القسام.. الرحلة من البنادق العتيقة إلى الجيش المسلح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


غزة - كارم الغرابلي:

حماس و القسام

كلمتان مرتبطتان ببعضهما إلى حد كبير، فالقسام ليست مجرد فصيل مسلح لحركة جهادية تحريرية نشأت قبل 21 عامًا، وإنما هي جناح عسكري أقلق منام الكيان الصهيوني، يتبع حركة إسلامية لها خطها السياسي المقاوم، ومع تطور الحركة المتواصل تطور معها في خط متوازن كتائب الشهيد عز الدين القسام ، التي بدأت نشأتها ببنادق عتيقة من مخلفات الحروب، ثم تطور الوضع إلى أن أصبح للقسام جيش قادر على ردع الاحتلال الذي هرب منه في أول فرصة عندما أعلن انسحابه من غزة .

وخلال 21 عامًا كان لمجاهدي القسام صولات وجولات سواء في ميدان المعركة أو التجهيز للمعركة التي بدأت بالعمليات الاستشهادية ثم تصنيع الصواريخ مما دفع الكيان الصهيوني للبحث عن التهدئة مع المقاومة بأي شكل وبأي ثمن، وفي التحقيق التالي نفتش في دفتر ذكريات مجاهدي القسام ليحكوا لنا كيف نشأوا وأين أصبحوا:

في البداية اغرورقت عينا "أبو بلال" أحد القادة الميدانيين في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس ، حينما تذكر كيف كان قادة الكتائب قبل عقدين من الزمن يعتصرون ألمًا لشح السلاح في أيديهم لمقاومة ومقارعة الاحتلال الصهيوني.

ولم يتملك "أبو بلال" نفسه وهو يرتدي بزته العسكرية المبرقعة ويمتطي بندقيته؛ حينما تذكر تلك البنادق البالية والقليلة والمتواضعة التي بدأ بها الأوائل من أبناء الكتائب التي لولاها لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، مضيفًا: "كل بداية صعبة".

واستذكر أبو بلال لـ"إخوان أون لاين" البدايات الأولى لتأسيس كتائب القسام، مشيرًا إلى أن بداية عمل الجهاز العسكري لحماس الجديد "كتائب القسام"، كان بعدد قليل من البنادق التي تُعَدّ على أصابع اليد، وفي أغلبها كانت بالية وضعيفة.

وأضاف وفيما بدأت العزة والشموخ تتسلل إلى قلبه إن هذا الوضع أجبر "أبناء الكتائب" على ابتكار طرق للوصول إلى السلاح في ظل إغلاق الحدود وحظر استخدامه، حيث فكروا في خطف جنود إسرائيليين من أجل الاستيلاء على سلاحهم، وكانت البداية في عام 1992 بخطف الجندي ألون كرفاني على طريق مخيم البريج وطعنه عدة طعنات دون أن يموت، بينما تم الاستيلاء على سلاحه.

وأوضح أبو بلال أنه بعد عمليات الخطف وأخذ سلاح الجنود؛ بدأ السلاح يتوفر في أيدي المقاومين، بينما تسارعت عمليات توفير السلاح من بعض تجار السلاح وبعض الذين كانوا يتمكنون من الوصول إلى داخل الخط الأخضر، أو بطريق من كانوا ينجحون في شرائه من بعض المستوطنين أو سرقته من المستعمرات والمواقع العسكرية، إلى أن أصبح السلاح متوفرًا في أيدي المقاومين قبل اتفاقيات أوسلو بعام واحد، حيث أصبح السلاح بكثرة، ومع إنشاء السلطة الفلسطينية انتشر بصورة كبيرة.

وكانت حركة "حماس" قد أعادت مطلع التسعينيات من القرن الماضي تشكيل جهازها العسكري باسمه الجديد "كتائب القسام"، نسبة لعز الدين القسام، الشيخ السوري الذي خطط لأول ثورة عسكرية واسعة النطاق في فلسطين قبل أن يستشهد في مواجهة ضارية مع القوات البريطانية في أحراش قرية "يعبد" الفلسطينية سنة 1935 .

وتم تأسيس كتائب القسام بعد الضربة التي استهدفت الجهاز العسكري السابق لحماس الذي أسسه الشيخ صلاح شحادة أثناء وجوده في المعتقل ابتداءً من سنة 1988 .

ولم يتم إطلاق سراح شحادة إلا في منتصف عام 2000 ، بينما عمد جيش الاحتلال إلى اغتياله والكثير من أفراد أسرته وجيرانه بقذيفة تزن طنًّا يوم 23 يوليو 2002 .

ويعتبر محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام في الوقت الحالي، حيث تتبع الكتائب نظام الأقاليم؛ فكل إقليم له قائد مسئول عنه ويتابع شئونه، ثم ترفع للشخصيات الأكبر رتبة أمثال محمد الجعبري.

وأول ما تشكل الجهاز العسكري لحماس "كتائب القسام" عام 1986 بقيادة الشيخ الشهيد صلاح شحادة كان يحمل "المجاهدون الفلسطينيون" حيث كان له السبق الأول في تنفيذ أولى عمليات الاختطاف كان من أبرزها اختطاف الجنديين الصهيونيين آفي ساسبورتس وإيلان سعدون بالإضافة لتنفيذ عمليات نوعية أخرى من بينها إطلاق النار واستهداف عدد من مهندسي وقادة الجيش الصهيوني.

وفي منتصف عام 1991 ظهر اسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام" ولم يكن معروفًا في البداية أنه الجهاز العسكري لحماس حتى بداية عام 1992 حين قام مجاهدو القسام في دير البلح بقتل حاخام صهيوني فكان الإعلان الرسمي عن الكتائب.

سلاح بدائي

الشهيد عماد عقل

وبدأت الكتائب نشاطها العسكري بوسائل قتالية متواضعة جدًّا فكانت البداية بثلاث بنادق رشاشة من نوع "كارل غوستاف" بالية وضعيفة فيما كان يعمد المجاهدون إلى وضع رصاص هذا السلاح في رملٍ ساخن حتى لا يفسد البارود المحشو داخله مع مرور الوقت، كما أنّهم كانوا يمتلكون عددًا قليلاً من المسدسات، وبندقية واحدة من نوع كلاشنكوف كان يتمّ تمريرها على المقاومين على طول قطاع غزة.

ولم يتوان مجاهدو الكتائب في البحث عن ابتكار طرق وأساليب للوصول إلى السلاح وامتلاك القوة وتطويرها لمواجهة وردع القوة التي يمتلكها جيش الاحتلال الغاصب، حيث فكروا في خطف جنود صهاينة فكانت البداية عام 1992 بخطف الجندي الصهيوني "ألون كرفاني" على طريق مخيم "البريج" والاستيلاء على سلاحه. كما تم تنفيذ عمليات اختطاف أخرى أسفرت عن اغتنام العديد من قطع السلاح.

الجهاز العسكري لحماس والذي يفوق عدد عناصره عن عشرين ألف مقاتل في الوقت الحالي بدأ بخمس مجموعات مسلحة منتشرة في كافة أرجاء قطاع غزة بقيادة كل من الشهيد عماد عقل وياسر النمروطي ومحمد الضيف، حيث استشهد معظمهم أو اعتُقِلوا أو اضطروا لمغادرة قطاع غزة تحت وطأة الملاحقة الضارية من جانب قوات الاحتلال.

ومن عناصر الجيل المؤسس لم يتبقَّ على قيد الحياة في غزة سوى القيادي القساميمحمد ضيف، الذي أصبح الآن بمثابة القائد العام للكتائب بعد استشهاد الشيخ صلاح شحادة.

التميز والسبق الأول

وكان للكتائب الفضل والسبق في إدخال تقنيات ووسائل قتالية ورادعة لمواجهة العدو فهي أول من صنّعت الصواريخ وأول من أطلقها وأول من صنعت الصواريخ المضادة للدروع مثل البتار والياسين والعبوات الناسفة التي دمرت أسطورة الميركافاة، بالإضافة لتنفيذ عمليات اختطاف نوعية وبأسلوب فريد حطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر كان آخرها الجندي الصهيوني جلعاد شاليط حيث ما زال قيد الأسر.

وكان للكتائب الفضل في دحر الاحتلال وطرده من قطاع غزة بعد تنفيذ العديد من العمليات النوعية وإيقاع خسائر فادحة في صفوف جنوده كعملية حي الزيتون إلى جانب تفجير الأنفاق والأبراج العسكرية التي كانت قريبة من المغتصبات الصهيونية كعملية "محفوظة" وعملية نفق رفح على الشريط الحدودي بالإضافة لعملية استدراج أفراد المخابرات الصهيونية شرق القطاع".

وتميزت الكتائب منذ نشأتها في قضية المرابطين على الثغور والتي بدأتها بعد أول عملية اجتياح في قطاع غزة، حيث تمكنوا في عدة عمليات نوعية من رصد وايقاع خسائر فادحة في صفوف الوحدات الصهيونية الخاصة والتي تحاول جاهدة التسلل للقطاع.

الكتائب والسياسة

الناطق الاعلامي باسم كتائب القسام أبو عبيدة

ورغم دخول حركة حماس العمل السياسي بعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية بقيت الكتائب على عهدها في مقاومة الاحتلال حتى دحره عن أرض فلسطين ، حيث خاضت معارك بطولية مرغت خلالها أنف العدو الصهيوني في التراب، ودونت لنفسها في سجلات التاريخ والمجد العديد من العمليات النوعية والجديدة وكان أبرزها الوهم المبدد، السهم الثاقب، أيام الغضب، زلزلة الحصون، ثقب في القلب، وفاء الأحرار، براكين الغضب وأخيرًا صيد الأفاعي وكان آخرها عملية تفجير الجيب الصهيوني أول أيام عيد الأضحى شرق مدينة غزة ودك العديد من المستوطنات الصهيونية ولأول مرة بصواريخ من طراز "جراد".

ولم تتوقف الكتائب منذ نشأتها عن تطوير وبناء قدرات عناصرها العسكرية والأمنية وفق أحدث الأساليب العسكرية والقتالية، ولم يشعر مجاهدوها بأي درجة من الاطمئنان لقوات الاحتلال التي تهدد بين الحين والآخر باجتياح القطاع.

فيما بدأ القلق يسود ويتسلل لأجهزة الأمن الصهيونية بعد أن حققت حماس توازنًا في الرعب خاصة أن سلاح الجو الصهيوني قرر أخيرًا وقف طلعاته الجوية فوق قطاع غزة؛ خوفًا من إسقاط طائراته بصواريخ مضادة للطائرات بحوزة مقاومين فلسطينيين في قطاع غزة .

وقال المراسل العسكري للتلفزيون الصهيوني إن تغيير مسار الطائرات فوق قطاع غزة جاء بعد ورود معلومات استخبارية بوجود صواريخ مضادة للطائرات وصلت إلى فصائل المقاومة الفلسطينية ، وعلى رأسها حركة حماس في قطاع غزة ، على حد زعمه.

يقول أبو الحارث أحد قادة الكتائب في لواء غزة : "بحمد الله تعالى الكتائب في وضع جيد وجميع أجهزتها متماسكة، ورغم الضربات الكثيرة التي تلقتها في الفترة الأخيرة والتي أسفرت عن استشهاد العشرات من أبنائها إلا أنها تخرج بعد كل ضربة أشد وأصلب وكلما أراد العدو كسرها كانت عصية عليه بل وخرجت له بالمزيد من المفاجآت".

واستطاعت الكتائب في يومين متتاليين منتصف العام الماضي حسم معركتها مع التيار الانقلابي في حركة فتح، حيث تم العثور داخل المقرات التي تمت السيطرة عليها على كميات كبيرة من الأسلحة التي سبق أن صادرتها الأجهزة الأمنية من المجاهدين، فضلاً عن معدات وعتاد باتت تستخدمها الكتائب في التصدي ومجابهة الاحتلال الصهيوني الذي يهدد باجتياح القطاع.

ومن المعهود على كتائب القسام أنها تستغل الظروف والطاقات لتطوير قدراتها العسكرية كافة, ومن أدلة ذلك المواقع العسكرية التي تنتشر في مدن قطاع غزة والتي أنشأتها الكتائب عقب الانسحاب "الإسرائيلي" من غزة ، وتستوعب هذه المواقع العشرات من مجاهدي القسام الذين يتلقون تدريبات عسكرية على أيدي الخبراء.

وكلما حاولت قوات الاحتلال تشديد قبضتها ومحاولة الانقضاض على قطاع غزة، يعمل مجاهدو الكتائب على البحث عن البديل دون كلل أو ملل من أجل إبقاء شعلة المقاومة مستمرة، ووسائلهم من أجل ذلك في تطور مستمر، والبحث عن الجديد مهمة لا تتوقف، وتجارب الواقع تثبت أن كل يوم يكون لدى المقاومين ما هو جديد.

وأبدعت الكتائب في الآونة الأخيرة في استخدام وسائل وتكتيكات جديدة في مواجهة العدو الصهيوني ولعل كان من أبرزها استخدام المضادات الأرضية "الدوشكا" التي استولت عليها من أجهزة السلطة الفارة للضفة عقب الحسم العسكري إلى جانب السراديب والأشجار علاوة على الدمى على شكل مسلحين.

ويؤكد القيادي أبو علي أن الكتائب تسعى إلى زيادة كفاية مجاهديها بالحد الممكن وبما يتناسب مع حجم العدوان والمخططات الصهيونية، وبما ينسجم مع طبيعة الصراع مع العدو كونه صراعًا ممتدًا ومستمرًا، مشيرًا إلى أن الكتائب تستخدم في ذلك كل ما توفر وأمكن من أساليب وفنون قتالية, وبما يتلاءم مع الواقع الصعب والظروف العسيرة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني.

وأكد الخبير في الشأن الصهيوني عدنان أبو عامر أن كتائب القسام استطاعت أن تشكل خصمًا عنيدًا للقوات الصهيونية واستطاعت أن تجعل من الجيش الصهيوني جيشًا يقهر في شوارع مدينة غزة .

وقال: "إنه يجب على كتائب القسام استحقاق قوي يعزز فرض وقائع ومعطيات جديدة في التعامل مع الجيش الصهيوني".

وتبقى كتائب القسام ورغم عمليات التشويه التي تطال مجاهديها من كل صوب وحدب كالطود الشامخ وحروفها نار على المحتل ولعنة على الخائنين، وختام مجاهديها حتى يأذن الله.. إما نصر أو شهادة.

المصدر


إخوان اون لاين