الجماعة الإسلامية في لبنان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الجماعة الإسلامية في لبنان


الجماعة الإسلامية في لبنان.jpg


المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

على الرغم من كثرة الأحداث الجسام في القرن العشرين وتسارعها، إلا أن هناك حدثان بارزا، كان لهما بالغ الأثر على العالمين العربي والإسلامي وعلى منطقة الهلال الخصيب بشكل خاص (بلاد الشام والعراق) الحدث الأول كان هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانهيار نظام الخلافة العثمانية في 3/ 3/ 1924 ، وما رافق ذلك من انتشار استعماري في المنطقة.

أما الحدث الثاني فكان نكبة فلسطين وقيام إسرائيل سنة 1948 ، على إثر الهزيمة التي منيت بها الجيوش العربية أمام الآلة العسكرية للمشروع الصهيوني. وإذا كان المجال في هذه الدراسة لا يتسع للحديث عن أثر هذين الحدثين في إعادة رسم خريطة المنطقة جغرافيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، إلا انه لا يمكن، بأي حال، لأي باحث في تاريخ الحركة الإسلامية أن يغفل أثرهما على تطور الوعي الحركي الإسلامي، وعلى نشوء الحركات الإسلامية وانتشارها، وتطور أدائها وخطابها وأدبياتها، ثم تطور تأثيرها في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري في العالمين العربي والإسلامي. كما لا يمكن، بأي حال، إغفال انعكاس هذين الحدثين على تيارات وأحزاب وأفكار سياسية، منافسة أو مناهضة للمشروع الإسلامي، مثل التيارات الشيوعية والقومية والبعثية والناصرية، والتي دخلت مع الحركة الإسلامية في علاقات مختلفة ذات طبيعة تنافرية تصادمية، أو تعايشية وتنافسية، أو توفقية وتحالفية، حسب تطور الأحداث، وحسب شكل أنظمة الحكم وسياساتها وطبيعة المرحلة ومقتضياتها، وحسب أولويات المواجهة والصراعات المحلية والإقليمية والدولية.

لم يكن لبنان يومًا بعيدًا عن هذه التجاذبات، بل كانت ساحته السياسية والفكرية، أشبه بالمرآة التي تعكس ما يجري حولها من تطورات، وتتفاعل معها وتأخذ دورها كاملًا فيها. ولم تكن الساحة اللبنانية أيضًا بعيدة عن التأثر بالمدّ الإسلامي الحركي الناشيء؛ فشهدت الساحة اللبنانية ولادة «الجماعة الإسلامية» في الستينيات من القرن العشرين، لتشكل امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين ، التي انتشرت دعوتها، وتوسع فكرها، ليشمل أرجاء العالمين العربي والإسلامي.

تؤرخ هذه الدراسة لولادة الجماعة الإسلامية وتطورها، كبرى الحركات الإسلامية في لبنان. وتعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها؛ إذ لم يسبق لأي جهة مهتمة بالبحث والتأريخ للإسلام الحركي أن كتبت عن تاريخ الجماعة الإسلامية في لبنان. وتكتسب هذه الدراسة أهميتها لكونها تكتب تاريخ الجماعة كما يرويه الرعيل الأول المؤسس للجماعة وكبار قياداتها، وهو أمر يعطي قيمة كبيرة للدراسة. وقد حاولت الدراسة تجاوز الإشكالات المنهجية المحتملة الناتجة عن الاعتماد على التاريخ الشفوي، من خلال النقد الموضوعي المقارن للشهادات التاريخية. كما تمّ السعي لاستكمال الصورة، ولتجاوز أية ثغرات، من خلال الرجوع للنصوص المطبوعة المتوفرة، وخصوصًا مجلة الشهاب ، التي أصدرتها الجماعة الإسلامية لمدة تسعة أعوام، ابتداء من سنة 1966 وحتى أندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 ، والتي تعدّ بحق سجلًا تاريخيًا لتطور فكر الجماعة الإسلامية وأدبياتها وأدائها الدعوي والسياسي والإعلامي، ناهيك عن كونها سجلًا يحوي بين طياته ما كانت تعج به الساحة الإسلامية عربيًا وعالميًا من تطورات، إلى جانب كونها انعكاسًا لفكر الحركة الإسلامية في العالم كله. ومن الجدير بالذكر أنه باستثناء مجلة الشهاب ، وبعض البيانات التي حفظتها أرشيفات فردية متفرقة، لا يوجد محاضر موثقة عن الفترة الأولى من تاريخ الجماعة، لأسباب عديدة من أهمها: الضغط الأمني والسياسي الذي عانته الحركة الإسلامية في الخمسينات والستينيات والسبعينيات، وما استدعاه ذلك من اتّباع قاعدة «علانية العمل وسرية التنظيم» ولكن بشكل عام استطاعت هذه الدراسة أن تقف على المفاصل الأساسية في تاريخ الجماعة الإسلامية، وأن تُكوِّن صورة واضحة عن ظروف نشأتها ثم انطلاقتها وانتشارها وها نحن اليوم نضعها بين أيدي الباحثين والمهتمين، آملين أن تسد ثغرة في مجال التأريخ للحركة الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي. والدراسة هذه هي الجزء الأول من دراسة أوسع ستغطي المراحل التالية من تاريخ الجماعة، والتي نسأل الله سبحانه أن يعيننا على إتمامها.

قدَّر الله سبحانه أنه بينما كان هذا الكتاب في المراحل النهائية لتقديمه للطباعة، توفي رائد هذه الجماعة وأول أمين عام لها وأبرز مؤسسيها الشيخ الدكتور فتحي يكن (يوم السبت 13/ 6/ 2009) رحمه الله واسعة وأجزل مثوبته. ولا شك أن الشيخ الدكتور فتحي يكن لم ينحصر تأثيره في لبنان ، بل كان أحد الأساتذة الكبار لأبناء الدعوة الإسلامية في العالم، وكانت كتاباته مصدر توجيه وإلهام للكثيرين. وقد استفدنا منه رحمه الله في إعداد هذا الكتاب.

كما نتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل الأساتذة الأفاضل الذين أجرينا معهم المقابلات الشفوية، والذين قدموا لنا معلومات قيمة جدًا ونخص بالذكر الأستاذ إبراهيم المصري ، الذي تابع إعداد هذا البحث طوال السنتين الماضيتين، وكان خير معين بالمعلومات والنصح والتوجيه كما نتقدم بالشكر لفضيلة الشيخ فيصل مولوي على دعمه ومتابعته وملاحظاته. وننوه إلى أن مقتضيات البحث العلمي، تفرض علينا أن نذكر أسماء الأشخاص مع حفظ الألقاب، دون أن ينقص ذلك من قدرهم ومكانتهم.

وفي الختام نرحب بكل نصح أو توجيه أو نقد بنّاء.

المحرر والمعدُّون


الفصل الأول : ظروف النشأة 19401950

أولاً: الحالة الفكرية والسياسية والدينية في أواخر الأربعينيات والخمسينيات

لا يمكن بحال من الأحوال دراسة تاريخ هذه الحركة دون رسم مشهد للحالة الفكرية والسياسية والحزبية والدينية، التي كانت سائدة قبل ولادة الحركة، ورافقت تبلورها، وأسهمت بشكل أو بآخر بولادتها.

ارتبطت الساحة اللبنانية في الأربعينيات والخمسينيات ارتباطًا وثيقًا بالتطورات الإقليمية المتسارعة التي كانت تجري في المنطقة، فانعكست في الساحة اللبنانية، تجاذبات المصالح بين الدول الكبرى، والصراع بين القطبين الرأسمالي والاشتراكي تمامًا كما كان لبنان، مسرحًا لبروز الأحزاب القومية والشيوعية والناصرية والاشتراكية وغيرها.

ففي فترة الأربعينيات وبداية الخمسينيات، كانت معظم الدول العربية حديثة عهد بالاستقلال من ربقة الاستعمار الأجنبي، فيما كانت دول أخرى ما تزال رازحة تحت نير الاستعمار. وفي ظل السعي نحو التحرر من جهة، والبحث عن سبل النهوض بالأمة من جهة أخرى، وتأثرًا بالمذاهب الفكرية والسياسية الغربية والفلسفات الوضعية من جهة ثالثة، أصبحت الساحات العربية، ومنها الساحة اللبنانية، مرجلًا يغلي بالأفكار والتيارات المختلف؛ من قومية عربية، وقومية سورية، وتيار ناصري، وتيار بعثي، وأحزاب شيوعية واشتراكية وغيرها. ومع تجذر هذه الحالة في الخمسينات، وبروز الإسلام، كما بين الحكم الناصري والإخوان المسلمين في مصر ، ثم بين أنظمة الحكم البعثية والإخوان المسلمين في سورية والعراق ، وغيرها. ويصف محمد سعيد صالح تأثير هذه التيارات في الساحة في ذلك الوقت فيقول إن: القهر الاستعماري، والتطلع نحو استعادة الأمجاد كان يشكل الدافع لتبني الفكر القومي، والانضمام إلى تياره، اعتقادًا من أبناء ذلك الجيل أن الفكر الذي تجسد بشخص جمال عبد الناصر سيحقق للأمة ما تصبو إليه من نصر وتحرير، وصناعة مستقبل زاهر، وبعث لأمجادٍ غالية، وتراكمت عليها أزمان من الضعف والذل والهوان. وهكذا استحوذ التيار الناصري على مشاعر الشباب، وانجراف إلى معاداة ومحاربة من ناهضة، وحاول تبيان خطئه وعدم جدواه في تحقيق أهداف الشباب المتحمس.

وإذا ما عدنا إلى الساحة اللبنانية بشكل خاص، يمكن القول بأن خارطتها الحزبية قد رُسِمت في وقت مبكر؛ إذ لطالما تميّزت بغنى تجربتها الحزبية فعرف لبنان الأحزاب السياسية منذ فترة الانتداب الفرنسي، التي شهدت ولادة أحزاب سياسية مختلفة، وتوالي ظهور هذه الأحزاب بعد إعلان استقلال الدولة اللبنانية وقيامها:

1- الأحزاب القومية والناصرية والاشتراكية والشيوعية:

شهدت عشرينيات القرن الماضي تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في لبنان وسورية ، وشهدت الثلاثينيات تأسيس حزب الكتائب على يد بيار الجميل ، وحزب النجادة على يد عدنان الحكيم ، والحزب السوري القومي الاجتماعي على يد أنطون سعادة. إلا أن هذه الأحزاب التي كانت في طور التأسيس لم تستطع أن تؤثر في السياسية العامة للبلاد؛ إذ كانت اليد العليا للزعامات المحلية والطائفية. فحزبا الكتائب اللبنانية، والنجادة، لم تبدأ مشاركتهما الفاعلة في الحياة السياسية اللبنانية إلا بعد الاستقلال. فظلت القاعدة الشعبية لتلك الأحزاب محدودة قبل الاستقلال، ولم تستطع أن تمدّ جذورها داخل المجتمع اللبناني. أما الحزب الشيوعي فكان في مرحلة تأسيسية في لبنان وسورية على الصعيدين التنظيمى والعقائدي، في حين أن الحزب السوري القومي الاجتماعي ، كان ينشط بصفة سرية، بسبب الحظر الذي فرضته عليه السلطات الفرنسية. ومع أنه كان حزبًا ناشطًا نسبيًا في لبنان وسورية ، إلا أن تأثيره في إطار التنافس السياسي بين الحكم والمعارضة ظل محدودًا.

بدأ العمل الحزبي الفاعل والمنظم في الأربعينيات ضمن الدولة المستقلة، وشهدت تلك الفترة بروز طروحات سياسية لا تقف عند حدود لبنان السياسية، ولا تلتفت إلى الاعتبارات الطائفية الدقيقة. فكثف الحزب السوري القومي الاجتماعي نشاطه بعد عودة مؤسسة أنطون سعادة من المهجر سنة 1947 ، وكانت القومية السورية التي نادي بها الحزب، تتجاوز لبنان لتشمل بلدان المشرق العربي؛ بهدف إقامة سورية الكبرى.

إلا أن المشروع القومي السوري اصطدم مع التوجهات السياسية والعقائدية السائدة، سواء الوحدوية منها، أم الوطنية التي تؤمن بالكيان اللبناني، وكان مناهضًا لمعظم القومي السياسية؛ التقليدية والقومية من جهة، والطائفية والعلمانية من جهة أخرى. فبعد إعلان أنطون سعادة الثورة سنة 1949 ، وقع الصدام المسلح بين الحزب والسلطات اللبنانية فلجأ سعادة إلى دمشق ظنًا منه أنه سيلاقي الدعم والحماية من الرئيس السوري حسني الزعيم ، إلا أن الزعيم سلمة إلى السلطات اللبنانية، فجرت له محاكمة سريعة، وتمّ إعدامه مع حزبيين آخرين. وفي سنة 1949 ، تأسس الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة كمال جنبلاط ، وبدأ ينشط في الخمسينيات. وفي الخمسينيات أيضًا برزت على الساحة اللبنانية أحزاب تنادي بالقومية العربية، وتدعو إلى قيام الوحدة، أبرزها؛ حركة القوميين العرب بقيادة جورج حبش ، وحزب البعث العربي الذي أسسه ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار سنة 1949 في سورية ، وانضم إليه فيما بعد الحزب العربي الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني ، وتم الدمج بين الحزبين سنة 1952 ؛ فأصبح حزب البعث العربي الاشتراكي أما التيار الناصري فبدأ يتكون في منتصف الخمسينيات، ونما سريعًا بعد حرب السويس سنة 1956. ونشأت في لبنان تنظيمات ناصرية محلية، وتبنت أحزابٌ عروبيةٌ التوجه الشعارات والطروحات الناصرية، مثل حزب النجادة الذي تأسس سنة 1936 ، وبدأ ينشط في الأربعينيات.

2- الأحزاب والجمعيات الإسلامية والبيئة الإسلامية المتدينة:

كانت البيئة الإسلامية السنية السائدة في بداية الأربعينيات، قائمة على الانتماء والالتزام التقليدي بالدين، ولم تعرف الساحة الإسلامية السنية الإسلام الحركي في ذلك الوقت، فعلى الرغم من وجود جمعيات خيرية إسلامية مثل جمعية المقاصد الإسلامية ، وجمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ، التي كان يترأسها مبعوث الأزهر الشريف الشيخ صلاح الدين أبو علي ، وجمعية الشبان المسلمين ؛ فقد اقتصر دور هذه الجمعيات على جمع التبرعات وتوزيعها على الفقراء والأيتام. وأحيانًا كان لها أنشطة فكرية كإلقاء المحاضرات أو أحياء عدد من المناسبات، مثل ذكرى المولد النبوي الشريف، وذكرى الهجرة، وغزوة بدر، وفتح مكة وغيرها. وهذا الوضع الذي كان سائدًا في لبنان وخارجه، لا يرتقي بالفعل إلى حالة حركية دعوية، كالحالات الحركية والدعوية القائمة الآن. فقد كان معظم الناس الذين يؤمون المساجد من كبار السن، ولم يكن هناك أي نشاط إسلامي.

في مطلع الخمسينيات كانت التيارات القومية والحزبية، إسلامية وعلمانية، كلها في بداياتها، وكان الناس يسيرون خلف الزعماء التقليديين، مثل آل سلام ، وآل كرامي ، ولم يكن هناك توجهات حزبية عند الناس. وكان للطرق الصوفية حضور ورصيد في الوسط المتدين، وقد جرى انتخاب الشيخ سلمان البارودي ، شيخًا لمشايخ الصوفية، وكانت هناك فترة لا تنقطع فيها مجالس الذكر العامة في طرابلس. وكان الزعماء التقليديون على اتصال مع زعماء هذه الحركات؛ حيث كانوا يزورونهم لكسب التأييد الشعبي بل إن رشيد كرامي كان يشارك في النوبات أو الحضرات الصوفية، التي كانت تقام في ذكرى المولد، ويكون في مقدمتها. وعلى الرغم من أن هذه الحركات كانت ترفد الزعامات بالتأييد الشعبي، إلا أنه لم يكن لها علاقة بتفاصيل الشأن السياسي. وعلى الرغم من الحضور القومي لحزب النجادة، كحزب سني، إلا أن هذا الحزب، الذي تأسس سنة 1936 كان متأثرًا في تأسيسة بالتكوينات العسكرية غير النظامية في العالم، كما في ألمانيا بقيادة هتلر ، وإيطاليا بقيادة موسوليني ، فكان تأسيسه من قبيل الحالة الثورية التي تسعى للتحرر والتغيير. وقد قاتل حزب النجادة والكتائب جنبًا إلى جنب سنة 1943 ضد المحتل الفرنسي، كما قاتل العرب المسلمون والمسيحيون جنبًا إلى جنب في فلسطين ضد المحتل البريطاني قبل النكبة، خاصة الطائفة الأرثوذكسية. علمًا بأن الحزب تبنى في الخمسينيات التوجهات والشعارات والطروحات الناصرية، كما سبق أن ذكرنا.

أما المناطق النائية مثل قرى محافظة البقاع، فقد كان يكثر فيها الجهل، وكان هناك إرث ديني يحافظ على بعض العادات والتقاليد الإسلامية. وكان بعض المشايخ التقليديين لا يتعدون الثلاثة أو الأربعة يدورون على القرى على أرجلهم. كما كان هناك حضور قوي «للطريقة الشاذلية، التي اختلطت بين أتباعها معاني التدين بجوانب من الانحراف والجهل بالإسلام، كتعظيم الأشخاص، وتقديس قبور الأولياء».

ثانيًا: انتشار الفكر الإسلامي

1- جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية:

على الرغم من أن جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية كانت جمعية ذات طابع اجتماعي خيري، إلا أن عددًا غير قليل من الشخصيات، التي أسست الجماعة الإسلامية انتمت إلى هذه الجمعية، واستطاعت أن تتعرف على الإسلام الحركي من خلال مجلات الإخوان المسلمين وكتبهم وإصداراتهم، على قلتها حينها، من خلال الجمعية، بالإضافة إلى أن أول الطريق نحو تبني فكر الإخوان المسلمين ومنهجيتهم كان عن طريق جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ويُجمع الرعيل من مؤسسي الجماعة على أن البداية كانت في طرابلس مع جمعية المكارم، وأضيف إلى جمعية المكارم المجموعة الإسلامية التي لم تكن تحمل اسمًا بعد، وقد كانت مكونة من: فتحي يكن ، ومدحت بلحوص ، وعبد الرحمن قصاب ، ومصطفى صالح موسى ، ومديح الشامي ؛ حيث شكلوا المجموعة الأولى قبل نشأة العمل الإسلامي. ولما لم يكن لهم مركز، ولا دار؛ فقد كانوا يجتمعون في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية. ويشير إبراهيم المصري إلى أنه تعرف على هذه المجموعة سنة 1953 ، خلال محاضرة ألقاها الدكتور سعيد رمضان رحمه الله بمناسبة ذكرى غزوة بدر، في الجامع المنصوري الكبير.

2- جماعة عباد الرحمن:

شكل تأسيس جماعة عباد الرحمن انعطافه مفصلية، وعلامة فارقة في تاريخ العمل الدعوي في لبنان وعلى الرغم من تعدد الأسباب التي حالت دون تبلور الجماعة لتصبح حركة إسلامية متكاملة ذات رؤية فكرية محددة ومنهاج واضح المعالم، إلا أنه من الضرورة بمكان التحدث عن الجماعة بشيء من التفصيل، نظرًا لدورها المميز، الذي لعبته في بداية الخمسينيات، وكونها المحضن الدعوي الأول الذي جمع تحت مظلته الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة الإسلامية، وصقل شخصياتهم، ورسّخ في نفوسهم أهمية العمل لإعادة المجتمعات العربية إلى الإسلام، وأتاح لهم التواصل المباشر مع قيادات الإخوان من أمثال الدكتور مصطفى السباعي ، وعصام العطار وغيرهم، وعرّفهم عن المسلمين، ونقل تجربتهم الحركية إلى لبنان. وقد حصل كل ذلك على الرغم من أن جماعة عباد الرحمن لم تكن بأي وقت من الأوقات امتدادًا للإخوان المسلمين في لبنان.

ويكاد يكون هناك إجماع بين كل من عاصر بدايات العمل الإسلامي الحركي في لبنان أو كان من مؤسسيه، على أن أول تجربة دعوية إسلامية، حملت سمات العمل الحركي في الساحة الإسلامية، ونعني بها جماعة عباد الرحمن ، تأسست نتيجة تداعيات نكبة فلسطين سنة 1948. فقد فصلت سنة 1948 بين مرحلتين: مرحلة سابقة اتسمت بالجمود والبعد عن أي عمل حركي، ثم مرحلة ما بعد سنة 1948 ، حيث بدأ العمل الإسلامي يأخذ طابعًا أكثر حركية، وكأن الصدمة التي أحدثتها هزيمة الجيوش العربية في فلسطين ، أيقظت الوعي الإسلامي، وأدرك الكثيرون بأن غيبة الإسلام عن المعركة هي التي تسببت بهذه الهزيمة. وطبعًا، فإن جماعة عباد الرحمن في بدايتها كانت معلمًا بارزًا لنشوء العمل الإسلامي في أعقاب هزيمة سنة 1948 ، ثم تلتها الحركات الأخرى .

تأسست جماعة عباد الرحمن على يد الداعية محمد عمر الداعوق ، الذي ولد في بيروت سنة 1910 وتخرج كمساعد مهندس ميكانيك. ثم أحب أن يعمل في مجال تخصصه ويؤسس عملًا لنفسه فاستورد آلات من الخارج وبرع في تخصصه، حتى أنه عمل على تحديث إحدى الآلات التي استوردها من الخارج وطورها، حيث كانت تتحرك باتجاه واحد فأصبحت تتحرك باتجاهين. لكن الرجل لم يفرح بعمله كثيرًا إذ داهم الفرنسيون حينها كل المصانع الحديثة، وصادروا الآلات لم يفرح بعمله كثيرًا إذ داهم الفرنسيون حينها كل المصانع الحديثة، وصادروا الآلات المتطورة منها، وكان من بينها آلات محمد عمر الداعوق. وفي أواخر الثلاثينات، سافر الداعوق إلى فلسطين ، حيث عمل عند آل القطان، وتزوج إحدى بناتهم. وفي فلسطين ، تعرف على الشيخ سعدي ياسين ، السوري الأصل المقيم في بيروت، وتأثر بكلامه ووعظه، والتزم بتعاليم الإسلام، وخرج بعد النكبة مع الذين خرجوا من فلسطين. وعندما عاد إلى لبنان توظف في معامل قصار جيان في مجال اختصاصه نفسه؛ واستطاع أن يكسب ثقة أصحاب العمل قصار جيان في مجال اختصاصه نفسه؛ واستطاع أن يكسب ثقة أصحاب العمل حيث طور الآلات؛ وكان يعد كبير المهندسين لديهم. وفي الوقت نفسه كان يشعر بعظم الأمر وخطر ما حصل على الساحة الفلسطنية، فعمل على دعوة الناس إلى الله تعالى، وتحذيرهم من أن يصيبهم ما أصاب غيرهم، وحثهم على العودة للإسلام كسبيل لنهضة الأمة ورقيها في مواجهة أعدائها.

وكان رحمه الله، قد أوتي الحكمة وحسن الوعظ والإرشاد، وكان يخطب ويعظ في كل المناسبات (المساجد، والأفراح، والعزاء، والمحاضرات وغيرها) على الرغم من أنه لم يكن شيخًا ولا عالم دين، حتى إنه يتجنب الفتوى. وقد بدأ أبو عمر الداعوق العمل تحت اسم جماعة عباد الرحمن ، مستقيًا الاسم من الآية ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63]. وقد ظل العمل من دون ترخيص من الدولة اللبنانية، فبادر إلى طب الترخيص، وتضمنت الهيئة التأسيسية عددًا من وجهاء بيروت، هم: إبراهيم قاطرجي ، وجميل غلاييني ، وأحمد رشيد الدقاق ، وعمر الحوري ، ومصطفى الحوري ، وخالد البلعة ، ومحمد داعوق (الذي كان ممثل الجمعية لدى الحكومة).

وكان المركز الأول في منطقة «البسطة الفوقا» ببيروت الغربية، وكان يضم قاعة صغيرة وأخرى كبيرة، وهي عبارة عن صالون الشقة، استخدمها كقاعة محاضرات يدعو إليها الشباب. وبعد أن ضاق المكان استخدموا مدرسة جمعية مكارم الأخلاق كمكان للمحاضرات، ففي ذلك الوقت لم تكن علاقات هذه الجمعيات بين بعضها تنافسية أو ندية، بل كانت تخصصية فمثلًا عباد الرحمن كانت للدعوة والوعظ، وجمعية المقاصد للتربية ، أما المستشفى الإسلامي الذي بُنِيَ على أنقاضه مستشفى المقاصد فكان للصحة...وهكذا .

كان الداعوق يتمتع بعاطفة إسلامية جياشة، وبتطلع دعوي جيد، كان محبًا لا يعرف البغض، ولا علاقة له بالشأن السياسي، فلم يكن يهتم بالشؤون السياسية، ولم يكن متخصصًا أو متعمقًا بالفقه، فقد كان داعية متنقلًا يعظ ويوجه ويذكر، ويعتمد السيرة مرجعًا لمادته الدعوية.

ويقول الشيخ زهير الشاويش إنه دعا الداعوق إلى دمشق، حيث ألقى خطبة الجمعة في مسجد الجامعة السورية، «وكان محبوبًا جدًا في إلقائه، على الرغم من أن في عربيته لحن واضح، ولكن الله ألان له كلام كما ألانه لعدد كبير من الوعاظ». ويضيف الشاويش أن الداعوق اختار اسم «عباد الرحمن» تأسيسًا بقوله تعالى ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ [الفرقان: 63]، من ناحية، ومن ناحية أخرى، تجنب اختيار اسم «جمعية الإخوان المسلمين»؛ لأن رجلًا كان يّدعي في ذلك الوقت أنه المراقب العام للإخوان في لبنان ، واسمه الشيخ أحمد يوسف حمود. وكان من غريب أمره أنه كان يمدح الملك فاروق كثيرًا، على الرغم من أن سمعة الملك فاروق كانت في غاية السوء في بلاد الشام، بل ولدى الإخوان المسلمين أنفهم في مصر. وقد لاحظ الشيخ زهير الشاويش أن الحق مع الداعوق وليس مع هذا الشخص.

استطاع الداعية محمد عمر الداعوق أن يسقطب الكثير من الناس، وأن يبث الروح الإسلامية في النفوس، على الرغم من عدم تخصصه الشرعي وتعمقه الفكري. وكانت نكبة فلسطين مفتاحه لكثير من القلوب، فتأثر الناس بما حصل في فلسطين ، فكانت مقاربة محمد عمر الداعوق في الدعوة مقبولة لديهم؛ حيث كان يرى بأن غيبة الإسلام عن المعركة، وعن الساحة العربية والإسلامية، والسياسية والجهادية، هو ما أدى إلى هذه الهزائم، وإلى الهزيمة النكراء في فلسطين. فكان يدعو مباشرة للعودة إلى الإسلام؛ لأنه كان يرى أنه لا يمكن أن نتغلب على اليهود إلا بالعودة إلى الإسلام. وقد انضوى تحت لواء عباد الرحمن، في السنة الأولى لدعوته ما يقرب من عشرة آلاف شاب، حتى إن قيادة حزب النجادة ، الحزب السني الوحيد في ذلك الوقت تقريبًا، أصيبت بالذهول بسبب تمكّن حركة فتية من ضم عشرة آلاف منتسب إليها في وقت قصير.

لم تكن هناك بداية منطلقات حزبية أو توجهات تنظيمية معينة تنطلق منها جماعة عباد الرحمن ، بل كانت دعوة إسلامية عامة، وقد ساعدت شخصية الداعوق في كسب عدد أكبر من الناس والشباب إلى صفة، ومساعدته في الأعمال والأنشطة الدعوية. وبالتالي أصبح للجماعة صدىّ في الشارع البيروتي، حيث لم يكن في الساحة من عاملين ناشطين للدعوة سوى هذه الجماعة، فقد كانت هناك بعض الجمعيات، إلا أنها لم تكن سوى أسماء فقط دون أن يكون لها أي عمل يذكر. وبالإضافة إلى الدور التقليدي الرسمي لدار الفتوى، لم تتوقف جماعة عباد الرحمن على دعوة الناس إلى المسجد والصلاة والوعي الديني، بل أدخلوا ضمن أعمالهم الأنشطة الترفيهية من رياضة ومخيمات تربوية وتظيمية وبعض الأعمال الاجتماعية الخيرية حتى إنهم كانوا يقيمون مخيمًا على صخرة الروشة، وينصيون حبلًا من الصخرة إلى الشاطيء وينزلقون عليه، مما جعل هذا العمل عملًا مميزًا، وملفتًا للنظرة.

وكان محمد عمر الداعوق يتنقل بين المناطق اللبنانية، حيث كان يزور طرابلس على سبيل المثال، ويتكلم عن الإسلام، ويشرح آيات سورة الفرقان حول عباد الرحمن بأسلوب طيب كان يُعرِّف عن نفسه بأنه مهندس ميكانيكي، وكانت كلمة الهندسة في تلك الفترة بمثابة «الصنارة» التي «يصطاد» بها الناس، ففي ذلك الوقت لم تكن الدراسة الجامعية قد أخذت مداها بين المسلمين، وقليل من المسلمين كان قد وصل إلى مرتبة مهندس ميكانيكي، وكان الداعوق يعطي بعدًا علميًا وثقافيًا للقضايا الدينية، خاصة عندما يربط الآيات بأعمال حياتية مختلفة، كان يضرب أمثلة واقعية، ويحاول أن يترجم أقواله إلى أفعال، فيقوم بنفسه بتنظيف مكان ما ولا يتكبر؛ ويُبسّط أمور الدين للناس بكثرة الأمثلة. وبالتالي، كل من لم يتلقَّ هذه المعلومات في طفولته، كان يجد في مركز عباد الرحمن مصدرًا لمعلومات مهمة، ففي هذا المركز كان يقدّم الإسلام بأسلوب جديد أو أسلوب غير معتاد.

وقد شكلت طروحات الداعوق نقلة نوعية في العمل الإسلامي في مقابل ممارسات إسلامية سادت في شمال لبنان ، ففي سنة 1950 وما قبلها انتشرت في طرابلس جماعة شباب محمد»، التي غدًا اسمها فيما بعد «مسلمون» بقيادة «أميرهم» الشيخ سالم الشهال ، وكانوا يؤثرون اتباع السنة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا؛ فأطلقوا لحاهم، بحيث لا تقل عن قبضة اليد، وكانوا يستحسنون تخضيبها بالحناء الحمراء (وهو ما اعتاد عليه أميرهم سالم الشهال بصورة دائمة). ووضعوا العمامة (الطاقية البيضاء ملفوف عليها شملة بيضاء مع ارتخاء ذيل لها على الظهر)، مع بيعة للأمير على أنه (أمير المؤمنين) لوجوب البيعة في الإسلام (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) كما قال صلى الله عليه وسلم فكانت جماعة «مسلمون» بحق أول حركة إسلامية شعبية في طرابلس، التزمت الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنهم لم يكتفوا بالأمر والنهي القوليين بل حاولوا تغيير المنكر، وفق رأيهم، باليد، ولم يتردد بعضهم من استخدام ماء الفضة المحرق فرشوا بقليل منه ثياب بعض النسوة، اللواتي نزعن غطاء الرأس، وبدأن يكشفن عن سواعدهن وسيقانهن بقصد إرهابهن ولكن دون إيذائهن. وقد أثار ذلك ضجة كبيرة في البلد، وكان اسم الجماعة يومئًذ «شباب محمد» وقد قاموا بحملة ضد السينما وإعلاناتها، حيث كانت تلك اللوحات الإعلانية تنتشر أمام سرايا طرابلس العثمانية، فقاموا بتكسيرها؛ وقد شارك في الحملة الشيخ سالم الشهال نفسه، والشيخ عثمان صافي وهو أحد خريجي الأزهر الشريف.

وكانت الحادثة الأهم هي قيام «شباب محمد» باعتصام أو ما يشبه المظاهرة أمام سراي طرابلس، حيث خطب أميرهم بالمتظاهرين، ثم انتقلوا إلى قاعة نقابة المحامين في السراي، وأعلنوا رفضهم لمشروع إلغاء المحاكم الشرعية وتوحيد قضايا الأحوال الشخصية في الإطار المدني فكانت هذه بحق وقفة شجاعة، وأثرها عَمّ الاحتجاج أرجاء لبنان ، وتراجعت الحكومة ونام المشروع، الذي ما زال يجري الحديث عنه بين الحين والآخر وبعض تلك المواقف توحي بفارق كبير بين دعوة عباد الرحمن المسألة والمعتمدة على التبليغ دون تغيير المنكر باليد، وهو ما كان يقوم به «مسلمون» أو «شباب محمد».

غير أن أعدادهم بدأت بالتناقص بعد أن بدأت الشرطة تطاردهم وتضيق عليهم.

وعلى الرغم من العلاقة الوطيدة التي جمعت الأستاذ محمد عمر الداعوق بالكثير من قيادات الإخوان في مختلف أنحاء العالم العربي، إلا أن جماعة عباد الرحمن لم تكن امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين ، ويؤكد هذا أحد مسئولي الجماعة القدامى، الحاج محمد صالح عيتاني فيقول «وفي الحقيقة لم يكن هناك علاقة تنظيمية بين جماعة عباد الرحمن والإخوان المسلمين ، بل كانت العلاقة محض أخوية إسلامية، تؤكدها صداقات الحاج أبو عمر الواسعة مع قادة وعلماء الإخوان وقد كان الإخوان أحيانًا يلقون محاضرات ودروسًا في مركز الجماعة».

3- مصادر الفكر الإسلامي الحركي:

لا يمكن القول بأن الرعيل الأول، الذي أسس الجماعة الإسلامية في لبنان ، والذين كان في معظمه من الطلاب، كان بعيدًا كل البعد أو غريبًا عن فكر الإخوان المسلمين.

فالحقيقة أن أدبيات الإخوان المسلمين بدأت تنتشر في أنحاء العالم الإسلامي في وقت مبكر من أربعينيات القرن العشرين. فعلي الرغم من تخلف الأوضاع الدينية في لبنان في ذلك الوقت، وغياب الإسلام الحركي عن الساحة تمامًا، إلا أن كتابات الإخوان كانت تصل إلى لبنان ؛ ناهيك عن تعرف هذا الرعيل على فكر الإخوان مشافهة من رواده أمثال سعيد رمضان ، والدكتور مصطفى السباعي ، وغيرهم من الإخوان ، الذين زاروا لبنان أو سكنوا فيه فترات من الزمن. ولكن قبل أن نتحدث عن التأثير المباشر لهؤلاء الرواد، سنتطرق قليلًا إلى المصادر المكتوبة، التي أسهمت في بلورة الفكر الإسلامي عند هذا الرعيل الأول. فقد كانت البداية مع مجلة الدعوة: إذ يقول الأستاذ إبراهيم المصري إنه تعرف على الإخوان من خلال مجلة الدعوة التي كانت تأتي إلى لبنان ، ويضيف:

بعد ذلك خال أواسط الخمسينيات صدرت مجلة الشهاب في دمشق، حيث كنا نحملها ونوزعها في المدارس والشوارع. كنا نعتبرها مجلتنا مع أنها كانت تحمل فكرًا حادًا جدًا، خاصة بالنسبة لتحدي الحالة الناصرية السائدة في الشارع الإسلامي اللبناني. كان لمجلة الدعوة بعض المشتركين في لبنان ، لم تكن تصل بكميات كبيرة إلى الساحة اللبنانية، وكان يأتي معها مجلة المسلمون ، وهي مجلة شهرية كان الدكتور سعيد رمضان يصدرها في القاهرة ، وكانت تعبر عن فكر الإخوان. كان ممثل مجلة المسلمون في طرابلس سليم المغربي ، أمين سر جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ، كانت الكتب والإصدارات قليلة، وغير واسعة، ولكن كان يجري تداولها عبر المكتبات؛ ومن أهمها «العدالة الاجتماعية في الإسلامية» و«رسائل البنا». و«الإخوان المسلمون في حرب فلسطين»، الذي ألفه كامل الشريف ، وهذا الكتاب أوصله الحاج عبد المجيد منيمنة (أبو حسن) إلى الجامع الكبير في طرابلس؛ حيث أخذ كمية منه ووزعها هناك، وكان الكتاب في ذلك الوقت مقسمًا إلى أجزاء».

ويتحدث الداعية فتحي يكن عن مجلة الدعوة كمصدر من مصادر الفكر الحركي فيقول:

كانت مجلة الدعوة تغطي تقريبًا نشاط الإخوان المسلمين في تلك الفقرة:

فكانت تنشر حديث الثلاثاء الذي كان يلقيه الأستاذ البنا رحمه الله، وتغطي نشاطات مختلفة: طلابية، ونسائية، وأخبار العالم الإسلامي، إلى جانب نشر بعض البحوث القيمة فيما يتعلق بحضارة الإسلام وتاريخه. فكنت أنتظرها بفارغ الصبر كل أسبوع، ومن خلالها تكونت عندي فكرة ضرورة العمل للإسلام. فكنت أري من خلالها أنه يوجد نشاط إسلامي غير الذي نعيشه في مدينة طرابلس عبر جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ، يوجد عمل إسلامي قائم بذاته في جميع المجالات. فبدأت تتكون هذه المجموعة.

كان الحصول على مجلة الدعوة سببًا لالتقاء الداعية فتحي يكن بالنواة الأولى، التي شكلت فيما بعد الجماعة الإسلامية وهم: عبد الرحمن القصاب ، والحاج مصطفى صالح موسى ، والحاج مدحت بلحوص ، ومديح الشامي وأخذ الأربعة يلتقون في مركز جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ، والنضم إليهم فيما بعد هشام قطان والشيخ سعيد شعبان أتاح اللقاء الأسبوعي لهذه المجموعة أن تتعرف على الكتب الدعوية التي كانت ترد من مصر ، مثل؛ كتابات محمد قطب ، وفقه السنة لسيد سابق ، وتذكرة الدعاة للبهي الخولي وغيرها وبعد ذلك، تكونت عندهم أرضية فكرية ودعوية، فانتقلوا إلى مرحلة نشر الدعوة عبر الخطب، وكان الداعية فتحي يكن الخطيب المفوه بينهم، الذي يجتذب الناس بقدرته على الخطابة، حتى إن المشايخ كانوا يلحون عليه أن يتقدم لخطبة الجمعة وهو ما زال شابًا يافعًا في سن أولادهم.

كان المنعطف الأساسي التعرف المباشر على فكر الإخوان والتأثر به، هو قدوم الدكتور مصطفى السباعي إلى لبنان ، إثر الانقلاب العسكري الذي قام به تأديب الشيشكلي في سورية وقد أسهم الدكتور السباعي في وضع مناهج عباد الرحمن التربوية؛ حيث كان يضع نشرات مختلفة، مثل تراجم عظماء الإسلام، والسيرة النبوية، ومفاهيم دعوية وحركية، وكلها كانت عبارة عن نشرات صغيرة اعتمدتها جماعة عباد الرحمن كمناهج فكرية . بعد ذلك تعرفت المجموعة الأولى على الدكتور مصطفى السباعي بشكل شخصي من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ، ثم من بعد ذلك من خلال المخيمات التي كانت تنظمها جماعة عباد الرحمن.

هوامش الفصل الأول

1- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع محمد سعيد صالح ، البقاع، لبنان ، 9/ 7 /2005 .

2- فريد الخازن ، الأحزاب السياسية في لبنان: حدود الديمقراطية في التجربة الحزبية (بيروت: المركز اللبناني للدراسات، 2002)، ص 23- 46.

3- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع إبراهيم المصري ، بيروت، 11/ 7/ 2005.

4- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع فتحي يكن ، طرابلس، لبنان ، 20/ 7/ 2005.

5- المرجع نفسه.

6- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع توفيق حوري ، بيروت، 5/ 7/ 2005.

7- مقابلة أجرتها عيتاني مع خليل الصيفي ، البقاع، لبنان ، 1/ 12 /2007.

8- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

9- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

10- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع محمد صالح عيتاني ، بيروت، 9/ 7/ 2005.

11- هذا الترتيب بحسب الترخيص الممنوح من الدولة اللبنانية سنة 1951، انظر ملحق الوثائق.

12- مقابلة مع توفيق حوري ، 5/ 7/ 2005.

13- مقابلة أجراها معين مناع وأمل عيتاني مع إبراهيم المصري ، بيروت، 19/ 11/ 2007.

14- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع زهير مصطفى الشاويش ، بيروت، 2/ 8/ 2005.

15- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

16- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع إبراهيم شهاب ، بيروت، 4/ 7/ 2005.

17- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع محمد على ضناوي ، طرابلس، لبنان ، 4/ 8/ 2005.

18- المرجع نفسه.

19- مقابلة مع محمد صالح عيتاني ، بيروت، 9/ 7/ 2005.

20- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

21- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

22- المرجع نفسه.

23- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.


.

الفصل الثاني : التأسيس (1951- 1964)

مثلت فترة الخمسينيات والستينيات ذروة التصادم والصراع والاستقطاب بين التيارات القومية والناصرية والبعثية والشيوعية من جهة، والحالة الإسلامية من جهة أخرى. ولم يقتصر الأمر على الصراع الفكري، بل انعكس ذلك على أرض الواقع، فتراجعت مظاهر التدين في ضوء قمع الحريات والملاحقة الأمنية للإسلاميين. وسببت الحملات الإعلامية والسياسية والأمنية معاناة قاسية للعمل الإسلامي؛ في وقت لم يكن لديهم فيه القدرة على أنفسهم في الأوساط الشعبية، مما أدى إلى انحسار العمل الدعوي إلى حدٍّ كبير، خاصة بعد اتهام الإخوان المسلمين في مصر بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر ، وما تلا ذلك من قمع للإخوان هناك. وقد انعكس ذلك سلبًا على الحالة الإسلامية في لبنان ، حيث أصبحت موضع اتهام، وكان كل من له علاقة بالالتزام الديني متهمًا بالمشاركة في التآمر على جمال عبد الناصر ، وبالخيانة والعمالة للاستعمار البريطاني ولعبت السفارة المصرية والبعثة الأزهرية المصرية برئاسة فهيم أبو عبيه دورًا كبيرًا في محاولة تقديم «الإسلام التقليدي» المتوافق مع رغبات الأنظمة في مواجهة «الإسلام الحركي» المنادي بالتغيير وقد اضطرت جماعة عباد الرحمن في هذه الظروف الصعبة إلى مسايرة الوضع، لكن ذلك أثار استياء أعداد من الشباب الحركي، الذي تبني الإسلام كمنهج حياة، والذي شكل طلاب المدارس والثانويات «منجمة» البشري الأهم، ورفده بمعظم القيادات التي لعبت دورًا بارزًا في الجماعة الإسلامية فيما بعد؛ فقد أخذت ملامح هذا التيار ترتسم بوضوح، من خلال التمايز الفكري بين جماعة عباد الرحمن في طرابلس، والجماعة في بيروت. وأثمر ذلك عن تأسيس الجماعة الإسلامية، التي أخذت تضع أولى لبنات مشروعها الإسلامي، وبدأ مشروعها يتخطى عاصمة الشمال طرابلس إلى مناطق مختلفة من شمال لبنان ، ثم امتد ليكون النواة الأولى للعمل الإسلامي في البقاع، وليؤسس لعمل إسلامي واسع في بيروت وصيدا وامتازت هذه المرحلة أيضًا بالتفاعل الحار مع قضايا العالم الإسلامي المختلفة، كما شكلت مشاركة أعضاء جماعة عباد الرحمن في طرابلس بأحداث 1958 ضد الرئيس اللبناني كميل شمعون ، الذي كان يسعى إلى ربط لبنان بالمشروع الأمريكي في المنطقة في حينها، إحدى المحطات المفصلية في تلك المرحلة، التي شهدت أيضًا بواكير العمل الإعلامي، سواء من خلال مجلتي المجتمع والشهاب، أم من خلال إذاعة لبنان الحر التي كانت منبرًا لثورة 1958.


أولاً: العمل من خلال جماعة عباد الرحمن

على الرغم من حماس المجموعة الأولى للعمل الإسلامي، وللدعوة إلى الأفكار التي تشربتها من خلال اطلاعها على فكر الإخوان المسلمين من المصادر التي توفرت حينها، كان لا بد لها من إطار جامع تعمل تحت مظلته، وتدعو الناس إليه، إطار يحتضنها، ويساندها ماديًا، ويمنحها عنوانًا وهوية. وقد أتاحت جماعة عباد الرحمن للمجموعة الأولى ذلك المحضن الدعوي، الذي استطاعت من خلاله أن تتطور دعويًا وفكريًا وحركيًا، وأن تتميز أيضًا بفضل احتكاكها المباشر بشخصيات قيادية من الإخوان المسلمين وخصوصًا الدكتور مصطفى السباعي . وبالتالي فإن معظم قيادات الإخوان ، إما كانت انطلاقتها الدعوية على يد جماعة عباد الرحمن ، أمثال أحمد خالد ، الذي انضم إلى جماعة عباد الرحمن سنة 1952 من خلال قسم الأشبال في كشافة الجماعة، وكان حينها في الثامنة من عمره وكان من أبرز العناصر في نشاط الكشافة: محمود عباس ، وعبد القادر كبارة وفاروق نجا ، وعصام الولي ، وغيرهم ممن استطاعوا أن يربوا مجموعة كبيرة من العناصر التي أضحت فاعلة في الجماعة فيما بعد من خلال المخيمات والحركة الدعوية( ). وقد وجدت في جماعة عباد الرحمن ضالتها الدعوية، التي كانت تفتقدها من خلال انتمائها إلى جمعية مكارم الأخلاق ذات التوجه الخيري الاجتماعي.

وقد كانت البداية مع تردد الداعية محمد عمر الداعوق إلى طرابلس لإلقاء المحاضرات، ثم توثقت العلاقة سنة 1956 حيث أنشيء أول مركز للجماعة في تلك السنة، وكان محمد عمر الداعوق يتابع العمل الدعوي بزيارات شبه أسبوعية، ويرافقه في بعض الأحيان توفيق حوري كان قسم من الشبان المنتمين إلى جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية معاقبين بالتجميد لمدة شهر؛ حيث أقيم احتفال للجمعية في بهو الجامع المنصوري، وكان فيه مجموعة من الخطباء أحدهم كان ناصريًا قوميًا يدعى أنور بكري ، وعندما تحدث بشكل أثار استياء هؤلاء الشبان، قاموا بإطلاق مجموعة من الهتافات، قاطعوا بها كلمته مما أدى إلى تعطيل الاحتفال، فعوقبوا بالتجميد لمدة شهر، ومنعوا خلاله من دخول مركز جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية وخلال تلك الفترة، كانت هذه المجموعة تلتقي بتوفيق حوري في مسجد أرغون شاه بين المغرب والعشاء، حيث كان يعطيهم درسًا أو محاضرة هناك وكان حوري يُحضًّر مادته بشكل جيد على الرغم من أنه لم يكن خطيبًا جماهيريًا، وكان اختصاصه في ميدان الاقتصاد، لكنه كان يركز على بعض الموضوعات الفكرية التي استفادت منها المجموعة استفادة جمة.

انضم الرعيل الأول (ممن سيقوم فيما بعد بتأسيس الجماعة الإسلامية) إلى جماعة عباد الرحمن ، وكانوا في معظمهم من الطلاب، وكانت هناك بيعة «على السمع والطاعة وأن لا ننازع الأمر أهله»( ). وافتتحت جماعة عباد الرحمن مركزًا لها في طرابلس؛ حيث استطاعت تلك المجموعة أن تمتلك من خلال انتمائها إلى جماعة عباد الرحمن بعض الموارد المالية، التي استطاعت من خلالها أن تستأجر مركزًا في شارع الجميزات في طرابلس، واستمر هذا المركز مقرًا لعباد الرحمن حتى سنة 1958، زمن اندلاع الصدامات وتفجر الأزمة السياسية، عندما اضطرت المجموعة إلى التخلي عنه، واستئجار مركز آخر في منطفة «صف البلاط».

وعلى الرغم من انتماء الرعيل الأول إلى جماعة عباد الرحمن إلا أن خطابه الدعوي كان متمايزًا عن خطاب الجماعة الدعوي الأخلاقي الصرف ويؤكد على ذلك الشيخ فيصل مولوي ، الذي يتحدث عن بداية علاقته بالجماعة الإسلامية فيقول:

أذكر أني كنت في الثاني الإعدادي، وكان أخونا الشيخ محمد رشيد ميقاتي زميلًا لي في الدراسة، وكان قد تعرف على جماعة عباد الرحمن ، فدعاني إلى جلسة لقاء، كان أخونا الشيخ سعيد شعبان رحمه الله هو العريف المسئول عنها، وكان هذا أول لقاء لي مع الجماعة كان ذلك في سنة 1953و 1954، وكان الشيخ سعيد يحض على الثورة، كان الشباب متحمسًا للثورة، ولكنه عرّف هذه الثورة بأنها ثورة أخلاقية قيمية، تنهض بواقع الإسلام، وواقع المجتمع، وهي بذلك تناقض الثورات العسكرية التي كانت معروفة حينها .

وكان هناك تباين فكري بين دعوة جماعة عباد الرحمن في بيروت، ودعوتها في طرابلس، فالداعوق كان له منحي أخلاقي في العمل الإسلامي، حيث كان يركز على الأخلاق والإنجازات ، أكثر مما يتعاطى في الشئون الفكرية والسياسية، بينما كان أعضاء جماعة عباد الرحمن في طرابلس، يجمعون بين الأمرين، ويحاولون الحرص على فهم الإسلام وتقديمه بشكله الشامل، الذي يغطي كافة جوانب الحياة .

كانت مجموعة طرابلس تعمل بشكل منهجي وكان على رأسها فتحي يكن ، وتشكل هناك مجلس إدارة ووضعت خطة عمل، كما صدرت عن المجموعة بيانات سياسية، وأصدرت أيضًا أكثر من مجلة معنية بالشأن الطلابي تولى إبراهيم المصري الإشراف على بعضها بعد ذلك حصلت جماعة عباد الرحمن على رخصة لإصدار مجلة المجتمع ، وكانت المجلة تصدر من طرابلس. ويعود التمايز بين جماعة عباد الرحمن في طرابلس والجماعة في بيروت إلى الاحتكاك المباشر لجماعة طرابلس بفكر الإخوان المسلمين بحكم الاتصال الجغرافي ففي بيروت، كان لجماعة عباد الرحمن صداها في الشارع البيروتي حيث تعاطف الناس معها، بسبب الخدمات التي كانت تقدمها للمجتمع. أما في طرابلس فقد اتخذ العمل الطابع الحزبي، ودخلت المجموعة الأولى المؤسسة للجماعة الإسلامية في تنافس واحتكاك مباشر مع التيارات المنافسة، ففي انتخابات الثانوية على سبيل المثال كان هناك مرشحين لعباد الرحمن ومرشحين للقوميين العرب أو البعث.

كان محمد عمر الداعوق هو الذي يدفع إيجار المركز، أما المصاريف اليومية فكانت تغطي من الاشتراكات، وعندما جرت المفاصلة بين هذه المجموعة وجماعة عباد الرحمن ، رفعت المجموعة قيمة الإشتراكات لكل الإخوان من أجل تسديد كل المصاريف الدعوية.


ثانيًا: دور المخيمات الكشفية في نشر الدعوة

لعبت المخيمات دورًا تربويًا حركيًا كبيرًا، وأسهمت بشكل أساسي في صياغة الوعي الحركي وفي صقل شخصيات المشاركين فيها، وفي فتح الآفاق أمامهم للتعرف على تجارب الإخوان الدعوية، بالإضافة إلى تعزيز الجانب الروحي والتربوي في شخصياتهم.

ولم تقتصر فائدة المخيمات على الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة وحدهم، بل كانت جماعة عباد الرحمن نفسها تتواصل مع الأجواء الحركية في العالم الإسلامي من خلال المخيمات. وقد ظلت المخيمات محاضن أساسية؛ لنشر الوعي الحركي، ولتربية النفوس، وتأهيل العناصر فترة طويلة امتدت إلى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان بوقت قليل كان هناك نوعان من المخيمات؛ المخيمات المحلية والمخيمات المركزية، وكان لهذه المخيمات أهمية كبيرة حتى بالنسبة للطلائع البسيطة، حيث كانت تأتي من جميع المناطق وكان آخر مخيم نظم في منطقة حرار في عكار في سنة 1974 ، وقد نقل تفاصليه شخص ادعى أنه مراسل صحفي من جريدة الأنوار. وعرف فيما بعد أن تفاصيل ما حدث في المخيم، وصلت للمخابرات اللبنانية. ويشهد أحمد خالد بدور إبراهيم المصري في تنظيم المخيمات في الستينيات، حيث كان المصري يشغل منصب مدير إحدى مدارس المقاصد في منطقة حرار في عكار، وكان له فيها، حسب أحمد خالد ، «عمل دعوي طيب، وبقي في المنصب أكثر من سنتين، وهو الذي عرف الجماعة على المنطقة، وعلى سهل القمومة».

وعن المخيمات الدعوية في بداياتها يقول إبراهيم المصري إنه تعرف على المخيمات منذ سنة 1956 على أنها مخيمات عامة. وإن أول مخيم عام حضره كان في «سير الضنية»، وإن المخيمات كانت صيفية، وكان التخييم يتم في الضنية وعكار والقموعة شمال لبنان. وكانت المخيمات ذات طبيعة تربوية كشفية، وفي بعض الأحيان كانت تأخذ طابعًا عسكريًا. وشارك المصري في مخيمات عباد الرحمن العامة، التي كانت غالبًا ما تقام في منطقة الأوزاعي في بيروت، وكانت أحيانًا تختتم بعرض كشفي أو عسكري تدعى إليه الوجوه السياسية والقيادات والوجاهات... إلخ ويضيف المصري أنه في سنة 1953 أقيم مخيم لعباد الرحمن زاره المرشد العام للإخوان الأستاذ حسن الهضيبي. وفي الوقت نفسه عقد مخيم خاص للإخوان في بحمدون، وكان المرشد الهضيبي موجودًا فيه ومعه صالح أبو رقيق ، من قيادات الإخوان في مصر ، وحضر من سورية مصطفى السباعي ، ومن لبنان محمد عمر الداعوق ، ومن الأردن محمد عبد الرحمن خليفة ، ومن العراق محمد محمود الصواف. وذكر المصري أن المخيمات كانت عامة يحضرها مشاركون من كل المناطق؛ وأنهم دعوا أكثر من مرة المشاركة في مخيمات أقيمت في بيروت بمنطقة الحرج مرة، وفي منطقة قريبة من قصر رياض الصلح مرة أخرى. وقال المصري: «كنا نأتي بأعداد كثيفة من الشمال؛ من طرابلس والقلمون والمناطق المحيطة بها. كان قائد الفتوة في عباد الرحمن عبد الودود فايد رحمه الله، وكنا نقيم عرضًا عسكريًا في نهاية كل مخيم يحضره ضيوف رسميون أحيانًا».

وعلى الرغم من تفريق توفيق حوري بين مخيمات الجماعة الربيعية التربوية الدعوية، ومخيمات الشمال الصيفية العسكرية، يؤكد إبراهيم المصري أن ذلك لا يعني «أن مخيمات الشمال لم تكن دعوية؛ فالمخيمات شبه العسكرية أتت لاحقًا في مرحلة متقدمة بعد 1958». فعندما بدأ الفرز في الحالة اللبنانية، شعرت المجموعة التي ستؤسس الجماعة الإسلامية فيما بعد بأن هناك معركة قادمة، فرأت ضرورة تأهيل إخوانهم عسكريًا، لأن الطوائف والأحزاب الأخرى يجري تأهيلها عسكريًا، فكانت الكتائب اللبنانية تقيم عروضًا عسكرية، كما كانت تفعل غيرها من القوى. لذا، أقيمت مخيمان عسكرية صغيرة، وهذه المخيمات لم تكن عامة ولم تكن معلنة، بل كانت تقام في المناطق البعيدة مثل منطقة القموعة شرق عكار، وكان المشاركون فيها يخضعون لمختلف أنواع التدريبات على استخدام السلاح الفردي وإطلاق النار، لكن هذا لم يُلغِ أبدًا الطابع الدعوي عن المخيم، فعقب كل صلاة كان هناك حديث دعوي وتوجيهي من ضمن برامج المخيمات وهذه المخيمات كان يحضرها عشرات، كانت أسلحتهم فردية يشتري كل واحد سلاحه لنفسه.

وفي إحدى المرات تعاونت مجموعة الإخوان الذين يعملون في الحدادة من أجل تصنيع قطع حربية صغيرة، هي عبارة عن رشيشات صغيرة، لذلك عندما نشبت أحداث 1958 كان هناك تنظيم موجود بالحد الأدنى، فكان لكل فرد سلاحه ولكل فرد مجموعته.

وفي بعض الأحيان كان بعض الإخوة يذهبون للمشاركة في مخيمات الإخوان بسورية، فمثلًا، لم يشارك فتحي يكن في مخيم «سير الضنية» سنة 1958 ، لأنه كان مشاركًا في مخيم في اللاذقية وكان محمد عمر الداعوق يشارك في تلك المخيمات، كما كان عدد من الإخوان السوريين يأتون لزيارة المخيمات التي تنظم في لبنان ، إذ كان للداعوق علاقة صداقة وأخوة إسلامية وطيدة مع الدكتور مصطفى السباعي ، سبقت تَعرُّف الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة على إخوان سورية.

ثالثًا: العمل الطلابي

كان الجو الطلابي في الثانويات هو «المنجم» البشري الذي أمدّ الجماعة الإسلامية بالعناصر المؤسسة، وتكاد ديناميكيات الحركة الطلابية في إطار العمل الإسلامي أن تشكل معظم تاريخ الجماعة الإسلامية، فالمجموعات الأولى من المؤسسين في طرابلس والشمال، وبيروت والبقاع كانت في غالبيتها العظمى من الطلاب. كما أن الجماعة الإسلامية استطاعت أن تمتد جغرافيًا في مناطق الشمال كله، من بوابة العمل الطلابي بدرجة كبيرة، حيث كان الشيخ فيصل مولوي مثلًا، أستاذًا في مدرسة «سير» الرسمية، وكانت دعوة الطلاب أحد أوجه عمله الدعوي الذي مارسه من خلال منصبه الوظيفي.

كانت الثانويات ساحات أخرى تعكس حالات التنافس والاستقطاب الشديدين، التي كانت سائدة في ذلك الحين. تشكل أول قسم طلابي في بداية الخمسينيات (1956- 1957)، على يد فتحي يكن ، وكان يضم فايز إيعالي ، وإبراهيم المصري ، وعبد الله بابتي. بدأت المجموعة الأولى تطور نفسها من خلال الاستفادة من فكر وكتابات مصطفى السباعي وكان القسم يصدر نشرة توزع على الطلاب اسمها «الثائر»، التي كانت تصدر بشكل متقطع وفي المناسبات والأحداث، وكانت المجموعة تمارس العمل الطلابي، من خلال الأنشطة وتوزيع المنشورات والمشاركة في المناسبات الوطنية، في ظل وضع سياسي متأزم في ذلك الوقت. وكانت مشاركاتها الوطنية تحدث ضمن أنشطة التيارات السياسية والوطنية السائدة في ذلك الوقت، حيث لم يكن وزنها البشري يسمح لها بالقيام بمظاهرات مستقلة.

أنشئت أول ثانوية في طرابلس سنة 1955 ، وانتقل العمل الطلابي بعدها إلى جيل آخر؛ حيث كانت المجموعة الثانية من قسم الطلاب تضم فيصل مولوي، ومحمد رشيد ميقاتي ، بالإضافة إلى أخوين انضموا لاحقًا إلى الجيش هما؛ فؤاد حسين آغا ، وفاروق الحاج. كانت العلاقة في إطار العمل الطلابي بين الإسلاميين (جماعة عباد الرحمن) والقوميين العرب علاقة تنافسية تنافرية، وعلى كل حال، انحصر العمل الطلابي في المدارس والثانويات، فكانت ساحة الاحتكاك بالقوميين العرب محصورة في ذلك الإطار. وقد كان تجاوب الطلاب مع الفكر الإسلامي بطيئًا؛ لأن التيار العام الغالب كان التيار الناصري؛ بينما أخذت الحالة الإسلامية تعاني من الاضطهاد في ذلك الوقت.

لم تكن المناقشات في الثانوية تخلو من عراك واشتباك بالأيدي، حيث كانت الثانويات تعج بالأفكار والطروحات السياسية والعقدية وفي إحدى المرات أقفلت المدرسة بأكملها، لأن إبراهيم المصري جاء إلى المدرسة وفي حوزته مسدس.

في أواخر الخمسينيات، كان هناك صف في الثانوية العامة في إحدى المدارس فيه حوالي 11 طالبًا، كان ستة أو سبعة منهم إخوان، وكانت المجموعة الطلابية حينها ترى أن الخلاف بينها وبين التيارات الأخرى، ودفاعها عن فكرها ومعتقدها صراعًا بين الحق والباطل. ويروي أحمد خالد حادثة حصلت في تلك المدرسة، حيث: انتدبت إدارة المدرسة مُدرِّسة لإحدى المواد، فدخلت المُدرِّسة الصف فلم ينظر إليها أحد، من باب غض البصر، فاستاءت واعتبرتها إهانة وشكتنا إلى المدير، فدخل المدير إلى الصف وأخذ يحدثنا عن الحضارة والتحضر. وكان بيننا الأخ عصمت عويضة ، الذي أصبح مهندسًا صحيًا فيما بعد، وكان عنيفًا جدًا، فلما انتهى المدير، أجابه قائلًا، يا أستاذ، هذا أسخف رأي سمعناه في حياتنا!

وشاركت الجماعة من خلال قسم طلابها مشاركة فعالة في مظاهرة انطلقت في شوارع طرابلس وصولًا إلى مقر المحافظ في السراي الكبير على البوليفار Bolivar، وكان المحافظ يومئذ السيد بهيج تقي الدين ؛ حيث استقبل قادة المظاهرة، وكان أبرزهم محمد علي ضناوي ، الذي قاد المظاهرة عمومًا بالإنضمام الكشفي، وطلب من المحافظ أن يلقي كلمة في التظاهرة يعلن فيها موقفًا رسميًا من أحداث الجزائر. وقد التقطت الصحافة صور ذلك المشهد(.

أما على صعيد الجامعات، فقد لعبت الحملة الأمنية والسياسية والدعائية الناصرية ضد الإخوان المسلمين أواخر الخمسينيات دورًا كبيرًا في إعاقة العمل الإسلامي في الوسط الطلابي، وفي هذا المجال يقول محمد سعيد صالح ، الذي كان طالبًا في جامعة بيروت العربية في السنة الدراسية 1964/ 1965 ولحقة إليها أخوه إبراهيم صالح بعدها بسنة:

كانت الأنشطة الدعوية في الجامعة تمشي على حذر واستحياء خوفًا من أن نقذف بتهمة لا تغتفر، وهي تهمة الإخوان المسلمين ، والتآمر على جمال عبد الناصر. وكان مجرد أن تلصق بك هذه التهمة كفيلة بعزلك عن المجتمع وازدرائك وتخوينك حتى والاعتداء عليك، دون أن تجد من ينصرك بكلمة، حتى بتنا بين زملائنا في الجماعة وفي قريتنا محاصرين وملاحقين بنظرات الحقد، كأننا نحن الذين أطلقنا النار على عبد الناصر في الإسكندرية أو كأننا نحن سبب هزيمة السويس ونكسة الـ 1967.

ويذكر الأستاذ إبراهيم صالح ، كيف هرب منه ابن الإمام محمد رشيد رضا رحمه الله الذي كان يدرس في جامعة بيروت العربية، لمجرد أن صالح كان يريد إلقاء السلام عليه، وأرسل إلى قيادة الجماعة يطلب منهم أن يبتعد عنه صالح، ولا يحاول أي من الإخوة الاحتكاك به؛ لأنه كان مراقبًا. ويذكر صالح أيضًا، أن المحجبة الوحيدة في الجامعة كلها كانت سحر حلبي ، التي شاركت فيما بعد في تأسيس تنظيم نسائي خاص مع أميرة جبريل ، وتسلمت قيادة التنظيم بعد مغادرة أميرة جبريل لبنان ، وما زالت على رأس التنظيم حتى اليوم.

وعلى الرغم من كل التضييق والملاحقة، أسهم طلاب الجامعات في نصرة القضايا التي تبنتها الجماعة آنذاك، فكان من آثار ذلك اعتقال كل من سمير الولي ، وحاتم الفوال على خلفية توزيع بيانات مؤيدة للوحدة بين مصر وسورية ، وأوعوا في سجن «الرمل»، في منطقة الطريق الجديدة في بيروت.

رابعًا: المناهج

طور الرعيل الأول من الذين انتموا إلى جماعة عباد الرحمن مناهج الجماعة بما يتناسب مع حالة التمايز الفكري والحركي، التي اتسمت بها دعوتهم. ففي طرابلس، تمّ تطوير المناهج الأسرية التي وضعتها جماعة عباد الرحمن بما ينسجم مع فكر الإخوان ، وهذا ما سرّع علمية المفاصلة مع عباد الرحمن. فحتى نظام الأسر والحلقات كان مختلفًا عما كان عليه أمرها في بيروت، حيث لم تكن هناك حلقات أو أسر بمعناها التنظيمي، فقد كانت الحلقات عامة وتضم أحيانًا ما بين 30- 40 شخصًا؛ أما حلقات وأسر طرابلس فكانت تنظيمية أسبوعية ممنهجة على المنوال الإخواني. والسبب في اختلاف طبيعة الأجواء السائدة في طرابلس عن أجواء بيروت فيما يتعلق بالعمل في إطار جماعة عباد الرحمن ، هو في كون شبان طرابلس قد تأثروا أكثر بفكر مصطفى السباعي ، إلى جانب تأثرهم بالإخوان السوريين، نظرًا لقرب التواصل الجغرافي معهم، في حين أن محمد عمر الداعوق كان داعية إسلاميًا «غير منشغل» بالعمل السياسي.

كان الهم التربوي هو الهم الأكبر، فالهم العسكري كان لاحقًا، وجاء في فترة معينة، وهو استثناء عن القاعدة، فالقاعدة الأساس كانت الاهتمام بالتربية، وصيانة الجيل الإسلامي، والشخصية الإسلامية، والعقلية الإسلامية، والأخلاق الإسلامية. وهذا ما تجده في المؤلفات الأولى، التي وضعها فتحي يكن ، مثل مشكلات الدعوة والداعية . كان الرعيل الأول مستغرقًا في قضية التربية، فقد كان الجانب التربوي أساسًا، حيث رأوا فيه صمام الأمان بالنسبة للحركة؛ إذ رأوا أنه عندما يريد الإنسان أن يقوم بواجب الدعوة، يجب أن يكون قد مرّ بمرحلة التربية والإعداد. ومرحلة الإعداد مرحلة لا تتوقف ولا تنتهي، سواء كان الداعية يقوم بعلم سياسي، أم اجتماعي، أم خيري، أم جهادي؛ فمرحلة الإعداد يجب أن تبقى مستمرة في نظرهم، حتى تكون هناك حصانة من المغريات واستمر الرعيل الأول في التركيز على التربية بشكل مكثف، ففي الأسر، كان هناك منهاج يجمع بين علوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلوم السنة، وعلوم التاريخ، وتراجم عظماء التاريخ. وفي الوقت نفسه، كانت هناك البرامج الميدانية التطبيقية، فكانوا يزورون المقابر على سبيل المثال، ويقومون برحلات ليلية جبلية، للتهجد والصلاة، كما كانوا يقيمون مخيمات اسمها المخيمات الأسرية، وتلك لم يكن لها هدف سوى التربية الفكرية والأخلاقية والنفسية والروحية. كانت البرامج تتطور بحسب الزمان والمكان، وكلما ساد شعور أن هناك ضعف أو فتور إيماني، كان يتم معالجته بمزيد من البرامج الإيمانية والتربوية المتنوعة كانت المناهج تعتمد على مصادر محددة، مثل فقه السنة للسيد سابق، وكتاب تذكرة الدعاة للبهي الخولي، وكل مرحلة كانت لها كتبها ومباحثها الخاصة. وبالإضافة إلى التلقي والتعلم كان هناك العطاء، فقد كان الإخوة يُشجَّعون على نشر وتبليغ ما تلقوه من علم، ولذلك كانوا ينتشرون في المساجد، ويتدربون على الخطابة، ووعظ الناس.

كان اهتمام محمد علي ضناوي وفيصل مولوي في تلك المرحلة المبكرة بالتدريس الأسري، على صغر سنيهما، أفسح لهما مجال الكتابة؛ فكتب محمد علي رسالتين هما؛ «الآداب الإسلامية» و«المرأة بين التوجيه والتشريع». وكتب فيصل مولوي رسالة «الطائفية»، واللافت أن محمد عمر الداعوق أمر بطبع الرسائل الثلاثة وصدرت باسم «عباد الرحمن».

وقد تطور الأمر في أواسط الستينيات من حيث المناهج والبرامج والممارسة الإسلامية؛ إذ إن محمد علي ضناوي كان في هذه الفترة مسئولًا عن قسم الأسر، وتمكن من وضع مجموعة برامج فكرية مكتوبة نالت موافقة الجماعة، أو بمعنى أدق موافقة الأستاذ فتحي يكن بوصفه المسئول الأول، واعتمدت في تدريس جميع حلقات الأسر.

خامسًا: التفاعل مع قضايا العالم الإسلامي

كان من أبرز ما تميزت به مرحلة التأسيس التفاعل مع قضايا العالم الإسلامي بشكل كبير؛ فعلى الرغم من أن الرعيل المؤسس للجماعة الإسلامية، تفاعل بشكل كبير مع أحداث ثورة 1958 ، وكان طرفًا فيها، إلا أن التفاعل مع قضايا الأمة وقضايا العالم الإسلامي كان هو العنصر الطاغي. فقد ناصرت تلك العناصر القضية الأساس، قضية فلسطين ، ووقفت مع الوحدة بين مصر وسورية ، ودعمت الثورة الجزائرية، وأيدت ثورة المسلمين في أريتريا، بالإضافة إلى وقوفها ضد مشروع أيزنهاور، الذي كان يريد تكتيل المنطقة ضد الشيوعية. ويشرح إبراهيم المصري ذلك بقوله: «كانت لنا مواقف من قضايا العالم الإسلامي، حيث انتشرنا في مساجد طرابلس، نتحدث عن هذه القضايا، وكل من كانت له قدرة على الخطابة، فُرز إلى مسجد من المساجد»( ). لقد كانت هناك حركة شعبية واضحة تجاه القضايا القومية، وعلى رأسها فلسطين والجزائر ، فأقيمت عشرات المظاهرات والاحتفالات، خاصة لنصرة قضية فلسطين ، وقضية الوحدة بين مصر وسورية (1958- 1961)، كان هناك قرار واضح بتأييد الوحدة حتى لو كانت برئاسة جمال عبد الناصر. وكانت وجهة نظر فتحي يكن أنه لما كان من المستحيل إقامة دولة إسلامية في لبنان في مثل حجمه وتركيبته الحالية، فإنه من الممكن أن تتغير الأمور إذا قامت الوحدة بين مصر وسورية ، وانضم لبنان إليها فيما بعد، فعبد العناصر ليس مخلدًا، ومع تغير الظروف، يمكن للوحدة أن تؤسس لقيام دولة إسلامية في المنطقة( ). وقد كانت استجابة حركة الإخوان المسلمين لموضوع الوحدة بين مصر وسورية إيجابية، فإخوان سورية أعلنوا حل التنظيم استجابة لمطلب إقامة الجمهورية العربية المتحدة، وما يتطلبه ذلك من حل للأحزاب، وقد ذهب مصطفى السباعي حينها إلى مصر استجابة لطلب الإخوان هناك.

وإبان حرب السويس سنة 1956 ، تحرك الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة سياسيًا من خلال المشاركة في المظاهرات التي خرجت في كل الأقطار العربية، ومن خلال المناشير الشعبية التي كانت الطريقة الأمثل للتعبير عن المواقف السياسية، ومن خلال خطب الجمعة كما قاموا بإطلاق حملة إغاثية جمعوا خلالها الملابس وأرسلوها للمنكوبين من أبناء بورسعيد.

وكان من أولى اهتمامات الجماعة السياسية بالقضايا الوطنية والعربية والإسلامية الكبرى؛ الثورة الجزائرية، فقد أخذت هذه الثورة حيزًا كبيرًا من اهتمامات الجماعة حيث كانت الجماعة تتابع ما يجري في الجزائر ، وكانت تنظم المسيرات ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر ، وسبقت غيرها بكثير، على الرغم من صغر حجمها وضالة وضعها في لبنان. وكان أهتمامها بالثورة الأريترية بارزًا، فقد احتل هيلاسيلاسي أريتريا وضمها إلى أثيوبيا، وقام بسحق المسلمين وتطلعاتهم إلى الحرية والاستقلال مستخدمًا كافة وسائل البطش والقتل والدمار. كذلك نشطت الجماعة في هذا الإطار نشاطًا كبيرًا، واحتضنت الجبهة المجاهدة التي تشكلت في مواجهة هيلاسيلاسي، وقد أصدرت الجماعة حينها كتابًا يلخص قضية المسلمين في أريتريا وغيرها.

سادسًا: الانفصال عن جماعة عباد الرحمن

كان الانفصال عن الجماعة عباد الرحمن نتيجة حتمية للتمايز الفكري، ولاختلاف الأهداف بين المجموعة المؤسسة للجماعة الإسلامية التي تشربت فكر الإخوان المسلمين وتبنته، وبين جماعة عباد الرحمن التي أصرت على الاقتصار على الجانب الأخلاقي والوعظي والتربوي. هناك تفسيرات متباينة بين أعضاء جماعة عباد الرحمن القدامى من أمثال توفيق حوري ومحمد صالح عيتاني ، حول الأسباب الحقيقية لانفصال فتحي يكن ورفاقه من الرعيل الأول المؤسس للجماعة الإسلامية عن جماعة عباد الرحمن لكن يكاد يكون هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن جماعة عباد الرحمن تعرضت لحالة من الانحسار بسبب انتشار المدّ الناصري ومما زاد من توجس الشارع البيروتي من جماعة عباد الرحمن ، محاولة اغتيال جمال عبد الناصر ، واتهام الإخوان المسلمين بها. وقد كان العباد معروفين بالتوجه الإسلامي، فاعتزلهم أو خاصمهم كثير من البيروتيين بسبب خطهم الإسلامي. غير أن هناك سببًا رئيسًا مرتبطًا بعدم قدرة أو عدم رغبة الجماعة ورئيسها الداعية محمد عمر الداعوق في مواكبة تطور الوعي الحركي لكثير من المنتسبين إلى الجماعة، والذي أصبح يبحث عن رؤية شمولية تتبنى الإسلام كمنهج حياة، وتتسع دائرة اهتماماتها لتتخطى جانب الالتزام الإيماني والسلوكي نحو دوائر أوسع من الاهتمام الفكري والسياسي والاقتصادي والجهادي، والاهتمام بالقضايا الوطنية والقومية، باعتبار ذلك كله جزءًا لا يتجزأ من دورة العمل من أجل إعادة الاعتبار للإسلام في المجتمعات.

ومن وجهة نظر مؤسسي الجماعة الإسلامية فإنه يمكن تلخيص أسباب «المفاصلة» بينهم وبين جماعة عباد الرحمن بالأسباب التالية:

1- المد الناصري وتأثيره:

كان للمد الناصري أثر شديد السلبية على جماعة عباد الرحمن ؛ فبداية، جعلت محاولة الاغتيال، التي تعرض لها جمال عبد الناصر ، الشارع السني الذي كان مبهورًا بجمال عبد الناصر، في حالة عداوة شديدة مع مظاهر العمل الدعوي الإسلامي مهمًا كانت بساطتها أما بالنسبة لجماعة مثل جماعة عباد الرحمن ، فقد تم الربط بينها وبين حركة الإخوان المسلمين وتخوينها وتجريمها، على أساس أن المنتمين لهذا التيار هم الذين حاولوا اغتيال «البطل» جمال عبد الناصر.

ويكاد يكون هناك إجماع بين كل قيادات الجماعة على أن محمد عمر الداعوق اضطر لمسايرة التيار الناصري والسفارة المصرية، التي كان لها تأثير كبير في الساحة اللبنانية في ذلك الوقت، وخاصة فيما يتعلق بالعمل الإسلامي، من أجل أن يخفف من الضغط الذي تعرضت له الجماعة فكان سبب الخلاف الرئيس مسايرة عباد الرحمن، خاصة في بيروت، للمدّ الناصري في لبنان ، والانكفاء باتجاه عمل إسلامي أخلاقي ديني محصور في هذا النطاق بينما كان توجه عباد الرحمن في طرابلس يميل إلى الغوص في الصراع الفكري الذي كان محتدمًا في لبنان والمنطقة العربية بين الاتجاه الإسلامي وبين الاتجاهات القومية والاشتراكية، فضلًا عن الدخول في الصراع السياسي، باعتبار أن الإسلام. في مفهومهم، شامل لكل جوانب الحياة وكان هذا خلافًا واضحًا وعلنيًا بين فتحي يكن ومحمد عمر الداعوق ، وهذا ما تسبب ببدء اهتزاز العلاقة بين الطرفين وعلى الرغم من نفي حوري، ومحمد صالح عيتاني ، تؤكد معظم قيادات الجماعة الإسلامية، أن محمد عمر الداعوق اضطر في فترة من الفترات إلى تعليق صورة لجمال عبد الناصر في مكتبه، وتحتها عبارة بطل القومية العربية، فكان هذا سببًا آخر في اهتزاز العلاقة بين الطرفين.

ويدلل إبراهيم المصري على ذلك، بالحديث عن العلاقة الوطيدة، التي ربطت بين الداعوق ورئيس البعثة الأزهرية في ذلك الوقت الشيخ فهيم أبو عبيه ، حيث يقول «كان فهيم أبو عبيه ، رئيس البعثة الأزهرية يضغط على الداعوق من أجل أن يُشدّد علينا. أذكر هنا أننا قدمنا مشروع برنامج أسر للداعوق، ولما سألناه فيما بعد عنه، قال لنا تركته عند الشيخ فهيم أبو عبيه».

ويعزو زهير الشاويش تأثير المدّ الناصري على جماعة عباد الرحمن إلى تسلط نجيب جويفل على الجماعة سنة 1954 ، ومن المعروف أن نجيب جويفل كان من الإخوان المسلمين المصريين الذين انتقلوا إلى العيش خارج مصر ، وكان يقدم نفسه على أنه من كوادر الإخوان وهناك اتهامات لنجيب جويفل بأنه أثار الفتنة وسط الإخوان في أكثر من بلد، وبأن له ارتباطات سرية بمخابرات عبد الناصر وهذا ما أثر برأي الشاويش على بعض أعضاء الجماعة، وهنا تمّ الانشقاق.

والإضافة إلى ذلك، فقد نشرت جماعة عباد الرحمن ، ضمن نشراتها الدورية التي كانت تصدرها لجنة النشرة في قسم الطلاب، مقالًا مترجمًا لعبد الناصر بعنوان «فلسفة الإسلام»، كان قد نشر في مجلة مسلم ديجست Muslim digest في عدد نيسان/ أبريل 1959 ، التي تصدر في جنوب أفريقيا ومقدمة المقال مأخوذة من كتاب «الثورة التحريرية الكبرى» وعلى الصفحة الأولى صورة لعبد الناصر.

2- تأثر الرعيل الأول بفكر وطروحات الإخوان المسلمين:

تأثرت عناصر جماعة عباد الرحمن في طرابلس، التي شكلت فيما بعد الجماعة الإسلامية، تأثرًا بفكر الإخوان المسلمين ويمكن القول بأن جماعة عباد الرحمن أشبه بجماعتين، واحدة في بيروت ظلت متأثرة بمنهجية وأسلوب محمد عمر الداعوق في الدعوة، وأخرى في الشمال، كان وعيها الحركي والفكري يتبلور بطريقة سريعة جدًا، ويتجه نحو تبني الدعوة الإخوانية بشكل كامل ويؤكد توفيق حوري ، بأن المؤثر الأول في وجود دعوة إخوانية بمعناها الحزبي ومفهومها الحالي، كان مصطفى السباعي ، الذي كان يعيش آنذاك في لبنان ، وكانت له محاضرات وحلقات ودروس وجولات في لبنان. هذا بالإضافة إلى وجود بعض الإخوان المصريين مثل عبد الحكيم عابدين زوج أخت حسن البنا ، وهو الوحيد الذي أقام في لبنان إقامة طويلة، وكان نفسه إخوانيًا على الرغم من أنه كان ترك الإخوان في مصر ، وانفصل عنهم، وسعيد رمضان زوج ابنة الشيخ حسن البنا ، وأبو المكارم عبد الحي ، زوج ابنة الحاج أمين الحسيني ، وعز الدين إبراهيم ، الذي أصبح فيما بعد مديرًا لمعارف قطر، ثم رئيسًا لجامعة الإمارات ثم مستشارًا للشيخ زايد، وجمال الدين عطية صاحب كتاب البنوك الإسلامية ، كما كان الشيخ محمد محمود الصواف وهو من العراق مقيمًا في لبنان. كما أن المرشد الثاني للإخوان حسن الهضيبي كان قد قدم إلى بيروت وأقام حوالي أربع ليال في فندق بمنطقة بحمدون، والتقي خلالها عددًا من الشبان، ثم أكمل طريقه إلى دمشق كان الأساس في التحول الحركي هم شباب الشمال وعلى رأسهم فتحي يكن ، حتى إن مخيمات الشمال كانت غير مخيمات بيروت، فمخيمات بيروت الربيعية كانت تربوية دعوية، أما مخيمات الشمال الصيفية فكانت مخيمات تربوية دعوية عسكرية(.

ولاتنفي قيادات الجماعة أن وصول الشيخ مصطفى السباعي إلى لبنان ، بعد ملاحقته في سورية خلال فترة حكم العقيد أديب الشيشكلي، كان العنصر الجديد على الساحة الإسلامية اللبنانية فكان السباعي يدعى إلى طرابلس، كما كان يدعى من قبل الجمعيات الإسلامية في بيروت لإلقاء محاضرات، حيث كان المحاضرون في الشأن الإسلامي آنذاك نادرين جدًا لذلك كان السباعي هو الذي أضفى طابعًا دعويًا على كل هذه المؤسسات وعلى رأسها عباد الرحمن في بيروت، التي بدأت كتجمع يحمل عصبية طائفية مثل حزب النجادة أو غيرها ثم تحولت إلى تيار دعوي بعد أن اتصلوا بالشيخ السباعي رحمه الله. ذلك أن السباعي كان هو من وضع مناهج جماعة عباد الرحمن الدراسية، التي كانت تتداول وتدرس في الأسر والحلقات.

3- موقف جماعة عباد الرحمن من العمل السياسي والحركي:

كان الداعوق لا يرى أهمية للعمل السياسي ولا يحبذه ويقول: «سياستنا هي ترك السياسية»، والسبب خوفه من أن يؤثر الاشتغال بالسياسية على الجماعة سلبًا. واقتصر اهتمامه الدعوي على بثّ الروح الإسلامية والتركيز على الأخلاقيات، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومعاملة الناس بشكل جيد، وخدمة الناس، ولم يتعد ذلك وكان الداعوق يرى أن مهمة الجماعة أن تقوم بتربية الأطفال الصغار، وبعد أن تكون الجماعة قد زرعت فيهم حب الله والالتزام وكان الداعوق يرى بأنه ليس له علاقة بعد ذلك أين سيذهب هؤلاء الشبان، سواء انضموا إلى جماعة أخرى أو بقوا في إطار عباد الرحمن وكان يقول للرعيل المؤسس للجماعة الإسلامية في الشمال: لو كان عندكم قدرة، جادلوا بالرأسمالية وبالقانونية وبالشيوعية وأنظمة الحكم، أما أنا ليس عندي هذه القدرة، أنا مسئوليتي تنتهي في هذا الاتجاه.

كان الرعيل الأول للجماعة الإسلامية يرغب بأن تأخذ عباد الرحمن شكل التنظيم الحركي على غرار الإخوان المسلمين ، لكن الداعوق كان يريد أن تبقى الجماعة حالة عامة، ملكًا لكل الناس، ومفتوحة على كل الناس، بينما أرتأي هؤلاء الشباب أن التيار الإسلامي يحتاج إلى بنية تنظيمية وفكرية متماسكة تستطيع من خلالها المحافظة على نفسها، والانتشار، ومواجهة التيارات والأحزاب الشعبية والفكرية الأخرى؛ كالناصريين والبعثيين واليساريين وغيرهم ولذلك مال هؤلاء الشباب إلى الانفصال ليقوموا بدورهم، وتركوا لجماعة الرحمن القيام بدورها الذي ترغبه. يقول إبراهيم المصري معلقًا «كنا راضين بعباد الرحمن كما هي، شرط أن يتركونا كما نحن». ويؤكد الشيخ فيصل مولوي أنه «لم يكن حماس الشباب هو السبب الذي أدى إلى الانفصال عن جماعة عباد الرحمن ، إنما الذي أدى إلى الانفصال هو التمايز بين مؤسسي الجماعة الإسلامية وعباد الرحمن، حيث كان هناك اختلاف فكري واضح بين الجانبين لكن طبعًا هذا الاختلاف الفكري ربما أعطاه جو الحماس دفعًا أكبر».

4- أحداث سنة 1958: السبب المباشر للانفصال:

كان موقف جماعة عباد الرحمن من أحداث سنة 1958 هو «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» ليتبعها انفصال الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة الإسلامية ومعه الشمال كله، ما عدا منطقة القلمون، عن جماعة عباد الرحمن فقد أظهرت أحداث 1958 تباينًا واضحًا في خط جماعة عباد الرحمن في بيروت، وخط المنتمين إليها في الشمال إذ رفضت الحالة الإسلامية في الشمال أن تقف على الحياد، ورفضت أن ينحصر دورها في الاكتفاء «بدفن ضحايا المعركة والعناية بالجرحى»، فأسست إذاعة خاصة بها، وأقامت معسكرًا تدريبيًا.

ويتحدث فتحي يكن بتفصيل أكثر حول هذا الموضوع فيقول:

لا شك نحن نظرنا إلى خلفيات الثورة اللبنانية، فوجدنا أن رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون يريد أن يربط لبنان بأحلاف عسكرية أمريكية بريطانية (حلف بغداد)، والنقطة الرابعة [H4] وما أشبه نحن من واقعنا الإسلامي ورفضنا ذلك، والناصريون والقوميون من واقعهم القومي رفضوا ذلك، وكنا نرى أنه لا يجوز أن نبقى متفرجين وانقسم الولاء في الوضع اللبناني إلى قسمين، قسم طبعًا كان مع رئيس الجمهورية الذي هو الجيش، والكتائب اللبنانية، والقوميين السوريين ثم القسم الآخر، وغالبيته مسملون، تقريبًا بشكل عام حزب النجادة، وزعامات مثل رشيد كرامي.

وفي تلك الفترة حوصرت منطقة أبي سمرا، التي كانت في معظمها منطقة إسلامية من قبل الجيش اللبناني والكتائب والقوميين السوريين. فكانت المنطقة تواجه بما توفر لها من سلاح.

رفضت جماعة عباد الرحمن في بيروت في ذلك الوقت الاشتراك بأي عمل عسكريًا، واكتفوا بدفن الموتى، وإخلاء الساحات من الجرحى، بينما انخرطت طرابلس في العمل العسكري وأنشأ شباب الجماعة في طرابلس مركزين للتطوع، ودربوا أعدادًا كبيرة من الناس على حمل السلاح ولما لم يكن هناك ما يكفي من السلاح هناك قاموا بتصنيع رشاشات صغيرة، صنعوا خمسين رشيشًا تقريبًا. حيث أحضروا قطعة سلاح من بورسعيد ، وعملوا على شاكلتها، ونجحوا في ذلك. يقول فتحي يكن:

قدمنا للمرحوم رشيد كرامي قطعة من هذه القطع فاستغربها، فقال هذه صناعة من؟ فقلنا، هذه صناعة طرابلسية، صناعتنا بعون الله. فهنا بالفعل وصلت الأزمة بيننا وبين بيروت إلى نهايتها لأنه نحن طريقًا وهم اختاروا طريقًا وحدثت لقاءات، وجاء محمد عمر الداعوق ، وقال، ليس بالإمكان أن نتابع مع بعض، نحن جمعية تربوية نعلم الناس الأخلاق والصلاة، ولكن أنتم تريدون أن تجاهدوا في سبيل الله، أنتم تريدون أن تقيموا دولة، أنتم لكم شأنكم ونحن لنا شأننا وبالفعل عندنا فرع في مدينة طرابلس فتحملنا مسئولية تبعات العمل لأنه لا نستطيع أن نقف، نحن نريد أن نشغل وقد حصل الانفصال في مخيم رأس الشقعة، وكان هذا المخيم الأخير، وكان فيه أسلحة رماية، فنحن لم نكن نخرج إلى أي مخيم إلا وكان به رماية.

كان هناك مخيم للتدريب العسكري في طرابلس في منطقة أبي سمراء في طرابلس، يؤهل كوادر المقاتلين على مستوي المدينة، وليس على مستوى عباد الرحمن فقط. أما القيم على القيم على هذا المعسكر فهو يحي عيد ، الذي كان عسكريًا في الجيش اللبناني كان في ذلك الوقت فريقان يواجهان الرئيس شمعون؛ الفريق الأول: مجموعة رشيد كرامي ، وهم الذين أطلقوا الثورة والفريق الثاني: هو حزب البعث الاشتراكي بقيادة عبد المجيد الرافعي. وقد تدربت مجموعة رشيد كرامي في المخيم الذي أسسه الشباب المؤسس للجماعة الإسلامية، واستخدموا إذاعتهم «صوت لبنان الحر»؛ لإذاعة بيانات رشيد كرامي ، وأعطاء الخطب والبيانات والتوجيهات.

ويروي أحمد خالد أنه تزامنًا مع تلك الأحداث، وزع منشور في بيروت وطرابلس يؤيد الوحدة بين مصر وسورية ؛ فاعتقل بسببه حاتم الفوال ، وسمير الولي ، وكانا آنذاك طالبين في الجامعة، فقال أبو عمر الداعوق معلقًا على هذا الموضوع، في لقاء المفاصلة في مركز صف البلاط: «ماذا فعلتم؟ وزعتم منشورًا فقبض عليكم مثل الصراصير ووضعوكم في السجن. فأثار هذا الأمر استياء شديدًا في أوساط الحضور».

ويروي إبراهيم المصري الشكل الذي تم فيه الانفصال قائلًا: إن كل الجماعة في طرابلس كانت ذات وجهة واحدة، فقد كانت تسير باتجاه فكر إسلامي ملتزم، وهو فكر الإخوان المسلمين ، وتتجه نحو أطر محددة.

ويضيف:

بعد هذه المرحلة شكلنا أول مكتب إداري كنت عضوًا فيه في طرابلس، بينما في الماضي لم يكن هناك حدود إدارية وعلاقات إدارية بين الأفراد الأمور كانت تسير على البركة، فالذي أذكره أنه في صيف 1958 أقيم مخيم في منطقة رأس الشقعة على ظهر النفق بين بيروت وطرابلس، حيث يقع هناك دير النورية، أقمنا فيه مخيمًا وحضره الأخ أبو عمر الداعوق ، كما حضره عمر مسقاوي الذي كان مؤيدًا الآراء الداعوق، وعبد البديع صقر الذي كان متأثرًا بالنكبة التي ألمّت بالإخوان وكان يطالب بالهدوء أيضًا وفي ذلك المخيم حُسمت الأمور باتجاه المفاصلة بين الفريقين وكان مركز الجماعة الذي لا يزال حتى ذلك الوقت في منطقة صف البلاط، مكتوب عليه بخط عريض جدًا جماعة عباد الرحمن ، فأمر الأخ أبو عمر الداعوق بإزالة اسم عباد الرحمن عن الحائط، فقضيت الليل أنا والأخ عبد الله بابتي في إزالة الاسم.

وعلى الرغم من الانفصال عن جماعة عباد الرحمن ، لم تنقطع حبائل الود، بل ظلت الزيارات بين الطرفين قائمة، وخصوصًا بعد عودة محمد عمر الداعوق من الجولات الخليجية، حيث كان الإخوان هناك يسألونه عن فتحي يكن وعن بقية إخوانه ممن انفصلوا ويشير إبراهيم المصري إلى أن الداعوق «كان محبًا لا يعرف الكراهية والحقد»

هوامش الفصل الثاني

1- مقابلة أجراها معين مناع وأمل عيتاني مع أحمد خالد ، طرابلس، لبنان ، 15/ 12/ 2007.

2- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

3- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

4- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/7/ 2005.

5- مقابلة أجراها عبد القادر على مع فيصل أنور مولوي ، بيروت، 25/ 7/ 2005.

6- المرجع نفسه.

7- المرجع نفسه.

8- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

9- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

10- مقابلة مع إبراهيم أنور المصري ، 19/ 11/ 2007.

11- المرجع نفسه.

12- مقابلة مع إبراهيم أنور المصري ، 11/ 7/ 2005.

13- المرجع نفسه.

14- مقابلة مع فيصل أنور مولوي ، 25/ 7/ 2007.

15- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

16- المرجع نفسه.

17- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

18- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

19- المرجع نفسه.

20- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

21- مقابلة أجرتها أمل عيتاني مع محمد سعيد صالح ، البقاع، لبنان 1/ 12/ 2007.

22- مقابلة أجرتها أمل عيتاني مع محمد سعيد صالح ، البقاع، لبنان ، 1/ 12/ 2007.

23- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

24- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

25- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

26- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

27- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

28- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

29- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

30- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

31- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

32- مقابلة مع محمد صالح عيتاني ، 9/ 7/ 2005.

33- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

34- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

35- مقابلة مع زهير مصطفى الشاويش ، 2/8/ 2005.

36- انظر غلاف النشرة في ملحق الوثائق.

37- مقابلة مع توفيق حوري ، 5/ 7/ 2005.

38- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

39- مقابلة مع محمد صالح عيتاني ، 9/ 7/ 2005.

40- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

41- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19 /11 / 2007.

42- مقابلة مع فيصل أنور مولوي ، 25/ 7/ 2005.

43- المرجع نفسه.

44- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

45- يشير أحمد إلى أن الأخ عبد الرزاق الدريعي كان مصنع الأسلحة، خلال ثورة 1958 وعند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1975 وأصل اختصاص الدريعي العملي كان الميكانيك، ثم انتقل بعدها إلى صياغة المعادن سافر الدريعي فيما بعد إفريقيا، ثم استقر به الأمر في استراليا.

46- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

47- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

48- المرجع نفسه.

49- لبناني من طرابلس، اشتهر بترجمة فكر مالك بن نبي إلى العربية، وعمل في مجال السياسة نائبًا ووزيرًا.

50- أحد الدعاة المصريين، ولد بمصر وتوفي سنة 1986، ويعد من الرعيل الأول للإخوان المسلمين حيث التحق بالإخوان سنة 1936، وتربى على يد الإمام حسن البنا ، وعمل معاونًا لدار الإخوان المسلمين في القاهرة ، ودخل السجون المصرية منذ سنة 1948، عمل في قطر والإمارات العربية المتحدة فترة طويلة، وكان مديرًا للمعارف في قطر، ثم مديرًا لدار الكتب القطرية، ثم مستشارًا ثقافيًا لحاكم قطر. له عدة مؤلفات مطبوعة.

51- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

52- المرجع نفسه.

.

الفصل الثالث : الجماعة الإسلامية (1964 - 1975)

أولاً: التأسيس والتسجيل الرسمي

تأسست الجماعة الإسلامية رسميًا سنة 1964 ، وتم افتتاح مركز الطريق الجديدة، قرب مبنى جامعة بيروت العربية خلال السنة نفسها، وسبق ذلك فترة امتدت ما يقارب الأربع سنوات، عملت خلالها المجموعة التي انفصلت عن جماعة عباد الرحمن تحت مسميات مختلفة، منها المركز الثقافي الإسلامي، والحركة الإسلامية، والشباب المسلم بالإضافة إلى مسمى الجماعة الإسلامية علمًا أنهم حاولوا التقدم بترخيص لإنشاء جمعية أو جماعة أكثر من مرة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل كانت فترة مراوحة استمرت أربع سنوات، واستخدم اسم الجماعة قبل الرخصة، حيث بدأ اعتماد هذا الاسم سنة 1963. وفي تلك الفترة واجه الرعيل الأول المؤسس عقبات مالية وقانونية، حيث كانوا يعملون دون ترخيص، وهو أمر لم يغب عن السلطات الأمنية ولا عن السفارة المصرية؛ حيث كانت مساعي استصدار ترخيص رسمي باسم تنظيمي إسلامي جديد، تقابل بالرفض، بدعوى أنها تمثل «فلول» الإخوان المسلمين وحزب التحرير.

واستمر الأمر على هذه الحال، إلى أن تولى كمال جنبلاط وزارة الداخلية، وخاض حينها ضد الفساد الأخلاقي، وكان يجتمع عنده مجموعة من المهتمين بهذا الشأن، ومسئولو الجمعيات الدينية من مسلمين ومسيحيين، وكان من بينهم إبراهيم شهاب ممثلًا لجماعة عباد الرحمن، وزهير العبيدي عن نادي اللواء الرياضي. وكان أحد رجال الأمن قد أحضر نسخة لمنشور وزعته الجماعة الإسلامية في بيروت وكل المناطق اللبنانية؛ فاستفسر جنبلاط عنهم، وتساءل لماذا لا تتم دعوتهم للمشاركة في تلك الاجتماعات؛ فأخبره زهير العبيدي بأنهم من طرابلس، وأنهم تقدموا بطلب ترخيص من الأمن العام عدة مرات ولم يوافق لهم عليه ولم يعطوا إذنًا بالعمل الرسمي، فطلب منه أن يحضر طلب الترخيص، فقام العبيدي بإحضار إلى وزارة الداخلية وكان الطلب باسم فتحي يكن ، وإبراهيم المصري ، وفايز إيعالي ، ومحمد دريعي ، ومحمد كريمة ، فوقّع عليه جنبلاط مباشرة، وأسنده إلى أحد الموظفين في الوزارة لمتابعة الإجراءات، فحاول الموظف إخفاء الملف، وعدم تبليغ الجماعة بالموافقة؛ إلى أن زار إبراهيم شهاب كمال جنبلاط في الوزارة فقال له مبروك، فرد: على ماذا؟ قال: الترخيص، قال شهاب: لم نر شيئًا بعد، فاستدعى الموظف الذي كان قد أخفى الملف، فتعلل بعدم فهم النص الذي كتبه جنبلاط، حيث ظنه غير موافق، إذ جاءت موافقة جنبلاط تحت كلام الأم العام، وادعى الموظف أنه ظن أن الموافقة على تقرير الأمن العام الممانع للترخيص وليس على منح الترخيص للجماعة.

ويتحدث الشيخ فيصل مولوي عن اختيار تسمية الجماعة الإسلامية، فيقول إنه كان هناك خياران؛ فقد طرح بعض الإخوة تسمية الإخوان المسلمون ، باعتبار «أنها تعبر عن هويتنا الحقيقة وامتدادنا». وطرح آخرون تسمية الجماعة الإسلامية، على اعتبار أن هذه التسمية «تبعد عنا تهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين ، مما يخفف عنا الضغط السياسي والأمني إلى حدٍّ ما». ويضيف أنه قد وقع الاختيار على التسمية الثانية بفارق بسيط في الأصوات، لكنه يؤكد أن ذلك لم يبعد عنهم شبهة الانتماء إلى الإخوان ويروي الشيخ فيصل مولوي في هذا المجال حادثة طريفة، فقد علقوا يافطة كبيرة جدًا باسم الجماعة الإسلامية، على شرفة مركزهم في صف البلاط في طرابلس، ووضعوا اسم الجماعة على باب المركز، وحدث حينها أن توفي جار لهم، كان يسكن في الشقة المقابلة للمركز، فكتب أهله في ورقة النعي: «التعزية في منزل الفقيد الكائن مقابل مركز الإخوان المسلمين»!.

في تلك الفترة، بدأ شكل التنظيم يتبلور، وفيها انضمت كل المجموعة الطرابلسية في جماعة عباد الرحمن إلى الرعيل المؤسس للجماعة الإسلامية (ما عدا منطقة القلمون، التي ظلت مع جماعة عباد الرحمن) وفي تلك الفترة أيضًا تأسس التنظيم. وفي سنة 1962 تم فرز الإخوان العاملين من بين مجموع الإخوان العاملين من بين مجموع الإخوان ، واعتبروا اللجنة التأسيسية للجماعة الإسلامية، وكانوا بحدود 40 - 50 أخًا.

في بداية الأمر، كان هناك مكتب إداري واحد للجماعة، إذ لم يكن هناك منتسبون سوى في طرابلس ولكن بعد ذلك افتتحت الجماعة مكاتب أو مراكز لها في كل من بيروت وصيدا والجدير ذكره أن المكتب الإداري في طرابلس كان موجودًا حتى قبل تأسيس الجماعة الإسلامية بشكل رسمي، ففي الفترة الانتقالية بين الانفصال عن جماعة عباد الرحمن والجماعة الإسلامية، عمل الرعيل المؤسس تحت غطاء المركز الثقافي الإسلامي، الذي انتخب مكتبًا إدرايًا كان فتحي يكن رئيسًا له. وبعد تأسيس الجماعة الإسلامية بشكل رسمي، تولى عبد الله بابتي رئاسة مكتب طرابلس في سنة 1965. وقبل سنة 1969 لم يكن للجماعة مجلس شورى، حيث كانت تجري استشارات مع الإخوة العاملين يتم على أثرها تشكيل مكتب إداري في طرابلس، وآخر في بيروت، وثالث في صيدا.

بدأت المرحلة الثانية بالترخيص للجماعة، وخلالها تشكل مجلس شوري ينتخبه الإخوان العاملون، واقترح فتحي يكن أن تكون الشورى مُعلمه، لكن الإخوان رفضوا، وأصبحت الشورى في الجماعة ملزمة. وعندما تمّ تشكل أول مجلس شورى مركزي سنة 1969 ، انتخب من قبل هيئة عامة تمثل كل المناطق اللبنانية التي تضم الإخوة العاملين في الجماعة. وكان أعضاء مجلس الشورى 15 عضوًا. وهو المجلس نفسه الذي اختار محمد على ضناوي مرشحًا للملجس النيابي سنة 1972 ، بأكثر ثمانية أصوات ضد سبعة أصوات لصالح فتحي يكن عقدت الجلسة الأولى لمجلس شورى الجماعة في منزل فتحي يكن في الضنية (ضهر الكيف)، وكان أبرز عناصر هذا المجلس: فتحي يكن ، وفيصل مولوي ، ومحمد رشيد ميقاتي ، ومحمد على ضناوي ، وسعيد شعبان ، وغسان حبلص ، وعبد الله بابتي ، وأحمد خالد ، وزهير عبيدي ، وهشام قطان ، وعبد الفتاح زيادة ، وإبراهيم المصري . وانتخب محمد علي ضناوي رئيسًا لمجلس الشورى.

بعد ذلك انتخب أول مكتب قيادي للجماعة وضم، مدحت بلحوص ، وهشام قطان ، وإبراهيم المصري ، وفايز إيعالي ، بالإضافة إلى فتحي يكن ، الذي انتخب أمينًا عامًا للجماعة وكان محمد رشيد ميقاتي أول أمين سر لمكتب قيادة الجماعة على مستوى لبنان. وقد طبق نظام البيعة الذي كان سائدًا منذ أيام جماعة عباد الرحمن.

عرفت الجماعة الإسلامية نفسها في أدبياتها على أنها «ليست جماعة المسلمين، ولكنها جماعة من المسلمين، وأنها ليست تجمعًا شخصيًا، وأن المسئول فيها خادم لها، وأنها ليست تجمعًا سياسيًا همه تحقيق مكاسب قريبة». وحددت الأسباب الدافعة لتأسيسها بأنها:

وجوب العمل الإسلامي كونه تكليفًا من الله للأنبياء والمرسلين، ثم للرسل أجمعين ولأن العمل الإسلامي لا يمكن أن يكون عملًا فرديًا؛ لأن المهمة الكبرى التي ندب نفسه لها هي هدم الأوضاع الجاهلية، وإقامة المجتمع الإسلامي وهذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها أفراد مهما عظموا، بل لا بد لها من تجمع منظم ينطوي تحته كل الإمكانيات على اختلاف أنواعها، ليوجه كل واحد منها إلى العلم الذي ينجح فيه وبتنسيق كامل وقد بين الله تعالى أن الفلاح هو ثمرة العمل الجماعي.

وقد أمن مؤسسو الجماعة بأن «الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي ينقذ الإنسان من الحيرة والضياع، وينقذ البشرية من الفوضى والمادية... فضلًا عن أنها المبدأ الوحيد الذي ينقذ المسلمين من الذل والهوان».

وقد أوضح الداعية فتحي يكن بأن منهاج الجماعة:

لا يضعه فرد أو أفراد، بل هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهج هدفه تعبيد الناس لربهم أفرادًا ومجتمعات، في سلوكهم ومعاملاتهم في تنظيم وتشريعاتهم، وفي كل مناحي حياتهم. وهو منهاج ذو طبيعة تغييرية لا ترقيعية ترفض القبول بأنصاف الحلول، وتأبى الاصطلاح على المناهج الجاهلية والمذاهب الوضعية هي كلية شمولية تتناول الفكر والسياسة والتربية الروحية والحركة، إنها تعالج الإنسان ككل، وتهتم بالمجتمع في جميع نواحيه.

وقد حددت الجماعة الإسلامية لنفسها الأهداف التالية:

1- تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس، نقية صافية متصلة بالعصر ومشكلاته، والحاضر ومتطلباته وإعادة صلة المسلمين به فهمًا وإيمانًا وعملًا.

2- تنظيم الذين استجابوا للدعوة إلى الإسلام وتثقيفهم به وتربيتهم عليه وتأهليهم ليكونوا الطليعة التي تؤمن بحقه وتعيشه، وتستقطب الجماهير لتكوين رأي عام إسلامي لمواجهة تحدي الحضارة الغربية، والفلسفات الإلحادية والوجودية، وموجات التهتك والإباحية.

3- السعي لبناء مجتمع جديد يكون فيه الإسلام هو الميزان الوحيد لتصرفات الفرد، وهو الأساس الوحيد لعلاقات الأسرة والمعاملات بين الناس.

4- السعي لجمع شمل المذاهب والفرق الإسلامية بالرجوع إلى أصول الإسلام.

5- العمل على محاربة الطائفية الذميمة.

ربط مؤسسو الجماعة أنفسهم بتنظيم الإخوان المسلمين ، حتى في أثناء وجودهم في جماعة عباد الرحمن. فقد دخل هؤلاء الإخوان في مكتب البلاد العربية في حركة الإخوان المسلمين ، أو ما كان يسمى مكتب قيادات الإخوان ، قبل أن يحصلوا على ترخيصٍ بتشكيل الجماعة الإسلامية. ففي سنة 1963 ، كانت قيادات الإخوان من الدول العربية مثل العراق والكويت والأردن ومصر يعقدون لقاءات مركزية في بيروت لتنسيق العمل الإخواني وضبطه وتوجيهه وعلى هامش هذه اللقاءات، كتبت الأنظمة الداخلية للتنظيمات الإخوانية وكان عصام العطار رئيس هذا المكتب، ومحمد عبد الرحمن خليفة نائبه، وعبد الله أبو عزة سكرتيرة وبعد المحنة الثانية للإخوان في مصر واعتقال سيد قطب وإعدامه (1965 - 1966) ، بدأت الأطر التنظيمية المركزية للإخوان تتطور، وكانت الجماعة الإسلامية في لبنان ، أكثر من مؤسس في هذا المجال.

بعد انتشارها في طرابلس وبيروت، بدأت الجماعة الإسلامية توسع انتشارها في مناطق مختلفة من لبنان ، ابتداء من التوسع في مناطق الشمال، ثم بدأ الانتشار في مناطق بيروت وصيدا ثم البقاع . وفي ذلك الوقت أخر المد القومي الناصري تجاوب الناس مع الحركة الإسلامية الوليدة، انطلاقًا من التهم المسبقة، التي كانت موجهة إلى كل ما له علاقة بالإلتزام الإسلامي وبالدعوة الإسلامية. واستمر الوضع على هذا المنوال، حتى حصلت كارثة حرب 1967، التي أصابت الناس بالصدمة والذهول، وأصابت المد القومي الناصري بانتكاسة في الصميم.

ثانيًا: انتشار الجماعة الإسلامية في بيروت

بدأ العمل الإسلامي الحركي في مدينة بيروت منذ سنة 1957 ، من خلال المجموعة الأولى التي كانت تضم:

سليم استيتية ، ومحمد عبدان ، وعبد الرحمن عبدان ، وأحمد زيدان ، والشيخ إبراهيم شهاب ، وسمير المجذوب ، وأحمد عيتاني ، وزهير العبيدي . حيث ارتبطت بجماعة عباد الرحمن، وكان لها دورًا كبير في نشأة هذا العمل وتبلور فكره. وانخرطت هذه المجموعة في أنشطة الجماعة وبرامجها، فتولى زهير العبيدي مسئولية العمل الطلابي والتربوي في الجماعة وقامت هذه المجموعة بخوض الصراعات الفكرية حول القضايا والعناوين، التي كانت تطرحها الأحزاب الشيوعية والقومية، بالرغم من أن سياسة جماعة عباد الرحمن ، التي كانت متبعة وما زالت، هي التهدئة وعدم خوض الصراعات والنزاعات مع الآخرين ومما عزز حالة الانتماء الفكري هذه، استماع الشباب إلى المحاضرات الدورية التي استمرت طوال الفترة الممتدة ما بين سنتي 1957 و 1960 ؛ والتي كان يُعرض فيه الفكر الإسلامي الحركي الذي كان يقدمه نخبة من المشايخ والدعاة العرب، وقادة حركة الإخوان المسلمين ، الذين كانوا يفدون إلى لبنان ؛ من أمثال الدكتور مصطفى السباعي ، والفضيل الورتلاني ، والشيخ زهير الشاويش وغيرهم.

وبعد التعرف على فتحي يكن ، من خلال المشاركة في المخيمات الكشفية، بدأ يكن يزور بيروت ويلقي الدروس في مساجد المدينة، وكان أولها مسجد الإمام علي، ومن ثم ينتقل مع الشباب إلى منازلهم لعقد الحلقات الخاصة. وقد أسهم هذا البناء الفكري، بشكل أو بآخر، في التأسيس لحالة الافتراق بين مجموعة الشباب هذه وبين جماعة عباد الرحمن.

1 - العمل الدعوي:

تشكلت المجموعة الأولى، في الغالب، ضمن أوساط فرق الكشافة التابعة لجماعة عباد الرحمن، ما بين سنتي 1952و 1953 ، ثم نشطت دعويًا في أوساط الطلاب الثانويين خلال سنتي 1956 و 1957 . فكان ما يقارب الـ 90% من المستقطبين ضمن حلقات الجماعة وأنشطتها المختلفة من طلال الثانويات حيث كانت الجماعة تنفذ أنشطة رياضية، وتقيم المحاضرات والاحتفالات العامة في المناسبات الدينية المتعددة، وتقيم برامج تقوية مدرسية، وتوزِّع نشرة عباد الرحمن، والبيانات السياسية حول مختلف القضايا، التي تهم العالم الإسلامي؛ مثل رفض المشاريع التي تدعو لتصفية القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى توزيع مجلة الرابطة ، التي كانت تصدر في طرابلس.

وكان لإبراهيم شهاب دور أساسي في نشر الدعوة في الأوساط البيروتية، لكونه يتولى إمامة مسجد الحمراء. واشتغل زهير عبيدي في مهمة نشر الدعوة في الأحياء البيروتية الداخلية، ثم انتقل بعد ذلك إلى العمل في الضواحي، فتردد خلال الفترة الممتدة بين سنتي 19561966 على منطقة برج البراجنة؛ فتولى الخطابة في مسجد الروضة الصغير، وألقى الدروس المسجدية، واللقاءات المنزلية، ووسع علاقاته بالناس، وشارك في الأفراح والأتراح كما تولى التدريس المسجدي في جامع العرب في المنطقة نفسها.


2 - العمل التنظيمي:

وافقت حوالي ثلاث أسر، أي ما يقارب 50 عضوًا، خلال سنة 1961 ، على الانتقال من جماعة عباد الرحمن إلى التنظيم الإسلامي الحركي الجديد، الذي لم يكن قد تمت تسميته أو استصدار رخصته بعد، وبدأت الاتصالات بين بيروت وكل من طرابلس والبقاع والجنوب تنشط في المجالات التنظمية والدعوية والسياسية. وبدأت عملية التواصل مع قيادات التنظيم في طرابلس إلى تشكيل لجنة تنظيمية ضمت: عبد الحفيظ عيتاني ، وكمال طقوس ، وإبراهيم شهاب ، وزهير عبيدي ، وسمير المجذوب وقد اشتمل هذا التشكيل على الحقائب والمهام التنظيمية التي كانت معتمدة في التنظيم، وهي: العمل السياسي، ونشر الدعوة، والطلاب، والعمل الاجتماعي، والأسر، والتربية. وكان المنهاج الفكري يتضمن رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، وكتاب الشيخ مصطفى السباعي هكذا علمتني الحياة، ومجلة المجتمع ثم الشهاب.

وكان لتنظيم بيروت دور محوري في العلاقات العامة بين التنظيم في لبنان وبين عموم الضيوف الوافدين من الأقطار العربية (العلماء، والدعاة، وقادة الإخوان ، واللاجئين السياسيين) وتولى هذه المهمة الشيخ خليل شهاب.

3 - العمل العسكري:

تعرض لبنان إلى عدة تطورات أسهمت في إبقائه بؤرة متوترة؛ الأمر الذي ساعد على تحويل المخيمات الكشفية التي كانت تقيمها جماعة عباد الرحمن ، إلى مناسبات لتعلم فنون القتال والدفاع عن النفس حيث كانت مجموعات الطلائع التابعة لكشافة جماعة عباد الرحمن ، آنذاك تمثل نواة هذا العمل. كما كان للأستاذ توفيق حوري ، نائب رئيس جماعة عباد الرحمن ، دور في تشجيع الشباب على التدريب العسكري، انطلاقًا من قناعته بضرورة أن يحافظ المسلمون في لبنان على قوتهم العسكرية والسياسية.

فخلال سنتي 1957 - 1958 انطلقت محاولات هذه المجموعة للانخراط في العمل العسكري؛ حيث بدأت خطواتها العسكرية الأولى، بالمشاركة في أول عملية تدريب عسكرية في الخارج كما قام الشباب بعدة زيارات تدريبية إلى مدرسة القتال التابعة للجيش اللبناني؛ حيث قاموا بدورات على تعلم تجاوز الحواجز وتسلق الحبال.

وبعد تأسيس الجماعة الإسلامية، استمر التركيز على العمل الكشفي والرياضي الذي كان يطلق عليه آنذاك اسم «الفتوة» وقد كان من ضمن أنشطة العمل الكشفي والرياضي في ذلك الوقت التدرب على الرماية ويرى محمد علي ضناوي أن ثمة رافد مهم كان يساعدهم آنذاك، وهو التدريب العسكري ضمن المدارس، والذي كان يتم بشكل رسمي بإشراف الدولة، وكان إلزاميًا لطلاب المدارس الثانوية.

وبالتالي، لم تكن استعداداتهم العسكرية خارجة عن النظام العام، وقد استمر ذلك حتى مطلع سنة 1975.

ومع توتر الأوضاع والإحساس بحالة الفرز الطائفي، شهدت منطقة الشمال بداية التدريب العسكري الجدي لعناصر الجماعة الإسلامية، على خلفية التعامل مع ما كانوا يستشعرون أنه «هيمنة مارونية». ويتحدث أسعد هرموش عن نوعية التدريب في ذلك الوقت فيقول: إنه في الفترة 1972- 1973 كان يجري التدريب، ضمن ما يسمى «دورة مقاتل عادي» أو «دورة عرفاء»، على الأسلحة الخفيفة مثل رشاشات الكلاشنكوف والدكتريوف والسيمينوف والقنابل اليدوية والآر بي جي والدوشكا، وذلك بإشراف مدرب قادم من الخارج وبعد ذهابه، كان على اللبنانيين القيام بأعمال التدريب؛ ويصف هرموش الخطوة التي قاموا بها بقوله:

قمنا بتجميع الإخوان ، حيث كان القرار حينها أن يتدرب كل الإخوان على الرماية. وكان لدى أعضاء الجماعة أسلحة فردية خاصة، حيث كان كل عنصر قد اشتراها لنفسه، وفي بدايات سنة 75 جرى شراء بعض الأسلحة الخفيفة والثقيلة وفي بعض الأحيان كانت عمليات الشراء هذه تتم بجهد فردي من بعض القادة العسكريين في الجماعة، كما أن جيش لبنان العربي كان قد زود الجماعة ببعض الأسلحة الثقيلة من بعض الثكنات العسكرية في طرابلس؛ وفي تلك الآونة لم يكن يسمح بالتدريب إلا للأعضاء المبايعين.

لكن مع إرهاصات الحرب اللبنانية سنة 1974 أصبح للجماعة نقطة تدريب خاصة سرية، كان أعضاء الجماعة يقصدونها من صيدا وإقليم الخروب وطرابلس وبيروت، أيام الجمعة والسبت والأحد، وكان الأمر شبه إلزامي لكل عناصر الجماعة وفي بداية سنة 1975 تطور التدريب أكثر، وجرى الاستعانة بضباط من ذوي الخبرات العسكرية الجيدة، بعد أن انفرط عقد الجيش اللبناني، وجرت دورات تدريبية لأمراء فصائل استمرت قرابته الشهر وكانت هذه الدورة تعد أهم دورة تدريبية في تاريخ الجماعة

ثالثًا: انتشار الجماعة الإسلامية في مناطق الشمال

بدأت الجماعة الإسلامية محاولة الامتداد في باقي مناطق الشمال في النصف الثاني من الستينيات؛ حيث استقر الشيخ فيصل مولوي في منطقة «سير الضنية»، وكان يمارس العمل الدعوي بموازاة علمه في التدريس وإلى جانب الشيخ فيصل، كان العديد من عناصر وقياديي الجماعة في طرابلس، يتوجهون إلى مختلف القرى والبلدات في عكار والضنية وغيرها من المناطق من أجل إلقاء الخطب وإعطاء الدروس، ومنهم: فؤاد الفوال ، وفايز إيعالي ، وإسماعيل مقساسي ، ومحمود دندشي ، وأحمد خالد . يقول الشيخ فيصل مولوي «كان اهتمامي بمنطقة الضنية، كنت مدرسًا في مدرسة سير في الضنية سنة 1966 ، وصببت جهدي حينها على إنشاء مجموعة تنظيمية، وأن أنظم لها حلقة في مسجد سير وقد استطعت أن أكون مجموعة من سبعة عناصر، كان من بينهم الأخ محمد شندب، وكان العنصر النشيط بينهم، وكان هو الذي يجمعهم».

وبعدما انتقل علم الشيخ فيصل التدريسي إلى طرابلس، استمر في متابعة هذه الحلقات؛ حيث كان يصطاف في «سير الضنية» بعيدًا عن عائلته، من أجل متابعة هذه الحلقات وبالإضافة إلى الشيخ فيصل كان هناك إخوان ينطلقون إلى مناطق أخرى مثل عكار والكورة وغيرها.

ويروي محمد شندب كيف كانت استجابة الطلاب بداية بطيئة بل عدائية أحيانًا نتيجة لسيطرة حب عبد الناصر على العقول والقلوب، فيذكر كيف كَمَنَ هو وبعض الطلاب من زملائه للشيخ فيصل مولوي ، قرب إحدى المقابر ورشقوه بالحجارة. ويشير إلى أن العمل الإسلامي بدأ ينتشر في مناطق الشمال، ويلقى القبول في الفترة ما بين 1967و 1972. وكان من أوائل المنتمين إلى الجماعة الإسلامية في منطقة «سير الضنية» علي لاغا، وعثمان عثمان وفي عكار نشأت أول مجموعة سنة 1962- 1963 في «ببنين»، وأدارها أحمد خالد ، وكان على رأسها سعيد خلف الذي كان من أنشط العناصر مع بداية السبعينيات، شهد النشاط الإسلامي للجماعة الإسلامية نهضة قوية، حيث تكونت عدة شعب، في منطقة الشمال، فكانت شعبة الضنية، وشعبة عكار، بالإضافة إلى انتشار العمل الدعوي في القلمون ودده – الكورة، وراس نحاش، والبترون، وبدنايل وغيرها من القرى. وفي سنة 1962 التحق غسان حبلص بالجماعة الإسلامية إثر انفصاله عن عباد الرحمن بوجود لها خارج مدينة بيروت. وكانت هناك محاولات دعوية في تلك المنطقة؛ حيث كانت هناك مجموعة في قرية النخلة، مكونة من أكثر من عشرة أعضاء، وأعضاء ولكن هذه المجموعة انفرط عقدها تدريجيًا، وخاصة بعد أن تركها محمد ياسر الأيوبي ، الشخصية المحورية فيها، والذي كان يلقب بشاعر الإسلام، حيث انضم إلى المدرسة الحربية في منتصف السبعينيات. ويؤكد غسان حبلص أنه على الرغم من أن العمل في إطار الجماعة الإسلامية ابتدأ منذ الانفصال عن جماعة عباد الرحمن ، إلا أن الحضور الجدي للجماعة في المنطقة بدأ منذ سنة 1974. وفي بدايات العمل كانت القلمون شعبة صغيرة إداريًا تابعة لمكتب الجماعة في طرابلس، ولكن ترسخ عمل الجماعة الإسلامية في جميع المناطق، فأصبح للمنطقة مكتبها الخاص الممثل مركزيًا وبشكل مستقل في شورى الجماعة.

رابعًا: انتشار الجماعة الإسلامية في صيدا

بدأت بوادر الصحوة الإسلامية، وفق مفهوم حب التدين، في أوساط فتية مدينة صيدا بالظهور خلال سنة 1965. كانت المجموعة الأولى تتكون من: موفق الرواس ، ومأمون حمود ، ومحمد الرواس ، وفالح طه ، وحسن البابا ، وحسين كيلو ، ومصطفى كيلو. ويعود الفضل في ذلك إلى وجود نفحة التدين لدى عائلاتهم وأهليهم؛ من حبٍّ للصلاة والصيام وقراءة القرآن والدعاء.

ارتبطت هذه المجموعة بالشيخ محمد كنعان ، الذي كلف بالإمامة في المسجد العمري الكبير في صيدا، واستمر في تدريس هذه الحلقة لمدة لا تقل عن سنتين، علمهم فيها القرآن الكريم والفقه. ثم اضطر لمغادرة مدينة صيدا عائدًا إلى مكان إقامته الأصلي في البقاع بسبب نقل مكان عمله إلى هناك، على خلفية اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. وقد دفع غياب الشيخ محمد كنعان عناصر هذه المجموعة للبحث عن محضن علمائي جديد؛ فوجدت ضالتها عند مبعوث الأزهر في صيدا الشيخ أحمد عبد الجواد الدومي ، رحمه الله، الذي كانوا يحرصون على حضور على حضور دروسه العامة في المسجد، والتي كان يغلب عليها الطابع القصصي الوعظي. واستمرت المجموعة تحت رعاية الشيخ الدومي حتى سنة 1969 .

خلال تلك الفترة تعرفت المجموعة على الشيخ عقل حمادة ، المتخرج حديثًا من الأزهر، والذي كان يتولى إمامة المسجد العمري الكبير إلا أن عودة الشيخ عقل إلى الأزهر لاستكمال دراسته أعادت هذه المجموعة إلى حالة الحيرة والحاجة للرعاية ولم يخرجهم منها سوى قدوم الشيخ خليل الصيفي إلى صيدا قادمًا من البقاع في 1969/ 1970 ؛ بطلب من الجماعة الإسلامية، مع أنه لم يكن منتظمًا ضمن صفوفها بعد.

أسهم قدوم الشيخ الصيفي إلى صيدا في إحداث نقلة نوعية في نشأة الصحوة الإسلامية وتبلورها، في أوساط شباب المدينة وأهلها؛ حيث كانت تختمر في أذهان المجموعة الأولى فكرة ضرورة العمل الجماعي المنظم، الذي يدعو إلى تبني الإسلام الحركي. ويظهر أن الطبيعة الدعوية التي كان يتمتع بها الشيخ؛ جعلته يتقرب من جميع أطياف المجتمع الصيداوي وفئاته، فكان معروفًا بانفتاحه على الجميع. ويقول المقربون منه بأنه كان محبوبًا من الجميع، كما كان مقربًا من من مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد ، رحمه الله.

شجع موفق الرواس الشيخ خليل على التقرب من الشباب، وكان أول من التف حوله شباب هذه المجموعة؛ فعزز فيهم حب المساجد والصلاة والطاعة، وحضهم على القيام بواجب نشر الدعوة الإسلامية بين الناس.

خلال هذه الفترة تم استيعاب مجموعة جديدة من الشباب؛ دُمِجَت مع من بقي مستمرًا من عناصر المجموعة الأولى فتشكلت عند ذاك نواة العمل الإسلامي الحركي، التي كانت تضم: موفق الرواس، الذي كان مبادرًا لتكوين هذه الحلقة، ومحمد عمار ، وماهر الزعتري ، وصلاح الدين أرقه دان ، وماهر حمود ، وبسام صفدية . بدأت هذه المجموعة بالبحث عن العمل الإسلامي الحركي لاقتناعهم بأن القيام بالواجبات التعبدية لم يعد كافيًا، بل المطلوب العمل الجماعي للإسلام.

خلال هذه الفترة، تم التعرف على الشيخ إبراهيم غنيم ، الذي تميز بتعاطفه معهم ودعمه للشيخ خليل الصيفي ، وأسهم في تدريس بعض الشباب علوم الفقه. كما تم التعرف على الشيخ محمد على قطب ، ولكن الشيخ قطب انسحب بسرعة، تحت وطأة شراسة حملة التشهير والتشويه التي تعرض لها، بتهمة الانتماء إلى حركة الإخوان المسلمين ولم يسلم أعضاء الجماعة من حملات الاتهام والتضييق التي تعرضوا لها من قبل بعض الأجهزة الأمنية، وتحديدًا المخابرات اللبنانية، أو ما كان يسمى «المكتب الثاني»، وبعض المشايخ.

في هذه الأجواء، استمرت مسيرة الدعوة الإسلامية؛ حيث قام الشيخ خليل الصيفي بتعريف المجموعة على الشيخ كمال طقوش ، الذي كان يلقي دروسًا في بيته وفي بيوت أخرى وفي المساجد ثم تم تعريف المجموعة على الشيخ فيصل مولوي ، الذي بدأ بالتردد على مدينة صيدا في سنة 1970 ؛ لإعطاء الحلقات والدروس العامة في المساجد والبيوت، مثل بيتي الشيخ خليل الصيفي وسعد الدين قدورة.

تولى الشيخ كمال طقوش تدريس المنهاج الحركي الذي كان يحتوي عدة مواد منها: تفسير القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة من كتاب رياض الصالحين والسيرة المطهرة، والعقيدة الإسلامية، وكتب فكرية مثل: «المستقبل لهذا الدين»، و«أساس التصور الإسلامي»، و «الإنسان بين المادية والإسلام»، وكتب تهذيب مثل: «تنبيه الغافلين»، وكتب فقه مثل «مراقي الفلاح» و «كفاية الأخيار»، وقراءة جريدة ثم تشكلت حلقة ثانية كان من أبرز عناصرها: محرم عارفي ، وغازي حنينة ، وعلي عمار ؛ وتولى الشيخ فيصل مولوي إعطاء دروس المنهاج. ثم تبعتها الحلقة الثالثة، التي كان من بين أهم عناصرها الشهيد جمال حبال ، الذي تولى مسئولية العمل العسكري للجماعة الإسلامية في الجنوب، وتأسيس العمل المقاوم وقيادته إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 1982 ، واستشهد في محلة القياعة شمال شرقي مدينة صيدا في 28/ 12/ 1983.

وتركز الاهتمام على الانتشار الدعوي، والقيام ببرامج الزيارات إلى البيوت، وعقد اللقاءات العامة للحوار والمناقشة في مختلف القضايا الإسلامية وقضايا الساعة من وجهة نظر دينية، وتجميع الشباب والفتية ودعوتهم إلى المساجد للصلاة وحضور الدروس الدينية فتم تجميع عدد كبير من الفتيان الصغار، الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الـ 15 وتم إعطاؤهم دروسًا دينية، وتعليمهم الصلاة، وإشراكهم في الأنشطة الرياضية والبحرية. كما نشط الأعضاء في المدارس؛ فأسسوا رابطة الطلاب المسلمين، التي كانت مجلة المجاهد تتولى تغطية أنشطتها، وتنطق باسمها، وتنشر الفكر الإسلامي الذي كانت تتبناه وتدعو إليه.

1 - العمل التنظيمي (الارتباط بالجماعة الإسلامية):

شكل التعرف على الشيخ فيصل مولوي بداية ارتباط (مجموعة صيدا) بالجماعة الإسلامية؛ فمن جهة بدأ الشيخ فيصل بتدريس الحلقة منهاج الجماعة الفكري، ومن جهة ثانية كانت المجموعة تشارك، برفقة الشيخ خليل، في أنشطة الجماعة الدعوية في مركز المزرعة في مدينة بيروت وبعد حوالي العام من تعرف الشيخ فيصل على هذه المجموعة عرض عليهم الالتزام بتنظيم الجماعة؛ عبر أداء قسم البيعة على الالتزام بمبادئ الإسلام، والعمل له، والسمع والطاعة لقيادة الجماعة فيما لا معصية فيه، وهكذا كان( ). وتم تشكيل أول مكتب إداري للجماعة في مدينة صيدا في سنة 1972 ، لمدة سنتين، برئاسة إبراهيم المصري ، وعضوية غازي حنيني ، ومحرم عارفي ، وموفق الرواس ، ومحمد عمار ، واتفق على أن يتولى أحد أفراد المكتب منصب نائب الرئيس بالتناوب لمدة ستة أشهر ولكن هذه المسئولية استقرت بعد السنة الأولى عند محمد عمار ويذكر أن الشيخ خليل الصيفي كان يشارك في جلسات المكتب أحيانًا.

شجع الشيخ فيصل مولوي أعضاء المكتب، منذ بداية تشكيله، على ضرورة افتتاح مركز دعوي باسم الجماعة الإسلامية في المنطقة؛ فتم استئجار مركز صيدا قرب مسجد الزعتري سنة 1973. وتركز الاهتمام في البداية على نشر الدعوة في المساجد، عبر إقامة العلاقات من الأئمة والخطباء وفي أوساط الشباب والفتيان؛ من خلال المدارس والرياضة، وإلقاء المحاضرات الأسبوعية التي كان يتحدث فيها بعض علماء لبنان مثل الشيخ محمد كنعان ، ومحمد عمر الداعوق ، إضافة إلى نخبة من علماء ودعاة العالم الإسلامي الذين كانوا يفدون إلى لبنان ، خصوصًا في فصل الصيف. كما تم إطلاق حملات جمع التبرعات من الناس عامة ؛ لدعم النشاطات الدعوية، وشراء الكتب الإسلامية، ولدفع تكاليف المهرجانات الدينية والمحاضرات الثقافية. وبدأوا القيام بجولات وزيارات، على بيوت الأئمة والخطباء والوجهاء وعموم المصلين، في المناسبات العامة، كجزء من خطة نشر الدعوة.

2 - العمل السياسي:

ظهرت حاجة الجماعة في مدينة صيدا للعمل السياسي قبيل اندلاع الحرب الأهلية؛ حيث كان يوجد في المدينة إطار المجلس السياسي، الذي كان يضم كافة الأحزاب اليسارية. فانتدبت اللجنة في بادئ الأمر على عمار لهذه المهمة، ثم انتقلت المسئولية إلى صلاح الدين أرقة دان، الذي تمكن من خلال اتصالاته من تبديد المخاوف التي كانت تشكل العائق الرئيسي أمام انخراط الجماعة في العمل السياسي؛ إذ استطلع احتمالات التفاهم ومجالاتها بين الرؤية الإسلامية من جهة، والشيوعية والقومية من جهة ثانية، مع ما يترتب عليها من مواقف تجاه الناصرية وسورية بعد نجاح الجماعة في الدخول إلى المجلس السياسي تم إضافة حقيبة العمل السياسي إلى مهام اللجنة، وتكليف صلاح أرقة دان بإدارتها.

بموازاة ذلك، استمرت المناقشات الساخنة حول الفكر الإسلامي والفكري الشيوعي، وتطور بعضها إلى مشاحنات وإشكالات، واتهامات بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين وتحول بعض هذه المشاحنات إلى اشتباكات بالأيدي والعصي، وكاد الأمر يصل إلى الأعتداء بإطلاق النار على الشباب المصلين في مسجد المجذوب، بعد مسيرة شاركت فيها الجماعة ومختلف الأحزاب اليسارية بعد ذلك، تمكن شباب الجماعة من إثبات وجودهم كقوة صيداوية؛ الأمر الذي جعل نائب صيدا ورئيس بلديتها، في ذلك الوقت، معروف سعد يقول: «أنتم الجو الإسلامي أنتم المستقبل».

3- العمل العسكري:

ومع بداية عقد السبعينيات؛ حيث بدأت تظهر بوادر التسلح على الساحة اللبنانية، في ظل وصول العمل الفدائي إلى لبنان ، وبدأ شباب المساجد يظهرون ميلًا ورغبة للتعلم على السلاح والتدريب العسكري، بادر الشيخ خليل الصيفي لدعوة الشباب إلى التدريب، الذي كان أشبه بالتدريب الرياضي؛ لاقتناعه بأنه واجب شرعي وضرورة يقتضيها واجب الدفاع عن النفس، وفي الوقت نفسه يعد خطوة، من أجل استيعاب شباب المساجد. فقد كلف الشيخ بعض الشباب الذين لهم معرفة بالسلاح، وبعض مهارات التدريب، وطلب من الفتية والشباب الذين كانوا يترددون عليه، الحضور للمشاركة في التدريب، فتم جمع حوالي 270 فتى وشابًا تتراوح أعمارهم ما بين 12 – 17 عامًا والتفت الشيخ إلى أهمية النشيد الإسلامي، وضرورة أن يحظى الشاب بتعبئة دينية تتناسب مع المرحلة؛ فألف نشيدًا لكي يردده الشباب أثناء التدريب:

حياة بلاٌء لقمع الفتن

جهاد فداءٌ لتبلى الإحن

حياة الكرام حياة الجهاد

لنحيا لدين فتحيا البلاد

فبيعوا النفوس لرب العباد

جنان النعيم سنعطي الثمن

حياة بلاء

جنود الله قد حان المسير

أعدوا السهام ليوم المصير

فروح الشهيد ملاك يطير

حياة النفوس بموت البدن

فهبوا المجد بناه الجدود

بتقوى وشوق لدار الخلود

فعاشوا أباة بذل السجود

أناروا العقول ودكوا الوثن

ستمضي الحياة ويأتي الحساب

فإما نعيم وإما عذاب

فهيئ لنفسك رد الجواب

وحيد القبور طريح الكفن

حياة بلاء لقمع الفتن

جهاد فداء لتبلى الإحن

خامسًا: انتشار الجماعة الإسلامية في المخيمات الفلسطينية في الجنوب

على الرغم من حضور فلسطين في وعي الحركة الإسلامية في لبنان، منذ تأسيس جماعة عباد الرحمن، ومشاركة عدد من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان في العمل الإسلامي، إلا أن الساحة اللبنانية لم تشهد عملًا فلسطينيًا حركيًا مؤثرًا قبل بداية السبعينيات. فعلى سبيل المثال، لم يكن لمكتب فلسطين الذي أنشأته جماعة عباد الرحمن سنة 1955 ، وتسلم مسئوليته مديح الشامي ، الفلسطيني المقيم في أحد أحياء طرابلس، أنشطة تذكر فحتى مديح الشامي نفسه، كان مهتمًا الشأن الإسلامي العام، وبالإعلام الإسلامي بالأخص، أكثر من اهتمامه بالقضية الفلسطينية. أما نشاط جماعة عباد الرحمن الدعوي في المخيمات، فلم يتعد توجهها العام في كل لبنان ، أي السعي إلى نشر الأخلاق الإسلامية والالتزام الديني، بعيدًا عن أي خلفيات أو أهتمامات سياسية لم تعرف فترة الخمسينيات شخصًا نشط للقضية الفلسطينية كقضية قائمة بحد ذاتها، سوى خليل عليا، الذي كان على ارتباط مباشر بالشيخ أمين الحسيني في إطار الهيئة العربية العليا، ومن سكان مخيم نهر البارد لكن خليل عليا اختُطِف وغُيّب عن الساحة اللبنانية ولم تعرف الأسباب الكامنة وراء اختفائه، أو الجهات التي قامت بذلك، بل ظلّ الأمر في دائرة الاتهامات، حيث اتُهِمَت عدة جهات عربية وفلسطينية.

شهدت مخيمًا الرشيدية وعين الحلوة بالتحديد بواكير العمل الإسلامي الحركي فقد كان التدين في أوساط الفلسطينيين تقليديًا، وعندما جاء دعاة جماعة عباد الرحمن ، استقبلهم الأهالي بالترحاب، كان ترحيبًا حقيقيًا؛ انفتحت أمامهم البيوت والقلوب والعقول، فأقاموا الأنشطة الدينية مثل الدروس في المساجد (الخيام) والمنازل (الخيام) والمتلقيات العامة (الخيام) وحثوا الناس على القيم الأخلاقية، وقدموا الفعاليات الاجتماعية، مثل المساعدات العينية وغيرها.

أدخلت جماعة عباد الرحمن الكشفي إلى مخيم عين الحلوة، ودربت المشاركين على أنشطة تركز على معاني الرجولة والانضباط وخدمة المجتمع، وكان من جملتها الطوابين فكان يصل أحيانًا امتداد الرتل الكشفي أكثر من 500 متر بعرض أربعة خطوط؛ وهو ما يعني بأن الشباب أقبلوا بشكل واسع على هذا النوع من الأنشطة، كتعبير عن حبهم للتدرب، وللجهاد في سبيل الله الذي سوف يعينهم على تحرير وطنهم، والعودة إلى ديارهم.

استثمرت جماعة عباد الرحمن هذا الإقبال، وبدأت بتشكيل الأسر الطلابية في المدارس وعلى هذه الخلفية انتعشت الروح المعنوية لدى أهالي المخيم؛ شيبها وشبابها، بسبب شعورهم باهتمام إخوانهم في لبنان ، وإحساسهم بدفء التعبئة الدينية، التي جعلتهم أكثر أملًا بالعودة إلى فلسطين. وعادت الحياة إلى الروح الدينية بين الناس.

كان محمد عبد الهادي من أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا قياديًا حركيًا في الوسط الفلسطيني فقد كان مسئولًا في جماعة عباد الرحمن ، وأحد أعضاء الأسرة التي كانت تضم فيصل مولوي وسعيد شعبان ؛ وكان يديرها فتحي يكن ضمن إطار جماعة عباد الرحمن ؛ حيث كانت هذه المجموعة تعقد لقاءاتها في طرابلس شمال لبنان.

استمر الحال على هذه الوتيرة حتى سنة 1954 ، تاريخ قدوم الشيخ فضل عباس إلى المخيم ويعد الشيخ فضل من علماء الدين الفلسطينيين البارزين، وكان قد تخرج حديثًا من كلية أصول الدين، ووصل إلى مخيم عين الحلوة وهو عضو في حركة الإخوان المسلمين ومنذ وصوله إلى المخيم بدأ بإحياء المناسبات الدينية، وكان يخطب في الناس فاجتمعت له حشود كبيرة، وتأثرت بأسلوبه، واقتنعت بكفاءته العلمية، ولكن الجهات القومية والناصرية اشتمت في خطابة اتجاهًا إخوانيًا، فشنت عليه حملة تشكيك وتشهير، ولم تقف هذه الحملة حتى بعد أن غادر لبنان إلى الأردن.

لم يتوقف الشيخ فضل، وبدأ بإعطاء الدروس الخاصة سرًا؛ مع أنه احتفظ لنفسه بمسافة عن جماعة عباد الرحمن ولم يعلن انتماءه للإخوان المسلمين ، وكانت له علاقة بالهيئة العربية العليا.

كان الشيخ يعطي أعضاءه الحلقات فكر الإخوان ومنهاجهم، وعندما ازدادت أعداد المنتسبين إلى هذه اللقاءات، بدأ ينظم كتائب ليلية؛ فكان منهاج الشيخ يضم فكرًا وتربية، بشكل أثر في سلوك مريديه وأخلاقهم من الجدير ذكره أن أعداد المشاركين في الأنشطة الليلية كان يصل أحيانًا ما بين 40 إلى 50 أخًا.

وخلال سنة 1955 وسع الشيخ دائرة تحركاته، فانتقل إلى مخيم نهر البارد؛ حيث انبهر الناس بخطبة، فكان قادرًا على تحريك المشاعر والتأثير بالحضور، فظهرت له شعبية كبيرة في جميع المخيمات ولكن الشيخ عاد وقلص من نشاطه وحصره في مخيم عين الحلوة بعد أن عُيِّن مرشدًا دينيًا في الهيئة العربية العليا.

نشط الشيخ فضل خلال هذه الفترة، وبدأ بتشجيع الشباب على التدريب العسكري وإرسال مجموعات جهادية إلى فلسطين ؛ كانوا يشتغلون بجمع المعلومات، ويخططون لاختراق الحدود اللبنانية، ثم يدخلون إلى الأرض المحتلة. وقدم أحد الضباط السوريين مساعدات لوجستية ومعلوماتية لهذه المجموعة. وكان هناك أشخاص آخرون منهم فلسطينيون من مخيم البداوي، يأتون إلى الشيخ فضل، وينسقون معه العمل الجهادي إلى فلسطين.

ومع حلول سنة 1956 عادت حملة القوميين والناصريين لتشتد على الإسلاميين من جديد، الأمر الذي أدى إلى تضاؤل المد الإسلامي وانكفاء عدد كبير من أبناء التيار الإسلامي؛ واستمر تراجع الصحوة الإسلامية أمام المد الناصري والبعثي والقومي، خصوصًا بعد أن غادر الشيخ فضل إلى مصر بغرض استكمال تحصيله العلمي وبعد سفر الشيخ فضل، ترك كثيرون الإخوان وجماعة عباد الرحمن ، فيما حافظ بعضهم، ومن بينهم محمد عبد الهادي (أبو الهيثم) وبعض زملائه وأقاربه، على دراسة فكر الإخوان من خلال كتب سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي وغيرهم وبعد سنة 1956 ، لم يعد لجماعة عباد الرحمن وجود يذكر داخل المخيمات، فيما بقي الإخوان من خلال بعض الأشخاص، الذين لم يتجاوز عددهم العشرة.

يؤكد محمد عبد الهادي بأن الشيخ فضل كان بالنسبة له ولإخوانه في المجموعة بمثابة المرشد الفكري والروحي، وكان موجهًا تربويًا وقدوة أمامهم يتخذ المواقف ويرسم السياسات التي يتقبلونها بكل ثقة ورحابة الصدر. ويضيف بأن الشيخ كان يدعوهم إلى «مفاصلة» الأشخاص من غير المصلين، وخصوصًا أولئك الذين يناصبون الدعوة الإسلامية العداء ويشتغلون بالتشهير بالتيار الإسلامي، ويشككون بالإخوان( ). كما اشتهر الشيخ بصموده في وجه المكتب الثاني (الاستخبارات اللبنانية)، بل وانتقاده لسلوكه في المحافل التي يتصدى فيها للحديث والخطابة، خصوصًا من على منبر الجمعة ويذكر محمد عبد الهادي أنه في إحدى الجمع هاجم الشيخ المكتب الثاني هجومًا عنيفًا، وفي الجمعة التالية تردد الناس في حضور خطبته، ولم يأت للصلاة في المسجد الذي يخطب فيه الشيخ فضل سوى نحو 40 رجلًا فقط، فيما ذهب باقي المصلين للصلاة في مسجد آخر.

ومع وصول الثورة الفلسطينية إلى المخيمات بدأ محمد عبد الهادي بإقامة العلاقات مع حركة فتح ، ويذكر محمد عبد الهادي بأن ياسر عرفات كان يحضر صيدا وينام في بيوت الإخوان ، ومن بينهم أحمد الأطرش وهو من شباب الإخوان الذين تربطهم علاقة مع ياسر عرفات منذ سنة 1965. وكان زياد الأطرش من أوائل شباب الإخوان الذي التزموا مع حركة فتح ، واستشهد في التدريب خلال إحدى الدورات العسكرية. وقد عين محمد عبد الهادي مسئولًا إعلاميًا في أول مكتب حركي لفتح تشكل في المنطقة؛ حيث عمل في مجال التعبئة، مستحثًا الجانب الديني في النفوس، إذ كانت تلك الطريقة التي تم فيها استقطاب الناس في ذلك الوقت.

خلال سنة 1973 ، تجدد اتصال أبو الهيثم مع رموز الجماعة الإسلامية وقيادتها، وجرت لقاءات مع الشيخ فيصل مولوي ، حيث بدأت الجماعة بالتواصل مع الإسلاميين في الوسط الفلسطيني، وداخل المخيمات تحديدًا ومن الجدير ذكره، أن الشيخ فيصل مولوي كان يشجع العمل مع فتح، كأفراد وليس مجموعات وقد انضم محمد عبد الهادي إلى أول أسرة شكلها الشيخ فيصل مولوي في صيدا.

أما في مخيم الرشيدية، فقد تبلور العمل الحركي مع تشكيل المجموعة الأولى للشباب الذين يتبنون الفكر الإسلامي الحركي سنة 1968 ، حيث بدأ المخيم يشهد تجمعًا يلتقي على فكرة الإسلام الحركي، ويهدف إلى نشر الدعوة الإسلامية في أوساط الشباب والناس وكان الشيخ موسى طعان الشخصية ذات التأثير الأكبر على هذه المجموعة الدعوية، يصفه تلاميذه بأنه كان شديد الهدوء والتواضع، وكان من مجاهدي القسام، اشترك في معارك مواجهة الصهاينة الاحتلال خلال حرب فلسطين ؛ وأصيب في إحدى المواجهات بقيت الطلقة في جسده ولم يرد نزعها من جسمه الضعيف المتداعي، لا أحد يدري لماذا؟ مع ؟أنها كانت تؤلمه وتؤثر على حركته، ولعل الدافع هو أنه يريد أن يلقي بها وجه الله لتكون له شاهدًا يوم القيامة بين يدي الديان.

التحق الشيخ موسى مع مجموعات عباد الرحمن التي وصلت إلى مخيم الرشيدية فتعلق بهم وأحبوه، وتحبب إلى شباب المخيم وشيبها ورأى فيه شباب مخيم الرشيدية المربي والقدوة وكان يذكرهم دائمًا بأنهم قدوة الأمة وأساتذتها، ومعقود عليهم أمل إخراجها من ظلمة الجاهلية وظلمها إلى نور الإسلام وعدالته.

وكان من أبرز تلاميذ الشيخ موسى الطعان ، الذين أصبحوا فيما بعد من قيادات العمل الإسلامي الفلسطيني، الشيخ كامل غضبان يقول الشيخ كامل غضبان إن ما حفزني على التعرف على فكرة حركة الإخوان المسلمين ، تحذيرات أهلي المتكررة: «إياك وحركة الإخوان المسلمين ، إنهم عملاء الإنكليز والأمريكان».

كان الشيخ كامل من بداية شبابه يحب القراءة ويكثر منها ويتبادل الاستعارة والإعارة للكتب مع إخوانه الشباب. وقع تحت يده كتاب فقه السنة للمرحوم الشيخ سيد سابق ، قرأ في مقدمته تمهيد المرشد العام للإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا خلص إلى نتيجة مفادها: «إذا كان هذا هو فكر حركة الإخوان المسلمين ؛ فإلي الإخوان سيروا أيها الشباب». بقيت محطة أمام شباب المجموعة الإسلامية في مخيم الرشيدية كي يتخذوا القرار النهائي للالتحاق التنظيمي بحركة الإخوان المسلمين. فاستشاروا الشيخ موسى، فقال لهم: «نعم هذا هو فكر الإخوان وأنا مقتنع به، وكننا كجماعة عباد الرحمن لا تربطنا علاقة تنظيمية بهم».

اطمأن قلب أفراد المجموعة الإسلامية لهذا الفكر الحركي الذي يدعو إلى الشمولية في فهم الإسلام وتبني المنهج الوسطي في الطرح الفكري. وبدأ الشيخ كامل غضبان البحث عن طريق توصله إلى الإخوان المسلمين ، فتم التعرف على الأستاذ إبراهيم المصري نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان ، حين كان يومها رئيس تحرير مجلة الشهاب.

بقى الشبان الفلسطينيون ضمن جسم الجماعة الإسلامية التنظيمي حتى سنة 1969 ، وهي تاريخ إنشاء قسم فلسطين في تنظيم الإخوان في سورية حينها أوفد غازي التوبة مندوبًا عنه ليستلم الإخوان الفلسطينيين الذين انضموا إلى الجماعة الإسلامية وكان تعدادهم من 40 إلى 50 أخًا. ظل هؤلاء الإخوة تابعين من الناحية التنظيمية لقسم فلسطين حتى انشقاق غازي التوبة عن تنظيم الإخوان في سورية ، إثر خلافات نشبت بينه وبين الإخوان السوريين حينها، عاد الإخوان الفلسطينيون في لبنان إلى الجسم التنظيمي للجماعة الإسلامية.

لم يرغب تنظيم الإخوان المسلمين الفلسطينيين (من أبناء قطاع غزة) بالمشاركة في معسكرات الشيوخ التي نظمها الإخوان في الأردن والبلاد العربية تحت مظلة فتح، ضمن العمل الفدائي الفلسطيني (1968 - 1970) في منطقة الأغوار شرقي الأردن ؛ بينما التزم الإخوان في الأردن وسورية والعراق وغيرها بإرسال مجموعات من الشبان للمشاركة في التدريب والعمل العسكري. ويذكر في هذا المجال، أن مجموعة من الإخوان اللبنانيين شاركوا في التدريب العسكري في قاعدة الأزرق في الأردن سنة 1970، ومنهم محمد شندب وأحمد خالد ، وكانوا بقيادة عبد الفتاح زيادة ، وقد تعرضت قاعدتهم لقصف.

جوى مكثف من الطيران الحربي الإسرائيلي، في وقت كانوا فيه خارج القاعدة يتلقون فيه تدريبات على الرماية.

مع بداية عقد السبعينيات، أخذ العمل الإسلامي الحركي ينضج أكثر على الساحة الفلسطينية في لبنان مع تشكيل المجموعة الأولى للشباب الذين يتبنون الفكر الإسلامي الحركي، في مخيم الرشيدية بشكل أساسي وكانت المجموعة تضم: فارس صليبي ، وفيصل ناصر ، ومحمود إبراهيم ، وحسن أبو علي ، وبهاء زمزم ، وغيرهم وبدأت تنشط في نشر الدعوة الإسلامية في أوساط الشباب والطلاب؛ مما أثار حفيظة الفصائل الفلسطينية، وبالتحديد الفصائل الشيوعية فقررت المجموعة تكليف الشهيد فيصل ناصر بالدخول إلى حركة فتح ؛ بهدف تأمين الحماية لها ولأنشطتها الدعوية. وفي الوقت نفسه بدأت السعي للتواصل مع الحركة الإسلامية، فأجرت عدة لقاءات لم تستمر، وانقطعت بعد حوالي أربعة لقاءات.

وبعد ذلك مباشرة، وفي سنة 1972 بادرت المجموعة للتواصل مع الجماعة الإسلامية عبر الشيخ خليل الصيفي في صيدًا؛ الذي رتب لقاءً مع قيادة الجماعة، فاجتمعوا في منزل الشيخ خليل مع الشيخ فيصل مولوي وإبراهيم المصري والشيخ ماهر حمود وتم الاتفاق بعد هذا اللقاء على انضمام شباب مخيم الرشيدية إلى تنظيم الجماعة الإسلامية وأداء البيعة، وهكذا كان.

وفي الفترة نفسها تم تشكيل أول لجنة تنظيمية للجماعة الإسلامية في الوسط الفلسطيني، وكان ارتباطها التنظيمي بمدينة صيدا، وقت ضمت: فارس صليبي رئيسًا وعضوية محمود إبراهيم ، وطلفاح يونس ، وأبو رضوان مخلص ، وأحمد صرصور ، وحسن أبو علي ، واستملت حقائب عملها على الأسر، ونشر الدعوة، والطلاب، والرياضة. ومع بداية سنة 1975، امتد العمل الدعوي إلى مخيم البرج الشمالي، بمبادرة من فارس صليبي عبر وليد ديب ، وأحمد فواز.

سادسًا: انتشار الجماعة الإسلامية في البقاع

تمتاز تجربة تأسيس الجماعة الإسلامية في البقاع بشيء من الخصوصية، فهي أولًا التجربة التي بدأت نواتها الأولى في سورية ، حيث كان الأفراد المؤسسون: الشيخ خليل الصيفي ، وأحمد على الصيفي ، ومحمد سعيد صالح ، ومرعي الهندي ، قد انتقلوا لمتابعة دراستهم الثانوية في سورية أيام الوحدة بين سورية ومصر. وهناك تعرفوا على فكر الإخوان ، والتقوا بكبار القيادات الإخوانية من أمثال الأستاذ عصام العطار والدكتور مصطفى السباعي والشيخ سعيد الطنطاوي وغيرهم، وتعرفوا بعد ذلك من خلال إخوان سورية على قيادات الجماعة الإسلامية في لبنان ، والتزموا خط الجماعة بعد عودتهم من سورية في منتصف الستينيات ويمكن القول إن دور حركة الإخوان المسلمين في سورية وتأثيرها على تأسيس الجماعة الإسلامية في لبنان ، يتجلى في أوضح مظاهره من خلال تجربة النواة المؤسسة لفرع الجماعة في البقاع أما وجه الخصوصية الثاني الذي تمتاز به تجربة الجماعة الإسلامية في البقاع، فهو أنها كانت الأكثر تأثرًا، وربما الأكثر تضررًا، من التأثير السلبي للمد الناصري على الساحة اللبنانية، وأيضًا من التغيرات والتقلبات السياسية التي شهدتها سورية ، وأدت إلى صعود التيار البعثي وسيطرته على زمام الأمور في سورية وقبل الدخول في تفاصيل التجربة لابد من التطرق إلى الظروف والخلفيات السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة.

يصف الداعية الشيخ خليل الصيفي حال القرى البقاعية، التي كانت في حينها أسيرة الفقر والحرمان والتخلف بأنها كانت أشبه بالجمل في الصحراء الذي يلتمس التراب المبلل حتى يروى عطشه من مختلف النواحي، الدعوية والسياسية، وحتى لمعرفة أحوال العالم وما يجري فيه، «ففي القرى كانت المواصلات صعبة جدًا، وكان الوضع متخلفًا جدًا على مستوى تقنيات الاتصال، وكانت القرى تفتقر إلى شخصيات بارزة في العمل الدعوي تعوض النقص». وكما في كل مناطق لبنان ، كان التدين إرثًا وتعصبًا وتقاليد أكثر منه التزامًا دينيًا فقد كان بعض المشايخ التقليديين الذين لا يتعدون الثلاثة أو الأربعة يدورون على القرى على أرجلهم، ويتصلون ببعض القرى. كما لم تكن هناك جمعيات إسلامية سوى جمعية المقاصد المعنية بالتربية، ولم تختلف الحالة السياسية السنية في البقاع عن غيرها من المناطق، فكان هناك حضور بسيط لحزب النجادة وبحسب الشيخ خليل الصيفي فقد كانت الزعامات السياسية بعيدة عن الالتزام الديني، فمثلًا، كان هناك زعيم سياسي سني ونائب في البرلمان اللبناني أتى يومًا بعد انتهاء صلاة العيد، من أجل إلقاء خطاب في الناس المجتمعة في المسجد. ويضيف الصيفي أنه «حتى المشايخ التقليديين لم يكن لديهم وعي بالإسلام كمنهج حياة. فأذكر مرة أنه كان هناك اجتماع بأحد نواب المنطقة من المسلمين السنة، خلال شهر رمضان، وكان الرجل مفطرًا فاعتذر من الحضور لأنه كان يدخن، فقال له أحد المشايخ، نحن لم ننتخبك من أجل دينك، وإنما انتخبناك لتدير أمورنا السياسية».

امتدت جماعة عباد الرحمن بعد تأسيسها في البقاع امتدادًا كبيرًا، وكان أعضاؤها ينظمون المخيمات والرحلات والأنشطة المختلفة، خصوصًا في قضاءي البقاع الغربي وراشيا. ولكن بشكل عام لم تعرف المنطقة، قبل ذلك، العمل المؤسسي الإسلامي. كما لم تعرف الدعوة الإسلامية أسماء لامعة وشخصيات مؤثرة، إلا ما ندر، وكان من هذه الشخصيات الشيخ حسين شمس الدين الشخصية الأبرز إسلاميًا، وهو رجلٌ تعلم بجهده الخاص، وكان خطيبًا مفوهًا، وكان طيبًا في سلوكه وأخلاقه، وسلسًا في خطبه، ولكنه كان واعظًا تقليديًا، لم تخوله طريقة علمه الفردية أن يؤسس لشيء يستمر في ما بعد، وقد نقل عنه في آخر حياته أنه قال: «أربعون سنة وأنا أخدم في جب جنين، وقد بنيت فيها مركزًا، ولكنني لم أجد اثنين يقومان بعمل المركز». كل ذلك لأن دعوته لم تعتمد أسلوبًا تنظيميًا حركيًا، على الرغم من مراسلته لحسن البنا (حيث أن ابن اخته عبد الله شمس الدين وجد في مكتبه بعد وفاته، رسائل الإمام الشهيد له، ونسخه من جريدة المنار السورية وفيها ما نشيت عن وصول الإمام الشهيد إلى دمشق)، ومراسلته لشيخ الأزهر آنذاك، وعلى الرغم من علاقته الطيبة بجماعة عباد الرحمن.

في أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات، انتقل الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة الإسلامية في البقاع (الشيخ خليل الصيفي ، ومحمد سعيد صالح ، وأحمد علي الصيفي ، ومرعي الهندي ، وجميعهم من بلدة السلطان يعقوب في البقاع الغربي) تباعًا إلى دمشق؛ لمتابعة تحصيلهم العلمي، في وقت كانت فيه الوحدة بين سورية ومصر ما تزال قائمة.

وعلى الرغم من وجود بذور التدين في شخصيات هؤلاء الإخوة، وحماستهم لقضايا الأمة، إلا أن وعيهم الإسلامي الحركي، كان ضئيلًا. ويعزو محمد سعيد صالح ، سبب غياب الوعي الإسلامي إلى انبهار الناس بالتجربة الناصرية. يقول صالح:

كنا نتردد على مسجد جامعة دمشق، الذي كان خطيبه المفوه عصام العطار وإخوانه وكنا نؤدي صلاة الجمعة مع شباب الجامعة، ونلتقي شباب الإخوان آنذاك، ونحن لا نعرف شيئًا ولا نفقه ما يرمي إليه الخطيب في كلماته. إلا أننا كنا معجبين كل الإعجاب بقدرة الخطيب وما يثيره فينا من المشاعر الدينية، والدفع نحو الالتزام الجدي بالإسلام وكنا نظن وقتها أن جمال عبد الناصر هو القائد الذي سيحقق مقاصد هذا الكلام.

وبعد وقوع الانفصال:

ظهر ما كان مستترًا من الدعوات، ومنها دعوة الإخوان المسلمين ، وأخذت الحقائق التي ما كان بوسعنا قبولها تتكشف، وبدأ صراع حاد بيننا وبين أصدقائنا وعلى رأسهم الشيخ خليل الصيفي حول الإخوان وجمال عبد الناصر ، بدأ بتراجعنا شيئًا فشيئًا، وانتهى باستسلامنا على إباء واستحياء وحذر من فخ ينصب لنا. ولكن فضل الله ورحمته كانا الأقوى أثرًا في عقولنا، فمسح الله بهما الشكوك من نفوسنا، وانتقلنا من ثم إلى جو آخر، لقاءات ودروس وخطب جمعة أخذت في نفوسنا مداها، وأصبحنا نعرف أبعادها ومراميها بعد أن كانت تمر بخواطرنا مرور الكرام.

تعرف أحمد على الصيفي على حركة الإخوان المسلمين في سورية عن طريق زميل له في الدراسة، والتقى بقيادات الإخوان في ذلك الوقت من أمثال عصام العطار ، وزهير الشاويش ، وعمر عودة الخطيب ، ومحمد سعيد الطنطاوي ، وعلى الطنطاوي ، كما رافق الدكتور مصطفى السباعي في جولاته لإلقاء محاضراته في آواخر حياته ثم تعرف على فيصل مولوي ، وإبراهيم المصري ، وعبد الله بابتي ، خلال العزاء بوفاة مصطفى السباعي رحمه الله سنة 1964 ؛ حيث كان الشيخ فيصل مولوي حينها يدرس في دمشق. وكما يقول محمد سعيد صالح ، فقد كان أحمد علي الصيفي مفتاح انضمامهم إلى الحركة الإسلامية في سورية:

كان لأحمد علي الصيفي قصب السبق في التعرف على قيادات الإخوان ، وعلى رأسهم الشيخ مصطفى السباعي ؛ فأخذ الصيفي وعمه الشيخ خليل يعملان على ضمنا إلى العمل الحركي، فكنا أنا والأخ مرعي الهندي نمانع، بدافع من شعور داخلي ممزوج بالحياء من المجتمع الجديد الذي بدأنا نتعرف عليه، وبالخوف من المستقبل الغامض الذي ينذر به أكثر الناس.

شارك الطلاب الأربعة في الحملة الانتخابية التي خاضها مرشحو الإخوان لمجلس الشعب السوري سنة 1963 ، حيث رشحت الحركة الإسلامية قادتها آنذاك: عصام العطار ، وزهير الشاويش ، وعمر عودة الخطيب ويحكي محمد سعيد صالح عن تلك التجربة فيقول:

اندفعنا بشعور فياض مع مسيرات الدعاية والتأييد في السيارات وعلى الأقدام، نجوب مدينة دمشق وأحياءها، ونرفع اليافطات والشعارات الإسلامية، ونصفق ونلوح بأيدينا للأنصار في الطرقات وعلى الشرفات، وكأننا في مسيرة إلى فتح إسلامي مجيد. وجاءت النتائج بالبشائر السارة بنجاح الثلاثي، وكان عرس النصر الذي أطلقنا فيه لحناجرنا العنان، وكان الحماس والتجييش على أشدهما، الأمر الذي دفعنا إلى محاولة نقل العمل الإسلامي إلى البقاع عندما كنا نعود في أثناء العطلة الصيفية والفرص الفصلية. حيث كنا نغرق في جدال وخصام مع الزملاء والأصدقاء من جميع المستويات، وكان أشد ما نواجهه من خصومة وقمع يأتي من أهلنا.

عاد الإخوة من سورية سنة 1964 ، بعد أن تم ربطهم يومها بالإخوة في لبنان. يتذكر محمد سعيد صالح كيف التزم مع الجماعة الإسلامية في لبنان بشكل رسمي، فيقول إنهم قد دعوا إلى مخيم للجماعة في الشمال في بقاع صفرين ويذكر ممن شارك فيه الأخ أبو بلال (فتحي يكنوإبراهيم المصري ، والشيخ فيصل مولوي ، والشيخ إبراهيم شهاب ، وزهير العبيدي ، والشيخ نزيه مطرجي ، وعبد الفتاح زيادة ، وعصمت عويضة ، ممن كان لهم فضل السبق في تأسيس الجماعة في لبنان ويقول إنه فوجيء بعد صلاة فجر أحد أيام المخيم بدعوة من الأخ فتحي يكن للقاء خاص لإخوة البقاع، في خيمته، فأخذ يحدثهم عن وجوب العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة سلطان الإسلام في النفس والأسرة والمجتمع، للوصول من ثم إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وأن ذلك لابد له من عمل حركي جماعي يجمع طاقات الأمة وينظمها ويوجهها لتثمر في حياة الأمة. ويضيف محمد سعيد صالح: «وقد كنت مطرقًا متتبعًا لكل ما يلقى في روعي، دون مناقشة ولا مساءلة، وبعد أن أنهى كلامه، لم أزد أن قلت له: امدد يدك أبايعك، قال يكن هكذا بسرعة ودون تمهيد؟!! قلت نعم إننا نبحث عن هذا العمل وقد وجدنا فيكم وإننا على استعداد للالتزام بهذا العمل. وكانت البيعة من غير تمهيد بحلقة أو حلقات».

أما الشيخ خليل الصيفي فقد عاد إلى لبنان سنة 1968 ، ورفض في البداية المبايعة على العمل التنظيمي بحجة منصبه الرسمي الذي تقلده آنذاك؛ حيث عُيِّن إمامًا للمسجد العمري في صيدا. إلا أنه مع ذلك عمل على رفد الجماعة بالأنصار والأعضاء والدعوة على منهجها، حتى قال له إبراهيم المصري يومًا: «أنت تعمل أكثر من أي شخص مبايع في الجماعة».

انتقل محمد سعيد صالح بعد إنهاء دراسته الثانوية إلى جامعة بيروت العربية في السنة الدراسية 1964 / 1965 وانتظم حينها، في أول أسرة تنظيمية، كان يديرها، حسب قول صالح، فتحي يكن ، وكانت تضم سمير المجذوب ، ومصطفى الجوزو ، وغسان الحاج ، ونعيم خضر ، وأحمد قاسم ، ومحمود حطب ، وتعقد في مركز الجماعة الإسلامية الأول مقابل مسجد الإمام علي. وكانت الدروس الأولى في سورة الأنفال حفظًا وتفسيرًا. بعدها انتقل إبراهيم سعيد صالح إلى بيروت وانتسب في جامعة بيروت العربية وشارك في العمل الطلابي في الجامعة، كما أسهم في العمل الإعلامي للجماعة من خلال مجلة المجتمع بداية ثم مجلة الشهاب بعدها، «والطرفة أن الذين كانوا يخدمون المجلة يومها هم الإبراهيميون الثلاثة؛ إبراهيم المصري ، وإبراهيم شهاب ، وإبراهيم سعيد صالح».

لم يكن العمل الإسلامي سهلًا في أجواء المد القومي الناصري، ويتحدث محمد سعيد صالح عن بعض الصعوبات التي واجهها إبان التزامه الحركي فيقول إنه عندما كان يسكن في بيروت في منطقة المزرعة، قرب الخلية السعودية ، بشقة مستأجرة مع زملاء له من قريته وزملاء أردنيين؛ وكان يأتيهم فتحي يكن بعد صلاة الفجر من طرابلس ليعطي أسرتهم الدرس الأسبوعي، وبعد خروجه من الشقة كان يأتي الأمن ويسأل عمن يسكن الشقة، الأمر الذي أدى إلى مفاصله بين محمد سعيد صالح وزملائه من البلدة، حيث قال أحدهم «إما أنا وإما فتحي يكن ، لا أرضي أن نكون محل تهمة من قبل الأمن». ويضيف صالح أنهم كان يعقدون أسرتهم في قريتهم في البقاع، والمؤلفة منه ومن أحمد علي الصيفي ومرعي الهندي ، وأنهم كانوا يتدربون على الخطابة والنقاش والتغلب على الخصم. وقد كان أميرهم يومها أحمد علي الصيفي ؛ وكان ينقل للأخ أبو عمر المصري تقارير اللقاءات وما يجري في البلدة من أنشطة يقومون بها، وهي لم تكن تزيد عن إقامة الأسرة، وإقامة صلاة الجمعة بخطيب الجمعة، وتنظيم احتفالات بالمناسبات الإسلامية التي كانوا يقدمون فيها الإسلام العام بعيدًا عن الحركة والتنظيم، خوفًا من تهمة الانتماء للإخوان المسلمين. ويذكر محمد سعيد صالح أنه «قد زارنا الأخ فتحي يكن والأخ إبراهيم المصري وعقدنا لقاءات مع بعض شباب البلدة ومع أهلنا؛ حيث كانت تنتهي بالتشنج والاتهام لنا وللإخوة، ونخرج راضين بالسلامة الجسدية من كل جولة، متغاضين عن التبكيت والتنكيت علينا». ويضيف شقيقه إبراهيم صالح «لم نكن قادرين أصلًا على القيام بأي عمل دعوي في قريتنا، كنا نعامل بازدارء شديد، وكانت نظرات التخوين والشك تلاحقنا».

في سنة 1964 اعتقل أحمد علي الصيفي في جديدة يابوس في سورية ، من قبل الحكم الجديد في سورية ، وهو عائد من بيروت يحمل مسجلًا وشريطًا للأستاذ عصام العطار من منفاه وبقي معتقلًا مدة 57 يومًا؛ حيث تعرض حسبما ذكر للتعذيب، وسلم بعدها للأمن اللبناني. ويذكر محمد سعيد صالح أن الأمن اللبناني أطلق الصيفي وهو لايملك فلسًا واحدًا، وقد ذهب صالح إلى مركز الأمن العام ليسأل عنه فلم يجده، فعاد أدراجه حائرًا، فإذا بهما يلتقيان وجهًا لوجه أمام مبنى العازارية. حيث كان الصيفي في حالة يرثى لها، «جائعًا وضائعًا ولا يملك فلسًا واحدًا»، حسب تعبير محمد سعيد صالح ويضيف صالح أنه أخذه إلى منزل الأستاذ عصام العطار ، قبل أن يعودا إلى قريتهما وبسبب وطأة ما حدث، وتحت ضغط الوضع المادي وإصرار الأهل، هاجر محمد سعيد صالح ، ومرعي الهندي وأحمد علي الصيفي دفعة واحدة إلى البرازيل في تشرين الأول / أكتوبر سنة 1965، فيما سافر الشيخ خليل الصيفي في السنة نفسها لتلقي الدراسة الشرعية في المدينة المنورة، وبذلك، خلا البقاع من العمل الدعوي تحت مظلة الجماعة الإسلامية نحو 13 عامًا حتى عودة محمد سعيد صالح من البرازيل في سنة 1978، وانتقال الشيخ خليل الصيفي من صيدا إلى البقاع في سنة 1979 / 1980 بطلب من الجماعة الإسلامية.

هوامش الفصل الثالث

1- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7 / 2005.

2- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

3- مقابلة أجراها معين مناع مع زهير العبيدي ، بيروت، 1/ 12/ 2007.

4- مقابلة مع زهير العبيدي ، 1/12/ 2007.

5- مقابلة مع إبراهيم شهاب ، 4/ 7/ 2005.

6- المرجع نفسه.

7- مقابلة أجراها معين مناع وأمل عيتاني مع فيصل أنور مولوي ، بيروت، 10/ 12/ 2007.

8- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

9- المرجع نفسه.

10- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

11- المرجع نفسه.

12- «الأستاذ فتحي يكن يتحدث في مركز صيدا: الجماعة الإسلامية مبادئ وأهداف»، مجلة الشهاب ، بيروت، العدد 8، تموز/يوليو 1974 ، ص2.

13- المرجع نفسه.

14- فتحي يكن ، الموسوعة الحركية (بيروت: دار البشير، 1983)، ج2، ص248.

15- اعتقلت السلطات المصرية المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب سنة 1965 ، وتم إعدامه في 27 /8 /1966.

16- مداخلة إبراهيم المصري ، حلقة نقاش مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حول تاريخ الجماعة الإسلامية في لبنان ، بيروت، 29/ 11/ 2007.

17- مقابلة مع زهير العبيدي ، 1/ 12/ 2007.

18- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

19- مقابلة مع زهير العبيدي ، 1/ 12/ 2007.

20- المرجع نفسه.

21- المرجع نفسه.

22- المرجع نفسه.

23- المرجع نفسه.

24- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

25- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع أسعد هرموش ، بيروت، 4/ 9/ 2006.

26- المرجع نفسه.

27- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

28- مقابلة مع فيصل أنور مولوي ، 10/ 12/ 2007.

29- المرجع نفسه.

30- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع محمد شندب ، سير الضنية، لبنان ، 20/ 7/ 2005.

31- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

32- مقابلة هاتفية أجرتها أمل عيتاني مع غسان حبلص ، 20/ 3/ 2008.

33- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع موفق الرواس ، صيدا، لبنان ، 10/ 8/ 2005.

34- المرجع نفسه.

35- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع خليل الصيفي ، البقاع، لبنان ، 13/ 7/ 2005.

36- مقابلة أجراها عبد القادر علي مع صلاح الدين أرقة دان ، صيدا، لبنان ، 24/ 8/ 2005.

37- مقابلة مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

38- مقابلة مع خليل الصيفي ، 13/ 7/ 2005.

39- مقابلة مع مرفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

40- مقابلة أجراها معين مناع مع محمد عمار ، صيدا، لبنان ، 9/ 12/ 2007.

41- مقابلة مع صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

42- شيخ وداعية فلسطيني مشهور تولى إمامة مسجد الصديق.

43- أحد مشايخ مدينة صيدا، درس في مصر في الأزهر، وكان متأثرًا بفكر سيد قطب. مقابلة مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

44- مقابلة مع خليل الصيفي ، 13/ 7/ 2005.

45- مقابلة مع محمد عمار ، 9/ 12/ 2007.

46- مقابلة مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

47- مقابلة مع محمد عمار ، 9/ 12/ 2007.

48- المرجع نفسه.

49- مقابلة مع صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

50- مقابلة مع مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

51- مقابلة مع صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

52- مقابلة مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

53- المرجع نفسه.

54- مقابلة مع موفق الرواس صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

55- مقابلة مع محمد عمار ، 9/ 12/ 2007.

56- مقابلة مع موفق الرواس ، 10/ 8/ 2005.

57- مقابلة مع محمد عمار ، 9/ 12/ 2007.

58- مقابلة مع صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

59- مقابلة مع علي عمار ، أجراها معين مناع ، صيدا، لبنان ، 9/ 12/ 2007.

60- مقابلة مع خليل الصيفي ، 13/ 7/ 2005.

61- مداخلة إبراهيم المصري ، حلقة نقاش مركز الزيتونة للدارسات والاشتشارات حول تاريخ الجماعة الإسلامية في لبنان.

62- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

63- نقلًا عن مقابلة غير منشورة أجراها محسن صالح مع محمد عبد الهادي ، صيدا، 2/ 9/ 1998.

64- المر جع نفسه.

65- المر جع نفسه.

66- المر جع نفسه.

67- المر جع نفسه.

68- المر جع نفسه.

69- المر جع نفسه.

70- المر جع نفسه.

71- مقابلة أجراها معين مناع مع كامل غضبان ، صيدا، لبنان ، 4/ 11/ 2007.

72- المر جع نفسه.

73- المر جع نفسه.

74- المر جع نفسه.

75- المر جع نفسه.

76- مداخلة إبراهيم المصري ، حلقة نقاش مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حول تاريخ الجماعة الإسلامية في لبنان.

77- مداخلة أحمد خالد ، حلقة نقاش مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حول تاريخ الجماعة الإسلامية في لبنان ، بيروت، 29/ 11/ 2008.

78- مقابلة أجراها معين مناع مع فارس صليبي ، لبنان ، 9/ 12/ 2007.

79- المر جع نفسه.

80- مقابلة مع صلاح الدين أرقة دان ، 24/ 8/ 2005.

81- مقابلة مع فارس صليبي ، 9/ 12/ 2007.

82- مقابلة مع خليل الصيفي ، 1/ 12/ 2007.

83- المر جع نفسه.

84- المر جع نفسه.

85- المر جع نفسه.

86- مقابلة مع محمد سعيد صالح ، 9/ 7/ 2005.

87- المر جع نفسه.

88- المر جع نفسه.

89- المر جع نفسه.

90- المر جع نفسه.

91- المر جع نفسه.

92- المر جع نفسه.

93- المر جع نفسه.

94- مقابلة مع إبراهيم سعيد صالح ، 1/ 12/ 2007.

.

الفصل الرابع : مناشط الجماعة الإسلامية

أولًا: الجماعة الإسلامية والعمل السياسي

يكاد يصعب على الباحث أن يقسم تاريخيًا الأداء السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان ؛ إذ إن تاريخ العمل السياسي في الجماعة الإسلامية يأخذ مسارًا تراكميًا، أكثر منه مرحليًا. ولأن الجماعة تعد نفسها امتدادًا لحركة الإخوان المسلمين ، وحاملة لمشروعها السياسي والفكري الديني، فإن ما يمكن تحليله في إطار النسق التاريخي، هو المساحة التي خصصت للعمل السياسي المحلي، في إطار المشروع الإسلامي الكبير، الذي كانت حركة الإخوان المسلمين في انفصال الجماعة الإسلامية عن عباد الرحمن هو إيمان مؤسسي الجماعة بالإسلام كمنهج حياة لا يمكن اجتزاؤه، وبالتالي، لا يمكن الاستمرار في العمل الدعوي، والتركيز على الجانب الأخلاقي، مع تحييد الجانب السياسي أو إلغائه من المنهج الدعوي. فالدعوة الإسلامية تسعى «إلى الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه وبعد ذلك، البيت المسلم ثم يأتي دور الشعب المسلم، وبعده الحكومة المسلمة، التي تقود الشعب إلى المسجد...ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي». ولقد تبنت الجماعة الإسلامية هذا المنهج، وكما ذكرنا في الحديث عن تأسيسها، فإنها اتخذت لنفسها هدفًا ومنهجًا هو:

لا يضعه فرد أو أفراد، بل منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا المنهج هدفه تعبيد الناس لربهم أفرادًا ومجتمعات، في سلوكهم معاملاتهم، في تنظيمهم وتشريعاتهم، وفي كل مناحي حياتهم. وهو منهاج ذو طبيعة تغييرية لا ترقيعية ترفض القبول بأنصاف الحلول، وتأبى الاصطلاح على المناهج الجاهلية والمذاهب الوضعية. وهي كلية شمولية تتناول الفكر والسياسة والتربية الروحية والحركة، إنها تعالج الإنسان ككل، وتهتم بالمجتمع في جميع نواحيه.

وقد انعكست أدبيات الإخوان المسلمين الشاملة، وتبنى الجماعة الإسلامية لها على أدائها واهتماماتها السياسية في الداخل اللبناني، وعلى طرحها السياسي منذ تأسيسها وحتى اندلاع الحرب الأهلية سنة 1975. ولكن يمكننا تلخيص سمات العمل السياسي في الجماعة الإسلامية بما يلي:

أولًا: اتسمت فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين بشمولية الطروحات السياسية والعقدية. فحتى الأحزاب القومية والعلمانية والشيوعية كانت كلها ذات مشروع يعتبر القطر جزءًا من كل كبير، وأن كل حزب يحمل مشروعًا، إنما يعمل على تطبيق فكرة الحزب في بلدة تمهيدًا لعميمها على باقي الأقطار. أما الطرح الإسلامي فكان من الطبيعي أن يكون طرحًا شاملًا، تتعدى طموحاته نشر فكرته في قطر معين إلى الوصول نحو «أستاذية العالم»؛ لأن الطرح الإسلامي هو في أصله يتجاوز الحدود الإقليمية والقطرية، ومرتبط بفكرة الأمة الواحدة، وبالأخوة الإسلامية، وبإعادة مجد الإسلام وخلافته الإسلامية. كما يتجاوز هموم الحدود الضيقة ليعالج المشاريع الاستعمارية ومخاطر التغريب. ولذلك، فإن من يطلع على أدبيات الجماعة الإسلامية، وخصوصًا مجلة الشهاب ، التي كانت لسان حال الحركة الإسلامية في العالم كله، وليس في لبنان فقط، يمكن أن يرى بوضوح اللبناني. ويمكنه أن يرى أيضًا أن كفة الهموم الإسلامية والمشروع الإسلامي، كثيرًا ما رجحت على كفة الوضع المحلي اللبناني. ولعل أهم ما يمكن الاستشهاد به في هذا المجال، مقال فتحي يكن في مجلة الشهاب تحت عنوان: كيف نعمل للإسلام، عالمية الفكرة المواجهة؛ والمقال يعكس فكر سيد قطب ، الذي كان سائدًا بين أعضاء الإخوان في تلك الفترة. حيث يقول يكن:

إن العمل للإسلام يجب أن يصل إلى مستوى العالمية؛ وتخطيطًا وتنظيمًا، ولا يجوز بحال أن يبقى صيحات خافتة تعلو من هنا ومن هنالك... إن مهمة العمل الإسلامي أن يهيئ كل الطاقات والإمكانات الكفيلة بإزاحة حكم الطاغوت على الأرض حتى لاتكون فتنة، ويكون الدين كله لله... وليس من مهمة العمل الإسلامي أن يلتمس حلول المشكلات الإعلامية والتعليمية، أو الغذائية والكسائية أو سواها من المشكلات التي خلفتها النظم الوضعية المتعفنة! وإذا كان لابد من التعرض لمثل هذه المشكلات من قريب أو بعيد فبقدر ما يدين النظم التي أوجدتها... بقدر ما يُعرّيها ويفضحها ويؤكد بطلانها، ليس أبدًا بما يساعدها على التسلط والاستمرار أو يهيئ فرص البقاء والنماء. فإذا عرضت مشكلة الغلاء مثلًا، كان على الإسلاميين أن يبينوا أنها ثمرة طبيعية لحاكمية النظم الرأسمالية، التي من شأنها خلق الأجواء المناسبة لنشأة الاحتكار وسيطرة فئة من الناس على ثروات البلاد، وتسخيرها لمصالحهم الذاتية، وعليهم أن يشير إلى أن الإسلام المنهج الوحيد الذي يملك خلق مجتمع نظيف... الإنسان فيه له كرامة وحقوق، والويل فيه لمن يعتدي على كرامة الإنسان وحقوقه... إن قبضة الحركة الإسلامية ينبغي أن تكون موجهة دائمًا وباستمرار إلى مقاتِلْ النظم الوضعية الحاكمة، إلى مرتكزاتها الأساسية وقواعدها ومنطلقاتها. وحذار من خطوة تكون سببًا في عيشها لا مسمارًا في نعشها! .

ثانيًا: تأثر الجماعة الإسلامية تأثرًا شديدًا بفكر سيد قطب، وبمقارباته حول الحاكمية و «المجتمع الجاهلي» لكنه تبنى في الوقت نفسه الرؤية العامة للإخوان ، التي أوضحها مرشدها في ذلك الوقت حسن الهضيبي ، في كتابه «دعاة لا قضاة». والتي أكد فيها على الدور الدعوي والإصلاحي للإخوان ، وعدم تكفير المجتمع، وعدم الانعزال عنه كما عالج مواضع الفهم الخاطئ لدى البعض مما ورد في كتاب سيد قطب ، ومما لم يقصده سيد نفسه. ودخلت أدبيات الجماعة الإسلامية في إشكالية «المجتمع الجاهلي» وكيفية التعامل معه، وكانت مرحلة مهمة بلورت فيها الجماعة الإسلامية موقفها من هذا الموضوع، مع كل ما حمله ذلك من انعكاسات على تعاطيها مع المجتمع اللبناني المتنوع بطوائفه، والذي كان بعيدًا في سواد طائفته الإسلامية عن الرؤية الحركية للدين التي تتخطى التمسك بالموروث التقليدي خاضت الجماعة الإسلامية هذه الإشكالية الفكرية لسنوات عدة، وانعكس ذلك على صفحات مجلة الشهاب ، التي احتوت مقالات متعلقة بهذه الفكرة منذ انطلاقة عددها الأول، فتحت عنوان «علاقتنا بالمجتمع الجاهلي»، كتب الشيخ فيصل مولوي:

إن الموقف الحق الذي يريده الإسلام لدعاته وأتباعه، أن يحرصوا على بقاء الجسور التي تربط بينهم وبين عناصر المجتمع الجاهلي، وأن يعبروا هذه الجسور، ويحاول إنقاذ من يستطيعون من الناس من المجتمع الجاهلي الذي يعيشون فيه إلى المجتمع الإسلامي... إن العزلة التي تحدثنا عنها لا تعني إذًا إلا عزلة الفكر عن التأثر بالأفكار الجاهلية، وعزلة الشعور والعاطفة عن الارتباط بعناصر المجمتع الجاهلي، وعزلة الإنسان عن معايشة المنكر أو مسايرة الفساد أو السكوت عنه. إن هذه العزلة تؤدي إلى استقرار نفسي للمسلم؛ إذ تبعده عن الارتباط بالنقيضين، وتؤدي إلى تعميق ولائه لعقيدته، وحصر هذا الولاء بها، كما تفتح له الباب على مصراعيه ليلج منه إلى المجتمع الجاهلي مُعِّلمًا لا متعلمًا، وراعيًا لا مدعوًا، ومؤثرًا لا متأثرًا... دون أن تستهويه بهارج الحياة، وزخارف الجاهلية، ومفاتن الدنيا فيغرق فيها.

وفي السبعينيات شهدت المجلة مناقشات حادة حول «المجتمع الجاهلي» وتكفيره، وعن كيفية التعامل معه، دفعت الجماعة إلى تبيان رأيها القاطع في موضوع المجتمعات الجاهلية وكيفية التعامل معها، نأت فيه الجماعة بنفسها عن موضوع التكفير، والخروج على الحاكم والمجتمع، واعتبرت أن معركتها هي أولًا وأخيرًا مع الأفكار الدخيلة وفي هذا الإطار قال الشيخ فيصل مولوي:

نحن دعاة إلى الله ولسنا قضاه نصدر الأحكام على الناس بالفسق أو النفاق أو الكفر أو الضلال. والإسلام منهج حركي جاد، وليس من الجدية أن نتلهى عن الدعوة بإصدار الأحكام، التي لا نستطيع تنفيذ مقتضاها على أفراد من الناس. بالإضافة إلى أن ذلك ليس من مهمتنا وليس في قدرتنا، فالله تعالى هو الذي يحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا، وماذا تستفيد الدعوة إذا حكمنا على إنسان معين من الناس بالكفر أو الردة، ونحن لا نستطيع تنفيذ حكم الله فيه بالقتل، بل نحن مجبرون على أن نستمر بدعوته للرجوع إلى الدين.

إن الحكام هم النتيجة وليسوا السبب، ولا بد للحركة الإسلامية أن تبدأ بمعالجة السبب قبل النتيجة، أي أن تبدأ بتغيير الأفكار السائدة في المجتمع. إن العدو الأول الذي يجب على الدعاة إلى الله في هذا العصر أن يعرفوه، ليوجهوا حربهم إليه، إنما هو «المجتمع الكافر» الذي يعيشون فيه، هذا المجتمع هو العدو، لا بأفراده، وإنما بقيمة الهابطة وأخلاقه المنحطة وتصوراته المضللة وقوانينه الكافرة. وطالما أن المعركة اليوم «فكرية»؛ فإن أفراد المجتمع بأكثريتهم المسلمة هم إخواننا وأحبابنا، بينما الروح الجاهلية التي تسري بينهم وتسيطر عليهم هي العدو الذي يجب مقاومته الواقع أن المسلمين قد انتقلت فئة منهم إلى الكفر، وهي تصرح بذلك وترضاه وتدعو له، فهؤلاء لا يحسبون مسلمين، وفئة منهم ظلت على إسلامها، وهي الكثرة، وكلنها تحتاج أيضًا إلى التذكير والتوجيه، وإلى دفعها في طريق العمل للإسلام قبل أن يدفعها الأعداء في طريق هدم الإسلام وهي لا تشعر.

ويمكن القول بأن هذا الكلام كان فصل الخطاب في التعامل مع المجتمع اللبناني ذي التركيبة الطائفية المعقدة، ومع الشارع السني الذي كان متأثرًا تأثرًا شديدًا بالفكر القومي ولمد الناصري. كما نأى بالجماعة عن انتهاج العنف وسيلة لإحداث التغيير المطلوب.

ثالثًا: على الرغم من تزايد الاهتمام والتركيز على الشأن السياسي الداخلي في مطلع السبعينيات، وأداء الجماعة السياسي في هذا الإطار، سواء من خلال الترشيح للانتخابات النيابية أم من خلال العمل الجبهوي، ظلت أدبيات الجماعة تقيس أداءها السياسي بمقياس ما حققه أو ما سيحققه العمل السياسي على الصعيد الدعوي. فمثلًا، حين خاضت الجماعة الإسلامية الانتخابات النيابية سنة 1972 ، بمرشحها محمد علي ضناوي ، كانت ترى أن «قضية» ترشحه ليست وصولًا إلى كرسي ولا تحقيق مكسب شخصي، وإنما هو إبراز كيان متميز للمسلمين في هذا البلد، وتخليصهم من الحيرة والإثم حين كانوا يضطرون لأن يمنحوا تأييدهم لم لا يرتضون دينه وسلوكه. ولذلك قدمت الجماعة مرشحًا لا يعد الناس مقابل فوزه بتحقيق مصالح شخصية، «ولا أن يعلقوا تأييدهم على أمل بالفوز أو عدمه، إنما يعدهم شيئًا واحدًا يرجو الثبات عليه، هو الالتزام على طريق الإسلام، والإخلاص للمسلمين، وبذل ما يستطاع في سبيل تحقيق الخير لهم». وبعد انتهاء الحملة الانتخابية، كان المقياس أيضًا مقدار ما تحقق، ويظهر ذلك في التحليل الذي أوردته مجلة الشهاب حول صدى ترشيح الضناوي للانتخابات في طرابلس؛ حيث أكدت الجماعة الإسلامية حينها أن ترشح الأخ محمد علي ضناوي لم يكن إجراء تقليديًا يرمي للوصول إلى معقد في مجلس النواب وحسب، ولكنه كان أسلوبًا للدعوة، طُرِحَت من خلاله شعارات إسلامية في الساحة الانتخابية، وأن هذا حصل لأول مرة في لبنان وأن المنجزات كانت حسنة في هذا الميدان، إذا أمكن الاتصال بالجماهير عبر ندوات وزيارات ومهرجانات.

وقد حاول الضناوي وإخوانه تقديم نموذج ملتزم بالإسلام وأخلاقياته في المعركة السياسية الانتخابية، ورفضوا اللجوء إلى الوسائل المبنية على أن «الغاية تبرر الوسيلة» التي يلجأ لها مرشحون آخرون وبالنسبة للجماعة فقد شكلت الأصوات التي حازها المرشح محمد علي ضناوي والتي بلغت 4.192 صوتًا فوزًا نسبيًا، ذلك أن «صراع اللوائح كان على أشده؛ إذ تشكلت لأول مرة في طرابلس أربع لوائح تقوم كل منها على خمسة مرشحين، فضلًا عن المرشحين المنفردين. وحرصًا على التميز استمر الأخ منفردًا في المعركة رغم ضالة القدرة المالية والطاقة البشرية».

رابعًا: ساد إحساس داخل الجماعة الإسلامية بضرورة التجديد في الحركة الإسلامية حتى تجذب إليها الشباب، ولعل هذا كان سببًا من الأسباب التي دعت الجماعة الإسلامية إلى تبني الطروحات الداخلية والاقتراب أكثر من هموم الناس ومشاغلهم؛ وخاصة فيما يتعلق بالمطالب المعيشية وفي هذا الإطار كتب إبراهيم المصري في مجلة الشهاب تحت عنوان «حتى يكون العمل الإسلامي ناجحًا» فقال:

لابد لكل حركة إصلاحية من قضية، كان لكل مراحل العمل الإسلامي قضية مرحلية الإسلاميون اليوم مطالبون بأن يخرجوا إلى الناس بجديد، ذلك أن مجتمع السبعينيات، لا يجوز أن يجتر فكر الخمسينيات أو الأربعينيات.

والمكتبة الإسلامية رغم أنها أغرقت بسيل من المؤلفات إلا أن هذه المؤلفات ليست جديدة إلا بورقها المصقول، وطباعتها الأنيقة، إما في مجال الفكر فإنها لم تأتِ بجديد، اللهم إلا القليل النادر، الذي لا يشكل تيارًا ولا يحرك جماهير، بينما الأحداث تتوالى، والفراغ يكبر ويتضخم دون أن تمتد يد العلاج. إن مرحلة إنذار المسلمين وتذكيرهم بواقعهم السيء قد ولت، وأصبح الاعتراف بهذا الواقع من المُسلَّمات ولقد تجاوز الشباب مرحلة الافتنان بالغرب وحضارته، ووصل إلى مرحلة الضياع، وهذه قضية وإن عبر عنها بالانفلات الديني القائم أو بالجنس والمخدرات، فتلك كلها أعراض، والشباب يتلفت لم يحل له مشكلة الضياع، فتلك هي قضيته، والإسلاميون ملزمون بأن لا يفروا من المعركة، ويتخلوا عن دورهم في الوجود والأمر بحاجة إلى معاينة وممارسة في ميادين الصراع قبل قدح الذهن بالتفتيش عن حل، ذلك واجبهم بل فرصتهم في تحقيق وجودهم الفعلي؛ فهل هم فاعلون؟ .

خامسًا: ظلت أدبيات الجماعة الإسلامية تتعامل بحذر مع الواقع المحيط بها، على اعتباره مجتمعًا جاهليًا، فكانت أدبياتها تدعو إلى التعامل معه بحذر ودقة وحزم حيث يقول الداعية فتحي يكن: منطق العمل الحركي يقتضي الدقة والحسم في تحديد مستويات وأبعاد التعامل مع المجتمع، وقيمة هذا التحديد أنه يرسم للحركة نطاق علمها وميدان تحركها بمعنى أنه يحدد لها نوعية العمل ونمط التحرك، وبذلك لا تكون الحركة أسيرة الظروف المحيطة بها، وإنما تتحقق لها الذاتية في التصرف الانطلاق، وبذلك تتحقق لها الرؤيا الواضحة لأهدافها، لطريقها، لأساليبها ووسائلها وبذلك، فقط تتخلص الحركة من حمى التخبط وفوضى الانفعال وآفات الارتجال... فإذا كان ما تريد هو تحقيق الواقع الإسلامي، فمعنى ذلك أنها تريد نقض الواقع الجاهلي، نقضه بالكلية؛ فكره، ونظامه، وأخلاقه... وهذا بالتالي يفرض نمطًا من العمل الحركي، ومستوى من التعامل والتعايش والإعداء، يختلف نوعًا وكمًا عما هو مألوف ومعروف... ومنطق الإيمان لايدع للحركة الخيار في تحديد ما تريد، فإما إسلام أو لا إسلام، وإسلام وجاهلية لا يجتمعان إن أدنى تحوير في المنهج والطريق سيبعدنا أشواطًا عن الغاية المرسومة والهدف المنشود، وسيفرض علينا بالتالي مستوى من التعايش مع الجاهلية، من شأنه أن يأخذ في النمو ولازدياد شيئًا فشيئًا إلى أن تتعطل فينا إرادة النقض والتغيير وعزيمة البناء.

سادسًا: تركز الحراك السياسي للجماعة الإسلامية خلال عملها، منذ تأسيسها وحتى السبعينيات، على الجوانب التالية: قضية المشاركة في الحياة السياسية، ورفض احتكار الطائفة المارونية للمناصب العليا في الدولة، والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومحاربة الفساد والانحلال، والدعوة إلى إلغاء الطائفية، أو استبدالها بالتمثيل العادل لكل الطوائف، والمساواة بين المواطنين، وتحصين الجبهة الداخلية لمواجهة العدوان الإسرائيلي.

1- التطور السياسي في أداء الجماعة الإسلامية

شهدت فترة السبعينيات، تحولًا جذريًا في أداء الجماعة الإسلامية السياسي، وطريقة تعاملها مع الواقع اللبناني، ومقاربتها للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة فكانت تلك بداية ارتقائها نحو التخصصية داخل الأطر التنظيمية، وبالديناميكية في مجال الاهتمامات العامة، وخاصة المحلية منها؛ حيث حضر الواقع اللبناني في الخطاب والحراك السياسيين للجماعة وأخذت الجماعة حينها تحتك بالواقع القائم، وتتفاعل معه، وتسعى إلى تغييره وفي هذا الإطار يقول الدكتور محمد علي ضناوي: الحقيقة أن الجماعة الإسلامية قبل السبعينيات هي غير بعد السبعينيات.

قبل السبعينيات كانت المقاربات السياسية بسيطة، وتتعلق بالقضايا العامة.

لم يكن لبنان حاضرًا، كانت الأمة هي الأكثر حضورًا، قضية فلسطين ، قضية الجزائر ، عبد الناصر والقومية والاشتراكية كانت اهتماماتنا عبارة عن أبحاث فكرية أكثر منها سياسية.

وفي بداية السبعينيات انعطفت الجماعة انعطافه جديدة بإعادة تشكيل الأنظمة وأقيمت خلوة (حلقة نقاش داخلية) استمرت ثلاثة أيام أو أربعة، لدراسة كل الأنظمة، النظام الفكري، والنظام الاجتماعي، والنظام السياسي، والنظام الإقليمي، والنظام اللبناني، وكانت هذه أول دراسة تقوم بها الجماعة، حيث لم تكن هناك دراسات فكرية عن هذه الخطوط الأساسية، فكان من جملة الخطوط والدراسات دراسة عن الواقع السياسي في لبنان ، وكيف يمكن أن يعالج، وتمت دراسة خريطة العمل السياسي في لبنان ، والعناصر المؤثرة فيه، وكيفية التحرك، وكيفية العمل، ونتيجة لهذه الدراسة كان القرار بوجوب دخول المعترك السياسي.

2- في خضم المعترك السياسي: الانتخابات النيابية سنة 1972:

كان ترشيحة محمد علي ضناوي للانتخابات النيابية سنة 1972 أول خطوات الجماعة الإسلامية في المعترك السياسي اللبناني، وعلى الرغم من حداثة التجربة، وقلة الخبرة، إلا أن الجماعة استطاعت أن تسجل حضورًا لا يستهان به في هذا المعترك. قررت الجماعة أن يترشح الضناوي أن باسمه الشخصي وليس باسم الجماعة، على أن تقوم الجماعة بدعمه ويرى الضناوي أن سبب ذلك يعود إلى «الأوضاع السياسية العامة في البلاد فالظروف لم تكن تتحمل أن يترشح رجل حزبي للانتخابات، ولكن كانت الفكرة أن نستفيد من صداقاتي وعائلتي، ومن الوضع العام في الجماعة وتنظيمها وفعلًا، الجماعة هي التي أمسكت التنظيم الانتخابي». وعندما دخلت الجماعة المعركة الانتخابية كانت مضطرة لأن تطرح قضايا الناس وهمومهم بطريقة مناسبة. ويعترف الضناوي أن الجماعة لم يكن لديها «رؤية اجتماعية؛ مثلًا: حقوق الناس، أوضاع الناس، كيف يمكن معالجتها». وكان الضناوي وقتها شابًا في الـ 32 من عمره، وكان الإخوان كلهم من جيله ما عدا فتحي يكن ، وهشام قطان ، وسعيد شعبان الذين كانوا أكبر منه سنًا وقد انقسم الرأي فيمن يترشح عن الجماعة بين ضناوي وبين فتحي يكن ، وكان التصويت بالاقتراع، ورجحت كفة ترشيح الضناوي بفارق صوت واحد، وكان الإخوان المعارضين لترشيح فتحي يكن ، يرون أنه ليس من المناسب أن يترشح مؤسس الجماعة كانت خبرة أعضاء الجماعة وقيادتها مقتصرة على الجانب الدعوي، ولم يكن لديهم خبرة سياسية غير أنهم قدموا طرحًا سياسيًا وأفكارًا جذبت اهتمام الناس وكان طرحهم الأساسي في الانتخابات حسبما يذكر الضناوي، يتمحور حول تساؤلات:

نحن إلى أين؟والمسلمون إلى أين؟ والوضع هناك؛ أولاد جارية، الدستور يقول كذا، ورئيس الحكومة باش كاتب، هذه الأمور كلها... كان لدينا مجرد تصورات عنها فطرحنا هذه الأفكار.وكلما كنت أطرح الأفكار أجد تعاطف الجمهور، وكأنك تروي عطشهم وطرحنا أفكارًا تتعلق بإصلاح النظام اللبناني، وتعديل الدستور عبر المشاركة.

وعلى الرغم من سعة التجاوب مع الطروحات التي قدمها ضناوي، لم يحصل مرشح الجماعة حينها على أصوات تخوله الفوز في الانتخابات الوصول إلى الندوة النيابية، ولكن عدد الأصوات التي نالها كان رقمًا بالغ الدلالة بالنظر إلى أنه كان يخوض المعارك منفردًا، فقد «حاز محمد علي ضناوي على 4.192 صوتًا منفردًا، في حين كان النجاح ضمن تحالف مكون من لائحة مكتملة بحدود الثمانية آلاف صوت». وقد أثار هذا الرقم ضجة سياسية، حتى إن بعض الصحف المحلية قالت إن ضناوي أخذ أصواتًا، لو كانت الانتخابات نسبية على اللوائح وليس على النظام الأكثري، لكان محمد علي ضناوي أول الناجحين قبل رشيد كرامي نفسه «فرشيد كرامي مع ائتلافه الانتخابي وقوته نجح بتسعة آلاف صوت، وأنا كنت منفردًا وأخذت 4.200 تقريبًا».

أما البرنامج الانتخابي للضناوي كمرشح للجماعة الإسلامية في انتخابات 1972 النيابية فقد تضمن ما يلي:

في الحقل الخارجي:

  • رفض جميع الحلول الاستسلامية والتصفوية لقضية فلسطين ، واعتبار الجهاد المقدس سبيلًا موحدًا، ومطلبًا أساسيًا لجماهير الأمة في سبيل استعادة كل الأراضي المغتصبة.
  • تأكيد دور لبنان الإيجابي على صعيد كل القضايا المصيرية، العربية منها والدولية.
  • رفض التبعية لأي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، وإقامة علاقتنا الدولية على أساس تراثنا وضمان حقوقنا المشروعة.

في الحقل الداخلي:

  • تعميق التعايش وتحقيق التعاون الكامل بين جميع المواطنين على أساس من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
  • العمل على إلغاء الطائفية.
  • إزالة معالم الفساد والرشوة والمحسوبية من جميع أجهزة الدولة وهيكلها الإداري.
  • مواجهة الخطر الإسرائيلي في الجنوب باتباع سياسة التقشف، وإقرار التجنيد الإجباري للشباب.

في الحقل القانوني:

  • وضع قانون جديد للانتخاب تنتفي معه سيطرة الإقطاع السياسي.
  • تعديل قانون الإيجار.
  • الإفراج عن معاملات التجنس لكل من استحقها دون تفضيل أو تمييز.
  • إعادة تنظم الضمان الصحي والاجتماعي.

في الحقل الاجتماعي والاقتصادي:

  • تبني سياسة الاقتصاد الموجه. وتنمية الدخل القومي عن طريق تطوير الإنتاج الزراعي والحيواني، وتحديث وسائله، وتشجيع الصناعة الوطنية، والتجارة المحلية بشكل متوازن، مع الحد استيراد الكماليات.
  • مواجهة موجات النزوح من القرى وهجرة العقول المبدعة والطاقات الشابة، بإيجاد فرص كافية للعمل الشريف.
  • كافحة الغلاء، وتأمين الدواء والتطبيب مجانًا للطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود وضمان الكهرباء والمياه بأسعار الكلفة.
  • تبني مبدأ الضريبة التصاعدية، وجباية الضرائب المفروضة من الأغنياء قبل الفقراء.

في الحقل التعليمي:

  • جعل التعليم الابتدائي إلزاميًا.
  • وضع برامج تربوية جديدة مواجهة التضخم غير المدروس لحملة الشهادات بتوجيه الأجيال للتخصص في المجالات التي تحتاجها البلاد.
  • وضع برامج تعليمية خاصة بالمرأة.
  • تنظيم التعليم الديني، ومحاربة المحاولات الرامية لإلغاء من المناهج الرسمية.
  • توحيد الكتاب المدرسي وتأميمه.
  • لبننة المعاهد الأجنبية، والتخلص من نفوذها وأخطارها.
  • السعي لحل مشاكل التعليم المتجددة كل عام بتأمين المدارس ودور المعلمين، وخاصة في المناطق الآهلة المحرومة.
  • إنشاء كليات تابعة للجامعة اللبنانية في طرابلس.

في الحقل الفكري:

  • توجيه وسائل الإعلام وإلزامها أو تأميمها.
  • مكافحة الاتجاهات التي تعمل على نشر الإلحاد والإباحية، وبث الأفكار المستوردة التي تشيع الانهزام والتبعية واعتبار التمسك الواعي بتعاليم الدين السبيل الوحيد للقضاء على التعصب الطائفي الذميم، والطريقة الأمثل لمواجهة موجات التهتك والميوعة.

المطالب المحلية:

  • إقرار اللامركزية في المعاملات.
  • تحسين المرفأ وتجهيزه فنيًا.
  • السعي لإصلاح المؤسسات المحلية الرسمية منها والأهلية.
  • تبني المشاريع الملحة لبلدة القلمون على الصعيد الصحي والتعليمي والعمراني.

يلاحظ في البرنامج الانتخابي للجماعة الإسلامية أنه قدم رؤية شاملة ومتوازنة للقضايا الداخلية، وأنه لم يقتصر على العموميات، وإنما أعطى خطوطًا عامة وإجابات محددة للعديد من القضايا الاجتماعية ولاقتصادية والتعليمية. كما قدم رؤية ناضجة لتصوره عن لبنان ودوره الإقليمي والعربي والدولي، وقدم مترحات محددة ذات طبيعة محلية تهم أهالي منطقة طرابلس إن هذا البرنامج الانتخابي يقدم ردًا على منتقدي الإسلاميين من أنهم ليس لديهم برامج انتخابية، وأنهم مجرد أصحاب شعارات ويعد إحدى المحاولات السياسية المبكرة للإسلاميين في تقديم برامج انتخابية محددة.


3- المسلمون في لبنان مواطنون لارعايا:

تحت هذا العنوان وافقت الجماعة الإسلامية على أول تجربة حراك سياسي لها؛ حينما وضع محمد علي ضناوي مقاومة سياسية حملت العنوان المذكور، كما وافقت أن يحملها إلى الواجهة، كاتِبُها محمد علي ضناوي ، عبر محاضرة عامة أحدثت تلك المحاضرة ضجة كبيرة في الأوساط الشعبية والإسلامية انعكست تجاوبًا وحماسًا كبيرين، تحولا فيما بعد إلى مشروع عمل سياسي جبهوي من خلال التجمع الإسلامي كما لقيت تلك المحاضرة تغطية إعلامية واسعة، حولتها من مجرد محاضرة إلى هزة سياسية، استفزت رئيس الجمهورية سليمان فرنجية نفسه، وكانت مادة لجدل سياسي بينه وبين مجلس الوزراء استغرق جلسة بأكملها.

يقول محمد علي ضناوي إن الجماعة خاضت أول عمل سياسي كبير من خلال محاضرة في بهو الجامع الكبير في طرابلس، وكانت محاضرة شعبية بامتياز، دعي إليها الناس والصحافة وصار الحديث، الذي شغل الناس بعدها، أن طرابلس تتحرك باتجاه المطالبة بحقوق المسلمين، وتعديل الدستور وكان عنوان المحاضرة: «المسلمون في لبنان مواطنون لا رعايا»، وغطت الصحف المحاضرة بشكل جيد جدًا طرح الضناوي «تاريخ الوزارات، وتاريخ الحكومة، ولبنان وانتدابه وانفصاله عن العثمانيين، ولبنان الكبير والطائفية، والمارونية السياسية، وكيف تحركت، وكيف وضعت القوانين، وبخاصة قانون الأحزاب والجنسية، كما طالب بالإحصاء العام في البلاد وغيرها».

فكانت محاضرة مهمة جدًا، وكان لها أثر كبير لم تُقَمْ المحاضرة باسم الجماعة بل باسم الضناوي الشخصي، بصفته عضوًا في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى. «وذلك كيلا يتحمل إخواننا أية مسئولية في الموضوع، لكن الإخوان كانوا وراءها، ولاشك هم الذين دعوا ونظموا، لكن المسئولية أمام الدولة وأمام الناس كانت مسئوليتي» على حد تعبير الضناوي وبعد ذلك كان لابد من طباعة المحاضرة بناء على إلحاح الناس والإخوان ، فطبعت بتمويل من الجماعة، ونُشِرَت المحاضرة في كتاب، ثم طبع هذا الكتاب مرة ثانية بتمويل من أحد المحسنين في بيروت. بعد أن أضاف الضناوي بعض الأمور كانت قد استجدت بعد تلك الفترة، ووضعها في الهامش؛ ووزع الكتاب في بيروت وصيدا مجانًا، ونال ضجة كبيرة.

وعن الأجواء السياسية التي أثارها الكتاب يقول محمد علي ضناوي:

بعد طبع الكتاب، كنت أقوم بجولة تواصل مع الناس، فأديت الصلاة في جامع بحمدون، وإذا برئيس الوزراء آنذاك، تقي الدين الصلح ، موجود في ذات الجامع وخرجنا سوية. قال لي: هذا الأسبوع، كان مجلس الوزراء كله عبارة عن محمد علي ضناوي ؛ فكتابك «المسلمون في لبنان مواطنون لارعايا» عمل لنا مشكلة كبيرة في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية (سليمان فرنجية كان هو رئيس الجمهورية)، فطلب الرئيس بإصرار من مجلس الوزراء أن يطلب من وزارة العدل إحالة محمد علي ضناوي على المحكمة بتهمة إثارة النعرات الطائفية، والإخلال بأمن الدولة وقال لي: ظللت محامي الدفاع عنك لآخر لحظة، وأقنعتهم بأن لا يفعلوا. فقلت له: سامحك الله يا دولة الرئيس، قال لي لماذا تقول هذا؟ ماذا فعلت؟ قلت له: أظن يا دولة الرئيس أنك أخطأت خطأ جسيمًا، لو حاكموني أنا سأحاكم النظام وهذا ما أتمناه فاخفض طربوشه بيده وكان يرتدي الطربوش كلازمة له، وقال: الله يساعدنا عليكم أنتم الجيل الجديد، لا نعرف كيف نتعامل معكم، دافعنا عنكم وروحنا وضاع وقت مجلس الوزراء على موضوعك حتى لا تتجول إلى محاكمة عسكرية والآن أنت تقول لي إني غلطت!! .

4- الاتجاه نحو العمل التكتلي والاهتمام بالقضايا الشعبية الملحّة:

كان النجاح الذي لاقاه الطرح السياسي في مقاربة «المسلمون في لبنان مواطنون لا رعايا»، مدخلًا لعمل جبهري تكتلي، سعت الجماعة من ورائه إلى إحداث حالة من الحراك السياسي، تسمح لها بأن تعالج الاهتمامات الشعبية بشكل أو بآخر. يقول محمد علي ضناوي:

سنة 1973 ، وحتى لا تبقى تلك الأفكار شخصية الطرح، قررنا أن نكوّن تجمع قيادات وشخصيات، وأن تكون الجماعة عضوًا من الإعضاء، ونؤلف ما يسمى التجمع الإسلامي في الشمال. وفعلًا وضعت له نظامًا، وكان له قيادات كبيرة منهمالنائب السابق محمد خضر فتفت ، والد الوزير أحمد فتفت ، وكاظم الخير ، والد النائب صالح الخير ، وعشائر عرب وأدي خالد، وشخصيات من الضنية ومن طرابلس؛ أطباء ومحامين ومهندسين... تجمع كبير، صَادَقَ على النظام الأساسي والداخلي، وبعد ذلك جرى انتخاب لجنة تنفيذية، وشرفني التجمع برئاستها.

تبنى التجمع مشروع تجنيس عرب وادي خالد، وعقد مؤتمرًا صحفيًا لذلك، وطلب من عدو من النواب أن يوقعوا على ذلك المشروع أرسل ضناوي مشروع القانون إلى الحكومة، وكانت آنذاك برئاسة صائب سلام ، وكانت في اجتماع مع رئيس الجمهورية سليمان فرنجية في مجمع بيت الدين، كان الاجتماع خلوة طويلة لإقرار مجموعة من الإصلاحات وطالب الحكومة بإقرار المشروع وإلا عمد إلى تحويله إلى مشروع قانون يوقع من النواب ولكي يتم ذلك فإنه يحتاج، وفقًا للدستور السابق، إلى ستة نواب ليقدموا المشروع رفضت الحكومة الطلب، فذهب ضناوي ورفاقه إلى عرب وادي خالد وشجعهم على مطالبة نواب المنطقة بأن يوقعوا على مشروع القانون، ويحملوا هذه المهمة، فأصروا أن يكون ضناوي معهم ليشرح مشروع القانون، ويجري الحوارات اللازمة يتابع الضناوي قائلًا:

ذهبت مع مجموعة منهم، ومعنا المرحوم النائب السابق محمد خضر فتفت ، وقمنا بجولة على النواب، فوقعه رئيسًا حكومة سابقان هما المرحوم رشيد كرامي وأمين الحافظ ، كما وقعه كل نواب عكار، وحتى نكسبه صبغة وطنية، قصدنا ريمون إده وبيار جميل ؛ فرفضنا التوقيع وبينا مخاطر الرفض، ورددنا عليهم بالحجة والبرهان، بعد ذلك ذهبنا إلى نجاح واكيم ، وكان يومها نائبًا جديدًا عن التيار الناصري، وطلبنا منه التوقيع فوافق ووقع، وصار لدينا سبعة نواب نزلت إلى مجلس النواب، وقدمت المشروع لرئاسة مجلس النواب، وكان كامل الأسعد رئيسه، فقال لي الأمين العام للمجلس: أنت لست نائبًا فكيف آخذ منك مشروع قانون؟ فقلت له أنا ممثل عن النواب السبعة الموقعين، وأنا أصر على إدخال هذا المشروع باسم التجمع الإسلامي في الشمال، وأنا رئيس التجمع فلما رفض، حدث سجال قانوني، وفي النهاية وبعد اتصال برئيس المجلس وافق، وسَجّل مشروع القانون ولأول مرة في لبنان ، باسم هيئة شعبية، وإن كان موقعًا من نواب كان ذلك في أواخر سنة 1974 ، وفي سنة 1975 كان النائب ناظم القادري - رحمه الله – رئيس لجنة التشريع في مجلس النواب، وحدد موعدًا للجنة التشريعية لدراسة مشروع القانون، ودعاني برقيًا للحضور، لأدفع عن المشروع كان موعدنا بمجلس النواب يوم 23/ 4/ 1975 ، ووقعت حادثة عين الرمانة المشؤمة، التي ذهب ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين، وتأجل كل شيء، وضربت لبنان الحرب الأهلية.

وقبل إنشاء «التجمع الإسلامي في الشمال»، كان قد أقيم «مجمعُ طرابلس الإسلامي» في طرابلس، والذي سمي بذلك ردًا على «مجمع بعبدا الحكومي»؛ كما تشكلت الهيئات الإسلامية في بيروت وقد تشكلت هذه التجمعات على خلفية إصدار مجلس الوزراء اللبناني سنة 1975 قرارًا يقضي بإلغاء عطلة الجمعة، والتعطيل يومي السبت والأحد ضمن ما سمي بالبرنامج الإصلاحي ويرى فتحي يكن أن القرار:

كان أشبه بالمواد الملتهبة في الواقع الإسلامي، فكيف يمكن أن نتجاوز الجمعة، ونحن كمسلمين ومسيحيين نعطل السبت في أعياد اليهود كان ذلك الحدث بمثابة الشرارة التي اندلعت في أعقابها مسيرات ضخمة ومنددة بالقرار الذي اتخذ خرجت مسيرات شبه مسلحة في مدينة طرابلس، وتتقدمها بعض السيارات المفتوحة من السقف، والتي يقف فيها عدد كبير من الإخوة، وقامت بجولة على المدينة كلها، منددة كذلك بهذه المقررات، ثم نشأ بعد ذلك المجمع في ضوء هذه المقررات التي أعتبرناها طعنة أو خيانة بحق الطائفة السنية.

وقد جرى التحرك حينها باسم مجمع طرابلس الإسلامي.

أما في بيروت، فكان التحرك المناهض باسم «الهيئات الإسلامية»، وقد ضم إلى جانب الجماعة الإسلامية، عباد الرحمن، وحزب النجادة، وحزب الهيئة الوطنية بقيادة عبد الغني العريسي ، وكان الحزب الإسلامي الوحيد في ذلك الوقت في بيروت، وكانت الاجتماعات تعقد في مقر حزب الهيئة الوطنية؛ حيث نظم المجتمعون ملصقات تحت عنوان «الجمعة كما الأحد»، وكانت تحمل توقيع، وقد علقت في مختلف مناطق بيروت، عنوان «الجمعة كما الأحد»، وكانت تحمل توقيع، وقد علقت في مختلف مناطق بيروت، وعلى باب المجلس النيابي. وفي ذلك الوقت كان الرئيس فرنجية في زيادة إلى دار الفتوى للتهنئة بالعيد، بأعدّ المجتمعون ملصقات كبيرة تحمل العنوان نفسه، ورفعوها على باب دار الفتوى، فأثار ذلك حفيظة دار الفتوي، وحصلت مشادة بين أمين دار الفتوى حينها،حسين القوتلي ، وبين إبراهيم المصري ، وقرر رئيس الجمهورية حينها أن لا يدخل دار الفتوى. وانتهى الأمر بتراجع الرئيس صائب سلام عن قراره وعن إصلاحاته، إثر خطبة نارية ألقاها المفتي الشيخ حسن خالد في صلاة العيد في المسجد العمري في طرابلس. وظلت الهيئات الإسلامية تجتمع لفترة من الزمن في مركز حزب الهيئة الوطنية، وذلك من أجل خدمة القضايا الإسلامية على مستوى بيروت، ولكن لم يكن لها نشاط بارز غير ذلك. وقد أرسلت الجماعة الإسلامية من البرازيل عريضة موقعة من جمع كبير من المغتربين المسلمين اللبنانيين، منددة بالقرار، ومطالبة باعتماد يوم الجمعة عطلة رسمية كالأحد لتأكيد المساواة بين اللبنانيين.

ومن القضايا التي لعبت الجماعة الإسلامية دورًا في معالجتها ومعالجة ذيولها، ما يعرف بأحداث «دول المطلوبين» فقد قامت «دولة المطلوبين» على جزء من الأسواق الداخلية في طرابلس بداية السبعينيات من القرن الماضي. وهي ترمز إلى ترمز إلى سيطرة مجموعة من المسلحين المطلوبين للقضاء اللبناني على الأسواق الداخلية، الممتدة من باب الرمل إلى العطارين وسوق الصاغة وسوق البازركان والسوق الجديد حتى منطقة الملاحة، مع كل الأزقة المتفرعة من هذه المناطق. والمنطقة عبارة عن أسواق ضيقة تمتاز بتلاصق أبنيتها، حيث يستطيع المرء أن ينتقل عبر الأسطح وقد سيطر هؤلاء المسلحون على الأسواق، وشكلوا سلطة داخلية فارضين الإتاوات (الخوّات)، وقاموا بالاعتداء على الأرواح والممتلكات، وكانوا يتقلون التأييد من بعض الجهات السياسية في المدينة.

ومع تزايد اعتداءاتهم وما ألحقوه بالناس من أذى، أجرت الجماعة الإسلامية اتصالات مع القوى الفاعلة في المدينة، وطالبت الدولة بإيجاد حل مشكلة هؤلاء المسلحين، وإنهاء سيطرتهم على هذه المناطق سلميًا كما قامت باتصالات مع الجهات السياسية الداعمة لهؤلاء، وطالبتهم بإنهاء المأساة إلا أن هذه الجهود لم تثمر إلا من خلال حملة عسكرية قام بها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، حيث حوصرت هذه المناطق لمدة تزيد على عشرة أيام، منع فيها التجول، وأغلقت فيها المحال والأفران والصيدليات، مما حمل الجماعة على إقامة حملة إغاثية بالتنسيق مع الجيش، قدمت الخبز والحليب والأدوية للمدنيين المحاصرين. وانتهت الحملة بمقتل العديد من الجنود وذبح اثنين من عناصر قوى الأمن الداخلي في أحد الأزقة، كما قتل بعض السلحين، وهرب آخرون، من بينهم أحمد القدور ، الذي ألقي القبض عليه بعد مدة في مكان آخر بعيدًا عن مسرح العمليات.

5- الجماعة الإسلامية ومؤسسة دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشعي لأعلى:

ترجع علاقة الجماعة الإسلامية وقيادتها بالمفتي حسن خالد إلى ما قبل انتخابه كمفت للجمهورية سنة 1966 ، فقد كان الشيخ حسن خالد على علاقة طيبة مع الجماعة واحترام متبادل بينه وبين أعضائها، وكان يحاضر بشكل دائم في مركز الجماعة، ويلقي كلمات في احتفالاتها ولذلك، لاقى انتخابه مفتيًا للبنان صدى طيبًا لدى قيادات الجماعة وقد قبل المفتي خالد بانضمام الشيخ فيصل مولوي إلى سلك القضاء الشرعي، بعد نجاح الأخير في مسابقة الانتساب، على الرغم من اعتراضات السفارة المصرية آنذاك، معللًا ذلك بأن الكفاءة كانت المقياس الوحيد في قبول أو رفض المتبارين(.

ومع تولي الشيخ حسن خالد منصب الإفتاء، رفعت الجماعة الإسلامية إليه مذكرة تتضمن اقتراحات من أجل النهوض بدار الإفتاء، والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، والدوائر الوقفية، وتصحيح أوضاع المشايخ والعلماء. ودعت الجماعة الإسلامية في مذكرتها إلى تحقيق استقلال الوظائف والمناصب الدينية الإسلامية عن الملاك الرسمي استقلالًا تامًا، وخاصة سلكي الإفتاء والقضاء، وأن يتمتع مفتي الجمهورية بكل ما يتمتع به رؤساء الطوائف الأخرى من حقوق وامتيازات وحصانات، وتعزيز منصب الإفتاء بأجهزة علمية وعملية وإعلامية تُمكِّن المفتي من القيام بمهامة الشرعية والإدارية على أتم وجه كما دعت إلى إنشاء مجلس للإفتاء من ذوي الاختصاصات الشرعية العالية، وتحقيق وتنسيق التعاون ين المفتين في المناطق اللبنانية بما يضمن وحدة الصف والهدف وأن يقوم المفتي بجولات منظمة ودائمة لكافة المناطق اللبنانية لتفقد الأوضاع فيها، والطلب من المفتشين المحليين تقديم تقارير دورية مفصلة تتناول شئون الطائفة ومشكلاتها وحاجاتها؛ ليصار إلى دراستها في المجالس المختصة، وأن يقوم مفتي الجمهورية بمعاونة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، واستشارة كافة الهيئات والشخصيات الإسلامية في لبنان بتعديل ما تقتضي مصلحة المسلمين تعديلة من المرسوم الاشتراعي رقم 18.

ولم تقتصر علاقة الجماعة الإسلامية مع المؤسسة الدينية الرسمية على الروابط الخاصة بالشيخ حسن خالد ، بل كانت الجماعة ترشح أعضاء منها للمناسبات الدينية كلما سنحت الفرصة. ففي سنة 1966 ترشح المحامي محمد علي ضناوي ، والمهندس عبد الفتاح زيادة ، والمهندس عصمت عويضة لعضوية مجلس الأوقاف الإسلامية بطرابلس ولم يفز منهم أحد وفي سنة 1971 ترشح محمد علي ضناوي ، وعبد الله بابتي لعضوية المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى. وقد أطلق المرشحات بيانًا انتخابيًا تضمن مبررات الترشح والأهداف التي كانا يسعيان لتحقيقها ضمن مؤسسة المجلس الشرعي الأعلى، ومنها تعزيز مقام الإفتاء، والعمل على وحدة المسلمين في لبنان ، والتخطيط العلمي للمستقبل في إطار المؤسسات الإسلامية، وغيرها من أمور الإصلاح في أعمال ودور المجلس الذي ترشحا لعضويته.

وكان الرئيس رشيد كرامي مهيمنًا على الهيئة الناخبة، وكانت قائمته عادة تفوز بالكامل، إلا أنه في انتخابات 1971 المشار إليها جرت مفاوضات مع الجماعة انتهت باتفاق يقضي بأن يترك الرئيس كرامي مقعدًا في اللائحة لا يسميه، وأن يبقي محمد علي ضناوي وحده في الترشيح؛ فيكون هو العضو السابع حكمًا، وإن لم تتم تسميته في اللائحة وبالفعل تم ذلك، وفاز محمد علي ضناوي بعضوية المجلس، وجاء ثانيًا في ترتيب الفائزين السبعة، بالرغم من أنه يوجد في القائمة مجموعة من الوجهاء وكبار السن والأعضاء السابقين في المجلس الشرعي؛ فكان ذلك أول تلاقٍ غير مباشر مع الرئيس كرامي. قدم محمد علي ضناوي للمجلس الشرعي مشروع قرار يقضي برفع الحصانة عن موظفي الأوقاف، وكان هذا أول إصلاح تشهده دوائر الأوقاف في لبنان ، وما إن أُقِرّ مشروع الإصلاح الإداري حتى قدم مدير عام الأوقاف في بيروت، ومدير أوقاف طرابلس، وعدد من الموظفين استقالاتهم وقبلت على الفور.

ثم قدم محمد علي ضناوي إلى المجلس الشرعي مذكرة إصلاحية شاملة من ثلاثين صفحة فولسكاب، عكست فكر الجماعة بوجوب الإصلاح على كافة الصعد الإدارية والعلمائية للمسلمين السنة في إدارتهم الشرعي الرسمية، ووضع خطوط وآليات التطوير. وأضاف مشروعات إصلاحية وتنموية، منها الإصلاح الديني المالي، وإلغاء الوظائف الوهمية، وإيجاد الضمان الصحي للعلماء والموظفين الوفقيين. وكان لهذه المذكرة صدى كبير في أوساط المجلس والعلماء، وانتهى الأمر بإلغاء الوظائف «الوهمية»، والوظائف التي لم يعد بالإمكان العمل بها، وتجمعت وظائف المسجد الواحد في مشروع الإمام المنفرد، الذي حدد له راتب يوازي راتب رئيس دائرة في الملاك الرسمي وتمنت الجماعة على المفتي أن يحقق في مطلع عهده الإصلاحي كل ما من شأنه تطوير سلك العلماء، ورفع مستواه العلمي والمعنوي والمادي، وتنظيم الانتساب لسلك العلماء، وبعث النشاط الإسلامي وتنظيمه، عبر عقد مؤتمرات دورية للعماء تناقش كافة الأوضاع والمشاكل والقضايات التي تهم المسلمين، واستعراض وسائل التوجيه والإرشادات وأساليبها، وتنظيم روابط للعلماء في المحافظات، وجعلها أجهزة قوية لها مفعولها ووجودها في كافة المجالات كما تمنت الجماعة على المفتي أن يعيد النظر في جميع المواد القانونية الخاصة بصلاحيات دوائر الأوقاف الإسلامية وتنظيماتها ومجالسها، تحقيقًا لمتطلبات الإصلاح الشامل المرتجاه.

ثانيًا: الجماعة الإسلامية والعمل الإعلامي

يكاد تاريخ العمل الإعلامي في الجماعة الإسلامية أن يكون مساويًا لعمر الجماعة الإسلامية نفسها، أو ربما سابقًا للتأسيس الرسمي للجماعة الإسلامية فإلى جانب تعرف الرعيل الأول من مؤسسي الجماعة على فكر الإخوان المسلمين عن طريق مجلة الدعوة ، ومجلة المسلمون ، ثم مجلة الشهاب السورية ، التي كانوا يوزعونها في طرابلس؛ كان للرعيل الأول تجربة إعلامية منذ أن كانوا طلابًا على مقاعد الدراسة، حيث أصدرت المجموعة الأولى مجلة أو نشرة «الثائر» سنة 1957 ، وكانت تلك النشرة تتميز بخطابها القوي في مواجهة المد الناصري والقومي وبعد ذلك، تولت المجموعة نفسها، إصدار مجلة المجتمع ومع أن ترخيص مجلة المجتمع كان باسم [جماعة عباد الرحمن] ، إلا أن المجلة ظلت من نتاج الرعيل الأول للجماعة الإسلامية حتى بعد الانفصال عن عباد الرحمن انطلقت مجلة المجتمع بترخيص كمجلة نصف شهرية من عباد الرحمن، وأخذت امتيازها سنة 1958. وكان يجري تحريرها وطبعها وتوزيعها في طرابلس. وكان من أبرز العاملين فيها فتحي يكن ، باعتباره مسئول الجماعة في ذلك الوقت، حيث كان يكتب افتتاحيتها بشكل دائم، ويشرف على المجلة، في حين تولي رئاسة تحريرها إبراهيم المصري ، وكان لمحمد علي ضناوي إسهامات بارزة فيها. كان إصدار المجلة متقطعًا، حيث كانت المجلة نقطة خلاف بين الجماعة وبين محمد عمر الداعوق وقد أوقفها فترة ثم أعاد إطلاقها بناء على طلب جهات إسلامية مختلفة في العالم العربي، منها جهات كانت تموّل جماعة عباد الرحمن ، حيث كانت أعدادها توزع في العالم العربي، وكان لها صدى طيب هناك. وقد انتقلت المجلة إلى بيروت سنة 1963 وتولى إبراهيم المصري رئاسة تحريرها، وكان العمل فيها طوعيًا صدرت مجلة المجتمع في بيروت لمدة عشرين شهرًا تقريبًا، قبل أن يعلم العاملون فيها أن أبو عمر الداعوق ألغى ترخيصها. وكانت مجلة المجتمع الوحيدة على مستوى العالم العربي التي تمثل التيار الإسلامي وتعبر عن وجهة نظر الإخوان كان نظام عبد الناصر يهاجم فكر الإخوان ، وكان يهاجم فكر سيد قطب ، وكان الإخوان يردون من خلال المجتمع، ومنهم الأستاذ عصام العطار ، الذي كان في بيروت في ذلك الوقت، ونشر عدة ردود ما كان يكتب عن سيد قطب. واستمر الأمر بهذه الصورة إلى أن اعتقلت مجموعة في بيت الشيخ زهير الشاويش ، واشتد ضغط الأمن اللبناني، الذي كان متعاونًا مع الأمن المصري وقد وردت معلومات أن جهة أمنية استدعت أبو عمر الداعوق ووضعته أمام مخاطر استمرار المجلة فوافق على إغلاقها، وكان ذلك سنة 1966. وبعد إيقاف مجلة المجتمع ، أخذت الجماعة الإسلامية ترخيصًا بإصدار مجلة الشهاب ، واستمرت الشهاب بالصدور حتى سنة 1975 ؛ حيث توقفت بسبب الحرب اللبنانية.

وإلى جانب مجلة الشهاب ، كان للرعيل الأول من مؤسسي الجماعة الإسلامية تجربة في العمل الإذاعي، حيث أطلقوا «إذاعة صوت لبنان الحر» إبان ثورة 1958. وكانت إذاعة صوت لبنان الحر معلمًا من معالم أحداث 1958 ، إذ استخدمها رشيد كرامي آنذاك لإذاعة بياناته وتوجيه أنصاره. واستمر علم الإذاعة ستة أشهر، من شهر نيسان / أبريل ، وحتى تشرين الأول / أكتوبر ، وكانت جهدًا إعلاميًا جادًا ومنوعًا، ولكنه لم يستمر طويلًا وكان من برامجها الأساسية: الأخبار، التعليق على الأخبار، جولة الميكرفون، ركن الجزائر ، ركن فلسطين ، ركن المرأة، ركن التمثيل. وحين قامت الولايات المتحدة بغزو السواحل اللبنانية، استحدثت الإذاعة ركنًا باللغة الإنجليزية موجهًا ضد الاحتلال الأمريكي. بقيت الإذاعة تعمل على فترتين صباحية ومسائية حتى 26/ 9/ 1958( )، حيث توقفت بعد ذلك، وتوقف معها العمل الإعلامي المسموع فترة طويلة، قبل أن تطلق الجماعة الإسلامية إذاعة «المجاهدون» إبان الحرب اللبنانية.

الشهاب: سجل تاريخي للحركة الإسلامية في العالم:

لم تكن مجلة الشهاب مجرد مجلة إسلامية عادية، بل يمكن أن يطلق عليها وصف السجل التاريخي الذي حمل في طياته أحوال العالم الإسلامي، وأخبار الحركة الإسلامية وفي العالم وإلى جانب ذلك، كانت الشهاب، المجلة الإسلامية الوحيدة الناطقة باسم الحركة الإسلامية في العالم، ولذلك أسهم في مقالاتها أسماء لامعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، إلى جانب الداعية فتحي يكن ، والشيخ فيصل مولوي ، وإبراهيم المصري ، دعاة كبار من أمثال الأستاذ أبو الأعلى المودودي ، والدكتور يوسف القرضاوي ، والأستاذ يوسف العظم ، والأستاذ عبد الله النفيسي ، والشيخ سفر الحوالي ، والأستاذ حافظ الشيخ وغيرهم كثير ولم تكن الشهاب مجرد مجلة تنقل أخبار العالم الإسلامي والحركة الإسلامية فقط، بل أسهمت بشكل كبير في تأصيل الوعي الحركي في عقول القراء ونفوسهم كما كانت ساحة حوار ومناقشات ساخنة لأهم القضايا، التي شغلت التفكير الإسلامي، وخاصة فكر الأستاذين حسن البنا ، وسيد قطب رحمهما الله. كانت الشهاب امتدادًا لمجلة المجتمع ، لكن امتيازها كان خاصًا بالجماعة، ولذلك استطاعت أن تستقل أكثر بنشر الفكر الذي تريده ، دون أن تضطر إلى مسايرة أو مراعاة أي طرف ورسمت الجماعة الإسلامية منذ انطلاقها سياسة المجلة، فاعتبرتها:

حاملة شعلة الإيمان، رافعة لواء الإسلام، تترصد الباطل وأهله، والشيطان وجنده، إذ تقف حامية لعرين الحق، تدرك ثقل المسئولية وضخامة العبء، وتدرك أن الطريق مزدحم بالشهداء ومخضب بالدماء، ولكنها وحدها طريق الله وسبيله، وكان حقًا على المؤمنين سلوكها والشهاب تستنفر أهل الإيمان، وجند الحق، وأصحاب العقيدة في كل مكان، لمشاركتها المسئولية الضخمة، ومواكبة المسيرة المقدسة نحو المجتمع الإسلامي الصحيح.

وبالتالي، كانت المجلة خادمة لفكرة الدعوة، ومنبرًا لأدبيات الحركة الإسلامية في العالم، ومرآة لما يحدث في العالم الإسلامي وكان مما تميزت به مجلة الشهاب أيضًا أنها قارعت بالكلمة الحركات الشيوعية والقومية والعلمانية، وجعلت نفسها شاهدًا على ما اعتبرته تهافت الحضارة الغربية، وفشلها في تحقيق الرفاة للبشرية، وتراجع دور الدين في أوربا كما وضعت الماسونية والفكر الصهيوني تحت المجهر وترصدت أخبار الحركات الشيوعية والعلمانية، وحاولت كشف عوراتها، حتى ورد ذكر الشهاب في إحدى نشرات الداخلية للحزب الشيوعي الإيطالي، على اعتبارها إحدى المجلات التي تعوق عمل الحزب الشيوعي وتترصد أخطاءه ونكساته، وبالتالي تسهم في إضعاف أدائه ومما جاء في نشرة الحزب الشيوعي الإيطالي:

تعاني الأحزاب الشيوعية في العالم العربي من تأخر ملحوظ، ولا تستطيع أن تنتشر بين أوساط الشعوب هناك، وهذا راجع إلى عنف المقاومة التي يعاني منها الرفاق من قبل الجماعات الإسلامية، وخاصة... جماعة الإخوان المسلمين... والتي تنتشر بشكل واسع بين أوساط المثقفين ورغم ما تعانيه هذه المنظمة «الإخوان المسملون» من ضعف وعدم تنسيق إلا أنها تبقى حجر عثرة في وجه الأحزاب الشيوعية العربية، وهناك العديد من المجلات الإسلامية التي تعادي الشيوعية، وتفرد على صفحاتها تحقيقات وتعليقات كثيرة، وتتقصى أخطاء وعيوب الشيوعية، ومن هذه المجلات مجلة الشهاب».

وبالإضافة إلى ذلك، أبقت المجلة القضايا الساخنة في العالم الإسلامي حية في ضمائر القراء، فنقلت أخبار الحركة الإسلامية في الهند وباكستان ، وتداعيات الأوضاع في كشمير في ذلك الحين كما ظلت القضية الفلسطينية قضية حية نابضة على صفحات المجلة، على الرغم من كل المضايقات التي كانت تتعرض لها من قبل الرقابة. فعلى سبيل المثال، ألغت الرقابة في وزارة الأنباء اللبنانية، وهي الرقابة الأخف في دول العالم العربي كلها، ما يقارب من خمس صفحات من أصل 16 صفحة كانت المجلة تتكون منها في العدد الذي تلا النكسة سنة 1967. وحينها صدرت المجلة وثلث صفحاتها فارغة إلا من كلمة «مراقبة»، وحتى المقالات التي نشرت اقتطعت الرقابة منها مقاطع كبيرة.

واللافت للنظر في مجلة الشهاب أن الأخبار اللبنانية لم تكن الأخبار ذات الأولوية، فكثيرًا ما ترى أعدادًا من المجلة يكاد يغيب عنها الوضع في لبنان ، اللهم إلا من خبر بسيط، أو تعليق أو زاوية صغيرة وهذا لأن المجلة لم يكن خطابها ولا توزيعها محليًا، فقد كان لها قراؤها الكثيرون في مختلف أرجاء العالم، ولم يكن طرحها سوى انعكاس لفكر الجماعة الإسلامية في لبنان ، التي لم تكن ترى نفسها سوى حلقة في عقد الحركة الإسلامية في العالم، وبالتالي، فإن الوضع الساخن في أي مكان من أماكن العالم الإسلامي؛ جدير بأن يكون الخبر الأساسي، وأن يحوز على الأهمية القصوى، في مقابل الخبر المحلي وكانت المجلة مصدر الأخبار المعتمد لدى الحركات الإسلامية في العاملين العربي والإسلامي؛ حيث كانت تصل إلى كل الأقطار العربية كما كانت توزع على الإخوان المغتربين في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، عبر الاشتراكات.

وقد تصدت المجلة بقوة لقضية الفلتان الأخلاقي، التي سادت العالم نتيجة تأثر الناس بالثقافة الغربية وبالفكر الشيوعي والفكر اللاديني وكانت المجلة تقيم المقارنات دائمًا بين الإسلام وغيره من النظم، وتؤكد في كل أدبياتها فشل هذه النظم وهي سياسة استمرت فيها المجلة منذ تأسيسها وحتى إقفالها سنة 1975. ففي افتتاحية العدد الأول، في 1/ 12/ 1966 ، كتب الداعية فتحي يكن تحت عنوان: «الإسلام والأصالة الأخلاقية» ما يلي:

إن نقطة الخلاف الرئيسية بين المنهج الإسلامي وبين سائر المناهج الحديثة أنه منهج أخلاقي، وأنها مناهج مادية غير أخلاقية، وبين هذه النقطة بالذات تنشأ سائر المضاعفات، وتتكاثر مختلف الأضرار بين طبيعة المنهج الإسلامي ووسائله وغاياته وبين طبائع سواه من المناهج والنظم البشرية. فالمنهج الإسلامي، حين أوضح الغاية التي جاء لتحقيقها كان واضحًا مع نفسه صريحًا مع طبيعتها الأخلاقية، وأخلاقية الإسلام ليست نظامًا خاصًا أو مجموعة تعاليم ومُثُل منفصلة عن أجزاء المنهج الإسلامي، كما قد يظن البعض... وإنما هي معطيات خيرة وروح كريمة متجسدة في كل جانب من جوانب هذا المنهج ومن هنا كانت أخلاقية الإسلام تعني إرساء القيم الإنسانية الرفيعة في كل ناحية من نواحي الحياة؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ومن المهم الإشارة أيضًا إلى أن مجلة الشهاب كانت منبرًا إعلاميًا لعلماء من خارج حركة الإخوان المسلمين ، مثل كبار العلماء والمشايخ في لبنان ، كالشيخ طه الولي ، الذي كان له إسهام إسبوعي في المجلة، وعلماء الشيعة من أمثال الإمام موسى الصدر ، الذي نشرت له محاضرات مشهورة، وخاصة في السنة الأولى لافتتاح المجلة، مثل محاضرته عن ليلة القدر.

ثالثًا: العمل الطلابي في السبعينيات: الاتجاه نحو القضايا المطلبية

في مطلع السبعينيات، إتجه العمل الطلابي في الجماعة الإسلامية نحو التخصصية، وأصبحت له قضايا مطلبية محددة، كما أصبحت له رابطة فرضت حضورها بقوة على ساحة العمل الطلابي. ففي بداية السبعينيات، تمّ تشكيل أول مجموعة طلابية تحت اسم رابطة المسلمين.

يقول محمد علي ضناوي إنه عندما تمّ تأسيس الرابطة كان ذلك في نطاق طرابلس والشمال، وأن الذي أسسها في البداية هو مجلس إدارة الجماعة في طرابلس، الذي يرأسه الضناوي. فقد دعا الضناوي بصفته المسئول الأول في طرابلس إلى اجتماع هيئة تأسيسية لطلاب الجماعة، حيث تم عقد أول مؤتمر للرابطة في مركز الجماعة بطرابلس؛ وتمّ إقرار نظام الرابطة وقال الضناوي: «ثم وزعنا الإخوان على عدة حلقات نقاشية؛ الطلاب الجامعيين، وكانوا قلة، والطلاب الثانويين، والتكميليين واتخذت الحلقات مجموعة توصيات منها بعد، وبفترة زمنية، بيروت ثم سائر المناطق».

وكان مسئول قسم الرابطة على صعيد طرابلس، أحمد خالد ، وكان المجلس مكونًا من ثلاثة عناصر، هم: سالم يكن ، وعبد الحميد عبد الحي ، ورياض يمق ، بالإضافة إلى مسئول المكتب أحمد خالد. وبدأ هذا المجلس يتبنى القضايا الطلابية، مثل تعديل المناهج، والقضايا الوطنية، مثل قضية التعطيل أثناء صلاة الجمعة؛ حيث أقيمت أول صلاة جمعة في اليونسكو سنة 1972 ، وخطب المصلين الشيخ مالك الشعار ، ونزل الوزير حينها، إدمون رزق ، بعد الصلاة، ووعد بمساعدة الطلاب، وصدر بعدها تعميم، بتعليق الدراسة في أثناء صلاة الجمعة. وبدأت من حينها فكرة إنشاء مصلى في كل جامعة، وجرت بعد ذلك محاولات لإقفالها، وحدثت مشاكل عديدة لهذا السبب، ولكن بشكل عام أعطت القضايا الطلابية زخمًا على مستوى العمل العام. وفي السبعينيات أيضًا تشكلت لجان لتعديل المناهج، خاصة في التاريخ والفلسفة؛ حيث كان هناك اعتراض على وجود بعض المواد كما شهدت تلك الفترة إضرابات وتوزيع مناشير، احتجاجًا على إرسال معلمات إلى مدارس الذكور وشهدت فترة السبعينيات أيضًا تصاعد العنف الجسدي في الصراعات داخل الثانويات؛ حيث ضُرِبَ رياض يمق ، من قبل الشيوعيين فأصيب أصابة بليغة، فانتصر له أهله، وحاصروا المدرسة، وكان معهم ثلاثون رشاشًا، وطُرد الطالب الشيوعي من المدرسة، ثم حدثت مصالحة بعد ذلك وكان الشيوعيون في ذلك الوقت يستثمرون الجو العام المشحون، وينشطون في عمل الإضرابات والاعتصامات في المدارس واستمر أحد الاعتصامات 40يومًا تعطلت فيها المدارس، وحينها لم تشارك الرابطة في هذا التوجه، وكانت تؤيد الاعتصامات الرمزية لمدة ساعة.ولكن على الرغم من التباين في وجهات النظر، يمكن القول بأن الرابطة أثبتت حضورها، حيث كانت الأجسام الطلابية تحرص على وجودها وإشراكها في التكتلات.

رابعًا: العمل النسائي

لم يتأسس علم نسائي جدي في الجماعة الإسلامية في لبنان قبل السبعينيات من القرن العشرين فقبل ذلك كانت تجارب العمل النسائي عبارة عن محاولات غير جدية، وهامشية، حيث تشكلت أول مجموعة في طرابلس بمبادرة فردية من بعض الأخوات غير المتزوجات، حيث أنشأت بعض الطالبات هذه المجموعة، ولكن عندما تزوجت كل أخت من أحد الإخوة توقف العمل!! وتوقف العمل النسائي فترة إلى حين تعرفت الأخت منى حداد على الجماعة في وقت ما خلال فترة الستينيات؛ فكان ذلك تأسيسًا لمرحلة جديدة للعمل النسائي ضمن الجماعة الإسلامية.

ويقول أحمد خالد بأنه في بداية الستينيات أنشيء قسم نسائي ضم منى حداد (زوجة فتحي يكن ، ورئيسة جامعة الجنان حاليًا)، ونجاح الناظر (زوجة الشيخ سعيد شعبانوأم بلال كبارة (زوجة محمد الدريعي) وكان معهن أخريات لا يذكر أسماءهن لكن هذه التجربة لم تنجح بسبب وقوع بعض الخلافات والمشادات، فصدر قرار من الجماعة بفض المجموعة، وإقفال القسم، وكانت هذه نقطة سلبية في تاريخ الجماعة.

ولكن بعد فترة، تحول عمل منى حداد إلى عمل وظيفي؛ فقد أنشأت الجماعة روضة للأطفال «جنة الأطفال في طرابلس»، وكانت منى حداد مديرتها، ثم بعد ذلك بيعت الروضة لها، لأن الجماعة لم تعد تريد أن تتحمل مسئولية هذه المدرسة ومشاكلها وتحولت القضية إلى علاقة معلمة مع مديرة وتقلص الأداء الدعوي على إثر ذلك شكلت منى حداد الرابطة النسائية اللبنانية، وهي جمعية مستقلة عن الجماعة، ما تزال تترأسها، وهي جمعية تقدم بعض الخدمات الخيرية ولديها مركز للمعوقين.

وظل الوضع على ما هو عليه، إلى أن بدأت مرحلة جديدة في بيروت، وهي المرحلة الجادة والمستمرة حتى الآن كانت البداية في أوائل السبعينيات من القرن العشرين؛ حيث تولى مازن فروخ رحمه الله أول حلقة نسائية، وكان مازن فروخ أستاذًا في الجامعة اللبنانية، فبدأ العمل النسائي بحلقة لبعض الطالبات وبعض الاخوات القريبات. وتطور العمل بعد ذلك بشكل جدي في الثمانينيات.

خامسًا: العمل التربوي

في سنة 1967 اتجهت الجماعة الإسلامية لتأسيس عمل تربوي منظم، فتقدمت بطلب رسمي لإنشاء جمعية التربية الإسلامية، إلا أنها لم تنتظر صدور ترخيص الجمعية الذي تأخر حتى سنة 1968، فأسست مدرسة الإيمان النموذجية سنة 1967 بترخيص باسم حسن الضناوي وفي سنة 1970 نقلت ملكية مدرسة الإيمان النموذجية إلى جمعية التربية الإسلامية، وتغير اسمها لتصبح مدرسة الإيمان الإسلامية وخلال تلك الفترة ارتأت الجماعة الإسلامية أن تكون رئاسة مجلس إدارة الجمعية لشخصية إسلامية غير حركية، لها مكانتها في الأوساط الإسلامية، فتولى عبد الله درويش رئاسة أول مجلس إدارة، تبعه بعد ذلك خير الدين النبهاني فيما تولى محمد رشيد ميقاتي إدارة مدرسة الإيمان منذ تأسيسها وحتى سنة 1974.

سادسًا: الدعوة في بلاد الاغتراب: ذبلت في السلطان يعقوب لتزهر في البرازيل

لم يكن اضطرار أفراد النواة الأولى للجماعة الإسلامية في البقاع، محمد سعيد صالح ، وأحمد علي الصيفي ، لمغادرة لبنان إلى البرازيل، تحت ضغط الظروف التي حدثت في ذلك الوقت، وإصرار أهلهم، شرًا كله؛ إذ استطاع الداعيان أن يرسيا دعائم عمل إسلامي وطيد في البرازيل، أسهم إسهامًا كبيرًا في نشر الدعوة وخدمة الجالية المسلمة هناك، لبنانية وغير لبنانية. كما أسهم في نشر الإسلام وخدمته من خلال رسم صورة مشرقة، ساعدت في اعتناق الكثير من البرازيليين للإسلام، وفي نشر الإسلام في بلدان أمريكا اللاتينية فقد كان قدومهما إلى البرازيل، بمثابة «فتح جديد» للعمل الدعوي في بلاد الاغتراب وصل محمد سعيد صالح وأحمد علي الصيفي إلى البرازيل سنة 1965 ، وحال المسلمين فيها كحال المسلمين في الوطن، وحظهم من تعلم الإسلام واللغة العربية كان قليلًا جدًا، وأكثرهم متفرقون في أرجاء البرازيل التي تبلغ مساحتها أكثر من 8.5 مليون كم2، وأكبر جالية فيها هي الجالية اللبنانية في العاصمة الأقتصادية للبرازيل، ساو باولو، وجلهم من البقاع الغربي ففي ساو باولو أسست أول جمعية إسلامية في الأمريكيتين (الجمعية الخيرية الإسلامية سنة 1929) وقد بنت هذه الجمعية أول مسجد في الأمريكيتين في وسط ساو باولو سنة 1956 ، وقد أوفدت الأوقاف المصرية أول مبعوث ديني إلى الأمريكيتين وهو الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل ، كان رجلًا عالمًا خطيبًا مفوهًا ومهابًا، ارتقى بالجالية الإسلامية في البرازيل، وبنى أول مدرسة إسلامية تعلم اللغة العربية والعلوم الشرعية، إلى جانب منهاج الدولة الرسمي.

كان الخلاف على أشده بين وجهاء الجالية والشيخ عبد الله عبد الشكور وعلى الرغم من أن الخلافات كانت سطحية وجانبية، وعلى أمور دنيوية لا علاقة لها بالدين، إلا أن تراكمها جعل وجهاء الجالية، ومن يدور في فكلهم يتركون المسجد وهو كل شيء في حياة المسلمين حينها قام محمد سعيد صالح وأحمد علي الصيفي ورفاقهم بمحاولة رأب الصدع وإعادة المبتعدين إلى المسجد، ونجحوا في ذلك عن طريق تأسيس أول عمل دعوي شبه منظم هو «شبيبة الندوة الإسلامية»، والتي جمعت المتدينين من شبان الجالية في درس منتظم في المسجد، يلقيه الشيخ عبد الله، ثم يقوم الشباب بنقل هذه الدروس إلى العائلات المسلمة في الأحياء البعيدة وهكذا وخلال سنة أقبل المسلمون على المسجد، وضاق بالمصلين، الأمر الذي حدا بالجمعية إلى شراء عقار ملاصق للمسجد، وإقامة مبنى جديد كمقر اجتماعي للمسلمين استقرت الدروس داخل الندوة وقد كان الشباب يدخلون على البيوت وفيها رجال منهمكون بلعب الورق بالعشرات، فيرفعون آذان العشاء فيبكي الجميع شوقًا لسماعه، ويقوم الجميع للوضوء وصلاة العشاء جماعة ثم يبدأ الدرس، وهكذا حتى قام أحدهم «من أين نزلتهم علينا، أحييتم قلوبنا، نتمنى عليكم تكرار الزيارات».

في سنة 1968 وصل إلى البرازيل جماعة التبليغ من الهند، ثم توالت الجماعات من بريطانيا وجنوب إفريقيا وباكستان والسعودية والخليج تجوب أنحاء البرازيل وجميع أقطار أمريكا الجنوبية، وكان التعاون مع هذه الجماعات، فخرج شبان الندوة معهم إلى أطراف البرازيل وأقطار أمريكا الجنوبية، حيث التجمعات العربية والإسلامية. وفي سنة 1970 صدرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة البرازيلية (البرتغالية)، ترجمها سمير الحايك من بلدة بر الياس في البقاع. وفي سنة 1971 عقد أول مؤتمر إسلامي في أمريكا استمر ثلاثة أيام، وحضرة وزير أوقاف جمهورية مصر العربية، الدكتور عبد العزيز كامل ، وسفراء الدول العربية والإسلامية في البرازيل، وكانت أول تظاهرة إسلامية جماعية في أمريكا، وقد كتبت الصحافة عنه مطولًا بعد هذه النهضة الإسلامية في ساو باولو، أقامت التجمعات الإسلامية جمعيات لها، وبنت المساجد، حتى بلغ عدد الجمعيات 38 جمعية ومؤسسة ومسجد، وتوالت البعثات الدينية من المملكة السعودية ومصر ولبنان.

هذا، وقد تأسست جمعية أبو الصديق في مدينة ساو برنادو دو كامبوا، التي تضم تجمعًا لبنانيًا كبيرًا، وأصبحت هذه الجمعية أنشط وأقوى جمعية في البرازيل وأمريكا اللاتينية، حيث بدأ صالح والصيفي ورفاقهم بعقد سلسلة مؤتمرات إسلامية منذ سنة 1980 ، ويستقدمون محاضرين من العالم العربي، وتحتشد فيها الطاقات الدعوية من كل أمريكا الجنوبية كموسم ثقافي إسلامي، تُعقَد جلساته الافتتاحية في مجلس نواب ولاية ساو باولو أحيانًا، وفي مركز بلدية ساو برناردوا أحيانًا أخرى. وتستمر أعمال المؤتمر لمدة أسبوع، يكتب عنه الإعلام منذ انعقاده. كما أقامت الجمعية المخيمات التثقيفية للشباب المسلم، وقد أصدرت جمعية أبو بكر الصديق مجلتين شهريتين هما؛ مكة والفجر، باللغتين العربية والبرازيلية، وقد أدت هذه الأنشطة إلى دخول شخصيات كثيرة في الإسلام، كما انتشر الزي الشرعي الإسلامي النسائي في التجمعات الإسلامية بشكل ملفت للنظر. وقد كان ذلك كله بقيادة وإشراف أحمد علي الصيفي ، رئيس جمعية أبو بكر الصديق ، منذ سنة 1980 ، حيث دفع بالجمعية والنشاط الإسلامي إلى مستوى شعبي واسع شاركت بعد ذلك جمعية أبو بكر الصديق في مؤتمرات إسلامية في المملكة السعودية مع رابطة العالم الإسلامي، وهيئة الإغاثة، والندوة العالمية للشباب الإسلامي كما ترجمت جمعية أبو بكر الصديق كتبًا إسلامية كثيرة إلى اللغة البرتغالية تلا ذلك تأسيس أول نواة منظمة للجماعة تشرف على الدعوة الإسلامية بقيادة فضيلة الشيخ علي العبدوني ؛ ابن قرية السلطان يعقوب، وخريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؛ حيث اجتمع الدعاة من كل البرازيل، وأسسوا رابطة العلماء المسلمين في البرازيل، واختاروا الشيخ علي ناطقًا رسميًا باسم المسلمين في البرازيل، ثم اعتمده سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية ممثلًا له في البرازيل، وقد أجمعت الجالية عليه للتحدث باسمها. وهناك تنظيم للجماعة الإسلامية في البرازيل ينشط في التعريف بالإسلام؛ وقد كان له نشاط بارز إبان أحداث أيلول / سبتمبر 2001 ، إذ شارك الشيخ علي العبدوني والشيخ جهاد حمادة يوميًا بلقاءات وندوات تلفزيونية وصحفية وإذاعية وفي الجامعات، حتى أنهما أصبحا عاجزين عن تلبية طلبات الوسائل الإعلامية بإجراء مقابلات معهما.

ويذكر أن أحمد علي الصيفي شخصي لرئيس جمهورية البرازيل لولا دي سيلفا، وقد أسهم في إيصاله إلى سدة رئاسة البرازيل وقد شارك مع مشايخ مسلمين في تنصيبه رئيسًا للجمهورية. وقد جاء معه مرافقًا شخصيًا ومترجمًا عندما زار لبنان وسورية سنة 2005، ودخل دمشق ضيفًا رئاسيًا على حكومتها بعد أن خرج منها مطرودًا سنة 1965. وكان من الطرائف أنه لما كان لرئيس البرازيل ورجال الأعمال المرافقين لقاء برجال الأعمال السوريين، وإذا بالأستاذ فاروق الطباع يرى أحمد علي الصيفي وقد كان تلميذه في مدرسة السعادة بدمشق؛ فاقترب منه ليتأكد من شخصه، حيث تغيرت معالمه، من ابن عشرين سنة إلى رجل أعمال ضخم الجثة، وقد اشتغل رأسه ولحيته شيبًا، فمنعه الأمن من التقدم نحوه، فنادي: صيفي، صيفي، فالتفت أحمد وعرف أستاذه الطباع فقام إليه معانقًا، وسأل الطباع مداعبًا تلميذه الصيفي عن سبب حضوره إلى دمشق «ولك يا صبي شو جابك لهون؟!»، وعرض عليه أي خدمة، فطلب الصيفي أن يأخذه إلى مدرس السعادة حيث كان يدرس عنده .

هوامش الفصل الرابع

1- حسن البنا ، مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (بيروت: المؤسسة الإسلامية للطباعة والصحافة والنشرة 2004)، ص 171.

2- «الأستاذ فتحي يكن يتحدث في مركز صيدا: الجماعة الإسلامية مبادئ وأهداف» مرجع سابق.

3- فتحي يكن ، «كيف نعمل للإسلام: عالمية الفكرة المواجهة» مجلة الشهاب ، العدد 8، 15 /9/ 1973 ، ص2.

4- فيصل مولوي ، «علاقتنا مع المجتمع الجاهلي» مجلة الشهاب ، العدد الأول، 1/ 12/ 1966 ، ص4.

5- فيصل مولوي ، «متى يكون الفرد مسلمًا ومتى يكون كافرًا» مجلة الشهاب ، العدد 2، 15/ 6/ 1973 ، ص4.

6- فيصل مولوي ، «متى يكون الفرد مسلمًا ومتى يكون كافرًا» مجلة الشهاب ، العدد الأول، 1/ 6/ 1973 ، ص5.

7- «البرنامج الانتخابي للأستاذ محمد علي ضناوي» مجلة الشهاب ، العدد 22، 1/3/ 1972 ، ص2.

8- «صدى ترشيح محمد علي ضناوي للانتخابات في طرابلس» مجلة الشهاب ، العدد الأول، أيار / مايو 1962 ، ص4.

9- إبراهيم المصري ، «حتى يكون العمل الإسلامي ناجحًا» مجلة الشهاب ، العدد 4، 15/ 6/ 1972 ، ص4.

10- فتحي يكن ، «الحركة الإسلامية وإرادة التغيير: تحقيق الواقع الإسلامي يعني نقض الواقع الجاهلي» مجلة الشهاب ، العدد 9، 1/ 9/ 1972 ، ص2.

11- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

12- المرجع نفسه.

13- المرجع نفسه.

14- المرجع نفسه.

15- «البرنامج الانتخابي للأستاذ محمد علي ضناوي» مرجع سابق.

16- المرجع نفسه.

17- المرجع نفسه.

18- المرجع نفسه.

19- المرجع نفسه.

20- مقابلة مع فتحي يكن ، 20/ 7/ 2005.

21- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

22- مقابلة مع محمد سعيد صالح ، 1/ 12/ 2007 ؛ وانظر أيضًا: مجلة الشهاب ، العدد 18، 1/ 2/ 1973.

23- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

24- مقابلة مع فيصل أنور مولوي ، 25/ 7/ 2005.

25- صدر البيان في طرابلس في 29/ 4/ 1971.

26- مذكرة صادرة عن الجماعة الإسلامية في 28/ 1/ 1966.

27- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 11/ 7/ 2005.

28- فتحي يكن ، الموسوعة الحركية، ص 248.

29- مقابلة مع إبراهيم المصري ، 19/ 11/ 2007.

30- مجلة الشهاب ، العدد الأول، 1/ 12/ 1966 ، ص1.

31- مجلة الشهاب ، العدد الأول، 1/ 11/ 1972 ، ص2.

32- مجلة الشهاب ، العدد 14، 1/ 7/ 1967.

33- فتحي يكن ، «الإسلام والأصالة الأخلاقية» مجلة الشهاب ، العدد الأول، 1/ 12/ 1966 ، ص2.

34- مقابلة مع محمد علي ضناوي ، 4/ 8/ 2005.

35- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

36- المرجع نفسه.

37- المرجع نفسه.

38- مقابلة مع فيصل أنور مولوي ، 25/ 7/ 2005.

39- مقابلة مع أحمد خالد ، 15/ 12/ 2007.

40- مقابلة مع محمد سعيد صالح ، 9/ 7/ 2005.

41- المرجع نفسه.

42- مقابلة مع محمد سعيد صالح 1/ 12/ 2007.

43- المرجع نفسه.

44- المرجع نفسه.

.

الخاتمة

اعتمدت الجماعة الإسلامية حين تأسيسها بشكل أساسي على العنصر الشبابي المتحمس، وعلى الرغم من أنه كانت تنقصه الخبرة، إلا أنه يمكن القول بأن الجماعة قدمت تجربة رائدة، بالنظر إلى الظروف المحلية التي ولدت فيها، والضغوطات الخارجية المختلفة.

ويسجل للجماعة الإسلامية في لبنان أنها استطاعت أن تؤسس لعمل إسلامي بمعناه الحركي الشامل. وعلى الرغم من حداثة تجربتها السياسية في ذلك الوقت، إلا أنها قدّمت برنامجًا سياسيًا وإصلاحيًا لافتًا إبان ترشيحها لمحمد علي ضناوي للانتخابات النيابية سنة 1972 ، داحضة بذلك، ما تتهم به الحركة الإسلامية دائمًا من أنه لا برامج إصلاح حقيقية لها كما قدمت الجماعة مشروعات إصلاحية بديلة، في معظم القضايا، مثل مشروع إلغاء الطائفية السياسية، ومشروع إصلاح أحوال الأوقاف والإفتاء، وغيرها.

ويسجل للجماعة الإسلامية أيضًا أداؤها الإعلامي المميز الذي تمثل في مجلتي المجتمع، والشهاب، الذي سيبقى علامة فارقة في تاريخ الإعلام الإسلامي غير أن الجماعة الإسلامية في لبنان ، كما كان حال الكثير من الحركات الإسلامية، لم تنجح في إيجاد عمل نسائي إسلامي جاد في فترة تأسيسها، واعترى تجربتها الأولى شوائب وخلافات داخلية، أدت إلى إيقاف العمل النسائي، بدل أن تقوم بدارسة التجربة وترشيدها؛ علمًا بأنه كانت هناك تجارب رائدة في العمل النسائي في تاريخ الإخوان المسلمين ، ومن أهمها التجربة المصرية.

وبشكل عام، يمكن القول إن ديناميكية الساحة اللبنانية، والسقف المرتفع نسبيًا للحريات، وتسارع الأحداث، وتشابك العوامل الداخلية والإقليمية، فرضت على الجماعة الإسلامية في لبنان ، أن تخوض حالة تفاعلية عالية باتجاه النضج الحركي، مكنتها من أن تكون عنصرًا فاعلًا في العمل الإسلامي، في الوقت الذي كانت الحركة الإسلامية تعاني من الملاحقة والتضييق والانحسار في البلدان العربية، كما قدمت من خلال الساحة اللبنانية بيئة حاضنة للمشروع الإسلامي ومنصة مدافعة عنه.

قائمة تعريفية بالشخصيات التي تم إجراء مقابلات شفوية معها

ولد في سنة 1949 ، وحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي من الجامعة العربية التحق بالجماعة الإسلامية في سنة 1964 ، وعمل مساعدًا لرئيس تحرير مجلة الشهاب.

ولد في سنة 1925 ، ودرس اللغة العربية والدين على عدد من كبار علماء بيروت، مثل الشيخ رشيد قباني ، والشيخ حسن دمشقية ، والشيخ سعدي ياسين وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في بيروت.

ولد في طرابلس سنة 1937 ، واشتغل في حقل التدريس في منطقة شمال لبنان وقد التحق بتيار الفكر الإسلامي الحركي في مدينة طرابلس سنة 1953 ، وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في لبنان أشرف على عدد من المجلات المدرسية خلال عقد الخمسينيات، وشارك في تحرير نشرة الثائر التابعة لجماعة عباد الرحمن، وتولى مهمة رئيس التحرير فيها خلال سنتي 1964- 1965. وكان رئيس تحرير مجلة الشهاب ما بين 1966- 1975 ؛ التي كانت أبرز وجه إعلامي للجماعة وحركة الإخوان المسلمين في العالم وهو رئيس تحرير مجلة الأمان التي تصدر منذ سنة 1979 ولغاية تاريخ إصدار هذا الكتاب (2009). وهو عضو المكتب الإداري المركزي للجماعة الإسلامية في لبنان منذ تاريخ تأسيسها ولغاية يومنا الحاضر ولقد تولى رئاسة المكتب السياسي المركزي للجماعة وهو الآن عضو فيه، ونائب للأمين العام للجماعة.

ولد في 25/ 12/ 1944 ، التحق منذ طفولته بتيار الفكر الإسلامي الحركي، من خلال الكشافة، وكان ذلك في سنة 1953 ، وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في طرابلس.

وقد تولى عدة مسئوليات قيادية في منطقة طرابلس والشمال، وشغل عدة مسئوليات مركزية في الجماعة وهو عضو المكتب الإداري المركزي للجماعة الإسلامية في لبنان حصل على درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية من الجامعة اللبنانية، واشتغل في حقل التعليم في مدارس الإيمان، وشغل موقع مدير مدرسة الإيمان الإسلامية في طرابلس منذ سنة 1974. واشتغل في موقع الإدارة العامة لمدارس الإيمان في الشمال منذ سنة 1983 ، أشرف على إعداد وافتتاح مستشفى دار الشفاء في طرابلس منذ سنة 2007 ، وهو يتولى حاليًا إدارة المستشفى.

ولد في 12/ 3/ 1956 ، وقد حصل على شهادة الليسانس في الحقوق من الجامعة اللبنانية كلية الحقوق فرع طرابلس انتسب إلى الجماعة الإسلامية في سنة 1974 ، وتولى عدة مسئوليات، منها: العمل الطلابي في مدينة طرابلس، والعمل السياسي في مدينة طرابلس، والعمل السياسي في منطقة شمال لبنان ، والمكتب الأداري في مدينة طرابلس انتخب نائبًا في البرلمان اللبناني (1992 - 1996). ولقد تولى رئاسة المكتب السياسي المركزي للجماعة، وهو الآن أحد أعضائه.

من مواليد بيروت سنة 1933 ، وتخرج من الجماعة الأمريكية سنة 1952 ، حيث حاز على بكالوريوس في الاقتصاد، ودرس في قسم الدارسات العليا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في لندن بين سنتي 19521954. كان نائبًا لرئيس جماعة عباد الرحمن وأشرف على إصدار مجلة فلسطيننا من 19541962 كان ضمن مؤسسي جامعة بيروت العربية، ويرأس حاليًا مجلس أمناء وقف البر والإحسان الذي يشرف على الجامعة وهو يرأس الوقف الإسلامي للتربية منذ تأسيسه حتى الآن ويتبع للوقف كلية الإمام الأوزاعي، وكلية إدارة الأعمال الإسلامية أشرف على إصدار التقرير الإسلامي عن لبنان ما بين 1979 و 1983 كان أول رئيس لـ «لقاء الكليات والمعاهد الجامعية الدينية في لبنان» والذي يضم 14 كلية ومعهدًا شارك باحثًا ومحاضرًا في العديد من المؤتمرات المحلية والعالمية، وله عدد من الدراسات والمحاضرات المنشورة.

ولد في 7/ 5/ 1934 ، وتلقى تعليمه في المراحل الابتدائية والتكميلية والمتوسطة في دمشق، وأكمل دراسته الجامعية في السعودية ، ولقد حصل على شهادة الليسانس في الدراسات الإسلامية من جامعة المدينة المنورة تولى الإمامة في المسجد العمري منذ سنة 1969 ، وذلك بتكليف مباشر من مفتي الجمهورية اللبنانية السابق الشيخ حسن خالد رحمه الله التحق بالجماعة الإسلامية في سنة 1973 ، وأسس الجماعة الإسلامية في صيدا، وتولى مسئوليتها طوال عقد السبعينيات.

ولد في 25/ 10/ 1940 ، وحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والمال العالمي في جامعة السوربون في باريس سنة 1986 ، له مؤلف باللغة الفرنسية حول البنك الإسلامي، وله عدة دراسات حول مشكلة الفقر ومعالجتها في الإسلام والسياسات الإدارية عمل أستاذًا في أزهر لبنان في مادة الاقتصاد الإسلامي ما بين 1984- 1986 ، وعمل أستاذًا في الجامعة اللبنانية في كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال ما بين 1986- 1999. وهو رئيس مجلس إدارة صندوق الأبرار التعاضدي، وسفير المنظمة البرلمانية الدولية للأمن والسلام منذ سنة 2001 ، ومركزها سيسليا في إيطاليا وهو عضو المنتدي العالمي للبرلمانيين الإسلاميين انتخب نائبًا في البرلمان اللبناني (1992- 1996)، وهو عضو رابطة البرلمانيين المدافعين عن القضية الفلسطينية وقد التحق بتيار الفكر الإسلامي الحركي منذ أواسط الخمسينيات، وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية في لبنان وبيروت تحديدًا وقد تولى عدة مواقع قيادية إدارية وسياسية في الجماعة.

ولد في حي الميدان في دمشق سنة 1925 ، لعائلة ميسورة كانت تتعاطى التجارة في عدد من الأقطار العربية تميز منذ شبابه بالجرأة والإقدام، فشارك في مقاومة فرنسا بالحجارة سنة 1937 ، وبالبارود والنار سنة 1945 ، وبعدها في فلسطين تحت راية زعيمين مجاهدين كبيرين هما الحاج أمين الحسيني والدكتور مصطفى السباعي من سنة 1946 إلى سنة 1949. قام بالمشاركة في الأعمال الخيرية والاجتماعية والسياسية مدة من الزمن، كما شارك في تأسيس التعليم الحديث في دولة قطر شارك في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس سنة 1953 ، ثم انتخب نائبًا عن دمشق سنة 1961 ، وخلال عمله في المنتدى النيابي نجح في منع الربا من قانون الإصلاح الزراعي وقد أسس «المكتب الإسلامي للطباعة والنشر»، وعمل في تحقيق كتب التراث؛ حيث حقق العشرات من الكتب بمفرده أو بمساعدة أهل العلم، ثم أشرف على طبعها وخلال خمسين عامًا جمع مكتبة يقال بأنها أكبر مكتبة شخصية في المنطقة.

ولد في سنة 1952 في صيدا، حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة جلاسفو اسكتلندا اشتغل في حقل التدريس في اللغة العربية والتربية الإسلامية في المدارس الحكومية والخاصة وهو مدرب مهارات تربوية ودعوية واجتماعية، ومؤلف في الفكر الإسلامي وعلوم القرآن أنشأ عدة مؤسسات، مثل: وقف الهيئة الإسلامية للرعاية في لبنان سنة 1985 ، ورابطة مسلمي لبنان في بريطانيا سنة 1987 ، وجمعية التنمية والنهوض الاجتماعي (أنتج) في لبنان سنة 2007 ، وجمعية الإغاثة اللبنانية (LR) في بريطانيا سنة 2008. التحق بالجماعة الإسلامية منذ سنة 1969 ، وهو من مؤسسي الجماعة في مدينة صيدا تولى عدة مسئوليات في الجماعة مثل: المسئول السياسي للجنوب، وعضو المكتب السياسي، وسكرتير الأمانة العامة، وعضو المكتب الإداري المركزي، وغيرها من المسئوليات.

ولد في طرابلس سنة 1937 درس في مدرسة طرابلس الرسمية والتحق سنة 1958 بكلية الهندسة في جامعة القاهرة ، حيث تخرج مهندسًا مدنيًا سنة 1964. التحق بالعمل الإسلامي أوائل 1953 في جماعة عباد الرحمن ، ثم أسس مع إخوانه الجماعة الإسلامية سنة 1964. شغل مسئوليات عدة في الجماعة، أهمها المسئول السياسي في لبنان حتى سنة 1988 ، ثم المسئول الاجتماعي حتى سنة 1992 ، وهو حاليًا عضو المكتب السياسي المركزي والمسئول السياسي لمنطقة الشمال.

من مواليد سنة 1946 ، درس المرحلة الابتدائية في مدينة صيدا، وتخرج من كلية دار المعلمين تابع دراسة الجامعية وحصل على إجازة في الفلسفة، وحصل على درجة الدكتوراه سنة 1980 شغل عدة مناصب في الجماعة أهمها عضوية المكتب السياسي، الذي يترأسه حاليًا.

من مواليد القلمون، لبنان ، في 17/ 11/ 1944. يحمل ليسانس في الحقوق انتمى إلى الجماعة الإسلامية سنة 1968 ، وتولى عدة مسئوليات فيها، منها رئاسة مجلس شورى الجماعة، وأمين سر المكتب العام، ومسئول المغتربين، والمسئول المالي، والمسئول التنظيمي لمدة عشرة سنوات، ومدير الحملة الانتخابية لمرشحي الجماعة الإسلامية في الشمال سنة 1992 ، ومسئوليات أخرى متفرقة.

ولد في سنة 1946 في بلدة مجد الكروم، في فلسطين خريج دار المعلمين التابعة لمركز سبلين للتدريب المهني في لبنان اشتغل في حقل التدريس في مدارس الأونروا. حصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي من جامعة بيروت العربية من مؤسسي العمل الإسلامي الحركي في مخيمات صور، التحق بالجامعة الإسلامية في بدايات السبعينيات، تولى مسئولية العمل التنظيمي للجماعة، خلال عقد السبعينيات، في مخيمات صور.

من مواليد طرابلس في 9/2/1933. حصل على دبلوم في الهندسة الكهربائية من كلية اللاسلكي المدني في بيروت، وعلى دكتوراه شرف في الدراسات الإسلامية واللغة العربية من جامعة الجنان في طرابلس . ارتبط في بداية حياته الدعوية بجماعة عباد الرحمن، ثم أسس فيما بعد مع مجموعة من إخوانه الجماعة الإسلامية، وتولى منصب الأمين العام للجماعة في الفترة 1964- 1992 ، حيث قدم استقالته من منصب الأمين العام للجماعة بعد نجاحه في الانتخابات النيابية ليتفرغ للعمل البرلماني (1992- 1996). لعب دورًا ملحوظًا في السياسة اللبنانية والإقليمية كما شارك في معظم المؤتمرات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، والتقى العديد من الرؤساء والملوك العرب توفي في 13/ 6/ 2009 له العديد من المؤلفات الفكرية الإسلامية هي: رسالة القومية العربية، مشكلات الدعوة والداعية، كيف ندعو إلى الإسلام، المتغيرات الدولية والدور الإسلامي المنشود، ماذا يعني انتمائي للإسلام، حركات ومذاهب في ميزان الإسلام، الاستيعاب في حياة الدعاة، الشباب والتغيير، القضية الفلسطينية من منظور إسلامي، نحو حركة إسلامية عالمية واحدة، المتساقطون على طريق الدعوة كيف ولماذا ، قوارب النجاة في حياة الدعاة، الموسوعة الحركية (جزءان)، البيروسترويكا من منظور إسلامي، نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر، منهجية الإمام الشهيد حسن البنا ومدارس الإخوان المسلمين ، المناهج الإسلامية التغييرية خلال القرن العشرين، فقه السياحة في الإسلام، الإنسان بين هداية الرحمن وغواية الشيطان، العولمة ومستقبل العالم الإسلامي، قطوف شائكة من حقل التجارب الإسلامية، احذروا الإيدز الحركي، الإسلام فكرة وحركة وانقلاب، حكم الإسلام في السحر ومشتقاته، تحديات القرن الحادي والعشرين في ضوء فقه الفطرة، أضواء على التجربة النيابية الإسلامية في لبنان (ثلاث أجزاء)، التربية الوقائية في الإسلام، نظرة في تطوير الحركة الإسلامية، العيادة الدعوية، العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر هجري، الإسلام والجنس، المسألة اللبنانية من منظور إسلامي، الخصائص الحركية في منهجية الإمام البنا ، البصمة الوراثية لحركة الإخوان المسلمين.

ولد سنة 1941 في طرابلس، لبنان هو الأمين العام للجماعة الإسلامية منذ سنة 1992 ، ورئيس بيت الدعوة والدعاة منذ تأسيسه سنة 1990 ، وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ترأس جمعية التربية الإسلامية في لبنان(1974- 1980).وعُيِّن قاضيًا شرعيًا في لبنان سنة 1968 ، وتنقل بين المحاكم الشرعية الابتدائية في راشيا وطرابلس وبيروت. كما عُيِّن مستشارًا في المحكمة الشرعية العليا في بيروت سنة 1988 وبقى في هذا المركز حتى استقالته سنة 1996 حائز على مرتبة (قاضي شرف برتبة مستشار) بموجب مرسوم جمهوري رقم 5537 تاريخ 23/ 5/ 2001. مؤهلاته العلمية؛ إجازة في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق / كلية الشريعة سنة 1968 ، ودبلوم الدراسات المعمقة من جامعة السوربون في باريس سنة 1984 أقام في أوربا خمس سنوات من 1980 حتى 1985 ، وكان العميد المؤسس للكلية الأوربية للدراسات الإسلامية في «شاتو شينون» في فرنسا منذ تأسيسها سنة 1990 اختارته الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض أثناء إقامته في فرنسا كأحسن داعية إسلامي في أوربا ومنحته جائزة تقديرية سنة 1985 له من المؤلفات: في التربية الإسلامية، في المال والمواريث، المرأة في الإسلام، الفكر الإسلامي.

ولد في سنة 1952. حصل على شهادة الليسانس في الصحافة والإعلام في القاهرة سنة 1970. من مؤسسي العمل الإسلامي الحركي في الوسط الفلسطيني في لبنان.

ولد في 25/ 9/ 1949 ، حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من الجماعة اليسوعية في سنة 1982. يعمل في حقل التعليم منذ سنة 1968. هو مدير ثانوية سير الضنية الرسمية، وإمام وخطيب مسجد بقرصونا منذ سنة 1964. يُعدّ من مؤسسي الجماعة الإسلامية في منطقتي الضنية وعكار، تولى سابقًا مسئولية المكتب الإدراي في منطقة الضنية.

مواليد بيروت سنة 1922 ، من أبرز مساعدي محمد عمر الداعوق ، والأمين العام الحالي لجماعة عباد الرحمن.

ولد في بلدة صفورية سنة 1938 في فلسطين اشترك في الفعاليات الدعوية التعبوية التي كانت تنظمها جماعة عباد الرحمن في المخيمات الفلسطينية، والتحق بالمجموعات الدعوية التي بدأت تتشكل حول فكر الإخوان المسلمين الذي حمله الشيخ فضل عباس معه إلى مخيمات لبنان كما انضم إلى حركة فتح ، على الخلفية الدينية، وكان أحد أعضاء المكتب التنظيمي الأول الذي شكلته فتح في منطقة صيدا التحق بالجماعة الإسلامية في لبنان منذ بداية عمل الشيخ فيصل مولوي في مدينة صيدا في سنة 1965 ، لنشر الدعوة على أسس فكر الإخوان ، وانتسب في تنظيم الجماعة، وشارك في مكاتبها التنظيمية يعد من مؤسسي العمل الإسلامي في الوسط الفلسطيني في لبنان ، وهو من كبار قيادات الجماعة الإسلامية في مخيمات لبنان حصل على شهادة في الحقوق من الجامعة اللبنانية، واشتغل في حقل التدريس، وتميز عطاؤه في مجال الفكر والتربية. وبعد صراع طويل مع مرض عضال وافته المنية في 25/ 12/ 2002.

ولد في سنة 1940 في طرابلس محام منذ سنة 1965 ، حصل على الدكتوراه في سنة 1981. هو من مؤسسي عدد من الجمعيات الإسلامية التربوية والصحية والاجتماعية المهتمة بالشأن العام في لبنان ، وترشح لعضوية البرلمان اللبناني سنة 1972 له أكثر من 32 مؤلفًا في تفسير القرآن، والعائلة، والقانون، والتاريخ، ودراسات سياسية وإسلامية في حقوق مختلفة، وقصص إسلامي. شارك في تأسيس الجماعة الإسلامية وتقلب بها في مسئوليات عديدة منها؛ مسئول الطلاب، ثم مسئول قسم الأسر في الجماعة، ثم رئيس مجلس شورى الجماعة وهو عضو في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة في القاهرة ، وعضو في اللجنة العالمية الإسلامية لحقوق الإنسان، وعضو في المنظمة العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعضو في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى حتى سنة 1974 ، وكان مستشارًا لسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية. أسس وترأس التجمع الإسلامي الشمالي في لبنان سنة 1973 وحتى سنة 1976 ، وترأس جمعية الإنقاذ الإسلامية اللبنانية منذ سنة 1981 وفي الحرب اللبنانية 1975- 1976 ، أدار إذاعة «المجاهدون» وشارك بإصدار جريدة المجاهد» ضمن أنشطة الجماعة الإسلامية يومئذ كما أسس ضمن الجمعية مجموعة مؤسسات خيرية وصحية وثقافية ثم أعلنها أوقافًا مستقلة، كان أبرزها: بيت الزكاة والخيرات لبنان ، والوقف الإسلامي للعمل الاجتماعي لإصلاح ذات البين ولدفن موتى المسلمين، واتحاد المؤسسات الإسلامية لبنان.

ولد في سنة 1950 حصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي، ثم ليسانس في الشريعة الإسلامية يعمل في حقل التدريس في مادة التربية الإسلامية في مدارس المقاصد الإسلامية في صيدا التحق بالجماعة الإسلامية سنة 1971 ، وتولى رئاسة مكتب مدينة صيدا، ورئاسة مجلس محافظة الجنوب، وله مسئوليات تنظيمية متعددة في مختلف المواقع القيادية للجماعة الإسلامية في لبنان.

ولد في سنة 1951 ، حصل على شهادة الليسانس في الحقوق من الجامعة اللبنانية. إمام وخطيب مسجد منذ سنة 1975 ، ومدرس مادة السيرة النبوية وفقهها في المعهد الشرعي في مدينة صيدا ما بين 1986- 1990. يشتغل في حقل المحاماة.

ملحق الوثائق

وثيقة رقم 1:بيان الجماعة الإسلامية حول الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق

بسم الله الرحمن الرحيم

بوركت وحدة العرب

[تشرين الأول / أكتوبر 1964

الجماهير العربية المؤمنة تعيش في كل مكان فرحة العمر بعد أن تحققت إرادة الله في إعلان الوحدة بين مصر وسوريا والعراق..فبعثت في القلوب نور أمل كبير باسم كاد يطفئه ظلام التجزئة والانفصال.. لم تكن الوحدة يومًا شعار أفراد ومطالب جماعات بقدر ما كانت عقيدة خالصة تحيا في كل الضمائر وتعيش في كل القلوب، وتعانق كل القيم الخالدة، والمثل العليا، والمبادئ الإنسانية الرفيعة.. الوحدة فرع قوي مثمر في شجرة العقيدة التي غرستها يد الله في جوهر هذه الأمة العظيمة، فامتدت إلى نفوس أبنائها تهذبها وتصلقها، وتجعل منها مرآة صافية تنعكس عليها كل الفضائل، وتشع من صفحاتها انوار الخلق الاصيل..

أن في حياة الأمم فرصًا وايامًا تاريخية يستطيع فيها الشعب أن يقفز إلى أهدافه قفزًا.. وأن يحقق في ساعة مالا يتحقق له في قرون.. ونحن اليوم في هذه الأيام التاريخية والظروف النفسية والسياسية الملائمة مدعوون للاستفادة مما يجري حولنا إلى أبعد الحدود.

أن رسالة وطننا لبنان جزء من الآمال العربية في الحق والوحدة والحرية، وكل خطوة نحوها تعبير عن إرادته، وتحقيق لمصلحته، واقتراب به من أهدافه، وتمكين له من تحقيق رسالته..

اننا كلبنانيين حين نهيب بوطننا – لبنان – أن يخرج عن عزلته وينفتح لاخوانه العرب فلاننا حريصون على بقائه ووجوده.. مقدرون كل التقدير لما سيضطلع به من دور طليعي في نهضة الأمة ووحدتها وحريتها.. ولا نخال لبنان منكمشًا على نفسه منطويًا على ذاته أمام هذا المد الوحدوي الكبير.

وفي غمرة الاندفاع الرائع نحو تحقيق الهدف الكبير، لا بد من أدراك سر عميق قد يغفل عنه الكثيرون في فرحة الانتصار اليوم.. ولكنهم لن يستطيعوا أن يهملوه أو يتجاهلوه إلى الأبد هو وحده حصن البقاء لهذه الأمة التي تبني وحدتها وحريتها وعزتها بدماء شهدائها.

أنه الإيمان الذي تفجر قبل أربعة عشر قرنًا في قلوب العرب برسالة الأسلام فهز الكون وصنع المعجزات. وتأكيدًا لهذا المعنى نص البيان المشترك للوحدة العربية على (أن الدين مقوم أساسي من المقومات التي يبني عليها المجتمع العربي حياته ومستقبله جنبًا إلى جنب مع كل المقومات المادية الأخرى التي يحرص عليها الدين ولا يعارضها).

هذه المبادئ... بجذوتها المتقدة هي التي حققت لهذه الأمة وحدتها، وحددت لها رسالتها، وخططت لها حياتها، وجعلتها تنعم بظلال الحرية، وتنشر في الدنيا مبادئ الحق والخير والسلام.

وهذه المبادئ... كفيلة بأن تحقق للأمة في معارك كفاحها كل ما تصبو إليه من وحدة شاملة وحرية كاملة وعدالة اجتماعية خالدة.

فالي الأمام أيتها الجماهير المؤمنة في طريق الحق والوحدة والحرية.

الجماعة الإسلامية

لبنان

وقد أرسلت الجماعة البرقيات التالية:

  • سيادة الفريق لؤي الاتاسي رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة – دمشق.
  • قيام الجمهورية العربية المتحدة بأقطارها الثلاثة خطوة مباركة نحو الوحدة الكبرى. نؤيدكم ونضع امكانياتنا في سبيل الحق والوحدة والحرية.
أمين الجماعة الإسلامية فتحي يكن

وثيقة رقم 2: بيان الجماعة الإسلامية حول الانتخابات النيابية في لبنان

2بسم الله الرحمن الرحيم

بيان الجماعة الإسلامية بمناسبة الانتخابات النيابية في لبنان

نيسان/ أبريل 1964

انطلاقا من الفترة الانتقالية التي تقف بلبنان عند عتبة مرحلة من مراحل التمثيل النيابي.. ومن أجل غد أفضل يتحقق فيه للبنان بناء حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أساس التعاون المشترك والثقة المتبادلة بين جميع المواطنين.. وإرساء لقواعد الوحدة الوطنية كما يوفر المزيد من فرص والارتقاء لشتي مرافق الحياة اللبنانية.

تري الجماعة الإسلامية من واجب النصح والتذكير أن تتقدم إلى المواطنين، ناخبين ومرشحين، بهذا البيان الذي تضمنه خلاصة آرائها ومقترحاتها فيما يعود على هذا الوطن بالخير والبركة، وعلى أبنائه باليمن والرفاء.. ليكون رسالة كل مرشح، وأمانة في أعناق الفائزين منهم إلى المجلس النيابي الجديد.

أننا لا نغالي إذا قلنا أن لبنان بات يعاني كثيرًا من المشكلات، وهو بذلك بحاجة إلى المزيد من كفايات التوجيه والتخطيط، وفعاليات البناء والتنفيذ. والتمثيل النيابي الحر هو الفرصة السانحة في حياة الشعب التي يمارس فيها حقه الطبيعي في انتقاء رواد غده وقادة مستقبله.

لذلك.. فإن الجماعة الإسلامية بعد أن استعرضت وضع لبنان ومشكلاته الأساسية تجد من واجبها أن تجعل في صدر مقترحاتها التوصيات التالية فيما يتعلق بالوعي الانتخابي وسلامة التمثيل.

أولًا: أن يكون الترشيح على أساس المبادئ والمثل غير متأثر بالوضاع المادية والعائلة والعشائرية، وأن يكون المرشح على جانب محترم من صفات الخلق والدين والعلم والتجربة تتناسب مع ما ينتظره من مهمات ومسئوليات.

ثانيًا: أن ترتفع المزاحمة الانتخابية بين المرشحين فوق مستوى المنازعات الشخصية والمنافسات الحزبية الرخيصة التي من شأنها تدمير القوى والطاقات، وخلق الفوضى والقلق، وزرع الاحقاد والخصومات بين المواطنين.

ثالثًا: اعتبار عملية الاقتراع شهادة مقدسة يجب أن لا تتأثر باي لون من ألوان المساومة والنفعية.

المقترحات :

وانسياقا مع واجب التعاون وأمانة التذكير، تضع الجماعة الإسلامية المقترحات التالية بين يدي المعركة الانتخابية مساهمة في التحضير لأعمال ومشاريع الندوة النيابية القادمة، والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

في الحقل التوجيهي :

أن الاستعمار الجائر في حياتنا النفسية والفكرية والاجتماعية، وأن إخطار دعوات الالحاد والمادية في مختلف أشكالها، كل ذلك حري أن ينبه أهل الرأي والتوجيه والسياسة في لبنان إلى أن المعتقدات الإسلامية والمسيحية مهددة بالخطر.. وأن الحرب النفسية الفكرية لا يقوم لها إلا تسليح نفسي وفكري يدفع الرأي بالرأي، والكفر بالإيمان والميوعة بالخلق الفاضل الكريم.

وأن اللبنانيين شعبًا ونوابًا وحكومة، مطالبون بأن يجعلوا هذا الأساس الكريم خطًا رئيسيًا في سياستهم العامة، وفي برامج التربية والتعليم، وفي كل مرفق من مرافق التوجيه والإعلام.

ولذلك فإن الجماعة الإسلامية تقترح وتطالب النواب والمسئولين جميعًا بأن يجعلوا رعاية هذه المعاني من صلب سياستهم التشريعية حتى يسدوا هذه الثغرة الخطيرة في هذه المرحلة الدقيقة من حياة لبنان واللبنانيين. وهي لذلك تقترح:

1- تعزيز وزارة الإرشاد والأنباء والإنباء باجهزة فعالة يكون هدفها:

  • مراقبة الأفلام والمطبوعات.
  • القيام بالتوعية التربوية والثقافية والعقائدية.
  • إنشاء مكتبات عامة في المدن الرئيسية.
  • الإشراف على برامج الإذاعة والتلفزيون والصحافة.

2- مكافحة الدعوات الآتية:

  • الدعوة إلى الإلحاد والتشكيك بالاديان وانتقاض الكتب السماوية.
  • الدعوة إلى النعرات الطائفية.
  • الدعوة إلى الإباحية الخلقية والتهتك الفجور.

3- إلغاء قانون إباحة الدعارة وتعاطي وبيع المشروبات الروحية.

4- مكافحة البيوت السرية والستيريوهات، وفرض رقابة على البلاجات والأماكن العامة.

5- تقوية أجهزة التفتيش المركزي والقضائي لتخليص الدوائر من الرشوة والمحسوبية والإهمال.

في الحقل التعليمي :

1- أن برامج التعليم مسئولة إلى حد بعيد عن الانحراف الخلقي والعقائدي.. لذلك نطالب بوضع مناهج تربوية وتعليمية جديدة وتعميمها على كافة المدارس القائمة فوق أرض لبنان.

2- يجب أن تراعي طبيعة المرأة ورسالتها في مناهج التعليم، وأن تستهدف مدارس الأناث تخريج أمهات فاضلات يسهرن على تربية الجيل وتقويم أخلاقه.

3- الفصل في كل مراحل التعليم بين الجنسين تجنبا للكوارث الأخلاقية المدمرة.

4- لبننة المعاهد الأجنبية والتخلص من نفوذها وأخطارها.

5- الاهتمام بالمعلم من حيث: حمايته من جشع واستغلال المدارس الخاصة., رفع مستواه الاقتصادي والتربوي والثقافي.

6- إنشاء المزيد من المدارس النموذجية والمهنية في مختلف المناطق اللبنانية.

7- جعل التعليم الديني إلزاميا في جميع المدارس والمعاهد، وفي مختلف المراحل.

8- تحقيق اللامركزية في الامتحانات الرسمية الشفوية توفيرًا على الطلاب والطالبات من مشقة وتكاليف الانتقال إلى العاصمة.

9- توسيع الجزء المخصص للمنح التعليمية في ميزانية وزارة التربية حتى يشمل أكبر عدد ممكن من الطلاب المحتاجين.

10- تأميم الكتب المدرسية وتخفيض الرسوم.

11- توسيع الجامعة اللبنانية لتشمل كافة الفروع العلمية والأدبية والتجارية ضمانًا لاستيعاب الشباب اللبناني وصرفه عن مغادرة لبنان إلى الخارج.

في الحقل الاقتصادي :

1- تحقيق العدالة الاجتماعية في مختلف القطاعات الاقتصادية، ورسم سياسة إنشائية لكافة المناطق دون تمييز.

2- السير بسرعة في إنجاز المشاريع العمرانية والاقتصادية.

3- الحد من استهلاك الكماليات التي تفتت الثروة اللبنانية، وتشجيع الصناعات الوطنية.

4- اخضاع الثروات العامة إلى قانون يصون مصلحة لبنان ولا يجوز أن يمنح استثمارها لأي شركة أجنبية.

5- مكافحة الربا والقمار والاحتكار، وكل ما يؤدي إلى تضخم الثروات عن غير طريق الجهد الشخصي والعمل المشروع.

6- تأميم المواد الضرورية والعلاجات الطبية وبيعها للمواطنين بأسعار معقولة بواسطة بطاقة عائلية. 7- مكافحة الغلاء وتخفيض أسعار المحروقات والنقليات.

في الحقل العمالي :

1- تيسير وسائل العمل لكل عامل والإسراع بتطبيق قانون الضمان الاجتماعي.

2- إنشاء مكاتب للعمال تكون من أهدافها تسجيل أسماء العاطلين وتهيئة أعمال مناسبة لهم في مختلف الدوائر والشركات والمؤسسات.

3- إنشاء مساكن شعبية كافية وبيعها للعمال بالتقسيط.

4- تأمين التعليم والتطبيب المجانيين للعمال.

5- تأمين الراحة الأسبوعية والسنوية الكافية.

في الحقل الزراعي والصناعي :

1- تحقيق الإصلاح الزراعي بتصفية بقايا الإقطاع وتأمين الماء والكهرباء لكافة المناطق اللبنانية.

2- العمل على تطوير القرية اللبنانية وتسهيل ربطها بالمدينة بما يتيح إنشاء المشاريع الزراعية والصناعية فيها.

3- إنشاء مؤسسات صناعية وزراعية لرفع مستوى الانتاج والقضاء على البطالة.

4- متابعة الفلاحين والمزارعين بالتوجيه الزراعي والصحي، وأمدادهم بالمستحضرات والأدوية الزراعية.

5- رصد قروض كافية الاستمرار تنمية وتشجيع المؤسسات الزراعية والصناعية.

في الحقل السياسي :

1- اعتماد التجاوب الكامل بين سياسة لبنان والسياسة العربية.

2- اتباع سياسة الحياد الحقيقي بين المعسكرات، ومقاومة الاحلاف والتكتلات والمواثيق العسكرية الاستعمارية.

3- مكافحة الجاسوسية وفرض رقابة شديدة على الأجانب.

4- فتح الأسواق الخارجية أمام منتجاتنا وخاصة مع الدول الأفريقية المستقلة حديثًا.

مشكلة الطائفية :

وختامًا لهذا البيان نود أن نشير إلى أن مشكلة الطائفية في لبنان مشكلة جد خطيرة، وزوال هذه المشكلة مرهون بزوال تجارها والمنتفعين بها. وأننا نؤمن كل الإيمان بأن وسائل الأعلام وبرامج التعليم، وسلامة التوجيه الديني الإسلامي والمسيحي، يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في محو الطائفية من لبنان ، وإحلال أواصر التلاقي والتعاون بين المواطنين.

والجماعة الإسلامية إذ تتقدم بهذه المقترحات للمواطنين عامة والمرشحين خاصة، تطالب الجميع بأن يجعلوها مرتكز البناء قاعدة الانطلاق لحياة مثلي، وتعلن أنها ستعمل بكل ما تستطيع من قوة لوضع هذه المقترحات موضع التنفيذ، معتمدة على مساندة الشعب ومؤازرة المخلصين ومستمدة العون من الله.

والله الموفق إلى سوء السبيل

بيروت في 20 ذي القعدة 1383 الموافق 2 نيسان 1964

الجماعة الإسلامية

لبنان

وثيقة رقم 3:مذكرة الجماعة الإسلامية في لبنان إلى سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية

بسم الله الرحمن الرحيم

مذكرة الجماعة الإسلامية إلى سماحة المفتي حسن خالد بمناسبة اختياره مفتيًتا للجمهورية اللبنانية

28 كانون الأول/ ديسمبر 1966

لا يسع الجماعة الإسلامية وقد أجمعت كلمة المسلمين على اختيار سماحة الشيخ حسن خالد لمنصب الإفتاء في لبنان إلا أن تحيي في المسلمين هذه البادرة الكريمة. معتبرة هذا الإجماع بداية لطريق العمل المثمر البناء.

ولهذا فإن الجماعة اسهاما منها في الإصلاح تضع كافة امكانياتها المادية والمعنوية في خدمة المصلحة الإسلامية.. وتري من واجبها أن تتقدم في هذه المناسبة بما لديها من مقترحات وأراء متمنية للمفتي الجديد التوفيق والسداد لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

أولاً: مقترحات الإفتاء:

1- تري الجماعة الإسلامية أن من أهم ما ينبغي تحقيقه استقلال الوظائف والمناصب الدينية الإسلامية عن الملاك الرسمي استقلالا تما، وخاصة سلكي الإفتاء والقضاء..

2- أن يتمتع مفتي الجمهورية- فعليا- بكل ما يتمتع به رؤساء الطوائف الأخرى من حقوق وامتيازات وحصانات عميلا بمضمون المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي رقم (18). وذلك بتقييد حق الترشح لمنصب الإفتاء بشروط علمية وخلقية وشخصية تتناسب وثقل المسئولية المترتبة على عاتق المفتين (تعديل المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 18).

3- تعزيز منصب الإفتاء بأجهزة علمية وإعلامية تمكن المفتي من القيام بمهامه الشرعية والإدارية على اتم وجه، بما في ذلك الاستفادة من أمناء ومدرسي الفتوى في كافة المحافظات اللبنانية.

4- أنشاء مجلس للإفتاء من ذوي الاختصاصات الشرعية العالية والضمانات الأخلاقية للقيام بما تطلبه المصلحة الإسلامية من نشاطات فكرية وتوجيهية في مجالي التخطيط والتنفيذ.

5- تحقيق وتنسيق التعاون بين المفتين في المناطق اللبنانية وبين مفتي الجمهورية بما يضمن وحدة الصف والهدف. تنفيذا للمادة (28) من المرسوم الاشتراعي رقم 18.

6- تعديل المادة السابعة من المرسوم المذكور بحيث يضاف إلى أسباب إعفاء المفتي من منصبه فقدان الأهليات التي نصت عليها المادة الخامسة المقترح تعديلها انفا..

7- التأكيد على ضرورة ممارسة مفتي الجمهورية لجميع الصلاحيات المعطاة له بموجب القانون وخاصة فيما يتعلق برئاسة المجلس الشرعي والتي نصت عليها المادة الأربعون بما يلي (رئيس المجلس هو مفتي الجمهورية. أما نائب الرئيس فينتخبه المجلس من بين أعضائه بالاقتراع السري وباكثرية الأصوات).

8- تعديل المادة الثامنة من المرسوم الاشتراعي (18) الخاصة بمجلس الانتخاب الإسلامي، بحيث يضاف إلى الهيئات التي لها حق الاشتراك في انتخاب المفتي كل الجمعيات والمؤسسات الإسلامية المصرح بها رسميًا وحملة الشهادات الشرعية الجامعية.

9- تعديل المادة (42) من المرسوم المذكور الخاصة بتأليف المجلس الإسلامي الأعلى وذلك بمنح الجمعيات الإسلامية حق العضوية الدائمة في هذا المجلس..

10- وضع ميزانية خاصة تكفي لتغطية نفقات منصب الإفتاء والأجهزة التابعة له.

11- إنشاء صندوق خاص للزكاة تجبي إليه زكاة أموال المسلمين لتوزع على أهل الحاجة بشكل مدروس ووفق احصائيات وبيانات وأرقام..

12- أن يقوم مفتي الجمهورية بجولات منظمة ودائمة لكافة المناطق اللبنانية لتفقد الأوضاع الإسلامية فيها.. والطلب من المفتين المحليين تقديم تقارير دورية مفصلة تتناول شئون الطائفة ومشكلاتها وحاجاتها المختلفة ليصار إلى دراستها في المجالس المختصة واتخاذ اللازم بشأنها.

13- أن يقوم مفتي الجمهورية بمعاونة المجلس الشرعي الأعلى واستشارة كافة الهيئات والشخصيات الإسلامية في لبنان بتعديل ما تقتضي مصلحة المسلمين تعديله من المرسوم الاشتراعي رقم (18) استنادا للقانون الصادر بتاريخ 28 إيار 1956 والذي ينص على ما يلي:

(يحق للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى أن يعيد النظر في جميع أحكام المرسوم الاشتراعي المذكورة وأن يعدل ما يراه ضروريًا منها لتحقيق الغاية الأساسية منه. وتكون قراراته في هذا الصدد وفي كل ما يتعلق بالإفتاء وتنظيم شئون الطائفة الدينية وإدارة أوقافها نافذة بذاتها على أن لا تتعارض مع أحكام القوانين المتعلقة بالانتظام العام).

ثانيًا: مقترحات لتنظيم سلك العلماء:

والجماعة الإسلامية كذلك تتمني على سماحة مفتي الجمهورية أن يحقق في مطلع عهده الإصلاحي كل ما من شأنه تطوير سلك العلماء ورفع مستواه العلمي والمعنوي والمادي.. آملة من سماحته ملاحظة المقترحات التالية بهذا الخصوص.

أ- في تنظيم الانتساب لسلك العلماء:

1- ينبغي الاشتراط على كل من يود الانتساب لسلك العلماء ما يلي:

أ- أن يكون ذا ثقافة إسلامية وعامة كافية لقيامه بواجباته التوجيهية والتعليمية على أكمل وجه.

ب- أن يكون معروفا بالاستقامة والورع والبعد عن المحرمات. مطبقا لأحكام الإسلامي على نفسه وأهله، حتى تتحقق فيه القدوة الحسنة بين الناس.

ج- أن يخضع لامتحان علمي وعملي تجربه لجنة مختصة.

2- تشجيع التخصص الشرعي في العاصمة والمحافظات، وذلك بتطوير الكلية الشرعية في بيروت، وتدعيم القسم الشرعي في دار التربية والتعليم بطرابلس. وبإنشاء قسم شرعي في صيدا.. ثم بتخصيص منح للدراسة الشرعية العالية.

ب- بعث النشاط الإسلامي وتنظيمه:

بحيث يحتل العلماء مكانهم الذي بوأهم إياه الإسلام حين سماهم «ورثة الأنبياء» فهم رواد الأمة وطليعة ركبها والقدوة الصالحة فيها. وهذا لا يمكن أن يتأتى ألا بالوعي الكامل والنشاط الدائب والتوجيه الحكيم المستمر.. ثم بإعطاء هذه المسئولية حقها من النفس والجهد والتفكير. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء».

وهذا يقتضي:

1- أن يقوم مفتي الجمهورية بتنظيم مؤتمرات دورية للعلماء تناقش فيها كافة الأوضاع والمشكلات والقضايا التي تهم المسلمين وتستعرض انجح أساليب التوجيه والإرشاد. وملاحظة الموضوعات التي ينبغي معالجتها في خطب الجمعة والمحاضرات والأحاديث.

2- أن يقوم مفتي الجمهورية بإنشاء وتنظيم روابط للعلماء في المحافظات وجعلها أجهزة قوية لها مفعولها ووجودها في كل المجالات.. وبالتالي تحضير روابط العلماء وأعدادها لمجابهة كل مظاهر الانحراف العقائدي والاجتماعي والأخلاقي.

3- تنظيم خطب الجمعة بحيث تصبح مؤتمرات إسلامية مشوقة تستعرض فيها قضايا الساعة ويلامس فيها الإسلام حياة الناس.

4- تنظيم برامج فكرية وتوجيهية يقدمها العلماء بصورة مستمرة وتختار لها أهم الموضوعات واشدها مساسا بمشكلات الناس.

5- الاهتمام الواعي بالتدريس الديني في المدارس الرسمية والخاصة لذلك:

أ- باعتبار (التعليم الديني) مهمة أساسية ينبغي أن تفرد لها الإمكانات والجهود الكافية والكفيلة بتحقيقها على أحسن وجه.

ب- بانتداب مدرسين أكفاء للتعليم الديني يملكون القدرة على عرض الإسلام بأسلوب العصر.

ج- بتنظيم التفتيش الديني في المدارس «من قبل دوائر الأوقاف» بحيث يراقب سير التدريس الديني وأثر المناهج وقابلية الطلاب وحاجاتهم التوجيهية.

د- السعي لاعتبار التعليم الديني مادة أساسية من مواد الدراسة في كافة المستويات التعليمية وحتى الجامعية ولها مفعولها واعتبارها العملي في الفشل والنجاح.

هـ- وضع ميزانية كافية لتغطية نفقات التعليم الديني والبلوغ به المستوى اللائق والمطلوب.


ثالثًا: مقترحات لتنظيم الدوائر الوقفية:

والجماعة الإسلامية كذلك تتمني على مفتي الجمهورية إعادة النظر في جميع المواد القانونية الخاصة بصلاحيات دوائر الأوقاف الإسلامية وتنظيماتها ومجالسها تحقيقا لمتطلبات الإصلاح الشاملة المرتجاة. وهي بدورها تقترح ما يلي بهذا الشأن.

1- اعتبار دوائر الأوقاف الإسلامية مؤسسات إسلامية بعيدة عن كل نزاع واستغلال سياسي.

2- تعديل المادة (62) من المرسوم الاشتراعي رقم (18) بحيث:

أ- يقيد أجراء انتخابات المجالس الإدارية في المحافظات بأشراف مفتي الجمهورية شخصيًا. فإن تعذر فبأشراف لجنة مكلفة من قبل المجلس الشرعي الأعلى.

ب- تمنح الجمعيات الإسلامية حق الترشح والاشتراك في انتخابات المجالس الإدارية.

3- تعديل المادة (58) من المرسوم الاشتراعي رقم (18) بحيث يضاف إلى وظائف ومهمات المجالس الإدارية رعاية كافة الشئون الإسلامية وبصورة خاصة تأمين الكفايات اللازمة لنشر الوعي الإسلامي في المجالين الطلابي والشعبي.

4- إنشاء صندوق «تكافل» محلي تكون الزكاة موردًا أساسيًا من موراده وترد أمواله على أصحاب الحاجة ويكون من حسناته حل مشكلة التسول وتأمين المعوزين وستر بيوت يهددها الفقر والمرض والدمار.

5- إنشاء مكتبات إسلامية عامة في كافة المحافظات «تابعة للأوقاف» تتيح للشباب فرص الإطلاع على ذخائر الفكر الإسلامي القديم والحديث.

6- أحداث تنظيم جديد في ملاكات الدوائر الوقفية ووظائفها بحيث يستفاد من أحدث النظريات التنظيمية والإدارية تسهيلا للمعاملات وضبطا للأعمال.

7- إنشاء مشاريع اقتصادية إنمائية بالأموال الوقفية يكون من ثمراتها مضاعفة واردات الدوائر وأموالها مع تنظيم ومراقبة أجهزة الجباية..

وأخيرًا فإن الجماعة الإسلامية إذ تتمني على سماحة مفتي الجمهورية أخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار ووضعها موضع التنفيذ، فلها تضع كافة امكانياتها المادية والمعنوية في خدمة القضايا الإسلامية كافة، سائلة الله الهداية والسداد. والله ولي التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجماعة الإسلامية

لبنان

16 رمضان 1386 الموافق 28 كانون أول 1966

وثيقة رقم 4: بيان الجماعة الإسلامية في ذكري الإسراء والمعراج

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان الجماعة الإسلامية في ذكري الإسراء والمعراج

8 تشرين الأول/ أكتوبر 1968


  • العمل الفدائي رد صاعق على الانهزاميين دعاة
  • الحلول السلمية..
  • المؤتمر (الإسلامي) لم يكن في مستوى عقيدة الإسلام ولا مشاعر المسلمين

يقف العالم الإسلامي اليوم في ذكري الإسراء والمعراج الثالثة وجها لوجه أمام كارثة إحراق المسجد الأقصى بل أمام التحدي الكبير الذي تواجهنا به الصهيونية ومن ورائها كل قوى الشر والاستعمار على اختلاف اتجاهاتها ومصالحها وفي مقدمتها الدولة الاستعمارية الباغية أمريكا التي لم تتوان لحظة واحدة في دعم إسرائيل في كل ميدان وخاصة تزويدها بأداة العدوان ممثلة بصفقات السلاح وأسراب الفانتوم.

يقف المسلمون في ذكري الإسراء وأبصارهم مشدودة إلى البقعة التي بارك الله حولها فكانت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، إلى المسجد الأقصى وهو يتعرض اليوم لمؤامرة مجرمة أبسط مظاهرها عمليات الحفر التي تجري تحت جدرانه واضرام الناس في أركانه بقصد هدمه وإشادة الهيكل مكانه.

أنها الذكري المباركة تطل علينا اليوم، والقضية الفلسطينية مطروحة بكل إبعادها ومراميها، وفي كل المجالات العربية والإسلامية والدولية، ولكن العرب ومن ورائهم الشعوب الإسلامية كلها يئسوا من المحاولات الرسمية وسئموا الكلام المعسول والتصريحات المتناقضة التي تمهد للتسليم والمفاوضات.. ولولا أن الشعب الفلسطيني اليوم قد انتزع قضيته من أيدي الحكومات، وأنقذها من سوق المزايدات وتصدي لحلها على الشكل الطبيعي.. واشعلها ثورة تستهدف نقض عدوان سنة 1948 من أساسه لا إزالة آثار نكبة سنة 1967 فقط.. نقول لولا العمل الفدائي، وهو بداية الثورة وطليعتها، وهو المحاولة الوحيدة الجديرة بالتقدير والتأييد، وهو الرد العملي الصاعق على مواقف الانهزاميين ودعاة الحلول السلمية.. لولا العمل الفدائي لانتهي كل شيء وضاع كل أمل. فلترتو الأرض المباركة بدماء الشهداء، ولتوجه البنادق- كل البنادق- نحو الغاصبين. وليسر موكب الفداء في طريق «الفتح» الأكبر بإذن الله.

والجماعة الإسلامية في لبنان تعلن بكل صراحة ووضوح أن ثورة الشعب لفلسطيني لتحرير أرضه واستعادة حريته يجب أن تسير في طريقها الصحيح الذي يضمن لها النصر الأكيد بأذن الله، وهو طريق الإسلام، والجهاد الخالص لوجه الله. أن الإيمان وحده هو الذي يلهب القلوب، ويشعل الثورات، أن الإسلام هو الذي يرهب القوى الطاغية العاتية، وهو الذي يمكن أن يستقطب طاقات الشعوب الإسلامية كلها.. نقول: الشعوب، لأن الحكومات التي تستوحي سياساتها من ارتباطات مشبوهة، ولا تلتزم الإسلام شريعة لها لا يمكن أن تكون مواقفها كما يفرض الإسلام.. ولذلك لم يكن مؤتمر القمة المسمي (إسلامي) عند مستوى الإسلام ولا عند مستوى القضية الفلسطينية، ولم تكن قراراته معبرة عن رأي الإسلام الذي يفرض على جميع المسلمين الجهاد إذا اعتدي على بلد مسلم، كما لم تكن هذه القرارات معبرة عن شعور المسلمين الذين أحرقوا شعار إسرائيل أمام المؤسسات اليهودية في تركيا ، والذين تدافعوا للتطوع بعشرات الألوف في باكستان وأفغانستان واندونيسيا.

لقد كان مؤتمر حكام يحكمون شعوبهم بغير شريعة الله، ويسوسونها بغير سياسة الإسلام، وبعضهم يقيم علاقات السلم والمودة مع العدو الغاضب فلا عجب أن تأتي مقرراته ممسوخة هزيلة.

وأخيرًا فإن الجماعة الإسلامية في لبنان تهيب بالمسلمين في كل مكان للوقوف بقوة وحزم، وتقديم كل الطاقات الممكنة بين يدي معركة التحرير، فلم يعد هناك من سبيل لتطهير الأرض المقدسة وإنقاذ المسجد المبارك إلا سبيل الإيمان والجهاد.. الإيمان بالإسلام عقيدة في القلب وشريعة في الحياة.. والجهاد في سبيل الله لاسترجاع فلسطين وتحرير كل شبر مغتصب من بلاد المسلمين.

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

بيروت في 27 رجب 1389 هـ

الموافق 8 تشرين الأول 1969 م

'الجماعة الإسلامية في لبنان

وثيقة رقم 5: بيان الجماعة الإسلامية حول العدوان الهندي على الباكستان

بيان الجماعة الإسلامية حول العدوان الهندي على الباكستان 10 كانون الأول ديسمبر 1971


  • لن تسمح الباكستان بقيام «إسرائيل» ثانية أو «بيافرا» على أرضها
  • على الحكومات العربية أن تقف بحزم ضد العدوان الهندي على باكستان.
  • الاميركيون والسوفييت متفقون على إقامة «بنغالادش» لتطويق الصين.

في الوقت الذي يبلغ فيه العدوان الإسرائيلي على الأرض العربية ذروته، تنشب أزمة أخرى لا تقل عن قضية فلسطين غدرا وضراوة، تلك هي قضية العدوان الهندي على الأرض الباكستانية.

فبعد سلسلة من التهديد، وبعد تدخل مستمر في شئون باكستان الداخلية بحجة الدفاع عن حقوق شعب شرق باكستان ، وبعد اغتصاب طويل لمقاطعة كشمير والتنكر لحق شعبها في تقرير مصيره، بعد هذا كله تلجأ الهند إلى عدوان سافر على الباكستان بشكل لم يعرف له مثيل إلا في الاغتصاب الصهيوني للأرض العربية في فلسطين.

وإذا كانت الدعاية الهندية قد شغلت أسماع العالم بالأكاذيب فإن حقيقة الوضع لن يكون بالإمكان طمسها إلى الأبد. ذلك أن الأهداف التوسعية للهند باتت معروفة مألوفة مارستها أبان التقسيم عام 1947 وعام 1965 وهي تمارسها الآن تحت شعار «بنغالادش» بغية تحطيم وحدة الباكستان وتقسيمها لتمارس وصايتها على الاقليم المسلوخ. ولتجعل منه، بتنسيق مع أميركا والاتحاد السوفييتي، قاعدة صاروخية على حدود الصين الشعبية. ولئن تميزت مواقف الامبريالية الأميريكية عن مثيلتها السوفييتية فذلك لا يتعدي توزيع الأدوار لتمويه أهدافهما العدوانية.

وإذا كانت القوى الاستعمارية قد أفلحت في أن تقيم كيانا صهونيا في جنب العالم العربي فهي لن تفلح- بإن الله- في إقامة «إسرائيل» ثانية أو «بيافرا» أخرى تحت اسم «بنغالادش» في جنب الباكستان.

وعلى جماهيرنا العربية المؤمنة أن تتنبه لهذا، وأن نلزم حكوماتها بالوقوف من العدوان الهندي الموقف الحاسم، ذلك أن باكستان لم تبخل على القضايا العربية بالتأييد والمساندة الفعلية، فأروقة الأمم المتحدة شاهدة على ذلك، بل أن خبراءها العسكريين، في مجال الطيران خاصة، يشرفون على ترديب عدد من الجيوش العربية بعد نكبة 1967. ولعل هذا الموقف هو السبب الذي تعرضت باكستان الصامد من قضايا العرب والمسلمين.

ولا يسع الجماعة الإسلامية إلا أن تدعوا المواطنين في لبنان والعالم العربي لأن يؤيدوا قضية باكستان ويستنكروا العدوان الهندي الغاشم الذي يستهدف الكيان العقيدي الفريد الذي تمثله دولة الباكستان ، وأن يمارسوا ضغطا على حكوماتهم لترد بعض الجميل لمن وقفوا معها في ساعات عسرها، وأن يتنبهوا للمؤامرة بإبعادها المختلفة، وأن لا يضنوا بما قد تقتضيه ظروف المعركة فيما لو دعت الحاجة المساعدة.. ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

بيروت في 22 شوال 1391.

الموافق 10 كانون الأول 1971.

الجماعة الإسلامية


وثيقة رقم 6: بيان من الجماعة الإسلامية تطالب فيه بتعديلات دستورية، وحماية لبنان ، ودعم القضية الفلسطينية

بيان من الجماعة الإسلامية تشرين الأول/ أكتوبر 1974

أيها المواطنون :

الحقيقة التي لا تزيدها الأحداث ألا تأكيدا هي أن الأوضاع في البلد ينبغي أن تتغير. والمطالب التي رفعتها الجماعة الإسلامية في لبنان هي الحد الأدني لهذا التغيير. وليست مهزلة (التكليف والعرقلة والاعتذار) إلا صورة لما وصل إليه الحكم، فرئيس الوزراء مجرد أسطوانة تدار لتدافع عن النظام وأهله وسدنته، بينما مسئولية الحكم وتصريف شئونه في يد سواه، وهي يسمى زورا رئيسا لمجلس الوزراء دون أن يكون له دور حتى في اختيار زملائه.

والجماعة الإسلامية في لبنان إذ تضع الزعامات الإسلامية في البلد أمام مسئولياتها تطرح من جديد مطالب المسلمين التي أجمعت عليها هيئاتهم ومؤسساتهم وأكدها خطاب سماحة مفتي الجمهورية في عيد الفطر كوثيقة يلتزم بها أي مكلف تحت طائلة سحب ثقة المسلمين به.

أولًا: تعديل الدستور بحيث يلبي حاجات العصر، ويحدد من جديد صلاحيات الرئاسات الثلاث.

ثانيًا: تحقيق المشاركة الفعالة في الحكم بشكل يحفظ الرئيس السلطة التنفيذية كرامته وكرامة من يمثل.

ثالثًا: إلغاء الطائفية السياسية على كل المستويات، أو أجراء إحصاء عام كضرورة ملحة لم تعد تحتمل التأجيل.

رابعًا: اعتماد سياسة دفاعية تحفظ كرامة لبنان ومستقبل القضية الفلسطينية.

خامسًا: ضرب قوى الاحتكار والحد من موجة الغلاء وتأمين العدل الاجتماعي لكافة المواطنين.

سادسًا: أقرار عطلة يوم الجمعة تنفيذا لوعد الدولة المتكرر.

والجماعة الإسلامية إذ تذكر بهذه المطالب تحذر أيا كان من قبول مسئولية الحكم ألا على أساسها. وتدعو النواب المسلمين لاعتمادها وثيقة شرف تعود عليهم وعلى من يمثلون بالعزة والكرام ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾.

بيروت في 6 شوال 1394

الموافق 22 تشرين الأول 1974

الجماعة الإسلامية في لبنان

وثيقة رقم 7: بيان من الجماعة الإسلامية تطالب فيه بالتحقيق في حوادث صيدا، والقيام بتعديلات دستورية،وإلغاء الطائفية السياسية

14 آذار/ مارس 1975

هذا بيان للناس

هذه مطالبنا.. ونرفض أنصاف الحلول

كلما نزلت بالمسلمين في لبنان نكبة جديدة من قبل السلطة تساءلوا أين نحن في لبنان؟ أبن زعماؤنا وممثلونا؟ أين رئيس الحكومة الذي يفترض فيه أن يمثل المسلمين وأن يكون شريكا في حكم البلد؟ وقبل أن يظهر الجواب تلفلف الأمور وتميع.. وينتظر المسلمون حدثا جديدا.

وعندما وقعت مجزرة صيدا الأخيرة كان المسلمون في غليان لماذا حدث ما حدث؟ من المسئولة عن عشرات الضحايا البرئية من المدنيين ومن الجيش؟ من المسئول عن استشهاد رجل من كبار زعماء المسلمين بل من كبار رجالات هذا البلد معروف سعد رحمه الله؟ كل هذه الأسئلة تبقي بلا جواب لأن السلطة ترفض تحمل المسئولية وكشف الحقائق. وحده مالك سلام كان مسئولا وكان رجلا لأنه رفض أن يستمر في الحكم قبل أن يعرف المسئول ويعاقب مدنيا كان أو عسكريا، لاى دين انتمي.. لأنه أمام الحق والعدالة ينبغي أن يتساوى الجميع.

والجماعة الإسلامية في لبنان إذا تؤكد مطالبتها مع أهل صيدا وجماهير المسلمين في لبنان بضرورة كشف المسئولين عن حوادث صيدا ومعاقبتهم، والتعويض على المتضررين، وإلغاء ترخيص شركة (بروتيين) وتحقيق سائر المطالب صيدا، تعلن أيضًا أن الحكومة التي عجزت عن إيقاف المأساة، وعجزت عن كشف المسئولين يجب أن تتحمل هي المسئولية وتستقيل. نعم.. قد لا تكون الحكومات التي سبقتها أو التي ستأتي بعدها أفضل منها ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يترك المخطئ بلا عقاب لأن هذا يشجعه ويشجع غيره على المزيد من الأخطاء.. وخطأ الحكومة وتقصيرها الفاضح لا عقا له إلا الاستقالة. أما الإصرار على الاستمرار بحجة السعي لتحقيق مطالب المسلمين فأمر عجيب، اللهم إلا إذا كان ما سيتحقق من نوع تعطيل يوم الجمعة الحادثة عشر، الذي لا يزال بعيدا عن التنفيذ في الجامعة اللبنانية ودور المعلمين والمعلمات والمدارس المهنية وغير ذلك من المؤسسات الرسمية!؟

وبعد. فما هي مطالب المسلمين في لبنان؟ وهل أنشاء مجلس قيادة للجيش ينهي مأساة المسلمين؟ أننا نريد هنا أن نعرف المسلمين بواقعهم حتى تتضح المطالب الأساسية ولا يضيع الناس وراء سراب من الشعارات أو المطالب الجزئية التي لا تغير من واقع الحال شيئًا.

أولًا: الدستور اللبناني

الدستور اللبناني الصادر في 23-5- 1926 مع تعديلاته- وقد عدل خمس مرات- يجعل نظام الحكم في لبنان عجيبا ولا مثيل له بين كل أنظمة الأرض. أنه يجعل رئيس الجمهورية حاكما فردا مطلق الصلاحية ويجعل الحكومة النواب يدورون في فلكه. ثم في نفس الوقت يعفيه من تحمل تبعة أعماله. وسنذكر الآن بعض مواد الدستور:

1- تعيين الوزراء وإقالتهم: تنص المادة 53 من الدستور بعد تعديلها بالقانون الدستوري المؤرخ في 21-1-1947 على أن:

«رئيس الجمهورية يعين الوزراء، ويسمى منهم رئيسًا، ويقيلهم..»

فرئيس الوزراء يستمد تسميته من رئيس الجمهورية، أما صلاحياته فتحمل مسئولية رئيس الجمهورية فقط. أنه اسما رئيس مجلس الوزراء، يوقع بهذا الاسم، وتخصص له غرفة في السراي مكتوب على بابها (رئيس مجلس الوزراء) أما فعلا فهو محروم من أبسط صلاحيات رئاسة المجلس، لأن مجلس الوزراء لا ينعقد بهذه الصفة إلا برئاسة رئيس الجمهورية. فرئيسه فعلا هو رئيس الجمهورية، ورئيسه اسما هو رئيس الحكومة. أما(المجلس الوزاري) الذي سمح فيه لرئيس الحكومة أن يرأس اجتماع الوزراء فلا يمكنه أن يتخذ أي قرار لأن الدستور أعطي كل الصلاحيات (لمجلس الوزراء) لا (للمجلس الوزاري).. (المواد 53-55-58). أنها خدعة ألفاظ.. ومسكين رئيس الحكومة الذي يقبل بالاسم دون المسمي.

2- رئيس السلطة التنفيذية:

تنص المادة 17 من الدستور على أنه:

«تناط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء وفاقا لأحكام الدستور».

أذن رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية، هو يتولاهما، والوزراء معاونون له، ورئيسهم ليس له أي دور خاص إلا باعتباره أحد الوزراء فقط، ولم يذكر الدستور أي صلاحية خاصة لرئيس الحكومة عجيب أمر الذين يطالبون رئيس الحكومة بممارسة صلاحياته وهم يعلمون أن الدستور لم يعطه أية صلاحيات أطلاقا!؟

3- عقد المعاهدات:

تنص المادة 52 من الدستور بعد تعديلها في 9/11/1943 على مايلي:

«يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حيثما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة فلا تعد مبرمة إلا بعد موافقة المجلس عليها».

4- تعيين الموظفين:

تنص المادة 53 من الدستور على أن رئيس الجمهورية:

(يولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر..).

5- التصرف بالجيش:

أن الدستور اللبناني لم يوضح علاقة رئيس الجمهورية بالجيش، فجاء المرسوم الاشتراعي رقم 23 الصادر في 19/1/1955 المعدل بالمرسوم الاشتراعي رق 13 الصادر في 12/2/1959 ينص في المادة الثانية منه على أنه:

(يوضع الجيش والقوى الجوية والبحرية تحت تصرف رئيس الجمهورية).. وهذا معناه أن ليس لرئيس الحكومة أن يأمر الجيش إلا بناء على أمر رئيس الجمهورية.

وبعد كل هذه الصلاحيات التي تجعل من رئيس الجمهورية حاكما فردا يأتي الدستور اللبناني ليعفيه من أية مسئولية سياسية عن أعماله.

تنص المادة 60 على أنه:(لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمي).

أن النظام اللبناني بهذا الشكل لا مثيل له في الدنيا فهو يعطي كل الصلاحيات لرئيس الجمهورية ويعفيه من أية مسئولية. في الأنظمة الرئاسية كما في الولايات المتحدة الأمريكية يتمتع رئيس الجمهورية بكامل الصلاحيات ولكنه مسئول. والعالم كله يذكر كيف استقال نيكسون خوفا من الإقالة لأن الكونغرس حمله مسئوية التستر على فضيحة (ووترغيت). أما في انكلترا فالملكة رمز، والصلاحيات كلها لرئيس الحكومة وهو مسئولة أمام البرلمان.

أن النظام اللبناني ظالم وخطر. فهو ظالم لأنه يحمل رئيس الحكومة مسئولية أعمال رئيس الجمهورية. وهو خطر لأنه يعطي رئيس الجمهورية كل الصلاحيات دون أن يحمله أية مسئولية، وهل في الأنظمة الديكتاتورية من خطر أكبر من هذا؟

وإذا أضفنا إلى هذا الإصرار الطائفي على أن يكون رئيس الجمهورية من طائفية معينة أدركنا مدي الظلم الذي ينزل بالمسلمين والذي يجعلهم كالنار تحت الرماد ينفجرون عند كل حادثة.


ثانيًا: مجلس النواب

أما مجلس النواب فتشكيله في لبنان لا ينقضي منه العجب!؟ أنه موزع على الطوائف ولكن توزيعا ظالما، فليس هناك عدد محدد من اللبنانيين يمثلهم نائب بل قد تجد مثلا في انتخابات 1968 أن:

1- 18500 ناخب في صيدا يمثلهم نائب واحد، بينما 26 ألف ناخب في جزين يمثلهم ثلاثة نواب.

2- 70 ألف ناخب في عكار يمثلهم أربعة نواب. بينما 70 ألف ناخب في بعيد يمثلهم خمسة نواب، و50 ألف ناخب في كسروان يمثلهم أربعة نواب!؟..

والأمثلة على التفاوت تشمل كل لبنان..

لم هذا؟ لأنه يريدون في النتيجة أن يوزعوا مقاعد مجلس النواب بنسبة خمسة إلى ستة، خمسة للمسلمين: السنة والشيعة والدروز، وستة للطوائف النصرانية. مثل هذا التوزيع لا مثيل في كل بلاد العالم.

فإما أن يكون توزيع مقاعد مجلس النواب على جميع اللبنانيين بدون تمييز بين طوائفهم ويكون للكل عدد محدد نائب واحد بغض النظر عن طائفة الناخبين أو طائفة الناخب.

وأما أن توزع المقاعد على الطوائف كما وهو واقع اليوم.. وعند ذلك لابد من العدالة في التوزيع.. والعدالة لا تتحق إلا بالإحصاء..

أن التوزيع العشوائي الظالم الذي يؤدي إلى تسلط طائفة على بقية الطوائف هو عنوان الطائفية وسببها.. وإزالته هو الطريق إلى التخلص من الطائفية.

ويأتي الميثاق الوطني ليكرس احتكار الطائفة المارونية لهذه الرئاسة، وليكرس لها أكثرية عددية في مجلس النواب غير قائمة على العدالة وينتج عن هذا بديهيا هيمنة كاملة على أهم مراكز الدولة ووظائفها من قيادة الجيش والدرك إلى رئاسة مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة التمييزية ورئاسة مصرف لبنان ورئاسة الجامعة اللبنانية وغير ذلك كثير.. ثم يطالب من المسلمين أن لا يكونوا طائفيين، وأن لا يطرحوا مطالبهم على أساس طائفي.. فهذا هو الظلم بعينه.


ثالثًا: التجنس

وإذ أضفنا إلى ما سبق مأساة المسلمين، أما قانون التجنس حيث لا يزال عشرات الآلاف من المتكومين من الأكراد وعرب وادي خالد محرومين من الجنسية لأنهم مسلمون مع أنهم لبنانيون منذ مئات السنين، ويصارحون بأن الجنسية لا تعطي لهم إلا إذا غيروا دينهم.. ومع أن الدستور اللبناني يعتبر وادي خالد من أرض لبنان ، ومع أن وزارة الزراعة قامت بختم بقر أهالي وادي خالد بالأرزة اللبنانية حتى تستوفي عليها الضرائب.. ألا أن العدالة اللبنانية لم تصل بعد إلى حد تجنيس البشر.

أن الجماعة الإسلامية في لبنان وهي تنشر هذه الوقائع على جماهير المسلمين على سبيل التوعية الصحيحة تعلن للجميع أن لبنان الذي قام في ظروف تاريخية معينة لا يستمر إلا بالعدل والمساواة.

ومن أجل ذلك فإن المسلمين الذين يشعرون بالظلم ويتحملونه يحددون اليوم مطالبهم الأساسية كما يلي: 1- تعديل الدستور اللبناني لتحديد هوية النظام وتحميل المسئولية الكاملة لمن يتمتع بالصلاحية سواء كان رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.

2- إلغاء الطائفية السياسية من جميع أجهزة الدولة ابتداء من رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب وجميع وظائف الدولة، واعتبار جميع اللبنانيين متساوين فعلا في الحقوق والواجبات.

3- في حال الإصرار على إبقاء الوجه الطائفي، فإن المسلمين يصرون على العدالة الطائفية وهذا لا يكون إلا بأجراء إحصاء جديد يتبعه ميثاق جديد تعطي فيه كل طائفة بما يوازي عددها، ويشعر فيه الجميع بالعدل والمساواة، ويقوم التوازن في جميع أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.

وأخيرًا.. فليعلم الجميع

أن المسلمين يرفضون الطائفية.. ويرفضون الظلم والتمييز.. وأن زعماء المسلمين مدعوون اليوم إلى موقف واضح وصريح يفتحون مع سائر زعماء لبنان حوارا قائما على المحبة.. وهادفا إلى بناء البلد على أسس جديدة تضمن العدل والمساواة.. قبل أن يندم الجميع..

بيروت في 3 ربيع الأول 1395

الموافق 14 آذار 1975

الجماعة الإسلامية في لبنان