أن ظهر الطلاب علانية تحت لافتة طلاب الإخوان, وقاموا بتعليق لافتات في المدرجات, وامتد دورهم إلي المدينة عن طريق إلقاء الدروس, التي تتهم علماء الأزهر بأنهم علماء السلطة,.
وتضيف أنه مع مطلع هذا العام اخترقت الجماعة الطالبات بالمدن الجامعية, واحتكوا بالأمن لإدخال مكبرات الصوت داخل الجامعة, وأقاموا حفلات باذخة لاستقبال الطلاب الجدد, مستخدمين أحدث التقنيات عبر شاشات عرض وأجهزة كمبيوتر وكاميرات, بالإضافة إلي سوق لبيع الشرائط والأقراص المدمجة, وأمام تعنتهم ورفضهم فض هذه السوق, تم تحويل الطلاب إلي مجالس التأديب, وروعي معهم استخدام الرأفة الشديدة, إلا أن الطلاب أعلنوا رفضهم, وعدم اعترافهم بقانون تنظيم الأزهر, وأشعلوا المظاهرات لأتفه الأسباب.
وعرض رئيس الجامعة في مذكرته تصاعد الأحداث بعد الانتخابات الطلابية, حتي وصلت إلي مشهد العرض الرياضي, واصفا هذا السلوك بأنه شاذ عن القاعدة الوسطية لطلاب الأزهر.
كما نالت مذكرة وزارة الداخلية التي عرضت على مجلس الشعب أيضا اهتماما إعلاميا كبيرا حيث ورد فيها أن جماعة الإخوان المسلمين سعت إلي فرض وصايتها علي الجامعة, وإهدار شرعيتها فيها, مبرر إجراءات القبض بأنه تم اتخاذها لحماية الحياة الطلابية بالجامعة, وصيانة الشرعية.
جـ - وسائل الحملة: اعتمدت الحملة بصورة أساسية على المواد المكتوبة حيث تم اعتماد الصحف الحكومية كعامل رئيس في الحملة بينما قامت القنوات الفضائية بأدوار مساندة وتراجع دور الإنترنت بصورة كبيرة.
وبالتالي كانت المادة المنتجة بترتيب استخدامها هي: مادة تحريرية، صور ثابتة، مادة صوتية ومرئية، مادة تفاعلية من خلال بعض المداخلات في بعض القنوات المتلفزة.
د - نموذج من التغطية الصحفية في بعض الصحف الحكومية: علي سبيل المثال أبرزت جريدة "الجمهورية" في تغطيتها تأكيد أن :
• القضاء العسكري عادل، قائلةً: "القضاء العسكري العادل أغلق الملف والاجتهادات"، مبتدعةً وصفَيْن جديدين للقضية وللمحالين؛ حيث أشارت إلى أن هناك أحكام بالسجن لـ"الهاربين" في إشارةٍ إلى قيادات الإخوان بالخارج، وكذلك وصفها قضية الإخوان بـ"الكبرى"، ولم تنسَ كالعادة أن تؤكِّد أن الأحكام صدرت في حق قيادات الجماعة "المحظورة".
• ولم يختلف الأمر في جريدة "الأخبار"؛ حيث أشارت الجريدة إلى سجن 25 في قضية "المحظورة"، بينهم خمسة من "المتهمين الهاربين" بالخارج، وأشارت إلى براءة خمسة عشر متهمًا.
• أما صحيفة الأهرام فقد أوردت معظم أخبار القضية بدءا من أحداث جامعة الأزهر في صفحة الحوادث ومن النماذج التي كتبتها:
- مجلس الشعب يدين ميليشيات الإخوان المسلمين في جامعة الأزهر
- سرور يطالب بعدم اللعب في عقول الطلاب.. وشهاب يؤكد أن الحكومة ستضرب بيد من حديد علي من يبث الرعب في البلاد
- رئيس جامعة الأزهر: طلاب الإخوان أنفقوا ببذخ علي الطلاب الجدد لضمهم إلي الجماعــة وحطمـوا باب الجــامعة وضـربوا زملاءهم
- الكتلة البرلمانية للإخوان تستنكر تصرف طلابها وتصف أفعالهم بـ الصبيانية.
مع صدور الأحكام تميزت تغطية جريدة "الأهرام" كعادتها عن الجميع؛ حيث أضافت رسالةً مهمةً جدًّا إلى قارئيها؛ فذكرت بالإضافة إلى: "معاقبة" المحكمة لـ "25" من الجماعة "المحظورة" بالسجن ما بين 3 و10 سنوات، أن المتهمين لهم حق الطعن!!، مؤكدةً أنه يحق للمتهمين الطعن على الأحكام أمام محكمة أعلى؛, حيث إن التعديلات التي جرت في العام 2007 على قانون المحاكم العسكرية تمنح الاستئناف أمام دائرة عليا.
واستطردت: إن الأحكام تعكس العمل على تجفيف منابع تمويل الجماعة, سواءٌ الأموال التي تعمل في الداخل أو تلك القادمة من قادتها في الخارج، مضيفةً رأي من وصفتهم بـ(المراقبين) الذين أكَّدوا أن الأحكام تعكس عدم تشدُّد وتوازنًا, سواءٌ في الإدانة أو البراءة حسب الاتهامات المنسوبة لكلٍّ من قيادات وكوادر الجماعة ودور كلٍّ منهم!!.
ه – نماذج من كتابات الصحفيين والمثقفين: يوجد كثير من النماذج على الكتابات المشاركة في تلك الحملة الدعائية ومنها:
- ما كتبه الأستاذ كرم جبر في روزا اليوسف بعنوان : " إحياء التنظيم المسلح للإخوان" والذي يشبه ما حدث في الأزهر بما حدث من أعمال عنف في نهاية عهد الرئيس السادات مدينا كل من يحاول تفسير تلك الأحداث بأنها ترجع إلى الظلم والقهر الحكوميين أو الدفاع عن الإخوان قائلا إنهم هادئون ومسالمون لأن العنف ليس من أدبيات الإخوان المسلمين.
ثم يضيف الأستاذ جبر قائلا: "من عاش هذه الأيام الحزينة فى تاريخ مصر واقترب من تفاصيلها يعرف جيداً أن عنف طلاب الجماعات الإسلامية كان أقل بكثير مما شاهدناه في " اسكتش ميليشيات الإخوان بجامعة الأزهر ..الذين اختاروا نموذجا انتحاريا للحوار والتعامل مع المجتمع" .
- ما كتبه الدكتور رفعت السعيد، أحد الخصوم الأقوياء للإخوان المسلمين في صحيفة الأهالي بعنوان: " الإخوان المسلمون وجهازهم السري" ويسعى من خلاله إلى التأكيد على وجود الجهاز السري للإخوان من خلال الربط بينه وبين تصريحات للأستاذ محمد مهدي عاكف – المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين - حول عشرة آلاف مقاتل يمكن للجماعة تجهيزهم من أجل مقاومة دولة الاحتلال إسرائيل.
ثم يؤكد أن: "الأمر جد خطير.. وإلي متي.. إلي متي تظل الجماعة تراوغ وتقول ما هو غير حقيقي في هذا الموضوع.. وفي غيره؟ ومتي.. وكيف يمكننا أن نطمئن إليها؟".
- ما كتبه وزير الأوقاف د. محمود حمدي زقزوق في (الأهرام) بعنوان: "تجار الشعارات الدينية" حيث يتحدث دون تصريح عما يسميه الاستغلال السيئ للشعارات الدينية من أجل أغراض دنيوية قائلا إن: " إن الإسلام يمقت النفاق والمنافقين ويحرم الرياء والمباهاة الخفية أو الظاهرة, وقد أدان الإسلام صنيع هؤلاء الذين كانوا يتباهون بإسلامهم ويعتقدون أنهم قدموا بذلك منة للنبي عليه الصلاة والسلام, وذلك في قوله تعالي:( يمنون عليك أن أسلموا. قل لا تمنوا علي إسلامكم. بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين).
ويضيف الدكتور زقزوق: إن استغلال البسطاء من الناس برفع شعارات دينية للتأثير عليهم واستمالتهم للتعامل معهم وحدهم بوصفهم الملتزمين بالدين ـ هذا الاستغلال يعد جريمة دينية، والدين بريء من صنيعهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب!.
- ما كتبه الأستاذ مكرم محمد أحمد في مجلة المصور بعنوان: " الإخوان الملثمون" واعتبر فيه أن "ما بدر من شباب الجماعة في جامعة الأزهر عندما قاموا بعملية استعراض القوة وهم ملثمون يرتدون ملابس خاصة, يحاولون إظهار قدراتهم ومهاراتهم في فن الكاراتيه أمام مكتب مدير جامعة الأزهر بهدف إرهابه وتخويفه وإلزامه العودة عن عقاب مجموعة منهم أساءت التصرف, هو مجرد إشارة تنبيء عن شيء أكبر كثيرا وأن العنف لا يزال منهاجا لهذه الجماعة تربي كوادرها علي استخدامه لإرهاب خصومها و إلا لم تطوع مرشد الجماعة قبل بضعة أسابيع ليؤكد لنا, أنه جاهز لإرسال بضعة آلاف من المقاتلين المدربين لنصرة الفلسطينيين بما يؤكد وجود نشاط خفي للجماعة في تدريب شبابها علي أعمال الصدام والقتال وربما علي أعمال أخري من العنف".
وحاول المقال أن يربط بين الإخوان والعنف – كما فعل أ. كرم جبر - بالقول إن ما جرى: " يعيد إلي الذاكرة الدور الخفي الذي لعبه القسم الخاص أو التنظيم السري للجماعة الذي كان يرأسه عبد الرحمن السندي لأنه في جماعة منضبطة مركزية السلطة والقرار ربت كوادرها علي الطاعة ولا مجال للظن بأن ما حدث أمام مكتب مدير جامعة الأزهر كان مجرد سوء تصرف من الطلاب يكفي الاعتذار عنه". - وشارك في هذه الحملة – بقصد أو بدون قصد - مجموعة من منظمات المجتمع المدني تحت اسم ائتلاف دعم الديمقراطية حيث أصدروا بيانا نشرته صحيفة الوفد وقتذاك بعنوان:" استعراض الإخوان للقوة مرفوض والمواجهة مع الدولة تنذر بوقوع كارثة"، اعتبر ما حدث في الأزهر تصعيد جديد من جماعة الإخوان المسلمين والدولة وأن ظاهرة استعراض القوة داخل الجامعة ستكون البداية للتحلل الحقيقى للدولة!.
ويصف البيان العرض الرياضي بأنه "ميليشيات" تقلد ممارسات كتائب القسام وحماس في الأراضي الفلسطينية، بررها عضو في مكتب الإرشاد في إحدى القنوات الفضائية بأنها حماس من الشباب.
و – الإعلام المستقل والحزبي: تعتبر جريدة المصري اليوم هي أولي الصحف التي أثارت الأزمة بعرضها مانشيتا حول العرض الرياضي لطلاب جامعة الأزهر, وأسمته ميلشيات, وهو الأمر الذي أثار الرأي العام ضد هؤلاء الطلاب بصفة خاصة و الإخوان بصفة عامة.
وقد نهجت الجريدة في بداية الأزمة نهجا تحريضيا علي الإخوان من خلال الأخبار التي تقوم بنشرها, أما بعد ذلك فقد اتسمت الأخبار بما يمكن أن يسمي بالحيادية في نقل الأخبار , وفيما يتعلق بالمقالات التي قامت الصحيفة بنشرها, فقد قامت بنشر مقالات تعبر عن وجهات نظر مختلفة في هذه القضية .
أما فيما يخص صحف المعارضة فقد كانت تغطيتها للمحاكمات العسكرية ضعيفة, مثل جريدة الوفد والأهالي، وقد ساهمت بعض هذه الصحف في البداية للترويج لمصطلح الميليشيات ونشرت بعض التغطيات المنحازة لوزارة الداخلية مثل صحيفة الوفد إلا أنها حرصت فيما بعد على التعاطي مع الحدث بسياسة التجاهل أو التغطية الإخبارية السريعة.
وكانت صحيفة الدستور من أبرز الصحف المستقلة التي اتسمت تغطيتها الصحفية بالقوة والدوام النسبي ويلاحظ في بداية القضية أن الصحيفة كانت تقوم بتغطية الجلسات بصورة مستمرة، حتى شاب عملية الحماس الأولى نوع من الفتور النسبي في مرحلة لاحقة إلا أنها اتسمت بصورة عامة بالتالي: الاهتمام بالحدث في مجمله، التركيز على البعد الإنساني، الاهتمام بالشق القانوني ومحاولة دحضه مع رفض فكرة إحالة المدني إلى القضاء العسكري، إتاحة الفرصة لكثير من الكتاب للمشاركة في إبداء وجهات نظرهم حول هذه الفكرة.
وعموما يمكن القول عند تقييم تغطيات الصحف المستقلة للحدث أنه لوحظ تباين النسبي بين الصحف المستقلة والمعارضة وفقا للمنطلقات الفكرية أو الحسابات السياسية.
وقامت بعض الصحف بتعديل مواقفها مع استمرار القضية ففي المصري اليوم كانت البداية حادة ثم شهدت نوعا من الموضوعية ، بينما بدأت الدستور بداية مساندة للمعتقلين ولكنها شهدت نوعا من التراجع في منتصف الطريق ثم ما لبثت أن عادت مرة أخرى قريبا من مستوى الانطلاق مع اقتراب الأحكام، أما الصحف المعارضة فقد تراوحت في مساحات غير مؤثرة مع الحدث وكان في مجمله تأثيرا هامشيا بالسلب والإيجاب في مجمل القضية.
9 - 6: الحملة الحكومية ... عوامل النجاح
بقراءة النتائج المتوخاة من مستهدفات الحملة ندرك أن الحملة الإعلامية الحكومية نجحت بصورة كبيرة في تحقيق نسبة عالية من مستهدفاتها وإن كانت بنسب مختلفة حسب كل مستهدف:
- ففي الهدف الخاص بتسكين الرأي العام تجاه التعاطف مع الجماعة خاصة حال صدور أحكام يمكن القول أن هذا الهدف قد نجح بصورة كاملة.
- وفي الهدف الخاص بتشويه صورة الإخوان فقد تحرك الهدف من موضعه وإن كان قد فشل في تحقيق هدفه بصورة كاملة في تشويه الصورة إلا أن الحملة الحكومية نجحت في إضعاف الالتفاف الجماهيري حول الإخوان بالصورة التي كان عليها الحال عقب فوزهم في الانتخابات البرلمانية عام 2005. لكن السؤال المطروح الآن هو: ما هي العوامل التي أدت إلى نجاح الحملة الإعلامية الحكومية بصورة نسبية؟:
1- عوامل داخلية ويقصد بها عوامل خاصة بطبيعة الحملة والأدوات المستخدمة فيها تتعلق بالتالي: طبيعة الجمهور وإمكانية تغيير اتجاهاته بصورة سريعة ومباغتة، تكثيف الحملة، استمرار الحملة لفترة طويلة، تضافر عدد كبير من الصحف الرسمية معا في تسويق الحملة، تضافر الوسائل المطبوعة مع عدد من القنوات المتلفزة في الحملة، تضافر الدور الأمني مع الدور الإعلامي والتنسيق الكامل بينهما.
2- عوامل خارجية تتعلق بالتالي:
- تراجع الضغوط الدولية فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان
- ضعف التأييد من القوى السياسية الأخرى.
- تبني شريحة من الكتاب والصحفيين مفردات خطاب الحملة وذلك في بعض الصحف المستقلة والحزبية.
3- عوامل خاصة بالخصم منها:
- غياب صحيفة رسمية ناطقة باسم جماعة الإخوان .. ففي الوقت الذي عقدت فيه محاكمات سابقة كان لجريدة آفاق عربية دور في التعريف برأي الجماعة في القضية وقياس حجم اهتمامها بالحدث من خلال مطبوعة ورقية دورية أسبوعية.
- ضعف وسائل الإعلام الخاصة بالجماعة خاصة الرسمية ونمطية التغطية الإعلامية
- اتسمت التغطيات الإخبارية في الموقع الرسمي بالتالي:
التركيز على تغطية الجلسات.
تراجع السبق في التغطية الإخبارية لصالح المدونات.
عدم تخصيص بوابة مستقلة للمحاكمات حيث يتم أرشفة التغطية الإخبارية للمحاكمات مع باقي الاعتقالات ضمن ملف بوابة المتعقلين.
- اتسمت المقالات على موقع الإخوان الرسمي بالتالي:
تنتمي هذه المقالات في جملتها لكتاب إخوان حيث افتقدت التنوع بين التيارات الفكرية والسياسية المختلفة.
ركزت المقالات على مخاطبة المنتمين لجماعة الإخوان والتأكيد على معاني التثبيت والشرح لمنهج الإخوان في التعامل مع مثل هذه الأزمات.
خلت النماذج من المقالات التي تركز على الفكرة القانونية أو المعلوماتية التي تدحض عملية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
اعتمدت النماذج المذكورة على الخطاب العاطفي
- تم التركيز في القوالب التفاعلية في الموقع على التالي:
التعليقات على التغطيات الإخبارية والموضوعات المنشورة في إطار التغطية.
حملة التوقيعات الموجودة على الموقع مع تراجع الدور التسويقي لها وعدم وجود مستهدفات رقمية للتوقيعات.
- تم التركيز في الصوتيات والمرئيات في الموقع الرسمي على:
ألبومات الصور
مقاطع محدودة من كليبات الفيديو عن المحاكمات.
الفصل العاشر: الأبعاد الاقتصادية للمحاكمة العسكرية السابعة
ينظم العقد الاجتماعي في الدولة الحديثة العلاقات السائدة بين أفراد المجتمع بعضهم ببعض، أو بين الأفراد ونظام الحكم القائم، ويبين بوضوح العلاقة بين نظام الحكم وجميع أفراد هذا المجتمع، لذلك نُظمت القوانين ووضعت الإجراءات، وأُنشأت المؤسسات، التي تكفل بقاء العلاقة بين الأفراد والنظام الحاكم في وضع صحيح وإيجابي، حيث تبقي حقوق الأفراد مصانة وكذلك حقوق الدولة لا يعتدى عليها من قبل الأفراد أو المؤسسات.
وتأتي القضايا المتعلقة بالمال والجوانب الاقتصادية لتشكل حلقة هامة وفاعلة في حلقات العقد الاجتماعي، فشرعت القوانين التي تنظم طرق اكتساب المال وإنفاقه، وكذلك طرق توظيفه واستثماره، كما نظمت القوانين أشكال إقامة المؤسسات الاقتصادية، والمسموح به والمعاقب عليه من جراء ممارسة النشاط الاقتصادي، ويمثل حفظ المال وصيانته وعدم الاعتداء عليه من قبل أي جهة، ركن هام من أركان بقاء الدولة الديمقراطية، كما يمثل حفظ المال واحداً من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، والتي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، وذلك حسب ما ورد بالمادة الثانية من الدستور المصري. وقد كان للأجواء السياسية في مصر خلال السنوات الماضية، ظلال غير إيجابية سواء على الأوضاع الاقتصادية بها، أو انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لبعض الفئات خاصة فيما يتعلق بإقدام النظام المصري بتقديم مجموعة من رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكري، وذلك بعد أن برأهم القضاء الطبيعي من كافة التهم الموجهة إليهم.
دور الدولة
إن دور الدولة هو توفير المناخ الملائم والجاذب للاستثمار، سواء كانت هذه الاستثمارات محلية أو أجنبية، وإن كانت معظم التجارب الناجحة تشير إلى أن الاستثمارات والأموال المحلية هى عصب أي تجربة اقتصادية ناجحة، وأن الاستثمارات الأجنبية تأتي لتستفيد من ذلك المناخ الذي يعظم من أرباحها ويمكنها من توسعة أنشطتها.
فالدول الديمقراطية تنعم بأموال أبنائها، وتستقبل الجزء الأكبر من الاستثمارات الأجنبية، بينما الدول الديكتاتورية لا يقربها رأس المال الأجنبي، فضلاً عن سعى الأموال الوطنية إلى الهروب للخارج أو الاتجاه لاكتنازها، وحتى بعض النماذج التي استطاعت أن تستحوذ على حصة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع الاحتفاظ بنظمها السياسية الدكتاتورية – مثل الصين – فإنها اتجهت إلى آلية المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، وهى نظم تتمتع بأجواء حرة غير طبيعية ولا يوجد بها مكان للبيروقراطية الحكومية أو سلطات الحزب الأوحد، وتعتبر دولة داخل الدولة، فضلاً عن حريتها في الاستيراد والتصدير، وحقوق العمال وجلب العمال الأجانب. ومع ذلك فقد تغيرت الكثير من الإجراءات البيروقراطية في الصين، وفُعلت اللامركزية بشكل كبير في العديد من المقاطعات، حتى يمكن الوصول للمستهدفات الاقتصادية. كما أن مواجهة الفساد هناك تتم بصورة صارمة
والمسلمة الاقتصادية المعروفة هى " رأس المال جبان " فهو يبحث عن ملاذ آمن، ولا يستطيع أن يؤدي دوره الاقتصادي والتنموي في ظل الخوف أو شبهة المصادرة، أو وجود نظم ضرائبية جائرة، أو وجود قيود على حركته أو إجباره على ممارسة أنشطة اقتصادية بعينها، ولكنه يريد أن تكون هناك أجواء حرة في ظل الاتفاق على استراتيجية اقتصادية توضح ملامح الخطة التنموية للدولة، وما تريد أن تصبو إليه من رقي وتقدم.
واقع مصري ملتبس
وعلى مدار نحو عامين انتهت المحكمة العسكرية في مصر بسجن العديد من المقدمين إليها ومصادرة أموال بعضهم، وتعد هذه المرة سابقة في تاريخ الصراع السياسي بين النظام وخصومه، خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث أن الأموال هذه المرة، هى أموال خاصة ومملوكة لأصحابها، وليست ملك للجماعة والتي صودرت أموالها وشركاتها من قبل في عام 1954 . وهو الأمر الذي يعكس الكثير من المخاوف من اعتماد النظام لهذه الآلية، فاستخدامها مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قد لا يعتبر السقف الأخير، أو الممارسة المتفردة، ولكن المخاوف من أن يستمر النظام في استخدام هذه الآلية والتوسع فيها.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونحاول هنا الإجابة عليه، هو: ما هي الأبعاد الاقتصادية المترتبة على الخطوة التي اتخذها النظام المصري، من محاكمة رجال الأعمال المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين؟ وخاصة في ضوء الأحكام التي انتهت إليها المحكمة العسكرية من مصادرة أموال بعض المحالين إليها.
10 – 1 ممارسات سياسية خاطئة من قبل النظام المصري في المجال الاقتصادي
السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فوجود نظم سياسية مستقرة تتسم بالعدالة والكفاءة جديرة بوجود مناخ اقتصادي مناسب لتحقيق معدلات اقتصادية متميزة، تسعى للارتقاء بالوضع التنموي لأى دولة، والعكس صحيح. ولا يستقيم وجود إعوجاج في أحدهما بينما الجانب الأخر يؤدي بشكل سليم، فكما أن كلاهما يمثلان وجهين لعملة واحدة فإنهما أيضاً مرآة لبعضهما، فالاقتصاد الكفء يعكس وجود مناخ سياسي سليم، وكذلك المناخ السياسي السليم مجال لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية. وباستقراء الواقع في مصر يتضح لنا الأتي:
منذ ثورة يوليو، والشأن الاقتصادي يشهد تدخلات خاطئة من قبل النظام السياسي في مصر، فالممارسات الخاطئة التي صاحبت مصادرة أموال المصريين أصحاب الملكيات الكبيرة – والذين أطلق عليهم اسم الاقطاعيين - من الأطيان الزراعية وغيرها، ساعدت على عدم وجود حالة من الثقة بين القطاع الخاص والنظام في مصر، مما جعل الكثيرين يخرجون لممارسة أنشطتهم الاقتصادية خارج البلاد، خاصة في ظل السياسة الاشتراكية التي انتهجتها الحكومة المصرية إبان تلك الفترة والتي أفسحت المجال للقطاع العام، وحجمت النشاط الخاص في مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر. ومنذ ذلك التاريخ وممارسات النظام السياسي الخاطئة في المجال الاقتصادي لا تنقطع، ونشير هنا إلى أبرز تلك الممارسات:
• فساد فترة الانفتاح.
مع منتصف السبعينات، واتجاه النظام فيمصرلتبني مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، شهدت مصر ما سمي بسياسة " الانفتاح الاقتصادي " وكانت هذه التجربة بمثابة فتح الباب لممارسة صور عدة من الفساد الاقتصادي، خاصة من قبل المقربين من النظام، وكانت القضية الأشهر في ذلك الوقت استيراد الأغذية الفاسدة، وسيطرة البعض على أسواق الاستيراد من الأخشاب والحديد والأسمنت وغيرها من السلع. وهؤلاء الفاسدون أطلق عليهم الإعلام " القطط السمان".
• توظيف الأموال والفساد المركب بين النظام والشركات.
في مطلع الثمانينيات عرفت مصر ما سمي بظاهرة " توظيف الأموال " وقد مارست نشاطها على مدار هذا العقد، والملاحظ على هذه التجربة، هو أن النظام من خلال بعض أركانه شارك في ترعرع هذه الشركات والترويج لها، وهو أيضاً الذى سعى لتقويضها، وشاع في ذلك الوقت ما عرف بـ " كشوف البركة " والتي حوت أسماء بعض المسئولين الذين كانوا يتقاضون مرتبات ومكافأت من هذه الشركات تحت غطاء أنهم مستثمرون بهذه الشركات.
وقد فُسر اتجاه النظام للقضاء على هذه الشركات بتخوفه من سيطرتها على الاقتصاد المصري خاصة في ظل سيطرة المتدينين على هذه الشركات، وانصراف الأفراد عن الجهاز المصرفي والاتجاه نحوها بمدخراتهم نظير العائد المرتفع الذي توزعه هذه الشركات. لذلك سعى النظام لتقويض هذه الشركات في أسرع وقت، وإن كان ضحايا هذه الشركات لم يحصلوا على حقوقهم بعد، على الرغم من مرور نحو 20 عاماً على قانون إلغاء نشاطها.
• رجال الأعمال وظاهرة الائتمان السياسي
مع اتجاه النظام للقضاء على شركات توظيف الأموال، سعى لخلق طبقة من رجال الأعمال في مطلع التسعينات من القرن الفائت سموا في هذه الفترة بـ " الرأسمالية الوطنية " ومارسوا إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية والمعمرة، ونشأت هذه الطبقة من خلال الشركات العائلية والتي تمتعت إلى حد كبير بتأييد من النظام ساعدها في الاستفادة بشكل كبير من موارد الجهاز المصرفي، وتنامى مع ذلك ما عرف بظاهرة " الائنمان السياسي " فلم تراعى مع هذه الطبقة من رجال الأعمال القواعد المصرفية المتعارف عليها من وجود ضمانات حقيقية للقروض أو وجود تقويم حقيقي لدراسات الجدوى التي قدموها لمشروعاتهم، ولكن كان المعيار هو مدى قرب أو بعد المقترض من النظام السياسي، وقد انكشفت هذه الطبقة فيما بعد من خلال تباطؤهم في سداد القروض وهروب العديد منهم للخارج، أو اتجاههم لمشروعات المضاربة على العملات في بعض الأوقات، أو المضاربة على العقارات وأسواق المال. وتشير بعض التقديرات إلى أن مديونية كبار رجال الأعمال التي هربوها للخارج أو تعثروا في سدادها تصل نحو 40 مليار جنيه مصري.
• تزاوج رأس المال والسلطة
تزاوج المال والسلطة هو التوصيف الذي أطلق على توغل رجال الأعمال في مؤسسات النظام ، خاصة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعرف البرلمان المصري وجود ظواهر سلبية، عرفت بقضايا " نواب القروض" و "نواب المخدرات" ، و " نواب التجنيد " والنواب " مزدوجى الجنسية " وهؤلاء النواب الذين قدموا للقضاء الطبيعي وأدانهم وعوقبوا بأحكام طويلة، كانوا أعضاء في الحزب الوطني، وبعضهم كان من النافذين داخل المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة.
ولازالت مصر تعرف هذا اللون من الفساد والذي لا يضع حدود فاصلة بين رجال الأعمال بحكم أنشطتهم وممارستهم الاقتصادية وهذا النفوذ في ردهات النظام المصري، فأصبح منهم الوزراء ورؤساء مؤسسات اقتصادية عامة مثل جهاز حماية حقوق المستهلك أو جهاز تنظيم المنافسة، والتي من الواجب أن يتولاها ناشطون من المجتمع الأهلي لا يكون لهم مصلحة في التواجد على رأس هذه الأجهزة.
كما شغل رجال الأعمال معظم المراكز الحساسة في مجلس الشعب المصري من خلال رئاسة لجانه الفرعية أو شغل مناصب وكلاء هذه اللجان. وخلاصة القول في هذا الصدد أن كلا من رجال الأعمال والنظام المصري يستقوي بعضهم ببعض، فرجال الأعمال يحققون مصالحهم الشخصية والذاتية من خلال السيطرة على الأسواق وتعظيم الثروة في ظل أضرار كبيرة تقع على أفراد الشعب المصري، بينما النظام يستقوي بهم في توطيد بقائه وممارسة الحكم. وإن كان رجال الأعمال هؤلاء لا يمثلون رصيداً شعبياً حقيقياً يمكنهم من مساندة النظام، ولكن النظام يستعين بهم من أجل تجميل صورته في الخارج خاصة أمام الغرب والذي يدعو لتبني النموذج اللبرالي الرأسمالي.
• هروب الأموال للخارج
نظراً لأجواء عدم الثقة بين رجال الأعمال والنظام السياسي فقد عرفت مصر شأنها شأن الدول النامية وغير الديمقراطية، ظاهرة الأموال المهاجرة، حيث قدرت أموال المصريين المهاجرة في بداية الألفية الثالثة بما يزيد عن 200 مليار دولار أمريكي، وللأسف الشديد فإن جزء لا يستهان به من هذه الأموال المهربة للخارج كانت بفعل هؤلاء الذين يتبناهم النظام السياسي في مصر، ودلالة ذلك أن أجواء الثقة بين مجتمع الأعمال والنظام السياسي يعتريها الكثير من المخاوف وهو ما يفرض المطالبة بمزيد من الديمقراطية لعودة هذه الأموال التي يعتبر الاقتصاد المصري في أمس الحاجة إليها. وضرورة وجود الشفافية والمساءلة في العلاقات الاقتصادية، والبعد عن التوظيف السياسي الخاطئ للأوضاع والعلاقات الاقتصادية سواء من قبل الحكومة أو من قبل بعض الأفراد.
• إشاعة الممارسات الفاسدة في الأجهزة الحكومية
تعتمد الحكومة المصرية منذ فترة طويلة اعتماد مبدأ " الولاء مقابل العطاء " ولكن هذا المبدأ أُسيئ استخدامه من قبل كلا من النظام وبعض المسئولين ضعاف النفوس، فمورست صور بشعة من الفساد من قبل بعض المسئولين، ونشير إلى بعض منها على سبيل المثال لا الحصر: قضية وزارة الزراعة والمبيدات السرطانية والتي حوكم فيها وكيل وزارة الزراعة ورئيس بنك التتنمية والائتمان الزراعي، والذي كان يشغل في نفس الوقت قرابة 30 منصباً تنفيذياً، وقضية الكسب غير المشروع لمحافظ الجيزة الأسبق، وكذلك ما شاب برنامج الخصخصة من فساد والتي حوكم في أحد قضاياها رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية وغيرها لا يتسع المقام لذكرها.
مصادرة أموال المعارضين السياسيين للنظام
كانت إحالة بعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين - والذين يغلب عليهم صفة رجال الأعمال، أو أن بعضهم يمثل الإدارة العليا في بعض الكيانات الاقتصادية -، إلى القضاء العسكري في مطلع عام 2007، مصدراً للقلق، وذهبت التحليلات السياسية إلى أن المقصود بهذه الخطوة هو تقليص الامكانيات الاقتصادية للجماعة في صورة ضرب مشروعات رجال الأعمال المنتمين إليها، وبذلك يكون هذا الإجراء بمثابة ضربة موجعة من قبل النظام لجماعة الإخوان المسلمين وتخويفهم من السعى لتكوين كيانات اقتصادية تمكنهم من تحقيق نوع من السجال السياسي مع النظام، خاصة وأن الجماعة استطاعت أن تحقق فوزاً - اعتبره البعض غالياً - في الانتخابات البرلمانية في عام 2005، شكلت به نسبة 20 % من مقاعد البرلمان، وقد أرجع البعض هذا الفوز للامكانيات المادية التي أتيحت للمرشحين من الإخوان فضلاً عن جوانب أخرى مثل الالتحام بقضايا الجماهير والتواجد بينهم والسعى لمساعدتهم على متطلبات المعيشة، والتوسع في ممارسات العمل الخيري، في مناطق متعددة.
وقد قام النظام في مرات سابقة بالتحفظ على أموال لأفراد من الإخوان المسلمين ولا زالت هذه الأموال رهن التحفظ بسبب عدم البت في هذه القضايا من قبل النيابة، ومن هذه القضايا، القضية التي توفى فيها المهندس / أكرم الزهيرى نتيجة الإهمال والتعامل غير اللائق معه وهو مصاب بأمراض خطيرة لقد تذرع النظام المصري بالإصلاح الاقتصادي، لتأخره أو لعدم اقترابه من الإصلاح السياسي، ولكن الواقع أشار إلى أن مصر قد شهدت العديد من الانتكاسات الاقتصادية في ظل غياب الإصلاح السياسي، وقد ذهب الكثير من المحللين إلى أن تأجيل الإصلاح السياسي لما بعد انجاز الإصلاح الاقتصادي أتاح الفرصة لغياب المساءلة وانتشار الفساد، وإذا كان النظام جاد في عملية الإصلاح فعليه أن يبدأ دون تلكؤ في السير في مسارين متوازيين للإصلاح السياسي والاقتصادي.
10 - 2 الاقتصاد المصري ... رؤية كلية
يصنف الاقتصاد المصري على أنه اقتصاد نامي، ويعاني من العديد من المشكلات الاقتصادية، وعلى الرغم من الدخول في برنامج للإصلاح الاقتصادي منذ عام 1991/1992 إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تتغير للأفضل ولكن النتيجة لتطبيق هذا البرنامج هى تعاظم سلبياته، بينما بقيت إيجابياته محدودة الأثر ومحصورة في استفادة طبقة معينة، تتمثل في رجال الأعمال الذين تربطهم علاقات قوية بالنظام المصري. ويعد الوضع الاقتصادي في مصر أحد مظاهر الضعف للنظام في الحياة السياسية، حيث يصوت رجل الشارع ضد مرشحى النظام في معظم الانتخابات – إذا ما تمت بصورة صحيحة .
وحتى نتبين الوضع الاقتصادي المصري بشكل صحيح، فسوف نستعرض مؤشراته الكلية من خلال البيانات والإحصاءات المنشورة، كالتالي:
1. التكوين الضعيف للناتج المحلي. حقق الناتج المحلي الإجمالي بالاقتصاد المصري معدلات نمو 4.6 % و 6.9 % و 7.1 % على التوالي خلال الأعوام المالية 2004/2005 و2005/2006 و 2006/.2007. وتأمل الحكومة في أن يصل هذا المعدل إلى نحو 8 % خلال العام المالي 2007/2008. ومكونات الناتج المحلي الإجمالي بصورتها الحالية، يغلب عليها سيطرة الأنشطة الخدمية، وسوف يؤدي هذا إلى مزيد من تبعية الاقتصاد المصري للخارج، ومن مخاطر ذلك أيضاً أن الاقتصاد المصري يكون عرضة للتأثر بشكل كبير للصدمات والمؤثرات الخارجية، كما يشاهد الآن من تأثير ارتفاع الأسعار العالمية وتداعياتها على مقدرات الاقتصاد المصري ومستوى المعيشة. وما ورد في تقرير البنك المركزى المصري للعام المالي 2006/2007 ، عن زيادة نصيب الصناعات التحويلية في مساهمتها بالناتج المحلي الإجمالي وجد أن هذه المساهمة تتركز في مجال تكرير البترول، ومن الأفضل أن تتعدد مجالات الصناعات التحويلية ولا يقتصر التطور على مجال واحد، مع الأخذ في الاعتبار أن قطاع البترول يعد قطاعاً رأسمالياً أي أنه يعتمد على زيادة رأس المال مع زيادة طفيفة في مجال العمالة.
4. الأجور والأسعار. تفاقمت مشكلة الأجور والأسعار في مصر بشكل كبير خلال الأعوام الأربعة الماضية ( فترة حكومة الدكتور نظيف) ، وحتى تلك الوظائف التي كانت تسمى بالكادر الخاص ( القضاة ورجال الأمن والدفاع) لم تعد كذلك في ظل الأداء غير الطبيعي لاستمرار ارتفاع الأسعار، والذي أصبح رصده من خلال الواقع المعاش بأن معدله أصبح يومياً وليس شهرياً كما هو معمول به في جهات الإحصاء.وحسب بيانات تقرير البنك المركزي للعام المالي 2006/2007 فقد شمل الارتفاع في الأسعار كافة السلع والخدمات المكونة لسلة الأرقام القياسية لمعدل التضخم وهي ( الخضروات، اللحوم، الأسماك، الخبز والحبوب، المسكن والمياه والكهرباء، النقل والمواصلات، الملابس والأقمشة، الثقافة والترفيه، التعليم"وإن كانت الأرقام الحكومية تشير إلى ارتفاع في معدلات التضخم بلغ مؤخراً ما يزيد عن 12 %، فإن رجل الشارع يجد أن هذه الأرقام لا تمثل الحقيقة، حيث أنها قد تمثل نصف الحقيقة أو ثلثها.كما أن ما يقال عن ارتفاع رواتب موظفي الحكومة والدولة بشكل عام مع بداية يوليو 2008 ، يمثل تحد حقيقي للموازنة العامة للدولة، فالرواتب تمثل نحو 25 % من حجم الإنفاق العام بالموازنة. كما أن هذا الأمر سوف يزيد من العجز بالموازنة العامة للدولة وبالتالي الدين العام المحلي.
5. العجز في الميزان التجاري. بلغ العجز التجاري لمصر في عام 2006/2008 نحو 15.8 مليار دولار، وقد أتي ذلك بسبب الفجوة بين الصادرات البالغة 22 مليار دولار فقط لا غير والواردات التي تتزايد بشكل كبير حيث وصلت لنحو 37.8 مليار دولار. مع الأخذ في الاعتبار أن البترول لا يزال يشكل عصب الصادرات المصرية بنحو يقترب من 50 % ، ففى عام 2005/2006 شكل البترول 55.5 % من حجم الصادرات السلعية، وفي عام 2006/2007 بلغ 45.9 % من الصادرات السلعية.وتعول الحكومة كثيراً على هذا التغير بانخفاض نصيب البترول وزيادة نصيب الصادرات السلعية غير البترولية، وهو اتجاه حميد لكنه لا يزال ضئيل وهو ما تبينه الأرقام بوجود زيادة قدرها 3.6 مليار دولار في الصادرات السلعية غير البترولية.
6. الإيرادات الريعية .منذ نهاية السبعينات وهناك أربعة مصادر رئيسية لحصول مصر على النقد الأجنبي، ولم تتغير هذه المصادر على الرغم من مرور نحو ثلاثة عقود وما يقال عن تحسين مناخ الاستثمار، وهذه المصادر هي: البترول، وعوائد العاملين بالخارج، والسياحة، وقناة السويس. ويمكن في إشارة سريعة معرفة نصيب هذه القطاعات في العام المالي 2006/2007 :البترول، 10.1 مليار دولار، السياحة، 8 مليار دولار، قناة السويس 6.4 مليار دولار، تحويلات العاملين بالخارج 6.3 مليار دولار.أى ما يعادل 30.8 مليار دولار خلال عام 2006/2007 فقط لا غير.
7. الدين العام. تعكس أزمة الدين العام، خاصة ما يتعلق بالدين العام المحلي منه، مدى عزوف الحكومة عن مواجهة التحديات والعمل على حل المشكلات، وأصبح السلوك الحكومي لا يخرج عن البحث عن مسكنات للتعايش مع المشكلات القائمة والمستجدة. فالدين العام المحلي بمعناه الواسع والذي يتبناه تقرير البنك المركزي وصل إلى 637.2 مليار جنيه، وبما يعادل 87.1 % من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تناست الحكومة معدل الـ 60 % كسقف لنسبة الدين العام المحلي من الناتج المحلي الإجمالي، والتي ظلت طوال فترة التسعينات تردد أن الدين العام المحلي لم يتجاوزها. ولكن بعد هذه القفزة لا تملك الحكومة مبرر قوى سوى أن الدين العام تحت السيطرة !! وكانت خطوة ضم الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات لوزارة المالية نوع من الالتفاف على مشكلة المديونية وتفاقمها.كما أن الدين الخارجي قارب على حاجز الـ 30 مليار دولار، وهو ما يعنى وجود مخاوف من إقبال الحكومة على التمادي في زيادة معدلاته.
8. تفكيك حلقات الدولاب الاقتصادي.المفترض أن تكون هناك حلقات وصل بين حلقات دولاب النشاط الاقتصادي، والمقصود بهذه الحلقات ( الحكومة، ومجتمع الأعمال، وأفراد القطاع العائلي)، وذلك من خلال مجموعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يؤدي الجميع في إطارها، والذي يُعبر عنه بوجود قضايا قومية أو عقد اجتماعي. ولكن الملاحظ منذ الإعلان عن توجه مصر للانفتاح على الاقتصاد العالمي، أن الدولة قد أخرجت نفسها من المسئولية تجاه القضايا الاقتصادية والاجتماعية بحجة تبني اقتصاديات السوق، والجانب الآخر وهو مجتمع الأعمال يعمل في إطار مصالحه الضيقة ولا يربطه بالحكومة سوى الحصول على أكبر قدر ممكن من المزايا وتحقيق المصالح، وذلك على خلاف ما هو متعارف عليه من خلال مفهوم المسئولية الاجتماعية، والطرف الثالث والمكمل لهذه الحلقات هم أفراد المجتمع العائلي وقد أصيبوا بسلبية شديدة تجاه كل ما هو مصلحة أو شأن عام، وأصبح الجميع يسعى لمواجهة ما يعانيه من مشكلات في إطار الحلول الذاتية، فوجدت الدروس الخصوصية لمواجهة تردى الخدمات التعليمية، ووجد الفساد في باقي القطاعات الخدمية لمواجهة تردى الخدمات المقدمة بها.
9. الفقر. الحديث عن الفقر في مصر من خلال الأرقام والمعدلات، لا يحتاج إلى دلالة، فوضع الفقر ظهر بشكل أكثر وضوحاً في الأزمة الأخيرة، وهى أزمة رغيف الخبز. وهو ما دعا بعض المتحدثين في مؤتمر للاستثمار في مصر – انعقد في لندن مؤخراً - عن الطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع هذه الأزمة في ظل الحديث عن تحسن مناخ الاستثمار في مصر.فحسب اأرقام مؤشر حجم إنفاق دولار فيما أقل في اليوم تزايد عدد المصريين وفق هذا المؤشر من 16.7 % إلى نحو 20 %، وحسب مؤشر حجم إنفاق 2 دولار فيما أقل في اليوم فقد تزايد عدد المصريين وفق هذا المؤشر لنحو 53 %.وفي ظل موجة ارتفاع الأسعار المستمرة منذ العام الماضي، نجد أن قياس الظاهرة سوف يعطى أرقام أكثر آلاماً للفقر والفقراء في مصر.
10. الظاهرة السلبية، لتوظيف الأموال . نمت بشكل ملفت للنظر خلال السنوات الماضية ما اصطلح علي تسميته بـ " توظيف الأموال" وبين الفينة والأخرى نقرأ عن عمليات نصب بملايين الجنيهات، في مناطق مختلفة بمصر سواء كانت مناطق الفقراء أو الأغنياء أو الوجه البحري أو القبلي على السواء. وهذه الظاهرة لها أسبابها المعروفة، وأهمها تلك الروح السلبية التي سرت بقوة في جميع طبقات المجتمع وهى الرغبة فى الربح السريع، ولا يكون ذلك إلا من خلال المضاربات في مختلف المجالات، ولكن مهما كانت هناك قطاعات قادرة على استيعاب هذا الأموال في المضاربات فإن لها قدرة معينة بعدها تأتي بمردود اقتصادي سلبي.فضلاً عن مظاهر الفساد التي صاحبت التجربة من وجود علاقات مشبوهة بين هؤلاء الأفراد الذين يمارسون هذا النشاط وبعض المسئولين بالدولة بغض النظر عن حجم المسئولية التي يتولونها.
10 – 3 النظام المصري، والتمادي: من المنع في التصرف إلى المصادرة لأموال رجال الأعمال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين
في أثناء القبض على المحالين للمحكمة العسكرية تم التحفظ على أموال نقدية من منازل وشركات البعض، اختلفت التقديرات بشأنها ولكنها في أغلب الظن قرابة 2 مليون جنيه مصري، وهو مبلغ طبيعي في منازل وشركات أكثر من رجل أعمال، خاصة وأنه في الغالب نقود مصرية مع وجود بعض النقود الأجنبية والتي عادة ما يحتفظ بها رجال الأعمال بحكم سفرهم الدائم، وإن كان بعض هذه الأموال قد تعرض للاختفاء أثناء عرض الأحراز على المحكمة العسكرية، في حين كانت الأموال بكاملها موجودة اثناء العرض على القضاء الطبيعي.
وتم إغلاق بعض الشركات، والتي قدر عددها بنحو 67 شركة، منها قرابة 15 شركة مساهمة. وقد ظهرت الأبعاد الاقتصادية للقضية قبل إحالتهم للقضاء العسكري، من خلال قرار النائب العام والذي صدر في 28 يناير 2008 ، و تم بمقتضاه منع 29 من الذين تضمنتهم القضية العسكرية رقم 2 لعام 2007 ، كما شمل هذا الحظر زوجات المحالين للقضية وأبنائهم القصر.
ثم وجهت الكثير من الاتهامات إلى المحالين للمحكمة العسكرية كان ما يتعلق بالجانب الاقتصادي هو: تقديم الدعم المالي للقواعد الطلابية وسائر الفئات الأخرى المنضمة لجماعة الإخوان المسلمين، غسل أموال لتحقيق أغراض الجماعة فضلاً عن استثمار تلك الأموال لتحقيق أغراضهم . ومن المفارقات أن رئيس اللجنة المالية التي عينتها المحكمة قد أكد على عدم وجود علاقة بين الشركات وبين الجماعة، وأنها لم تموّل أنشطة طلابية أو تتلقى أموالاً من الخارج أو تقوم بغسل أموال، بل أن معظمها ساهمت في دفع الاقتصاد المصري.
في 15 إبريل صدرت الأحكام النهائية في القضية بإدانة 25 فرد من بين الـ 40 المحالين على ذمتها، وقد أتت الأحكام ما بين 3 و 5 و 7 و 10 سنوات لمعظم رجال الأعمال باستثناء فردين أو ثلاثة، بينما صدرت أحكام مصادرة لأموال البعض منهم وكانت كالأتي:
• مصادرة نصيب كل من المهندس خيرت الشاطر والأستاذ حسن مالك في شركة مالك وفروعها، ورواج وفروعها.
• مصادرة نصيب الأستاذ حسن مالك في شركة الأنوار.
• مصادرة نصيب المهندس خيرت الشاطر والدكتور أحمد عبدالعاطي في شركة " حياة"
• مصادرة نصيب الأستاذ أحمد أشرف في شركة دار التوزيع للطباعة والنشر الإسلامية.
10- 4 الأبعاد الاقتصادية للأحكام الصادرة بشأن بعض رجال الأعمال من جماعة الإخوان المسلمين
لا ينبغي أن يتم قراءة الأحكام الصادرة بحق رجال الأعمال من جماعة الإخوان المسلمين في ضوء أحكام المصادرة للأموال فقط، وإنما هناك جوانب أخرى من الأهمية بمكان أن ينظر إليها، ويمكن تناولها على مستويين هما:
الأول: ما يتعلق برجال الأعمال من الإخوان المسلمين، سواء من حصلوا على أحكام بالبراءة، أو من حصلوا على أحكام بالسجن فقط، أو من حصلوا على أحكام بالسجن ومصادرة الأموال.
أما المستوى الثاني: هو تداعيات هذه الأحكام على الصعيد الاقتصادي بشكل عام في مصر، خاصة ما يتعلق بالاستثمار سواء كان محلياً أو أجنبياً، وفيما يلي نشير إلى هذه الجوانب.
أ : الأبعاد الاقتصادية فيما يتعلق برجال الأعمال
1. من حصلوا على البراءة
هناك مجموعة ممن صدرت بحقهم أحكام بالبراءة سجنوا لمدة قاربت العام ونصف، عطلت فيها أعمالهم، وتوقفت فيها أنشطتهم الاقتصادية، ولم يتمكنوا من التصرف في أموالهم بناء على قرار النائب العام بمنعهم وزوجاتهم وأبنائهم القصر من التصرف في أموالهم، وبالتالي فهناك خسائر تحققت نتيجة تعطل هذه المؤسسات والمنشآت، بغض النظر عن حجم النشاط سواء كان كبيراً أم متوسطاً أو حتى صغيراً، فضلاً عن الفرصة البديلة التي كان بإمكان رجال الأعمال هؤلاء أن يحققوها لو أنهم لم يسجنوا لهذه الفترة، ولا يغيب عن أى متخصص أن الأفراد العاملين بهذه المؤسسات قد تعرضوا فجأة للبطالة، أو على أقل تقدير للدخول في دوامة البحث عن فرصة عمل بديلة، في تلك الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد المصري من حيث توفير فرص عمل، أو من تلك الحالة التي قد يتخوف من خلالها البعض في الأسواق من عودة التعامل مع هذه المؤسسات مخافة البطش الحكومي، كما أن فرص رجال الأعمال هؤلاء بلا شك سوف تكون ضئيلة في حالة تفكيرهم للتعامل مع الجهاز المصرفي، خاصة بنوك القطاع العام، لما يكتنف المسئولين بهذه البنوك بحالة "الفوبيا الحكومية".
ومن هنا سوف يعتمد الكثير ممن حصلوا على أحكام البراءة على التمويل الذاتي لتسيير مشروعاتهم، وهو أمر أصبح لا يمثل الجانب الأكبر في التعاملات الاقتصادية. والسؤال الذي يطرح نفسه ويتطلب وجود إجابة من هؤلاء، هل سيتجهون لطلب تعويض عما أصابهم من أضرار الحبس وإغلاق المؤسسات، وتسريح العمال؟ وهل سيكون النظام على استعداد لتعويض هؤلاء عن الاضرار التي لحقت بهم من جراء تصرفه؟ وهل ستتاح لهم فرصة العمل مثل غيرهم من رجال الأعمال الآخرين في مجالاتهم بعيداً عن المضايقات الحكومية؟.
2 - من حصلوا على أحكام بالسجن
سوف تكون الأبعاد الاقتصادية لهؤلاء الأشخاص أكثر ضرراً من حيث أنهم قد حصلوا على أحكام تراوحت ما بين 3 – 5 سنوات، حيث ستستمر حالة الإغلاق لتلك المنشآت، أو حتى في أحسن الفروض في حالة تمكن ذويهم من فتح هذه المنشآت ومزاولة نشاطها، فإنها ستكون قد غيبت عن الأسواق قرابة نحو عامين، والنشاط الاقتصادي لا ينتظر أحد، فهذه المنشآت لديها عملاء وبلا شك فإنهم قد توجهوا إلى مؤسسات وأشخاص آخرين للحصول على السلع والخدمات التي كانوا يحصلون عليها من المنشآت المملوكة لرجال الأعمال من جماعة الإخوان المسلمين .
وستكون أمام هذه المنشآت فترة انتقالية لاستعادة مكانتها في السوق، ويتخوف أيضاً من وجود صورة سلبية لدى بعض المتعاملين، من التعامل مع هذه المنشآت مخافة البطش الحكومى، أو مخافة أن يفسر تصرفهم على أنه نوع من الدعم للمنشآت الخاصة برجال الأعمال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وسوف يكون موقف الجهاز المصرفي منهم أكثر تشدداً من هؤلاء الذين حصلوا على البراءة.
3 – من حصلوا على أحكام بالسجن ومصادرة أموالهم
ورجال الأعمال هؤلاء هم الأكثر تضرراً على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن الجوانب الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، أو النواحي الاجتماعية، ففترة خمس سنوات أو سبع سنوات كفيلة بقتل أي عمل اقتصادي، فما بالنا إذا كانت هذه الفترة بسبب بقاء صاحب المنشأة في السجن، وصودرت أمواله، فمن غير المعقول أن ينطلق ذوو رجال الأعمال هؤلاء لممارسة أعمال اقتصادية أخرى، خاصة وأنهم يعتبرون عصب منشآتهم الاقتصادية، وفقدانهم للتمويل سوف يكون قيداً لا يستهان به، ولا يخفى على أحد أن وجود أحكام عقابية سوف تحرم رجال الأعمال هؤلاء وذويهم من الحصول على العديد من المميزات التي يحصل عليهم أقرانهم في السوق المصري، وإن كانت هذه الأحكام صادرة من قضاء عسكري، والتي يعتقد الكثير من المصريين في أن هذا القضاء ينبغي أن تكون أحكامه قاصرة فقط على العسكريين، وأن القضاء الطبيعي كان هو المعني بمحاكمة رجال الأعمال هؤلاء.
وإجمالاً فإن من أحيلوا للقضاء العسكري، قد تأثروا مادياً واقتصادياً هم وذويهم وكذلك العاملين لديهم، من حيث تدبير احتياجاتهم المادية، وفقدهم لرواتبهم ودخولهم المادية التي كانوا يحصلون عليها من جراء عملهم بهذه المؤسسات.
ب : تداعيات المحاكمة العسكرية على الصعيد الاقتصادي في مصر
1. إن أخوف ما يتهدد الاقتصاد بشكل عام، وجذب الاستثمارات بشكل خاص، هو غياب دولة القانون، ومحاكمة الأفراد أمام قاض غير قاضيهم الطبيعي. ولا شك أن حصول رجال الأعمال من جماعة الإخوان المسلمين - والذين شملتهم المحكمة العسكرية السابعة – على أحكام بالبراءة أمام القضاء الطبيعي وصدور حكم من محكمة مجلس الدولة بعدم صحة إحالتهم للقضاء العسكري، يعكس غياب دولة القانون في مصر، ويثير المخاوف لدى المعنيين بالنشاط الاقتصادي. فعدم تنفيذ النظام لأحكام القضاء ببراءة رجال الأعمال هؤلاء وضرورة الإفراج عنهم غير مرة، يعني تثبيت التهمة الموجهة للنظام بعدم احترامه لأحكام القضاء، وهو ما يعد ثغرة قاتلة في عالم الاقتصاد والمال. وقد تأكد هذا الأمر في حالة بعض رجال الأعمال الأجانب والذين كانوا ينوون القيام بمشروعات واستثمارات مشتركة مع رجل الأعمال / حسن مالك والذي عوقب من قبل المحكمة العسكرية بمصادرة أموال شركة مالك وفروعها. فكم من فرص العمل ضيعت على أبناء مصر من جراء غياب هذه الاستثمارات؟، وكم من دخول أخرى حرم منها الشعب المصري من جراء وجود هذه الاستثمارات في قطاعات السياحة والسكن والانتقالات والأعمال المصرفية وغيرها؟. وحسب تصريحات حسن مالك فقد كان أحد المشروعات التي كان قد أُتفق عليها مع بعض رجال الأعمال الأجانب في مجال الأثاث، أن يوفر مئات من فرص العمل للمصريين.
2. تتطلب الأوضاع الاقتصادية في مصر تنامي المشروعات الاقتصادية، ووجود هذه الأجواء من اللجوء للقضاء العسكري والوصول لعقوبة مصادرة الأموال الخاصة، يجعل المستثمرين في حالة من الترقب والحذر من النظام، حيث يشعرون بأن نمو مشروعاتهم مرتبط بتأييدهم للنظام، وهو أمر يصادر حريات الأفراد، أو يضطرهم للخروج باستثماراتهم إلى بلدان أكثر حرية، ولديها قانون لا يوظف ضدهم، وكما ذكرنا من قبل، فإن أموال المصريين المهاجرة تقدر بنحو 200 مليار دولار، في الوقت الذي تتفاخر فيه الحكومة المصرية بجذب 11 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة.
3. الأوضاع السياسية في مصر بشكل عام، وموقف النظام بعد الأحكام العسكرية ضد رجال الأعمال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، تشوه صورة الاستثمار في مصر، خاصة لدي المستثمرين الأجانب. وللأسف فإن مصر من الدول ذات النصيب الضئيل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الرغم من سخاء مميزات وحوافز الاستثمار بها، ولكن تبقى سلبيات البيروقراطية، وغياب الديمقراطية السياسية، وتلك الضبابية المحيطة بنظام الحكم فيما بعد العهد الحالي، حاضرة في أذهان المستثمرين الأجانب. وعند عقد مقارنة بين مصر وتركيا في هذا المجال نجد فارقاً كبيراً، ففى مصر مع نهاية عام 2006/2007 تحقق 11.1 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة – وهذا الرقم يعد أكبر رقم حققته مصر في تدفقات الاستثمارات الأجنبية - بينما في تركيا بلغ 25 مليار، وإذا ما انصرفنا عن الكم إلى الكيف فسنجد فارقاً كبيراً، حيث أن معظم الاستثمارات الأجنبية في تركيا تنصب في قطاع الصناعات التحويلية والذي يعمل على خلق فرص عمل حقيقية ويمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي، بينما نجد أن تجربة مصر تنحصر في الاستثمارات في قطاع البترول أو شراء الأصول المملوكة للمشروعات العامة عصب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلاً عن المشروعات الصناعية الملوثة للبيئة مثل الأسمنت والكيماويات والحديد والسيراميك. ومثال آخر للفارق بين تركيا ومصر، أن تركيا وفور وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في عام 2002 ، عادت استثمارات تركية إلى داخل البلاد قدرت بنحو 5 مليار دولار، كما أن الناتج المحلي في تركيا تضاعف أربع مرات خلال الفترة من 2002 – 2007 . ويكفي ترتيب مصر المتدني بين الدول الجاذبة للاستثمار، حيث أشار تقرير البنك الدولي المعني بهذا الخصوص إلى أن ترتيب مصر هو 162 من بين 173 دولة على مستوى العالم.
4. تأثرت البورصة في مصر، إبان صدور قرار النائب العام في 28 يناير 2007 بمنع مجموعة رجال الأعمال من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من التصرف في أموالهم هم وزوجاتهم وأبنائهم القصر، كما شهدت نفس التأثر بعد صدور قرار الإحالة إلى القضاء العسكري في 5 فبراير 2007، وأيضاً إبان صدور الأحكام من قبل المحكمة العسكرية في 15 إبريل 2008 ، حيث تضمنت مصادرة للأموال الخاصة، ومن شأن هذه الأحداث أن تبين مدى الآثار السلبية التي من الممكن أن تؤدي إليه مثل هذه الأحكام، خاصة وان البورصة في مصر لازالت ناشئة، وهذه المخاوف لها ما يبررها، فكما أشرنا أعلاه إن" رأس المال جبان. وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن حجم الأموال التي خرجت من البورصة المصرية بسبب قضية رجال الأعمال من الإخوان المسلمين بنحو 20 مليار جنيه ( 3.5 مليار دولار ).
5. تشهد مصر والبلدان العربية منذ منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين صحوة إسلامية متنامية، ولكن للأسف لأن معظم الحكومات ومنها مصر إنصرفت إلى الصدام بهذه الصحوة بدلاً من استحواذها وترشيدها والاستفادة من طاقاتها، ومن هنا نجد أن المتدينين سواء من الإخوان أو غيرهم يتواجدون بشكل لا يمكن إنكاره في الساحة الاقتصادية، ووجود هذا النوع من التعامل من حيث مصادرة الأموال الخاصة سوف يؤدي إلى مزيد من الخوف لدى هؤلاء سواء بالتوسع في مشروعاتهم أو إنشاء مشروعات كبيرة، أو التفكير في فرص استثمار خارج مصر، وخاصة أن النظام سيتعامل مع الجميع من منطق الخوف من السيطرة الاقتصادية أو على الأقل تأييد خصومه من الإخوان المسلمين. كما أن هناك تواجد طبيعي وغير صدامي للإخوان المسلمين في بعض البلدان العربية مثل الكويت والأردن واليمين، وفي حالة تفكير بعضهم للاستثمار في مصر، فسوف يعيدون التفكير في اتخاذ مثل هذا القرار في ضوء ما حدث من صدور أحكام بسجن رجال الأعمال ومصادرة أموالهم.
6. تؤدي مثل هذه الأحكام إلى عدم رغبة الأفراد في إنشاء مؤسسات لأنشطتهم الاقتصادية، وتفضيل بقاء مشروعاتهم الصغيرة ومحدودة الأثر، أو من خلال القطاع غير المنظم، في حين أن مشكلة البطالة تصل إلى نحو 10 % من قوة العمل في مصر، أو مشكلة الفقر التي تلم بنحو نصف سكان مصر،تتطلب وجود كيانات مؤسسية كبيرة، ووجود تضافر بين أفراد المجتمع في هذا الشأن، وأن يشجع النظام على ذلك، ولكن ثمة ملاحظة هامة وهى أنه على مدار السنتين والنصف الماضيتين تزايدت بشدة تلك الأنشطة المرتبطة بما يسمى " توظيف الأموال " والتي ضاعت فيها أموال الكثير من صغار المدخرين، وغياب المؤسسية في النشاط الاقتصادي يؤدي بدوره إلى تعاظم الاقتصاد غير الرسمي، وضيع الضرائب على خزانة الدولة، وبالتالي تردي الخدمات العامة المقدمة في العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة والطرق وغيرها.
7. إن اللجوء للمحاكمات العسكرية ومصادرة الأموال الخاصة، من شأنه أن يعظم الشعور بالفساد، والذي تمتلك فيه مصر سجلاً مؤسفاً، حيث تشير تقديرات منظمة الشفافية الدولية إلى وجود مصر في ترتيب متدني بنحو 3.2 بينما المؤشر يشمل على عشر درجات والحصول على صفر يعنى الفساد الكامل، والحصول على 10 يعني الشفافية الكاملة، وكما يبين المؤشر فمصر دون الوصول إلى نحو منتصف المؤشر. وثمة علامة خطر في شأن الفساد تتعلق بقضية المحاكمة العسكرية السابعة، حيث اختفت بعض الأحراز من أموال ومجوهرات تخص رجل الأعمال حسن مالك، واختفاء بعض النقود من أحراز رجل الأعمال عبدالحمن سعودي، ومكمن الخطر هنا أن ضياع الأحراز له دلالات فساد من الصعب التغاضي عنها، فإذا كان الفساد امتد إلى أحد إجراءات المحاكمة فأين تتحقق الشفافية التي يطمئن إليها رجل الأعمال ومتخذ قرار الاستثمار؟
8. في الوقت الذي أنطلق فيه العمل المصرفي الإسلامي من مصر في منتصف سبعينات القرن الفائت، نجد أن مصر تحتل مرتبة متأخرة في هذا المجال الأن، وأن هناك بلاداً أخرى استطاعت أن تكون قاعدة لهذا العمل، وهى ماليزيا، مستفيدة من رؤوس الأموال والتدفقات النفطية التي تمتعت بها دول الخليج في الفترة الماضية، ولا شك أن الأجواء السياسية التي تعيشها مصر والممارسات الخاطئة تجاه رؤوس الأموال خاصة تلك التي تمثل ملكيتها حصص لمتدينين، كانت سبباً لعزوف هذه الأموال عن المجئ لمصر، ولفقدان مصر التميز في هذاالمجال . وأصبحت ماليزيا صاحبة أول سوق مال إسلامي، فضلاً عن تطوير العمل المصرفي بشكل كبير وتقديم العديد من الخدمات المصرفية الحديثة مثل الصكوك الإسلامية، والتي رحبت بها وطبقتها العديد من الدول الأوروبية، ومؤخراً تفكر مصر في دراسة الاستفادة من هذه الآلية لسد العجز المزمن في موازنتها.
9. ثمة وجود نوع من عدم الحرص على المقدرات الاقتصادية للبلاد من قبل النظام، ويتضح ذلك من وجود مقارنة بين معاملة النظام لرجال الأعمال الذين شملتهم المحاكمة العسكرية السابعة للإخوان المسلمين في مصر، وبين رجال الأعمال الذين سلبوا أموال الجهاز المصرفي وفروا للخارج مخلفين وراءهم مشكلات جسام، سواء لمشروعاتهم ، أو لمورديهم، أو للبنوك التي استنزفوا مواردها، حيث يسعى النظام للحوار مع من هربوا للخارج بأموال البنوك ومحاولة تسوية ملفاتهم، وفي نفس الوقت تصادر أموال رجال الأعمال من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والذين لم يدانوا في قضايا مع البنوك أو الضرائب أو ممارسة أنشطة اقتصادية محظورة، بل وبرأتهم المحكمة العسكرية ذاتها من تهم غسل الأموال والإرهاب؟ ومن هنا فقد يبث في روع البعض أن الأصل الفساد وليس العمل والإنتاج والنهوض باقتصاد البلاد.
والخلاصة التي نصل إليها هي أنه: في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي لا تتناسب مع مكانة مصر وإمكانياتها، يجب أن يكون أداء النظام وجميع القوى السياسية وغير السياسية الاتجاه نحو تعضيد وتقوية الداخل، خاصة على الصعيد الاقتصادي، وبدلاً من أن يتخذ النظام من المجال الاقتصادي أهدافاً للنيل من خصومه السياسيين، فعليه أن يذهب ليعالج مظاهر الخلل ومكامن الضعف في الأداء الاقتصادي والاجتماعي، ومن هنا يكون مصدر قوته ومواجهة خصومه أما تشويه صورتهم أو النيل منهم في ظل أجواء اقتصادية متردية فسوف تكون عاقبتها خسراناً ووبالاً على الجميع.
الباب الخامس:تعاطي المجتمع المدني والإعلام مع القضية
الفصل الحادي عشر: منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية
المواقف والفاعلية
يسعى هذا الفصل إلى التعرف على مواقف وأدوار منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية تجاه قضية سجناء الرأي المحالين للمحاكمة العسكرية ويحاول الإجابة على السؤال التالي: ما هو موقف كلا من منظمات حقوق الإنسان في مصر والعالم من القضية؟
وهل قام كل طرف بتقديم المساندة والدعم لسجناء الرأي وفق آليات فردية أو جماعية؟ وما هي صور هذه المساندة؟
وأخيرا.. هل كان الطرفين فاعلين في القضية ليس بمعنى تحقيق الضغط على السلطة لوقف المحاكمة وإنما بتنويع آليات العمل للدفاع عن سجناء الرأي؟ وإذا كانت الإجابة بلا لأحد الطرفين. فلماذا؟!
11 – 1 دور المنظمات الحقوقية المصرية
أولا: موقف مركز سواسية
بدأ مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز اهتمامه بالقضية منذ وقت مبكر وتحديدا بعد يوم واحد من اعتقال 132 على ذمة القضية حيث أصدر بيانا يطالب بالإفراج عنهم ثم أعد تقريرا بعنوان: "الشباب المهدور" يتناول فيه أبعاد قضية طلاب الأزهر واعتقالات سجناء الرأي من قادة الإخوان المسلمين.
وقد قام المركز بندب عدد من المحامين العاملين في وحدة الدفاع القانوني به إلى حضور التحقيقات مع المعتقلين، والمشاركة في هيئة الدفاع عن المحالين إلى المحاكمة العسكرية، وطالب المركز بإنهاء هذه القضية السياسية والإفراج عن جميع المحبوسين والمعتقلين وتوفير محاكمة عادلة لمن تم تحويلهم إلى المحكمة العسكرية حيث تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن تكون القضايا محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.
كما جدد مطالبه بإيجاد حل سياسي لا أمني لقضية مشاركة الإخوان المسلمين وإذا كان هذا الحل ليس مكانه هذا العهد، فإنه دعا لإيجاد مخرج للأزمة الراهنة والعمل علي عدم تفاقمها من خلال التسامح السياسي مع التيار الإسلامي، بدلاً من البحث عن ذرائع لتشويه صورته ومحاولة تصفيته من خلال القمع والضربات الأمنية الاستباقية، على اعتبار أن ذلك هو المدخل الحقيقي لضمان استقرار المجتمع وعافيته السياسية.
ودعا أيضا إلى وقف تمرير قانون الأحكام العسكرية وتعزيز استقلال القضاء على اعتبار أن مشروع القانون يتناقض مع الفلسفة العامة للقانون ومبادئه، وخصوصاً مبدأ توحيد القانون، ويجيء في نفس الوقت الذي نجد فيه القضاء العادي أو الطبيعي يجاهد من أجل استكمال استقلاله عن السلطة التنفيذية وأكد أن استقلال السلطة القضائية ككل يعني اختصاصها بالولاية القضائية كاملة أي الانفراد بمهمة الفصل في المنازعات والخصومات، فالقضاء لا يمكن أن يؤدي رسالته في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وكفالة حرية المواطنين إلا باستقلاله.
وأن ضمانات إقامة العدالة تشكل ركنًا أساسيًا لازمًا لحماية كافة حقوق الإنسان وبالتالي فإن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية تمثل إجراء يسقط حق الفرد العادي في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي في ظل كافة الضمانات التي تستلزمها المادة الرابعة عشر من العهد الدولي.
كما طالب بإلغاء المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1977 والتي تجيز لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، حيث يجب أن تجرى محاكمتهم أمام القضاء الطبيعي، نظراً لإهدار المحاكم العسكرية لكثير من الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة والمنصفة.
وقد شارك مركز سواسية لحقوق الإنسان ضمن وفود من منظمات حقوقية مصرية ودولية في مراقبة جلسات المحاكمات العسكرية، ونظرا لأن هذه القضية قد أعقبها حملات اعتقالات مستمرة فإن المركز قد أصدر بحلول نهاية العام 2007 تقريرا بعنوان "عدل غائب.. اعتقالات الإخوان خلال العام 2007" رصد فيه اعتقال 2204 من جماعة الإخوان.
وقد أشار التقرير إلى أنه منذ بدأ الإخوان المسلمون حركتهم المطالبة بالإصلاح والديمقراطية منذ العام 2005 اعتبر النظام أن بعض مظاهر تعبيرهم ومطالبهم قد تجاوزت الخط الأحمر، رغم أنهم لم يقصدوا الإخلال بالنظام ويعتبرون بدورهم أن استقرار البلاد خطا أحمر، لكن النظام لديه إرث طويل في استعمال العنف لكسر شوكة المعارضة وإضعافها.
وأورد التقرير الكثير من الانتهاكات التي شابت المحاكمة العسكرية للإخوان في القضية رقم 963 لسنة 2006 جنايات أمن دولة عليا والمقيدة بإدارة المدعي العام العسكري تحت رقم 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية.
وفيما يتعلق باعتقالات وقضايا الإخوان المسلمين طالب المركز:
المحاكمة العادلة: انطلق التقرير من أن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو محاكم خاصة يحرم الفرد من إحدى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة ومحاكمة المدنيين أمامها ليس سوى إجراء يسقط حق الفرد العادي في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي في ظل كافة الضمانات التي تستلزمها المادة الرابعة عشر من العهد الدولي.
وطالب باحترام مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ثبوتًا قطعيًا, وهو مبدأ أساسي لحماية حقوق الإنسان كما أنه يعني أن عبء الإثبات يقع على عاتق سلطة الاتهام, وأن الشك يفسر دائمًا لصالح المتهم.
وقف الاعتقالات التعسفية: وتناولت المادة التاسعة من العهد الدولي ماهية هذا الحق وحدود تنظيمه, ومنها عدم جواز توقيف أو اعتقال أي شخص تعسفيًا, كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا للأسباب وطبقًا للإجراءات التي يقررها القانون.
وإذا وجب اعتقاله فلا بد من إبلاغه فور الاعتقال بالتهم المنسوبة إليه, كما يجب تقديم المقبوض عليه بتهمة جنائية للمحاكمة ومن استكمال محاكمته دون تأخير وخلال فترة زمنية معقولة, فطول المدة التي يقضيها المتهم في الاعتقال قبل تقديمه للمحاكمة تعتبر خرقًا لما تضمنته المادة المذكورة من العهد في فقرتها الثالثة.
وقف القوانين الاستثنائية: وذلك بوقف العمل بكل القوانين الاستثنائية ومراجعة السياسات التي تعزز دور مؤسسات الأمن على حساب كلا من مؤسسات الدولة الأخرى، ومنها استمرار العمل بقوانين الطوارىء حتى يتم تمرير قانون مكافحة الإرهاب.
واعتبر التقرير أن غاية ما أعطاه قانون الطواريء هو المرونة والسرعة في اتخاذ الإجراءات العقابية دون الالتزام بأية قواعد دستورية لحماية الحقوق والحريات والممتلكات الخاصة، أما قانون مكافحة الإرهاب فلا يستهدف وضع نصوص عقابية فقط، بل إتاحة سلطات وصلاحيات أوسع للنيابة ومأموري الضبط أيضا بعد أن كانت قاصرة وبشكل استثنائي علي رئيس الجمهورية أو من يفوضه
ثانيا: موقف المنظمات الحقوقية المصرية
طالبت معظم المنظمات المصرية بالإفراج عن طلاب الأزهر وسجناء الرأي من قادة الإخوان المحالين للمحاكمة لكن بيانا وجهه عدد من منظمات حقوق الإنسان إلى الإخوان المسلمون والمحامين بعنوان: "قاطعوا المحاكمات العسكرية" بتاريخ 26 أبريل 2007م قد أظهر أن هناك سقف للمساندة وضعته هذه المنظمات لأنفسها ويتمثل في تسجيل موقفها برفض تحويل سجناء الرأي إلى المحاكمة العسكرية دون البحث عن آليات للمساندة المباشرة لهم على غرار المنظمات الدولية - كما سنرى لاحقاً.
فقد وجهت المؤسسات الحقوقية الموقعة على هذا البيان، نداء لجماعة الأخوان المسلمون في مصر، بأن تمتنع عن حضور المحاكمات العسكرية التي يحاكم أمامها العديد من المدنيين المصريين المنتمين إلي الجماعة، وأن يمتنع كذلك المحامين سواء المنتمين إليها أو غيرهم كذلك عن الحضور، كوسيلة سلمية وقانونية لمواجهة هذه المحاكمات الغير عادلة، ورأت هذه أن حضور المتهمين وهيئة دفاعهم لن يقدم جديد ولكنه سيكون مشاركة فيما يشبه التمثيلية، وإضفاء للشرعية عليها وتصوير المحاكمة على أنها محاكمة حقيقية.
ثم عادت مجموعة أخرى من المنظمات إلى إصدار بيان يستنكر الصمت على الحملة البوليسية المستمرة التي يتعرَّض لها المئاتُ من المواطنين المصريين؛ بسبب انتمائهم للإخوان المسلمين، واصفين الصمت عليها بـ"التواطؤ والمشاركة" في هذا القمع المنظَّم، مشدِّدةً على أنه لا يجب السكوت عنه، مشدِّدةً على أن سجناء الإخوان المسلمين أنموذجٌ لسجينٍ حُرِم من حقِّه في معرفة أسباب القبض عليه، ومعاملته إنسانيًّا، وفي تحقيق عادل ومحاكمة منصفة، ويجب الدفاع عنه ودعمه.
وندَّدت بحملات القبض العشوائية على أعضاء الإخوان المسلمين في أغلب مدن ومحافظات مصر التي تنشرها أغلب الصحف المصرية كأخبار متناثرة بشكل مقتضب في بعض الصحف المستقلة أو على مواقع الإنترنت، وكأنه أمرٌ عاديٌ أن يعتقل مواطنون مصريون ويُنكَّل بهم فقط؛ لأنهم يحملون أفكار فصيل إسلامي معارض!!. وإضافة إلى هذين البيانين أصدر مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية دراسة تحليلية مصغرة بعنوان: "المحاكم العسكرية بين الاتجاهات السياسية والشرعية الدولية" من أجل البحث في مدى شرعية الخضوع للقضاء العسكري.
ومن المفارقة أن الدراسة لم تتطرق إلى المحاكمة العسكرية السابعة لسجناء الرأي من الإخوان المسلمين وذكرت إن السلطات المصرية في الفترة من عام 1992 - 2000 قد أحالت ( 36) قضية إلى القضاء العسكري بلغ عدد المتهمين فيهم (1136) وانتهت هذه القضايا إلى صدور (94) حكما بالإعدام فيما قضى بحبس و سجن ( 701) متهما وبراءة (341) .
وتناولت الدراسة طبيعة قانون القضاء العسكري ومراحل التطور التشريعي لهذا القانون في مصر وصولا إلى إصدار القانون الحالي، كما تناولت عرض بعض قواعد قانون الأحكام العسكرية الحالي، وأخير رؤية هذا القانون في ضوء معايير الشرعية القانونية.
وقررت أن الإصلاح القضائي هو البوابة الفعلية للإصلاح السياسي و المدخل الرئيسي للوصول لدولة القانون ومناط الدولة الديمقراطية هو الاحترام الحقيقي للمؤسسة القضائية حامية الحقوق والحريات. وانتهت الدراسة إلى أن قانون الأحكام العسكرية بتنظيمه الحالي يعكس حقيقة المناخ السياسي السائد والتي تكرس فيه صلاحيات السلطة التنفيذية المتعاظمة على حساب استقلالية السلطة القضائية، وهو أمرا جد خطير يجب على المشرع تداركه ، خاصة وان الصلاحيات العقابية الممنوحة للقاضي العسكري تصل إلى حد إصدار أحكاما تقضى بعقوبة الإعدام بموجب سلطة تخوله أن يكون مشرعا على كرسي القضاء ، الأمر الذي ينال من شرعية أحكام هذا القانون و يجعلها وصمة في جبين القضاء المصري.
ثالثا: آليات الدعم غير المباشرة
الملاحظ أن المنظمات الحقوقية المصرية لم يكن لها دور مباشر يذكر في الدفاع عن المحالين إلى المحاكمة العسكرية - لأسباب سنذكرها في نهاية هذا الفصل – ورغم ذلك فقد كان لها دور غير مباشر في الدعم من خلال النضال لتنقية البيئة الدستورية والقانونية من المواد التي تسمح للسلطة التنفيذية بتقييد حركة المعارضة السياسية وتقليل هامش الحريات العامة وذلك كالتالي:
1. تعديل قانون القضاء العسكري:
رفضت المنظمات المصرية تعديل هذا القانون فأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بيانا منتصف أبريل 2007 يطالب بإلغاء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري ورأت أن مشروع تعديل بعض أحكام قانون الأحكام العسكرية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1966 –ا بمثابة تعديل شكلي، حيث ما زال هناك قصور شديد في بنيته التشريعية يتمثل في استمرار محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية التي تفتقد للمعايير الأساسية للمحاكمة العادلة والمنصفة المكفولة بمقتضى الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وأكدت أنه حتى يؤتي تعديل قانون الأحكام العسكرية ثماره فلابد أن يتضمن جملة من التعديلات الأساسية، ومن بينها:
أولاً :إلغاء إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وأن تجرى محاكمتهم أمام القضاء الطبيعي، نظراً لإهدار المحاكم العسكرية للعديد من الضمانات اللازمة للمحاكمة العادلة والمنصفة.
ثانيًا: ينعقد الاختصاص للقضاء العسكري للعسكريين فحسب وللجرائم التي تقع في المعسكرات الأماكن التي يشغلها العسكريون لصالح القوات المسلحة أينما وجدت، بمعنى أنه لابد من قصر ولاية المحاكم العسكرية على الجرائم العسكرية.
ثالثًا: إلغاء المادة 48 من القانون والتي بموجبها نجد أن السلطات القضائية العسكرية وحدها هي التي تقرر ما إذا كان الجرم داخلاً في اختصاصها أو لا دون أن تملك أية جهة قضائية أخرى منازعتها في ذلك.
رابعًا: إلغاء المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدلة بالقانون رقم 5 لسنة 1977 والتي تجيز لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين المتهمين إلى المحاكم العسكرية وذلك في ظل حالة الطوارىء.
وأصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (ورقة موقف) منتصف يوليو العام 2007 بعنوان: "في غياب قضاء مستقل يضع حدًا للإفلات من العقاب، هل العدالة الدولية هي الملاذ في العالم العربي؟" أعرب خلالها عن ترحيبه ببسط اختصاص القضاء الدولي على عدد من الجرائم الكبرى والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في عالمنا العربي، وهو ما جسدته على وجه الخصوص قرارات مجلس الأمن بإحالة ملف الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في إقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة من يثبت تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وأكد أن التطلع إلى دور أكبر للقضاء الدولي في العالم العربي كمدخل للوصول إلى الحقيقة، وإنجاز العدالة ومنع الإفلات من العقاب، يعكس على الجانب الآخر ما أفضت إليه السياسات والممارسات المنتهجة من قبل أغلبية الحكومات العربية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي من تقويض فعالية النظم القضائية القائمة وتراجع الثقة في قدرة القضاء الوطني على تحقيق العدل والإنصاف.
وفي مصر لم يحقق القضاء استقلالا ناجزا حيث تتبدى مظاهر عديدة لتدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء وتسيير العدالة يتجسد أبرزها في الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية، والتي تتيح له تعيين النائب العام وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس مجلس الدولة، فضلا عن الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في ظل حالة الطوارئ السارية منذ أكثر من ربع قرن، حيث يحق لرئيس الجمهورية أن يحيل أي من المواطنين إلى القضاء العسكري.
ورأت الورقة أن إعادة الاعتبار للقضاء في العالم العربي لمعايير العدالة يقتضي تبني برامج لتعزيز استقلال القضاء وكفالة الاستقلال المالي والإداري للهيئات القضائية، وغل يد السلطة التنفيذية عن تشكيل المجالس القضائية العليا وإفساح المجال لمبدأ انتخاب أعضاء هذه المجالس من قبل الجمعيات العمومية للمحاكم، وإعطاء هذه المجالس سلطات تقريرية في تعيين القضاة ونقل تبعية التفتيش القضائي من وزارات العدل إلي المجالس القضائية العليا، ووضع حد نهائي لأشكال القضاء الاستثنائي.
3. قانون مكافحة الإرهاب:
أدركت منظمات المجتمع المدني المصري منذ وقت مبكر خطورة ذلك القانون المزمع تمريره في مجلس الشعب وسعت إلى إقناع الحكومة بأن يتم صياغته بالتعاون بين الطرفين.
وفي هذا الإطار أصدر المرصد المدني لحقوق الانسان بيانا أواخر يناير 2008 يحذر من صدور قانون الإرهاب دون إقراره من قبل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني قائلا إن توجه الإدارة المصرية لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب دون مشاركة القوي السياسية والقوي المجتمعية في مناقشة مواده اعتمادا علي الأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها الحزب الوطني الحاكم يعد بمثابة مؤشر خطر وخوف من تضمين مواده بنودا تؤثر وتنتهك الحريات السياسية والمدنية وحرية التعبير ويصبح سيفا مسلطا علي المعارضة السياسية والصحفيين وكتاب الرأي.
وطالب بعرض مواد القانون المقترح كاملة ونشرها ومشاركة القوي المجتمعية في إقراره هذا حرصا علي مستقبل التطور الديمقراطي في مصر مع تضمينه نصوصا تحمي أنشطة المعارضة السياسية الشرعية وكافة اشكال الاحتجاج السلمية كالحق في التظاهر السلمي والحق في الإضراب والحق في التجمع السلمي والحق في التنظيم كما يجب مراعاة الحقوق الفردية للأشخاص ويجب أن يتم أي تقييد تحت إشراف القضاء . كما عقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حلقة نقاشية التي بدعم من الاتحاد الأوروبي يوم منتصف فبراير 2008 تحت عنوان " التشريعات الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب ...الدروس المستفادة" وطالبت بضرورة نزع السرية التي تكتنف لجنة وضع مشروع قانون الإرهاب الجديد، وإشراك كافة القوى السياسية والحزبية والمجتمعية في المناقشات التي ستجرى بشأنه، وإعلان ملامح هذا المشروع للرأي العام .
وأوضح المشاركون من أساتذة القانون وأعضاء مجلس الشعب وممثلي الأحزاب السياسية ونشطاء حقوق الإنسان أن القوانين التي صدرت في غالبية دول العالم لمكافحة الارهاب لم تكن موجهة بالأساس إلى تقييد حريات مواطني هذه الدول، بقدر تركيزها على تقييد حريات وحركة المهاجرين الذين يعيشون فيها، وأكدوا على أهمية التوازن في القانون الجديد بين نصوص مكافحة الجريمة الإرهابية وبين الضمانات المعنية بحماية الحقوق الخاصة بالأفراد .
ورفضت الندوة الاستعانة بأي نصوص قانونية دولية خاصة بالإرهاب وتنفيذها في مصر، على اعتبار أن جميع هذه النصوص التي صدرت في الغرب كان مقصود منها المسلمين والمهاجرين بالتحديد، وليس سكان البلاد الأصليين كما أكدت على أن غياب الديمقراطية، وكبت الحريات، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة يوفر البيئة الخصبة والمناسبة لتفشي الجرائم الإرهابية في مختلف البلدان، وعليه فإنه من أجل القضاء على الجريمة الإرهابية ومكافحتها ينبغي العمل على تعزيز الديمقراطية، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وبناء دولة القانون والمؤسسات، ومحاربة الفساد، والقضاء على مسببات الفقر والبطالة . وعقد مركز القاهرة لحقوق الإنسان ندوة بعنوان: " قانون مكافحة الإرهاب.. يكافح مَن؟ " أوائل مارس 2008 وأكد المشاركون فيها أن طريقة إقرار التشريعات في مصر طريقة عسكرية تعتمد علي المباغتة واخذ الشعب علي غرة أو بطريقة الخديعة العسكرية الاستراتيجية.
واعتبروا أنه لا يحق للبرلمان الانفراد بوضع قانون خطير مثل هذا فكيف لحوالي 400 فرد أن يقرروا مصير أمة منفردين سواء جاءوا عبر انتخابات نزيهة أو انتخابات مزورة مثل انتخاباتنا!.
رابعا: تقييم دور المنظمات المصرية
إن أول ما يلاحظ على آداء منظمات حقوق الإنسان المصرية غياب التشبيك بينها في هذه القضية ليس بمعنى إصدار بيان مشترك معا وإنما كآلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق أهداف معينة حتى ولو كانت أهدافا بسيطة أو هدفا واحدا. وتعرف الشبكة بأنها تحالف تطوعي بين الأفراد أو المنظمات يتضمن تعبئة قدراتها المشتركة ومواردها لدعم قدرات الشبكة وزيادة تأثيرها بهدف تحقيق أهداف مشتركة ومصالح عامة بشرط أن تحتفظ كل منظمة أو جمعية باستقلاليتها.
وقد يكون التشبيك بين المنظمات آنيا لتحقيق أهداف معينة وما يلبث هذا التحالف أن يتفكك بعد تحقيقها للأهداف المرسومة، ويحصل هذا في المدافعة في قضية حقوقية كقضية الإحالة للمحاكمات العسكرية وغيرها، أو الضغط على مصدر القرار لاستصدار بعض التشريعات أو المطالبة بإلغاء بعضها، كما يمكن أن يكون التشبيك استراتيجيا اذا وصلت المنظمات المشبكة إلى جدوى او مردود مادي أو معنوي ايجابي ومؤثر حينذاك يتحول التشبيك إلى موقف أو تحالف إستراتيجي.
ونظرا لأن أيا من المنظمات الحقوقية لم تسعى لتكوين شبكة تعمل في هذه القضية فإنها لم تنجح في تحقيق التالي:
- توسيع نطاق وقاعدة الدعم المتاحة للقضية من خلال العمل الجماعي المشترك بما لا تستطيعه هيئة واحدة منفردة .
- تعظيم حجم الموارد المتاحة لتحقيق الهدف المتمثل في الضغط على السلطة بتجميعها في إطار واحد وتوزيع مسئوليات العمل على مختلف أطراف التحالف .
- توسيع نطاق الأعمال والأنشطة وبالتالي تعزيز مصداقية وجهود كل من أعضاء التحالف.
أما ثاني الملاحظات فيتمثل في دور المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي بدا وكأن القضية لا تعنيه! رغم أنها من صميم اختصاصاته.
وفي الحقيقة لا نستطيع تقييم تجربة المجلس القومي لحقوق الإنسان عموما دون ربط ذلك بقياس أرادة الدولة في تحقيق تطورات فى مجال الإصلاح السياسي والدستور ، والتي مرت بمنعطفات عدة خلال السنوات الأخيرة ما بين انفراج، أو تضييق كامل، أو حالة ما بين منزلتين فتارة تفسح الدولة المجال لتحقيق الانفراجة، فتسمح بتكوين جمعيات حقوقية، وتسمح بالوجود والنشاط لحركات تغيير دون أن تعترف بشرعيتها، وتعقد أول انتخابات تعددية رئاسية ، وتسمح بإصدار صحف مستقلة.
ثم تأتى وتمارس عنف لا حدود له ضد الناخبين والقضاة والصحفيين، في الانتخابات البرلمانية التي راح ضحيتها 14 مواطنا، قتلوا أثناء ممارسة حقهم الديموقراطى بالاشتراك في العملية الانتخابية، وتفتح أبواب سجونها لمئات النشطاء المتضامنين مع حركة القضاة، وتصر على تمرير قوانين سيئة السمعة تمس استقلال القضاء وحرية الصحافة.
فقد ارتبط أداء المجلس بحجم التغييرات التي تريدها الدولة في هذا الملف، نظرا لأنه نشأ في رحم الدولة وأنشئ بقرار جمهوري من السيد رئيس الجمهورية، رأس السلطة التنفيذية التي يتلعها جميع هيئات الدولة المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر طوال عقود عدة، سواء كانت تلك المؤسسات أمنية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وهكذا فإن رؤية المجلس لأحوال حقوق الإنسان والتوصيات الصادرة عنه ترتبط أرتباطاً وثيقاً برؤية الدولة ، ومدى قبولها لتحقيق إصلاح في ملف حقوق الإنسان، ومدى تقبلها للنقد من قبل هيئة تابعة لها ومنشأة بقرار منها.
والمجلس لم يتحرك فقط فقط من أجل التحقيق في الشكاوى الخاصة بأهالي المحالين للمحاكمة العسكرية وإنما تجاهل أيضا التعديلات الدستورية بعد أن رفضت الحكومة تقريرا منه بالتعديلات التي تتوافق مع المعايير الدولية كما تجاهل من قبل التعليق علي مشروع نادي القضاة لاستقلال السلطة القضائية ،وتجنب مناقشة تقارير النادي عن المخالفات التي شابت الاستفتاء علي تعديل المادة 76 والانتخابات البرلمانية 2005، وتبني المجلس موقف الحكومة في الأزمة الشهيرة مع القضاة، ورآها مجرد خلاف بين رجال السلطة القضائية.
والسؤال المطروح الآن هو: لماذا اتسم أداء منظمات حقوق الإنسان المصرية بالضعف؟
هنا نجد أنفسنا بين فريقين الأول: يؤكد أن هذه المنظمات تدافع عن حقوق الإنسان أيا كانت انتماءات صاحبها وأن منظمات حقوق الإنسان تدافع عن حقوق الاسلاميين كبشر ولكن ربما واكب قضية قيادات الإخوان المسلمين قضايا أخرى لا تقل أهمية مثل حبس الصحفيين وتقييد حرية الرأي والتعبير واحتجاجات العمال.. إلخ.
أما الثاني: فيرى أن منظمات حقوق الإنسان المصرية لم تقم بالدور المنوط بها وخصوصا في الدفاع عن المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاصة بضمانات المحاكمة العادلة وأنها اهتمت ببعض القضايا وأعطتها أولوية على قضية المحاكمات العسكرية مثل قضية المدون عبد الكريم عامر والقرآنيين ولم تدافع بما فيه الكفاية عن سجناء الرأي من الإخوان.
ويضيف هذا الفريق أن هناك سببين رئيسين يقفان وراء العزوف الحقوقي عن قضايا الإخوان عموما وقضية الإحالة إلى القضاء الاستثنائي على وجه الخصوص وهما:
1. أن المجتمع المدني في مصر مرهون بعقلية الاستبداد والتوريث وحالة الطوارئ حيث تتحرر السلطة التنفيذية من كل ضمانات دستورية تتعلق بالحقوق والحريات العامة، وتتغول على كل من اختصاصات السلطتين التشريعية والقضائية وحريات المجتمع المدني على حد سواء، وهو ما يؤثر سلبا في عمل هذه المنظمات ويدفعها إلى عدم إغضاب الحكومة بالدفاع عن (المغضوب عليهم من السلطات)!.
2. أن هناك فجوة في التصورات بين الإخوان ومنظمات حقوق الإنسان حيث يرى الإخوان أن هذه المنظمات لا تقوم بدورها في الدفاع ضد الانتهاكات التي تطال أعضاءها فيما يتخوف قسم كبير من منظمات حقوق الإنسان من الصعود السياسي للإخوان معتبرين أن الجماعة غير ديمقراطية وتريد أن تصعد بسلم الانتخابات إلى السلطة حتى إذا ما وصلت للسلطة ركلت السلم فلا هي نزلت ولا سمحت لأحد آخر بالصعود بل ووصل الأمر ببعض قادة المنظمات الحقوقية إلى القول أنه يفضل النظام القائم رغم الاعتراف باستبداده لأنه يسمح لهم بالتواجد والحصول على التمويل أما الإخوان فلن يسمحوا له بالأمرين على السواء!
وبناء عليه: إذا كان توسيع الهامش الديمقراطي وتقليل الخوف والاستبداد يتطلب نضالا مشتركا من جميع القوى السياسية والفكرية وخصوصا الإسلاميين والعلمانيين، فإن قيام منظمات حقوق الإنسان بدورها تجاه الانتهاكات التي تطال الإخوان لن تكون فعالة سوى بأن يقوم الإخوان من ناحيتهم ببلورة رؤية متكاملة عن حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في هذا المجال مع السعي إلى التحاور مع هذه المنظمات في أي إشكالات فكرية أو واقعية أي عدم تأجيل المواقف أو تبني المواقف الغامضة من جهة وأن تقبل هذه المنظمات الحوار مع الإخوان دون التفتيش في الضمائر وتدافع عن حقوقهم كأي فئة يطالها التمييز في المجتمع من جهة أخرى.
11 – 2 دور المنظمات الدولية
لا يتسم نشاط المنظمات الدولية باصدار البيانات لتسجيل موقفها من قضية ما وإنما تجيء بياناتها في سياق مراقبتها لتلك القضية لفترة طويلة نسبيا، إضافة إلى أنها تربط تلك القضية بالحريات العامة.
أولا: مواقف المنظمات الدولية
بلغ عدد المنظمات المشاركة في الدفاع عن الإخوان المسلمين ما يقرب من الـ 5 منظمة حقوقية على رأسها منظمة العفو الدولية واللجنة العربية لحقوق الإنسان بباريس ومنظمة هيومان رايتس ووتش ومؤسسة الحرية الأمريكية والرابطة الوطنية للمحامين الأمريكيين وغيرها من المنظمات الحقوقية التي أولت قضية الإخوان المحالين إلى المحاكمات العسكرية اهتماما كبيرا ولكن يمكن القول أن أهم المنظمات الدولية المدافعة عن سجناء الرأي من قيادات الإخوان المسلمين كانت كالتالي:
1. اللجنة العربية لحقوق الانسان:
كان للجنة برئاسة الناشطة فيوليت داغر نشاط ملحوظ بدأ بعد فترة وجيزة من بدء المحاكمة وحتى إصدار الحكم، وقد ربطت بيانات اللجنة بين المحاكمات وبين التعديلات الدستورية معتبرة أن هذه التعديلات نكسة على صعيد تكوين دولة القانون وضمانات الحريات الأساسية في مصر والمنطقة. وأكدت أننا أمام قضية تمس البعد الاقتصادي والبعد العلمي والثقافي للناشطين السياسيين بكل ما يعني ذلك على صعيد بناء النسيج المدني والسياسي في المجتمع المصري والقدرة النضالية اليومية في العمل العام ففي كل دول العالم، يلجأ العاملون في الشأن العام لمؤسسات اقتصادية تسمح لهم بالعيش خاصة عندما ينتمون لأحزاب معارضة أو ممنوعة، أي عندما تكون أبواب رزقهم وسيلة ضغط يومية عليهم وعندما تقوم السلطات الأمنية ومن ثم القضائية الاستثنائية باعتقال هذا العدد الهام من المهندسين والأطباء وأساتذة الجامعة وأرباب العمل، فهذا يعني أن السلطة السياسية قد قررت تعزيز مضايقاتها السياسية بمضايقات اجتماعية واقتصادية تطال اللقمة والصنعة ومستقبل أطفال المعتقلين وهذه ممارسة خطيرة تحتاج إلى شجب واستنكار ليس فقط في مصر بل على صعيد الوطن العربي والعالم. واستنكرت اللجنة موقف السلطات المصرية من تواجد المراقبين الدوليين والعرب، واستمرار ما أسمته المهزلة-المأساة، مطالبة بوقف المحاكمات العسكرية فورا وعدم توريط القضاء العسكري في الحسابات السياسية الضيقة للسلطة.
2. منظمة هيومان رايتس ووتش:
بدأت المنظمة بموقف مشترك مع منظمة العفو الدولية في بيان لها أوائل شهر يونيو 2007 بعنوان: "محاكمات عسكرية مخِّلة بالعدالة لقادة الإخوان المسلمون" مؤكدة أن المحاكمة تأتي فى سياق فشل الحكومة المصرية في ضمان إصدار إدانات من قبل المحاكم الجنائية العادية، مما اضطرها للجوء إلى محكمة عسكرية خاصة لإصدار الأحكام المرغوب فيها.
واعتبرت أن جميع التهم الموجهة للمحالين للمحكمة ملفقة بدليل أن محكمة جنائية في القاهرة ردت جميع التهم الموجهة إليهم بتاريخ في 29 يناير/كانون الثاني 2007، وأمرت بالإفراج عنهم فورا فقامت قوات الأمن بإعادة اعتقال الرجال بعد لحظات من صدور هذه الحكم.
وأشارت إلى أنه في 8 مايو/أيار 2007، قضت محكمة القاهرة الإدارية بأن أمر الرئيس مبارك غير قانوني، ولكن المحكمة الإدارية العليا نقضت الحكم، في 14 مايو/أيار، بناء على استئناف من الحكومة وبعد جلسة 3 يونيو/حزيران، أُجِّلت المحاكمة حتى 15 يوليو/تموز.
ثم أصدرت المنظمة بيانا مشتركا مع منظمة العفو الدولية (أمنستي) أكد أن محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية المصرية يخالف المعايير الدولية للمحاكمات العادلة المنصوص عليها في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وأضافت أن اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، اعتبرت في قواعدها ومبادئها التوجيهية الخاصة بالحق في محاكمة عادلة، أن الغرض الوحيد للمحاكم العسكرية هي البت في الجنايات ذات الطبيعة العسكرية البحتة التي يرتكبها أشخاص عسكريون، وأنه لا ينبغي أن تكون للمحاكم العسكرية، في أي ظرف من الظروف، ولاية قضائية على المدنيين"
3. منظمة العفو الدولية (أمنستي):
أصدرت بيانا في 11 أبريل 2007 بعنوان: "لا يجوز للقانون الجديد لمكافحة الإرهاب أن يُرسِّخ الانتهاكات المنهجية" طالبت من خلاله الحكومة بالتأكد من أن القانون المزمع إصداره لمكافحة الإرهاب لا يرسخ هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان.
كما أصدرت (أمنستي) تقريرا يحمل عنوان انتهاكات منهجية باسم الأمن، في شهر مارس 2007 ومفاده أن التغييرات الدستورية الراهنة وقانون الإرهاب الجديد المزمع إصداره يمكن أن يعرضا حقوق الإنسان لمزيد من التهديدات.
وقالت أن آلاف المصريين وأغلبهم من الإخوان المسلمين قد اعتُقلوا باسم الأمن؛ واحتُجز بعضهم بدون تهمة أو محاكمة، غالباً برغم صدور أوامر عن المحاكم بالإفراج عنهم، بينما صدرت أحكام على آخرين عقب محاكمات بالغة الجور.
ووصف التقرير عمليات التوقيف التعسفية والاعتقال المطول بدون محاكمة والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة من جانب المسؤولين الأمنيين، لاسيما مباحث أمن الدولة التي تتمتع بصلاحيات واسعة في ظل حالة الطوارئ مشيرا إلى أن التعذيب يُستخدم على نطاق واسع من جانب أفراد مباحث أمن الدولة وغيرها من أجهزة الأمن.
وطالبت الحكومة المصرية لخبيري حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المعنيين بالتعذيب ومكافحة الإرهاب بالدخول الفوري إلى البلاد وزيارة السجون وأماكن الاحتجاز، وعدم اتخاذ القانون الوطني الأمريكي نموذجاً لقانون مكافحة الإرهاب على اعتبار أنه مرفوض من جانب كثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية لأنه يشكل اعتداءً جوهرياً على الحريات التي يقدسها الأمريكيون منذ زمن طويل.
وعشية إحالة المعتقلين إلى المحكمة العسكرية أصدرت بيانا بعنوان: "تقويض العدالة: محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية" أكد أن استخدام الحكومة المصرية المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين يشكل مخالفة للقانون الدولي .
وأن الإحالة للمحكمة العسكرية يمثل انتهاكا لضمانات المحاكمة العادلة حيث تشكِّل الإجراءات المتبعة في المحاكمات العسكرية التي ينص عليها القانون المصري وكذلك الإجراءات المستخدمة في الممارسة انتهاكاً للقانون والمعايير الدوليين اللذين يتعين على مصر احترامهما بحكم التزاماتها. وجددت المنظمة الدعوة للحكومة المصرية بالتوقف عن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية وضمان تلقي المتهمين المدنيين محاكمات عادلة أمام محاكم مدنية مستقلة وغير متحيزة وذلك في بيان لها بتاريخ 13 يوليو 2007 بعنوان: " منظمة العفو الدولية تدين استخدام المحكمة العسكرية" وعقب رفض السلطات الحكومية بحضور مراقبين دوليين أصدرت المنظمة بيانا بتاريخ 3 أغسطس 2007 بعنوان : " منظمة العفو الدولية تدعو الرئيس إلى السماح للمراقبين بحضور محكمة عسكرية مهمة" معلنة أنها كتبت إلى الرئيس المصري حسني مبارك لتحثه على ضمان السماح لمراقبين مستقلين بحضور محاكمة 40 من أعضاء "الإخوان المسلمون" .
وعارضت مجددا على لسان أمينها العام أيرين خان استخدام الحكومة المصرية المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين نظرا لأن القضاة في المحاكم العسكرية المصرية هم موظفون يؤدون الخدمة في القوات المسلحة، ولا يمكن للمحاكم العسكرية أن تكون مستقلة وغير متحيزة في محاكمتها المدنيين واستخدامها في عقد محاكمات سياسية مشحونة إلى هذه الدرجة - مثل المحاكمة الراهنة لقادة الإخوان المسلمون - تشير إلى أن المتهمين قد يُحرمون من محاكمة عادلة.
ثانيا: تنويع آليات المساندة
لم تكتفى المنظمات الدولية بتسجيل موقفها وتوضيح الانتهاكات والتداعيات المترتبة على المحاكمة العسكرية وإنما تنوعت آلياتهم المساندة للمحالين للمحاكمة العسكرية بين التشبيك، وعقد الندوات، وإرسال المراقبين لجلسات المحاكمة، وبين مطالبة الناشطين والمواطنين إلى الكتابة إلى الرئيس مبارك بشكل شخصي!.
1. التشبيك والعمل الإعلامي: ويبرز في هذا السياق دور اللجنة العربية لحقوق الانسان التي نظمت أكثر من ندوة في أوروبا للتعريف بما يجري وقامت باتصالات متعددة مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرلمانيين أوربيين وشبكة منظمات غير حكومية من أجل بناء شبكة مناهضة للمحاكمات السياسية العسكرية التي ستترك آثارا كارثية على وضع حقوق الإنسان في مصر- من وجهة نظر اللجنة.
ومن الندوات الهامة التي عقدتها اللجنة تلك الندوة التي نظمتها بالعاصمة الفرنسية قبيل الجلسة الأولى للأحكام بتاريخ 25 فبراير 2008 والتي قامت خلالها بتوزيع منشورات مختلفة عن قضية المحاكمات العسكرية التي تجري في مصر، وإصدار بيان وقعت عليه مؤسسات مختلفة كالشبكة العربية لحقوق الإنسان والجمعية المصرية لمناهضة التعذيب ومركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية.
وقسمت الندوة لجلستين، الأولى ترأستها الدكتورة فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان، وتناولت واقع حقوق الإنسان في مصر والإنتهاكات الفادحة التي تمارس من قبل النظام، وأعطت بعض الإشارات عن الواقع السياسي الذي يتجه نحو توريث للحكم يسير بخطى وعلى حساب قيم الإنسان المتفق عليها دوليا.
أما الجلسة الثانية فترأسها الدكتور هيثم مناع، الإخوان، وانتقد المشاركون مسيرة هذه المحاكمات العسكرية والمحاكمة الأخيرة التي دامت عام، معتبرين أنها كارثة للعائلة وللمحامي وللمتهمين.
2. المناشدة ومراقبة الجلسات: دعت منظمة العفو الدولية إلى الكتابة إلى الرئيس حسنى مبارك والسلطات المصرية لحثها على ما يلي:
- وقف إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
- الوقف الفوري لجميع المحاكمات الجارية لمدنيين أمام محاكم عسكرية ونقل قضاياهم إلى محاكم مدنية لإعادة محاكمتهم
- إصدار الأوامر بإعادة المحاكمات وضمن إجراءات تفي بمقتضيات المعايير الدولية للمحاكمة العادلة لجميع من أُدينوا من قبل محاكم عسكرية أو استناداً إلى أدلة تم الحصول عليها أو يشتبه بأنه قد تم الحصول عليها بواسطة التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة
- التحقيق في جميع مزاعم التعذيب على وجه السرعة وبشكل واف ووضع حد لاستخدام الاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي
كما شاركت المنظمات الثلاث في إرسال مراقبين إلى المحاكمة منذ بدء أولي جلساتها غير أن السلطات قامت بمنع المراقبين من دخول قاعة المحاكمة.
3. أسماء المراقبين الدوليين
- د.هيثم مناع (المتحدث الرسمي باسم اللجنة العربية لحقوق الإنسان)،
- الأردني د.أنيس قاسم (كبير مراقبي منظمة العفو الدولية)،
- الجزائرية أ. حسيبة صحراوي (منظمة العفو الدولية)،
- إيلايجا زروان (مستشار منظمة هيومان رايتس ووتش)، ورئيس نقابة المحامين الأتراك.
- السيد رمزي كلارك (وزير العدل الأمريكي السابق)،
- البريطانية إيفون ريدلي (صحفية مشهورة)،
- السير إيفان لورانس (المستشار القانوني لملكة بريطانيا)،
- الإنجليزي علي أظهر (المحامي البريطاني المرموق ورئيس منظمة العدالة الدولية)،
- الأردني سميح خريس (مندوب منظمة العفو الدولية).
- الفرنسية د. فيوليت داغر (رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس)،
- الأردني سميح خريس (مندوب منظمة العفو الدولية)،
- الأمريكي بروس نستور (رئيس الرابطة الوطنية للمحامين الأمريكيين)،
- السوري د.عمار القربي (مندوب اللجنة العربية لحقوق الإنسان –باريس)،
- الأمريكي مهدي براي (الرئيس التنفيذي لمؤسسة الحرية الأمريكية)،
- السوري عبدالرحيم غمازه (مندوب اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس)،
- الأمريكي كوروم بي وحيد (محامي مرموق والمستشار القانوني السابق لمجلس إدارة مجلس العلاقات المصرية الأمريكية)،
- الأمريكية روسالي بي جيتر (المدير التنفيذي لمعهد السيدات الأمريكيات للتنمية).
- السورية جميلة صادق ( مندوب اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس)
- الأمريكية سيندي شيهان الحقوقية البارزة،
الفصل الثاني عشر: الإعلام والمحالين للمحاكمة العسكرية...عام مأساوي للطرفين!
لا شك أن مصلحة المجتمع تتحقق بقيام وسائل الإعلام بدورها عبر ثلاثة أسس رئيسية هي: مهنية جيدة للإعلاميين، بيئة تشريعية تضمن الحريات الإعلامية، الالتزام بأخلاقيات المهنة.... وأي خلل في واحدة أو أكثر من هذه الأسس يشكل انتهاكا لحق المواطن في المعرفة, ويؤثر على دور السلطة الرابعة في الرقابة كحارس للمصلحة العامة.
وقد نصت المادة 32 الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أقره مؤتمر القمة العربية في الفصل الثاني عشر: الإعلام والمحالين للمحاكمة العسكرية...عام مأساوي للطرفين.
لا شك أن مصلحة المجتمع تتحقق بقيام وسائل الإعلام بدورها عبر ثلاثة أسس رئيسية هي: مهنية جيدة للإعلاميين، بيئة تشريعية تضمن الحريات الإعلامية، الالتزام بأخلاقيات المهنة.... وأي خلل في واحدة أو أكثر من هذه الأسس يشكل انتهاكا لحق المواطن في المعرفة, ويؤثر على دور السلطة الرابعة في الرقابة كحارس للمصلحة العامة.
وقد نصت المادة 32 الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أقره مؤتمر القمة العربية في تونس (2004) على التالي:
- يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية. - تُمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
ومع أن الميثاق العربي لم يدخل حيز النفاذ بعد (سيدخل حيز النفاذ بعد تصديق سبع دول عليه ولحد الآن صادقت ثلاث فقط) إلا أنه من الواجب احترامه على الأقل.
ونص الدستور المصري على حرية الصحافة في " المادة 48 " من خلال التأكيد على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الأعلام مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وانذرها أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور وهو بذلك اقترب مما أقرته المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان بل يبدو واضحا أن المشرع الدستوري قد تأثر كثيراً بتلك المواثيق.
وسوف يتناول هذا الفصل نقاط ذات صلة بالتغطية الإعلامية لقضية المحالين إلى المحاكمة العسكرية لقيادات الإخوان المسلمين وأهمها: واقع الصحافة والإعلام الفضائي في مصر، والتدخل الحكومي في العمل الإعلامي وتأثيراته في التغطية الموضوعية للقضية .. وأخيرا الإبداعات الإعلامية التي ظهرت كنتيجة للتدخل الحكومي واستطاعت أن تخترق القيود الكثيرة من أجل تقديم تغطية متميزة لمجريات القضية.
12 – 1 واقع الصحافة والإعلام المرئي
إن حرية واستقلال الإعلام من أهم الحقوق السياسية في مجتمع يتطلع للتعددية السياسية والفكرية فلا معنى للتعددية دون حرية، ولا فائدة من هذه التعددية إذا لم تتوفر لها الحرية والاستقلال الإعلامي، وتحتل قضية حرية الرأي والتعبير مكانة بارزة كأحد أهم حقوق الإنسان وذلك منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م.
- واقع الصحافة المصرية
وبرغم ذلك فقد صدرت التي قيدت حرية الصحافة ومنها القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن سلطة الصحافة والقانون رقم 3 لسنة 1998 بشأن الشركات المساهمة والقانون رقم 20 لسنة 1936 بشأن المطبوعات. فوفق للقانون رقم 96 لسنة 1996 تم قصر حق إصدار الصحف للأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة " مادة 45 " أي منع الأفراد من تملك الصحف كما وضع قيودا عديدة علي الصحف التي تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة.
وفي إطار مشروعات القوانين المعدلة عقب التعديلات الدستورية التي أجرتها الحكومة المصرية بدايات العام 2007 طالب الصحفيون ومنظمات المجتمع المدني بصدور قانون جديد للنشر يتماشى مع القوانين و المواثيق الدولية التي أكدت على حرية الرأي المكفولة.
وكان الرئيس مبارك قد قدم قبل ثلاث سنوات على هذا التاريخ وعدا إلى نقيب الصحفيين بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، وقدم في برنامجه الإنتخابى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعد بتحقيق انفراجة ديمقراطية وإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، لكن الحكومة تقدمت بمشروع قانون لا يحقق الوعد الرئاسي بمنع حبس الصحفيين في جرائم النشر.
وصدر قانون مليء بالمواد المعيقة لحرية الرأي والتعبير حيث بموجبه يستمر إنزال عقوبة الحبس على الصحفيين مما يعكس إصرارا من واضعي القوانين على تجاهل آراء الخبراء والمتخصصين.
ومن التعديلات الجديدة إلغاء نص قانوني يجيز الحبس بقضايا النشر ومضاعفة الغرامة المالية مما يعني أن البنية التشريعية والقانونية ما زالت مليئة بمواد معيبة تقف أمام حرية الرأى والتعبير وحق تداول المعلومات، ومنها على سبيل المثال – إضافة إلى ذلك التعديل - المواد التي تقف عائقا أمام حرية إصدار الصحف والمطبوعات وفرض الرقابة عليها مما يتنافى مع أحكام المادة 48 من الدستور التي تنص على حرية الصحافة.
وقد اعتبر قطاع كبير من الصحفيين أن التعديل الجديد بتوقيع غرامة مضاعفة قد يؤدي إلى حماية الفساد والمفسدين, ويعرض الأقلام الحرة التي تحاول كشفهم لغرامة طائلة تصل إلى 40 ألف جنيه، معتبرين أن عقوبة الحبس بقضايا النشر ما زالت قائمة بكل مواد القانون نظرا لعدم قدرة معظم الصحفيين على دفع الغرامة المالية الكبيرة.
- واقع الإعلام المرئي
رغم إعلان مصر الموافقة على إقامة (مدينة إعلامية حرة خاصة) في مدينة السادس, بما يجعلها بذلك رابع دولة عربية تدخل هذا المجال بعد الأردن ولبنان ودبي إلا أن الحكومة عملت دائما على التحكم ومراقبة المواد التي تبثها الفضائيات مع الإقرار نظريا باحترام مفاهيم الحرية في الفكر والرأي والعقيدة في العالم كلغة عالمية!.
وفي مقابل التقدم التكنولوجي في مجال البث الفضائي فإن الخطاب الحكومي لم يتطور باتجاه احترام التعددية حيث أن الحديث يدور عن أن القنوات الفضائية الحكومية تقوم بمهمة قومية وستظل ملكا للدولة وذلك في سياق منافسة شديدة تواجهها سواء من القنوات الخاصة المحلية أو الأجنبية, والتي تجذب اهتمام المشاهدين.
وبالتزامن مع إصدار الأحكام في قضية سجناء الرأي المحالين للمحاكمة العسكرية قامت الحكومة المصرية بالتنسيق مع أطراف عربية أخرى بالتنسيق وبطريقة يحسدون عليها، بالعمل على إعادة الإعلام العربي إلي عصور ما قبل (حقبة الجزيرة)!.
فقد اتفقت مصر والسعودية على إدخال تعديلات علي القوانين المنظمة لعمل الفضائيات العربية وتقدما بوثيقة (مبادىء تنظيم البث الفضائي في العالم العربي) أثناء اجتماع وزراء الأعلام العرب خلال شهر فبراير 2008، التي تتضمن نصا يشدد على الحفاظ على مقومات المجتمع ومراعاتها ويلزم الدولة مانحة الترخيص، بإنذار المحطة الفضائية، وإلغاء ترخيصها نهائيا، إذا تجاوزت الضوابط والمحاذير السياسية في برامجها الحوارية السياسية.
وتضمنت الوثيقة المتفق عليها من قبل وزراء الدول العربية باستثناء دولة قطر عددا من البنود المطاطية التي قد تستخدم في تقييد حرية الإعلاميين وتحول دون طرح قضايا معينة، فنص البند الرابع من الوثيقة على دور الفضائيات العربية في " عدم التأثير سلبا على السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة" وهو بند مطاطي غير محدد تختلف تفسيراته بين دولة وأخرى حسب الثقافة والعادات السائدة بل يختلف تفسيره أيضا في داخل الدولة الواحدة ويحتمل عددا من التأويلات.
كما امتدت البنود المطاطية للبند السادس الذي أكد على حظر أي إساءة للرموز الدينية والقيم الأخلاقية وهو ما يعد توظيفا للدين في تقييد الحريات الإعلامية، وجاء البند السابع أيضا بنص مبهم غير واضحا " الامتناع عن بث كل ما يتعارض مع توجهات التضامن العربي " و"احترام كرامة الدول والشعوب وسيادتها الوطنية ، وعدم تناول قادتها أو الرموز الوطنية والدينية بالتجريح"! .
ولعل السبب الواضح وراء تلك الوثيقة يتمثل في تزايد النقد الموجه للسياسات الرسمية العربية تجاه الخلل في أدائها في الداخل والخارج معا ففي الداخل تقل هوامش الحريات العامة وتضيق الحكومات بالمعارضة وفي الخارج يستمر الحصار التجويعي لقطاع غزة، وسط دعايات عربية رسمية تدين المقاومة - بطرق مباشرة وغير مباشرة - وتسكت عن ممارسات الاحتلال الظالمة.
12 – 2 قمع الصحافة يرصد البعض مفارقة واضحة هي أن الصحف المستقلة والحزبية قد زاد عددها وتوزيعها بما يعنى إمكانية وجود تغطية موضوعية للقضية العسكرية بدلا من التغطية الحكومية التي إما أنها تعتمد على الدعايات ضد هؤلاء المحبوسين أو حركتهم السلمية المعارضة أو أنها تقوم بتغطية جلسات المحاكمة من خلال أخبار صغيرة ومتناثرة في صفحات الحوادث.
ورغم ذلك فإن القضية لم تنل التركيز الإعلامي الكافي مما زاد من الشكوك والهواجس في أن بعض الصحف قد مال في بحثه عن نقطة التوازن في التغطية الإعلامية إلى ناحية الطرف الحكومي حتى لا يتعرض إلى أساليبها التدخلية القمعية المباشرة أو الناعمة.
لكن يبدو أن هذا الفريق لم يضع في اعتباره أن هناك دعايات حكومية ناجحة ضد جماعة الإخوان المسلمين بأنها حركة ضد الحرية والتعددية والديمقراطية عموما مما أدى إلى تقليل التعاطف نسبيا مع سجناء الرأي المحالين للمحاكمة العسكرية.
فضلا – وهذا هو المهم – أنه في الوقت الذي بدأت فيه وقائع جلسات المحاكمة العسكرية لهم، كانت الصحافة تقوم بدورها في تغطية قضايا أخرى لها علاقة بالهجوم على الحريات العامة وانتهاك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للعديد من الفئات في المجتمع، رغم أن هذا العام الذي شهد وقائع جلسات المحاكمة العسكرية كان عاما أسودا على الصحافة في مصر مما يعنى أن الطرفين: الصحافة، وسجناء الرأي كانوا يتجرعون من ذات الكأس الحكومية.!
- عام أسود على الصحافة
رغم أن الصحافة المستقلة ومواقع المدونات تحاول تعزيز حرية التعبير في مصر، فقد شهد العام 2007 تزايدا كبيرا في الهجمات على الصحافة المصرية وحرية التعبير.
فقد أطلقت الحكومة المصرية حملة عنيفة استمرت طوال العام ضد الصحافة المستقلة، وتم اعتقال صحافيين وأصحاب مدونات، وتعرضوا للملاحقة والمضايقات وهو ما أدى إلى صدور تقارير من منظمات حقوقية مهتمة بعمل الصحافة تشير إلى وجود تناقص مستمر لحريات الصحافة خلال السنوات الخمس الماضية، وهي فترة شهدت أكبر عدد من الهجمات والملاحقات ضد الصحافيين في مصر، وأعطت مصر درجات في حرية الصحافة أهلتها إلى أن تكون في المراتب الأخيرة على معظم مؤشرات حرية التعبير في العالم. وعلى سبيل المثال، أشارت لجنة حماية الصحافيين في مايو 2007 إلى أن مصر تعد من الدول "الأكثر تراجعا من حيث حرية الصحافة" حيث أنها عام 2003 إلى أواخر العام 2007، احتلت المرتبة 146 من أصل 169 دولة على المؤشر العالمي لحرية الصحافة، وهو تصنيف سنويا تنشره منظمة مراسلون بلا حدود في باريس.
وبالتزامن مع السير في إجراءات التحضير للمحاكمة العسكرية التي كان من ضمن المحالين إليها الصحفي أحمد عز الدين كانت الصحافة المصرية تتعرض لضغوط حكومية قوية ومن الأمثلة على ذلك:
أوقفت السلطات الأمنية في مطار القاهرة الدولي في يناير 2007 الصحافية هويدا طه متولي من محطة الجزيرة، التي كانت تعمل على فيلم وثائقي عن التعذيب في مصر، وحكم عليها بالسجن لستة أشهر في الثاني من مايو بتهمة "حيازة ونشر صور مزورة عن الوضع الداخلي في مصر، وهذا قد يؤثر سلبا على وقار واحترام البلاد."
وفي شهر أبريل، اعتقلت السلطات الأمنية في مطار القاهرة الصحافي والمدون، عبد المنعم محمود ، وهو في طريقه إلى السودان وتم سجنه هذا، في عدة منشآت، منها سجن طرة، لحوالي الشهر قبل إطلاق سراحه .. ونظرا لأن المدونات أظهرت فعاليتها في مصر فقد استقطب الناشطون الالكترونيون اهتمام السلطات وقال كثيرون منهم أنهم يتعرضون للمراقبة والمضايقات والتخويف، كما اعتقل البعض منهم وسجنوا بسبب هذه النشاطات.
وفي أبريل 2007 تقدم رئيس محكمة الاستئناف العالي في الإسكندرية، القاضي عبد الفتاح مراد، بقضية ضد 51 موقعا الكترونيا لمنظمات مصرية حقوقية وأصحاب مدونات، طالب فيها بإقفال هذه المواقع على أساس "أنها تشوه سمعة الحكومة المصرية."
ثم شهد شهر سبتمبر عدة أحكام بالسجن بحق صحافيين مستقلين، ما اعتبر ضربات جديدة ضد حرية التعبير حيث حكم على عادل حمودة، محرر في صحيفة الفجر الأسبوعية؛ ووائل الإبراشي، من صحيفة صوت الأمة الأسبوعية؛ وعبد الحليم قنديل، رئيس التحرير السابق لصحيفة الكرامة وإبراهيم عيسى رئيس تحرير الدستور اليومية، بالسجن لمدة عام مع دفع غرامة 20 ألف جنيه مصري بتهمة نشر معلومات خاطئة قد تضر بالنظام العام.
وبدأت القضية باتهام من عضو بالحزب الوطني الديمقراطي اتهم هؤلاء الصحفيين بشتم شخصيات رسمية وحكومية ونشر معلومات خاطئة، كما اتهم عيسى في قضية منفصلة أقامها المدعي العام الأمني بنشر تقارير: "يمكن أن تهدد الأمن العام وتؤذي المصلحة عامة" بعد سلسلة من المقالات نشرت في الدستور وأثارت التساؤلات حول صحة الرئيس مبارك. وبدأت جلسات المحاكمة في يناير 2008 م.
وفي الفترة نفسها، أدين رئيس تحرير الوفد، أنور الهواري، ونائبه محمود غلاب، ومحرر القسم السياسي في الصحيفة عامر سالم، بتهمة التشهير في قضية أقامها 11 محاميا على صلة بالحزب الوطني الديمقراطي، وقد حكم على كل من المتهمين بالسجن لمدة سنتين لكن أطلق سراحهم بعد محاكمة استئناف. وبنهاية العام 2007 م وبداية العام 2008 أقيمت ست دعاوى قدح وذم ضد وائل الإبراشي، رئيس تحرير صوت الأمة المستقلة وقد تقدم بهذه الدعاوى ستة رجال أعمال ردا على مقالات نشرت في صوت الأمة تحت عنوان "انتهاك القوانين من قبل شركات يديرها رجال الأعمال" وبدأت وقائع المحاكمة خلال شهري يناير وفبراير 2008.
ومن الواضح أن هذا الهجوم الحكومي للإعلام المستقل يجيء بسبب الأهمية التي يكتسبها حيث بدأ الشعب يبتعد عن الصحف الحكومية لصالح الصحف المستقلة التي تتوسع تدريجيا في حصتها من السوق الإعلامي المصري، وتحاول السلطات اعتبار المدانين قدوة وإخافة الصحافيين عبر إدانة بعضهم كما حصل خلال عام 2007م.
- نتائج التدخل الحكومي
يمكن رصد تأثيرات التدخل الحكومي على مستويين يتعلق أولاهما بالرقابة على عمل الصحافة والصحفيين مما يحد من تعزيز حرية الصحافة والتعبير في البلاد، ويشير الثاني إلى وجود أشكال مختلفة من أساليب التناول الإعلامي لقضية المحالين للمحاكمة العسكرية وذلك كالتالي:
أولا: شهدت البلاد ازديادا في إصدار عدد من الصحف الحزبية وموجة من الصحف المستقلة مع مواكبة ذلك انطلاق القنوات التلفزيونية الخاصة التي أتاحت للمشاهدين المزيد من الاختلاف في الآراء. لكن الحكومة تتعامل مع حماسة الصحافة المصرية ونزوعها القومي أو الليبرالي أو الإسلامي بطريقة مزدوجة، إذ إنها تسمح بتعدد الصحف كما سمحت بتعدد الأحزاب لكنها تربط كل ذلك بقوانين ضابطة وضاغطة يجعلها تبدو وكأن سقف الحريات فيها أعلى من بعض مثيلاتها العربية، فيما هي تمارس قدرا كبيرا من الكبت.
فقد عطلت حالة الطوارىء المستمرة الحياة الصحفية في مصر وأعاقت تطورها حيث هدفت التشريعات المختلفة إلى السيطرة على مضامين وسائل الإعلام والتحكم في آليات إصدار الصحف وملكيتها، وفي الوقت نفسه إعطاء هامش من حرية الرأي حيث تعتقد السلطات أن هذا الهامش يمكنه امتصاص زخم المطالبين بالحرية ولو لبعض الوقت.
وإلى جانب العوائق القانونية والإدارية والأمنية التي تعترض حرية العمل الصحفي في مصر فإن السلطات أضافت إليه قيودا أخرى تتعلق بحرية تدفق المعلومات ووصولها إلى الصحفيين، حيث تقف تعقيدات إدارية مقصودة تقف في وجه حصول الصحفيين على المعلومات من مصادرها الرسمية وهو ما يعيق عمل الصحافة ورسالتها من جانب ويقود إلى إيقاع بعض الصحفيين في فخ المعلومات الخاطئة التي تقودهم إلى الحبس أو الغرامات العالية.
ثانيا: أن الصحف اختلفت في تناولها لقضية الإحالة للمحكمة العسكرية ففي الوقت الذي حاولت فيه الصحف المستقلة إفساح هامش أوسع نسبيا لتغطية الجوانب السياسية والحقوقية والإنسانية والأسرية للمحالين رغم ما كان يواجهه بعضها من حملات قمعية بالوسائل القانونية فإن الصحف الحكومية كانت تنشر أخبار ووقائع المحاكمة في مساحات خبرية صغيرة ووفق الرؤية الأمنية.
وقد اتسم التناول الصحفي الحكومي للقضية بالتالي:
1. تحويل الأنظار: أي تركيز الأنظار على موضوعات معينة وتحويل أخرى عن مواقعها إلى موضوعات بديلة، ومن ذلك أحد التقارير بجريدة الأهرام التي أوردت خبرا صغيرا يكذب بعض التقارير لمنظمات حقوق إنسان دولية يشير إلى أن نائب مرشد الجماعة المهندس خيرت الشاطر وبعض زملاءه المحالين للحاكمة العسكرية قد تدهورت صحتهم بطريقة كبيرة، كما أن الجريدة لم تنشر رد الشاطر الذي يوضح حقيقة الأوضاع الصحية للمحبوسين.
2. الوظيفة الدعائية: تعتني بعض الصحف الحكومية بأخبار وقضايا معينة منتقاة ومصوغة بلون محدد، وهذه الأخبار ليست في حقيقة الأمر صورة للأحداث؛ لأن الخبر لا يقتصر على الحدث والواقعة فحسب، بل يشمل ما آراء ووجهات نظر ، وهذا يعطيه وظيفة دعائية.
والدعاية الفاشلة هي التي تلجأ للكذب لذلك تنطلق الدعاية الناجحة من الواقع وتبني عليه أقوالا وأحداثا أخرى في سعيها لاستقطاب التعاطف وفي هذا الإطار تحدثت أحد أعداد صحيفة روز اليوسف اليومية عن أن أحد المحامين الإخوان قد استضاف وفدا حقوقيا أجنبيا في مأدبة غداء بأحد الفنادق بهدف دفع أعضاء الوفد إلى التصريح بما يريده! وهو ما يثير تساؤلا: هل جاء الوفد من بلاده ليغير أقواله بعد وجبة غداء؟!
3. إثارة الشك ( التشويه ): كان التشويه والتشكيك يتم بطريقة مباشرة فى الفترة السابقة على ظهور الفضائيات والصحافة المستقلة، أما الآن فيحدث من خلال البرامج الحوارية التى يمثل المتحاورون فيها طرفًا واحدًا، أو من خلال توسيع دائرة الخلافات بين الإسلاميين والعلمانيين في المجتمع، وفيما يتعلق بأحداث المحاكمة العسكرية ظهر هذا في أحد تقارير الأهرام من خلال الادعاء بأن الإخوان المسلمين لا يقبلون بالمحاكمة أمام القضاء المدني لذلك قرر الرئيس مبارك تحويلهم إلى القضاء العسكري!، كما ظهر أيضا في التقارير التي تتحدث عن أن مطالب الإخوان بالإصلاح ليس سوى إلا استعراض للقوة وتحقيق مصالح فئوية.
12 – 3 الإنترنت: إنهم يكسرون الحصار!
بالرغم من سيطرة الدولة على معظم وسائل الإعلام، بما يعنى وجود إمكانية لتحيزها إلى الحكومة والحزب الحاكم؛ فإن بعض دراسات باحثى الرأى العام تخطت المنظور القائم على الربط فى العلاقة بين التعرض لوسائل إعلام بعينها ونمط الاستجابة للمعلومات التى يتلقاها المشاهد أو القاريء من تلك الوسائل إلى القول بوجود أبعاد أخرى مثل: انتماء الفرد إلى (جماعات مرجعية) لها وسائل ومصادر معلوماتها ، وقدرة وسائل الإعلام البديلة، وخصوصًا الإنترنت على توفير مصادر أخرى للمعلومات تساعد فى توعية الفرد وتحديد اختياراته بطريقة عقلانية رشيدة.
بكلمة أخرى: إن الحملات الدعائية الحكومية المستمرة لتشويه قضية المحالين للمحكمة العسكرية وتيارهم الفكري والسياسي لا تؤدي هدفها سوى في بيئة سياسية يسودها التعصب بين مختلف التيارات السياسية، بينما يقيدها الإعلام البديل – الإنترنت – الذي يفسح مجالا أوسع لتبادل المعلومات والنقاش حول القضايا المختلفة.
ورغم أن الحكومة تدخل دائماً في لعبة الجذب والشد مع الصحفيين، فإن أن التكنولوجيا والتطور الحادث في وسائل الإعلام استطاع التغلب على هذه الأزمة وتمثل ذلك في شبكة الإنترنت، التي تم استخدامها للعامة في منتصف التسعينات.
فهذه الشبكة استطاعت أن تحدث انقلاباً بكل المقاييس في عالم الصحافة حيث فتحت الأبواب المغلقة وتسللت إلى الأماكن الممنوعة واستطاعت أن تكشر عن أنيابها لأي سلطة سياسية!! من خلال المواقع والصحف الإلكترونية الموجودة على الشبكة التي تمكنت من الجرأة في التناول وحرية النشر دون رقيب. وساعدها أن القوانين التي تسنها الحكومة لم تكن مهيأة لهذه النقلة التكنولوجية الهائلة، وبالتالي لم تكن مستعدة لها بقوانين تكبل حرياتها، فكثير من القوانين لا يمكن أن تطبق على المواقع الإلكترونية نظراً لأنها ذات كينونة جديدة ولابد من إصدار تشريعات خاصة بها.
إن الانقلاب الذي أحدثته المواقع الإخبارية الإلكترونية في نقل الأخبار وجرأتها دون وجود رقابة قد انعكس بالإيجاب على التغطية الإعلامية للقضية العسكرية وتمثل هذا في أمور عديدة أهمها:
1. سرعة نقل الأخبار عن وقائع جلسات المحاكمة - عكس الصحفي في جريدة مطبوعة حتى لو كانت يومية - حيث يتم بث الخبر بمجرد معرفته لينشر في لحظات معدودة لملايين من القراء، كما تعطي التقنية الفرصة لتجديد الخبر كل فترة زمنية وكتابة المزيد وتطورات الحدث أولاً بأول، مزوداً بالصور وبلقطات الفيديو أحياناً.
2. توفير إمكانية القيام بالحملات الصحفية بشكل سريع ومؤثر وهو ما يبدأ بخبر ويتطور بعدها بمجموعة متتالية من الأخبار والتقارير، مع التنسيق مع مواقع أخرى للمشاركة فيها.
3. أن القراء أنفسهم قد شاركوا في التغطية الإعلامية لوقائع المحاكمة وذلك بمجرد الضغط على زر واحد وهو "forward"، كما أن لديهم الفرصة للتعليق بشكل مباشر على الموضوع، ونشر الرد في نفس اللحظة. 4. وأصبح القارئ لديه الفرصة أحياناً في نقل الخبر من خلال نقلها بكاميراته الخاصة، فيقوم بنقل ما رأى بالصور وإرساله ليبث على الإنترنت، وهو ما حدث كثيراً بالنسبة لنقل وقائع جلسات المحاكمة على موقع يوتيوب وسائر المواقع المهتمة.
5. تقدم معظم المواقع الخبرية على الإنترنت خدمتها بلغتين العربية والإنجليزية، وفي بعض الأحيان بالفرنسية، مما يتيح نقل الخبر لقارئ الإنجليزية والعربية في نفس الوقت، وهى ميزة لا يمكن أن تتوافر في الصحافة المطبوعة أو حتى في الفضائيات.
6. شاركت صحافة التطوع (المنتديات، المجموعات البريدية، المدونات) بشكل بارز في تغطية وقائع المحاكمة العسكرية.
ورغم هذه الحيوية التي يتسم بها الشباب على شبكة الإنترنت إلا أن ما يقومون به من تغطية لا يصل لأعداد كبيرة من الجماهير التي تصل إليها الصحافة المقروءة نظرا لضعف عدد مستخدمي الإنترنت في والذي يتراوح في العالم العربي حول 12 مليون مستخدم فقط (في مصر يوجد 6 مليون مستخدم) حسب أحدث إحصائية عن 2007 نشرها موقع http://www.internetworldstats.com .
ورغم كل المعوقات السياسية والتقنية يظل لصحفيي الإنترنت الدور الأبرز في كسر جدار التعتيم الحكومي على القضية وتفنيد الدعايات الموجهة ضد المحالين وتيارهم الفكري ونشر أدق التفاصيل عما جرى في القضية.
تقييم أداء المدونات: تتم عملية التقييم في التغطية الإخبارية والمقالات والوالب التفاعلية والصوتيات والمرئيات كالتالي:
1. الأخبار والتغطية الإخبارية: تميزت التغطية الإخبارية للمدونات بالتالي:
- سرعة الأداء وسرعة بث الخبر ربما فور وقوعه أحيانا حتى أن وقائع الجلسات قامت المدونات بتغطيتها أثناء وقوعها في كثير من الأحيان.
- كثافة التغطية في التعامل مع الحدث بمعنى غزارة المادة الخبرية التي يتم بثها على المدونات حول الحدث.
- الصياغة بعيدة عن القوالب المهنية حيث أن الأخبار يتم صياغتها بعيدا قواعد الصياغة الصحفية المعتادة حيث يتم صياغتها بطريقة بسيطة يختلط فيها الجانب العاطفي مع المعلومة مع الرأي. - صاحب عملية التغطية الإخبارية الصور والمؤثرات الصوتية. - التوسع في عملية التغطية وعدم الاكتفاء بتغطية الجلسات فقط ولكن تغطية كثير من الملابسات الإنسانية لأسر المعتقلين.
2. المقالات: تميزت المقالات بالتالي:
- معظمها مقالات تجميعية من صحف ومواقع مختلفة
- اتسمت بشيء من التنوع في كثير من الأحيان بين كتاب الإخوان وكتاب مؤيدين لفكرة المدونة ومعارضين لإحالة المدنيين لمحاكم عسكرية.
- هناك مقالات منشورة عبارة عن خواطر لأصحاب المدونات تتسم في الغالب ببساطة التعبير وتلقائيته .
3. القوالب التفاعلية: قامت المدونات بالاستفادة من القوالب التفاعلية بأكثر من صورة:
- حملات التوقيع حيث يتم عمل حملات موسعة للتوقيع على رفض المحاكمات العسكرية.
- توسيع دائرة الاستفادة من المجموعات البريدية.
- توسيع دائرة التعليقات على ما يتم نشره على المدونات.
- توسيع دائرة التشبيك بين المنتديات المدونات والمواقع .
4. الصوتيات والمرئيات:
توسعت المدونات في عرض الصور الفوتوغرافية ولكن كان التركيز بصورة كبيرة على المقاطع الصوتية ومقاطع الفيديو بصورة كبيرة حتى أن بعض المدونات تمكن من إذاعة مبسطة لتوصيل لنقل الأخبار بصورة صوتية مع الاستفادة من الأناشيد والأغاني الحماسية المعبرة عن الحدث
- يضمن هذا الميثاق الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية. - تُمارس هذه الحقوق والحريات في إطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع إلا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
وفي إطار مشروعات القوانين المعدلة عقب التعديلات الدستورية التي أجرتها الحكومة المصرية بدايات العام 2007 طالب الصحفيون ومنظمات المجتمع المدني بصدور قانون جديد للنشر يتماشى مع القوانين و المواثيق الدولية التي أكدت على حرية الرأي المكفولة.
- نتائج التدخل الحكومي
يمكن رصد تأثيرات التدخل الحكومي على مستويين يتعلق أولاهما بالرقابة على عمل الصحافة والصحفيين مما يحد من تعزيز حرية الصحافة والتعبير في البلاد، ويشير الثاني إلى وجود أشكال مختلفة من أساليب التناول الإعلامي لقضية المحالين للمحاكمة العسكرية وذلك كالتالي:
أولا: شهدت البلاد ازديادا في إصدار عدد من الصحف الحزبية وموجة من الصحف المستقلة مع مواكبة ذلك انطلاق القنوات التلفزيونية الخاصة التي أتاحت للمشاهدين المزيد من الاختلاف في الآراء. لكن الحكومة تتعامل مع حماسة الصحافة المصرية ونزوعها القومي أو الليبرالي أو الإسلامي بطريقة مزدوجة، إذ إنها تسمح بتعدد الصحف كما سمحت بتعدد الأحزاب لكنها تربط كل ذلك بقوانين ضابطة وضاغطة يجعلها تبدو وكأن سقف الحريات فيها أعلى من بعض مثيلاتها العربية، فيما هي تمارس قدرا كبيرا من الكبت.
فقد عطلت حالة الطوارىء المستمرة الحياة الصحفية في مصر وأعاقت تطورها حيث هدفت التشريعات المختلفة إلى السيطرة على مضامين وسائل الإعلام والتحكم في آليات إصدار الصحف وملكيتها، وفي الوقت نفسه إعطاء هامش من حرية الرأي حيث تعتقد السلطات أن هذا الهامش يمكنه امتصاص زخم المطالبين بالحرية ولو لبعض الوقت.
وإلى جانب العوائق القانونية والإدارية والأمنية التي تعترض حرية العمل الصحفي في مصر فإن السلطات أضافت إليه قيودا أخرى تتعلق بحرية تدفق المعلومات ووصولها إلى الصحفيين، حيث تقف تعقيدات إدارية مقصودة تقف في وجه حصول الصحفيين على المعلومات من مصادرها الرسمية وهو ما يعيق عمل الصحافة ورسالتها من جانب ويقود إلى إيقاع بعض الصحفيين في فخ المعلومات الخاطئة التي تقودهم إلى الحبس أو الغرامات العالية.
ثانيا: أن الصحف اختلفت في تناولها لقضية الإحالة للمحكمة العسكرية ففي الوقت الذي حاولت فيه الصحف المستقلة إفساح هامش أوسع نسبيا لتغطية الجوانب السياسية والحقوقية والإنسانية والأسرية للمحالين رغم ما كان يواجهه بعضها من حملات قمعية بالوسائل القانونية فإن الصحف الحكومية كانت تنشر أخبار ووقائع المحاكمة في مساحات خبرية صغيرة ووفق الرؤية الأمنية.
وقد اتسم التناول الصحفي الحكومي للقضية بالتالي:
1. تحويل الأنظار: أي تركيز الأنظار على موضوعات معينة وتحويل أخرى عن مواقعها إلى موضوعات بديلة، ومن ذلك أحد التقارير بجريدة الأهرام التي أوردت خبرا صغيرا يكذب بعض التقارير لمنظمات حقوق إنسان دولية يشير إلى أن نائب مرشد الجماعة المهندس خيرت الشاطر وبعض زملاءه المحالين للحاكمة العسكرية قد تدهورت صحتهم بطريقة كبيرة، كما أن الجريدة لم تنشر رد الشاطر الذي يوضح حقيقة الأوضاع الصحية للمحبوسين.
2. الوظيفة الدعائية: تعتني بعض الصحف الحكومية بأخبار وقضايا معينة منتقاة ومصوغة بلون محدد، وهذه الأخبار ليست في حقيقة الأمر صورة للأحداث؛ لأن الخبر لا يقتصر على الحدث والواقعة فحسب، بل يشمل ما آراء ووجهات نظر ، وهذا يعطيه وظيفة دعائية.
والدعاية الفاشلة هي التي تلجأ للكذب لذلك تنطلق الدعاية الناجحة من الواقع وتبني عليه أقوالا وأحداثا أخرى في سعيها لاستقطاب التعاطف وفي هذا الإطار تحدثت أحد أعداد صحيفة روز اليوسف اليومية عن أن أحد المحامين الإخوان قد استضاف وفدا حقوقيا أجنبيا في مأدبة غداء بأحد الفنادق بهدف دفع أعضاء الوفد إلى التصريح بما يريده! وهو ما يثير تساؤلا: هل جاء الوفد من بلاده ليغير أقواله بعد وجبة غداء؟!
إن الانقلاب الذي أحدثته المواقع الإخبارية الإلكترونية في نقل الأخبار وجرأتها دون وجود رقابة قد انعكس بالإيجاب على التغطية الإعلامية للقضية العسكرية وتمثل هذا في أمور عديدة أهمها:
1. سرعة نقل الأخبار عن وقائع جلسات المحاكمة - عكس الصحفي في جريدة مطبوعة حتى لو كانت يومية - حيث يتم بث الخبر بمجرد معرفته لينشر في لحظات معدودة لملايين من القراء، كما تعطي التقنية الفرصة لتجديد الخبر كل فترة زمنية وكتابة المزيد وتطورات الحدث أولاً بأول، مزوداً بالصور وبلقطات الفيديو أحياناً.
2. توفير إمكانية القيام بالحملات الصحفية بشكل سريع ومؤثر وهو ما يبدأ بخبر ويتطور بعدها بمجموعة متتالية من الأخبار والتقارير، مع التنسيق مع مواقع أخرى للمشاركة فيها.
3. أن القراء أنفسهم قد شاركوا في التغطية الإعلامية لوقائع المحاكمة وذلك بمجرد الضغط على زر واحد وهو "forward"، كما أن لديهم الفرصة للتعليق بشكل مباشر على الموضوع، ونشر الرد في نفس اللحظة. 4. وأصبح القارئ لديه الفرصة أحياناً في نقل الخبر من خلال نقلها بكاميراته الخاصة، فيقوم بنقل ما رأى بالصور وإرساله ليبث على الإنترنت، وهو ما حدث كثيراً بالنسبة لنقل وقائع جلسات المحاكمة على موقع يوتيوب وسائر المواقع المهتمة.
5. تقدم معظم المواقع الخبرية على الإنترنت خدمتها بلغتين العربية والإنجليزية، وفي بعض الأحيان بالفرنسية، مما يتيح نقل الخبر لقارئ الإنجليزية والعربية في نفس الوقت، وهى ميزة لا يمكن أن تتوافر في الصحافة المطبوعة أو حتى في الفضائيات.
6. شاركت صحافة التطوع (المنتديات، المجموعات البريدية، المدونات) بشكل بارز في تغطية وقائع المحاكمة العسكرية.
ورغم هذه الحيوية التي يتسم بها الشباب على شبكة الإنترنت إلا أن ما يقومون به من تغطية لا يصل لأعداد كبيرة من الجماهير التي تصل إليها الصحافة المقروءة نظرا لضعف عدد مستخدمي الإنترنت في والذي يتراوح في العالم العربي حول 12 مليون مستخدم فقط (في مصر يوجد 6 مليون مستخدم) حسب أحدث إحصائية عن 2007 نشرها موقع http://www.internetworldstats.com .
ورغم كل المعوقات السياسية والتقنية يظل لصحفيي الإنترنت الدور الأبرز في كسر جدار التعتيم الحكومي على القضية وتفنيد الدعايات الموجهة ضد المحالين وتيارهم الفكري ونشر أدق التفاصيل عما جرى في القضية.
تقييم أداء المدونات: تتم عملية التقييم في التغطية الإخبارية والمقالات والوالب التفاعلية والصوتيات والمرئيات كالتالي:
1. الأخبار والتغطية الإخبارية: تميزت التغطية الإخبارية للمدونات بالتالي:
- سرعة الأداء وسرعة بث الخبر ربما فور وقوعه أحيانا حتى أن وقائع الجلسات قامت المدونات بتغطيتها أثناء وقوعها في كثير من الأحيان.
- كثافة التغطية في التعامل مع الحدث بمعنى غزارة المادة الخبرية التي يتم بثها على المدونات حول الحدث.
- الصياغة بعيدة عن القوالب المهنية حيث أن الأخبار يتم صياغتها بعيدا قواعد الصياغة الصحفية المعتادة حيث يتم صياغتها بطريقة بسيطة يختلط فيها الجانب العاطفي مع المعلومة مع الرأي. - صاحب عملية التغطية الإخبارية الصور والمؤثرات الصوتية. - التوسع في عملية التغطية وعدم الاكتفاء بتغطية الجلسات فقط ولكن تغطية كثير من الملابسات الإنسانية لأسر المعتقلين.
2. المقالات: تميزت المقالات بالتالي:
- معظمها مقالات تجميعية من صحف ومواقع مختلفة
- اتسمت بشيء من التنوع في كثير من الأحيان بين كتاب الإخوان وكتاب مؤيدين لفكرة المدونة ومعارضين لإحالة المدنيين لمحاكم عسكرية.
- هناك مقالات منشورة عبارة عن خواطر لأصحاب المدونات تتسم في الغالب ببساطة التعبير وتلقائيته .
3. القوالب التفاعلية: قامت المدونات بالاستفادة من القوالب التفاعلية بأكثر من صورة:
- حملات التوقيع حيث يتم عمل حملات موسعة للتوقيع على رفض المحاكمات العسكرية.
- توسيع دائرة الاستفادة من المجموعات البريدية.
- توسيع دائرة التعليقات على ما يتم نشره على المدونات.
- توسيع دائرة التشبيك بين المنتديات المدونات والمواقع .
4. الصوتيات والمرئيات:
توسعت المدونات في عرض الصور الفوتوغرافية ولكن كان التركيز بصورة كبيرة على المقاطع الصوتية ومقاطع الفيديو بصورة كبيرة حتى أن بعض المدونات تمكن من إذاعة مبسطة لتوصيل لنقل الأخبار بصورة صوتية مع الاستفادة من الأناشيد والأغاني الحماسية المعبرة عن الحدث
الباب السادس : شهادات على المحكمة العسكرية
الفصل الثالث عشر: شهادات هيئة الدفاع والمثقفين والسياسيين
حصل مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز على شهادات من أعضاء في هيئة الدفاع، وناشطين مصريين وأجانب في مجال حقوق الإنسان، وقيادات من جماعة الإخوان المسلمين، ومثقفين وباحثين متخصصين في شئون الحركات الإسلامية، وسياسيين، فضلا عن شهادات لعدد ممن أحيلوا للمحاكمة وأبنائهم – والتي سنتناولها في فصل تالي ...
13 – 1 شهادات أعضاء في هيئة الدفاع
العدالة و السياسة لا يجتمعان!
أ. رجائي عطية
المحامي وعضو هيئة الدفاع
أعتبر أنه لا قضيه من الأساس ومنذ زمن قال فيه مكرم عبيد في مرافعة عن النحاس باشا إن العدالة والسياسية ضدان لا يجتمعان وهذا أمر صحيح – من وجهة نظري - فالعدالة من روح الله آما السياسية من صنع الإنسان!.
أرى أن هذه القضية مخلقه اصطناعيا بلا اى أساس قانوني وقد آن الأوان لإعادة النظر بقوة وأمانة وصدق وإخلاص في مدى مشروعية ودستورية إحالة المدنين إلى المحاكم العسكرية فالدستور المصري ينص في وضوح لا لبس فيه على أنه من حق كل مواطن أن يحاكم أمام القاضي الطبيعي.
ومن المحال أن يكون القاضي العسكري هو هذا القاضي الطبيعي بالنسبة للمدنين وهذا هو حال جميع المدعى عليهم فهم أساتذة في كليات طب وهندسة و أساتذة في مختلف الكليات الأخرى ويعملون بالأعمال المدنية ولا علاقة لهم بالأعمال العسكرية ومن ثم لا محل لها على الإطلاق إذا كنا نصدق ما نقول ونعى من نتشدق به.
أثناء استكمال مرافعتي عن مهندس خيرت الشاطر فوجئت بقرار للمحكمة حول تعديل الاتهامات في جلسة 16/12/2007 وهو عمل غير قانوني يتناقض مع أحكام محكمة النقض وقانون الإجراءات الجنائية.
وكان قرار الاتهام الجديد قد أضاف تهمة إدارة أموال الجماعة للمدعى عليهم الأول والثاني كما أضاف تهمة إمداد الجماعة بأموال من خارج البلاد للمدعى عليهم رقم 22-24-25-26 المساجلة التي دارت بيني وبين القاضي انتهت بطلبي تحديد نص الاتهام الذي يعاقب به المتهمون فردت المحكمة باعتراضها عن طلب الدفاع بإعلان نص الاتهام وقالت اشتغلوا بقراري الاتهام فما كان مني إلا أن أعلنت انسحابي.
نلتزم بالمشروعية
أ.د أحمد أبو بركة
محامي – عضو مجلس الشعب
كان مثولنا في المرافعة أمام المحاكم العسكرية انطلاقا من أننا نلتزم بالمشروعية القائمة بغض النظر عن مدي شرعية هذه المشروعية فنحن لا نقر بالقضاء العسكري لمحاكمة المدنيين لكن نلتزم بضوابط المجتمع وأحكام القانون النافذ فيه.
وبالنسبة للأحكام فكلنا يعلم الصلة بالقضاء العسكري وتبعيته للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير الدفاع بموجب قانون القضاء العسكري .
وأعتقد أنه لا يوجد فارق جوهري بين القضية العسكرية في المرات السابقة وهذه المرة حتي بعد إسقاط تهمة الإرهاب وغسيل الأموال وحتي مركز المتهمين وتهمة الانتماء لجماعة أسست بخلاف القانون باطلة لأن الإخوان أسست حسب قوانين ودستور 23 وبالتالي لا تخرج عن المشروعية حتي وان تضمنت في أهدافها أهدافا غير الأهداف الاجتماعية لأن المشرع هو الذي أقرها وهو الوحيد القادر علي سلب هذه المشروعية. إن جمعية الإخوان المسلمين هي الجمعية الوحيدة في المجتمع المصري التي حددت وسائلها وأهدافها وهي بذلك تستمد شرعيتها طبقا للقانون المصري وطبقا لأحكام مجلس الدولة.
إن كل الاتهامات هي محض إفتراءات وتصفية لحسابات سياسية كما انها محاولة لحصار فصيل استطاع أن يندمج مع شعب مصر ويلتف حوله الشعب ويتعلم من خلاله ممارسة حقوقه.
أن المحالين إلى المحاكمة العسكرية وإخوانهم ينظرون لما هو أبعد من تربية المجتمع بحيث يشعر المجتمع بأنه صاحب مشروع حضاري وبالتالي فالقضية ليست قضية موقف من الحكومة أو من النظام بل هي قضية حمل منهج إصلاحي ومشروع حضاري كامل.
جميع الضمانات .. غائبة!
عضو هيئة الدفاع – عضو مجلس الشعب
أن المحاكمات العسكرية للمدنيين لا توفر الضمان للمتهمين ولا تكفل حصانة للقاضي، ولعل الدليل على ذلك التعديل الذي أجري في قانون القضاء العسكري في 2007 م في مادته الأولى والذي أكد على تبعية القضاء العسكري لوزارة الدفاع.
كما أن محاكمة الإخوان تتم من خلال ضباط يتم تعيينهم ويجدد لهم سنويا وبالتالي فأنت تحاكم أمام محكمة مختارة هذا فضلا عن أن القاضي الذي يحاكم الإخوان أمامه أقسم على الطاعة وبالتالي كيف يكون هذا القاضي حر الحركة في الدعوى المنظورة بين يديه.
والسؤال الذي أطرحه هو: هل يملك القاضي أن يعطيني البراءة إذا ثبت له ذلك؟! إننا في الحقيقة لسنا ضد المحاكمة ولكن أطالب بمعاملتي على قدم المساواة بالمجرم وبالجاسوس الذين تمت محاكمتهم أمام القضاء المدني!.
إن اختصاص المحكمة العسكرية في النظر للقضية ظل دائما محل شك وكذلك المادة 86 مكرر عقوبات التي يحاكم بها الإخوان حيث مازالت هناك شكوك في دستوريتها ، وقد كان من المتوقع في حال طبقت الأحكام القانونية أن يحصل جميع سجناء الرأي على البراءة .
أما عن حق النقض الذي كفلته التعديلات الدستورية التي أقرت مؤخرا في المحكمة العسكرية فهناك ملاحظتان في هذا الشأن وهما: أول: أن هذه المحكمة مقيدة أيضا بعدم الاستقلال وثانيا: إن إنشاء محكمة موازية لمحكمة النقض يهدد هذه المحكمة بعدم الدستورية.
لصوص يكتبون الاتهامات
عضو هيئة الدفاع
لقد حدث كم كبير من الزيف والبهتان في المحكمة العسكرية حيث تم تقديم عشرات الطعون بالتزوير في محاضر الضبط والتحريات وتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا وتقرير الخبراء التي تكفي واحدة منهم أن تعصف بالقضية ككل وتوقف إجراءاتها.
ومن هذه الطعون على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في سرقة خزينة حسن مالك التي أكدت النيابة العسكرية على أن محتويات هذه الخزنة يتجاوز المليون جنيه وعندما تم فتحها اكتشفنا أنها خاوية على عروشها وطلبنا من المحكمة وقف الجلسات لحين التحقيق في هذه الواقعة.
وسؤال هو: كيف تقوم المحكمة ببناء التهمة اعتمادا على تقرير لص؟!!
كذلك أود الإشارة إلى تسليم أحراز قبل أن تكون هناك قضية ومتهمين حيث سبق وجود الأحراز وجود القضية ووجود المتهمين ذاتهم ناهيك عما ثبت أمام المحكمة حيث ثبت قيام ضابطين في مكانين مختلفين بضبط متهم واحد .
صفحة سوداء
عضو هيئة الدفاع - وكيل نقابة المحامين
إن الإخوان معروف عنهم التمسك بالدعوة والعمل الاجتماعي والسياسي في إطار الحكمة والموعظة الحسنة وقد تم تحويل الإخوان عدة مرات للمحكمة العسكرية ومع ذلك فهم مصرون على العمل وفق هذه الثوابت لأن الهدف هو النهوض بالمجتمع وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الفساد .
وبناء عليه فقد أصدرت هيئة الدفاع بيانا أكدت فيه على أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة إصلاحية تركن إلى سمو الغاية وشرف الوسيلة وتعمد إلى التغيير السلمي في إطار كامل من كفالة استقرار المجتمع.
ومن خلال هذا البيان جددنا موقفنا الرافض لتحويل المدنيين للمحكمة العسكرية ، نظرا لأنها تخالف الدستور والقانون وفيها واجهنا ألوانا من الكذب والتلفيق بل التزوير الصريح. إن ما جرى خلال تلك المحاكمة يظل صفحة سوداء من صفحات تاريخ مصر السياسي، حيث أن جميع المدعى عليهم في هذه القضية إصلاحيون يتبنون المنهج الإصلاحي السلمي الذي يقوم على المرجعية الإسلامية.
13 – 2 شهادات حقوقيين وناشطين مدنيين
قانون القوة أم قوة القانون؟
د. فيوليت داغر
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان ACHR - باريس
لقد طلبت أن أقابل وزراء الداخلية والعدل، وكذلك السيدة الأولى سوزان مبارك، وقمت باتصالات من أجل ذلك.. لكن لم يستجب لي سوى وزارة العدل حيث اتصل بي مساعد وزير العدل لشؤون حقوق الإنسان المستشار وحيد مناع، واشترطوا وجود شخص ممثل لوزارة الخارجية.. وتم اللقاء كانت المسألة أن أستمع لهم عن جهوداتهم في ملف حقوق الإنسان، وكذلك يستمعون لي وأقول لهم ما أراه على الأرض..
كان هناك نوع من التوضيح أنهم ورثوا وضع من زمن بعيد وهناك تراكمات وأن هناك مشاكل، لكن هذه المشاكل تحتاج وقت لحلها وهم يفعلون ما يستطيعون.
هذا الكلام بشكل عام، عن الوضع الحقوقي في مصر وما يجري على الأرض.. فالمسألة ليست تجني على مصر وإنما نحن يهمنا صورة مصر أيضا..
سواء إخوان أو غير إخوان، نحن لا يهمنا فكر الناس، وإنما يهمنا ألا يكون هناك تمييز بين البشر، لماذا ننتقد الغرب حينما يتعاملون مع الإسلام بغير الطريقة التي يتعاملون بها مع مواطنيهم.. طيب نحن هنا في نفس البلد نتعامل مع الناس بتفرقة؟!
إذا انطلقنا من هذا المنطلق نجد اننا يجب أن ندافع عن كل الناس دون تمييز بينهم، الذي سمعته في اللقاء هو إن الإخوان يمثلون نوع من المساس بالأمن القومي إلى آخره، لكن الذي أعرفه أن المسألة ليست بهذا الشكل بالضبط، إذا كان هناك أناس يشكلون مساس بالأمن هذا لا ينطبق على جماعة بعينها، أو على شريحة كبيرة بعينها، نحن نعرف إن الإنسان أحيانا ينتمي لجماعة معينة بحثا عن هوية، وليس بالضرورة لكي يشكل ضغط أو إخلال بالأمن، فإذا انطلقنا من هذه الفرضية هذا يعني أننا يجب أن نحترم كل البشر ونتعامل معهم على هذا الأساس وندافع عن حقوقهم..
منعت من دخول المحكمة ثلاث مرات قبل ذلك، لكن الفعالية هي أن أبقى على تماس مع الناس وأطلع على الوضع، نحن نتكلم عن حالة عامة لكن لا نتكلم عن البشر الذين يعانون، لا نتكلم عن الأطفال وعن عائلات هؤلاء المعتقلين الذين هم من خيرة الناس، نحن نعرف أن بينهم أطباء ومهندسين ومدرسين ورجال أعمال..
أجيء لمصر بصفتي رئيسة للجنة .. لأننا أخذنا قرار في اللجنة العربية منذ بدأت هذه المحاكمة أن نتابع هذه المحكمة العسكرية.. وأعتقد أن هناك تناقض واضح أن تقبل مصر كدولة عضو في مجلس حقوق الإنسان والتي ليست فقط تعهدت بأن تقوم بالتزاماتها وإنما تفعل القوانين الخاصة بحقوق الإنسان.. فكيف تستطيع أن تفهم هذا التناقض بين هذه العضوية وبين أن تضاعف أو حتى تستمر هذه الانتهاكات. نحن لا نختلق أخبار بل نريد لمصر وضع أفضل لدورها الكبير في هذه المنطقة وللأسف كل الحقوق في مصر سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو حقوق البيئة يوجد تراجع كبير فيها وهناك قلة قليلة تستأثر بأموال كثيرة من أموال مصر بسبب الفساد المستحكم في هذه القيادات وبقية الشعب يفقر أكثر فأكثر. إن منظمات حقوق الإنسان المصرية لم تفعل ما يجب أن تقوم به ودوليا كان هناك تضامن ولكنه ليس كافيا ويبدو أن ضغوط داخلية من قبل السلطات الأمنية على المنظمات المصرية كما كان هناك تصفية حسابات سياسية مع الإخوان لبعض هذه المنظمات وفي الخارج لم تأخذ الدعاية اللازمة ولكنها لم تعرف كما يجب لأنه لم يكن هناك من إعلام فاعل ينقل الصورة كما هي ولأنهم مسلمون و إخوان كل هذه المسائل باتت تخيف الخارج في الغرب.
إن الكل لديه مسئولية فيما يجري فمنظمات المجتمع المدني لن تستطيع فعل كل شئ كما تتعرض للقمع الذي يتعرض له الآخرون كما تتعرض لممارسات ظالمة من قبل الأنظمة المستبدة. إن جميع جلسات المحكمة العسكرية التي وصلت ل 73 جلسة كانت بكائية هزلية مسرحية حيث كان هناك أشخاص يعانون من المرض والإرهاق النفسي والإحساس بالظلم ومن إمتهان كرامتهم وهذه المعاناة تأثر بها أهلهم وكل من وقف معهم.
إن المحالين للمحكمة هم من الأشخاص الذين يستطيعون أن يقدموا الكثير لبلدهم بمكانتهم العلمية والفكرية وكل شئ يدلل على أنه هناك قرار سياسي بتوقيع عقوبات قاسية وظالمة علهيم وما جرى يعنى وجود فساد قانوني واضح وأننا مازلنا نحكم بقانون القوة وليس بقوة القانون.
مكانهم في الجامعة وليس السجون
وزير العدل الأمريكي السابق
لقد منعت من حضور جلستين من جلسات المحاكمة العسكرية كما احتجزت فى مطار القاهرة لمدة ثلاث ساعات وهذا أمر محرج للحكومة المصرية بلا شك لأنني سافرت لدول فى خمس قارات من قبل، لأراقب محاكمات سياسية فيها، ولم أمنع من حضور المحاكمات أو الدخول للبلاد .
إن منع المراقبين من مراقبة الجلسات يخالف معايير المحاكمة العادلة فلا بد أن تكون المحاكمة علنية ومحايدة، وأطالب السلطات المصرية أن تفي بالعهود والمواثيق التي وقعت عليها عام 1984 والتي وقَّعت عليها ضمن مواثيق حقوق الإنسان وهذه العهود تتضمن حق أي مواطن في الحصول على محاكمة عادلة مستقلة محايدة.
إن هذه القضية سياسية وليست قانونية لأنها تأتى بهدف منع الإخوان من التواصل وتقديم الخدمات للمجتمع وهنا لابد ألا يفوتني أن ابدي اندهاشي من وجود 9 من أساتذة الجامعات ضمن القضية .. أساتذة الجامعة مكانهم الجامعة وليس السجون!.
أعرف أن الرئيس مبارك هو الذي أمر بتحويل هذه القضية للقضاء العسكري وسير القضية يظهر لنا الطريق الذي تمشى فيه الحكومة والمؤسسات في مصر فالعالم الآن يعتبر مصر دكتاتورية عسكرية يأتي إليها حاكم مستبد تلو الآخر ليحكمها.
لن يفوتني أيضا أن أبدى إعجابي بتماسك وشجاعة أسر المحالين للمحاكمة العسكرية، لقد جلست معهم لساعات ورأيت المعاناة والفراغ لغياب أحبابهم وآبائهم .
هل نحن في زمن الحرب؟
نجاد البرعي
رئيس منظمة تنمية الديمقراطية
لا يجوز عقد المحاكمات العسكرية للمدنيين ويجب أن نفرِّق بين شرعية المحكمة وعدالتها، وعموما فإن أي محاكمة عسكرية للمدنيين تشكِّل انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان وكافة المعايير الدولية الخاصة بمقتضيات المحاكمة العادلة، وإذا أراد النظام أن يحاكم هؤلاء المدنيين فلتكن المحاكمة أمام محاكم مدنية.
وأتساءل في هذا الإطار: هل الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المدنيين ارتُكبت في زمن الحرب؟! وإذا لم يكن ذلك فلماذا إذن المحاكم العسكرية؟!
إن أغلب دول العالم الآن تحاكم العسكريين أمام محاكم مدنية، فهل من المعقول أن يحاكم مدنيون أمام العسكرية؟!.
إن العالم كله يشهد على انتهاك حقوق الإنسان في مصر، وأن المحاكمات العسكرية هي استمرارٌ لانتهاك هذه الحقوق، أما منظمات حقوق الإنسان فسوف تكتفي فقط بإصدار بيانات أو تقرير متابعة المحاكمة والشجب والتنديد بما يحدث فقط، ولكن لن يستجيب أحد، فلا حياةَ لمن تنادي!!.
هل فعلاً مصر تريد تطبيق حقوق الإنسان؟ أم كل ما يحدث مجرد هراء؟!.
الاتهامـات جنائيـة بحتة
مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
في البداية لابد من إدانة محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية؛ لأنه أمر مخالف للدستور المصري، والمادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن انه يتعارض مع شرعية استقلال السلطة القضائية في مصر.
إن الاتهامات الموجهة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بالمحاكم الاستثنائية أو العسكرية، وأن الاتهامات جميعها جنائية بحتة، فلماذا يُحاكمون أمام المحاكم العسكرية حتى وإن كانت هذه الاتهامات صحيحة؟!.
إن منظمتنا ليس لديها ثقة في استقلال الحكم في هذه المحاكمات؛ والسبب أن القاضي معين بواسطة وزير الدفاع "أحد أعضاء السلطة التنفيذية".
وأود أن أشير إلى تقرير الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان في مصر الذي انتقد محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، واعتبرها بمثابة انتهاك قوي لحقوق الإنسان، ولدينا في المنظمة المصرية تقرير كامل عن المحاكمات العسكرية.
13 – 3 شهادات من قيادات الإخوان المسلمين
أحكام تشوِّه وجه مصر
نائب المرشد العام
إن أحكام المحكمة العسكرية بحق 40 من قيادات الجماعة هي أحكامٌ جائرةٌ وظالمةٌ وبالغةُ الغرابة بكل المقاييس، وهي أحكامٌ سياسيةٌ بالدرجة الأولى، صادرةٌ من محكمة استثنائية عسكرية غير مختصة، وقد ثبت من خلال سير القضية أنها متهافتة وهشة وليس لها سند من قانون؛ حيث إن القضاء العادي برَّأ أصحابها
هذه الأحكام تعبِّر عن مدى القسوة والعنف التي تتعامل بها السلطة القمعية مع جماعة الإخوان المسلمين؛ ذات المنهج السلمي والوسطي، وكردِّ فعل على نجاح الإخوان في الانتخابات التشريعية عام 2005م، والتي فازوا فيها بعدد 88 مقعدًا، ولا شك أن الهدف من هذه الأحكام هو ليس فقط جماعة الإخوان المسلمين من حيث تحجيمها والتضييق عليها وتهميش دورها في الحياة السياسية المصرية، ولكن أيضًا الشعب المصري؛ بقصد تخويفه وإرهابه.
ولا شك أن هذا الحكم سوف يزيد من الاحتقان والغليان الموجود في المجتمع؛ نتيجةً للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تسبَّبت فيها السلطة وفشلت في التعامل معها.
أما الحكم بمصادرة أموال وأنصبة بعض ممتلكات رجال الأعمال ففيه ظلمٌ فادحٌ، ولا شكَّ أنه يضرُّ بالاقتصاد المصري ضررًا بالغًا، ويشوِّه وجْهَ مصر أمام العالم.
الصمت على ما جرى جريمة
د. عصام العريان
رئيس القسم السياسي في الجماعة
ليس أقسى من الإحساس بظلم الحبس إلا الإحساس بافتقاد العدالة أمام القاضي الطبيعي الذي يستطيع النطق بالبراءة دون رقيبٍ أو حسيب.
وليس أشد من ظلم المحاكمة أمام محكمةٍ عسكريةٍ استثنائية تفتقد إلى أبسط وأهم ضمانات العدالة إلا الشعور بجريمة الصمت المطبق أمام هذا الظلم وسكوت الكافة عن إدانة الظالم وخفوت الصوت المطالب برفع الظلم عن الشرفاء والأبرياء.
لم يكسر حاضر الصمت الرهيب إلا بضعة أصوات شريفة ارتفعت على استحياءٍ في كلماتٍ مُعبِّرة عن الإدانة التامة لهذه المحاكمة المريبة التي تتم في الظلام بعيدًا عن مراقبة الرأي العام، وفي الثكنات العسكرية؛ حيث يتم منع مراقبي حقوق الإنسان وكل كاميرات الإعلام سواء أكانت تليفزيونية أم صحفية، وحتى مراسلي الصحف لا يسمح لهم بالحضور، وكأننا أمام جريمة قتل منظمةٍ لكل حقوق الإنسان.
لقد دفع هذا التعتيم الشديد 12 منظمة لحقوق الإنسان أن تصدر بيانا؛ بإدانةً لهذا الأسلوب الذي ينتهك مبدأً قانونيًّا دستوريًّا هو علانية المحاكمة؛ لأن الأحكام تصدر باسم الشعب، فكيف يتم محاكمة شرفاء ورجال أعمال وأساتذة جامعات بعيدًا عن رقابة الشعب الذي سوف تصدر الأحكام باسمه وهو منها براء؛ لأنه طالما أعطى ثقته وتأييده لهؤلاء الشرفاء في كل المناسبات؟!
لقد قضى هؤلاء الأبرياء الذين قضت المحاكم الطبيعية العادية بإطلاق سراحهم عدة مرات سنةً كاملةً خلف الأسوار يمر عليهم اليوم بعد اليوم، والشهر بعد الشهر في معاناةٍ لا يعلمها إلا مَن عاشها وقاسى آلامها بعيدًا عن الأهل والأحباب، وبعيدًا عن الزوجة والأولاد، وبعيدًا عن الأعمال والمسئوليات.. تموت الأم فلا تجد ابنها بجوارها في لحظاتها الأخيرة، وتمرض الزوجة أو الأولاد فلا يشعرون بحنان الزوج أو الأب الذي يصحبهم إلى الطبيب ويناولهم الدواء، ويسهر على راحتهم، وتنهار المؤسسات والشركات وتُفلس بسبب غياب الراعي والمؤسس فيتشرد عشرات ومئات الموظفين والعمال، وتعاني عشرات البيوت والأسر.
لا يخفف من هول هذه المعاناة إلا الإيمان بالله الحنان المنان، القوي المتين، المنتقم الجبار، سبحانه وتعالى، وهو وحده الذي يخفف ويهون من الإحساس بالظلم والقهر، فتنزل رحماته على النفوس وعلى البيوت وعلى الجميع بردًا وسكينةً ولطفًا ومنةً، فسبحانه من إلهٍ حكيمٍ خبير.
إننا لم نجد في الأوراق تلك المليارات الوهمية التي نسبتها أجهزة الأمن لهؤلاء الشرفاء، ولم نجد ذلك التمويل الأجنبي الذي سارع حملة الأقلام المسمومة بدم الشرفاء في ترويجها ضدهم، ولم نجد أي شبهةٍ في كسبٍ حرامٍ أو تهرب من الضرائب أو امتناع عن دفع أي رسوم، بل كانوا شرفاء في عملهم التجاري، وفي سعيهم لتنمية بلدهم ووطنهم، وفتح أبواب الرزق أمام المئات من العمال الذين شردتهم تلك القضية الوهمية.
لم يتبقَّ في قائمة الاتهامات إلا الانتماء إلى الإخوان المسلمين وحيازة مطبوعات تدعو لفكر الإخوان المسلمين، ويا للقدر الذي جعل لجنة مجمع البحوث الإسلامية تُصدر تقريرها منذ أيامٍ حول بعض هذه المطبوعات لتقول بأعلى صوتها أنها تُعبِّر عن فكرٍ إسلامي معتدل مستنير، ويا للظلم البين عندما يتم محاكمة هؤلاء على غير جريمةٍ أو يتم معاقبة بعضهم على اتهامٍ واحدٍ ظالمٍ عدة مرات مثل المهندس خيرت الشاطر ومحمد بشر اللذين قضيا سنواتٍ طوالاً خلف الأسوار على نفس التهمة، وأمام نفس المحكمة العسكرية، وهو ما يتنافى مع أبسط قواعد العدالة. إن الصمت على هذه المحاكمة العسكرية جريمة، وإن السكوت على هذا الظلم البين جريمة، فليرفع الشرفاء من كل الاتجاهات أصواتهم؛ إدانةً لهذا الظلم ولذلك التعتيم المقصود على جريمةٍ تُرتكب في الظلام ومن وراء الشعب.
13 – 4 شهادات مثقفين وباحثين وصحفيين
العسكرية .. أصبحت عادة دستورية!
رئيس تحرير (البديل)
لا أعلم لماذا يحتاج نظام مبارك مزيدا من التشريعات سيئة السمعة مثل مسودة التشريع الأخير الخاص بالهيئات القضائية، فالقضاء محاط أصلا بقيود شديدة لا تسمح لنا ولا له بالأمل في استتباب العدالة وخاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية.
وفوق ذلك فالدستور نفسه يسمح بخمسة أنظمة قانونية استثنائية منها قانون الطوارئ، وحق رئيس الجمهورية في إصدار تشريعات في غياب المجلس (رغم أن حضوره لا يصنع فرقا في الدفاع عن الحريات العامة) وهو ما نبهنا الراحل العظيم عادل عيد إلي أنه صار عادة.
وفوق ذلك فالسلطة التنفيذية كانت تستطيع في العادة تجنب النظام القضائي الطبيعي كلية والاعتماد علي القضاء الاستثنائي.
ومنذ عام 1952 كانت القضايا السياسية المهمة تعرض أمام محاكم الثورة ومحاكم عسكرية وأنواع أخري من المحاكم الاستثنائية. ويرجع لنظام مبارك "الفضل" في جعل هذه العادة "دستورية". والأرجح أن جميع القضايا المهمة والتي يريد النظام أن يضمن فيها أحكاما معينة سوف تحال إلي محاكم عسكرية. ولذلك أحيلت قضية الإخوان المسلمين الي القضاء العسكري.
كان نظام مبارك قد أصدر تعديلات تشريعية للسماح بالاستئناف في المحاكم العسكرية. والواقع أن هذه التعديلات لم تطمئن أحدا، فالمسألة الجوهرية هي أن المحاكم العسكرية لا تتمتع بالاستقلال وأنها جزء من السلطة التنفيذية وأنها تخضع خضوعاً تاماً للرئيس الذي يستخدمها لتسوية خصوماته السياسية أو للانتقام ممن يراهم خصومه. ولا أري فارقا إطلاقا بين محاكم الثورة والمحاكم العسكرية، فالفارق ليس سوي التسمية.
أما الجوهر الثابت فهو التعسف في استخدام السلطة العامة لتحقيق أهداف سياسية عن طريق نظام تقاض غير طبيعي.
والواقع أن الأهداف السياسية ذاتها تفتقر للمنطق، فالمحاكمات العسكرية لا يمكن أن تحل "مشكلة الإخوان" .. فالحل الصحيح يجب أن يكون سلميا وقانونيا وتفاوضيا بما يؤمن طريق مصر للديمقراطية
الأحكام .. تحوُّل إستراتيجي
د. ضياء رشوان
خبير في شئون الحركات الإسلامية
إن صدور تلك الأحكام بهذا الشكل القاسي غير المتوقَّع يُعتبر تحولاً إستراتيجيًا وتاريخيًّا في سياسة النظام تجاه الإخوان، فمصادرة أموال المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني ورجل الأعمال حسن مالك وآخرين يعدُّ نقلةً نوعيةً في تعامل النظام مع الجماعة، وهذا سيهزُّ صورة مصر الخارجية؛ نظرًا لارتباط رجال الأعمال الإخوان بمشاريع اقتصادية وتجارية عالمية في مصر وخارج مصر.
إن تعامل الحكومة والنظام مع الإخوان يأخذ شكلا تصاعديا وقاسيا وهذا ظهر بقوة في الآونة الأخيرة منذ الجولة الثالثة من الانتخابات التشريعية عام 2005 مرورًا بانتخابات مجلس الشورى والانتخابات المحلية الأخيرة؛ حيث تعاملت الأجهزة الأمنية بشكل عنيف وقمعي مع مؤيدي الجماعة؛ في محاولةٍ من النظام لإبعاد الإخوان عن الحياة السياسية والعامة المصرية.
إن جماعة الإخوان تدخل منعطفًا خطيرًا في تعاملها مع النظام المصري عقب صدور أحكام عنيفة وقاسية تجاه قادتها، وعلى الإخوان وكافة القوى السياسية أن تتوحَّد تحت هدف واحد حتى يستطيعوا أن يقفوا أمام النظام.
وداعا لمكانة الإنسان - المواطن
رئيس تحرير موقع "المصريون"
إن المسألة لا تتعلق بإحالة قيادات إخوانية إلى محاكم عسكرية، المسألة تتعلق بالزمن والتاريخ والجغرافيا، وفوق كل ذلك ببعدها الإنساني المحض، والأخيرة على وجه التحديد هي المحك الذي يختبر عنده الجوهر الإنساني للنظام السياسي، ومكانة ومنزلة "الإنسان ـ المواطن" على أجندة أولوياته، حتى لو كان منافسا سياسيا.
لا نريد أن نتكلم هنا عن مغزى إحالة المدنيين إلى محاكم استثنائية، وأضراره البالغة على سمعة القضاء الطبيعي المصري، أو على الأقل فحوى الرسالة التي سيفهمها الرأي العام الدولي من هذا المنحى، والانطباع الذي سيستقر لديه بشأن "العدالة" في مصر على وجه الإجمال.
القضاء والصحافة ـ على سبيل المثال ـ ليسا أداتين مستقلتين عن أدوات الدولة في إدارة بعض الملفات التي تتسم بالاشتباك "الطارئ"على المستويين الدولي أو الإقليمي، فإذا ساءت سمعة الصحافة على سبيل المثال في الداخل، فإن مصداقيتها في الدفاع عن مصالح الوطن أمام الضمير الدولي ستكون محل شك كبير .. وذات الكلام ينسحب على القضاء أيضا، وأبسط الأمثلة على ذلك أن الأخير ينظر قضايا الجاسوسية التي يتهم فيها مواطنون من دول أجنبية ، فكيف ستطمئن الأخيرة إلى عدالة المحاكم الوطنية ، إذا كانت السلطات بالوطن تتجاوزها وتحيل المدنيين إلى محاكم عسكرية؟!
هذه "بديهية عقلية" مستقرة وثابتة، مثل أن إضافة "واحد" إلى "واحد" يساوي "اثنين".
يظل القضاء المدني ـ في قضية متهم فيها مدنيون ـ هو العاصم الوحيد الذي سيعصم الإخوان من "الإدانة" إذا كانوا أبرياء، وسيحرمهم من "البراءة" إذا كانوا "جناة" حقيقيين، وسيعصم بالقدر ذاته القيادة السياسية من التشهير بها واتهامها بما لا يليق بوزن وتاريخ وهيبة مؤسسة الرئاسة في مصر، وسيحفظ للقضاء المصري مكانته وهيبته ومرجعيته واحترامه أمام الرأي العام داخليا وخارجيا. 13 – 5 شهادات سياسيين
الشرفاء .. والحرامية
رئيس حزب "الكرامة" - تحت التأسيس
لابد أن أعبر عن حزني الشديد من الحكم على شرفاء الوطن بتلك الأحكام المغلَّظة، في حين يتم ترك "الحرامية" والمتاجرين بأقوات ومصائر المواطنين، يتمتعون بما ينهبون دون مساءلة من أحد. إن تلك الأحكام العسكرية هي أحكامٌ ظالمةٌ وغيرُ إنسانية وغيرُ قانونية؛ لأنها صادرةٌ عن محكمة استثنائية فاقدة للشرعية، وأعتقد أن النظام الحاكم يحاول بكافة الطرق استفزاز الإخوان للخروج عن منهجهم والزجّ بهم في صراع على السلطة بدلاً من الصراع حول الشرعية والقانون.
وتلك الأحكام تدخل ضمن قائمة طويلة من الأساليب الكثيرة التي يعتمد عليها النظام لإبعاد وإقصاء الإخوان عن الساحة السياسية المصرية، وأدعو الشرفاء من أبناء هذا الوطن إلى أن يقاوموا الفساد الذي استشرى في أوصال الدولة، من خلال مقاومة سياسية شرعية ونضال دستوري على أسس قانونية، وإلا سيكون مصيرهم أسوأ مما يتوقَّعون، وعليهم أن يتذكَّروا دومًا المثل القائل "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"!.
النظام يستكمل المعركة
رئيس حزب الاتحاد من أجل الحرية – تحت التأسيس
إن أحكام المحكمة العسكرية صادمة وليس لها علاقة بالقانون، وليس لها علاقة أيضا بما درسناه في كلية الحقوق، إضافة إلى أنه ليس لها علاقة بما تعارف عليه الإنسان كإنسان؛ فهي أحكام صادمة غير مختصة... ليس لها مرجعية إلا أمن النظام وحمايته!.
إن ما حدث له تبرير واحد؛ وهو أن النظام يستكمل معركته مع جماعة الإخوان المسلمين، ويستخدم كل أدواته ليتصدَّى لهذه الجماعة التي تعارضه في الفكر والأسلوب، وهو يقوم بذلك نظرا لأنه يعاني من حالة ضعف شديدة، ولا يستطيع مقاومة الجماعة التي تزداد شعبيتُها في الشارع المصري ولديها القدرة على استقطاب المواطنين ببرامجها القيِّمة؛ لذلك فإنه يسعى إلى التخلص منها.
إن القضاء الطبيعي العادي المتعارف عليه والمعهود لدينا قام بتبرئة المتهمين؛ لذلك لجأ النظام إلى محاكمتهم عسكريًّا لكي يتمكَّن من معاقبتهم كما يشاء.
الفصل الرابع عشر: شهادات محالين للمحكمة العسكرية
تسعى الشهادات التالية لمحالين للمحاكمة العسكرية من القادة والناشطين ورجال الأعمال وأساتذة الجماعات إلى نقل تجارب شخصية مع الاعتقال والإحالة للقضاء العسكري، ومعاناتهم وذويهم وأبنائهم وأحفادهم مع المحاكمة العسكرية، وكذلك مواقف إنسانية ومفارقات تعرضوا لها خلال تلك التجربة المؤلمة القاسية.
رحلة إلى المجهول
أ. د عصام حشيش
أستاذ بكلية الهندسة – جامعة القاهرة
بدأت وقائع الرحلة إلى المجهول في سجن مزرعة طرة؛ حيث غيَّبت أسواره تلك الرموز في إطار القضية رقم 2 لسنة 2007م عسكرية والتي عُرفت باسم قضية الشاطر وإخوانه "قضية أحداث الأزهر"، وحيث توالت الأحداث وتتابعت ابتداءً من القبض ثم العرض أمام نيابة أمن الدولة العليا ثم إفراج محكمة الجنايات الذي صدر ثم ما تلا ذلك من اعتقالٍ عقب قرار الإفراج، بالإضافة إلى التحفظ على أموالنا وكأنَّ كل هذا لم يكن كافيًا لردع الشرفاء عن قولة الحق والوقوف أمام الباطل فصدر بعد ذلك قرار الإحالة إلى القضاء العسكري.
وتتوالى الأحداث فيصدر قرار آخر من المحكمة بالإفراج من الاعتقال ثم يتم رفض اعتراض الداخلية على هذا القرار بحكم ثالث من المحكمة ليؤكد الإفراج الوجوبي الذي ضربت به وزارة الداخلية عرض الحائط، ومن ثَمَّ حدث التعجيل المريب لعقد أولى جلسات المحكمة العسكرية في أقل من 48 ساعةً وقبل اكتمال أوراق القضية.
وشاءت إرادة الله أن يصدر الحكم التاريخي للقضاء الإداري ببطلان قرار الإحالة للمحاكم العسكرية لهذه المجموعة ليرد النظام على ذلك، وكأننا في حرب ضروس بالاستشكال في دائرة غير مختصة للتهرب من تنفيذ الحكم ثم يتم الطعن على هذا الحكم أمام دائرة معينة في المحكمة الإدارية العليا معظم أفرادها منتدبون بالحكومة، وتصر هذه الدائرة على انفرادها بنظر الطعن رغم الإجراءات التي اتخذت بردها مخالفة بذلك صريح القانون... تلك هي الأجواء التي عشناها خلال هذه الفترة.
ولم يكن لنا في هذه الظروف من حيلةٍ إزاء تلك الإجراءات الظالمة المستبدة سوى اللجوء إلى الله وحده نشكو إليه ظلم العبيد للعباد، نشكو الطغيان والفساد الذي أصبح سمتًا ومعلمًا من معالم الظالمين، وفي ظل هذا المناخ اتخذت قرارًا بالإكثار من الصوم، وفرض نظام فيه شيء من الصرامة على الطعام. وقد كنت مصابًا منذ فترة بالذبحة الصدرية، وبطبيعة الحال كنت أداوم على أدوية خاصةً للعلاج منها الأسبرين، ويبدو أن الصيام مع نظام الأكل الجديد قد تفاعل مع الأسبرين منتجًا قرحة بالمعدة ترتب عليها نزيفٌ دموي لبضعة أيام أدَّى إلى فقدان كمية كبيرة من الدماء وانخفاض نسبة الهيموجلوبين؛ مما هدد بحدوث غيبوبةٍ لي وفقداني للوعي ثم على أثر ذلك تم نقلي بسرعة إلى مستشفى قصر العيني لعمل منظار يوم الخميس 31/5/2007م؛ حيث تم بالفعل اكتشاف قرحتين بالمعدة، وصدرت أوامر الأطباء بالكف عن تناول الأسبرين حتى يتم علاج القرحة أولاً مع الكف عن الصيام والتخفف من القيود على الطعام.
توقفتُ عن تناول الأسبرين كما طلب الأطباء، وتم تعديل نظام الطعام، وسارت الأمور على ما يُرام لمدة أسبوعين حتى كان يوم الخميس مساءً الموافق 14/6/2007م لاحظتُ أن العرق الكثير يُفرز من جسمي لأقل مجهودٍ يُبذل.
وأويت إلى الفراش في ذلك اليوم حوالي الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة، و لم أعرف ما الذي حدث بالضبط بعد نومي ولكني فوجئتُ كما لو كان زلزالاً داخليًّا شديدًا قد ضرب جسمي استيقظتُ على إثره بعد نصف ساعة بالضبط عند الثانية صباحًا ووجدتُ عندئذٍ صعوبةً بالغةً في فتح عيني، وانتبهتُ إلى أن قسمات وجهي ظلت متصلبةً لفترةٍ قصيرةٍ عند استيقاظي كما شعرتُ بخدرٍ ملحوظٍ يسري على جانبي فكي الأسفل، وكل هذا كان مصحوبًا بتسارعٍ في ضربات القلب وآلام في الصدر وإجهاد شديد في الكتفين.. لقد مررتُ بأزماتٍ قلبيةٍ قبل ذلك عدة مرات، ولكنني لم أشعر بمثل عنف هذه الأزمة أبدًا.
ولذلك فإنني عندما تعرضتُ لها اختلطت عندي الأمور وحرتُ في معرفة كنه هذه الأزمة.. هل هي حقًّا أزمة قلبية أم أنها بوادر جلطة بالمخ، ولهذا لم أستطع أن أتعامل معها في البداية.. شعرتُ بالإعياء وتخيلت أنني سوف أدخل في غيبويةٍ بعد قليل لم أستطع بالطبع أن أقدر كم من الوقت أستطيع الاحتفاظ فيه بالوعي، ولكنني ظننتُ أنه قليل نظرت إلى رفاقي بالزنزانة فوجدتهم ما زالوا نيامًا، لقد صارت الساعة في حدود الثانية والنصف صباحًا أي أنه قد انقضت نصف ساعة منذ بدأت هذه الأزمة سألتُ نفسي ماذا أستطيع أن أفعل فيما تبقى لي من وقتٍ مجهولٍ أحتفظ فيه بحواسي، راودتني نفسي أن أوقظ أحدًا من إخواني السبعة الذين ينامون معي في الزنزانة ليخف إلى نجدتي، ولكنني سرعان ما صرفتُ هذا الخاطر كراهة الإزعاج، خاصةً أننا في جوف الليل ولو تنبَّه أي واحدٍ منهم لما يحدث لي فإنه حتمًا سيُوقظ الآخرين وسيؤدي هذا إلى إشاعةِ جوٍّ من الانزعاج بل والفزع؛ لأن بابَ الزنزانة موصدٌ من الخارج وليس من السهل فتحه إلا بعد حين.
ولن يقتصر القلق والانزعاج في هذه الحالة على زنزانتنا، بل إن نداءاتهم سوف تصل إلى بقية الزنازين، وسوف يستيقظ كل النائمين.. تخيلتُ كم يكون مؤلمًا على النفس أن تشعر بالخطر يتهدد عزيزًا لديها أمام عينيها ولا تملك له دفعًا أو ردًّا ونظرًا لما أعرف كيف تُدار الأمور داخل السجن فإنني شعرتُ أنه حتى لو طلبتُ النجدةَ فلن تصل قبل ساعات، وعند هذا الحد من التفكير حزمتُ أمري أن أتعامل مع هذه الأزمة وحدي دون إزعاجٍ لإخواني حتى يُفتح باب الزنزانة في الصباح أو يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
أخذتُ أُعيد التفكير من جديدٍ فيما أستطيع أن أفعله، رأيتُ أن أُسجِّل كل الأعراض التي انتابتني على ورقةٍ أمامي حتى إذا غبتُ عن الوعي يراها مَن يأتيني فيعرف المقدمات.. قررتُ أن آخذ حبةً تحت اللسان لتوسيع الشرايين وقلتُ لنفسي إنه مهما كان نوع الجلطة فإنها ستُفيد بلا شك.
وواتتني فكرة كتابة رسالة قصيرة فيما يبدو لي من لحظاتٍ باقيةٍ تكون أشبه برسالة الوداع لإخواني الذين سُجنت معهم وتشاركنا في الآلام والآمال ولأهلي وزوجي وأحبائي الذين أحببتهم، وأنا على وشك فراقهم كما غلب على ظني، كنتُ أفكر عندما شرعت في كتابة هذه الرسالة في كلماتٍ جامعةٍ موجزة حتى أستطيع إكمالها بسرعة، دعوت فيها بالخير لي ولكل مَن سار على طريق الله القويم وجال بخاطري مَن ناصبونا العداء واستباحوا حريتنا وأموالنا وأجرموا في حقنا دون وجه حقٍّ وضربوا بمصالح الأمة والعباد عرض الحائط في سبيل تحقيق مطامع شخصية وأهواء فردية، وتساءلتُ: هل أدعو الله أن ينتقم منهم ويجعلهم عبرةً لمَن يعتبر؟ توقفت برهةً ورأيتني لم أملك نفسي إلا أن دعوت الله لهم بالهداية، لقد تغلبت رغبتي في هدايتهم ونفع المجتمع بهم على رغبتي الشخصية في الانتقام والثأر منهم.
لحظات قليلة انقضت بعد ذلك ثم أحسستُ أن الأزمة بدأت تنقشع بالتدرج ورويدًا رويدًا انطلق أذان الفجر يدوي بين جنباتِ العنبر بصوتٍ عذبٍ رخيم وجدت أنني بحمد الله ما زلتُ على قيد الحياة، بل وأحسستُ بتحسنٍ ملحوظٍ ينطلق داخل كياني لقد أستطعتُ عندئذٍ أن أنهض من جلستي التي كنتُ عليها بل وأمكن لي أن أُصلي الفجر مع إخواني، ولم أتمالك نفسي من أن يلهج لساني بالحمد والثناء والشكر لله عز وجل..
لقد أحسست أنني كنت في رحلةٍ إلى المجهول.
اتهامات باطلة .. وفبركات واضحة!
المهندس أحمد اشرف محمد مصطفي عبد الوارث
مدير دار التوزيع والنشر الإسلامية
اعتقلت أول مرة عام 1983 في أول يوم رمضان وكان ذلك بعد الزواج بشهور قليلة وتم القبض علي في المطار وقضيت مدة 3 شهور رهن الاعتقال، وفي المرة الثانية وكانت في نوفمبر 86 بسبب الانتخابات قضيت حوالي شهر.
ثم اعتقلت في مايو 2005 لمدة 3 شهور ونصف الشهر بسبب استفتاءات الرئاسة، وأخيرًا اعتقلت في ديسمبر 2006 على خلفية أحداث الأزهر.
لا أريد بشهادتي هذه تبرئة نفسي فالله سبحانه و تعالي يدافع عنا فضلا علي أن يقيني بالله لن يكون في ملكة إلا ما يريد جل في علاه .. إنما أردت بشهادتي هذه تبرئة دعوتي التي عشت لها و مؤسستي التي انتمي إليها وإخواني في القضية الذين أحببتهم أكثر من نفسي و هم شرفاء هذا الوطن من كل اتهام باطل وجه إليهم .
ودار التوزيع والنشر الإسلامية التي أديرها أسسها المرحوم/ عمر التلمساني عام 1976 كشركة توصية بسيطة ومنذ عام م 2002 و الدار ليس لها فروع إلا منفذ البيع للجمهور – 8 ميدان السيدة زينب , ومقر إداري بشقة رقم 12 بالعقار 251 ش بورسعيد السيدة زينب, ومخزن قليوب بطريق مصر إسكندرية الزراعي, وكلها أماكن مؤجرة وغير مملوكة – ومثبت ذلك أيضا من خلال المعاينة الميدانية للجان الفنية و الواردة في التقرير المالي .
و في أواخر عام 2002 تم تعيني مديرا عاما للدار ومشرفا بصفة خاصة علي النشاط الفني للنشر والتجاري للتوزيع.
وأود أن أسوق دليلا على عدم وجود اسمي في إذن النيابة بتاريخ 21/12/2006م لحظة تفتيش الدار و القبض عليٌ صباح 24/12/2006م، فالمعتاد القبض على المتهم أولاً حتى لا يهرب ثم تفتيش الشركة بدلاً من كسر الأبواب والتفتيش في غيابه، ولكن ما تم هو إقتحام الشركة أولا وبعد معرفتي بما حدث ذهبت لمعرفة سبب ما يحدث فقابلت الرائد / كريم المصري والرائد/ خالد وكان هذا في تمام الساعة الثالثة صباحًا – وبعد تقديمي لنفسي وصفتي لم يذكر لي أيهما أنني مأذون بضبطي ولم أشاهد إذن النيابة.
وقد جاء في المحضر رقم 9802 إداري بتاريخ 24 / 12 / 2006 والمحرر بمعرفة الملازم أول / عمرو سالم بقسم السيدة زينب.. " أنه أثناء التفتيش حضر المدعو / أحمد أشرف ولم يذكر أنني مأذون بضبطي".
ثم جاء في شهادة المقدم / عاطف الحسيني في النيابة بعد ذلك أنه وجد تقرير مالي لدار التوزيع والنشر الإسلامية في مكتب المهندس / خيرت الشاطر ليستدل له أن الدار مملوكة للتنظيم الخاص بالمهندس / خيرت الشاطر وهذا أبلغ دليل على الفبركة التي قام بها ليصل إلي النتيجة المطلوبة حيث لم يوجد تقرير من الأساس!.
كما ذكر في شهادته بالنيابة أن للدار فروعًا أخرى- ولم يذكر ما هي؟ مع العلم أن كل الفروع انفصلت عن الشركة الأم في عام 1997 حتى عام 2001.
وأثناء التفتيش أخذوا مبالغ مالية كبيرة تقدر بحوالي 161 ألف جنيه أما مخزن قليوب فهو مغلق على بضاعة لا تملكها الدار وإنما هي بضاعة أمانة تحت البيع للغير سواء دور نشر أخرى أو لحساب مؤلفين أو بضاعة كانت جاهزة للتصدير للخارج ومدفوع قيمتها مقدمًا.
وفي النهاية لا نقول إلا ما يرضي ربنا: حسبنا الله ونعم الوكيل .. والحمد لله رب العالمين
راضون بقضاء الله
رجل أعمال
أنا من مواليد 1951 محافظة الجيزة متزوج ولي ثمانية أبناء وخريج كلية طب القاهرة وأعمل في الأعمال الحرة عقب تخرجي منذ ثلاثين عامًا, وقبل ذلك عملت في مجال التجارة، أدير شركة التنمية العمرانية وأمتلك الحصة الكبرى فيها والشركة تعمل في مجال المقاولات والتشييد في مصر ومصنفة فئة أولى وقامت بأعمال عديدة في مختلف قطاعات التشييد والإسكان والمصانع والمستشفيات والقرى السياحية والأثرية, والمباني الإدارية مع القطاع الخاص والحكومة وكذلك في مجال النوادي حيث تم تشييد مرحلة كبيرة في نادي هليوبوليس الشروق وتم تنفيذ المرحلة الثانية في نادي الصيد بمنطقة أكتوبر والتي توقف أثر إغلاق النشاط نتيجة إغلاق الشركة بقرار النائب العام.
كما شيدنا عديدًا من الفنادق والقرى السياحية في شرم الشيخ والغردقة مثل قرية الشرم كوست وهيلتون شرم, ومشروع كونراد انترناسيونال, المملوك لشركة وينج ستورز للسياحة, فندق ميليا الشرم وقرية الريفيرا, وقرية المرجان كذلك أنشأنا عددا من المصانع مثل مصنع فودكو ومصنع شركة دومتي ومصنع المركزات الخاص بشركة جهينة ومستودع لشركة نستلة, والمخازن العامة لشركة نستله, ومصانع السيارات ومصنع سوزوكي للسيارات بالسادس من أكتوبر وشركة تويوتا في العباسية والمخازن ومبنى صالة العرض والمخازن والصيانة لشركة تويوتا في أبو رواش.
وفي مجال مصنع النسيج, أقامت الشركة مصانع لشركة (النساجون الشرقيون) ومصنع مينوست لورق الحائط والمبنى الإداري للنساجين الشرقيين في التجمع الخامس ملك وزارة الصناعة والذي توقف بعد التحفظ.
بعد عودتي من عملي مباشرة 13 / 1 / 2007 الساعة الثالثة صباحًا تم القبض علي بدون إذن نيابة واقتادوني إلى شركة الجيزة للأجهزة الطبية حوالي الخامسة صباحًا فكسروا باب الشركة بدون إذن واستولوا على حوالي 200 ألف جنيه وأغلقوا شركة تنمية للاستثمار العقاري وهي ليست ملكي. وكانت طريقة القبض غير لائقة تمام حيث تم حبسنا بمقر أمن الدولة بمدينة الشيخ زايد ثم في سجن المحكوم في غرفة غير آدمية.
وبعد صدور قرار بالإفراج من محكمة الجنايات لم يجد من حبسنا ظلما سوى القضاء العسكري لينفذ سطوته على المحالين .. أرى أن هيئة المحكمة كانت متعاطفة ولكنها لم تمكن الدفاع ليقوم بمهمته. نحن راضون بقضاء الله لكننا لا نرضى بالظلم والتحفظ على أموالنا وأموال أولادنا وشركات غيرنا.
محاكمة شكلية
مهندس سعيد سعد علي عبدة
مدير معدات شركة الكراكات المصرية- كفر الشيخ
تم القبض علي يوم 17/1/2007 م الساعة الواحدة مساءً وخلال عملية القبض واقتحام المنزل قام الضابط ياسر الحاج علي بأخذ مبلغ تسعمائة جنيهًا مصريًّا من المنزل بالإضافة إلي مصاريف شخصية غير محددة بالضبط وجهاز الكمبيوتر الخاص بالأولاد وحاولت أن أثنيه عن أخذ شاشة الجهاز والاكتفاء بالهارديسك فقط أو الكيسة ولكنة أصرّ على أن يأخذ الجهاز كاملا ثم اكتشفت انه حرز كيسة الكمبيوتر فقط بعد ذلك!.
أرى أن الغرض من هذه الاتهامات تشديد الحصار علي الإسلاميين وبالأخص المجاهدين في فلسطين وعلي وجهة التحديد حركة حماس لأن تهمة غسيل الأموال تم توجيهها لأول مرة لأفراد من جماعة الأخوان في مصر وتماشي ذلك مع رغبة النظام في التضييق علي جماعة الإخوان المسلمين وإزاحتهم عن العمل السياسي و الاجتماعي بعدما تبين له قوة انتشارهم داخل الشارع السياسي و الاجتماعي و ذلك بعد نجاح 88 نائبا بمجلس الشعب.
وبعد أن تمت إحالتنا للمحاكمة العسكرية لم تقم النيابة العسكرية بعمل أي تحقيقات معنا إضافة إلي أن 16 متهما منا لم يتم عرضهم علي النيابة من الأساس .
وكانت إجراءات المحاكمة شكلية تماما لاستكمال الصورة القانونية للمحاكمة كما لم تؤثر المرافعة والدفاع أو أوراق القضية في الأحكام لأنها وصلت إلى المحكمة بتعليمات وقرارت سابقة.
إننا أصحاب رسالة لابد أن نقوم بها قبل السجن وداخل السجن وبعد السجن , قال تعالي "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "، ومهما حاولوا أن يصرفوا الناس عن دعوتنا أو يصرفونا عنها فلن يفلحوا وسنظل نرفع الراية بإذن الله تعالي حتي يأتي النصر أو الشهادة .
كيف عطلت الدستور وغسلت الأموال؟!
المهندس مدحت احمد الحداد
رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للتعمير
هذه القضية ملفقة من البداية للنهاية فجميع الاتهامات التي وجهت لي هي نفسها التي وجهت لي سبع مرات سابقه تم اعتقالي فيها، وهذه هي المرة الثامنة في حياتي التي اعتقل فيها وكل مرة أتهم بالانتماء إلي جماعة الإخوان المسلمين ولم يزد عليها هذه المرة سوي جريمتي غسل الأموال واستخدام الإرهاب وسيلة في نشر أفكار الجماعة!.
وخلال المرات السابقة لاعتقالي عرضت علي النيابة العامة ( في نيابات المنشية والجمرك والعطارين ) في الإسكندرية، وحصلت فيها علي إخلاء سبيل من سرايا النيابة في جميع تلك المرات .
وفي المرة الأخيرة لم تستطع نيابة أمن الدولة ولم تجرؤ علي تقديمي إلي محكمة مدنية لأنها تعلم مدي التلفيق والتزوير والانتهاكات التي اقترفت في حقي.
كما أحلت مرتين إلي المحكمة العسكرية وفي الأولي حصلت علي حكم بالسجن ثلاث سنوات زورا وعدوانا في حكم شابه الخطأ والفساد في الاستدلال وانتهاك لحق الدفاع وعدم الرد علي الدفوع القانونية فيما سمي بقضية النقابات المهنية سنة 1999 وظللت في محبسي حتي عام 2002 وهذه هي المحاكمة العسكرية الثانية لي.
والاتهامات في كل مرة غير معقولة ومضحكة فكيف لمن هو في مثل سني ومركزي الاجتماعي أن يعمل علي تعطيل الدستور عمل ضخم لم يحدث في التاريخ المصري سوي مرتين مرة علي يد إسماعيل باشا صدقي رئيس الوزراء ومرة علي يد الرئيس عبد الناصر بعد قيام الثورة .
أما عن تهمة غسيل الأموال فهذه تهمة لم نتخيل في يوم من الأيام أن توجه إلي الشرفاء في السوق التجاري المصري فهي تهمة تخص اللصوص والنهابون والمستغلون والمحتكرون وتجار المخدرات وأصحاب تجارة الرقيق الأبيض والدعارة وتجار الآثار وبالتالي فهي تهمة لا تخصنا على الإطلاق.
وأن يتم إحالة 40 رجلا إلى المحكمة العسكرية لم يثبت أن أيا منهم لم يتعامل مجرد تعامل ربوي مع البنوك أو قام في حياته بعملية استغلال أو احتكار فنحن من رجال الأعمال الوطنيين الذين يعملوا لنفع أنفسهم ومجتمعهم وبلدهم ولم يتهم واحد منا في يوم من الأيام بتهمة مخلة بالشرف كالسرقة أو النصب فكيف نحاكم بتهمة غسيل الأموال؟ .
ووجهت لي النيابة العسكرية تهم إحراز مضبوطات رغم أنها لم تطالع المضبوطات أصلا وقد أوقعت النيابة العسكرية نفسها في خطأ كبير فلو كلفت نفسها واطلعت على المضبوطات لعلمت كذب ما دسه علي الضابط عاطف الحسيني حيث أنه حدد من أدلة قيامي بالإرهاب.. ما تم ضبطه عندي من مطبوعات وقال أنها تتحدث عن المهام والمقاومة.
وأقول إنه في ظل ما ظهر في هذه القضية من تزوير أوراقها وما أبداه الشهود من أقوال متناقضة وفي ظل التهم التي وجهت لنا ورد الدفاع عليها وتفنيدها فانه لا مفر للمحكمة ولا مخرج إلا أن تحكم ببراءة الجميع من التهم المنسوبة .. وذلك إذا حكمت بالقانون!.
ولكن الواقع الذي نراه وما عهدناه في محاكمات سابقة يؤكد أن هناك انفصال تام بين الأحكام وبين الأدلة والوقائع وبالتالي فالأحكام تظل مرهونة برغبة الأجهزة الأمنية...ومهما كانت هذه الأحكام فإنها لن تفت في عضد الإصلاحيين الذين يعملون لله فهذا هو طريق الصلاح وطريق الدعاة إلي الله .
الله يرعى 165 ابن وحفيد!
المهندس أيمن احمد عبد الغني
مدير تنفيذ المشروعات بشركة المقاولون العرب
تم القبض علي سبع مرات قبل هذة المرة ووجهت لي نفس التهم في كل مرة في المرات السابقة لاعتقالي كنت اقضي كل مرة فترة تقارب الستة شهور محبوسا احتياطيا وفي المرة الأخيرة لاعتقالي قبل هذه المرة كانت في تاريخ 1-3-2006 وظللت محبوسا حتي شهر 9-2006 وبعدها خرجت ولم يمر علي خروجي سوي شهرين وتم اعتقالي في هذه القضية في شهر ديسمبر 2006 أي أني قضيت سنتين في الحبس الاحتياطي.
وهذا الحبس الاحتياطي تم على أساس تحريات فاسدة قضيت بسببها أربع سنين من عمري بشكل متفرق وفي كل مرة لاعتقالي أخرج بناء علي قرار من محكمة الاستئناف بغرفة المشورة والتي تبرر حكمها بالإفراج عني بأن التحريات التي حبست بناء عليها غير جادة .
أما عن التحريات في هذه القضية العسكرية فهي أيضا غير صحيحة فالفترة التي ذكر الضابط عاطف الحسيني ضابط أمن الدولة انه تحري عني في خلالها وهي ستة شهور قبل اعتقالي في شهر ديسمبر 2006 لم يذكر في تحرياته أنني كنت موجود خلالها في الحبس بل ذكر أنني كنت أمارس نشاطي في الجماعة وهذا الفساد في التحريات كفيل بأن يخلي سبيلي بدلا من حبسي علي ذمة القضية ثم الحكم ضدي بالحبس ثلاث سنوات.
نشعر أننا أمام بلطجة يمارسها النظام ضدنا بأدوات قمع بتحويله الحبس الاحتياطي إلي أداة عقوبة كما أننا لسنا في مواجهة قانونيه فهذه المحاكمات والتحقيقات لا تفلح فيها الدفوع القانونية ولا يفلح معها القانون لأنها في الأساس غير مبنية علي أساس قانوني، والأحكام التي تصدر في حقنا خاضعة للظرف السياسي فنحن رهائن عند النظام علي حسب علاقته مع الإخوان ويصدر أحكامه علينا وفقا لتطورات هذه العلاقة وحسب الحالة المزاجية للنظام! .
ولا أنسى أن أقول أننى حريص دائما على أن يتربي أولادي أسوياء علي الوسطية ونظرا لأنني أخشي أن يصابوا بتشوه نفسي بسبب الظلم الذي أعيشه فإنني أحاول دائما أن أجعل علاقة أولادي طيبه بالضباط الذي يرونهم في المحكمة أو السجن !! ولقد سألتنى ابنتي هل من يفعلون بك هذا يهود؟ لأن مشهد القبض يشبه ما تراه علي الفضائيات من اليهود أثناء أسرهم للفلسطينيين فيكون جوابي لا أنهم ليسوا يهود وليسوا كافرين ولكن هذه الأعمال الذي يقومون بها غير صحيحة.
إن لي بنتا لديها من العمر 9 سنين وهي البنت الأكبر في أولادي وقد تم اعتقالي منذ ولادتها خمس مرات أمام عينيها ومنها مرة خطفت أنا وهي وبقية أبنائي وزوجتي من الشارع ... وأحد أبنائي يقول إن أبي له منزلين منزل هنا معنا ومنزل هناك في السجن.
أن لدينا 33 أب في أسرة واحده كبيرة تشمل كل أبنائنا فقد عقدنا داخل السجن 14 احتفال مابين عرس وخطوبه ولدينا جميعا 165 ابن وحفيد احتفلنا بأعياد ميلادهم وفرحنا بنتائج دراستهم معا ونعيش جميعا مشاكلهم وأفراحهم وأحزانهم، فشعور العائلة الكبيرة مسيطر علينا وعلي أولادنا.
ونشعر جميعا بان الله يرعي أبنائنا رعاية كبيرة فقد تعرض عدد من أهلينا لعمليات جراحية وحوادث كلها مرت بخير وستر من الله وتوفيق ونجاة من الله، وشعورنا أننا ننتمي لكيان كبير يرعى أبنائنا بعد الله تعالى وهو جماعة الإخوان المسلمين يجعلنا راضين قريري الأعين مطمئنين .
كنت أكافح غسيل الأموال
مدير ببنك فيصل الإسلامي
أعمل مدير إدارة بأحد المصارف واعتقلت ثلاث مرات في سنوات 82 ، 87 ، 2005 ، قبل أن يتم إحالتنا للقضاء العسكري سنة 2006.
ولقد تواكب مع إحالتنا للقضاء العسكري تعديل في قانون القضاء العسكري لكن ذلك لا يعني أننا نحاكم أمام قضاء طبيعي وهنا لابد أن أذكر أن عهد الرئيس جمال عبد الناصر كان فيه مآثر أكبر نسبيا من العهد الحالي وكان أهمها أنه حافظ على سلامة القضاء المدني وفي حالة وجود خصومة سياسية مع بعض المدنيين فانه يتم إحالتهم لمحاكمة استثنائية أمام القضاء العسكري ويحكم فيها بالحكم الذي يريده، أما في العهد الحالي فإن الاستثناء أصبح قاعدة وأصبح كثيرون يهددون بالقضاء الاستثنائي.
لقد فهمنا منذ اللحظة الأولى أن المحاكمة ستكون شكلية تماما وان الحكم يقرره الحاكم وفق حالة الخصومة السياسية وليس من واقع الأوراق الموجودة بالقضية التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك براءة الجميع وتلفيق التهم ضدهم.
وأول ملامح المنهج الذي يتبنى الخصومة هو دعوى عدم اختصاص القضاء العسكري بمحاكماتنا كمدنيين والموجودة أمام المحكمة الدستورية منذ عام 1995، وبالطبع هي فترة كافية تماما للبت في دعوى عدم التنازع ولكن ما وصلني شخصيا ممن قابل المستشار عوض المر رئيس المحكمة الدستورية الأسبق عندما سئل عن هذه الدعوى بشأن عدم الفصل فيها حتي الآن أنه تحدث مصارحا بان الأوضاع السياسية لن تسمح بصدور حكم المحكمة الدستورية الذي ترتضيه وهو عدم جواز الإحالة.
بحكم عملي في الجهاز المصرفي عندما صدر قانون غسيل الأموال تم إنشاء وحدة في البنك المركزي لمراقبة تنفيذه وفحص البلاغات التي تتم بشان مخالفته وإخطار النيابة بشان ما يتعين اتخاذه من إجراءات .
واستتبع ذلك إنشاء إدارات للبنوك لفحص ما يتكون من مخالفات وتكليف مديرين بالفروع لفحص هذه المخالفات كل في نطاق الفرع الذي يعمل به مع إخطار الإدارة المركزية في حالة وجود مخالفات. وكنت من بين الذين تم تكليفهم بالإشراف علي مراقبة عمليات غسيل الأموال في الفروع التي عملت بها وذلك بعد حضوري دورات مكثفة قام عليها مستشارين من نيابة الأموال العامة .
وكان العمل يجري علي أنه في حالة وجود جريمة غسيل أموال فانه يتم عمل فحص مبدئي للحالة المشكوك فيها وتصوير المستندات المرتبطة بها والكتابة إلي الإدارة المشرفة علي أن تقوم بإرسال لجنة لفحص الحالة من أجل التأكد من جدية المخالفة وعقب ذلك تقوم بإخطار وحدة مراقبة عمليات غسيل الأموال بالبنك المركزي.
وتقوم الأخيرة بالتحري عن وجود شبهات مخالفة، وعند التأكد من وجود مخالفات تكلف لجنة من خبراءها باعتبارها الجهة المكلفة قانونا بفحص مخالفات غسيل الأموال فإذا انتهي فحص خبراء الوحدة لجدية الشبهة فإنها تقوم بإبلاغ النيابة العامة فتقوم باستدعاء المنسوب إليه المخالفة والتحقيق معه بشان ما ورد بتقرير الوحدة وحينها يقدم المنسوب إليه المخالفة إلي المحاكمة بتهمة غسيل الأموال. وفي قضيتنا لم يكن هناك لا تقرير فحص مبدئي ولا تقرير فحص أصلي ولا تقرير من وحدة غسيل الأموال بشان وجود شبهة مخالفة ولا تحقيق من النيابة العسكرية مع المتهمين بخصوص أي تهمة بل وحتي تقرير خبراء الكسب غير المشروع بوزارة العدل وهي جهة لا علاقة لها بمخالفات غسيل الأموال لم يكن قد تم إعداده بعد وهو ما يؤكد ما أشرت إليه في البداية من أن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إجراء شكلي للتعامل مع الخصوم السياسيين ولا علاقة له بأوضاع وضمانات المحاكمات التي تنص عليها المعاهدات الدولية والدستور.
اعتبرونا وما نملكه.. رهائن
من رواد تعريب الحاسب الآلي
وعيت الدنيا والأسرة تهتم بالشأن العام فلقد اعتقل احد أهم وأحب أعمامي وهو طالب في الثانوية العامة سنة 1955م بتهم الانتماء للإخوان المسلمين وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات ولكن ما يفيدني في الأمر هو إن جدتي لأبي وهي والدة هذا العم قد جمعت جميع أفراد الأسرة بما فيهم أنا ونحن أطفال لكي نذهب للتبرع بالدم في جمعية الهلال الاحمر أثناء حرب 1956م أي بعد اعتقال ابنها بأشهر قليلة.
نشأت أحب مصر وارغب في المساهمة في هذا المشروع الهام ولذلك سارعت عند أول فرصة للاشتراك في منظمة الشباب في الصف الأول الثانوي لكي أكون احد جنود هذا المشروع مع إنني كنت اسمع من جدي لأمي ما يفيد إننا في كذبة كبيرة وان دكتاتورية جمال عبد الناصر لن تأتي لمصر أو المصريين إلا بالسوء.
وكنت أجاهر بحبي للبلد ونظام البلد المستبد ولكن كل ذلك انهار تماما عند نكسة 1967م عندما انكشفت كل الحقائق أو ربما بعضها ولكن ظهرت حقيقة النظام المستبد والعلاقات بين أطرافه وعدم الأمانة في تناول أمر الأمة التي تولوها كما ظهر بوضوح ان غياب الرقابة والمحاسبة من كل الطوائف ومؤسسات الشعب للنظام بأكمله جعله يضل الطريق إلي الهدف الذي أذاعه علي الناس.
إننى دائما أثنى علي هذا الجيش وأهمية الدور الذي يقوم به في خدمة الأمة وحماية مقدساتها وحدودها، لكن الأمر يختلف مع القضاء العسكري...
إن القضاء العسكري يظل أحد أوراق النظام ضد معارضيه ومن أوراقه الأخرى: الخفير النظامي في القرية وعسكري الأمن المركزي صاحب العصا الغليظة والذي يمسك بها بقوة ليضرب من يقال له اضربه دون عقل .. إنه يضرب تنفيذا للأوامر ويضرب بشدة من صدرت له الأوامر بضربه!.
ثم يأتي بعد ذلك سلسلة طويلة من ضباط الصف والضباط والأجهزة التي تشكل لهذا الغرض مثل جهاز مباحث امن الدولة ونيابة أمن الدولة ومحاكم أمن الدولة وأمثالهم من الموظفين العموميين الذين أكرهتهم لقمة العيش على طاعة الأمر بالتنكيل بالمعارضين ضد النظام.
ثم يأتي في قمة الأدوات الاستثنائية بعض القضاة في أيدي النظام ... وإذا فشلت هذه الوسيلة لندرة هذه الفئة بين قضاة مصر العدول فإن النظام السياسي يستعين بفئة من كبار ضباط الجيش المناط بهم حماية الوطن من أجل توجيه المدافع إلى من يريد! وهذه الفئة من كبار الضباط قد تربوا علي السمع والطاعة العمياء للقيادة ( وهذا أمر محمود للقيام بالمهمة الأصلية لهم ) وحيث إن الجيش أحد الأجهزة الكبيرة في الدولة وتضم شريحة كبيرة من شرائح المجتمع بما فيها الصالح والفاسد وان كان الغالب عليها هو الصلاح إلا انه لا يخلو مجتمع من منحرفين.
وهذه بعض ملاحظات علي المحكمة العسكرية وأولها أنها خاتمة لمجموعة من الإجراءات القمعية منذ عملية القبض علي من المنزل حيث فوجئت برجال مباحث أمن الدولة في هذه المرة يقومون بجمع كل ما يمكن جمعه في المنزل طوال وقت طويل منذ الساعة الواحدة صباحا وحتي السادسة صباحا .
وعند سؤال ابني لقائد القوة عن سبب أخذه لجهاز الكومبيوتر الخاص به والذي يحوي مشروع التخرج الخاص به والمتوقع مناقشته خلال أيام قليلة وربما يتسبب ذلك في رسوبه هو ومجموعة من زملائه المشاركين معه في المشروع قال له أعدك ( وعد شرف ) أن أعيد لك الجهاز مع باقي الأوراق خلال يوم واحد ومرت سنة ولم يعد الجهاز ولم يذهب إلي النيابة كأحد أدلة الاتهام المزعومة.. ورسب ابني! وعندما سأل ضابط المباحث الجنائية - الذي حضر مع القوة لتأمين المأمورية - ضابط أمن الدولة عن سبب أخذ كثير من الأشياء التي لا علاقة للموضوع بها أفاده بشكل قاطع: هو من الإخوان ونحن نأخذه رهينة ومعه ما تقع عليه أيدينا من معلومات وأشياء علها تنفعنا مستقبلا في التعامل معه. وكلمة رهينة تكررت علي لسان العديد من ضباط الشرطة الذين تعاملنا معهم خلال فترة المحاكمة حيث كانت الإجابة دائما أنتم رهائن حتي نستطيع أن نتعامل مع جماعتكم في الخارج.
خلاصة القول أن القضاء العسكري أداة من أدوات النظام في التنكيل بالخصوم رغما عنهم وهو بالتأكيد مرحلة وسطية يسبقها القبض ويليها السجن ظلما!
كنت نائما في الشركة .. فأحالوني للعسكرية!
أ. جمال محمود شعبان السيد .. محاسب
أنا من مواليد 6/6/1965 بالإسكندرية وحاصل علي بكالوريوس تجارة الإسكندرية عام 1987 م وحاصل علي ليسانس الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون 2006 وحافظ للقران وخطيب جمعة في الإسكندرية ومتزوج ولي 4 أبناء.
كنت عضو اتحاد كلية التجارة جامعة الإسكندرية سنة 1985 ومقرر اللجنة الاجتماعية وعضو مجلس إدارة جمعية التعاون الضريبية الإسلامية وأمين صندوق الجمعية ومقرر اللجنة الاجتماعية في الفترة من 1992 إلي 1996.
نظرا للدافع لدي في تحسين دخلي اضطررت إلي السفر للعمل بالقاهرة حيث أن لي أربع من الأبناء ارغب في تربيتهم تربية كريمة وتعليمهم تعليم مميز وعملت في شركة السلسبيل التي يملكها المهندس خيرت الشاطر تاركا زوجتي وأولادي بالإسكندرية حيث لا أملك محل سكن بالقاهرة فكنت أبيت في مقر الشركة التي اعمل بها.
في يوم 14/12/2006 فوجئت بقوات الأمن تداهم وتقتحم مقر الشركة وفاجئني ضابط أمن الدولة المصاحب للعمل بالاتصال برئيسه قائلا له لقد وجدت موظفا مقيم بمقر الشركة فهل اقبض عليه؟ قال له نعم فتم القبض علي وإحالتي إلى المحكمة العسكرية.
وفوجئت بعد ذلك باتهامي بغسيل الأموال رغم أني ليس لدي أموال ولو كان عندي أموال لماذا كنت أبيت في مقر الشركة؟ .
ورغم القرار الصادر من محكمة جنوب القاهرة بإخلاء سبيلي مع مجموعة ال 16 المخلي سبيلهم في هذه القضية فورا وبلا ضمان إلا أنه وبدلا من أن يفرج عنا فوجئت بقرار اعتقال صادر لي من الداخلية. ثم صدر قرار ثان قرار بالإفراج صادر لي، وبدلا من الإفراج عنا فوجئت بصدور قرار بإحالتي أنا و39 من زملائي من الإخوان إلي القضاء العسكري، وتم حبسنا لفترة طويلة جدا أثناء النظر في القضية العسكرية بدون أي جريمة ظلما وعدوانا وقد مر عدد من الأعياد ونحن بعيدين عن أولادنا وزوجاتنا.
نكت حكومية سخيفة
محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد.. مفتش صحة
في 27يناير2000م وكما تعودنا من هذا النظام على إهدار القيمة الآدمية تم اقتحام بيتي (ليست مبالغة) حيث تم كسر الباب الخارجي - بعد أن تسلق احدهم السور- حتى وصلوا للباب الداخلي ولما استعصي عليهم فتحه قمت بفتحه علي أصوات طرق مفجعة!!!..
وهذه حلقة مسلسلة طويلة بدأت منذ عام 87, واستمرت أعوام 89, 91, 2000, 2005, 2006, ثم انتهت 2007,
وتكاد تكون هي هي نفس الاتهامات – أضف إليها فقط في 2007 م (غسيل الأموال)..ولما كانت هذه الاتهامات عند العرض علي أي محكمة (مدنية طبعا) تتسم بالتهافت والسخافة فإن الحكم يكون دائما بالإفراج – لكن طبعا بعد فترة الحبس الاحتياطي عن طريق نيابة أمن الدولة ( الاستثنائية). في إجراءات المحاكمة – ما يشبه الطرف الكثيرة:
• قال مجري التحريات – في محضر 16/1/2007م – أنه كان يتحرى عنا منذ 6 اشهر ونسي إننا منذ 6 أشهر كنا محبوسين علي ذمة قضية 702/لسنة2006 أمن دولة عليا(تم القبض في 13/7/2006م) وتم إخلاء سبيلنا من محكمة جنايات شمال القاهرة – دار القضاء العالي في 31/8/2006م -.
• في هذه القضية تم إغلاق ثلاث شركات (الضياء – طيبة – مناحل عبد الجواد) ثم بإذن من نيابة أمن الدولة تم فتح شركة الضياء وطيبة ولم تفتح شركة مناحل عبد الجواد.. بالتسويف من قبل نيابة أمن الدولة العليا حتى جاءت القضية 963/لسنة2007م ولما كانت شركة مناحل عبد الجواد تستأجر مكانا ً في الإسكندرية -- لبيع منتجات الشركة وأغلق هذا المكان – وتوقفت عن سداد القيمة الإيجارية للغلق والسجن أخذ مالك هذا المكان حكما ً بالطرد..لعدم سداد القيمة الإيجارية.. وتسلم المكان وأنا في السجن..!!!.
• من العجب أيضا – أنني منذ 31/8/2006م حتى تم القبض في 17/1/2007م – قمت بالسفر خارج البلاد مرتين لحضور مؤتمرات عن النحل..في الأردن وتركيا.. فما معني التحريات في هذه الفترة؟!..هل كان يعلم بذلك محرر هذه التحريات؟؟!!!
• منذ عام 1978م وحتى عام 2005 وأنا موظف عام في وزارة الصحة..وحتى يتسنى لي العيش الكريم – بدل الرشوة والبطالة المقنعة – كنت أقوم بالعمل في المناحل (تربية النحل ومنتجاته) واشتركت في تأسيس جمعية مربي النحل بالإسكندرية..ثم كنت عضوا في رابطة إتحاد النحالين العرب..وبفضل الله أصبحت من أكبر منتجي وتجار نحل العسل.. ولما كان المنتج في مصر عكس كل الدنيا هو الضحية نظرا لزيادة مصروفات التشغيل وتكاليف وثبات سعر المنتج كان التفكير في فتح منفذ لبيع المنتجات فكانت مناحل عبد الجواد في سنة 2000م بيني وزوجتي وأمي نظرا لأني موظف عام فكانت زوجتي هي الشريك المتضامن في شركة توصية بسيطة (مناحل عبد الجواد).
• ماذا حينما يفكر أولادنا وزوجاتنا ويقولون لابد أن نرحل من مصر لتبحث لنا عن مكان آخر..لأنهم يزرعون فينا الولاء والانتماء للوطن!!!...
• من الذي يمارس العنف والإرهاب..عزل المنتجين الجادين والناجحين في أعمالهم – أم قوافل الإرهاب وجحافل اللاآدمية.
• من الذي يقوم بغسل الأموال؟؟...يا لحمرة الخجل!!كنت أتمني أن يكشفوا حجم أرصدتي وحساباتي في البنوك لأعرف الناس كم كنت أغسل!!!
• دوام الحال من المحال..والليل مهما طال لابد من طلوع الفجر وغدا ً لناظره قريب..
لم يكن معي سوى قلمي!
أحمد عز الدين .. صحفي
بحلول يوم 14 ديسمبر 2007 وليس 14 أبريل 2008 أي عشية الأحكام العسكرية كان قد مضى على بقائي في السجن عام كامل رهن الحبس الاحتياطي والاعتقال دون ذنب أو جريرة.
عااام !.. وكم بقى من العمر من أعوام بعد أن تخطيت الخمسين عام لا يحسب بالشهور والأسابيع بل بالدقائق والثواني، كيف لا ومرارة الإحساس بالظلم وفقدان الحرية، وافتقاد الأسرة والأهل والأصدقاء، ووحشة السجن، والمرض وافتقاد الرعاية الصحية تضاعف المعاناة وتزيد الآلام النفسية والجسدية. ففي مثل هذا اليوم من عام 2006 اقتحم زوار الفجر منزلي، وفي نيابة أمن الدولة العليا ووجهت بتهمة هي آخر ما كنت أتوقع وهي أنني من الذين يشرفون على كافة أنشطة الإخوان المسلمين الدعوية والتربوية والطلابية والمالية!! هكذا جملة واحدة رغم أني لا أمارس سوى عملي الإعلامي وكتاباتي الصحفية.
تهمة ملفقة لا أساس لها من الصحة ولا دليل عليها، إذ لم يتم ضبطي أثناء اجتماع تنظيمي كما يقال، ولم يكن هناك أي تسجيل صوتي أو مرئي لتلك النشاطات المزعومة ومع ذلك فقد أمرت النيابة بحبسي أحتياطيا وحين تظلمت يوم 29 يناير الماضي من استمرار الحبس أمام محكمة الجنايات – مع 15 آخرين ووجهوا بتهم مماثلة – قررت المحكمة الإفراج عنا فورا وبلا ضمانات.
وقبل أن نصل من المحكمة إلى بوابة السجن صدر قرار وزير الداخلية باعتقالنا، وبعدها بأسبوع صدر قرار جمهوري بإحالتنا إلى محكمة عسكرية.
بقينا رهن الاعتقال قرابة ثلاثة شهور وحين قررت المحكمة الإفراج عن المعتقلين ورفض اعتراض وزارة الداخلية مرتين، تشكلت على عجل محكمة عسكرية تولت تمديد الحبس الاحتياطي للمجموعة المحبوسة على ذمة القضية والتي وصل عددها إلى 33 شخصا، ويتم تجديد الحبس حتى يومنا هذا !
وهكذا تحول الحبس الاحتياطي الذي انتفت أسبابه ومبرراته إلى عقوبة توقع علينا، لماذا تمت أحالتنا إلى القضاء العسكري ونحن مدنيون ليس لنا أدنى علاقة بالأمور العسكرية؟
ولماذا الإصرار على استمرار حبسنا رغم انتفاء أسباب الحبس الاحتياطي، ورغم تنازع الاختصاص في القضية بين القضاءين المدني والعسكري؟ ورغم وجود قضية مرفوعة أمام المحكمة الدستورية تطلب بطلان قرار الإحالة لمخالفته الدستورية؟
ورغم صدور حكم من محكمة القضاء الإداري ببطلان قرار الإحالة للمحكمة العسكرية، وجميعها أمور توجب الإفراج عنا حسب القانون؟
لم يكن هناك من مبرر لهذا التعنت سوى أن هناك تصميم على إقصاء دعاة الإصلاح السلمي والتنكيل بهم والانتقام منهم .. فهل المطلوب أن لا يعلو صوت سوى صوت المنافقين وأن لا يظهر على المسرح سوى من يطبلون ويزمرون ويرقصون؟
الضابط قال: ساعتين وتعود!
أ.د عصام عبد المحسن عفيفي .. أستاذ الكيمياء الحيوية -كلية طب الأزهر
في يوم الخميس 14 -12-2006 فوجئت باب المنزل يدق في الساعة الثانية والنصف صباحا وكان علي الباب قوات أمن الدولة ودخلوا المنزل وفتشوا بدون إظهار إذن التفتيش وفتشوا مكتبي وغرفة نومي وحرزوا من عندي ستة كتيبات وكانت بعنوان (الطبيب المسلم – الحجاب الشرعي ) وكانت بقية الكتب الموجودة في المكتبة كتب ثقافية وعلمية.
وتعجب الضابط لأنه لم يجد كتب فكريه تتعلق بالإخوان وكان هذا الاعتقال والقبض هو الأول من نوعه بالنسبة لي مما جعل الأمر مزعجا ومقلقا لأهلي جدا.. ونزلت مع الضابط ووجدت المنزل كله محاصر بعدد كبير من رجال الأمن واصطحبني في عربة بوكس .
طلبت من الضابط تمكيني من حضور مناقشة رسالة دكتوراة اشرفت عليها وكان مقرر لها صباح نفس اليوم الساعة التاسعة فرد الضابط كلها ساعتين وتعود فاتصلت بالطالبة لاعتذر لها واتصلت برئيسة القسم كذلك.
وكان عندي في نفس اليوم سفر إلي ليبيا وقد حجزت الطيارة وكانت معي التذكرة وأخبرت الضابط بذلك وكان سفري إلي ليبيا بسبب تكليفي بإلقاء دورة تدريبه للأطباء الليبيين حول مكافحة العدوى وكان سيشاركني معي في هذه الدورة اثنين من زملائي الأساتذة بناء على اتفاق مع جمعية مكافحة العدوي المصرية لان هذا المجال جديد في ليبيا.
وكان من المقرر إلقاء ثلاث دورات متتالية وهذه هي الأولي، وقد سافرت خلال العامين الماضين ستة مرات إلي ليبيا كإعارة من جامعة الأزهر إلي الجامعات الليبية المختلفة وذلك للتدريس والإشراف علي الامتحانات هناك.
وأخبرت النيابة بهذه المواعيد المرتبط بها لأتمكن من السفر وكان من المفترض سفري كمشرف لرحلة الحج التابعة لنقابة الأطباء في هذا العام الهجري 1427 وقد حصلت علي تأشيرة تنتهي في 21 – 12- 2007 ولم أتمكن بالطبع من أداء كل هذه التكليفات لحبسي حتى صدور الأحكام يوم 15 أبريل 2008 .. كانوا ساعتين طويلتين جدا ويتبقى لي أربع ساعات وفقا للتوقيت الأمني!.
قضيت ليلة في مبني أمن الدولة بالشيخ زايد في وضع غير آدمي بدون فراش سوي كرتونه ننام عليها، ثم أخذوني إلي العرض علي نيابة أمن الدولة وهناك قابلت زملائنا المعتقلين الآخرين في هذه القضية.
وفوجئت في التحقيق بتوجيه تهم اسمع عنها للمرة الأولى في حياتي مثل استخدام الإرهاب والعنف كوسيلة في نشر فكر الإخوان عن طريق العرض الرياضي الذي قام به طلاب الأزهر.
الغريب أن عروضا أخرى مشابهة كنت قد شاهدت الطلاب يقومون به في مناسبات مختلفة ولم يوجه لأحد هذا الاتهام وأنا لم أكن موجودا بالجامعة حينها ولم اعلم عن هذا الأمر إلا من النيابة كما انه لا توجد بيني وبين الطلاب علاقة سوى العلاقة العلمية بين الأستاذ وطالبه .
وبعد حصولنا علي قرارات بالإفراج من المحاكم المدنية لخلو القضية من أي جريمة ومن أي دليل اضطر النظام السياسي إلي إحالتنا للمحاكمة العسكرية ليتحكم فيها النظام.
نحن جزء من نسيج هذا المجتمع فكيف نعطل الدستور والمؤسسات ونحن نعمل فيها بل ونتقلد أهم الوظائف فيها ونقوم بدورنا بشهادة المؤسسات الذي نعمل فيها علي أكمل وجه؟ فقد صدر لي قرار من كلية الطب الأزهر بتعييني مسئولا للجنة تطوير التعليم ومهمتها تطوير المناهج والامتحانات كما أنني عضو ناشط بنقابة أطباء القاهرة وهي احدي مؤسسات الدولة وأقدم بخدمات عديدة لزملائي الأطباء.
لقد مر أثناء محبسي مواقف أثرت في كثيرا فقد خطبت ابنتي نيرة إلي أحد أبناء زملائي وتمت الخطوبة في السجن واضطررنا لقراءة الفاتحة في غرفة الزيارة بالسجن خلف الأسوار وكان هذا الموقف شديد القسوة علي لأن كل أب يتمني أن يحضر عرس ابنته في أفضل الأماكن وأحسن الظروف.
وقد احتفل أهلي بخطوبة ابنتي خارج السجن دون حضوري طبعا كما حدث لأسرتي حادث بالسيارة أثناء حبسي وكنت قلق جدا عليهم وأجرت زوجتي عملية جراحيه وكل ذلك وأنا بعيد عنهم.
ولكن لابد أن أذكر أن زملائي وإخواني اهتموا بأهلي بحفاوة كبيرة جعلتني قرير العين مطمئن البال عليهم .. وكل ما يحدث لنا هذا من ظلم النظام لنا لن يثنينا عن طريقنا في الإصلاح أو يخوفنا .
زوجات صامدات محتسبات
م. أحمد شوشة .. مدير شركة المدائن
بعد مرور وقت طويل على المحكمة العسكرية ثم صدور أحكام قاسية ضدنا يزداد اعتقادي بأن المحن والابتلاءات ليست عذابًا من الله للمؤمنين، حاشا لله العزيز الحميد.
ذلك أن المؤمن المُبتلَى يرى ويعيش داخل هذه المحن والابتلاءات رحمات الله، ويرى يد الله الحنَّان المنَّان تعمل فتُرطِّب القلوب وتمنُّ عليها بالصبر والرضا، والسكينة والطمأنينة، ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (يونس: 62- 64).
إن في قضيتنا هذه أحداثًا كثيرةً وغريبةً، جاءت متتابعةً ومتلاحقةً وسريعةً، فهوَّن الله علينا برحماته، فكان عنوان هذا العام هو "الصبر والرضا والسكينة والطمأنينة".
وعندما نسترجع الأحداث نلحظ ذلك بيِّنًا، فتبدأ الأحداث بتعنت إدارة جامعة الأزهر مع طلابها فتزوِّر انتخاباتهم الطلابية، وتمنع بعضهم من الإقامة بالمدينة الجامعية، وتؤدِّب بعضهم في مجالس تأديبية، فيقوم الطلاب للدفاع عن حقوقهم بمظاهرة داخل المدينة الجامعية يتخللها استعراض رياضي، فينشر الإعلام خبر تلك المظاهرة وبما فيها من الاستعراض الرياضي.
وهنا تنتهز قيادات الحزب الحاكم هذا الخبر وهذا الاستعراض، فتعمل على تصفية حساباتها مع جماعة الإخوان المسلمين؛ لفوزهم بثمانية وثمانين مقعدًا في مجلس الشعب ووقوف الجماعة مع مطالب القضاة؛ لاعتراضهم على التعديلات الدستورية، وكذلك تأييد الجماعة لحكومة حماس في فلسطين، فتقوم أجهزة هذا الحزب الحاكم الإعلامية بهجومٍ ضارٍ على جماعة الإخوان المسلمين، فتتم الاعتقالات وتُوجَّه للمعتقلين تهمُ الإرهاب وغسيل الأموال والانضمام لجماعة محظورة وتولي القيادة فيها وحيازة منشورات، ويُعرض الأمر على القضاء فيصدر ثلاثة أحكام متتالية بعدم جدِّية الاتهامات والإفراج الفوري عن المعتقلين.
وعندما طعنَّا على قرار التحفظ على أموالنا يتم تحويلنا إلى محكمة الجنايات، فيُصدِر المستشار عادل عبد السلام جمعة حكمه بالتحفظ على أموال المتهمين، وفي التوقيت نفسه يُصدِر رئيس الجمهورية قراره بإحالة القضية للقضاء العسكري، فتحكم محكمة القضاء الإداري بعدم قانونية الإحالة، وتقبَل المحكمة الدستورية الطعن المقدَّم منا في تنازع محكمتين لقضيتنا؛ مما يستتبع قانونًا إيقافَ نظرِ الدعوى وإطلاق سراحنا.
ولكن لا يُلتفت إلى الدستور والقانون، وتستمر المحكمة العسكرية في نظر القضية وحبس المُدَّعى عليهم، وتنتدب نيابة أمن الدولة لجنةً ماليةً بإجراءاتٍ غيرِ قانونيةٍ لإثبات تهمة غسيل الأموال، وتقدم اللجنة تقريرها المالي إلى المحكمة العسكرية بعد 5 أشهر من تاريخ الاعتقالات، وتبدأ المحكمة في استدعاء شهود الإثبات من ضباط أمن الدولة وأعضاء اللجنة المالية واضعةً التقرير، فينكشف المستور من تزوير وافتراءات، فتقوم اللجنة المالية نفسها بإهدار تقارير التقييم، فتطلب المحكمة من نفس اللجنة كتابة تقرير مالي جديد يستر عوار التقرير الأصلي.
ولكن هيهات؛ فالتقرير الجديد كالقديم.. كله زورٌ وبهتانٌ، وأوهن من بيت العنكبوت، وتحاول المحكمة مرةً أخرى ستر التزوير بتعديل قرار الاتهام، فتسقط تهمتي القيادة والإرهاب.. والله أكبر ولله الحمد. هكذا كلما اشتد الإيذاء من الطغاة كلما كان الله لهم بالمرصاد، فيفضح هؤلاء المجرمين ويُنزِل ذلك بردًا وسلامًا على قلوب المؤمنين الصابرين، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: 58) "إن الله- تعالى- قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب" (من حديثٍ رواه البخاري).
ومن رحمة الله بنا صبرُ وصمودُ الآباءِ والأمهاتِ والزوجاتِ:
لقد كشفت هذه المحنة عن معادن رجالٍ ونساءٍ وشبابٍ وأطفالٍ؛ مما أثلج قلوبنا وأيقنت نفوسنا وعقولنا أن نصر الله آتٍ مهما انتفش الباطل؛ فهؤلاء الأمهات والآباء الذين جاوزوا الثمانين عامًا يأتون لزيارة أولادهم، متحملين النصب والتعب في سفرٍ طويلٍ أو مرضٍ مُقعِد، فترى أمًّا تفترش أرض صالة الزيارة لتنام قليلاً من أثر الإرهاق، وترى أخرى أصيبت بأزمتها القلبية، وترى ثالثةً مع زوجها، يسيران رويدًا متكئين على العصي.. فلكم الله، وتقبل منكم الدعاء لأولادكم بالفرج والنصرة وعلى الظالمين بالانتقام والهلاك والبوار.
ولقد كان صبر الزوجات على فراق الأزواج وتحملهن أعباءَ رعاية البيت والأولاد، بالإضافة إلى تلبية احتياجات الأزواج- في محبسهم- من طعامٍ وملبسٍ وما شابه، دون تقصير، وحضورهن جلسات النيابة ثم المحاكمات، وذهابهن للدفاع عن أزواجهن في المحافل والصحف والفضائيات، فإن هؤلاء الزوجات الصالحات المجاهدات صرن في قلوب أزواجهن وأولادهن والمجتمع من حولهن في قمم سامقةٍ من الحب والإجلال والتقدير.
ولقد أعدن بسيرتهن سيرةَ زوجاتِ وصحابياتِ رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، مثل خديجة وعائشة، وأم سلمة وأسماء وسمية- عليهن رضوان الله أجمعين- ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ (آل عمران: 195).
كما كشف الله لنا برحمته عن كنز ضخم يحمله قلوب وعقول ونفوس أولادنا الصغار، فكانوا بهمتهم العالية طليعةَ المتحركين لنصرة قضيتنا- قضية الإخوان المسلمين- فتراهم في وقفاتٍ ومؤتمراتٍ وندواتٍ، ويكتبون المدوَّنات ويخاطبون العالم، ويدلون بأحاديث صحفية وإذاعية وتلفزيونية، لا يهابون الناس ولا أضواء الإعلام والميكروفونات والكاميرات وكأنهم عاشوا حياتهم الصغيرة زعماءَ كبارًا ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ (الكهف: من الآية 82).
إن هذه القلوب النقية الطاهرة التي وقفت ساعات طويلة أمام نيابة أمن الدولة بمدينة القاهرة الجديدة، ثم في صحراء "الهايكستب" أمام المعسكر الذي به قاعة المحكمة العسكرية، كانت لنا دفئًا وحنانًا، أعانتنا على الصبر والثبات.
"اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبَّتك، والتقت على طاعتك، وتوحَّدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوَثِّق اللهم رابطتها، وأَدِمْ وُدَّها، واهدها سُبُلَها، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأَمِتْها على الشهادة في سبيلك".
تجربة زادتني إيمانا واقتناعا
أحمد محمد علي بليغ .. طالب بالفرقة الخامسة كلية طب الأسنان جامعة القاهرة
توقعنا اعتقال وسجن أبي بعد مجئ الأمن إلي منزلنا يوم 14/12/2006 وفتشوا المنزل ولم أكن ساعتها موجودا في المنزل.
أنا اكبر أخوتي وليس لي أعمام وأشعر بقدر المسئولية الملقاة علي عاتقي بعد سجنه لفترة طويلة خصوصاً وأن منزلنا يعيش به إضافة إلى والدتي وأختي الصغيرتين، وجدتي وعمتي والأسرة تعيش تجربه جديدة من نوعها علينا إذ أن هذه هي أول مرة يفارقنا أبي إذ لم يعتقل قبل ذلك . وجاء الاعتقال ليزيدني تمسكا بفكر أبي الإسلامي إيمانا واقتناعا بل وجعلني أكثر حبا لأن أعيش في هذه البلد وطرد من مخيلتي كل فكرة للسفر لأن هذه البلد في حاجة لأبنائها المخلصين ولابد من وجود من يدفع ضريبة حرية هذه البلد .
ولكنني أعود وأفكر في وضع والدي الذي قضي عشرين عاما من حياته يدرس في تخصصه وعندما أصبح أستاذ دكتور منذ خمسة أعوام وفي أوج فترة عطاءه هو وخالي الأستاذ الدكتور محمود أبو زيد ... فعندما يصلان لهذه المرحلة من الأستاذية التي هي حلم كل طالب مجتهد هل يكافأهم النظام باعتقالهم ويحرم البلد من خدماتهم؟
هذا دعاني إلى التفكير في السؤال: لماذا لم يسافر أبي ويترك هذا البلد الذي لا يقدر علمه وقد تمكن من السفر قبل ذلك وكثيرون في الخارج يطلبونه وكانت ستتوافر له دخول أعلي؟
إن أبي قرر عدم السفر وألا يترك هذا البلد لإحساسه بواجبه في الإصلاح ودوره في العطاء له.
ما أود أن أقوله إن هذه الفترة التي حبس فيها والدي ومن معه لن تكون مجرد سنة أو سنتين بل ستكون في الآخرة أعواما طويلة من النعيم والأجر.
ورسالتي لأبي هي أنني قادر علي تحمل المسئولية وأنا علي طريقك إن شاء الله .. أما رسالتي لأمي فهي أنك صابرة فجزاك الله كل خير علي صبركس.
قسما .. لن أنسى
ستمضي الأيام..ستنتهي القضية..سيكون للأمر نهاية..وربما تذهب هذه القصة من عقول أصحابها..ذلك أن الدنيا تنسي.. لكن لن أنساها.. هذه الأيام التي عشنا حلوها ومرها معا وهذه الأماكن التي شهدت هذا الظلم هي الأخرى لن تنسي..اقسم بالله لن أنسي..
ونحن لن نكره هذا الوطن برغم أن أول ما رأيناه منذ نعومة أظافرنا الظلم ومحاولة القهر ولكن هذا زاد من شعورنا بالمسئولية تجاه هذا البلد وكيف انه يحتاج إلينا لسوء أحواله وظلم مسؤوليه؟
فقط سجنوا أبي والرجال الآخرين لأنهم أرادوا الإصلاح كأي مواطنين يشعرون بالانتماء لبلد ويريدون أن يقدموا إليه شيئا عظيما.
إن أي مواطن يفعل أي شئ كهذا لبلده لابد أن يلقي تكريما من بلده ومن حكومتها غير أننا وجدنا غير ذلك وكانت كلمة الشكر هي السجن في بلد يدعون فيها أنهم يحترمون الديموقراطية وحرية التعبير. وأخيرا .. إليكم بعض الكلمات التي سمعتها من أطفال المعتقلين تعبيرا عن شعورهم المرير: - سلمان أيمن عبد الغني: كنا قاعدين في العربية وأخدوا بابا وحبسوه وأمن الدولة جه أخدوه واحنا قعدنا نعيط.
- ياسمين محمد حافظ: أمن الدولة زي الشريرين حبسوا بابانا!
الباب السابع: أحكام المحكمة العسكرية مقارنة بالأحكام السابقة
الفصل الخامس عشر: الأحكام العسكرية- الدلالات والأهداف
أصدرت المحكمة العسكرية بحق عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين أحكاما بالسجن، مدداً تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات مع براءة البعض... وجاءت هذه الأحكام بعد سلسلة من الضربات الأمنية المتتالية منذ فوز الإخوان بثمانية وثمانين مقعدا في الانتخابات البرلمانية 2005 وهو ما أدي إلى مزيد من الاحتقان ليس في العلاقة بين الدولة والإخوان فحسب وإنما في الساحة السياسية ككل.
ومن المفارقة أن الإخوان قد طالتهم الضربات الأمنية أكثر من غيرهم وتعرضوا لهذه المحاكمة غير العادلة رغم ظهور قوى أخرى على الساحة السياسية وتمثلت في الحركات الشعبية وناشطي الإنترنت الذين نجحوا في التأثير في الشارع المصري ومعارضة سياسات النظام الداخلية والخارجية.
هذه العلاقات الشائكة بين الدولة والمعارضة السياسية عموما وبينها وبين جماعة الإخوان المسلمين خصوصا تدفعنا إلى قراءة الأحكام العسكرية الأخيرة من حيث دلالتها وأهدافها حتى لا تقرأ بطريقة سطحية وغير صحيحة تقف عند ظاهر النص دون الغوص في البواطن والمعاني.
ونبدأ أولاً بذكر الأحكام بحق نخبة من الإصلاحيين ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات حيث أصدرت المحكمة العسكرية بثكنة الهايكستب بعد مد أجل الحكم مرتين ومن قبله ماراثون طويل من الجلسات أحكامًا بالسجن لمدة 10 سنوات لخمسة من الإخوان المحالين للقضاء العسكري وأحكامًا بالسجن لمدة 7 سنوات لاثنين وأحكامًا بالسجن لمدة 5 سنوات لخمسة آخرين وأحكامًا بالسجن لمدة 3 ل 13 وبراءة 15 آخرين.. وحصل على حكم بالسجن10 سنوات (غيابيا) كل من :
1. المهندس/ يوسف مصطفي علي ندا.
2. السيد/ علي غالب محمود همت.
3. الدكتور/ ابراهيم فاروق محمد الزيات
4. الأستاذ/ فتحي احمد حسن الخولي.
5. الدكتور/ يوسف توفيق علي يوسف المتعايش وشهرته يوسف الواعي
وحصل على حكم بالسجن 7 سنوات كل من:
1. المهندس / محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر
2. المهندس/ حسن عز الدين يوسف مالك.
أما من حصل على حكم بالسجن لمدة 5 سنوات فهم:
1. المهندس / أحمد محمود أحمد شوشة
2. السيد / صادق عبد الرحمن صادق الشرقاوي
3. الدكتور/ احمد محمد محمد عبد العاطي (غيابيا)
4. المهندس / أسعد محمد أحمد الشيخة (غيابيا)
5. المهندس / أحمد أشرف مصطفى عبد الوارث
وحصل على حكم بالسجن ثلاث سنوات:
1. الدكتور / محمد إسماعيل علي بشر.
2. الدكتور / فريد علي أحمد جلبط.
3. المهندس / ممدوح أحمد عبد المعطي الحسيني.
4. الدكتور /ضياء الدين السيد عبد المجيد فرحات
5. الأستاذ الدكتور / صلاح الدسوقي عامر مراد
6. السيد / فتحي محمد بغدادي علي محمد
7. م المهندس /أيمن أحمد عبد الغني حسانين
8. الدكتور /عصام عبد المحسن عفيفي محمد
9. د الدكتور / محمود أحمد محمد أبو زيد
10. السيد / مصطفى محمد محمود سالم
11. الدكتور / عصام عبد الحليم إبراهيم حشيش
12. م المهندس / مدحت أحمد محمود الحداد
13. السيد / سيد معروف أبو اليزيد مصبح
فيما حصل على البراءة كل من:
1. المهندس / أسامة عبد المحسن عبد الله شربى
2. الدكتور / أمير محمد بسام النجار
3. السيد / أحمد عز الدين أحمد محمد الغول
4. المهندس / محمود المرسي محمد قورة
5. السيد / جمال محمود شعبان السيد
6. السيد / ياسر محمود عبده علي
7. السيد / محمود عبد اللطيف علي عبد الجواد
8. د الدكتور / عبد الرحمن محمد محمد سعودي
9. المهندس/ أحمد أحمد أحمد النحاس
10. السيد / سعيد سعد علي عبده
11. السيد / محمد مهنى حسن موسى
12. الدكتور / محمد محمود حافظ محمد
13. الدكتور / خالد عبد القادر علي عودة
14. الدكتور / محمد علي محمد بليغ
15. السيد / حسن محمد أحمد زلط
15 – 1 من دلالات الأحكام:
لعل أول هذه الدلالات تتمثل في غياب الثقافة السياسية التي تتسامح مع المعارضة السياسية وتعتبر قوى هذه المعارضة جزءا من النظام السياسي وليس منافسا له أو بديلا عنه:
ومن المفارقة أن الشيوعيين المصرين رغم أنهم يمتلكون فلسفة بديلة كليا للنظام السياسي إلا أن النظام السياسي لم يعتبرهم خطرا عليه أو يعمل على استعمال آليات الضبط القهري تجاههم وكثير من اليساريين خرجوا من السجون في العهد الناصري إلى كثير من المناصب في أجهزة الثقافة والإعلام وغيرها.
أما جماعة الإخوان المسلمين فإنها لم تطرح نفسها بديلا للنظام القائم وكل ما تقوم به سواء في العمل الدعوى أو النشاط السياسي يتمثل في الدعوة إلى الإصلاح وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وتطبيق القيم الإسلامية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
غير أن النظام السياسي لديه قناعة بأن الجماعة لديها أجندا بديلة بدءا من الفلسفة وانتهاء بالقيادة وأهم من ذلك أن لهم حجمهم ووزنهم وتأثيرهم في الشارع السياسي المصري وهذا ما يولد حساسية دائمة بين النظام الحاكم والنخبة السياسية على اختلاف توجهاتها وأشخاصها من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى ويجعلهم متخوفين من مجرد طرح كلمة الديمقراطية على اعتبار أن المشاركة السياسية في ظل إشراف قضائي لا يعني سوى سقوط رموز الحزب الحاكم أمام مرشحي الإخوان.
وفي الوقت الراهن يبدو أن النظام السياسي ينكر حق جميع أطياف المعارضة في العمل السياسي ولا يؤمن بذلك إلا لمن قبل بالعمل داخل المساحة الممنوحة له وفي إطار التنسيق والتحالف مع الدولة أما الراغبون في الاستقلالية فإنهم يواجهون ببيئة سياسية ومدنية معوقة حيث يقوم النظام السياسي بتفكيك وإضعاف القوى السياسية ويصدر قوانين مقيدة للنشاط الأهلي وعمل النقابات والاتحادات الطلابية ... إلخ.
أما الحرية المعطاة لمؤسسات المجتمع المدني وخصوصا فيما يتعلق بعملها في مجال تعزيز المشاركة السياسية وثقافة حقوق الإنسان والتعليم والإعلام فقد يتصور النظام السياسي أنها تفيد علاقاته الخارجية من زاوية تجميل الوجه الديمقراطي له مع العمل في نفس الوقت على ضبط عمل هذه الجمعيات بالوسائل القانونية والأمنية في إطار سياسة الخل والعسل – الترغيب والترهيب.
وثاني هذه الدلالات أن هذه الأحكام قد دفعت بعض المحللين والباحثين إلى اعتبارها مؤشر على سعي النظام السياسي إلى تغيير المعادلة القائمة في العلاقة بين الطرفين بما عينى أن القضية عموما تمثل تحولا استراتجيا في العلاقة باتجاه مزيد من التصعيد وربما التفكير في تبني سيناريو جديد عنوانه الاستئصال!
ومن المعروف أن العلاقة بين الدولة في ظل نظام ثورة يوليو وبين الجماعة قد مرت بفترات مختلفة حيث تبنى النظام الناصري سياسية يمكن أن نطلق عليها عنوان: "تكسير العظام" وتبعها مرحلة من الحرية والتسامح في عهد الرئيس السادات مع رفض إعطاء الجماعة ورقة المشروعية القانونية أو السماح لها بتكوين إي إطار قانوني.
وفي عهد الرئيس مبارك اتبعت الدولة سياسة التحجيم لا الاستئصال والتي أخذت أشكال عديدة أهمها سياسة الاعتقالات والضربات الأمنية الإجهاضية، والوسائل القانونية لمنع تواجدهم في النقابات والاتحادات والجمعيات وبالتالي رفض العمل السياسي والأهلي للجماعة عموما والعمل الدائم من أجل تحجيمه.
وأثناء انتخابات عام 2005 التي جرت تحت الإشراف القضائي برز حجم التعاطف الشعبي مع الجماعة والذي أضيف إلى الرفض الشعبي لرموز الحزب الوطني والإشراف القضائي ليحقق صعودا سياسيا تاريخيا للجماعة مقارنة مع جميع أحزاب المعارضة السياسية وهو ما دفع النظام السياسي إلى تغيير سياسته مع الجماعة وإرسال رسالة لها مفادها أن ما حدث لن يغير شيئا فيما يتعلق برفض إعطاء ورقة المشروعية القانونية للجماعة والسماح لهم بالعمل السياسي.
وفيما اعتبر فريق من المحللين أن سماح الدولة للإخوان بالفوز بهذا العدد الكبير في انتخابات 2005 وغض الطرف عن دعايتهم الانتخابية التي أعلنوا فيها صراحة أنهم (الإخوان المسلمين)! كان يعكس الرغبة في تحقيق أهداف معينة للدولة مثل معرفة حجمهم وتأثيرهم الحقيقي، وتخويف قوى وطوائف معينة في المجتمع المصري منهم فإن ذلك لا ينفي حقيقة أن ما أنجزته الجماعة عام 2005 يعكس قدرتها على العمل المنظم والنمو الطبيعي الذي يعد نتاج كفاح طويل – رغم جميع المعوقات والضربات - عبر الاتحادات الطلابية، والنقابات المهنية، والعمل المدني والاجتماعي.
وقد أدى هذا الصعود السياسي للجماعة إلى وجود مخاوف من قوتهم، والتفكير في إعاقة تحولهم إلى قوة معارضة كبيرة، مع رفض أي وجود رسمي يمكن أن يضفي عليهم صفة الشرعية.. وفي هذه الأجواء تم إحالة قيادات الإخوان إلى المحاكمة العسكرية وإصدار تلك الأحكام القاسية بحقهم.
وفيما يتعلق بالقول أن هذه الأحكام تمثل تحولا إستراتيجيا في العلاقة وسعيا لتبني نموذجا إستئصاليا فإن نجاح إتباع هذا الأسلوب مع الجماعة الإسلامية وتيار الجهاد اللذين مارسا العنف كآلية للتغيير في عقد التسعينيات من القرن الماضي لا يمكن أن يكون دافعا من أجل تكراره مع جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أنها تمتلك قواعد اجتماعية أكبر نسبيا ولا يتسم منهجها بالعنف نظرا لأن منهجها التغييري يتسم بالعمل السياسي والاجتماعي السلمي الذي وفر لها قاعدة شعبية في جميع طبقات المجتمع.
ورغم أن النظام السياسي يتبنى الأساليب القمعية تجاه قوى المعارضة عموما فإن هناك قيودا لإتباع مثل هذا النموذج الإستئصالي تجاه الجماعة وربما يكون عاجزا عن ذلك نظرا لأن إخفاقه في معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية والذي أدى إلى أزمة الشرعية وإتباع القمع هو نفسه السبب الذي يقف وراء كبح جماحه عن إتباع ذلك النموذج رغبة في وقف انفجارات الغضب الشعبي.
بعبارة أخرى: إن النظام السياسي لا يمتلك القدرة على إتباع نموذج استئصالي نظرا لاتجاهات الإخوان السلمية وتحركهم تحت مظلة الشرعية الدستورية والقانونية وتبنيهم لمنهج وسطي معتدل بعيدا عن الغلو والعنف ونجاحهم في دخول كثير من مؤسسات المجتمع وقيادتها بنزاهة.
أما ثالث هذه الدلالات فيتمثل في التعامل مع الإخوان كملف أمني وليس سياسي فالنظام السياسي وإن كان يُقرُّ ببعض المظاهر والأشكال للتعبير عن الرأي العام على مستوى الشعار السياسي والمبدأ القانوني والنظامي، خاصةً في ظل خطابه الرسمي حول تحوله للديمقراطية.
فإنه من الناحية العملية والواقعية يسعى إلى استيعاب مظاهر التعبير وتقليص الآثار التي يمكن أن تحققها إلى أدنى حدٍّ ممكن، كما يسعى إلى حصارها كي لا يتحول الرأي العام فعليًا إلى أداة من أدوات تغيير المعادلات الأساسية للأوضاع القائمة.
ومنذ بدأ الإخوان حركتهم المطالبة بالإصلاح والديمقراطية منذ العام 2004 ثم صعودهم السياسي عام 2005 اعتبر النظام أنهم قد تجاوزوا الخط الأحمر، رغم أنهم لم يقصدوا الإخلال بالنظام ويعتبرون أن استقرار البلاد خطا أحمر.
لكن النظام لديه إرث طويل في استعمال العنف لكسر شوكة المعارضة وإضعافها وتمثل ذلك في زيادة معدل الضربات الأمنية للجماعة بدءا من منتصف عام 2006 ثم طوال العام 2007 وتخلل هذه الفترة الزمنية القبض على طلاب الأزهر وقيادات الإخوان وتحويل هذه القيادات إلى المحاكمة العسكرية. ويعكس إتباع الأسلوب الأمني في التعامل مع الجماعة الفشل في امتلاك تنظيم سياسي حقيقي يقود التحول السياسي الديمقراطي في البلاد مما يجعله يستند إلى قوة الدولة وخصوصا القوة الأمنية في مواجهة الأطراف التي يتصور أنها تنافسه أو تكون بديلا عنه.
وفي هذا السياق وضع النظام السياسي الجميع في ورطة بعد أن أجرى تعديلات دستورية قلصت من شرعيته السياسية وضربت التحول الديمقراطي في مقتل نظرا لأنها لم تقترب من منطقة تداول السلطة وأنهت الإشراف القضائي على الانتخابات.
كما رفضت قوى المعارضة معظم هذه التعديلات على أساس أنها لم تعزز من صلاحيات السلطة التشريعية وأبقت على الاختصاصات الضخمة للسلطة التنفيذية كما أنها لم تأخذ بعين الاعتبار مطالب فئات هامة في المجتمع مثل القضاة والصحفيين، ومست هذه التعديلات كذلك بأوضاع العمال والموظفين في دولة لديها جهاز بيروقراطي قوي.
وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين فإنها استهدفت تجفيف السياسة منهم في المستقبل من خلال إسقاطهم في أي انتخابات مقبلة بعد إنهاء الإشراف القضائي وهو ما ظهر بوضوح في انتخابات المحليات التي أجريت قبل أيام من صدور الأحكام، إضافة إلى حرمانهم من تشكيل حزب سياسي يصحح وضع الخريطة الحزبية في البلاد والتي يختفي فيها أي تمثيل سياسي للمكون الإسلامي بالمجتمع.
وبدلا من توفير رؤية متكاملة لحل معضلة الإخوان السياسية يبدو أنه تم تأجيل التفكير في هذا الأمر رغم أولويته الملحة وتأثيراته على التطور الديمقراطي في البلاد وتم تحويل مجموعة من الإخوان إلى القضاء العسكري وصدرت تلك الأحكام القاسية مما يعني رفض النظام السياسي لوجود دور فاعل للجماعة في المجتمع وساحاته المختلفة والعمل على إعاقة هذا الدور من خلال تغييب شريحة معينة يرى النظام أن غيابها سيشل حركة ونشاط الجماعة على الأقل لسنوات.
ويقودنا ذلك إلى رابع هذه الدلالات حيث تعكس هذه الأحكام رؤية مبسطة مفادها العمل على إغلاق مساحات العمل والفعل السياسي والاجتماعي أمام الجماعة في مقابل اعتماد علاقة "الحل الوسط" ومؤداها ألا تطالب الحكومة بإلغاء أو إبادة الإخوان، وألا يسمح لهم بتواجد رسمي.
وهذه الرؤية ترتكز على تصور من جانب النظام السياسي أن الإخوان هم تيار حقيقي وموجود بالشارع وله ثقله، ولكنه يكتفي بتحجيمهم ولا يسعى لإلغائهم، وبالتالي فإن لديه تخوف من قوتهم، ومن ثم فهو لا يسمح لهم بالتحول إلى قوة كبيرة أو وجود رسمي، وليس هناك أي أمل أن يضفي عليهم صفة الشرعية خصوصا وأنه يدرك جيدا حجم الإخوان، ولديه من المؤشرات ما يساعده على ذلك.
كما ترتكز على تصور آخر يتمثل في أن أي قوة معارضة وخصوصا جماعة الإخوان لا يسعون للمشاركة من أجل الصالح العام وإنما من أجل مصلحتهم فضلا عن سعيهم للحصول على السلطة ويساعد في تكريس ذلك التصور وجود ما يسميه البعض "الرسائل الزائفة" المتبادلة بين الطرفين، حيث يصل إلى النظام السياسي رسالة مفادها أن الجماعة "طلاب سلطة" وأنهم يسعون إلى الوصول للحكم بالوسائل الديمقراطية، ويعدون أنفسهم كبديل للنظام، في المقابل، يصل إلى الجماعة رسالة مفادها أن النظام تابع لأطراف خارجية وينفذ أجندتها ويسعى لإضعافهم بكافة الوسائل المتاحة.
15 – 2 أهداف سياسية وأمنية:
من الملاحظ وجود انقسام حول أهداف تحويل قيادات الإخوان إلى المحكمة العسكرية وإصدار مثل تلك الأحكام القاسية بحقهم حيث يوجد فريقين في هذا الشأن:
الأول: يرى أن هذا التصعيد لا يعني انتقال المواجهة من (المحدودة) إلى (الشاملة)، وإنما يعني أننا وصلنا لِـما يمكن أن نسميه (النقطة الحرجة) أو (المستوى الأعلى) فى أسلوب (المواجهة المحسوبة)، والتي يعني – أي تصعيد بعدها - الانتقال إلى إستراتيجية أخرى.
وخطورة هذه النقطة الحرجة أنها يمكن أن تؤدّي إلى تصعيد غير محسوب، وذلك لوجود ارتباك وحالة من الغليان لدى القواعد الشابة بالجماعة، فقد يحدث بصورة تلقائية دون موافقة القيادات، التي لا ترغب فى توسيع المواجهة، وتحُـول دون انشقاق مجموعات من شباب الجماعة، رافضة لفكرة الصبر الجميل وتحتفظ بحق الرد، وهو ما يمكن أن يجُـر إلى ما لا يحمد عقباه.
الثاني: ويذهب إلى أنه لا توجد مواجهة أمنية شاملة أو مخطط أمني لاستئصال الجماعة. وفيما يتعلق بالحملة الاقتصادية، التي استهدفت كيانات اقتصادية إخوانية فإنها ليست بالأمر الجديد ، فقد سبق وأن وجّـهت الحكومة في التسعينيات، ضربات مماثلة، طالت عدّة مؤسسات اقتصادية، أبرزها شركة (سلسبيل)، التي يمتلكها المهندس خيرت الشاطر.
ويستبعد هذا الفريق حدوث صِـدام موسع، على اعتبار أن الدولة تعلَـم جيداً أن الصِّـدام الشامل خطر على أمن مصر، وأن جهاز الأمن يقدر خطورة الصِّـدام مع تنظيم كبير كالإخوان، ينضوي تحته مئات الآلاف من الأعضاء والأنصار ينتشرون على مستوى الجمهورية، فضلاً عن أن الوقت غير مناسب تماماً، وهناك نظرية أمنية تقول إنه من الخطأ القضاء على تنظيم قوي ومُـتماسك مرة واحدة، حتى لا يتفكّـك وينشطر لعدة مجموعات (سرية) يصعُـب السيطرة عليها.
وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال التالي: ما هي أهم أهداف النظام السياسي من هذه الضربة القوية ضد الإخوان؟
يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال تتبع حملة التحريض السياسي والإعلامي ضد الجماعة والتي لم تتوقف بدءا من أحداث الأزهر وحتى ما بعد صدور الأحكام فالجماعة واجهت حملة إعلامية تحريضية غير مسبوقة، فبينما كانت أخبار الإخوان تنشر خلال ربع القرن الأخير في صفحة الحوادث، فإن أخبارها – السلبية - تتصدّر اليوم "المانشيتات" الرئيسية للصحف، الحكومية فضلا عن بعض الحزبية والمستقلة.
ويقصد بالحملة الإعلامية: الاستخدام المخطط لمجموعة متنوعة من الوسائل الاتصالية والأساليب الإبتكارية لحث المجتمع عامة وبعض فئاته بشكل خاص لقبول فكرة أو أفكار وتبنيها ودعمها.
ومنذ سنة 1992 لم تتوقف الحملات الإعلامية الحكومية تجاه الإخوان بهدف تشويه أهداف الجماعة وهدم الجسور بينها وبين المجتمع عموما وبينها وبين النخبة على وجه التحديد، أما الحملة المصاحبة للقضية العسكرية فإنها تسعى إلى ترسيخ بعض العناصر السلبية في أوساط الرأي العام عن الجماعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- أن صعود الجماعة يهدد فئات كالأقباط والمرأة بل يهدد الأمن المصري من خلال تكرار النموذجين الفلسطيني والجزائري في البلاد،
- الضغط من أجل قضايا الأمة وقضايا الإصلاح له أهداف خاصة بالجماعة فقط فضلا عن أنه استعراض للقوة،
- أن الجماعة لا تحترم القضاء وخصوصا القضاء العسكري الشريف!،
- أنها تدار داخليا بطريقة غير ديمقراطية مما أدى إلى تعدد مراكز القوي ووجود انقسامات داخلية كثيرة،
- أنها تسعى لـ(التمكين) من خلال دراسات عن تغيير الأنظمة في العالم والتهيئة لطرق جديدة للتغيير (العنف) وعمل اضرابات،
- أنها تسعى إلى مخاطبتها للدولة من أجل الحصول على مزايا سياسية دون الأحزاب الأخرى.
- أن نزولهم إلي الشارع يمثل اختراقا للنظام العام وعليهم أن يتحملوا نتائجه،
- إذا أراد (الإخوان) إنشاء حزب، فعليهم حل الجماعة، بمعني حل البنية التنظيمية المتطرفة الأصولية،
- تبرير حملات الاعتقال والمحاكمة بأن الجماعة اعتادت كسر النظام العام للدولة وهي محظورة بنص القانون وكل ما تقوم به خارج عن القانون،
- أنهم يحملون أفكاراً متطرفة ولا توجد لديهم (هيكلة ديمقراطية) ولا تقبل بوجود أقباط ونساء في عضويتها،
- أن الجماعة تهدد النظام العام والاستقرار بأعمالها غير المشروعة داخليا وإقليميا.
وبناء عليه يمكننا القول أن هناك أهداف سياسية وأمنية تقف وراء المحاكمة العسكرية الأخيرة وأهمها:
أولا: على المستوى السياسي: سعي النظام السياسي إلى وقف نمو الجماعة الذي أصبح يشكل منافساً للنظام القائم، وقد يرى فيه البعض بديلاً مطروحاً، في مرحلة ما بعد الرئيس حسني مبارك. ولذلك قررت الأجهزة الأمنية تشديد ضرباتها للجماعة لشل حركتها وتقويض بنيانها، بما يضعفها ويخرجها من دائرة البدائل المرشحة.
ويضيف البعض أن هذه الضربات متزامنة مع تجدد الحديث وتواتره حول توريث السلطة، وقد اعتبر أن وجود محاكمة عسكرية للجماعة يعد من مقتضيات تمهيد الطريق.
ثانيا: من المنظور الأمني: يتعلق الأمر بكلمة واحدة هي "التنظيم" وفي هذا الإطار يقول وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب في مقابلة مع موقع سويس إنفو إن: "الإخوان تنظيم سري محظور، ممنوع بحكم القانون من ممارسة العمل السياسي" ويسعى إلى تبرير وجود الجماعة في المجتمع المدني والبرلمان قائلا: " عندما نقول إنها "جماعة محظورة"، فإننا نعني أن وجودها غير قانوني، وهذا أمر واقع، وحتى يتغيّـر، فلابد أن نعترف جميعاً بأنها جماعة محظورة تمارس العمل بشكل غير قانوني، وبالتالي، يُـحظر عليها ممارسة العمل السياسي، ووجود عناصر لها بالجامعات أو النقابات أو النوادي، لا يبرر وجودها غير القانوني... أما عن وجودها بالبرلمان بهذا العدد، فمصر دولة يحكمها القانون والدستور، وعندما فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية عام 2005، ترشح بعض عناصر هذه الجماعة المحظورة كأفراد مستقلين، لأنهم بحكم أنهم مواطنون مصريون، يمنحهم الدستور حق الترشح والانتخاب".
ويضع شروطا "فضفاضة" لعمل الجماعة السياسي وتتمثل في: حل الجماعة، والقبول بالنظام السياسي القائم، والانضواء تحت أحد الأحزاب القائمة، وتنحية الدين من خلال عدم إقحامه في لعبة السياسة – على حد تعبيره.
وخلاصة القول: أن ثمة سياسات «ممنهجة» من جانب السلطات يجري تنفيذها بحق الجماعة منذ فوزها في الانتخابات البرلمانية عام 2005 تعكس وجود تيار إقصائي يسعى إلى ضمان عدم دخولها طرفاً مؤثراً في ترتيبات ما بعد الحقبة الراهنة باعتبارها التهديد الأكبر لمصالحه.
وهذا لا يعني سوى أن النظام السياسي لا يريد أن يتخطى حدود النهج الأمني في معالجة ملفها ويصر على التعاطى مع «الإخوان المسلمين» بوصفهم كياناً محظوراً، تجب ملاحقته بلا هوادة، رغم كونها (الجماعة) التي تحتكر صفة المعارضة الرئيسية في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود.
الفصل السادس عشر: الأحكام العسكرية (1995 – 2007) .. رؤية تحليلية مقارنة
يستخدم النظام السياسي المحاكمات العسكرية – بشكل عام – كوسيلة لإدارة أزماته مع معارضيه السياسيين, وفيما يتعلق بسياسة المحاكمات العسكرية ضد الإخوان فإن تحليلها والتعرف على أهدافها ودلالاتها السياسية يقتضي وصفها في السياق العام للعلاقة بين الطرفين مع الأخذ في الاعتبار طبيعة التطور في سياسات النظام وفي الإخوان المسلمين.
وبشكل عام تقوم نظرة النظام السياسي للمحاكمات العسكرية على أنها وسيلة تحقق الاستقرار السياسي عن طريق إزاحة المنافسين وتقليل شعبيتهم وتشويه صورتهم لدى الجماهير.
وفي هذا السياق يمكن تحليل أهداف ظاهرة المحاكمات العسكرية ضد الإخوان المسلمين, والتي يتم تناولها في النقاط التالية:
16 – 1 إجهاد النخبة القيادية للإخوان المسلمين
من خلال تحليل تركيبة من صدرت بحقهم أحكام عسكرية, يتضح أنه من أهداف المحاكمات العسكرية إجهاد نخبة الإخوان وحبسها عن النشاط الفكري والسياسي والاجتماعي لأطول فترة ممكنة, فإنه بالنظر إلى تركيبة المحالين على المحاكمة العسكرية, يلاحظ أن هذه المجموعات تضم علماء وباحثين ومهنيين, وبالتالي فإن هذه التركيبة تعكس طبيعة القيادية أو النخبوية ليس فقط على مستوى تنظيم الإخوان المسلمين ولكن أيضًا على المستويين السياسي والاجتماعي, وهذا ما ينطبق بشكل على كل المحاكمات العسكرية لأعضاء الإخوان والتي أجريت منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي وحتى المحاكمة الأخيرة ( 3 / 2007 ) والتي صدرت أحكامها في أبريل عام 2008.
ومن خلال قراءة الأحكام الصادرة بحق أعضاء الإخوان, يلاحظ وجود علاقة وثيقة بين مدة العقوبة وبين المستوى التعليمي؛ فالعقوبة القصوى والتي كانت في غالبها لا تتجاوز الخمس سنوات طبقت بحق أساتذة الجامعات بشكل أساسي, وذلك إلى جانب ذوي النشاط القيادي الملموس في الإخوان المسلمين, وهذا التوجه في المحاكمات العسكرية ظل قاعدة في المحاكمات العسكرية التي أجريت خلال الفترة 1995 – 2008, ويضاف إلى ذلك صدرت بحقهم أحكام بخمس سنوات كانوا ينتمون إلى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات أو المؤثرين في نشاط الإخوان.
وهذا لا يعني التقليل من أثر الأحكام الأخرى والتي استقرت عند مستوى الثلاث سنوات, فهذه العقوبة صدرت بحق أعضاء من الإخوان المسلمين يقومون بأنشطة مهمة وذات بعد اجتماعي وسياسي وهم من حيث تركيبتهم العلمية والمهنية لا يختلفون عن الفئتين السابقتين.
وإذا كان المحاكمات في الفترة من 1995 – 2001 قد استقرت على مستوى من الأحكام لا يتجاوز الخمس سنوات فإن المحاكمة الأخيرة تجاوزت هذا السقف وصعدت العقوبة إلى مستوى سبع سنوات وعشر سنوات, بالإضافة لتوسعها في عقوبة الخمس سنوات.
هذا التوجه يمكن اعتباره تطورًا نوعيًّا في سياسات النظام الساعية لإجهاد النخبة القيادية للإخوان المسلمين, وخاصة تلك النوعية النشطة والتي تعمل بشكل أساسي على تطوير سياسات وبرامج عمل الإخوان. فإجهاد النخبة القيادية يعد من الأهداف العامة للمحاكمات العسكرية, وهذا ما يتضح من خلال التصنيفيين التاليين:
- غالبية من صدر بحقهم العقوبات القصوى, قاموا بدور في تطوير البناء الفكري والتنظيمي للإخوان.
- تكرار صدور أحكام بحق بعض من القيادات, فقد صدرت أحكام ضد المهندس خيرت الشاطر في 1996 بخمس سنوات, ثم حكم عليه بسبع سنوات في 2008, وأيضًا د. محمد بشر والذي حكم عليه في 1996, 2008 بالحبس ثلاث سنوات في كل منهما.
وسياسة الإجهاد يمكن قراءتها في السياق العام لسياسة النظام تجاه نخبة الإخوان حيث أنها لم تكن قاصرة على المحاكمات العسكرية فقط وإنما سياسات الاعتقال للقياديين والناشطين أيضا, التي يتطابق دورها مع دور المحاكمات العسكرية في حبس القياديين فترة المحاكمات منذ 1995، وهو يعني أن أثر الاعتقالات لا يقل أهمية عن سياسة المحاكمات العسكرية.
16-2 من إجهاد النخبة لتقويض الاقتصاد السياسي للإخوان
لقد سعى نظام الحكم لتطوير سياسة جديدة لإجهاد الجماعة بشكل عام وليس إجهاد النخبة القيادية بحد ذاتها, وقد تأسست هذه السياسة على أن استنزاف القدرات المالية للجماعة يؤدي مباشرة لخفض نشاطها وفاعليتها على المستويين؛ الداخلي والخارجي.
تضمنت المحاكمة العسكرية الأخيرة الجوانب المالية لأعضاء الجماعة ووضعت ممتلكاتهم وأموالهم تحت الحراسة, وقد حدث ذلك للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بين نظام الحكم والإخوان المسلمين في فترة ما بعد ثورة يوليو 1952, وهذا ما يعني أن النظام يرى أن العلاقة مع الإخوان وصلت لمستوى الأزمة السياسية, والتي تتطلب وضع حد لتنامي الدور السياسي والاجتماعي للإخوان.
وقد تأسست هذه الخطوة – التي يمكن اعتبارها نوعية وتقعيدية – على عدة افتراضات تتضافر جميعها لتقويض القدرات الذاتية للإخوان المسلمين كجماعة وأفراد. وهذه الافتراضات هي:
1- يقوم الافتراض الأول على أن تنامي المشروعات الفردية والخاصة لأعضاء الإخوان, ينعكس بشكل إيجابي على نشاط الإخوان كجماعة, وذلك بما ينتجه من مساهمة في توفير الدعم المباشر أو اللوجستي للنشاط العام.
2- ويقوم الافتراض الثاني على أن ضم بعض قيادات الإخوان المقيمين في الخارج يضعف ليس فقط الإمكانات المالية ولكن أيضًا يقلل من دورهم في توفير الإسناد السياسي للإخوان داخل مصر.
3- أما الافتراض الثالث, والذي يعتبر هدفًا مباشرًا, يتمثل في منع رجال أعمال الإخوان من تطوير حجم مشروعاتهم, أو إقامة شركات أو تحالفات اقتصادية أو تجارية مع شركاء آخرين, وتأتي هذه السياسة في إستراتيجية عزل الإخوان عن الأدوار السياسية والاجتماعية, حيث يعتبر النظام أن إقامة مثل هذه الشركات يساهم في بلورة الإخوان ككتلة اقتصادية متداخلة مع النظام الاقتصادي, وهذا ما يعتبره تهديدًا مباشرًا لقدراته في السيطرة والتحكم.
4- ويأتي الافتراض الرابع في سياق الإطار العام للعلاقة بين الطرفين, حيث يعتبر النظام أن إفقار الإخوان المسلمين على المستوى الفردي يثبط مساهماتهم السياسية والاجتماعية, كما يساهم في خفض الترابط الداخلي بين الإخوان, وفي هذا السياق فرض سياسة الكفالات المالية للإفراج عن المحبوسين احتياطيًّا منذ بداية العقد الحالي, كسياسة استنزاف لقدرات وإمكانات الإخوان كجماعة.
ومن المفارقة أن هذه المجموعة من الافتراضات جاءت في سياق مجموعة من السياسات الساعية للتحول السياسي والاقتصادي والتي تتضمن التوسع في الحريات والتحول الديمقراطي والتوسع في القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة كأساس للنظام الاقتصادي الجديد.
16 – 3 تحول سياسي واقتصادي بدون الإخوان:
وهكذا يمكن قراءة سياسة المحاكمات العسكرية للإخوان والتي جرت في عهد الرئيس مبارك في ضوء سياسات التحول السياسي والاقتصادي التي تم الترويج لها, فإذا كانت هذه السياسة تقوم على توسيع فرص الحريات السياسية والتعددية ودعم النشاط الاقتصادي الخاص وتقليل تدخل الدولة بشكل عام, فإن سياسات النظام تجاه الإخوان تأخذ اتجاهًا معاكسًا لأهداف هذه السياسات.
هذا التناقض يكشف عن استراتيجية النظام في تقويض أي دور سياسي محتمل للإخوان في النظام السياسي, ويتضح ذلك إذا تتبعنا كثافة المحاكمات العسكرية, حيث أنها قد تصاعدت بشكل مفاجئ في عامي 1995, 1996 واستهدفت مراكز الثقل الأساسية للإخوان - أو ما يعرف برأس الحربة - ليس فقط على المستوى التنظيمي ولكن أيضًا على المستوى السياسي والإعلامي, لقد طالت المحاكمات التي جرت في العقد الثاني من تسعينات القرن الماضي ما يقرب من نصف أعضاء مكتب الإرشاد والعديد من أعضاءمجلس الشورى العام, واستكملت هذه السياسة فيما يعرف بتنظيم الأساتذة في 2001, ثم المحاكمة الأخيرة في 2007.
وقد ترتب على المحاكمات العسكرية آثار سياسية تتعلق بالعزل السياسي للإخوان, حيث توسعت الحكومة في منع من أدانتهم المحاكم العسكرية من الترشيح للانتخابات العامة باعتبار أن هذه الأحكام هي أحكام جنائية, وهذا الأثر يكشف عن استراتيجية النظام في عزل الإخوان عن المشاركة السياسية؛ سواء عن طريق المحاكمات العسكرية, أو كتوجهات عامة, وقد طبقت سياسة العزل في الانتخابات التشريعية التي أجريت خلال عامي 2000, 2005.
هناك عوامل عديدة تفسر تصاعد وشدة المحاكمات العسكرية في تلك الفترة, ومن بينها إجراء الانتخابات الداخلية وتطوير تنظيم الإخوان وانعكاس هذا التطور على العمل السياسي بشكل عام, غير أن هذه العوامل والتي درج الكثير من الباحثين على اعتبارها مفسرة لظاهرة المحاكمات العسكرية تفسر واحدًا من جوانب العلاقة بين الطرفين.
يتضح ذلك إذا ما أخذنا في الاعتبار أن سياسات النظام الحاكم في تلك الفترة قد بدأت وتحت ضغط أطراف دولية – دول ومنظمات- في التحول نحو الاقتصاد الخاص وهو ما يتيح فرصًا أفضل للأفراد في تطير رؤوس أموالهم, ويفسح مجالاً لحرية النشاط بعيدًا عن مجال سيطرة الدولة.
ومن هذه الوجهة يمكن اعتبار ظاهرة المحاكمات العسكرية بمثابة سياسة وقائية تقلل من الفرص السياسية للإخوان في النظام السياسي.
16 – 4 وقف نمو الاقتصاد السياسي
لقد شملت المحاكمات العسكرية العديد من القيادات الذين أقاموا اتصالات وعلاقات مع الأحزاب والقوى السياسية وقادوا إحداث طفرة في العمل النقابي خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.
في هذا السياق جاءت القضية المعروفة بقضية حزب الوسط في سنة 1996 لتشكل واحدة من معالم المحاكمات العسكرية, من حيث أنها سياسة لنظام الحكم تهدف إلى منع تطوير الاتصال بين الإخوان والأحزاب والقوى السياسية, حيث اعتبر أن تأسيس حزب سياسي للإخوان سوف يحدث تطورًا نوعيًّا في شبكة علاقات الإخوان مع الأطراف السياسية المختلفة.
ورغم نفي الإخوان ارتباطهم بمشروع حزب الوسط بعد الإعلان عنه, فإن نظام الحكم ضم القائمين على مشروع حزب الوسط كإجراء احترازي حتى تتضح علاقة الإخوان بمشروع الحزب بشكل قاطع.
وقد ساهم تتابع المحاكمات العسكرية في زعزعة العلاقة مع الأحزاب والقوى السياسية, حيث فضل بعض الأحزاب الابتعاد عن الدخول في تحالفات ممتدة مع الإخوان لأسباب من بينها عدم الرغبة في حدوث خلافات أو أزمة مع نظام الحكم.
وقد وضحت سياسة وقف نمو الاتصال السياسي للإخوان في شمول المحاكمات العسكرية للنقابيين البارزين على أساس نشاطهم النقابي, وهذا ما حدث في قضية النقابيين في عام 1999 والتي طالت القيادات النقابية وعطلت مساهماتهم في تطوير العمل النقابي وبالتالي تقليل فرص توسيع شبكة العلاقات مع الأوساط المهنية.
16 – 5 كبح التطور الفكري
لقد تزامنت المحاكمات العسكرية مع ثلاثة تطورات مهمة شهدتها جماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1994 وهذه التطورات هي:
1- صدور وثائق تحدد موقف الإخوان من قضايا المرأة والتعددية الحزبية: وقد ذهبت هذه الوثائق إلى التأثير على الحقوق السياسية للمرأة والقبول بالتعددية الحزبية كإطار للعمل السياسي.
2- أما التطور الثاني فكان في دخول الانتخابات التشريعية في نوفمبر 2000 على أساس برنامج انتخابي يعكس التطورات السياسية للإخوان وأفكار جديدة عن الإصلاح السياسي.
3- أما التطور الثالث فتمثل في استقرار الإخوان على البدء في كتابة البرنامج السياسي وهو ما عرف ببرنامج الحزب مع نهاية عام 2006.
وكان من اللافت للنظر أن هذه التطورات الثلاث تلازمت مع ثلاث محاكمات عسكرية الأولى في 1995, والثانية في 2001, والثالثة في 2007.
هذه الصورة قد لا تعني وجود علاقة مباشرة بين هذين الأمرين – التطور الفكري والمحاكمة العسكرية - بقدر ما تعكس ظاهرة يمكن إخضاعها للتحليل, وذلك في سياق أن الإنجازات الفكرية تعد محصلة الأداء العام كما تعد في ذات الوقت قاطرة التطوير في المستقبل.
ولذلك فإن تدخل نظام الحكم في الحالات الثلاث يمكن تفسيره في سياق سياسته بمنع التطور الفكري أو المعرفي لدى الإخوان المسلمين.
وبشكل عام يمكن قراءة المحاكمات العسكرية كظاهرة يستخدمها النظام ضد الإخوان المسلمين في سياق الأزمة الممتدة بين الطرفين والتي تأسست قواعدها منذ أزمة مارس 1954 ولذلك فإن الأهداف الإقصائية تشكل السياق العام للمحاكمات العسكرية.
غير أنه يمكن القول أن هذه السياسة لم تحقق انجازات ملموسة, حيث ترسخت هوية الإخوان في المجتمع المصري, وبالتالي فإن الدلالات الرئيسية التي يمكن التركيز عليها تتعلق بجانبين: الأول: هو أن ظاهرة المحاكمات العسكرية لم تحل الأزمات السياسية للنظام ولكنها أضعفتها شرعيته السياسية.
والثاني: إن إمكانية حدوث تحول سياسي بدون الإخوان المسلمين واستبعادهم عن العمل السياسي, تعد ضعيفة الاحتمال, ولذا فإن تركيز النظام على عزل الإخوان سياسيًّا واقتصاديًّا من خلال إتباع المحاكمات العسكرية أو حزمة سياسات إقصائية الطابع سوف تعيد إنتاج الاستبداد تجاه المجتمع بشكل عام.
الباب الثامن:أثر المتغير الخارجي .. واستشراف المستقبل
الفصل السابع عشر: الإدارة الأمريكية والمحاكمات العسكرية للإخوان بين حسابات المصالح ودعاوى الإصلاح
تشكل السياسة الأمريكية تجاه حركة الإخوان المسلمين في مصر جزءاً مهما من سياسة الولايات المتحدة تجاه الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي والإسلامي، وهي سياسة تتسم بقدر كبير من التناقضات والاختلافات وازدواجية المواقف.
ويعتبر الوضع في مصر أكثر تعقيداً مما عليه في دول أخرى، فالولايات المتحدة تضغط من أجل التحول الديموقراطي في مصر، ولكن القيادة المصرية هي حليف قوى للولايات المتحدة لا يمكن تعريض استقراره للخطر في ظل ما يمر به من حالة انتقالية لم تتمخض بعد عن ميلاد نظام جديد.
وقد أثبتت الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2005 أن المستفيد الأكبر من حالة الانفتاح السياسي النسبي هم الإخوان المسلمون وليس أحزاب المعارضة والقوى التي توصف في الدوائر الأمريكية بالقوى العلمانية والليبرالية والديموقراطية.
وفي ظل الخلاف الشديد بين توجهات الإخوان الداخلية والخارجية والسياسة الأمريكية خصوصاً فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية وإسرائيل، يبدو أن ضغوط الولايات المتحدة تتمخض عن صعود قوة عنيدة مناوئة للسياسة الأمريكية في المنطقة. وهكذا أصيبت الإدارة الأمريكية بخيبة أمل وإحباط بعد أن فوجئت بتنامي نفوذ الإسلاميين في الانتخابات في مصر وفلسطين، فظهر التردد والقلق في مواقفها وسياستها.
وعلى الرغم من امتلاء صفحات الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة بالحديث عن حوار ما بين الإدارة الأمريكية والإخوان خلال السنوات الماضية، إلا أن ما أسفر عنه المشهد هو ظهور موقف أمريكي يلتزم استراتيجية تقوم على الصمت والتجاهل للسياسات التشريعية والأمنية والإعلامية الإقصائية التي اتبعتها الحكومة المصرية لتقليص النفوذ السياسي للإخوان وكان أبرزها المحاكمة العسكرية لمجموعة من أبرز قادتها ورموزها.
وعندما يزداد طلب النخبة والرأى العام على الإدارة الأمريكية للإدلاء بتصريحات معينة في ملف الديموقراطية وحقوق الإنسان تأتيهم تصريحات عامة وشكلية تركز على انتقاد التجاوزات ضد بعض قوى المعارضة التى توصف في أوساط النخبة الأمريكية بالمعارضة العلمانية أو الليبرالية، وهي التصريحات التي سرعان ما يتم احتواء آثارها السلبية من خلال التوافق بين الحكومة والأمريكان على صيغة مرنة لإدارة التوترات الآنية، بل يظهر حذر الإدارة الأمريكية ألا تصب هذه الانتقادات في صالح الإخوان الذين اعتبرتهم الخارجية الأمريكية حركة محظورة قانوناً لا يمكن السماح لهم بتشكيل حزب سياسي لأن القانون يمنع قيام أحزاب على أساس دينية.
وهذه التطورات تشي بحدوث تطور مهم في المواقف الأمريكية يكاد يتطابق مع موقف الحكومة المصرية من الإخوان.
ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية لا تعلن موافقتها الصريحة على سياسة الحكومة المصرية في مواجهة الإخوان خصوصاً إذا تضمنت مخالفات قانونية أو دستورية لمبادئ حقوق الإنسان، فهناك بعض القوى في المجتمع المدني الأمريكي خصوصاً في مجال الصحافة وحقوق الإنسان لن يرضيها ذلك. ولذلك تفضل الإدارة الأمريكية التزام الصمت الذي يعكس مشاعر الرضا والقبول، مع الاكتفاء بإعلان مواقف شكلية عامة في ملف الإصلاح للاستهلاك الداخلي والخارجي.
ولذلك فالهدف الأساسي من هذا الفصل يتمثل في السعي نحو الكشف عن أبعاد ومضمون السياسة الأمريكية تجاه الإخوان المسلمين، وكيف تعاملت مع أدائهم السياسي في الحياة السياسية المصرية وخاصة مع تصاعد تمثيلهم في البرلمان، وردود فعلها على سياسة الحكومة المصرية تجاه الإخوان.
ومن أجل القيام بذلك سنقوم بتحليل مضمون كيفي للتصريحات الرسمية الصادرة عن الإدارة الأمريكية في مرحلة مهمة من مراحل التطور في العلاقة المثلثة الشكل بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري والإخوان. كما سنحاول المقارنة بين تغطية بعض وسائل الإعلام الأمريكية وبين مواقف الحكومة الأمريكية، وذلك إلى جانب تحليل عدد من المقالات والدراسات المنشورة لعدد من الخبراء والباحثين المهتمين بالموضوع.
17 – 1 : السياسات الأمريكية نحو الحركات الإسلامية السياسية:
قلما تعلن الإدارة الأمريكية عن موقفها الرسمي حول الحركات الإسلامية السياسية، وفي الحقيقة فإن الحرص المتكرر والمؤكد من الإدارات الأميركية المتعاقبة على إظهار احترام الإسلام يخفي عند الدراسة والبحث تقلبات وتوترات وإشكالات كثيرة تصوغ الموقف الأميركي تجاه الحركة الإسلامية :
- أولها أن واشنطن لا ترغب في الظهور معادية علناً وبوضوح للإسلاميين: فالولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بالصدام مع الإسلام والعالم الإسلامي كما بينا سابقاً.
- والثاني أن أميركا تتجنب دعماً علنياً لأية جماعة إسلامية وترتاب بشدة في توجهات الإسلاميين نحو أميركا.
- والثالث أن النخبة الأميركية في الحقيقة تشكك بإمكانية التوافق بين الإسلام السياسي والديمقراطية، فالخطاب السياسي الأميركي مشحون بالإشارات التي ترى الإسلاميين أعداء للديمقراطية.
إلي جانب ذلك فإن هناك عدداً من الإشكاليات التي ترتبط بالسياسات الأمريكية نحو الحركات الإسلامية:
مثل الحذر من الحديث عن القضايا الدينية يؤدي إلي عدم إعلان مواقف وسياسات محددة تجاه الحركات الإسلامية التي هي جزء من عملية الأسلمة والصحوة الإسلامية التي هي بدورها جزء من الإسلام. وبالتالي يكون من الخطير إعلان مواقف محددة قد تؤدي لآثار سلبية. وهناك إشكالية التمييز بين إدراك الحركات الإسلامية كخطر مستقبلي، والتعامل معها أو حتى التعاون في ظروف معينة. حيث يحدث نوع من التعاون المرحلي بين الطرفين (تعاون تكتيكي وتوظيف متبادل) قد ينقلب إلي عداء أو يستمر مستقبلاً.
1- ازدواجية السياسة الأمريكية نحو الحركات الإسلامية وتناقضاتها:
إن هناك نوعاً من الازدواجية أو التعارض بين المباديء والمصالح في السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية السياسية. فهناك نظريتان تعارضتا في الإدراك الأمريكي للإسلام السياسي إحداهما نظرية المواجهة التي تستند إلي العداء بين أمريكا والإسلام، والثانية هي نظرية الاحتواء التي قالت بالتوافق الأمريكي مع الإسلام والمسلمين. وأصحاب نظرية المواجهة يعتقدون أن الولايات المتحدة تعتبر الحركات الإسلامية عدوها الجديد، والخطر الذي ينبغي مواجهته في الوقت الراهن، ويسميها بالحركات الفاشية أو الإسلام المحارب. وفي المقابل فإن أصحاب نظرية التوافق الأمريكي مع الإسلام والحركات الإسلامية يشيرون لإمكانية التعاون بين الطرفين، وأن ذلك التعاون يؤدي لحماية المصالح الأمريكية في المستقبل وتجنب التورط في صراع ثقافي بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية. ويري هؤلاء أن العناصر الثقافية والتاريخية والنظرة المسبقة للإسلام لا تملك أوزاناً مؤثرة في وجه الحسابات السياسية والأمنية. فصانع القرار الأمريكي ليس مهتماً بالإسلام ولا بما يعنيه، بل مهتم بما قد تشكله الحركات الإسلامية من خطر على المصالح الأميركية .
وفي الحقيقة فإن الوضع يقوم علي مزيج من النظريتين معا، فهناك بالفعل صدام بين أمريكا والعالم الإسلامي، ولكنه أقل من صدام حضارات وأوسع من صدام مصالح. فهناك نوع من الازدواجية أو التعارض بين المباديء والمصالح في السياسة الأمريكية تجاه الحركات الإسلامية.وهذا التعارض يحدث في مستويين علي مستوي الإدراك( الإسلام كعدو ـ الإسلام المتوافق) وفي الممارسة( المواجهة ـ الاحتواء). وقد أدي ذلك إلي غياب استراتيجية أمريكية شاملة ومتكاملة تجاه الحركات الإسلامية والدول الإسلامية وإلي غلبة التعامل من منطلق المصالح الأمريكية والسياسة العملية .
وعلي الرغم من سيطرة حسابات المصالح علي السياسة الأمريكية إلا أنه لا يمكن تهميش دور العناصر الثقافية والنظرة الأميركية والغربية المتجذرة للإسلام والمسلمين تستوجب التوقف. صحيح أن النظرة العدائية الغربية المختزنة في المخيلة الجماعية لا تظهر عياناً في الدبلوماسية الناعمة، لكنها تشكل في الوقت نفسه أرضية فكرية غير مباشرة، بل وأحياناً غير واعية تؤثر في صناعة السياسة .
ويظهر التناقض في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الحركات الإسلامية السياسية في مظاهر متعددة. وفي الحقيقة فإن السياسة الفعلية والممارسة العملية تكشف عن تناقضات فعلية عن التصريحات المعلنة، حيث اتخذت واشنطن موقفاً مؤيداً للنظم العربية التي تواجه الإسلاميين في مصر والجزائر، وفي المقابل فإنها أيضا دعمت نظم أخري تتعايش مع الإسلاميين مثل الكويت والأردن والمغرب. وعلى ذلك فإن هذه العلاقة تتضمن جوانب صراع وجوانب مهادنة وفقاً لشروط كل دولة وحركة، من منظور المصالح الأمريكية.
وفي الحقيقة فإنه لم يحدث أن دافعت السياسة الأمريكية عن حقوق الحركات الإسلامية السياسية في المشاركة في الانتخابات مثل جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الوسط بمصر. حتى القائد الإسلامي التونسي راشد غنوشي الذي اعتبره رسميون أمريكيون سابقون مثل دجيريجيان أو بيليترو "مقبولاً جدًّا من الناحية "الإسلامية" - لم ينل "جواز" الإدارة الأمريكية. وسيطر على إدراك الولايات المتحدة في تعاملها مع هذه الأطراف هاجس الثورة الإيرانية .
ويشير جرهام فوللر إلي أنه لا يمكن أن نتحدث عن موقف أمريكي واحد فيما يتعلق بمسألة الحركات الإسلامية، فإن ذلك يعتمد بقدر كبير على أي حركات تتحدث عنها؟ وأين مكانها؟ ومن قائدها؟ وما أهدافها؟ وما أساليبها؟ أو موقفها تجاه الولايات المتحدة. ويعتقد أن خطورة وأهمية الحركات الإسلامية تكون عندما تصل للسلطة أو لمقعد التأثير: فأمريكا تخشي من وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، وهي تستحضر دائماً التجربة السلبية لواشنطن مع النظام الإيراني، وتفجير حزب الله لمقر المارينز. فالسياسة الأمريكية غير مضطرة للتعاطي المباشر مع الحركات الإسلامية التي تصبح بالغة الأهمية عندما تكون في موقف يمكنها من ممارسة السلطة، والتأثير على السياسات الأميركية؛ ويري فوللر أن "هناك العديد من هذه الحركات الإسلامية التي ربما تعنينا في هذا البلد، ولكن حتى يصلوا إلى السلطة فإنهم لا يعنوننا كثيرًا" .
وعلي الرغم من صحة هذا المقولة، إلا أن السياسة الأمريكية يعنيها كثيراً شأن الحركات الإسلامية السياسية التي يمكنها أن تصل للسلطة مستقبلاً، وتمارس تأثيراً كبيراً علي السياسات الداخلية في الدول العربية والإسلامية.
وهناك قناعة الأميركية بأن الحركات الإسلامية مختلفة عن بعضها البعض، وغير متجانسة، وأنها تعبر كل منها عن انعكاس لظروف خاصة بها في هذا البلد أو ذاك، ولهذا فإنه من غير العملي صياغة سياسة موحدة تجمع الطيف غير المتجانس للإسلام السياسي في نظرة واحدة. والرأي الغالب في دوائر صناعة القرار الأميركي هو التعامل مع هذه الحركات كل على حدة، وفي ضوء تحليل مواقفها وبرامجها العملية أكثر من الوقوف عند أقوالها وبياناتها .
2- هواجس دمج الإسلاميين في النظم السياسية:
انتهج الكثير من الإسلاميين في الدول الإسلامية – تركيا، الأردن، مصر، المغرب، الكويت، وحتى الجزائر- مسلكًا في الممارسة السياسية، يعكس سعيهم إلى المشاركة في النظام. وقد طرح هذا المسلك في الممارسة تحدياً علي السياسة الأمريكية، فنظراً لضعف المؤسسات في الدول العربية والإسلامية فإن دمج الاتجاهات الإسلامية في العملية السياسية، يصير تحديًّا واضحاً قد يؤدي إلي وصول هذه الحركات للسلطة. والحقيقة أن المؤسسات في داخل العالم الإسلامي تتسم بالضعف بسبب استغلال الأنظمة للسلطة التي تتلقى مساعدات دائمة من واشنطن؛ ولذا فنحن أمام ظاهرة ذات بعدين: من ناحية، تتجه الإدارة الأمريكية إلى تأييد الحكومات التسلطية في سبيل احتواء الإسلاميين. ومن الناحية المقابلة، تضمن تلك الحكومات أن يستمر النظام المؤسساتي في ضعفه، وبالتالي جعل إمكانيات أسلمة الدولة من خلال الديموقراطية شيئًا من الصعب بل من المستحيل تنفيذه. ومن هنا يمكن أن نقول: إن السياسة الخارجية الأمريكية وُجِهَت - أولاً وأخيرًا - بتأثير مصالح الحكومات لدول العربية والإسلامية أكثر مما وُجِهَت من قِبَل العناصر التي تنادي بالديموقراطية في المنطقة. وذلك بهدف حماية المصالح الأمريكية والدول المتحالفة مع للولايات المتحدة .
ويؤكد ذلك أن هناك تناقضًا داخل السياسة الأميركية، فمن ناحية هناك الدعاوي والنماذج والمبادئ السياسية التي تنادي بالديموقراطية، ولكن في نفس الوقت فعندما تخشى واشنطن أن مصالحها مهددة فإن هذه المبادئ الديمقراطية يتم التخلي عنها تماماً .
إن طرح واشنطن لقضية الديمقراطية هو طرح برجماتي يقوم على معايير مزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين ولا يعبر عن التزام مبدئي بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهي ظلت تتجاهل الممارسات التسلطية والاستبدادية للنظم الحليفة والموالية لها، وترفع كارت الديمقراطية في مواجهة الدول التي لا تقـع ضمن هذه الفئة . وموقف القبول الضمني من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للإجراء الذي اتخذه الجيش في الجزائر في مطلع عام 1992، إنما هو نموذج واضح يكشف عن عدم التزام واشنطن بقضية الديمقراطية في المنطقة. وعموما فإن موقف واشنطن من الانتخابات الجزائرية إنما جاء فى إطار سياسة عامة دأبت على ممارستها ومفادها الصمت عن المخالفات والانتهاكات الانتخابية وغير الانتخابية التى ترتكبها النظم الموالية لها فى المنطقة .
وفي الحقيقة فإن أحد أبرز أسباب تفسير تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية لقضية الديمقراطية في الوطن العربي ترتبط بدور الحركات الإسلامية، فالإدارة الأمريكية تتحسب من احتمالات أن تؤدي عملية تطبيق الديمقراطية بصورة حقيقية في بعض دول المنطقة إلى وصول بعض التنظيمات الإسلامية إلى السلطة أو على الأقل تعظيم دورها فيها. ومن المعروف أن مواقف الحركات الإسلامية تجاه المصالح الأمريكية في المنطقة تتراوح ما بين الرفض والتحفظ وبخاصة في ظل الانحياز الأمريكي المطلق لصالح إسرائيل. كما أن الحركات المعنية ترفض تبعية النظم الحاكمة فى العالم الإسلامى للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب عموماً. ونظراً لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية فضلت استمرار نظم غير ديمقراطية تضمن في ظلها وبفضلها تأمين وحماية مصالحها على نظم ديمقراطية قد تتأثر في ظلها هذه المصالح بشكل سلبي، أو قد تأتي بإسلاميين إلى سدة الحكم، ولذلك فهي لم تتردد في التضحية بالمبادئ الديمقراطيــة لحساب المصالح. وبصفة عامة تجد الإدارة الأمريكية سهولة في التعامل مع نظم غير ديمقراطية بشأن تأمين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة وبخاصة فيما يتعلق بالنفط والقواعد والتسهيلات العسكرية وصفقات الأسلحة الضخمة. إن النظم التسلطية أو شبه التسلطية هي الأقدر على قمع المعارضة الشعبية للسياسة الأمريكية فى المنطقة بصفة عامة، وبخاصة فيما يتعلق بموقفها من الصراع العربى - الإسرائيلى. وقد ساهم الموقف من عملية تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي في إضعاف التطور الديموقراطي ، حيث حثت واشنطن النظم المعنية على اتخاذ إجراءات قمعية ضد هذه القوى المعارضة لعملية التسوية، وغضت الطرف عن ممارساتها اللاديمقراطية ضدها. وفى هذا السياق، فقد كان للسلطة الوطنية الفلسطينية نصيب كبير من الضغوط الأمريكية من أجل تصعيد إجراءاتها الأمنية ضد قوى المعارضة وبخاصة حركتي حماس والجهاد، الأمر الذي كاد أن يؤدى في غير مرة إلــــى اندلاع حرب أهلية فلسطينية .
السياسة غير الرسمية والارتياب في الإسلاميين:
إذن هناك إدراك أمريكي فعلي لوجود اختلافات وتمايزات بين الحركات الإسلامية، ولكن في المقابل إدراك عام وإحساس بخطورة هذه الحركات وارتياب في تهديدها للمصالح الأمريكية بشكل عام. فعلي الرغم من الاختلاف بين هذه الحركات إلا أن الولايات المتحدة تشعر بتهديد ما يمكن أن يأتي حتى من أكثرها اعتدالاً، وغالباّ ما تفضل السياسة الأمريكية التعامل مع حكومات إسلامية سلطوية بدلاً من التعامل مع الحركات الإسلامية.
فعلي امتداد العقدين الأخيرين من القرن العشرين كان الحركات الإسلامية عاملاً دائمًا لاستنفار الإدارة الأمريكية وجعلها دائمًا مستعدة لردود الأفعال. ومن ضمن ردود الأفعال التي تبنتها الإدارة الأمريكية مؤخرًا ما يُسمَّى بالسياسة غير الرسمية، التي تستهدف احتواء الحركات الإسلامية بطريقة أكثر "مرونة" من ذي قبل، بمعنى أن الموقف الرسمي لواشنطن صار لا يعلن العداء ضد الإسلام ككل، وإنما يُعلن عدائيته فقط للإسلام السياسي والأسلمة. وهو ما يمكن أن نطلق عليه "الخطاب المراوغ" .
لقد اكتفت الولايات المتحدة بعدم إعلان موقف تجاه الصدام الحادث بين النظم والحركات واستمرت في دعمها المادي والمعنوي للنظم. فالولايات المتحدة تفضل الاستقرار الإقليمي علي حدوث تغيرات تؤدي لوصول الإسلاميين لسدة الحكم، ولكنها لا تمانع في حدوث تغييرات محكومة ومضبوطة من أجل امتصاص الضغوط الشعبية أو الضغط علي النظم من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أو مزيد من قمع الحركات التي تمارس العنف. وإلي جانب ذلك فإنها تكتفي بدور المراقب للعلاقة بين النظم والحركات الإسلامية التي يتعايش فيها الطرفان وفق أطر محددة ومرسومة.
3- أحداث سبتمبر وظهور دعاوى الإصلاح والديموقراطية:
وفيما يخص أحداث سبتمبر وإمكانية تغيير السياسة الأمريكية فقد برز اتجاهان متعارضان في السياسة الأمريكية بشأن قضية الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي:
فمن ناحية، فإن بعض مسئولى الإدراة الأمريكية خلصوا إلى قناعة مفادها أن غياب الديمقراطية يسهم بشكل أساسي في خلق بيئة ملائمة لتنامي ظواهر التطرف والعنف والإرهاب فى العالمين العربي والإسلامي، وأن علاقة واشنطن ببعض النظم غير الديمقراطية فى هذه المنطقة، أو بالأحرى دعمها لها يعزز من مشاعر الكراهية والعداء للولايات المتحدة الأمريكية، ويجعل العناصر الإرهابية تستهدف مصالحها ورعاياها، ومن هنا، فإن القضاء على التطرف والإرهاب إنما يتوقف في جانب هام منه على نشر وتعزيز الديمقراطية في المنطقة . وراح بعض الخبراء يطالبون الإدارة الأمريكية بدعم عملية التطور الديمقراطي الحقيقي في المنطقة العربية ودفع النظم الحاكمة لاتخاذ خطوات جادة على هذا الطريق باعتباره المدخل الرئيسي الذي يضمن تحقيق الاستقرار وضمان المصالح الأمريكية فى هذه المنطقة على المدى الطويل، بل أكد البعض على ضرورة أن تغير واشنطن نظرتها وسياستها تجاه الحركات الإسلامية المسيسة المعتدلة بحيث يتم فتح قنوات اتصال معها تحسباً لاحتمال وصولها إلى السلطة في هذه الدولة أو تلك. وهناك من طالب الولايات المتحدة الأمريكية صراحة بأن تتعلم كيف تتعامل مع نظام إسلامي وصل إلى السلطة بطريقة ديمقراطية .
وكان أبرز تعليق قاله "ريتشارد هاس" مدير إدارة التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية السابق عندما طرح لأول مرة خطته لنشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي في عام 2002م، هو قوله إن الخطة جدية وإن واشنطن لن تراعي ما يُسمى أصدقاؤها في العالم العربي، كما أنها لا تخشى معضلة الديمقراطية العربية المتمثلة في إمكانية فوز الأحزاب الإسلامية في أي انتخابات حرة ولا تجد مشكلة في أن يفوز حزب إسلامي .
ولكن وعلي الجانب الآخر فقد أعلنت الإدارة الأمريكية الحرب ضد الإرهاب، وأثبتت الأحداث أن واشنطن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات غير ديمقراطية، فضلا عن التعاون مع نظم سلطوية أو شبه سلطوية في آسيا والشرق الأوسط. فإذا كانت إدارة بوش الابن ترى أن الديمقراطية عامل أساسي لتجفيف منابع التطرف والعنف، فإنها تحتاج في الوقت نفسه إلى الاستمرار في تعاونها مع نظم غير ديمقراطية أو شبه سلطوية من أجل مواصلة تنفيذ حلقات حربها ضد الإرهاب . وفي الحقيقة فإن الإدارة الأمريكية تطالب دولاً عديدة منها دول عربية وإسلامية باتخاذ إجراءات قسرية ضد جماعات وتنظيمات تعتبرها واشنطن إرهابية، والمشكلة أن بعض هذه التنظيمات مشروعة ومعترف بها من قبل النظم الحاكمة، بل ولها تمثيل في البرلمان . كما هو الحال بالنسبة لحزب الله وحماس.
ومن الجدير بالذكر أن الحكومات السلطوية في العالم الإسلامي قد استفادت استفادة مباشرة من تعميم صورة الحركات الإسلامية كخطر وعدو للغرب، إذ أنها فطنت سريعًا إلى أن مخاطر الإسلاميين – سواء كانت حقيقية أم مصطنعة – ستترجم إلى معونات أمريكية، هذا بالإضافة إلى التأييد الأمريكي الذي سيساند تلك الحكومات، سواء من خلال تخفيف الضغط عليها في مسألة "الدَّمَقْرطة" أو من خلال فتح مساحة أوسع في اختراق حقوق الإنسان، وكما تعلمت تلك الحكومات كيفية ابتزاز الإدارة الأمريكية في ضخ المساعدات والمعونات من أجل ضرب التيار الشيوعي في خلال السبعينيات، تمكنت أيضًا أن تسلك المسلك نفسه في "استغلال" واشنطن ماديًّا ومعنويًّا لضرب الإسلاميين. لقد تمكنت الحكومات في الدول المسلمة أن تتخذ من "الخطر الإسلامي" ذريعة وحجة لتبرر بها انتهاكها لحقوق الإنسان، وقمعها للحريات المدنية، وأخيرًا مواصلتها في مد كل أساليب الديكتاتورية ووضعها في ملبس شرعي .
ولكن أحداث سبتمبر وما تبعها من رغبة أمريكية في التغيير وتوسيع الحرب علي الإرهاب لتشمل دول أخري قد أثارت قلق وتوجس الكثير من النظم العربية والإسلامية من السياسة الأمريكية .
لقد تغيرت الأوضاع جزئياً بعد 11 سبتمبر 2001 عندما أصر الداعون الى عولمة الديموقراطية على الربط بين الارهاب والتسلط. وبدا أن اعضاء الادارة الأميركية الذين يربطون بين التسلط والارهاب أحرزوا تقدما في هذا المجال عندما طلب الرئيس جورج بوش في نوفمبر 2003 من النظام المصري أن يكون قدوة لجيرانه العرب في التقدم نحو الديموقراطية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن أطرافاً أخرى في الإدارة, استند بعضها إلى انهيار مشروع المحافظين الجدد في العراق, واصلت معارضة هذه الموقف, محتجة بأن الأنظمة العربية تكبح الإسلاميين, ولولاها لوصلوا إلى الحكم عن طريق صناديق الانتخاب, ما يضاعف خطرهم على المصالح الأميركية والإسرائيلية و"الغربية" عموما. والسؤال الأكثر تعقيداً هو هل ستكون الضغوط الخارجية من أجل الإصلاح أو حتى تغيير النظام مفيدة أم هل سيكون لها مفعول عكسي؟ إن النظم تمنع الإسلاميين المعارضين من إقامة تنظيمات سياسية فاعلة وتحجيم وجودهم في البرلمان وغيره من المجالس, وهم بهذا يمثلون القوة المكبوتة .
وعلي الرغم مما أعلنه بعض مسئولي الخارجية مثل "ريتشارد هاس" من أن واشنطن لن تراعي ما يُسمى أصدقاؤها في العالم العربي، كما أنها لا تخشى معضلة الديمقراطية العربية المتمثلة في إمكانية فوز الأحزاب الإسلامية . إلا أن هذه الإشكالية استمرت مسيطرة على السياسة الأمريكية حتى إجراء الانتخابات البرلمانية في مصر وفلسطين في نهاية 2005 ومطلع 2006 حتى حسمت الإدارة الأمريكية موقفها فعلياً على أرض الواقع وتراجعت الدعوات للإصلاح الديمواقرطي القائم على انتخابات نزيهة وحرة ومشاركة شعبية واسعة إلى خطاب يدعو لديموقراطية مصممة ومفصلة لصالح القوى التي تسميها القوى والأحزاب الليبرالية والديموقراطية، "ديموقراطية إقصائية" للأحزاب والحركات الإسلامية، "ديموقراطية" نتائجها تكون معروفة سلفاً.
17 – 2 : الجدل الأمريكي حول الإخوان في مصر:
استراتيجية الاقتراب غير المباشر:
قامت الإدارة الأمريكية بإجراء اتصالات مع العديد من الحركات الإسلامية في العالم، على الرغم من أن كثير من النظم الحاكمة هي من رفضت مثل هذا الحوار والاتصال . وتشير بعض المصادر إلى حدوث اتصال بين الإخوان والسفارة الأمريكية بالقاهرة عام 1993 مما أزعج الرئيس مبارك بشدة فاتهم أمريكا بأنها تفكر في تفادي أخطائها كما حدث في إيران بإقامة اتصال مع الإخوان في مصر، مؤكداً أنه لا يمكن لهذه الجماعات أن تصل للسلطة، وأن علاقتهم ستكون سيئة بالولايات المتحدة . وقد بررت الولايات المتحدة هذا الاتصال بأنه دبلوماسية تقليدية لجمع المعلومات وأنها لم تكن تريد تأسيس علاقات وطيدة مع الإسلاميين، ولكن سرعان ما توقفت الإدارة الأمريكية عن هذه الاتصالات، وتجنبت إعلان أي موقف ضد الإجراءات الحكومية ضد الإخوان. وكان عدم الحركة الأمريكي دليلاً علي دعم النظام في المواجهة مع الإخوان.
ومما هو جدير بالذكر أنه يمكن ملاحظة بعض الاختلاف في طريقة تعامل الإدارة الأمريكية مع كلا من الحركات الإسلامية المعتدلة في مصر والجزائر، (من حيث إعلان موقف أو الإدلاء بتصريح وليس من ناحية تبني سياسة فعلية) فقد طالبت الإدارة الأمريكية بإصلاحات سياسية ودمج الإسلاميين في العملية الديموقراطية بالجزائر في مطلع التسعينات، ولكنها تجاهلت ذلك في الحالة المصرية، فالإدارة الأمريكية تعتبر أي انتصار إسلامي في مصر بمثابة الحجر الأول في لعبة الدومينو .
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر والإعلان عن حوارات بين الحركات الإسلامية والولايات المتحدة، إلا أن مواقف إدارة بوش من الإخوان اتسمت بالتردد والغموض المقصود. وقد أخذت بعض التصريحات غير الرسمية في الظهور لتشير إلى بدايات حدوث تحول ما داخل النخبة الأمريكية لإمكانية قبول قيام حوار ما مع الإخوان كان من أبرزها تقرير وضعته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت بعد زيارتها لمصر قالت فيه: إن الإخوان براغماتيون وهم علي استعداد للتعاون مع الأمريكان إذا رأوا أن مصلحتهم الحقيقية تكمن في ذلك. وأثار التقرير إمكانية تكرار النموذج التركي في مصر . ولكن يجب أن نلاحظ أن رؤية مادلين أولبرايت على الرغم من ذلك لم تكن تمثل الإدارة الأمريكية الجمهورية بأية صورة من الصور.
وقد أصبحت كثير من الدراسات الأكاديمية تنظر للإخوان المسلمين في مصر باعتبارها حركة تجذب المسلمين الذين لهم علاقة بالحياة الحديثة والذين يتبرمون من الهويات الحديثة. وهذا الفهم يختلف مع الفهم التقليدي الذي جاء في دراسة ريتشارد ميشل (1969) التي صورت الإخوان استجابة رجعية للحداثة. أما الدراسات الأحدث فتعتبر أن الإخوان يمثلون مظهر من مظاهر الحداثة، من خلال ارتباطها بمشكلات الحداثة. فكل شيء عنهم (الأفكار المناهج الأهداف) مندمج أو متجسد في الطرق والأساليب الحديثة، ويكشف تنظيمه عن رغبة كبيرة في التعلم من الغرب . ولكن هذا الإدراك لا يغير كثيراً من تعاطي الإدارة الأمريكية مع الحركات الإسلامية عامة.
وفي الحقيقة فإن إعلان الإدارة الأمريكية كانت تتحفظ على إعلان مواقف معينة تجاه الإخوان في مصر ، ولكن تقرير الحرية الدينية لعام 2003 يكشف عن بعض جوانب الإدراك الأمريكي للإخوان، وسياستهم الضمنية نحوهم. حيث يشير التقرير إلي الإخوان في فقرتين فقط: في الفقرة الأولي يتناول التقرير باختصار شديد وإيجاز فكرة حظر الجماعات الدينية مثل الإخوان، والإطار القانوني وتعامله مع الأنشطة والجماعات الدينية، وفي هذا السياق فإنه يشير "إلي حظر الأحزاب التي تقوم علي أساس ديني، وبمقتضاه تعتبر الإخوان المسلمين تنظيماً غير شرعياً". ثم يضيف "يتحدث الإخوان المسلمون عن آرائهم وروائهم علانية أمام الرأي العام، ولكنهم يعرفون أنفسهم صراحة كأعضاء في التنظيم، وهم مازالوا يتعرضون للضغط والمعاملة التعسفية من الحكومة". ويشير التقرير إلي الإجراءات التي اتبعتها الحكومة في انتخابات 2000 ضدهم التي "لم تقتصر علي القيود ومنع الوصول لمراكز الاقتراع، ولكن أيضا استخدام العنف والاعتقال والقبض" .
وتحدث التقرير عن "اعتقال وسجن عدة آلاف من الأشخاص بتهمة تأييد أو عضوية جماعات إسلامية تسعي للإطاحة بالحكومة". ويعرض لتصريح الحكومة بأنهم أعضاء أو لهم أنشطة بالنيابة عن جماعات العنف المتطرفة. فيشير إلي أنه "أثناء عام 2002 تم توقيف عدة مئات من جماعة الإخوان المحظورة... ويعتقد معظم المراقبين أن الحكومة تسعي لإضعاف قدرة الإخوان علي تنظيم مظاهرات لتأييد الفلسطينيين ومعاداة أمريكا وإسرائيل... وفي عام 2002 تم اعتقال مؤيدين للإخوان بعد انتخابات لعضوية مجلس الشعب في الإسكندرية" .ويبدو أن هناك رؤية وتقييم سلبيين لدي معدو التقرير لدور الإخوان.
وعلى الرغم من نفي الإخوان في مصر والإدارة الأمريكية لأى حوار بين الطرفين، إلا أن كثير من وسائل الإعلام المصرية والعربية لم تكف عن التكهن بحدوث تلك الحوارات إما لاستكشاف ردود الفعل أو كبالونة اختبار، وهو ما تتلقفه بعض القوى والأحزاب للهجوم على الإخوان أو تخويف النظام من مخاطر متوقعة من حدوث مثل ذلك الحوار أو لإجهاضه قبل أن يبدأ. وكان من أبرز هذه التطورات ما أعلن عنه أحد الكاتب العربي مأمون فندي عن وجود حوار بين أمريكا والإخوان تتوسط فيه الحكومة القطرية، ولكن المرشد العام للإخوان نفي وجود حوار مع الحكومة الأمريكية؛ مؤكداً أن الحكومات تتحاور مع الحكومات؛ "وإنما يمكن أن يتحاور الإخوان مع أفراد أمريكان؛ إنما الحكومات فلا شأن لنا بها" . ولذلك أظهرت الحركة استعدادها للمشاركة في مؤتمر مؤسسة كارنيجي بالكويت، ولكن رفض السلطات سفر أي من أعضائها حال دون هذه المشاركة.
لقد نفى الإخوان رسمياً التقارير الإعلامية التى تحدثت عن وجود حوارات رسمية بينها وبين الأمريكان على خلفية مطالبة الإدارة الأمريكية بالإصلاح السياسي في العالم العربي ومبادرة الإصلاح التي طرحها الإخوان في مصر في مارس 2004. واعتبرت الجماعة أن ما نشر عن حوارات بين أعضاء في التنظيم العالمي للإخوان "فبركات صحفية" و"شائعات" غير صحيحة غرضها "البلبلة" . وأعلنت أنها ترفض الحوار مع إدارة بوش وتقبله مع نواب الشعب "الكونجرس" . ويؤكد الكتاتني أن "الإخوان يتحفظون تمامًا على الحوار مع الأمريكان، بل إنهم يرفضونه نظرًا للسياسة الأمريكية الظالمة في المنطقة" . وقد تراوح موقف الإخوان بين رفض اللقاءات مع المسئولين الرسميين الغربيين إلا بحضور الخارجية المصرية، وقبول الحوار مع أعضاء الكونجرس فقط باعتبارهم نواب الشعب وفق "الدبلوماسية الشعبية" .
الجدل حول ملف الحوار بين الإدارة الأمريكية والإخوان:
وعلى الرغم من كثرة الكلام عن حوارات ما بين الإدارة الأمريكية والإخوان إلا أن الواقع داخل مصر كان على العكس دائماً، فالمسؤولون الأمريكيون بمختلف مستوياتهم مثل وزيرة الخارجية والسفراء أظهروا حرصاٌ على لقاء جميع ممثلي أحزاب وقوى المعارضة والمجتمع المدني، واستثنوا الإخوان من ذلك، بل إن كارين هيوز وزيرة شؤون الدبلوماسية والعلاقات العامة سابقاً التقت البابا شنودة وشيخ الأزهر طنطاوي في 26 سبتمبر 2005 . وعندما سألت عن إمكانية مقابلة أي من الإخوان، ردت بأنها لا تعتقد ذلك، وبررت ذلك بقولها
"نحن نحترم القوانين المصرية" . وهو ما يبدو مبرراً غير مقنع فالإدارة الأمريكية انتقدت حكم القضاء بسجن أيمن نور على سبيل المثال.
ويكاد يكون الحدث الوحيد الذي شكل اسثناءاً من هذه القاعدة هو اللقاء الذي حدث بين نواب إخوان في البرلمان وبين برلمانيين أمريكيين في إطار تواصل برلماني بين الكونجرس الأمريكي ومجلس الشعب المصري. وعلى الرغم من أنه لم يكن حواراً مباشراً بين الإخوان والإدارة الأمريكية، إلا أنه أثار جدلاً إعلامياً وصخباً في الصحافة والفضائيات، حتى يبدو أن النواب الأمريكان اضطروا للتراجع عن القيام بمثل تلك الخطوة بعد ذلك.
وقد نفى الإخوان أن يكون اللقاء الذي جرى بين وفد للكونجرس الأمريكي ورئيس الكتلة البرلمانية للإخوان محمد سعد الكتاتني الذي كان ضمن وفد برلماني مصري يضم عشرة نواب، يعني فتح "حوار مباشر" بين الإخوان والولايات المتحدة، لأن الكتاتني حضر اللقاء البرلماني بصفته النيابية وليس ممثلاً لجماعة الإخوان. كما حضر الكتاتني إلى جانب بعض النواب وعدد من الشخصيات العامة حفل الاستقبال الذي نظمته السفارة الأمريكية للوفد الأمريكي في نفس اليوم. ورأس وفد الكونجرس الذي تكون من 11 نائبًا ستيني هوير زعيم الأغلبية الديمقراطية بالمجلس والنائب عن ولاية ميريلاند، وضم 4 نواب من الحزب الجمهوري و7 نواب من الحزب الديمقراطي .
وقد اعتبرت بعض المصادر الصحفية أن اللقاء يعنى أن الولايات المتحدة قررت أن "تفتح حوارا مباشرا مع الإخوان المسلمين في القاهرة". وذكرت مصادر بالسفارة الأمريكية بأن هوير –رئيس الوفد الأمريكي – هو من طلب حضور الكتاتني. وردا على سؤال حول تأخر الولايات المتحدة في الحوار مع الإخوان، قال نائب السفير الأمريكي: "ها نحن قد بدأنا الحوار معهم". وقد دار الحديث حول رؤية الكتاتنى للتعديلات الدستورية الأخيرة والأوضاع الراهنة في مصر .
وعلى الرغم من الطبيعة البرلمانية التي أحاطت بهذا اللقاء إلا أنه يشي بأن هناك جهات ما في واشنطن – خصوصاً في أوساط الحزب الديموقراطيى إلي أن يسعى لانتهاج أسلوب في السياسة الخارجية يختلف عن أسلوب إدارة جورج بوش- تفكر في التراجع عن الالتزام الذي قالته وزيرة الخارجية كونداليزا رايس حينما زارت مصر أوائل 2005 والمتعلق بعدم إجراء أية اتصالات أمريكية مع الإخوان باعتبار أنهم "جماعة غير قانونية وواشنطن تحترم القوانين المصرية" .
وربما يكون هذا الموقف أقرب إلى رأي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة "مادلين أولبرايت" حينما حذرت بلادها في مؤتمر في دبي أوائل ديسمبر 2005 من دعم إصلاحات زائفة تؤدي إلى عزل المعارضة الإسلامية، ووصفت حظر واستبعاد الإسلاميين من المشاركة في الحياة السياسية على أساس أنهم غير ديمقراطيين بأنه خطأ؛ لأن أنجع وسيلة لانحسار التطرف في الشرق الأوسط هي السماح للمعارضة الإسلامية غير العنيفة بالمشاركة في الحياة السياسية .
ويلاحظ أنه نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "آدم إيرلي" أشار في تعقيب له على نتائج الانتخابات البرلمانية في مصر "إلى احتمال أن تجري بلاده حوارات مع نواب الإخوان الفائزين داخل البرلمان باعتبار أنهم "نواب مستقلون"، ولهم بالتالي صفة رسمية على عكس الجماعة المحظورة قانونا، وأكد أنه "ليس هناك ما يمنعنا من ذلك" .
ويؤكد أحد المحللين السياسيين الأمريكيين "أن الجدل داخل إدارة بوش حول مسألة الحوار كبير، فهناك من يرى أنه من المبكر جدا تصور وصول الإخوان إلى السلطة بحصولهم على عدد من مقاعد البرلمان، وأنه حتى إذا افترضنا ذلك، فإن تأثير وجودهم في السلطة لن يصاحبه تغيرات دراماتيكية في السياسة المصرية كما يتصور البعض، ولا يوجد بالتالي مبرر من وجهة نظر هؤلاء لتأجيل مشروع الإصلاح أو التراجع عنه، وعلى الجانب الآخر يوجد في الإدارة من يعتبر أن الإخوان سيمثلون خطراً بالغاً على مصالح الولايات المتحدة إذا تسنى لهم الوصول إلى الحكم دون أن يحددوا موقفهم بوضوح من قضايا تداول السلطة والقبول بقواعد الديمقراطية ونبذ الإرهاب؛ وهو ما يعني أن واشنطن ستراقب أداء جماعة الإخوان في المرحلة القادمة كمؤشر على التعاطي مستقبلا معها".
وعلى الرغم من ذلك فإن الإدارة الأمريكية اختارت التراجع عن الضغوط من أجل الإصلاح الديموقراطي حتى لا يصبح الإخوان المستفيد الأكبر من ذلك، وتشير بعض المصادر إلى أن "المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن ينصحون الآن وزارة الخارجية الأمريكية بعدم التخلي عن الحكومات العربية دون وجود بدائل واضحة، والعمل بدلا من ذلك على إجراء تغييرات هيكلية بعيدة الأمد وإيجاد سبل للتأثير على الرأي العام العربي". ويلاحظ هنا أن تصريحات أمريكية صدرت بالفعل تشير إلى أن الإخوان ليسوا جماعة معتدلة حسبما قالت "ليز تشيني" مساعدة وزير الخارجية لصحيفة "روزاليوسف" المصرية والتي أكدت "عدم اعتقاد إدارة بوش باعتدال الإخوان". كما صدرت تصريحات مشابهة من مدير المخابرات الأمريكية السابق "جيمس ولزي" يلمح فيها إلى أن الإخوان ليسوا معتدلين .
وفي حين بدا أن هناك جهوداً أمريكية لتجنب إعلان تصنيف محدد للإخوان خصوصاً بعد إعلان رايس عدم قلق واشنطن من "فزاعة الإسلاميين"، إلا أن هناك بعض الإشارات الضمنية التي يلحظ فيها اتهامات للإخوان بالتطرف، حيث أعاد دانيال فريد مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوربية الأسيوية للأذهان الشكوك حول مواقف الإسلاميين من الديموقراطية حينما قال يتساءل البعض إذا كانت الولايات المتحدة ترتب لانتخابات ديموقراطية ربما تفوز فيها أحزاب متطرفة. حيث أكد أن الولايات المتحدة وأوروبا تحتاج إلى الثقة أن الراديكالية ستخسر في معظم أو كل الأماكن، ولكننا نطالب أيضاً المجموعات الراديكالية التي تسعى للاستفادة من مزايا العملية السياسية الديموقراطية أن تقبل قواعد الديموقراطية: احترام المعارضين وحقوق المواطنة الثابتة. وأي حزب لا يمكنه أن يمسك بورقة الاقتراع في يد والبندقية في يد أخرى. ويضرب أمثلة بالتطور الديموقراطي مشيراُ إلى الجدل الحيوي عن الديموقراطية على مدى قرن في مصر باعتبارها الدولة العربية الأكبر .
وبصفة عامة ففي حين انتقدت الولايات المتحدة صراحة سياسة الحكومة المصرية ضد بعض قوى المعارضة التي توصف بالعلمانية أو الليبرالية، إلا أنها تجاهلت ما يتعرض له الإخوان من نفس السياسة بل وبصورة أشد. مما دعا الكتاتني ليتساءل خلال لقائه مع وفد الكونجرس الأمريكي: "لماذا التزمت أمريكا- التي تدعي نُصرة حقوق الإنسان- الصمتَ عندما أُحيل عشرات الإخوان مؤخراً إلى المحكمة العسكرية في الوقت الذي اهتمت فيه بقضية أيمن نور زعيمحزب الغد الليبرالي الذي يقضي عقوبة السجن إثر إدانته بتزوير توكيلات حزبه؟".. وأضاف: "إذا كانت أمريكا كما تدعي أنها نصيرة الحريات فلماذا لم تتفاعل مع كل قضايا انتهاك الحريات؟" .
وأثناء الانتخابات البرلمانية وظهور بعض الانتقادات للحكومة قال إيرلي نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية رداً على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة احتجت أيضا على اعتقال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قال ايرلي انه ليس لديه تفاصيل بشأن هذه القضايا، لكنه أكد على أن "الترويع والمضايقات" لا يتفقان والتزام الحكومة المصرية بالحرية . وفيما يبدو أنه توافق بين موقف الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية من الإخوان، أكد شون مكورماك المتحدث باسم الخارجية الأميركية رداً على إمكانية الحوار مع الإخوان "أن الدستور المصري لا يسمح بوجود هذه الجماعة، فهو يمنع قيام أحزاب على أسس دينية" .
17 - 3: تطور المواقف والسياسات الأمريكية في ظل مرحلة الحراك السياسي والشعبي:
تبنت الولايات المتحدة استراتيجية معينة فيما يتعلق بالحراك السياسي في مصر خلال عامي 2005- 2006 تقوم على أساس الجمع بين ثلاثة أعمدة أساسية:
أولهما: الدعوة للديموقراطية وتشجيع الخطوات التي يتخذها النظام المصري في مجال الإصلاح السياسي أياً كان حجمها أو نوعها.
ثانياً: الاكتفاء بإصدار تصريحات علنية تنتقد سياسات القمع عندما تتجه نحو قوى المعارضة العلمانية أو تصعيد المواجهة ضد التيار الإصلاحي في بعض مؤسسات الدولة مثل نادي القضاة أو الصحافة.
ثالثاً: إعلان بعض المواقف الحذرة من الإخوان مع تجاهل الضغوط الرسمية ضدهم حتى انتهاء مرحلة الانتخابات البرلمانية في نهاية 2005 وفوز حماس في الانتخابات الفلسطينية في يناير 2006، وهو ما جعل الولايات المتحدة تدرك خطورة مواقفها المعلنة من موضوع الإصلاح الديموقراطي. وقد تطور الموقف الأمريكي عبر مجموعة من المراحل المهمة بداية من عام 2005 وحتى الآن:
1- مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية:
بدت المواقف الأمريكية بعد تعديل المادة 76 من الدستور التي تتعلق انتخاب رئيس الجمهورية غير حاسمة وتجمع بين القبول والرفض، والإشادة والشجب، فقد رفض توم كيسي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية التعليق عليها بحجة أنه لم يتم فحصها جيداً، ولكنه أشاد بمبادرة الرئيس في هذا الصدد . كما أشادت رايس بقرار تعديل المادة 76 من الدستور، وحثت مصر إلى أن تلعب دوراً قيادياً في الإصلاح السياسي في الإقليم . ورحبت بالانتخابات الرئاسية التعددية، ولكنها حثت الحكومة على إجراء انتخابات حرة ونزيهة. واعتبرت أن الديموقراطية عملية طويلة ومستمرة وصعبة، تأخذ عشرات السنين. امتد التعبير الإيجابي إلى الأوساط الأكاديمية والصحفية التي رحبت بالتطور الديموقراطي في مصر خصوصاً مع إجراء الانتخابات الرئاسية وذلك مثل المؤرخ الشهير ديفيس هانسون . لقد أشادت الولايات المتحدة بإجراء الانتخابات الرئاسية . وقد امتدحت كارين هيوز وزيرة شؤون الدبلوماسية والعلاقات العامة الإصلاح الاقتصادي وأشادت بالانتخابات الرئاسية، وطالبت بأن تكون الانتخابات البرلمانية أكثر انفتاحاً، وحق المرشحين للوصول لوسائل الإعلام وحضور المراقبين الدوليين باعتبار ذلك خطوات في طريق الديموقراطية. وأشادت بدعوة الرئيس في حملته الانتخابية لإلغاء قانون الطوارئ.
وأشاد ديفيد ولش بالانتخابات الرئاسية والتعديل الدستوري باعتبارها خطوة جيدة نحو الأمام، ونتطلع لتحرك نحو مزيد من الديموقراطية والمشاركة السياسية. وقال إن الإدارة رحبت بالانتخابات وهنأت الرئيس على الانتصار. وكان جيداً حضور المعارضة ونشاطها. وكانت الانتخابات شفافة. وفي كل انتخابات هناك أمور يمكن تطويرها، ولدينا ملاحظات عليها، ولكننا نراها خطوة جيدة للأمام. وعندما سأل عن تزوير الانتخابات وعن تصريح لرايس قالت فيه إن الانتخابات قد زورت ، على الرغم من أنها سابقاً قالت أنها خطوة في طريق الديموقراطية، نفي ويلش وقال لا أدري من أين جاءت هذه الكلمة . وهكذا بدا التردد في المواقف الأمريكية، بين نقد ضمنى يليه إشادة، وتصريح سلبى يليه تراجع عنه، ولكن بصفة عامة انتهى الموقف إلى تجاهل الاعتراضات على الانتخابات والتعديل الدستوري، والإشادة بها، وعدم إعلان موقف واضح من الإخوان.
وربما يكون من المهم في هذا الصدد أن نقارن هذه المواقف الرسمية والتصريحات العلنية بتقييم مجموعة الأزمات الدولية للوضع السياسي في مصر بعد الانتخابات الرئاسية حتى ندرك مدى الاختلاف بين الموقفين الأكاديمي والرسمي، فقد اعتبر تقرير مجموعة الأزمات الدولية أن "الانتخابات الرئاسية، التي جاءت استجابة للضغط الأمريكي، كانت بداية زائفة للإصلاح". واعتبرت المجموعة "أن التمديد على المستوى الرئاسي يمثل إصلاحاً رمزياً ما دامت المعارضة أضعف من أن تنتج مرشحين مرموقين. وإذا كان يُراد للإصلاحات الإضافية التي وعد بها مبارك أن تكون ذات مغزى، فيجب أن تهدف إلى إعادة صياغة وترتيب العلاقات بين الدولة والحزب الوطني الديموقراطي، وفوق ذلك كله تعزيز سلطات البرلمان. ويجب على المعارضة القانونية أن تتولى هذه التغييرات وتتغلب على انقساماتها، إذا كان يراد لها أن تصبح ملائمة وتتمكن من منافسة الإخوان المسلمين في التأثير على الشعب". ويضيف التقرير أن التعديلات "كانت بداية خادعة"، و"من الخطأ للاعبين من الخارج، وبالأخص الولايات المتحدة، إضفاء أهمية مبالغ بها، على الطريقة التي تم بموجبها إجراء الانتخابات".
ويقدم التقرير توصيات إلى الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" والجماعات الأخرى من خارج البرلمان التي تدعو إلى الإصلاح، وإلى الأحزاب السياسية الرئيسية المعارضة (الوفد، الحزب الناصري، التجمّع، الغد)، وإلى الحكومة المصرية. وفي حين أنها لم تقدم توصيات للإخوان أنفسهم إلا أنها طالبت الحكومة بالاعتراف بالحاجة، كجزء لا يتجزأ من العملية الأوسع للإصلاح السياسي، إلى إضفاء الشرعية على وضع الإخوان المسلمين للسماح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية واتخاذ الخطوات التمهيدية لتحقيق ذلك، وعلى الخصوص:
أ- إضفاء الشرعية على الإخوان المسلمين كجماعة، وإلى أن يتم ذلك، التوقف عن الاعتقال التعسفي للإخوان المسلمين بحجة عضويتهم في منظمة محظورة والإفراج عن جميع الإخوان المعتقلين حالياً بسبب هذه الحجة وحدها.
ب- النظر في مراجعة وتنقيح القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية للسماح للإخوان المسلمين (والمنظمات اللاعنفية الأخرى ذات المرجعية الدينية) بالمشاركة جماعياً في السياسة.
ج- دراسة كيفية فصل إشراف الدولة على الأوقاف والمؤسسات الدينية عن الحزب الحاكم.
د- إشراك قيادة الإخوان المسلمين في حوار مفتوح حول هذه القضايا .
2- الانتخابات البرلمانية وبوادر التراجع الرسمي عن خطاب الديموقراطية: واستمرار التجاهل الرسمي لدور الإخوان:
برز اختلاف واضح في المواقف بين الإدارة الأمريكية و تغطية وسائل الإعلام أثناء إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث أبرزت الأخيرة سلبيات العملية الانتخابية ووجهت انتقادات عنيفة للحكومة على عكس المواقف الخجلى للإدارة. فقد تابعت الصحف الأمريكية الانتخابات باهتمام كبير، وأكدت الصحف الأمريكية الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست والديلي نيوز في مواقعها علي الانترنت أن الانتخابات التشريعية في مصر كشفت عدم التزام الحكومة والحزب الوطني بالديمقراطية أو الحرية، وأن ضغوط الرئيس بوش لتوسيع هامش الديمقراطية والإصلاح السياسي لم تحقق الغرض منها .
واتهمت بعض الصحف الأجهزة الأمنية بأنها تدير النظام السياسي، حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست" في مقال لها تحت عنوان "إنهاء الحرب الصامتة في مصر" أن الخطر الحقيقي الذي تمثله أجهزة أمن الدولة في مصر، كما في كثير من دول الشرق الأوسط، هو استمرارها في إدارة النظام السياسي بأكمله سراً، وذلك بعد انكشاف دورها في الانتخابات .
وقد غطت الصحف الانتخابات وما شهدته من عنف . ونظرت إلى العنف على أنه جهد حكومي لخلق الفوضى التي تمنع الإخوان من تحقيق مكاسب أكبر . واتهمت الحكومة بتخويف الناخبين الذين ذهبوا لانتخاب مرشحي الإخوان . وأشارت الصحف إلى أن العنف في المرحلتين الثانية والثالثة بدأ بعد الحضور القوي لمرشحي الإخوان .
وتابعت أداء الإخوان في الانتخابات، وعرضت لرأي صبحي صالح مرشح الإخوان في الإسكندرية عن مستقبل مصر قائلاً أنه لو تم تطبيق الإسلام فلن يكون هناك أي جائع . واهتمت الصحف برصد الشعارات الدينية في الانتخابات . واستطلعت آراء الناس حول طموحات الناس وفهمهم لشعار الإسلام هو الحل . أثبتت الانتخابات أن الإخوان هم قوة المعارضة الأولي التي هزمت المعارضة العلمانية وحزب الحكومة . وعلى العكس من ذلك فإن المواقف الرسمية الأمريكية كما يعبر عنها الرئيس الأمريكي ووزيرة الخارجية تجاهلت التعليق علناً وبصورة رسمية صريحة على ما رصدته الصحف الأمريكية سلبيات الانتخابات، وتركت ذلك لمسئولين أقل شأناً.
وقد جاءت تصريحات رايس وبوش أثناء فترة الانتخابات لتركز على محاربة الإرهاب ودعم الديموقراطية بصورة عامة وهلامية، مع إمكانية توجيه بعض النقد الضمنى الذي يرضي جميع الأطراف والتي يتم نسيانها بعد ذلك. فأثناء ما اعتبرته المعارضة تزويراً للانتخابات في المرحلتين الثانية والثالثة، أشادت رايس بالتطور الديموقراطي في الشرق الأوسط ، وذكرت من ذلك قيام مصر بتعديل الدستور وإجراء انتخابات تعددية . واستمراراً للتصريحات المتضاربة التي توجه نقداً ضمنياً غير صريحاً، قالت رايس أثناء زيارة رايس لكازخستان في 13 أكتوبر 2005 "إنني عندما كنت في مصر قلت إن المخاوف من التطرف لا يمكن أن تكون سبباً لعدم إجراء انتخابات نزيهة وحرة. والديموقراطية هي الرد على التطرف والإرهاب" . وعلى الرغم مما في هذا التصريح من نقد ضمنى لسلبيات الانتخابات المصرية، إلا أنه تضمن اتهاماً غير صريحاً للقوى الإسلامية المشاركة في الانتخابات بأنها قوى متطرفة.
وفي خطاب لبوش في نوفمبر أثناء الانتخابات المصرية أكد على مقاومة الإرهاب والراديكالية من خلال الديموقرطية، واعتبر أن "الديموقراطية وإحلال الأمل في الشرق الأوسط من وسائل التعامل مع الإرهاب، فانتشار المرارة والتعاسة سيجد الراديكاليون ملايين المؤيدين. ومع السماح للناس باختيار مستقبلهم وتعزيز مشاركتهم سيتم تهميش المتشددين، ويتراجع العنف الراديكالي في باقي أنحاء العالم. الأمم الحرة هي أمم سلمية، والديموقراطيات لا تحارب جيرانها. نحن سنكون أكثر أمناً إذا تقدمت الحرية والديموقراطية" . وقد رفضت الإدارة توجيه أي نقد علنى لموقف مصر من منتدى المستقبل الذي عقد بالبحرين أثناء الانتخابات وأثير جدل عن موقف مصر من المنتدى . فقد قامت مصر بمساندة دول عربية بتعطيل إصدار بيان منتدى المستقبل بسبب قضية دعم استقلال المنظمات غير الحكومية. كما ساهمت مصر في عدم نجاح جهود مجموعة الدول الثماني في تدعيم الإصلاح .
ومع اشتداد التدخلات الأمنية في الانتخابات في المراحل الأخيرة اضطرت الإدارة الأمريكية لإعلان بعض الانتقادات الخجلى وكان من أبرزها انتقادات الناطق باسم الخارجية الأمريكية الذي عبر عن ضيق الإدارة الأمريكية من أحداث العنف والتجاوزات الأمنية التي شهدتها الانتخابات المصرية . وأبدت الإدارة الأمريكية انزعاجها من التجاوزات ي الانتخابات البرلمانية بعد صمت طويل، وذلك بعد وقوع قتلى ومئات المصابين في الجولة الثالثة.
على الرغم من أن كثير مما اعتبرته الإدارة الأمريكية تجاوزات كان موجهاً ضد الإخوان إلا أنها ركزت على نقد ما حدث لبعض قوى المعارضة التي تصفها بالعلمانية والليبرالية، وتجاهلت ارتباط توجه أغلب تلك التجاوزات نحو الإخوان. لقد صرح آدم إيرلي نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "إن احتجاز مرشح انتخابات الرئاسة السابقأيمن نور وساسة آخرين من المعارضة وتجاوزات أفراد الأمن ومنع مراقبين محليين وناخبين من دخول مراكز اقتراع أمور مثيرة للانزعاج". هذا الانتقاد العلني من الإدارة الأمريكية كان يعد الأقوى لأسلوب تعامل الحكومة المصرية مع العملية الانتخابية ويأتي بعد شكاوى جمعيات حقوقية من أن الولايات المتحدة تجاهلت تجاوزات انتخابية منذ بدء الانتخابات في التاسع من نوفمبر. ويلاحظ أن هذا النقد ارتبط أساساً بما حدث لرئيس حزب الغد أيمن نور في الانتخابات البرلمانية، وبعد أن أمرت محكمة مصرية أمرت بحبس نور على ذمة قضية التزوير المتهم فيها، في خطوة قال دبلوماسيون أمريكيون أن واشنطن حذرت السلطات المصرية منها، وقدم السفير الأمريكي لدى مصر على إثرها شكوى رسمية إلى وزير الخارجية ، كما حث إيرلي السلطات على بذل كل ما في وسعها لضمان محاكمة نور وفق المعايير الدولية . وعلى الرغم انتقادات الإدارة الأمريكية لتعامل الحكومة مع أيمن نور إلا أن الحكم صدر بسجن أيمن نور خمس سنوات في قضية نظر إليها في واشنطن على أنها قضية سياسية لتخفيف التحدي ضد احتكار السلطة .
وفي المقابل استمر التجاهل الأمريكي وعدم إعلان موقف محدد تجاه سياسة الحكومة ضد الإخوان، فرداً على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة احتجت أيضا على اعتقال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين قال ايرلي في نفس المؤتمر "إنه ليس لديه تفاصيل بشأن هذه القضايا"، لكنه أكد على أن "الترويع والمضايقات" لا يتفقان والتزام الحكومة المصرية بالحرية .
وفي ظل ما بدا من بوادر تراجع أمريكي عن الضغوط من أجل الإصلاح أو على الأقل المواقف المترددة المتناقضة، بعثت منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان رسالة إلى وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تشكو مما رأت انه محاولة إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش حماية الحكومة المصرية من الانتقاد. وأثار استياء الجماعة الحقوقية بشكل خاص قول شين مكورميك المتحدث باسم وزارة الخارجية انه "لم يتلق في هذه المرحلة" أي إشارة على أن الحكومة المصرية غير مهتمة بانتخابات مسالمة حرة ونزيهة. ولكن هيومان رايتس ووتش قالت إنها ترحب بتصريحات المسئول الأمريكي الأخيرة لأن وزارة الخارجية "وضعت مسافة ما" بين إدارة بوش ومبارك ". وعلق جو شتروك نائب مدير قسم الشرق الأوسط بجماعة هيومان رايتس ووتش على هذا قائلاً: "أخيرا انتبهت وزارة الخارجية لما يحدث في مصر" .
17 - 4: حسم الجدل داخل إدارة جوج بوش حول الموقف من الإخوان:
اعتبرت الأوساط الأمريكية نتائج الانتخابات البرلمانية في مصر وفلسطين خطراً على المصالح الأمريكية، فجرت جهود حثيثة للتهدئة وتصفية التوتر في العلاقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية في ملف الإصلاح الديموقراطي خصوصاً قضية أيمن نور، فأثناء زيارة رايس للقاهرة في فبراير 2006 أكدت أن الولايات المتحدة لا تتعجرف في موضوع الديموقراطية. وأشارت إلى أنها تحتاج وقتاً، فهي عملية صعبة، وأنها تواجه صعوبات (خاصة في موضوع أيمن نور) يتم مناقشتها بين الأصدقاء. وأشادت بالبرلمان لأنه مختلف كلية عن سابقه، حيث فاز المعارضة بمقاعد أكثر من أي انتخابات سابقة. والرئيس سعى للحصول على ثقة الشعب . ولكنها تجاهلت أن معظم المعارضة من نواب الإخوان.
ويلاحظ أنه على الرغم من تعدد الانتقادات الأمريكية للحكومة المصرية منذ عام 2004 إلا أن حكومة بوش أيدت استمرار تقديم المساعدات لمصر. وهو ما يمكن تفسيره على ضوء العلاقة الخاصة بين البلدين، حيث قال مسؤولان أميركيان كبيران إن مصر تعتبر حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتستحق استمرار تقديم المساعدات لها. وكان ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ومايكل كولتر نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية والعسكرية قد أدليا بشهادتيهما يوم 17 مايو 2006 أمام اللجنة الفرعية لشؤون العلاقات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط ووسط آسيا التابعة لمجلس النواب الأميركي. وقال ولش في شهادته المعدة مسبقاً "إننا قلقون من تأجيل الانتخابات المحلية، وتمديد العمل بقانون الطوارئ لمدة عامين، ومحاكمة اثنين من القضاة ممن صرحوا علناً بآرائهم، والعنف الذي حدث مؤخرا تجاه المظاهرات السلمية واعتقال الناشطين المطالبين بالديمقراطية". ورغم أن ولش أشاد بالرئيس المصري حسني مبارك لتعديله الدستور المصري وإجراء انتخابات رئاسية سمح فيها بمشاركة عدة مرشحين للمرة الأولى في البلاد، فإنه قال إن الانتخابات البرلمانية شابتها "مخالفات للقواعد" وحدثت فيها "أحداث عنف خطيرة" خلال الجولتين الأخيرتين. وأشار كل من ولش وكولتر إلى الدور المهم والحيوي الذي تقوم به مصر بالمساهمة في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وأعرب كولتر عن امتنان الولايات المتحدة لمصر لما تقدمه من دعم للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان .
تقييم الموقف بعد الانتخابات البرلمانية:
لقد نجح 61 % من مرشحي الإخوان في انتخابات نوفمبر- ديسمبر 2005، وحازوا نحو 20% من مقاعد البرلمان لأول مرة. وفسرت صحف أمريكية فوز الإخوان بسبب الشبكات الاجتماعية الواسعة للحركة، وضعف أحزاب المعارضة الرسمية والعملية الانتخابية المفتوحة نسبياً. ورأت أن هذه الانتصارات يمكن أن تدعم من يطالبون الغرب بالتعامل مع الحركة على الصعيد الخارجي، كما أنها تفيد أن نظام الرئيس مبارك يحتاج إلى قبول تسوية حذرة مع الإسلاميين على الصعيد الداخلي. وقد أبرزت ما مواقف وسياسات معينة للإخوان باعتبار أنها "تجعل التدخل الغربي غير سهلاً، لأن الإخوان كما يقول مرشدهم "يجعلون من مقاومة الفساد القادم من الغرب أولوية أساسية لهم". ويضيف أن "هدف الولايات المتحدة من الحوار المفتوح معهم هو إثارة الشعب ضدهم، ويحذر من حدوث صدام في أول جلسة من جلسات الحوار. إنهم لا يقدمون أي شئ في مصلحتنا، والكلام عن دمج الإسلاميين يثار من أجل حماية مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل". وتشير الصحيفة إلى موقف الإخوان من إسرائيل، وتنسب لعاكف قوله إن أي "حكومة للإخوان في مصر لن تعترف بإسرائيل الكيان الغريب في المنطقة الذي نتوقع أن يزول هذا السرطان قريباً" . وترى الصحيفة أن تعليقات عاكف ستسبب إحباطاً لمن يعتقدون أن دمج الإخوان في العملية السياسية سوف يدفعهم للاعتدال .
وبالفعل فقد أبرزت وسائل إعلام أمريكية تصريحات عاكف عن الهولوكست في بيان له على موقع الإخوان انتقد فيه الولايات المتحدة وأعلن أن "الهولوكست هو أسطورة" . وتابعت الجدل حول أثار حديث مرشد الإخوان عن الهولوكست، ورصدت تأكيد الإخوان أن تصريحاته أسئ فهمها .
وتهتم وسائل الإعلام الأمريكية برصد اتجاهات الإخوان المسلمين نحو قضايا السياسة الخارجية وتتابع مواقفهم باهتمام، ومن ذلك قول مهدي عاكف "أن الإخوان يحترمون الاتفاقات الدولية التي وقعتها الحكومة المصرية بما فيها اتفاقية السلام مع إسرائيل". ولكنها اعتبرت المشكلة في أن لغة الإخوان وخطابهم نحو أمريكا وإسرائيل غير ودية .
وإزاء هذه المواقف التي أثارت قلق الأمريكان بالتأكيد، جاءت الانتخابات الفلسطينية لتحسم الجدل داخل الإدارة الأمريكية حول قضية الضغوط من أجل الديموقراطية. فقد كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعيد النظر حالياً في خططها المعلنة لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط بعد الفوز الساحق لحركة حماس الإسلامية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. فمنذ ظهور نتائج تلك الانتخابات فإن "فيضا من التقارير والدراسات ينهال على إدارة بوش ينصحها بالتروي والإبطاء في مسألة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط". كما صدرت توصيات عديدة من المراكز البحثية والفكرية المحافظة والداعمة للإدارة الجمهورية في البيت الأبيض تدعوها إلى "عدم الضغط على الأنظمة (العربية)، والتوقف عن المضي قدما في اتجاه فرض نموذج نشر الديمقراطية في شرق أوربا على دول المنطقة الإسلامية". وقد ظهر الخلاف بين صفوف المحافظين الجدد ففيما دافع بعضهم عن نتائج الانتخابات الفلسطينية باعتبارها وسيلة مفيدة لجعل حماس مسئولة عن تصرفاتها وتطويع مواقفها، انتقد البعض الآخر هذا الموقف انطلاقا من قناعاتهم الرافضة للتعامل مع الإٍسلاميين. ويبدو أن المكاسب الانتخابية التي جناها الإسلاميون في إيران ومصر وفلسطين، بدأت "تهز إيمان المسئولين الأمريكيين بفرض الديمقراطية في شرق أوربا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي على دول منطقة الشرق الأوسط، وباتت قناعتهم بتكرار هذا النموذج الأوربي بين دول المنطقة ضعيفة" بعد أن كانوا يرون أن نشر الديمقراطية وسيلة ناجعة لمكافحة "الإرهاب" القادم من تلك المنطقة.
وعرضت صحيفة "فايننشال تايمز" للنصائح والنداءات التي تدعو بوش إلى عدم التسرع والضغط من أجل فرض الديمقراطية على الشرق الأوسط، ومنها ما قاله أريل كوهين الباحث في "مؤسسة هيريتج" -مركز الدراسات المحافظ الداعم للسياسة الخارجية لبوش-: إن "الدرس المستفاد من فوز حماس هو أن عملية نشر الديمقراطية يجب أن يتم إبطاؤها وإضفاء صبغة واقعية عليها، إضافة إلى وجوب اعتبار الديمومقرطة عملية طويلة المدى". ورأى كوهين أن فوز حماس هو "حادث كارثي يوجب إعادة تقويم السياسة (الأمريكية المتبعة) في الشرق الأوسط".
كذلك فإن "نيكولاس جفوسديف"، رئيس التحرير التنفيذي لدورية "ناشيونال إنترست" الأمريكية التي تروج لاتباع سياسة خارجية "واقعية"، رأى بدوره أن بعض المسئولين الأمريكيين بدءوا بالفعل يشككون في الطرح الذي عبر عنه بوش في خطاب التنصيب لولايته الثانية قبل أكثر من عام حين قال: "إن نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط يمثل ضرورة أخلاقية ومصلحة وطنية أمريكية". واستشهد على ذلك قائلا: إن الفتور الذي يبديه هؤلاء المسئولون إزاء الضغط والمطالبة بديمومقرطة الشرق الأوسط بات واضحا؛ حيث اختفت تقريبا تصريحات مسئولي الإدارة الأمريكية الداعية إلى ذلك بعد أن كانت ملء السمع والبصر خلال العام الماضي .
لقد ترك صعود الإخوان وحماس الإدارة الأمريكية في مأزق التفكير في العواقب غير المقصودة لحملة دعم الديموقراطية في العالم العربي. ورأى البعض أن "انحصار الصراع بين الإخوان والحزب الوطني ليس هو المستقبل الديموقراطي الذي تستحقه مصر" .
لقد أصيبت الولايات المتحدة بخيبة أمل من فشل أحزاب المعارضة (العلمانية). وبصورة واقعية فإنها فوجئت بتنامي نفوذ الإسلاميين في مصر وفلسطين، فتراوح موقفها بين تجاهل السياسات القمعية للحكومة أو نقدها إعلامياً ومن مستويات دنيا في الإدارة الأمريكية إعلامياً دون أي اتخاذ إجراءات ملموسة للضغظ من أجل الديموقراطية، وذلك خوفاً من حصول الإخوان على مزيد من القوة والنفوذ السياسي. ولذلك طالبت تامارا كوفمان الباحثة في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط الولايات المتحدة أن تعيد التفكير في سياستها التي تتجنب وتنأى بنفسها عن كل الاتصالات بالإخوان المسلمين، مؤكدة أنها تعتقد "أن الحوار مع كل القوى السياسية هو أمر مفيد للحصول على المعلومات وتفهم إمكانية وجود تفاهم مشترك" ولكنها تشير إلى أنها تتفهم لماذا تتردد الإدارة الأمريكية أو تبدى حذرها من دخول الحوار مع الإخوان أخذاً في الاعتبار تاريخ العنف لدى الإخوان". بينما يرى عمرو حمزاوي أن الولايات المتحدة لا تريد أن تدعم الإخوان. ومن الصعب القول أن الولايات المتحدة ستدفع مبارك خلال السنة أو العامين القادمين للاعتراف بحزب للإخوان. فهم سيضغطون من أجل الانفتاح السياسي، وربما يمنعوه من تكرار تجربة الجزائر والانهيار أمام الإسلاميين وتقليص دورهم". وهنا يثور التساؤل مرة أخرى هل تستمر الولايات المتحدة في الحث على الديموقراطية في الشرق الأوسط حتى لو كانت الأحزاب الإسلامية المعادية للسياسات الأمريكية هي المستفيد الرئيسي من الديموقراطية .
وبدا أن الحل المطلوب هو تقليص استفادة الإسلاميين من الديموقراطية، وتعظيم منافع قوى أخرى أقل رفضاً للسياسة الأمريكية.
وهكذا يستمر الجدل بين الاتجاه الذي يطالب بالحوار مع الإخوان والتوقف عن دعم الديموقراطية، وبين الاتجاه الذي يحذر من خطورة الإخوان على المصالح الأمريكية.
والاتجاه الأول يرى أن التحول الديموقراطي لن يظهر باستمرار انتظار ظهور القوة الديموقراطية الليبرالية التي تناسب السياسة الأمريكية. ويمكن لحضور الإخوان القوي بعد الانتخابات أن يساهم في مقرطة النظام إذا قام النظام بعقد تسوية مع الحركة واستجاب لمطالب الإصلاح السياسي . ويطالب عماد شاهين أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية والخبير في شؤون الإسلام السياسي الولايات المتحدة بتطوير سياسة متماسكة ومتسقة للتعامل مع الإسلام السياسي .
وفيما يخص تقييم تأثير العوامل الخارجي على العلاقة بين الإخوان والنظام، يمكن القول أن العوامل الخارجية ليست هي المحدد الوحيد لهذه العلاقة، ولكنها تدخل في الحسابات التي تؤثر على مسار هذه العلاقة.
ويدرك الإخوان أن الانفتاح السياسي الحالي جاء جزئياً بسبب ضغوط الولايات المتحدة بصرف النظر عن الدوافع خلف هذه الضغوط. يمكن للولايات المتحدة أن تشجع تسوية حذرة باستمرار الضغط من أجل بناء عملية ديموقراطية، وتجنب الدخول في مناقشات حول حدود القوى التي يمكن أن تفوز في هذه العملية. والولايات المتحدة لديها مخاوف مشروعة من صعود الحركات الإسلامية في الإقليم ومن عمق الاختلاف في بعض القضايا مع الإخوان. ولكنها إذا سمحت للنظام باستغلال هذه المخاوف لوضع الإخوان في شكل تهديد أمني أكثر منهم فاعل سياسي شرعي، فإنها ستشجع اتباع سيناريو جزائري معدل.
وفي الحقيقة فإن التحول الديموقراطي لن يظهر بانتظار ظهور القوى الليبرالية الديموقراطية التي تناسب المواقف الأمريكية. إن الحضور القوي للإخوان في الانتخابات يمكن أن يسهم في المقرطة إذا قادت الحكومة المصرية لأن تجد طرق للتسوية والتوفيق بين شعبية الحركة ومطالب الإصلاح السياسي، وعلى الولايات المتحدة أن تشجع كل الجهود لهذه النهاية .
ويدور مستقبل علاقة النظام بالإخوان حول سيناريوهات ثلاثة هي لجوء النظام إلى مزيد من القمع، أو قبول الدور الجديد للإخوان ودمجها كلية، أو تسوية وضعها بطريقة حذرة .
لقد تحقق ما حذر منه بعض المحللين من توقع "أن تتجه إدارة بوش تحت ضغط النظام لاعتبار مكاسب الإخوان تحدياً أمنياً أكثر منه سياسياً، وإذا خضعت الولايات المتحدة لتلك الرؤية السوداء فإنها ستدفع للعودة إلى الوضع الجامد في التسعينات، عندما كان النظام والحركة يتصارعان في المحاكم وليس في المواقع السياسية" .
وبالفعل فقد تكرر سيناريو التسعينات حيث تم تقديم مجموعة كبيرة من قادة ورموز الإخوان للمحاكمات العسكرية وتراجعت الضغوط الأمريكية بصورة واضحة، بل ظهر أن هناك قبول ضمنى بسياسات الحكومة ضد الإخوان، وأدت هذه التطورات إلى تقلص الهامش الديموقراطي المتاح في مصر.
التوصل إلى صيغة سياسية مرنة في الملفات الساخنة:
توصل الطرفان المصرى الأمريكي إلى صيغة سياسية تحكم العلاقة بين الطرفين الأمريكي والمصري، إحداهما تتسم بالمرونة والأخذ والرد في ملف الإصلاح والديموقراطية، والأخرى منضبطة ومحكمة في ملف مواجهة الإخوان المسلمين:
1- لعبة التصريحات حول موضع الديموقراطية:
نجح الطرفان المصري والأمريكي في التوصل إلى صيغة مرنة في ملف الإصلاح والديموقراطية، تهمش من تأثير اختلاف المواقف على العلاقة بينهما، فالإدارة الأمريكية احتفظت بما تراه حقها في نقد سياسات النظام المصرى في بعض المواقف والسياسات التي لا ترضيها طالما أنها لا تتضمن تغييراً في السياسات والاستراتيجيات الأمريكية أو أن تصب في صالح الإخوان بصورة مباشرة، والحكومة المصرية تحتفظ بحقها في الرد على هذه التصريحات والمواقف بالشكل الذي تراه مناسباً: تصريحات مضادة أو حملة صحفية. وظهر نجاح تلك الصيغة في قضايا مثل أزمة القضاة وسجنأيمن نور...إلخ. وعلى سبيل المثال فأثناء تصاعد أزمة القضاة في مايو 2006، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها العميق من قيام قوات الأمن المصرية قامت بقمع التظاهرات السلمية المحتجة على التلاعب في الانتخابات والداعية إلى استقلال القضاء. وفي المؤتمر الصحفي اليومي لوزارة الخارجية الأميركية قال المتحدث باسم الوزارة شون مكورميك يوم 11 مايو "إن مثل تلك الإجراءات تتنافى مع الالتزام المعلن من الحكومة المصرية بزيادة الانفتاح السياسي والحوار داخل المجتمع المصري. وقال إن الولايات المتحدة ستواصل الحديث علنا "بمنتهى الصراحة" عن حق الشعب في التظاهر السلمي .
وقد انتقد مكورماك المتحدث باسم الخارجية الأميركية قمع الحكومة للمتظاهرين في مصر، الذين يحتجون ضد تزوير الانتخابات ويطالبون باستقلال القضاء. وأكد استمرار واشنطن في دعم الإصلاح السياسي وحرية التعبير والتظاهر. وأشار إلى متابعة واشنطن للموضوع ولكنه لم يجد ضرورة لقيام وزيرة الخارجية بمخاطبة الرئيس المصري في ذلك، مكتفياً بمتابعة السفارة .
2- توحيد الرؤية بخصوص الإخوان:
تبلورت مواقف مشتركة بين الإدارة الأمريكية والحكومة المصرية منذ انتخابات 2005 و2006 في مصر وفلسطين تعتبر الإخوان خطراً ينبغى التصدي له، ولكن ينبغي توزيع الأدوار، فالحكومة المصرية تقوم بالجهد الأساسي في المواجهة التشريعية والسياسية والأمنية، في حين تكتفي الإدارة الأمريكية بغض الطرف عما يحدث من تجاوزات، مع احتفاظ أمريكا بحق النقد إذا أصابت سياسات المواجهة ما تعتبرهم الولايات المتحدة قوى علمانية وليبرالية معارضة تطمع أن تشكل البديل الممكن لتطوير النظام السياسي المصري.
وأثناء تعليق المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون مكورميك على أزمة القضاة في مصر ودعوته للحوار في مصر، جاءه سؤال يوحي بالإجابة ومعبأ بالمواقف المسبقة يقول : هل تشمل تلك الدعوة للحوار الإخوان الذين يريدون الإطاحة بالحكومة وبعيدين عن الديموقراطية؟ أكد مكورماك أن الدستور المصري لا يسمح بوجود هذه الجماعة، فهو يمنع قيام أحزاب على أسس دينية . وهو ما يشير إلى حدوث تطور مهم في المواقف الأمريكية يكاد يتطابق مع موقف الحكومة المصرية من الإخوان. وعلى الرغم من هذا الموقف إلا أنه يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الإدارة الأمريكية لا تعلن صراحة إلى إعلان موافقتها الصريحة على سياسة الحكومة المصرية في مواجهة الإخوان خصوصاً إذا تضمنت مخالفات قانونية أو دستورية لمبادئ حقوق الإنسان، فهناك بعض القوى في المجتمع المدني الأمريكي خصوصاً في مجال الصحافة وحقوق الإنسان لن يرضيها ذلك. ولذلك تفضل الإدارة الأمريكية التزام الصمت الذي يعكس مشاعر الرضا والقبول، مع الاكتفاء بإعلان مواقف شكلية عامة في ملف الإصلاح للاستهلاك الداخلي والخارجي.
خلاصة:
واجهت الولايات المتحدة مأزقاً بإعلان التزامها بالديمقراطية التي قد تأتي بحكومات مناهضة للولايات المتحدة ومعادية للصهيونية. وقد جاءت نتائج الانتخابات المصرية لتكون بمثابة جرس إنذار للإدارة الأمريكية بل وإسرائيل التي لا تتمنى أن تجد نفسها بجوار مصر تحت حكم إخواني، وقد أعلن محمد حسنين هيكل أن شارون اتصل ببوش في أعقاب المرحلة الأولى من الانتخابات مطالباً إياه بالتدخل، وذلك بعد ظهور تفوق الإخوان، محذراً من تأثير ذلك على الوضع في فلسطين وعلى تزايد فرص حماس في الانتخابات التشريعية، وهو ما ثبت صدقه سريعاً إذ أحرزت حماس نصراً كبيراً مفاجئاً. وفي ظل هذه التطورات بدأت السياسة الأمريكية تراجع مواقفها، وتتبنى سياسات حذرة تجاه موضوع الديموقراطية، وذلك في ظل ما تواجهه الولايات المتحدة من مشاكل داخلية وخارجية صعبة، بينما أثبتت الحكومات العربية قدرتها على استرضاء الولايات المتحدة وحماية مصالحها. ويمكن القول أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لصالح بناء نظم ديموقراطية ارتبط بوجود تفضيلات سياسية محددة ودعم مباشر لبعض القوى من أجل أن تفوز في الانتخابات وليس من أجل الديمقراطية بمعناها المجرد. وقد ترك صعود الإخوان وحماس الإدارة الأمريكية في مأزق التفكير في العواقب غير المقصودة لحملة دعم الديموقراطية في العالم العربي. فاتجهت إلى اعتبار مكاسب الإخوان تحدياً خطيراً. وترافق تصاعد الخلاف بين الإخوان والنظام وتكرار سيناريو المحاكمات العسكرية مع تراجع أمريكي عن عملية المقرطة. وظهر أن هناك قبولاً ضمنياً لسياسات الحكومة ضد الإخوان مما أدى إلى تقلص الهامش الديموقراطي وتراجع مسار الإصلاح السياسي.
الفصل الثامن عشر:الوضعية المستقبلية لجماعة الإخوان - من التنافسية والإقصاء إلى التوافقية
لماذا هذه الأزمة الخانقة التي وصلت إليها العلاقة السياسية بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر وبين الإدارة الحاكمة المصرية؟ لقد كانت العلاقة منذ 1974 قائمة على الكر والفر أو الإقدام والإحجام والمتابعة بينهما، حتى وصلت العلاقة لطريق مسدود، هذا الطريق المسدود انتهى بمحاكمات عسكرية ارتفع سقف العقوبة المقيدة للحرية فيها إلى 10 سنوات، وتجاوز الأمر التعامل الأمني إلى حد مصادرة الأموال وتجفيف منابع تمويل الجماعة وتصفية قياداتها المالية التي حصلت على أقصى العقوبة ضمن المحاكمة العسكرية السابعة.
وما هي سيناريوهات المستقبل - التي وضعها الباحثون في شئون الحركات الإسلامية بعد صدور الأحكام العسكرية– فيما يتعلق بعلاقة الإدارة المصرية الحاكمة بجماعة سياسية تحظى بشعبية جماهيرية مثل جماعة الإخوان المسلمين؟ وهل يمكن أن تقبل الجماعة بأي منها؟!
وهل هناك أمل في الخروج من مناخ الإقصاء والنفي المرتبطين برؤية النظام السياسي للسياسة كمشروع تنافسي باتجاه مشروع إخواني أكثر تكاملية تنتفي فيه حالة النفي وتحل محلها حالة من التوافق والتكامل؟.
هذا ما يحاول هذا الفصل توضيحه، وستتم معالجة هذا الموضوع فيه من خلال ثلاثة محاور، هي: البيئة السياسية الحاكمة لبدائل القرار، السيناريوهات المطروحة على الإخوان بعد صدور المحاكمات العسكرية، مسار الإصلاح الذي يمكن أن ينتهجه الإخوان من أجل الوصول إلى توافق مع النظام السياسي والنخبة على حد سواء
18 – 1: معطيات البيئة السياسية الحاكمة لبدائل القرار:
عند النظر إلى وضعية الحركات الإسلامية عموما والإخوان المسلمين خصوصا يمكن القول أن معطيات البيئة السياسية داخليا وخارجيا تمثل معوقات وتحديات أمام المشروع الإصلاحي في الجماعة وهذه التحديات دفعت الباحثين إلى طرح سيناريوهات عديدة لا تتسق مع فلسفة الجماعة أو مشروعها الإصلاحي. لكننا نطرح هذه المعطيات ليس لدعوة الجماعة من أجل تبني أحد البدائل المطروحة وإنما من أجل الوعي بالواقع المتشابك الذي تتحرك فيه بما يسمح لنا ببلورة بديل (إصلاحي) جديد تتبناه الجماعة ويؤدي إلى توفيق أوضاعها سياسيا وعدم حرمان البلاد من جهودها الكبيرة.
أ –عوامل تتعلق بالحكومة المصرية:
1 – الإدارة المصرية وشعبية الجماعة:
استمر تلاحق الضربات للجماعة ليصل إلى ذروته في انتخابات مجلس الشورى والتي تم تزويرها بالكامل، ولم يفز أحد من مرشحي جماعة الإخوان المسلمين. ومما أثار استغراب المراقبين أنه في أعقاب انتخابات الشورى استمرت الاعتقالات، بل وتزايدت بدون دافع سياسي محدد، ودون أن تكون ردا على موقف للجماعة، مما جعل المشهد يبدو غريبا. وأصبح السؤال المهم، ما الجديد في هذا التصعيد المبالغ فيه؟
إن ثمة جديداً في هذا السلوك الغريب، بما يمثل تغيرا نوعيا عما سبقه من منوال سياسي. والتعرف إليه سيكون دالا في رسم سيناريوهات مستقبل العلاقة. لقد بدأت الإدارة المصرية الحالية حملتها الأولى ضد جماعة الإخوان المسلمين في عام 1992 بما عرف بقضية سلسبيل ومحاكماتها، وتلى ذلك حالة من الهدوء النسبي انقطعت بتجدد المواجهات الأمنية في نهاية عام 1994. ثم شهدت المواجهة تطورا نوعيا منذ عام 1995 حين قدمت السلطات عددا كبيرا من قيادات الجماعة إلى المحاكمات العسكرية بعد عقدهم مجلس شورى الجماعة الذي شهد انتخابات مكتب الإرشاد يناير 1995 .
ويرى الدكتور رفيق حبيب أن وقائع قضية سلسبيل كانت بداية التحول الحقيقي، حيث استوعب النظام أن جماعة الإخوان المسلمين تخطط للوصول للحكم في يوم من الأيام. ثم تلا ذلك أحداث الجزائر، حيث فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات البرلمانية في عام 1992، والتي عززت توقع الإدارة المصرية بأن الجماعة قد تفوز في أية انتخابات حقيقية، مما يؤدي إلى وصولها إلى سدة الحكم. وبعد التخطيط لاحتمالات المواجهة؛ بدأت الحملة الرئيسية الأولى للإدارة المصرية ضد الجماعة في عام 1995 واستمرت على نفس المنوال، حتى هدأت نسبيا بعد عام 2001 .
ومن الواضح أن حملة 1995 كانت تهدف إلى الحد من جماهيرية الجماعة، ومحاصرة أنشطتها وشعبيتها، مما يسهم في تراجع قوتها الانتخابية. وتعززت هذه الرؤية في انتخابات عام 2000 التي أجريت تحت إشراف قضائي غير كامل، وحصلت فيها الجماعة على 17 مقعدا، وهو رقم أقل مما حصلت عليه في انتخابات 1987، وهو ما أشعر الإدارة المصرية بأن الوضع السياسي قد أصبح تحت السيطرة.
وبهذه الروح دخل الحزب الحاكم في مصر انتخابات 2005، حيث رأى النظام أنه يمكن إجراء انتخابات نزيهة نسبيا دون أن تحصل الجماعة على عدد مؤثر أو متميز من المقاعد. وعبرت نتائج المرحلتين الاولى والثانية من انتخابات 2005 عن فشل هذا التصور؛ مما دفع الإدارة المصرية للتدخل بقوة في المرحلة الثالثة من الانتخابات ضرورة للنظام للحفاظ على ماء الوجه. ونتيجة لهذا التدخل الذي شهد إراقة دماء؛ حصلت الجماعة على 88 مقعداً، وزورت نتائج 40 مقعداً آخر كانت الجماعة ستفوز بها. وبات واضحا أن كل المواجهات السابقة لم تحقق تأثيرا سلبيا على جماهيرية الجماعة، بل ربما أكسبها شعبية أكبر .
كان البديل التالي المعروض على الإدارة المصرية يتمثل في حظر دخول الجماعة الانتخابات قانونيا وفي هذا السياق بدأت الإدارة المصرية إجراءات تعديل الدستور والقوانين المرتبطة به. ونتج عن هذه الإجراءات إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات، وتشريع المحاكمات العسكرية للمدنيين . وتعاظمت المخاوف مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وأصبحت السلطة الحاكمة فعليا للقطاع مما جعل النظام يرى أنه أمام صعود إسلامي تجاه السلطة، تمثله حركة الإخوان المسلمين مع غيرها من الحركات الإسلامية، وأضيف لهذا انتصار حزب الله على الكيان الصهيوني. ومع كل تقدم إسلامي إقليمي كان إدراك الإدارة المصرية حيال الجماعة يتكرس باتجاه اعتبارها بديلاً قادماً للسلطة .
ويمكن القول أن مساومات الإدارة المصرية مع الإدارة الأمريكية، بالإضافة للتصاعد المتتالي للإسلاميين إقليميا قد أسفروا عن تشكل ما سمى بحلف المعتدلين العرب، وهو في الواقع حلف أمريكي صهيوني عربي، يهدف لضرب الحركات الإسلامية في مصر والأردن وفلسطين والسعودية، وهي الدول المحيطة بالكيان الصهيوني. وتلى ذلك دخول مصر في علاقات ومواقف داعمة لمواقف غربية وأمريكية وأحيانا صهيونية، في مواجهة حركة حماس وحزب الله.
لقد أدى هذا الحلف إلى تغيير رؤية الإدارة المصرية للأسلوب الأمثل للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد راهن النظام على قوته مبررا ذلك برغبته في التفرغ للقيام بدوره داخل المعتدلين الذي يمتد نشاطه إلى مصر والأردن وفلسطين، كبداية لضرب الحركات الإسلامية في بقية العالم العربي، وكان من الطبيعي أن يفضي هذا المنطق إلى محاكمة عسكرية جديدة بسيناريو أكثر تعسفا .
2 - المحاكمات العسكرية ودلالاتها المالية والسياسية:
لم تكن سابع محاكمة عسكرية للجماعة خلال العهد الحالي بنفس وتيرة سوابقها من المحاكمات الاستثنائية. حيث أنها حملت رسائل كثيرة من النظام للجماعة؛ بعضها لم يختلف عن الرسائل السابقة للإدارة المصرية الراغبة في انكماش الجماعة وعدم تمددها وحصارها، وبعضها جديد موجه مباشرة نحو العصب المالي والاقتصادي والقيادي للجماعة . ويتشاءم البعض ليروا في هذه الرسائل اتجاها سياسيا واحدا يتمثل في سعي الإدارة الحاكمة لإقصاء الجماعة سياسيا بصورة شاملة، وعدم إتاحة الفرصة أمامها لاكتساب مزيد شرعية وشعبية، بالإضافة إلى رغبتها أن تدفع الجماعة فاتورة تحديها في كل الفعاليات السياسية الماضية، والتي كلفت الإدارة المصرية تنازلات جمة لمواجهتها .
كانت الرسالة السياسية الأولى والأساسية التي سعت الإدارة المصرية الحاكمة لإرسالها للجماعة، هي التحجيم وإسكات الأصوات المعارضة، والسعي لوقف تمدد وانتشار الجماعة جماهيريا، وتقليص طموحات خروجها للشارع برفع ثمن هذا الخروج للسجن 10 سنوات. وقد ارتفع ثمن المشاركة إلى 10 سنوات بعدما أصر الإخوان على المشاركة في كل الانتخابات على الرغم من الرسائل الضمنية لهم بالانسحاب. وكان الإصرار على المشاركة في انتخابات الشورى والمحليات قد أزعج الإدارة المصرية كثيرا، خاصة وأن المادة 76 الجديدة من الدستور المصري تشترط حصول أي مرشح للرئاسة على تأييد 140 عضوا من أعضاء المجالس المحلية المنتخبة من 14 محافظة على الأقل، بالإضافة إلى تأييد ما لا يقل عن 90 عضوا من أعضاء البرلمان المصري بمجلسيه الشعب (65 عضوا) والشورى (25 عضوا). فالجماعة لها في مجلس الشعب 87 مقعدا، ولعل هذا ما يفسر التعامل معهم بقسوة لعدم الحصول على أي نسب أو مقاعد أصلا في انتخابات مجلس الشورى أو انتخابات المحليات .
3 – ملف التوريث:
معظم الآراء أظهرت أن الجماعة في كثير من الأحيان ظهرت في موقف المعارض الجذري لمشروع توريث الحكم في الإدارة المصرية، فيما قال البعض أنها بدت في أكثر من موقف مستعدة لتقبل توازنات الأمر الواقع، وأن معارضتها للتوريث ستكون من باب إبراء الذمة .
ويشير الدكتور عمرو الشوبكي إلى رأي ثالث يتمثل في القول بأن عددا من قيادات الجماعة اعتبر أن هذا المشروع أحد سبل التخلص من حكم المؤسسة العسكرية، وأن جانبا كبيرا من كوادر الجماعة أقرب إلى هذه القراءة، بالنظر لتأثر تجربتهم في جانب كبير منها بالميراث العدائي تجاه ثورة يوليو التي قادها ضباط.
ويدلل الشوبكي على رؤيته بما لاح في البداية من حياد علني لقطاع يعتد به من عناصر الجماعة تجاه الجدل المبكر حول موضوع التوريث، وتعاطف قطاع مؤثر منهم مع مقولة الحكم المدني كبديل عن الحكم العسكري. وتعاطف أيضا مع هذه المقولة في بدايتها قطاع يعتد به من الليبراليين واليساريين باستثناء التيار الناصري الذي ظل من أكثر التيارات رفضا لهذا المشروع. ومع الوقت تراجع حجم التأييد لمشروع التوريث، وامتد ليشمل القوى التي لم تناصبه العداء منذ البداية وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، حيث ضاعت مع الوقت كل الأحلام التي رأت أنه يحمل احتمالات إصلاح حقيقي، خاصة بعد الصورة التي جاء عليها تعديل المادة رقم: 76 من الدستور، وارتباط الوريث بمجموعة من رجال الأعمال غير المقبولين شعبيا .
إن رفض الجماعة الفاتر لمشروع التوريث يرجع في جانب منه إلى أنهم لم يشعروا بأن النظام الجمهوري قد حقق لهم عائدا تاريخيا مقبولا من الناحية العملية السياسية، بل العكس هو الصحيح. إلا أن هذه الخلفية لا تشكل بمفردها حسابات الإخوان، ولكنها عامل مهم في فهم الطريقة التي يديرون بها معركة التوريث؛ فهناك حسابات السياسة وتعقيدات الواقع، ومدى رغبة الإخوان في خوض معركة مفتوحة ضد التوريث وفرص نجاحهم. غير أن مشروع التوريث يمثل جزءا من أجندة النظام التي لابد من التعامل معها بقدر من الجدية.
المشكلة الأكبر المتعلقة بمشروع التوريث تتمثل في أن هذا المشروع لم يعد وليد الإدارة المصرية الحاكمة وحدها. فهذا المشروع - في بداياته – قام بخلق حالة تحالف اقتصادية سياسية قوية مع النخبة الاقتصادية المصرية، تلك النخبة التي مولت المغامرات السياسية للوريث، كما داوت جراح ارتفاع الأسعار بتمويل عمليات التعويض خلال الفترة الانتقالية التي تلاها تحايل الإدارة المصرية لتحميل فاتورة الدين الداخلي على جيب الشعب بدلا من جيب الخزانة . هذه النخبة تتوقع أن تظل في هذه المكانة الحالية في ظل مشروع التوريث. وهذه النخبة هي التي قادت عملية إغلاق انتخابات مجلس الشورى في وجه الجماعة عبر تمويل اكبر حملة تأجير بلطجية في تاريخ الانتخابات المصرية، وقادت عملية إرهاب الجماهير عبر 14 عملية قتل انتخابية. وهي مستعدة للحفاظ على هذا الأمل في الاحتفاظ بمكانتها مهما كلفها ذلك من مواجهات؛ وإن كانت مع جماعة الإخوان. هذا فضلا عن أنها لا تقوم بالمواجهة بنفسها، فهناك دوما من هو مستعد لقبول الهدايا والعطايا وتنفيذ المطلوب. وبالنسبة لهذا المعطى؛ فلا بديل لتنحية رأس المال الوفير عن مواجهة هذا المشروع إلا بتواضع النخبة على بديل للوريث، وهو ما يستحيل حدوثه بالنظر لخبرة أيمن نور!.
4 – مد العمل بقانون الطوارئ:
عاشت مصر طيلة الربع الثاني من عام 2008 في حالة من القلق والتوتر على اعتبار أن العمل بقانون الطوارئ كان على وشك الانتهاء في 31 مايو 2008 بعد فترة تطبيق بدأت منذ 27 عامًا، من دون إعداد بديل قانوني له، مما فتح باب التكهنات حول نوايا الحكومة، سواء باتجاه مد العمل بقانون الطوارئ؛ أو باتجاه إقرار قانون الإرهاب .
وفي الوقت الذي توقع البعض أن تلجأ الحكومة إلى تمديد حالة الطوارئ عام أو عامين "وهو ما تم بالفعل حيث تم التمديد لمدة عامين جديدين" شهدت أروقة البرلمان المصري تحركات مفاجئة تفيد بمناقشة مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد في مجلس الشورى وعرضه على اللجنة التشريعية في مجلس الشعب خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو. ويبدو أن مواد القانون بها قدر عال من التعسف فيما يتعلق بالسلطات الواسعة لجهاز الأمن في مصر، وهو ما دفع الإدارة الحاكمة لتأجيل طرحه في هذه الآونة، خشية أن يكون القشة التي تقصم ظهر البعير بعد موجات الغلاء الأربعة التي تلاحقت منذ مطلع عام 2007 .
ودأبت الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني منذ ذلك الفترة على المطالبة بالاطلاع على قانون الإرهاب ومناقشته، حتى يخرج بصورة لا تمس "الحريات العامة"، ألا أن الحكومة أبقت إعداد مشروع القانون طي الكتمان ورفضت الإفصاح عن مواده وتوجهاته وامتنعت عن طرحه للنقاش المجتمعي، وهو ما أثر الانزعاج من هذا التكتم. واستمر التكتم حتى تم طرح قرار تمديد قانون الطوارئ لعامين آخرين أمام مجلس الشعب الذي وافق في 26 مايو 2008 على قرار رئيس الجمهورية في هذا الصدد . ولابد من الإشارة إلى أن المعطى القانوني لا يهم فيما يتعلق بترسيم ملامح المستقبل المصري. فحتى لو تم رفض قانون الطوارئ، وإنتاج واقع قانوني مقبول الملامح؛ فإن مسألة عدم احترام السلطة التنفيذية للقانون أو للأحكام القضائية كفيل بإفقاد النخبة السياسية المعارضة التفاؤل حيال الحريات.
ومع هذا، يظل الإطار القانوني مؤشرا في اتجاهين: الاتجاه الأول: يمثل إصرار الإدارة الحاكمة على المضي قدما في مشروع رفض الإصلاح وتكريس الوضع القائم؛ وذلك خوفا من احتمالات حدوث تطور سياسي يؤدي للعصف بكل مكاسب شخوص هذه الإدارة. أما الاتجاه الثاني: فيمثل رغبة في التضييق على هامش الحركة بالنسبة للقضاء المصري الرافض لمشروع الإدارة المصرية الحاكمة، وهو ما يجعلها في المستقبل لا تبدو – كما كان الأمر من قبل – وكأنها تتحدى أحكام القضاء وتعصف بها.
ب - مدخلات البيئة الدولية:
شهد النصف الثاني من عام 2006م تراجعا في خطاب الإدارة اليمينية الأمريكية الحاكمة عن التوجه بدعم ورعاية الديمقراطية في المنطقة العربية، والذي انتهجته عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ إثر أيديولوجية سادت أوساط إدارة اليمين الجديد قوامها أن التحالف مع النظم العربية الحالية، وإن كان يحقق أهدافا أمنية أمريكية في الأمدين المنظور والمتوسط، إلا أنه على المدى البعيد يؤدي إلى تصدير هذه الدول أزماتها إلى الخارج؛ ويتسبب في صعود الحركات الإرهابية .
فبعد أن كتب مدير قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية: ريتشارد هاس عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر مقالا بعنوان "باتجاه مزيد من الديمقراطية في العالم الإسلامي"، والذي كانت السفارات الأمريكية تحاول توسعة مجال نشره والاطلاع عليه، وبعد أن كتب السياسي الأمريكي: وليام بيرنز عن تشجيع التغييرات البنيوية بعيدة المدى في العالم العربي، وبعد حديث السفير الأمريكي السابق في دولة الاحتلال الصهيونية: مارتن أنديك عن خطأ واشنطن الوحيد في الشرق الأوسط والمتمثل في دعم أنظمة أخفقت على نحو مستمر في تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها .
بعد هذا كله نجد مقالا للسياسي الأمريكي ديفيد بروكس في صحيفة النيويورك تايمز في احد أعداد منتصف عام 2006 يعلن فيه عن ولادة اتجاه داخل المحافظين الجدد عبر عنه باسم الاتجاه التدريجي الذي يدعو إلى الإصلاح والديمقراطية في الشرق الأوسط نعم؛ لكنه يلتزم الحذر إزاء سرعة التغير والتحول، ويرفض فكرة "الديمقراطية الفورية" التي تهدد الاستقرار السياسي في المنطقة.
وقد بات واضحا أن الرئيس الأمريكي بوش الابن ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس يصنفان باعتبارهما من رؤوس هذا الاتجاه الجديد. وعلى اعتبار أن الديمقراطيين ليسوا من أنصار المسارعة بتعميق الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، فإن النتيجة لن تتغير؛ سواء بقي المحافظون الجدد في منصب الإدارة التنفيذية الأمريكية أو استبدل الناخب الأمريكي بهم الديمقراطيين بمنصب الرئاسة .
والواقع أن ما آل إليه الوضع في الموقف الأمريكي خاصة، والموقف الغربي عامة، من قضية الإصلاح والتغيير كان منطقيا. ومن الضروري أن نعي أن الاتجاه المحافظ الجديد في الولايات المتحدة لم يكن ليستطيع تحمل نتائج الانتخابات الحرة التي كانت الشعوب العربية تترقبها، وبخاصة مع وصول الإسلاميين للحكم بهذه الدرجة من القوة للحكم في الدول التي واربت الباب لبعض النزاهة في سير العملية الانتخابية. وكانت الخبرة الفلسطينية من أكبر الخبرات التي ما كان طرح أمريكي متزن (غير متطرف) ليقبلها بالنظر لما سببته الحكومة الحمسوية من التهاب للوضع في المنطقة من وجهة نظرها، وبخاصة لما سببته من تداعيات على الصورتين الذهنيتين الأمريكية والإسرائيلية على السواء أمام العالم.
هذا فضلا عن توقع هزيمة المحافظين الجدد في الانتخابات الرئاسية القادمة، ومن ثم مجئ الديمقراطيين أصحاب النظرة الواقعية في التعامل مع موضوعات السياسة الخارجية. إضافة لما يورده الخبراء من احتمال دخول الولايات المتحدة في طور انعزالي – وهو دأبها كل ثلاثة عقود من الزمن؛ مما يعني أن السلطات الأمريكية جميعها ستحتاج لعالم مستقر؛ لتتمكن من التفرغ لهمومها الداخلية التي لا يخلو محفل أمريكي من الحديث عن تفاقمها.
لم يعد الخطاب الاستغاثي بالخارج فعالا، ولم يعد مأمولا أن تثمر جهود الاستغاثة بالخارج حيال قضايا الحريات والانتخابات في إطار تخوفات الجميع من احتمالات صعود الإسلاميين ديمقراطيا. ويمكن القول بأن الإدارة الأمريكية الحالية التي ألمحت في أكثر من مناسبة لحوار مع الإسلاميين، وباشرت بعض الاتصالات بالفعل، تبين أنها كانت تفعل ذلك للحصول معلومات أو على مزيد تنازلات من جانب الدول العربية، ومن بينها مصر بطبيعة الحال.
ج - مدخلات القوى السياسية المصرية:
بعد أحداث إضراب مايو 2008 اعترف قياديو حركات المعارضة المصرية أن هناك أزمة حقيقية تعانى منها الأحزاب المصرية. وبرغم أن هذه الأزمة قديمة قدم الثورة المصرية لعام 1952، إلا أن حركات المعارضة كانت تكابر هذا الضعف، وتجبره بسبب سماح الإدارة الحاكمة بتواجدها لتستكمل بها الواجهة السياسية التي تستتر خلفها؛ سواء أكان هذا الاستتار أمام الخارج حيث تظهر بمظهر الإدارة الديمقراطية، أو كان هذا الاستتار أمام الداخل حيث تبدو في صورة بهية قوية متماسكة فعالة في مواجهة معارضة صورية ورقية تلهث وراء كرسي في مجلس الشورى على حساب مبادئها .
ويرى الدكتور عمرو الشوبكي أن هناك حالة انفصام بين الشارع والقوي السياسية، وأن الأخيرة فقدت مصداقيتها وعجزت عن التواصل مع الناس. موضحا أن القوى الاحتجاجية التي تعرفها مصر الآن جاءت من خارج الأحزاب، خاصة مع عجز الأحزاب عن احتواء إحباطات الجماهير.
أما الدكتور يحيي الجمل الرئيس السابق لحزب الجبهة الديمقراطية، فوصف الأحزاب السياسية بالقصور، واستعمل لذلك مصطلح "أطفال الأنابيب"، ووفي تعبير عن رؤيته عدم انتمائها للوطن وهمومه وصفها بأنها "هجين". وفي مقابلة لوكالة رويترز معه قال: "أعضاء الأحزاب مشغولون بأجنداتهم الخاصة، ويأتي الصالح العام في نهاية اهتماماتهم، وهذا نتيجة للمناخ السياسي العام، لأن نشأتهم لم تكن طبيعية، والفراغ الموجود طبيعي أن تملأه قوى اجتماعية أخرى .
وفي نفس الإطار أرجع قياديون بحزب الوفد أسباب ضعف الدور الحزبي في الشارع المصري إلى قيام الحكومة بتخريب الأحزاب من الداخل باستخدام الإغراءات المادية وسلاحي الأمن والإعلام مع ضعاف النفوس والمتصيدين للمواقع الرئاسية، داخل بعض الأحزاب ومنها الوفد.
وعن حزب التجمع كان تصريح أبو العز الحريري بأن القيادة أخذت التجمع في اتجاه حكومي أقل معارضة. وانتقد الحريري موقف التجمع من إضراب 6 أبريل وتساءل أين دور التجمع في الشارع وأين قياداته من الأحداث المهمة التي تمس حياة المواطنين. فيما يرى اليساري عبد الغفار شكر عضو المكتب السياسي السابق بحزب التجمع أن الأحزاب المعارضة أصبحت لا تغامر، ويظهر ذلك عندما تشتعل الحركة الجماهيرية. مشيرا إلى أن التجمع أصبح ينتهج نوعاً جديداً من العمل السياسي وهو التركيز علي المؤسسات الرسمية مثل التواجد في مجلسي الشعب والشورى والمحليات والجمعيات الأهلية.
أما الحالة الناصرية، فقد اعتبر السفير أمين يسري أمين العمل السياسي والجماهيري السابق بالحزب الناصري، إن قرار عدم مشاركة الأحزاب في حادث مثل إضراب 6 أبريل هو بمثابة تأكيد لحالة الغيبوبة التي تعيشها الأحزاب. وأكد أن خروج الاعتصامات من حركات سياسية أخرى سببه أن الشعب لم يعد يؤمن بالنظام ولا بالأحزاب، مشيراً إلى أن الأحزاب جزء من ديكور النظام .
إن الظاهرة الحزبية في مصر بالفعل ظاهرة ورقية. ولا شك في أن لجنة شؤون الأحزاب، بالإضافة إلى مكائد الإدارة الحاكمة تحول دون تحولها لظاهرة سياسية حقيقية، خاصة وأنه على عكس ما قاله الدكتور يحيى الجمل، فهي ليست هجين، وبعضها له قواعده الاجتماعية التي تخلى عنها لأنه ليس بدهاء أجهزة الإدارة الحاكمة، فاختار الطريق الأسهل للوصول لأية دائرة من دوائر القرار. ولا يمكن الوقوف عند حد هذا التوصيف للظاهرة الحزبية من دون معرفة قيمة التعامل معها. هي أحزاب ورقية، لكنها تجيد الصياح والعويل، وتعرف كيف توصل صوتها للخارج، ومن هنا لا يمكن تجاهلها، وبخاصة بالنسبة للإسلاميين الذين هم في حاجة لغطاء من التوافق الوطني حتى لا ينفرد بها عموم النظام العالمي الجديد.
د - مدخلات الشارع المصري:
استجاب الشارع المصري لحركة تعبئة عفوية بدأت على الإنترنت، ومن موقع يغلب عليه التواصل لأجل الترفيه لا السياسة، وكان جوهر الدعوة إضراب قائم على عدم الخروج من البيت في يوم السادس من أبريل2008، وطوره البعض لاقتراح تجمع سلمي في بعض الميادين المتفرقة بشوارع مصر. وبين ليلة وضحاها تحول هذا الإضراب إلى مصادمات دموية في مدينة المحلة الكبرى ذات الكثافة العمالية . وفي الحقيقة فإنه لا يمكن عزل الدعوة لهذا الإضراب عن حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر. وأن أحد أسرار الاستجابة السريعة لها من قبل الشباب أولا، ثم ركوب قوى من جانب حركات حزبية محدودة التأثير الجماهيري الموجة والتدخل لتوجيه الإضراب نحو التظاهر وربطه بإضرابات عمالية، أن هناك "مخزون غضب" لدى العديد من الفئات السياسية والاجتماعية شمل الجميع تقريبا، بدءا من تلك القوى السياسية التي تعاني من إقصاء الإدارة الحاكمة لها وحتى القوى الاجتماعية الغاضبة على تآكل قيم المجتمع العليا مثل العدالة والتكافل وتحوله نحو منظومة قيم فاسدة مرتبطة بالسعي وراء جمع المال، وصولا للجماهير التي تشكل الطبقات الاقتصادية الفقيرة والمتوسطة، التي باتت مطحونة في خندق واحد، لحد المعاناة في الحصول على الحد الأدنى من متطلبات الحياة بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسب تتراوح بين 50 و200% .
وهناك ما يشبه الاتفاق بين الخبراء على أن تطورا نوعيا حدث في الوضع الاقتصادي الاجتماعي أدى لتزايد استجابة الشارع المصري لضغوط التحرك الرافض لسياسة الإدارة الحاكمة. ففي ربع القرن الأخير لم تنجح أية حركة سياسية (حركة رفض تعديل الدستور – حركة رفض التوريث – حركة رفض ترشح الرئيس المصري لفترة رئاسة جديدة.. إلخ) في تعبئة الشارع، وذلك لأن الحكومة نجحت في خطة صرف أنظار قطاعات واسعة من الشعب المصري عن السياسة بحثا عن لقمة العيش. كما أن القوى السياسية المصرية أصرت على الابتعاد عن هموم المواطن.
وعلى النقيض من ذلك والضد، نجحت كل الإضرابات العمالية والحركات الشعبية التي رفعت شعارات تتعلق بمعيشة المواطن الاقتصادية في فرض مطالبها وسرعة استجابة الحكومة لها لحد تغيير موازنة الدولة عدة مرات للاستجابة لمطالب أطباء أو مدرسين أو أساتذة جامعات أو موظفين لتحسين الكادر المالي لوظائفهم، ونجحت أكثر "أزمة الخبز" في تحريك كل أركان الحكومة؛ بما وصل إلى تدخل أجهزة الجيش والشرطة للمساهمة في حلها، وكان إضراب 6 أبريل ينتمي لهذه الدائرة، لكنه كان واحدا من سلسلة طويلة من الاحتجاجات الاجتماعية .
وهناك اتفاق أيضا على أن الإدارة الحاكمة لم تستجب لأي احتجاج سياسي لأنها تعلم أن المسافة بعيدة بين النخبة السياسية المعارض وبين الشعب، واكتفى بالتعاطي الأمني معها. أما عندما تحول الأمر إلى الاحتجاجات الاقتصادية ذات الطابع الجماهيري الجماعي العريض النظامَ فإن هذه الإدارة لم تستطع ان تمتنع عن الاستجابة والتنازل.
وقد اقترن التعامل الأمني مع هذه الاحتجاجات بتعامل سياسي آخر من أعلى المستويات، وصل إلى حد الدفع العاجل في بعض الاحيان، وغلب الدفع الآجل على منهج إدارة هذه الاحتجاجات. صحيح أن النظام قد حمل رجال الأعمال هذه الفاتورة ثم فتح لهم باب ارتفاع الأسعار للتعويض عليهم، إلا أن هذا يؤكد أن ما يزعج الإدارة المصرية هو التوترات الاجتماعية واتصالها بمطالب سياسية فتسعى لتفريغ أي بالونات غضب محتملة تأخذ الطابع الاقتصادي بمنح مالية سريعة لتفويت الفرصة على أي قوى سياسية للاستفادة من هذه الاضطرابات الاقتصادية وإبقاء هذه القوى الاجتماعية بعيدا عن أية مطالب سياسية. وهو نفس المنهج الذي أدارت به الإدارة السابقة للرئيس السادات أحداث 17 و18 يناير 1977 .
ومن اللافت أن الدعوة للإضراب نشأت أصلا عبر شبكة الإنترنت ومواقع المدونين والنشطاء السياسيين وعبر رسائل الهاتف المحمول، وانتقلت إلى مواقع مثل "فيس بوك" ومنه إلى الصحف ثم المواطن العادي، ولو علمنا أن هناك 7 ملايين مشترك مصري في شبكة، وقرابة 30 مليون مشترك في شبكة التليفون المحمول، لظهر أن طريقة الدعوة للإضراب أو التظاهر في مصر اختلفت عن السنوات الماضية، وأنها أصبحت أكثر سهولة في التداول بين الجمهور بدون الإعلام الرسمي، وهو ما أقلق الحكومة فعمدت للنفي المعلن، فزادت تأكيد الحدث، ما أضاف أعدادا أخرى من المصريين للإضراب .
18 – 2: المسار المتوقع للعلاقة بين الإدارة المصرية وجماعة الإخوان بعد صدور الأحكام العسكرية:
يضع الباحثون والخبراء في شئون الحركات الإسلامية عدة سيناريوهات تمثل بدائل القرار المستقبلي لجماعة الإخوان المسلمين في التعامل مع معطيات البيئة السياسية – المشار إليها – وهي تمثل خيارات مفتوحة على مصراعيها أمام الجماعة بدءا من اعتزال العمل السياسي كليا وانتهاء بالانخراط فيه بصورة راديكالية، وكل سيناريو له حسناته وميزاته كما أن له عيوبه – حسب رؤية هؤلاء الباحثين. ويذكرون أن ثمة خمسة سيناريوهات متوفرة على سبيل الحصر يمكن للحركة اتخاذ بدائل القرارات بشأنها، وهي:
أولا: سيناريوهات الاعتزال السياسي الكلي لمركز الحركة وقيادتها، مع ترك مجال العمل السياسي للأطراف؛ بما في ذلك أطراف دولة المقر.
ثانيا: يتمثل في سيناريوهات الاعتزال السياسي الكلي المرحلي.
ثالثا: يتمثل في اعتزال الحركة الجزئي لمجال السياسة، ويتم ذلك عبر سيناريوهين فرعيين؛ سيلي شرحهما لاحقا.
رابعا: سيناريو الانخراط والتصعيد السياسي، ويتم تنفيذه وفق سيناريوهين؛ سيلي ذكرهما تاليا. خامسا وأخيرا: ترك الحال على ما هو عليه.
1. المسارات على الصعيدين المالي والسياسي:
أ - المسارات المفترضة على الصعيد المالي:
يعد البديل المالي من المسارات التي لا تمثل تعقيدا بالنسبة للطرفين الإدارة المصرية الحاكمة وجماعة الإخوان المسلمين، وعليه فهي تعد المجال الأسهل للبدء به عند محاولة ترسيم ملامح مسار العلاقة بين الطرفين بعد المحاكمات العسكرية. فمن ناحية لا يمثل البعد المالي مشكلة كبرى حسب تصور الإدارة المصرية الحاكمة، حيث لا يمكن اعتبار القيمة المالية للأنشطة الاقتصادية للجماعة أن يؤثر في المعادلة الاقتصادية المصرية كحركة رأس مال، حيث لا يفترض تعرض البلد لهزة اقتصادية إثر خروج أموال الإخوان من سوق الاستثمارات المصرية، وإن حصل فمن السهل تداركها بحركة حقن سريعة للاقتصاد تمولها أي من الإدارات الحكومية العالمية أو الإقليمية التي يهمها خلخلة وضع القوة الخاص بالجماعة، وحرمانها من مصادر تمويلها وقوتها.
أما بالنسبة للجماعة، فالوضع أيضا ليس بالبديل الصفري الذي يمثل لها خيارا مصيريا، حيث إن المشكلات الاقتصادية ليست تلك التي تقع في صدارة الأزمات الآنية التي تواجهها الجماعة، بل تقع الأزمة السياسية في الصدارة.
ب - المسارات المفترضة على الصعيد السياسي:
يعتبر المسار السياسي للعلاقة من أكثر المسارات حساسية بالنسبة للأطراف الثلاثة للأزمة: الوطن وجماعة الإخوان المسلمين وكذلك الإدارة المصرية الحاكمة. ومصدر حساسيته أنه المسار المرشح للتفاقم بصورة سلبية في المستقبل باتجاه دامي إذا ما اتجهت جماعة الإخوان نحو التصعيد غير المحسوب. كما أنه سيكون مصيرا مستمرا في ظلمته إن تخيرت جماعة الإخوان المسلمين أحد البديلين: الانسحاب من العمل السياسي أو الصبر!.
والإشكال في سيناريوهات هذا المسار أنها وقف على نمط رد فعل جماعة الإخوان المسلمين. فقد أعلنت الإدارة المصرية الحاكمة موقفها، وتخيرت سيناريو التصعيد الأمني المقرون بالإصرار على الحرمان من المشروعية القانونية لبنية الجماعة، والحرمان من المشروعية القانونية لمظاهر مشاركتها في الحياة السياسية العامة. واتخذ تصعيدها الأمني صورتين كلاسيكيتين للمواجهة؛ أولاهما: الملاحقات والاعتقالات، وثانيتهما: المحاكمات العسكرية التي يمكن القول بأنها لبست أصفادا استثنائية هذه المرة برفع سقف العقوبة المقيدة للحرية فيها – كما سبق وأشرنا – إلى 10 سنوات. وبعد أن رسمت هذه الملامح على صعيد المواجهة وقفت تترقب رد فعل الجماعة، التي أتت حتى هذه اللحظة بدون مفاجآت حتى في الإضراب الذي شاركت فيه الجماعة في الرابع من مايو 2008.
2. المسارات السياسية في المستقبل
بعيدا عن هذه السيناريوهات الحدية: التصعيد والصبر والانسحاب، يضع الباحثون مجموعة سيناريوهات محتملة للمسار السياسي مع اشتراط أن تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين.
1 - مسار التنزيه والتفويض:
هو أحد البدائل التي قد تتجه إليها جماعة مثل جماعة الإخوان في مثل هذا الظرف التاريخي ويقوم هذا السيناريو على فكرة رئيسية مفادها ضرورة أن يكون مركز إرشاد حركة الإخوان منزه عن الانخراط في مستنقع السياسة! ولكن من دون أن يعني هذا تبني موقف المقاطعة للعملية السياسية.
وفي هذا الإطار تكون الحركة منصرفة للإدارة الروحية للشعوب الإسلامية، بالإضافة للإدارة الإغاثية الإنقاذية، مع تفويض العملية السياسية لمن يفضل من كوادرها أن يشتغل بالعمل السياسي، على ألا يكون ذلك على حساب عموم تنظيم الحركة الذي من المتوقع أن يتجه اتجاها دعويا وإغاثيا.
وذلك التفويض السياسي سيكون قطري الطابع على حده بما في ذلك بلد مكتب الإرشاد، بحيث يصبح مكتب الإرشاد مثوى للنقاش الفكري الحركي الإسلامي العالمي، ومسرحا لمعالجة الأزمة الروحية في العالم الإسلامي؛ بالإضافة لمساهمته الدعائية والبشرية والمالية في معالجة الأزمات الاجتماعية الحادة بدول العالم الإسلامي كالفقر والسلبية.
ميزات البديل: لهذا البديل عدة ميزات – حسب تصور واضعيه وهي:
- فصل التنظيم السياسي عن التنظيم الدعوي.
- النأي بالقيادات الروحية للجماعة عن تلاعبات السياسة ومكائدها.
- عدم احتساب اخطاء التنظيم السياسي واجتهاداته الحركية الظرفية البراجماتية على عموم الحركة وتاريخها.
سلبيات هذا البديل:
- مشكلة إدارة العلاقة بين التنظيم الدعوي والتنظيم السياسي (السرية والعلنية – الازدواج والإفراد – تمويل التنظيمين وفق حسابات الإخوان المنتقلين للعمل السياسي).
- مشكلة تنظيم مكتب الإرشاد وبنية الجماعة بعد نفصال التنظيم السياسي في مصر.
2 - سيناريو الاعتزال السياسي الكلي المرحلي:
يقوم على مسلمة مفادها أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين يرفض الفصل بين تنظيم الدعوة وتنظيم السياسة، وأن فكرة التنظيم الواحد لابد منها للجماعة لأغراض تبررها الجماعة.
وفي هذا الإطار يكون المطروح هو اعتزال العمل السياسي بصورة كلية ومرحلية. ويتم وضع تصور عن البيئة التي يكون فيها العودة للعمل السياسي ممكنة بالنسبة لعموم تنظيم مصر الموحد. وتقوم الجماعة بتفصيل بيان اعتزالها المرحلي، بحيث يكون فيه تأريخ لرؤيتها للظرف السياسي، ورؤيتها لمسؤولية كل طرف عن الأزمة، وضوابط عودتها للعمل السياسي. وقد يقترن بذلك أن تتجه الجماعة إلى تجميد تنظيمها؛ بمعنى إغلاق باب العضوية مؤقتا، حتى تستطيع زيادة نسبة الاستيعاب الروحي للمنخرطين الجدد في صفوفها إبان فترة هيمنة الشأن السياسي على مساعيها.
ميزات البديل:
- عدم تحميل الجماعة عبء فشل إدارة التحديات الراهنة، على نحو ما هو شائع اليوم من سهام النقد التي تنبع حتى من داخل الحركة.
- توقي تداعيات الاضطراب الحاصل في الرؤية السياسية المعاصرة.
- تحميل المعسكر العلماني مسؤوليته التاريخية حيال فشل الإصلاح وانسحاب الجماعة التي تمثل الأمل الحقيقي في الإصلاح.
- توقي مضار تصعيد الإدارة التي أصبحت مهووسة بالقمع، بدون أن تعبأ بما يمكن أن يؤول إليه المجتمع من اضطراب.
سلبيات البديل:
- صعوبة تصديق انسحاب الحركة.
- صعوبة التكهن بالأوضاع المستقبلية للمجتمع المصري.
- خلو السياسة المصرية من الحالة الإسلامية الوسطية.
3 – سيناريو الاعتزال السياسي الجزئي:
يقوم على اعتزال الجماعة العمل السياسي بصورة جزئية، بحيث تنصرف الجماعة عن العمل السياسي في المجال العام وتحتفظ بحضورها العام الروحي والثقافي والفكري والاجتماعي والإغاثي. وفي هذه الحالة تتحول الجماعة إلى منتدى سياسي داخلي كبير، يتولى تدريب كوادره على العمل السياسي من داخل التنظيم وليس خارجه، فلا خوض لانتخابات خارج الجماعة، ولا تنافس باسم الجماعة على منصب بمؤسسة عامة كالنقابات وما سواها.
ويكون للجماعة أن تطرح مثالها السياسي النموذجي على العالم من خلال مجموعة من القواعد السياسية الشرعية التي تسنها مستفيدة في بنائها من الطرح الديمقراطي الغربي من دون الخضوع له بصورة كلية. وتصير الصورة النهائية لحركة الإخوان التي تمثل المرجعية الروحية والنموذج السياسي.
ميزات البديل:
- يساعد على بلورة نموذج سياسي يعبر عن اجتهاد الإخوان في السياسة.
- ينأى بالإخوان عن الصراع السياسي وتكلفته الامنية.
- يستوعب رموز الجماعة كيفية تقدير رمزية الجماعة وعدم العصف بمبادئها السامية كانتخاب قياداتها وغيرها تحت أي ظرف من الظروف.
- تحتفظ الجماعة بمكانة عالية في المعترك المصري العام.
سلبيات البديل:
- صعوبة اعتياد قواعد الجماعة بصفة خاصة على الوضع الجديد.
- صعوبة الاحتفاظ بمؤسسات الجماعة في الفترة الأولى لتولي هذا البديل.
4 - سيناريو الانخراط والتصعيد السياسي:
في هذا السيناريو لن يكون الاعتزال والتواري هو قرار جماعة الإخوان المسلمين، بل ستقبل على تحدي الإدارة المصرية الحاكمة. ومشكلة هذا السيناريو أنه ينطوي بالضرورة على مواجهات قوية ويعني ارتفاع التكلفة الاجتماعية؛ حتى في أضعف تجلياته.
ويأخذ هذا السيناريو العام صورة أحد سيناريوهين فرعيين: إما التصعيد التحذيري المحدود. أو سيناريو التصعيد الكامل. ولا يتوقع أحد أن تقدم الجماعة على أي من بدائل هذا السيناريو، كما أنها لن تجد مستشارا ينصح بها، فكل مراقب في مصر يعلم أن قيادات المؤسسة العسكرية المصرية ذات العقل الأداتي البيروقراطي مستعدة للتدخل لحسم المواجهة لصالح الطرف المنتمي إليها: رئيس الإدارة المصرية، بينما قاعدة المؤسسة العسكرية غير مسيسة من جانب، وتسود الأمية سوادها الأعظم من جانب آخر.
5 – سيناريو الصبر: يبقى الحال على ما هو عليه:
ستقوم الجماعة في هذا الإطار بالتأكيد على سياساتها الرامية للمشاركة في جهود المجتمع المدني والسياسي المصري من أجل الإصلاح. مادة يدها للنظام للحصول على المشروعية القانونية والشرعية السياسية وداعية إياه في الوقت نفسه إلى الاحتكام لمرجعية الوطن لا مرجعية النخبة الاقتصادية المهيمنة، مع إغلاق ما سلف من الملفات التي لن يكون من مصلحة المجتمع السياسي المصري فتحها في حال توفر نوايا حقيقية للعودة لمرجعية الوطن.
'18 – 3 نحو استيعاب الجماعة في الواقع المصري'
إذا كانت معطيات البيئة تفرض على الجماعة بدائل السلوك السياسي ذات الطبيعة الاستبدالية (تغيير الرؤية السياسية واستبدالها برؤية لا تقوم على بذل الجهد في المجال السياسي) أو السكونية (الصبر)، فإن أدبيات الفكر الإسلامي تجعل من المتوقع للجماعة أن تتحول عن أطروحة الحاكمية باتجاه أطروحة الشهادة.
1. بديل الشهادة على الناس
لقد كان الطرح السياسي للجماعة خلال الفترة الماضية يقوم على أساس اجتهادي قوامه رفض واقع التعامل الانتقائي مع الشريعة، وفي هذا الإطار جاء منطق استيعاب الديمقراطية، والاستفادة من القيم والمؤسسات التي توفرها الديمقراطية للرقابة على عملية صنع القرار ومتابعتها ومحاولة تشغيلها في اتجاه يضع قيودا على الفساد وسوء استغلال السلطة. ولكن هذا الطرح – في مصر – وصل إلى طريق مسدود في ظل وجود إدارة حكومية لا ترغب في وجود منافس لها.
وبناء على ذلك، فإن البدائل الفكرية المتوقع أن تنصرف في اتجاهها جهود جماعة الإخوان المسلمين في المستقبل، على صعيد مرجعية الشريعة، تتمثل في اللجوء لبديل الشهادة على العالمين، ومن باب أولى الشهادة على الخطاب السياسي المصري.
إن خطاب الشهادة يعني- حسب رؤية فريق من الباحثين - تحرك الجماعة لتحقيق المثالية الشرعية في حدود الممكن الذي لا ينتج فتنة. فإذا كان الوضع السياسي مأزوما ومعوقا؛ فإن التكليف بالشهادة يعني وجود تحرك من عموم الأمة أو من يريد التحرك من الأمة لبناء المؤسسات واستحضار القيم التي تحقق المثالية الإسلامية، حتى ولو لم يكن من الممكن تحقيقها.
فالشهادة غير الإقامة أو التمكين. الشهادة تتطلب تقديم الاجتهادات التي تحقق معالجة مشكلات العباد في إطار من مصلحة عامة حقيقية وغير ظنية، وعرض هذه الاجتهادات على الملأ ليأخذ بها من يأخذ، وليعرض عنها من يعرض. ذلك معنى التحرك في إطار الشهادة.
وعلى الصعيد المؤسسي، لا شك في أن التحول من خطاب الحاكمية إلى خطاب الشهادة يعني تغييرا مؤسسيا حقيقيا، فلن تكون أطراف الجماعة عبارة عن مؤسسات بحثية سياسية وكتلة برلمانية فقط، بل ستكون أطرافها كذلك مراكز بحوث ودراسات فقهية وفكرية، وجماعات حقوقية متخصصة ومنتديات ثقافية مركزية ومحلية، وقناة إعلامية لتأدية نفس الغرض.
2. هل يمكن إعادة ترميم العلاقة بما يكفل استمرار استيعاب الجماعة في الواقع المصري؟
إن هذا السؤال ملغوم لأن الإدارة المصرية حسمت أمرها! وبالتالي سيكون أمام الجماعة – حسب رأي بعض الباحثين - إما عقد صفقة مباشرة (تنازل سياسي لصالح الدعوة) أو تقديم تنازل من نوع ما للإدارة المصرية ينهي خريف الغضب بين الطرفين .. وهو أمر غير متوقع تماما لأن الجماعة وإن كانت تدعو إلى الحوار فإنها ترفض منطق الصفقات أو التنازلات.
كما أن السؤال نفسه يعكس شغفا أو رغبة في عدم ترك مصر – الوطن – لمصير أكثر إغراقا في الظلمة في حال انسحبت الجماعة أو استمر الوضع على ما هو عليه؛ وهي أكثر القوى السياسية المصرية قدرة على الحشد والتعبئة خلف مشروعات الإصلاح.
وأيا ما كان التقدير للدافع من وراء السؤال فسوف تكون الإجابة عليه من خلال مرحلتين؛ أولاهما: مرحلة المدخلين المتصارعين. وثانيتهما: مرحلة مدخل الإصلاح الإجرائي.
أما المرحلة الأولى، فتتمثل في ضرورة أن نقسم مداخل الاستمرار في حلبة السياسة المصرية لمدخلين اثنين: أولهما مدخل الجماعة السياسية الوطنية، وثانيهما: مدخل التفاوض مع الإدارة الحاكمة. وبرغم أهمية هذا المدخل، فمن الأهمية التوقف عن التعاطي معه، وذلك لأمرين:
أ – المعارضة السياسية غير الإسلامية في مصر ضعيفة، وممزقة، وغير مرتبة الأولويات، وفاقدة الشرعية الجماهيرية. كما أنها – وهو الأهم – أننا كلما ظننا أننا قد قطعنا شوطا في بناء التوافق، إذا بالحالة العلمانية تنتهكه عند أول منعطف، كما حدث مع أزمة الحجاب التي أثارها وزير الثقافة المصري، وكما حدث إبان تعديل المادة الثانية من الدستور. هذه العقلية اللدودة من الصعب التعويل عليها في استشراف الإصلاح!.
ب – أنه من المرفوض تماما ومن غير المتوقع عقد صفقة مع إدارة حاكمة تتسم بالاستبداد والفساد البنيوي وانتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان.
أما الاقتراب المفضل فينصب على ما يمكن أن نسميه: مدخل الإصلاح الإجرائي. وهو المدخل الكفيل بتحقيق استيعاب جماعة الإخوان ضمن مستويي العلاقة داخل الوطن: مستوى العلاقة مع الجماعة السياسية الوطنية المعارضة، ومستوى العلاقة مع الإدارة الحاكمة في آن.
ما المقصود بمدخل الإصلاح الإجرائي؟
المقصود أن هناك مجموعة من القضايا التي تعتبر أجندة حقيقية للوطن، ولا يختلف تعريفها باختلاف الانتماء الديني أو الموقع داخل المنظومة السياسية القائمة في أي بلد على وجه البسيطة! ومن ضمنها مصر بطبيعة الحال.
هذه القضايا تمثل تحديا حقيقيا أمام مستقبل البلاد ولكن الإدارة المصرية الحاكمة، ومنذ منتصف القرن الماضي قد تسببت في سلبية شعبنا، ونتاجا لهذه السلبية؛ فإن جهود الحكومة لم تفلح في معالجة هذه القضايا. ومن هذه القضايا نجد قضية التنمية، وقضية الأمية، وقضية التلوث بمشكلاته الفرعية الكثيرة، وقضية التأهيل المهني.. إلخ.
تلك هي المساحة التي يرى فريق كبير من الباحثين المهمومين بالإصلاح السياسي في البلاد أنه يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تلعب دورا حيويا ومهما يحظى بقبول الجميع ويستوعبها في إطاره الجميع من دون أن تضطر إلى - أو تسحب باتجاه - خيار التصعيد أو تلجأ لخيار الانسحاب الذي يحرم المجتمع من جهودها التي تصب – بلا شك - في مصلحة واستقرار مصر.
خاتمـة وتوصيـات
إن إساءة استعمال القانون عموما والتوسع في القضاء الاستثنائي على وجه التحديد ضد المعارضين السياسيين والتي كان آخرها تلك الأحكام العسكرية القاسية تجاه مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، يوم الثلاثاء 15 أبريل 2008، تؤكد أن النظام الحاكم يتمادى في سياسة القمع ويضطهد المعارضة السلمية.
وافتقدت هذه المحاكمة لمعايير النزاهة والعدالة، نظرا لغياب الضمانات القانونية اللازمة لحفظ حقوق الأطراف كافة وغياب استقلال القضاء بشكل عام، لأن هؤلاء الإصلاحيين انتزعوا من أمام القاضى الطبيعي وأحيلوا للقضاء الاستثنائي دون مبررات قانونية يعتد بها.
كما أن إجراءات المحاكمة الاستثنائية كلها لم تسترشد بضمانات المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمواثيق الدولية وخصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من جهة ثانية، وأن سلطة قضائية مستقلة ومحايدة لم تقم بالنظر في القضية أو تنفذ هذه الضمانات من جهة ثالثة، وأن الطريقة التي تم بها إصدار الأحكام وطبيعة هذه الأحكام نفسها تؤكد على الطابع السياسي للقضية حيث أنها تعكس رغبة النظام السياسي في إضعاف أكبر قوة معارضة في البلاد من جهة رابعة وأخيرة.
بكلمة أخرى: إن المحاكمة العسكرية وأحاكمها القاسية افتقرت إلى الذكاء والحنكة السياسية، فالنظام حين يعتمد سياسة المصادرة للملكيات الخاصة، فإنه يُـعرِّض اقتصاد البلد كلّـه للخطر ويؤثر على الاستثمار الأجنبي، الذي يرى المناخ الاقتصادي غير مبشـِّر ومناخًـا يُنذر بالسَّـطو على مؤسسات ناجحة دون داع، خصوصًا أن عددًا من المحكوم عليهم يشاركون بعض المستثمرين الأجانب في عدد من الشركات.
إن الوضع في مصر أصبح مقلوبا، فمن يملك المشروعية القانونية يفتقد للشرعية الاجتماعية، ومن يملك الشرعية الاجتماعية يفتقد المشروعية القانونية! كما أن الضربة الأمنية المتمثلة في تلك المحاكمة العسكرية وأحاكمها القاسية افتقرت إلى الذكاء والحنكة السياسية، فالنظام حين يضرب الكِـيان الاقتصادي للجماعة، فإنه يُـعرِّض اقتصاد البلد كلّـه للخطر ويؤثر على الاستثمار الأجنبي، الذي يرى المناخ الاقتصادي غير مبشـِّر ومناخًـا يُنذر بالسَّـطو على مؤسسات ناجحة دون داع، خصوصًا أن عددًا من المحكوم عليهم يشاركون بعض المستثمرين الأجانب في عدد من الشركات.
توصيات مركز سواسية
وإذ يعتبر المركز أن ضمانات إقامة العدالة تشكل ركنًا أساسيًا لازمًا لحماية كافة حقوق الإنسان وبالتالي فإن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية تمثل إجراء يسقط حق الفرد العادي في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي في ظل كافة الضمانات التي تستلزمها المادة الرابعة عشر من العهد الدولي، فإنه يطالب بتصحيح جميع الأوضاع غير العادلة الناتجة عن الإحالة للقضاء الاستثنائي ويتوجه إلى كلا من النظام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، والمعارضة السياسية، ومنظمات حقوق الإنسان بالتوصيات التالية:
أولا: القضاء العسكري:
إن مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز الذي تابع هذه المحاكمة منذ البداية، إذ يشدد على ضرورة علنية جلسات المحاكم، استثنائية كانت أم عادية، عسكرية أو مدنية، ويرى أنها تخالف بوضوح المادة 169 من الدستور المصري وضمانات المحاكمة العادلة التي نصت عليها المواثيق الدولية، يعتبر هذه الأحكام باطلة سواء في الاجراءات التي اتخذت أو في طريقة اصدار الحكم.
- ويطالب بإحقاق العدل وإطلاق سراح المحكومين والتعويض لهم ومحاكمة من ارتكبوا مخالفات جسيمة بتزوير الحقائق وارتكاب المظالم ضد أبناء شعبهم.
- ويجدد المركز مطالبه بإلغاء إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وأن تجرى محاكمتهم أمام القضاء الطبيعي، نظراً لإهدار المحاكم العسكرية المادة 68 من الدستور التي تؤكد على أن: "لكل مواطن الحق في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي".
- وإعادة النظر في قانون القضاء العسكري في ضوء التعديلات المطلوبة من جانب منظمات المجتمع المدني وخوصا إلغاء المادة 6 والتي تجيز لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.
ثانيا: تعزيز استقلال السلطة القضائية:
- يطالب المركز الحكومة بالإلتفات نحو مطالب القضاة الذين يجاهدون من أجل استكمال استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، ويعتبر في هذا الإطار أن تمرير تعديلات قانون القضاء العسكري يتناقض مع الفلسفة العامة للقانون ومبادئه، وخصوصاً مبدأ توحيد المبادىء القضائية، - كما يطالب بتحقيق اختصاص السلطة القضائية بالولاية القضائية كاملة أي الانفراد بمهمة الفصل في المنازعات والخصومات, وذلك على اعتبار أن القضاء لا يمكن أن يؤدي رسالته في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وكفالة حرية المواطنين... إلا باستقلاله.
- تحقيق استقلال السلطة القضائية عن طريق تخصيص ميزانية مستقلة يتولى المجلس الأعلى للقضاء تحديد أبواب إنفاقها بعيدا عن رقابة أو تحكم السلطة التنفيذية، وتشكيل المحكمة الدستورية العليا من بين رؤساء الهيئات القضائية بحكم مناصبهم، واختيار النائب العام بقرار من مجلس القضاء الأعلى، ورفع يد وزارة العدل والسلطة التنفيذية عن القضاء، وتبعية التفتيش القضائي للمجلس وأن يكون اختيار أعضاء مجلس القضاء الأعلى عن طريق الانتخاب.
ثالثا: النظام السياسي:
يوصي المركز بتلبية عدد من المطالب وأهمها:
1. دور الدولة ووظائفها:
- يدعو المركز السلطات في مصر إلى القبول بالقيم الديمقراطية وأهمها: حكم القانون، تداول السلطة، توازن السلطات، التسامح السياسي والاجتماعي، تعددية سياسية تتطابق مع التعددية الاجتماعية القائمة.
- أن يكون دور الدولة محددا حتى لا تربط المواطن بحبل سري فإذا ما انقطع تتدهور حياته وفي هذا الصدد يطالب المركز بأن ترفع الدولة يدها عن المجتمع وأن يقتصر دورها على الوظائف المحددة التالية:
أ. حماية الأمة من المخاطر الخارجية القادمة من وراء الحدود، والتي تهدد كيان المجتمع ووجوده، أو تهدد مصالحه الحيوية ومصادر تنميته وتطوره، ومن الأهمية في هذا الإطار إعادة الاتفاق على أن الخطر الأول للأمن القومي العربي يتمثل في إسرائيل وليس حماس - مثلا!
ب. تحقيق الأمن الداخلي، وذلك من خلال تأمين الإنسان في ماله وعرضه ونفسه وحمايته من أي تهديد، وهو ما يستدعي سيادة القانون على الجميع، وتعزيز دور المجتمع المدني من خلال إيجاد نظم وأطر وأساليب ديمقراطية.
ج. حماية الفقراء وغير القادرين والضعفاء من خلال توفير الموارد المالية اللازمة وتوزيعها عليهم بالعدل، وهو ما يدعو إلى محاربة الفساد وتحقيق الشفافية في الميزانية العامة. 2. الحريات السياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية:
- ويتطلب هذا الدور المنوط من الدولة اتخاذ عدد من القرارات في المجالات المختلفة ومنها على سبيل المثال:
- الإصلاح السياسي والدستوري: وذلك من خلال إعادة السيادة للشعب، ليصبح وممثلوه الشرعيون في البرلمان المرجع الأساسي لتنظيم وإدارة كل شئون البلاد عن طريق إجراء تعديل دستوري شامل ينقل مصر من نظام الحكم الفردي الاستبدادي القائم إلي جمهورية برلمانية ديمقراطية، يتم فيها انتخاب رئيس الجمهورية (ونائبه) بالانتخاب السري المباشر من بين أكثر من مرشح.
- إلغاء حالة الطوارئ وأي قوانين استثنائية أخرى: والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإعادة محاكمة المحكوم عليهم من المحاكم العسكرية أمام القضاء الطبيعي، وإلغاء القوانين والمواد القانونية التي تنتهك الحريات العامة وحقوق الانسان، ووضع حد نهائي لممارسات التعذيب وملاحقة ومساءلة مرتكبيه.
- توفير ضمانات الانتخابات الحرة النزيهة: من خلال تشكيل لجنة قضائية دائمة ومستقلة تنتخبها الهيئات القضائية » تنفرد بإدارة العملية الانتخابية من إعداد جداول القيد وحتي الفرز وإعلان النتائج، وأن يكون الانتخاب ببطاقة الرقم القومي، إضافة إلى إعادة صياغة الدوائر وفق التقسيم الإداري الطبيعي وبشكل عاجل.
- رفع يد السلطة نهائيا عن النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني سعيا إلي مجتمع أهلي قادر علي المساهمة في بناء الديمقراطية والتقدم وكفالة استقلاله وتعدديته.
- إطلاق حرية الصحف وملكية وسائل الإعلام للمصريين، وتحرير أجهزة الإعلام والصحافة القومية من سيطرة السلطة التنفيذية.
- توسيع نطاق المشاركة الشعبية بانتخاب المجالس المحلية والعمد ورؤساء مجالس القرى والمدينة والمحافظ .
- الحفاظ علي قطاع عام قوي في الصناعات الثقيلة والاستراتيجية، وإدارته إدارة سليمة. - ربط الأجر بالأسعار، ووضع برنامج عملي لمواجهة مشكلة البطالة.
3. إطلاق حرية الأحزاب:
- أن يكون تكوين الأحزاب السياسية بالإخطار،على أن يكتفي القانون بالنص على شروط عامة تكفل التعبير السياسي السلمي و الديمقراطي.
- إلغاء لجنة شئون الأحزاب المشكلة بمقتضى القانون رقم 40 لسنة 1977،
- حرية الأحزاب في إنشاء أي عدد من الصحف الحزبية، ووسائل الأعلام المسموعة والمرئية.
- حرية عقد الاجتماعات والندوات والمؤتمرات.
رابعا: المعارضة السياسية:
يعتبر المركز أن إضعاف جماعة الإخوان المسلمين لن يؤدي تلقائيا إلى تقوية التيارين الليبرالي واليساري في البلاد على اعتبار أن الاستبداد السياسي لا يتسامح أو يفرق في المعاملة ويضغط على الجميع مما يصيبهم بالجمود الفكري والحركي والضعف البنيوي.
- ويطالب بتشكيل تحالف أو ائتلاف تكون مهمته في البداية بسيطة وتتعلق بمواجهة استغلال الوسائل القانونية والقضائية ضد قوى المعارضة.
- وهذا العمل الجماعي على هذا الهدف البسيط يمكنه أن يخلق نوعا من الاعتراف والتسامح المتبادل بين التيارات السياسية المختلفة ويفرز حوارا بناء حول أجندا الإصلاح الديمقراطي في البلاد وفي هذا الإطار يطالب المركز قوى المعارضة بالنضال من أجل أجندة واحدة يكون على رأسها النقاط المشار إليها أعلاه المتعلقة بالإصلاح الدستوري واستقلال السلطة القضائية وحرية الإعلام وتشكيل الأحزاب، وإطلاق الحريات للنقابات والجمعيات الأهلية ... إلخ.
إن غياب النضال من أجل تطوير أجندا إصلاحية واقعية تعزز مسيرة الديمقراطية في البلاد سوف يؤدي إلى نزعتين متعارضتين: نزعة الهروب إلى الأمام والتطلع المتزايد نحو الخارج، ونزعة التراجع والتكيف السلبي مع الاستبداد السياسي.
- ويطالب المركز الأحزاب والقوى المعارضة إلى الحوار من أجل فهم سلوك الاستبداد السياسي ونجاحه في مقاومة الضغوطات وتجنب الإصلاح الديمقراطي، والتنسيق من أجل إبداع أساليب عمل ومقاربات ناجحة وفعالة بدلا من الاستسلام للطرائق والأساليب السهلة والسريعة السائدة كإبراز عيوب ومثالب النظام السياسي.
- التعاون من أجل تعزيز موقع المعارضة السياسية وتحولها تدريجيا إلى مركز استقطاب قوى التغيير الاجتماعية، والقواعد الشعبية وهذا يتطلب:
أولا: الانفتاح المتبادل بين قوى المعارضة المختلفة بما يوحد قطاعات الرأي العام المطالبة بالديمقراطية ويوحدها في معركة الإصلاح،
وثانيا: العمل بشكل مستمر على تمييز موقف هذا التحالف الديمقراطي عن مواقف القوى الأخرى سواء أكانت قوى الاستبداد أم قوى الهيمنة والسيطرة الأجنبية.
خامسا: الإخوان المسلمين:
يطالب المركز بإصلاح الرؤى فيما يخص العلاقة مع النظام السياسي، والخطاب الإعلامي، وقضية حقوق الإنسان كالتالي:
1. العلاقة مع النظام السياسي:
- فيما يخص الرؤية للعلاقة مع النظام الحاكم يجب ألا ننسى أن مؤسس الجماعة كان رجلا متفائلا مقداما بطبيعته، يؤمن بالاكتساب والاستيعاب. ولم ينظر إلى الأنظمة الحاكمة نظرة تشاؤمية بل كان يدرك أن لا مجال للفكر الإطلاقي في العمل السياسي، ولا وجود في السياسة لخير مطلق وشر مطلق، وإنما يتعين التفاعل مع الموجود ودفعه للأحسن.
وكان البنا حريصا على عدم المفاصلة مع القوى السياسية الأخرى، والتيارات الفكرية والإيديولوجية المخالفة، ومن هنا تأكيده المتكرر أن الفكرة الإسلامية ليست نقيضا للفكرة القومية أو الوطنية، وحرصه على مد جسور التفاهم والاتصال مع السلطة حتى في أوج الأزمة التي انتهت باغتياله.
2. العلاقة مع الأحزاب:
- أما فيما يخص العلاقة مع أحزاب وقوى المعارضة فقد سعت الجماعة مرارا إلى تشكيل جبهة وطنية تشرف على خطوات الإصلاح الوطني، ولكن جميع هذه التجارب لم تستمر وفي هذا الإطار يطالب المركز الإخوان المسلمين بدراسة المعوقات التي تقف وراء فشل تكوين جبهة وطنية للإصلاح من الأحزاب والقوى المعارضة – دراسة علمية - وعدم قصرها على رغبة النظام السياسي في إفشال هذه المبادرة وتخريب هذه الأحزاب من الداخل.
3. الخطاب الإعلامي للجماعة:
- وفيما يخص الخطاب الإعلامي فإن ما يعطيه قوة وتأثير تحقيق المطالب التالية:
أولا: تحقيق التفاعل المطلوب مع المتلقي من خلال تفعيل عملية الاتصال الاقناعي.
ثانيا: إعداد كادر مدرب من الباحثين والصحفيين، مذيعين أو مخرجين، تتوافر لديهم الرغبة في الإبداع والتميز، وإلى أن يتم ذلك يلزم التأكيد على أهمية الرقي بالمستوى التحريري، وانتقاء الأخبار والقضايا الرصينة والجادة، والاهتمام بالمعلومة، واحترام الرأي الآخر، وترسيخ القناعة بأن صدقيّة الموقع أو المطبوعة أو الفضائية ونجاحها مرهون بتعدّديّتها وموضوعيّتها وتخفيف أدلجتها.
4. قضية حقوق الإنسان:
- أما فيما يتصل بالرؤية لقضية حقوق الإنسان فمن الملاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين في مطالبتها لمنظمات حقوق الإنسان وخصوصا في مصر بأن تقوم بدورها في الدفاع عنها ضد الحملات الأمنية على أعضائها لم تقم هي نفسها بما هو مطلوب منها وهو العمل على تقليل الفجوة في التصورات بين الطرفين من خلال بلورة رؤية واقعية لقضية حقوق الإنسان من جهة وطمأنة منظمات حقوق الإنسان المصرية من أن صعود الجماعة سياسيا ومدنيا لن يؤثر سلبا على الديمقراطية والمجتمع المدني من جهة أخرى. والجماعة مطالبة ببذل مجهود فكري في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، فضلا عن المجهود العملي في التشبيك مع منظمات المجتمع المدني حول أهداف مشتركة تتعلق بهموم الناس – حتى وإن كانت بسيطة.
سادسا: منظمات حقوق الإنسان:
الملاحظ أنه مع اقتراب صدور الأحكام على سجناء الرأي المحالين للمحكمة العسكرية، انشغلت المنظمات المصرية بمشروع قانون جديد لمكافحة الإرهاب كانت تعده الحكومة ليكون بديلا عن قانون الطوارئ، ولم يصدر القانون وصدرت بدلا منه تلك الأحكام القاسية وعادت المنظمات المصرية للانشغال بقضية أخرى هي تمديد قانون الطوارئ!
وعند المقارنة بين المنظمات المصرية ونظيرتها الدولية نجد أن الأخيرة لم تكتفي بتسجيل موقفها وتوضيح الانتهاكات والتداعيات المترتبة على المحاكمة العسكرية وإنما تنوعت آليات المساندة بين التشبيك، وعقد الندوات، وإرسال المراقبين لجلسات المحاكمة، وبين مطالبة الناشطين والمواطنين إلى الكتابة إلى الرئيس مبارك بشكل شخصي!
ويطالب المركز المنظمات المصرية بإعادة الاعتبار لأسلوب التشبيك فيما يتعلق بالإحالة للقضاء العسكري الاستثنائي عموما وهذه القضية خصوصا فالمطلوب ليس مجرد بيان مشترك وإنما العمل وفق آلية تنظيمية تسعى من خلالها المنظمات إلى تنسيق وتعبئة الجهود والمواقف والموارد باتجاه تحقيق ذلك الهدف البسيط!.
كما ينبه المركز المجلس القومي لحقوق الإنسان إلى أن هذه القضية تعنيه وتقع في نطاق اختصاصاته ويطالبه بالاهتمام الكافي بقضية سجناء الرأي الذين أحيلوا للمحاكمة الأخيرة وحصلوا على أحكام قاسية والتحقيق في الشكاوى الخاصة بأهالي المحالين للمحاكمة العسكرية الذين أرسلوها للمجلس منذ تحويل ذويهم للمحاكمة.
وختاما... يجدد المركز مطالبه بتحقيق مصالحة بين الأنظمة وشعوبها، شرطها الرئيس هو تحقيق إصلاح ديمقراطي يرسخ المشاركة وتداول السلطة وحقوق الإنسان ويحقق مصالح جميع الفئات الاجتماعية والقوى السياسية والفكرية في بلادنا.
ويؤكد أن ما جاء بالتقرير لا يهدف إلى الإساءة إلي أي شخص في أي موقع وينطلق من (فقه السفينة) الذي يعنى أن جميع المواطنين على أرض مصر – حكاما ومحكومين – على سفينة الوطن الواحدة وبالتالي فإن " أصغر خرق يعني أوسع قبر". وأخيرا: فإن العدل وتعزيز حقوق الإنسان المصري سوف يؤدي إلى إرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية ويسمح للشعب المصري باسترجاع حريته وكرامته لأنه لا حرية ولا كرامة في ظل القمع والفساد.
وثـائـــــق القـضيــــة
محتويـات الوثائق:
1- مذكرة النيابة وقرار النائب العام بالتحفظ على الأموال.
2- صورة من قرار محكمة الجنايات الدائرة 16 جنايات جنوب بإخلاء سبيل المتهمين في القضية رقم 963 لسنة 2006 بجلسة 29 / 1 / 2007.
3- صور من قرارات الاعتقالات الصادرة من السيد وزير الداخلية للمتهمين بعد قرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيلهم.
4- قرار رئيس الجمهورية بإحالة القضية رقم 963 لسنة 2006 للقضاء العسكري.
5- صورة من صحيفة دعوى التنازع المقامة والمقيدة برقم 8 لسنة 29 ق. تنازع.
6- شهادة من المحكمة الدستورية بتحديد المحكمة المختصة بنظر الدعوى رقم 963 لسنة 2006.
7- صورة من عريضة دعوى وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية لسنة 2007 بالإحالة إلى القضاء العسكري.
8- صورة من قرار الاتهام الخاص بالقضية رقم 2 لسنة 2007 جنايات عسكرية.
9- صورة من حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 16366 لسنة 61 ق بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 40 لسنة 2007بإحالة القضية رقم 963 لسنة 2006 حصر أمن دولة للقضاء العسكري.
10- صورة من صحيفة الدعوى المرفوعة من بعض المحالين للقضاء العسكري بوقف تنفيذ قرارات الندب الخاصة ببعض أعضاء الدائرة الأولى فحص طعون والتي تصدت للفصل في الطعن المقدم على الحكم السابق بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.
11- صورة من قرار المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 12761لسنة 1953 ق والمقدم من السيد رئيس الجمهورية ضد محمد خيرت الشاطر وآخرين بوقف تنفيذ الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري. 12- صورة من بلاغ مقدم للنائب العام بطلب إنهاء احتجاز المحكوم عليهم.
13- صورة من صحيفة الدعوى المقامة من المحكوم عليهم بوقف قرار النائب العام والمدعي العام العسكري بعدم إنهاء احتجازهم والإفراج عنهم.
14- بيانات منظمات مصرية ودولية حول الإحالة للقضاء العسكري والأحكام في القضية.
15- صورتان؛إحداهما من قرار الاتهام في القضية رقم 8 لسنة 1995م جنايات عسكرية,والأخرى من قرار الاتهام في القضية رقم 11 لسنة 1995م.