الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٣: سطر ٣:
===البدايات===
===البدايات===


لعله من المفيد قبل أن نتعرض لفترة السبعينيات أن أوضح معنى العنوان، فكلمة جيل تعني زمنيا قرابة ثلث قرن '''(35 سنة تقريبا)''' ومجتمعيا تعني البشر الذين مرت عليهم تلك السنون وهم عاقلون راشدون وما قدموا به من فعاليات، وجيل السبعينيات هم مواليد [[1948]] – [[1955]] وواقعيا هم الذين كانت أعمارهم في عام [[1970]] حول العشرين وهم اليوم تتراوح أعمارهم حول الخمسة والخمسين، وأما كلمة الإسلامي فتعني وجود فاعلين آخرين من توجهات ليست محسوبة على الإسلاميين؛
لعله من المفيد قبل أن نتعرض لفترة السبعينيات أن أوضح معنى العنوان، فكلمة جيل تعني زمنيا قرابة ثلث قرن '''(35 سنة تقريبا)''' ومجتمعيا تعني البشر الذين مرت عليهم تلك السنون وهم عاقلون راشدون وما قدموا به من فعاليات، وجيل السبعينيات هم مواليد [[1948]]–[[1955]] وواقعيا هم الذين كانت أعمارهم في عام [[1970]] حول العشرين وهم اليوم تتراوح أعمارهم حول الخمسة والخمسين، وأما كلمة الإسلامي فتعني وجود فاعلين آخرين من توجهات ليست محسوبة على الإسلاميين؛


وأنا هنا أكتب عن الإسلاميين عرفا دون غيرهم كما أنه من الضروري وحتى لا يساء فهمي فإنني أعتبر الإسلاميين لغة كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلاميين عرفا هم المشاركون منهم في الصحوة الإسلامية شكلا وموضوعا خلال فترة السبعينيات التي نتحدث حولها.
وأنا هنا أكتب عن الإسلاميين عرفا دون غيرهم كما أنه من الضروري وحتى لا يساء فهمي فإنني أعتبر الإسلاميين لغة كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلاميين عرفا هم المشاركون منهم في الصحوة الإسلامية شكلا وموضوعا خلال فترة السبعينيات التي نتحدث حولها.
سطر ١٬٢٦٧: سطر ١٬٢٦٧:
:وإن كنت قد رفضت عرضا من الأستاذ [[عمر التلمساني]] بترشيحي كعضو في [[مكتب الإرشاد]] الذي كان قد أعيد تشكيله وقتها فقد كنت قد حددت وجهتي كما أن هذا المنصب يتطلب التواجد ب[[القاهرة]] أو السفر إليها أسبوعيا على الأقل وهو ما لم أكن مرحبا به أو قادرا عليه خاصة وأن حالتي الصحية ومعاناة السجن والتعذيب كانت تحول دون ذلك.
:وإن كنت قد رفضت عرضا من الأستاذ [[عمر التلمساني]] بترشيحي كعضو في [[مكتب الإرشاد]] الذي كان قد أعيد تشكيله وقتها فقد كنت قد حددت وجهتي كما أن هذا المنصب يتطلب التواجد ب[[القاهرة]] أو السفر إليها أسبوعيا على الأقل وهو ما لم أكن مرحبا به أو قادرا عليه خاصة وأن حالتي الصحية ومعاناة السجن والتعذيب كانت تحول دون ذلك.


'''لكن هل يمكن النظر إلى هذه الواقعة كبداية لما صار يعرف بالخلاف بين من يقولون بأولوية الفكرة والدعوة ومن يقولون بأولوية [[الجماعة]] والتنظيم؟'''
* '''لكن هل يمكن النظر إلى هذه الواقعة كبداية لما صار يعرف بالخلاف بين من يقولون بأولوية الفكرة والدعوة ومن يقولون بأولوية [[الجماعة]] والتنظيم؟'''


:أعتقد أن هذا الخلاف قديم في [[الجماعة]] وربما يرجع تاريخه إلى أوائل الخمسينيات التي شهدت فصل عدد من كبار الدعاة والقيادات من التنظيم بسبب مخالفات إدارية وتنظيمية أو بسبب خلافاتهم مع قيادات [[الجماعة]].
:أعتقد أن هذا الخلاف قديم في [[الجماعة]] وربما يرجع تاريخه إلى أوائل الخمسينيات التي شهدت فصل عدد من كبار الدعاة والقيادات من التنظيم بسبب مخالفات إدارية وتنظيمية أو بسبب خلافاتهم مع قيادات [[الجماعة]].
وماذا عن موقفك ... هل أنت مع مبدأ [[الجماعة]] والتنظيم أولا أم مع الدعوة والفكرة غير المتقيدة بإطار تنظيمي؟
 
الأمور لا تحسب هكذا ... لا يمكن أن أدعو إلى إلغاء أو تفكيك الكيانات والتجمعات الإسلامية الموجودة تحت دعوى خاصة وأنها تمارس دورا مهما في الدعوة الإسلامية لكن ما أرفضه تماما هو أن تسجن فكرة ودعوة عالمية وتوضع عليها القيود باسم مصلحة التنظيم أو أن يدعي تنظيم أو جماعة ما أنه الممثل للإسلام أو أن يكون معيار التعامل مع الآخرين هو شكل العلاقة مع التنظيم وأعتقد أن ذلك كله [[قنا]]عات راسخة لدي حتى قبل أن ألتحق بتنظيم [[الإخوان]] وربما كان ذلك سببا للخلاف مع قيادات [[الإخوان]] في الخمسينيات فيما يخص واقعة فصل الشيخ [[محمد الغزالي]] من [[الجماعة]] لأنني رفضت مسلك بعض القيادات التي تعاملت معه بشكل غير لائق وتجاهلت قيمته كعالم وداعية له وزنه وعطاؤه الذي لا ينكره أحد، وظللت على علاقة وطيدة به وأذكر أننا التقينا بعدها وتعان[[قنا]] وكأن شيئا لم يحدث لأنني اعتبرت ما حدث مجرد تجاوزات إدارية وخلافات لا صلة لها مطلقا بتقييم الإنسان إسلاميا، كما أنني وقفت في صف عودة [[صالح عشماوي]] صاحب امتياز [[مجلة الدعوة]] بعد فصله من [[الجماعة]] حينما أقر بخطته وطلب العودة.
* '''وماذا عن موقفك ... هل أنت مع مبدأ [[الجماعة]] والتنظيم أولا أم مع الدعوة والفكرة غير المتقيدة بإطار تنظيمي؟'''
المشكلة دائما فيمن يعطون لأنفسهم حق الحكم على الآخرين دينيا بحسب مواقعهم التنظيمية.
 
السريون الجدد يخالفون إجماع [[الإخوان]].
:الأمور لا تحسب هكذا ... لا يمكن أن أدعو إلى إلغاء أو تفكيك الكيانات والتجمعات الإسلامية الموجودة تحت دعوى خاصة وأنها تمارس دورا مهما في الدعوة الإسلامية لكن ما أرفضه تماما هو أن تسجن فكرة ودعوة عالمية وتوضع عليها القيود باسم مصلحة التنظيم أو أن يدعي تنظيم أو جماعة ما أنه الممثل للإسلام أو أن يكون معيار التعامل مع الآخرين هو شكل العلاقة مع التنظيم  
 
:وأعتقد أن ذلك كله قناعات راسخة لدي حتى قبل أن ألتحق بتنظيم [[الإخوان]] وربما كان ذلك سببا للخلاف مع قيادات [[الإخوان]] في الخمسينيات فيما يخص واقعة فصل الشيخ [[محمد الغزالي]] من [[الجماعة]] لأنني رفضت مسلك بعض القيادات التي تعاملت معه بشكل غير لائق وتجاهلت قيمته كعالم وداعية له وزنه وعطاؤه الذي لا ينكره أحد؛
 
:وظللت على علاقة وطيدة به وأذكر أننا التقينا بعدها وتعانقنا وكأن شيئا لم يحدث لأنني اعتبرت ما حدث مجرد تجاوزات إدارية وخلافات لا صلة لها مطلقا بتقييم الإنسان إسلاميا، كما أنني وقفت في صف عودة [[صالح عشماوي]] صاحب امتياز [[مجلة الدعوة]] بعد فصله من [[الجماعة]] حينما أقر بخطته وطلب العودة.المشكلة دائما فيمن يعطون لأنفسهم حق الحكم على الآخرين دينيا بحسب مواقعهم التنظيمية.
 
===السريون الجدد يخالفون إجماع [[الإخوان]]===
 
سارت الأمور في العلن على طريقة الأستاذ [[عمر التلمساني]]، ونال بطريقته ثقة جميع الأوساط الدعوية كالجامعات وجميع المؤسسات الدعوية ك[[الأزهر]] والجمعيات الخيرية كالجمعية الشرعية وجمعية الخلفاء الراشدين وأنصار السنة المحمدية، وأقام درس الثلاثاء بمسجد الخلفاء الراشدين، وشرع في تأسيس اتحاد للجمعيات الإسلامية، وأصبح صديقا محببا للجميع حتى [[السادات]] غير أن المتعودين على العمل السري لم ترق لهم طريقة التلمساني، ومع كثرة الشباب المتدين وتهافته على كل قديم، ما كان للصياد المتربص أن تفوته الفرصة، وعادت ريمة لعادتها القديمة وبدأت فكرة تكوين نظام خاص جديد قديم وبنفس شخصياته القديمة ([[مصطفي مشهور]] و[[أحمد حسنين]] ومن تبعهم من بقايا تنظيمات 65 التكفيرية)؛
سارت الأمور في العلن على طريقة الأستاذ [[عمر التلمساني]]، ونال بطريقته ثقة جميع الأوساط الدعوية كالجامعات وجميع المؤسسات الدعوية ك[[الأزهر]] والجمعيات الخيرية كالجمعية الشرعية وجمعية الخلفاء الراشدين وأنصار السنة المحمدية، وأقام درس الثلاثاء بمسجد الخلفاء الراشدين، وشرع في تأسيس اتحاد للجمعيات الإسلامية، وأصبح صديقا محببا للجميع حتى [[السادات]] غير أن المتعودين على العمل السري لم ترق لهم طريقة التلمساني، ومع كثرة الشباب المتدين وتهافته على كل قديم، ما كان للصياد المتربص أن تفوته الفرصة، وعادت ريمة لعادتها القديمة وبدأت فكرة تكوين نظام خاص جديد قديم وبنفس شخصياته القديمة ([[مصطفي مشهور]] و[[أحمد حسنين]] ومن تبعهم من بقايا تنظيمات 65 التكفيرية)؛


وكنت واحدا ممن بايعوا المرحوم الحاج مصطفى على السمع والطاعة في المنشط والمكره ضمن التنظيم الجديد ولكن بنية مختلفة عنهم كما تكشف فيما بعد، فقد كنت أتصور أنه يأخذ البيعة نيابة عن المرشد المعلن [[عمر التلمساني]] وأننا جميعا في مركب دعوي واحد، كما أنني في هذا العمر (حوالي خمسة وعشرين سنة) لم يكن لي أي دراية بتاريخ التنظيمات السرية الإخوانية؛
وكنت واحدا ممن بايعوا المرحوم الحاج مصطفى على السمع والطاعة في المنشط والمكره ضمن التنظيم الجديد ولكن بنية مختلفة عنهم كما تكشف فيما بعد، فقد كنت أتصور أنه يأخذ البيعة نيابة عن المرشد المعلن [[عمر التلمساني]] وأننا جميعا في مركب دعوي واحد، كما أنني في هذا العمر '''(حوالي خمسة وعشرين سنة)''' لم يكن لي أي دراية بتاريخ التنظيمات السرية الإخوانية؛


وعشت مع الحاج [[مصطفي مشهور]] أحلى سنوات العمر من [[مارس]] [[1975]] وحتى سفره فجأة في [[أغسطس]] [[1981]] قبل اعتقالات 3 [[سبتمبر]] [[1981]] الشهيرة، وعندما عاد الحاج [[مصطفي مشهور]] في وسط عام [[1986]] وجدني منهمكا في العمل ضمن منظومة الأستاذ [[عمر التلمساني]] بكل قوة ودأب، وزارني في بيتي بمدينة نصر وتداول معي الأمر وتأكد أنني ضمن فريق العمل الإخواني المكلف من الأستاذ [[عمر التلمساني]] فلم يفاتحني في شيء مخالف؛
وعشت مع الحاج [[مصطفي مشهور]] أحلى سنوات العمر من [[مارس]] [[1975]] وحتى سفره فجأة في [[أغسطس]] [[1981]] قبل اعتقالات 3 [[سبتمبر]] [[1981]] الشهيرة، وعندما عاد الحاج [[مصطفي مشهور]] في وسط عام [[1986]] وجدني منهمكا في العمل ضمن منظومة الأستاذ [[عمر التلمساني]] بكل قوة ودأب، وزارني في بيتي بمدينة نصر وتداول معي الأمر وتأكد أنني ضمن فريق العمل الإخواني المكلف من الأستاذ [[عمر التلمساني]] فلم يفاتحني في شيء مخالف؛
سطر ١٬٢٨٤: سطر ١٬٢٩١:
كان الطبيب حديث التخرج [[محمود عزت]] يعمل بالعيادة الخاصة بمصنع الشريف في شبرا الخيمة، كنت وقتها رئيس المعامل وضبط الجودة بشركات ومصانع الشريف ومعيدا بكلية العلوم جامعة [[المنيا]] وطالب ماجستير بكلية العلوم بجامعة عين شمس وأحد أعضاء تنظيم إسلامي جديد ب[[القاهرة]] تشكل من بقايا تنظيم الفنية العسكرية بعد فشل المحاولة الأولى للإطاحة بنظام [[السادات]]، ولم يكن لي علاقة بالعيادة ولم ألتفت إلى وجود [[محمود عزت]] قط ولا أذكر السبب الذي دعاني من أجله لزيارته بالبيت.
كان الطبيب حديث التخرج [[محمود عزت]] يعمل بالعيادة الخاصة بمصنع الشريف في شبرا الخيمة، كنت وقتها رئيس المعامل وضبط الجودة بشركات ومصانع الشريف ومعيدا بكلية العلوم جامعة [[المنيا]] وطالب ماجستير بكلية العلوم بجامعة عين شمس وأحد أعضاء تنظيم إسلامي جديد ب[[القاهرة]] تشكل من بقايا تنظيم الفنية العسكرية بعد فشل المحاولة الأولى للإطاحة بنظام [[السادات]]، ولم يكن لي علاقة بالعيادة ولم ألتفت إلى وجود [[محمود عزت]] قط ولا أذكر السبب الذي دعاني من أجله لزيارته بالبيت.


كنت مشغولا في هذه الأيام بالعمل الإسلامي في حي النزهة ومساجدها التي كانت تعج بالنشاط الدعوي البعيد عن مسمى [[الإخوان المسلمين]] والمصبوغ بصبغة الجماعات الإسلامية أو الصحوة الإسلامية التي فصلناها في الفصل السابق، قبلت الدعوة وزرته في البيت، مد يده وأعطاني مصحفا وخيرني في تلاوة السورة التي أحبها، مباشرة عمدت إلى سورة غافر فقد كانت آخر ما حفظت من كتاب الله، أعجب كثيرا بطريقة تلاوتي فلم يدعني أكمل السورة وقال يكفي هذا القدر، ولما كانت صلاة الجمعة على الأبواب فقد هممت بالانصراف شاكرا له حسن استضافته ورغبته في التعرف على شخصي، على السلم وضع يده في جيبه وأعطاني ورقة مطوية بشدة حتى صارت بمساحة 4 سم مربع.
كنت مشغولا في هذه الأيام بالعمل الإسلامي في حي النزهة ومساجدها التي كانت تعج بالنشاط الدعوي البعيد عن مسمى [[الإخوان المسلمين]] والمصبوغ بصبغة الجماعات الإسلامية أو الصحوة الإسلامية التي فصلناها في الفصل السابق، قبلت الدعوة وزرته في البيت، مد يده وأعطاني مصحفا وخيرني في تلاوة السورة التي أحبها؛
 
مباشرة عمدت إلى سورة غافر فقد كانت آخر ما حفظت من كتاب الله، أعجب كثيرا بطريقة تلاوتي فلم يدعني أكمل السورة وقال يكفي هذا القدر، ولما كانت صلاة الجمعة على الأبواب فقد هممت بالانصراف شاكرا له حسن استضافته ورغبته في التعرف على شخصي، على السلم وضع يده في جيبه وأعطاني ورقة مطوية بشدة حتى صارت بمساحة 4 سم مربع.


أخذتها واحتياطيا فتحتها على السلم وأخذت عنها فكرة سريعة ثم وضعتها في جيبي ولم أقرأ ما فيها بدقة حتى رجعت للمنزل عقب صلاة الجمعة.
أخذتها واحتياطيا فتحتها على السلم وأخذت عنها فكرة سريعة ثم وضعتها في جيبي ولم أقرأ ما فيها بدقة حتى رجعت للمنزل عقب صلاة الجمعة.
سطر ١٬٢٩٢: سطر ١٬٣٠١:
بعد مرور عدة أيام همس أحد الموظفين بمصانع الشريف ويدعى محمد عليوة برغبته في عقد تعارف بيني وبين الحاج [[مصطفي مشهور]]، وبطبيعتي كنت تواقا أن أعرف كل شيء عن التنظيمات الإسلامية ومناهجها وطرق عملها عسى أن أجد تنظيما أفضل مما أنا فيه ونضيف جهدنا إليه، فوافقت على الفور وحدد الموعد واصطحبني إلى بيته بكوبري القبة وتركني وانصرف.
بعد مرور عدة أيام همس أحد الموظفين بمصانع الشريف ويدعى محمد عليوة برغبته في عقد تعارف بيني وبين الحاج [[مصطفي مشهور]]، وبطبيعتي كنت تواقا أن أعرف كل شيء عن التنظيمات الإسلامية ومناهجها وطرق عملها عسى أن أجد تنظيما أفضل مما أنا فيه ونضيف جهدنا إليه، فوافقت على الفور وحدد الموعد واصطحبني إلى بيته بكوبري القبة وتركني وانصرف.


مضى اللقاء الأول في التعارف التفصيلي على شخصي واتفقنا على الموعد القادم واستأذنته أن يحضر معي واحدا آخر من التنظيم الذي نشكله حتى ننقل الصورة جيدا لمن خلفنا وقبل الحاج مصطفى، وفي الموعد حضرت ومعي طالب بكلية طب عين شمس (عادل عبد الخالق من [[مصر]] الجديدة)؛
مضى اللقاء الأول في التعارف التفصيلي على شخصي واتفقنا على الموعد القادم واستأذنته أن يحضر معي واحدا آخر من التنظيم الذي نشكله حتى ننقل الصورة جيدا لمن خلفنا وقبل الحاج مصطفى، وفي الموعد حضرت ومعي طالب بكلية طب عين شمس '''(عادل عبد الخالق من [[مصر]] الجديدة)'''؛


ووجدت عند الحاج رابع هو الأخ صيدلي (ممدوح الدسوقي)، واستمرت حواراتنا حول المبادئ العامة للدين ومواصفات [[الجماعة]] المسلمة التي ينبغي مبايعتها، كان الحديث من طرف واحد ونحن نستمع ونرد في حدود ضيقة جدا، وخلال شهرين من اللقاءات كان كل منا قد حدد طريقه واختار؛
ووجدت عند الحاج رابع هو الأخ صيدلي '''(ممدوح الدسوقي)'''، واستمرت حواراتنا حول المبادئ العامة للدين ومواصفات [[الجماعة]] المسلمة التي ينبغي مبايعتها، كان الحديث من طرف واحد ونحن نستمع ونرد في حدود ضيقة جدا، وخلال شهرين من اللقاءات كان كل منا قد حدد طريقه واختار؛


قررت أن أعمل مع [[الإخوان]] ووفقا لفهم [[حسن البنا]] وبقيادة [[عمر التلمساني]] كمرشد وقيادة [[مصطفي مشهور]] المباشرة وكذلك ممدوح، وأما عادل عبد الخالق فقد رفض فكر [[الإخوان]] ونقل ذلك لبقية زملائنا في التنظيم الصغير، جلسنا جلسة أخيرة معا وحاولوا كثيرا استعادتي إليهم ولكنني أخبرتهم بقراري النهائي، ومن يومها كأن الأرض انشقت وابتلعتهم ولم تقع عيني على واحد منهم ولو قدرا.
قررت أن أعمل مع [[الإخوان]] ووفقا لفهم [[حسن البنا]] وبقيادة [[عمر التلمساني]] كمرشد وقيادة [[مصطفي مشهور]] المباشرة وكذلك ممدوح، وأما عادل عبد الخالق فقد رفض فكر [[الإخوان]] ونقل ذلك لبقية زملائنا في التنظيم الصغير، جلسنا جلسة أخيرة معا وحاولوا كثيرا استعادتي إليهم ولكنني أخبرتهم بقراري النهائي، ومن يومها كأن الأرض انشقت وابتلعتهم ولم تقع عيني على واحد منهم ولو قدرا.


لطلب الحاج [[مصطفي مشهور]] لقاء منفردا معي وأخبرته بما حدث فقال: أنت اليوم من [[الإخوان]] ووجبت في عنقك البيعة فمد يدك وبايعني، وكانت البيعة على بركة الله.
'''ما بعد البيعة:'''
:دعاني الحاج مصطفى لحضور أول اجتماع إخواني موسع في بيت أحد [[الإخوان]] بعمارة الشريف ب[[مصر]] الجديدة حضر الاجتماع معظم الإداريين بمصانع الشريف وجلهم من [[الإخوان]] المفرج عنهم حديثا '''(مجموعة الشريف)''' وقدمني الحاج مصطفى لهم وأردف قائلا: أخ جديد صحيح معضم ولكن عليكوا تنجدوه '''(من التنجيد)''' كان رحمة الله عليه من الظرفاء وضحكت وضحك الجميع وقضينا وقتا طيبا وبدأت الحياة التنظيمية المعتادة، عضوا بالأسر الإخوانية، ثم المسئول الثالث بأول قسم للجماعة وهو قسم الطلاب برئاسة [[مصطفي مشهور]]؛
:ثم سفر الحاج مصطفى ثم اكتشاف التنظيم السري ثم العمل مع التنظيم الشرعي بقيادة [[التلمساني]] ثم عودة السريين وكشف مخططهم في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]] ثم الانتقال القسري إلى قسم المهن وتولي المسئولية عن نقابة المهن العملية ثم إجراء الانتخابات والفوز بمقعد في [[مجلس الشوري]]
:ثم كشف الاجتماع واعتقال المجتمعين ثم قضية [[1995]] أمام المحاكم العسكرية والحكم بسجني ثلاث سنوات ثم قضية [[حزب الوسط]] ثم الخروج من السجن ثم المواجهات مع السريين الجدد في أكثر من موقع حتى مرحلة كتابة الرسائل الإصلاحية فانتخابات [[2005]] فالمواجهات العلنية التي أكدت ضرورة إصدار هذا الكتاب لبيان الحالة التي وصلنا إليها بعد استيلائهم على جماعتنا، ويمكننا تقصي هذه الأحداث وملابسات حدوثها تحت العناوين التالية:
'''حالة الاقتراب من الجماعات الإسلامية:'''
:عندما أفرج [[السادات]] عن الباقين من [[الإخوان]] في السجون كانت الصحوة الإسلامية بلغت الذروة في الجامعات، وكان طبيعيا أن يفرح [[الإخوان]] بهذه الصحوة بوصفها حققت ما عز عليهم أن يحققوه، وكانت الفرحة بادية على وجوه معظمهم بالفعل، ولكن بدت مشاعر فريق السريين مختلفة ووجهوا نقدا واضحا لسلوكيات الشباب واهتمامهم بالهدي الظاهر وحجاب المسلمة والخلافات في الفروع، ونسي معظم السريين أن المرحلة العمرية للشباب لها متعلقاتها النفسية والسلوكية؛
:وبينما كان اقتراب [[الإخوان]] من شباب الصحوة يستهدف نقلهم إلى وضع أفضل من حيث الفهم والسلوك كان أسلوب السريين مختلفا وأهدافهم مغايرة لذلك فقد كثرت أحاديثهم وحكاياتهم حول السجون والزنازين والمحمصة والتعذيب والكرابيج والعروسة والتحقيقات؛
:وكان قد صدر كتاب [[البوابة السوداء]] للأستاذ [[أحمد رائف]] في [[أبريل]] [[1974]] ليصب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بما قدمه من صورة تفصيلية لأحداث التعذيب في السجون الناصرية لأول مرة، ثم صدر كتاب [[في الزنزانة]] للأستاذ [[علي جريشة]] في نفس السياق، ومارس السريون أسوأ عملية تضعيف وتجريح لقادة الصحوة من العلماء مثل [[محمد الغزالي]] و[[سيد سابق]] و[[إبراهيم عزت]] و[[حافظ سلامة]] و[[عبد الحميد كشك]] والشيخ الشعراوي وبطرق عديدة؛


لطلب الحاج [[مصطفي مشهور]] لقاء منفردا معي وأخبرته بما حدث فقال: أنت اليوم من [[الإخوان]] ووجبت في عنقك البيعة فمد يدك وبايعني، وكانت البيعة على بركة الله.
:إن تجريح المخالفين في الرأي وإعداد لوائح اتهام لهم سيبقى وسيلة من وسائلهم المستنكرة، وطالت حملة التضعيف والجرح رموز الصحوة من الشباب مثل أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد بجامعة [[الأزهر]] وقيل إنهم يتاجرون في الكتب الجامعية مستغلين مقاعد الاتحاد؛
 
:وأنهم يتربحون من ذلك مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الجنيهات، كما كان هناك عملية حصار مضروب على بعض الشخصيات الإخوانية بدون مبرر مفهوم مثل الأستاذ [[محمد فريد عبد الخالق|فريد عبد الخالق]] والأستاذ [[صلاح شادي]] والدكتور المحامي [[عبد الله رشوان]] والشيخ [[محمد المطراوي]] والشيخ [[عبد المعز عبد الستار]] و[[صالح عشماوي]] و[[صالح أبو رقيق]] وكان الحاج [[مصطفي مشهور]] يحذرنا كثيرا من التحدث إلى أحدهم أو مجرد الاقتراب من أشخاصهم؛
 
:بالتوازي كان هناك تكبير وتضخيم لما وقع لبعض المعتقلين [[الإخوان]] من تعذيب، وكيف تعاملوا مع الجلادين بنظرات التحدي والاحتقار، بينما ضعف آخرون وبايعوا [[جمال عبد الناصر]] أو تراجعوا عن مبادئهم تحت ضغوط العائلات والأولاد، وسميت العملية (بالزحلوقة) التي تأخذ الأخ من ضعف إلى ضعف حتى يحصل على قرار الإفراج؛
 
:وصور السجن في حد ذاته على أنه بطولة وتضحية بالرغم من أنه ليس كذلك وليس من اختيار أحد بإرادته، والمحصلة الطبيعية لمثل هذا العرض والدأب عليه أن انحلت عرى الوحدة بين شباب الصحوة وتنازعتهم توجهات متصارعة بين قيادات [[الإخوان]] أنفسهم وبينهم وبين التوجهات الإسلامية الأخرى وانتهى الأمر إلى التفتت والتنازع.


ما بعد البيعة:
'''الصدام والمفاصلة بين [[الإخوان]] والجماعات الإسلامية:'''


دعاني الحاج مصطفى لحضور أول اجتماع إخواني موسع في بيت أحد [[الإخوان]] بعمارة الشريف ب[[مصر]] الجديدة حضر الاجتماع معظم الإداريين بمصانع الشريف وجلهم من [[الإخوان]] المفرج عنهم حديثا (مجموعة الشريف) وقدمني الحاج مصطفى لهم وأردف قائلا: أخ جديد ... صحيح معضم ... ولكن عليكوا تنجدوه (من التنجيد) ... كان رحمة الله عليه من الظرفاء ... وضحكت وضحك الجميع وقضينا وقتا طيبا وبدأت الحياة التنظيمية المعتادة، عضوا بالأسر الإخوانية، ثم المسئول الثالث بأول قسم للجماعة وهو قسم الطلاب برئاسة [[مصطفي مشهور]]؛
:لم يمض على خروج [[الإخوان]] من السجون غير أربعة أعوام حتى بدت ساحة الصحوة الإسلامية عام [[1979]] مليئة بالصراعات، وأصبح السؤال المطروح من قبل قادة الجماعات الإسلامية: من مع [[الإخوان]] ومن ليس معهم؟ وهل نقبل القيادات الإخوانية القديمة كقيادة للصحوة أم نبقي العلاقة معهم ودية تشاورية تعاونية؟ ومن الذي يمثل [[الإخوان]] تحديدا؟


ثم سفر الحاج مصطفى ثم اكتشاف التنظيم السري ثم العمل مع التنظيم الشرعي بقيادة [[التلمساني]] ثم عودة السريين وكشف مخططهم في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]] ثم الانتقال القسري إلى قسم المهن وتولي المسئولية عن نقابة المهن العملية ثم إجراء الانتخابات والفوز بمقعد في [[مجلس الشوري]] ثم كشف الاجتماع واعتقال المجتمعين ثم قضية [[1995]] أمام المحاكم العسكرية والحكم بسجني ثلاث سنوات ثم قضية [[حزب الوسط]] ثم الخروج من السجن ثم المواجهات مع السريين الجدد في أكثر من موقع حتى مرحلة كتابة الرسائل الإصلاحية فانتخابات [[2005]] فالمواجهات العلنية التي أكدت ضرورة إصدار هذا الكتاب لبيان الحالة التي وصلنا إليها بعد استيلائهم على جماعتنا، ويمكننا تقصي هذه الأحداث وملابسات حدوثها تحت العناوين التالية:
:وبطبيعة الحال بدأ كل فريق يبرز أسباب موقفه وحشد فريق الرافضين [[للإخوان]] انتقاداته [[للإخوان]] بالجمة ودون مقدرة على تبين الفروق بين أجنحتهم المتصارعة، وتصنف الشباب في معظمه مع أو ضد [[الإخوان]] وتاهت معالم الطريق من بين أقدام الصحوة الإسلامية وانتشرت في الجامعات صراعات الشباب على الإمامة في مساجد الكليات وفي مساجد الأحياء السكنية وبلغ الصراع حد استخدام الأسلحة البيضاء في أكثر من موقع '''(في [[المنيا]] حدثت معركة دامية يوم العيد على كورنيش النيل بين محبي [[الإخوان]] ومعارضيهم، وفي آبا الوقف مركز مطاي طعن بالسكين أحد مناصري [[الإخوان]] ... من قبل معارضي [[الإخوان]])'''؛


حالة الاقتراب من الجماعات الإسلامية:
:واختلفوا كذلك حول من تصدر النشرات باسمه وتحت أي شعار، وبالجملة كثرت المهاترات التي أثرت كثيرا على تقدم الصحوة وحالت دون وحدتها، من ناحيتي كنت قد حزمت قراري وحددت وجهتي بالعمل مع  [[الإخوان]] بقيادة [[عمر التلمساني]] كمرشد، ولكنني ويشهد على ذلك كل الذين تعاملت معهم في هذه المرحلة كنت أعتبر ذلك خصوصية تنظيمية لا يترتب عليها مقاطعة أي فصيل يعمل لنصرة [[الإسلام]] مهما كان توجهه الفكري وفهمه للدين، ولقد تعاملت مع طلبة الصحوة الإسلامية في جامعة [[المنيا]] خمس سنين قبل أحداث المنصة ولم يشعر أحد منهم أنني شيء غيرهم.


عندما أفرج [[السادات]] عن الباقين من [[الإخوان]] في السجون كانت الصحوة الإسلامية بلغت الذروة في الجامعات، وكان طبيعيا أن يفرح [[الإخوان]] بهذه الصحوة بوصفها حققت ما عز عليهم أن يحققوه، وكانت الفرحة بادية على وجوه معظمهم بالفعل، ولكن بدت مشاعر فريق السريين مختلفة ووجهوا نقدا واضحا لسلوكيات الشباب واهتمامهم بالهدي الظاهر وحجاب المسلمة والخلافات في الفروع، ونسي معظم السريين أن المرحلة العمرية للشباب لها متعلقاتها النفسية والسلوكية؛
:أنهت أحداث المنصة الموقف تلقائيا لمصلحة [[الإخوان]] حيث ركزت الشرطة عملها في مواجهة المنفذين الذين مروا بنفس الدورة التي مر بها [[النظام الخاص]] السري من قبل وانتهى الأمر إلى نبذ العنف وكتابة المراجعات وهو نفس ما آلت إليه مجموعة السريين بعد أحداث عدة من ممارسة العنف امتدت من الأربعينات وحتى أحداث تنظيم 65 مرورا بالصدام مع الثورة وتفكير وتدبير البعض لأكثر من مرة لاغتيال رئيس الدولة غير أن السريين الجدد لم يصدروا مراجعات حتى اليوم يعترفون فيها بأخطائهم.


وبينما كان اقتراب [[الإخوان]] من شباب الصحوة يستهدف نقلهم إلى وضع أفضل من حيث الفهم والسلوك كان أسلوب السريين مختلفا وأهدافهم مغايرة لذلك فقد كثرت أحاديثهم وحكاياتهم حول السجون والزنازين والمحمصة والتعذيب والكرابيج والعروسة والتحقيقات؛
:وبانتهاء أحداث المنصة وصدور الأحكام بشأنها وعودتنا من السجون إلى المساجد انطلقنا نحن [[الإخوان]] بقيادة [[عمر التلمساني]] وفي غياب السريين الذين تركوا [[مصر]] وانسحبوا ينسجون خيوط العملية السرية الرابعة في مواجهة [[الإخوان]] والوطن؛


وكان قد صدر كتاب [[البوابة السوداء]] للأستاذ [[أحمد رائف]] في [[أبريل]] [[1974]] ليصب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بما قدمه من صورة تفصيلية لأحداث التعذيب في السجون الناصرية لأول مرة، ثم صدر كتاب [[في الزنزانة]] للأستاذ [[علي جريشة]] في نفس السياق، ومارس السريون أسوأ عملية تضعيف وتجريح لقادة الصحوة من العلماء مثل [[محمد الغزالي]] و[[سيد سابق]] و[[إبراهيم عزت]] و[[حافظ سلامة]] و[[عبد الحميد كشك]] والشيخ الشعراوي وبطرق عديدة؛
:انطلقنا نحن في تحمل المسئولية الدعوية في ساحة شبه خالية من الجماعات الإسلامية تقريبا خلال فترة الثمانينات مما أتاح لنا فرصة عمل ذهبية تمكن بها فريق العمل بقسم الطلاب والمهن من التمدد بالجامعات واكتساب مقاعد الاتحادات الطلابية بالكامل تقريبا وكذلك مقاعد مجالس أندية أعضاء هيئة التدريس ...


إن تجريح المخالفين في الرأي وإعداد لوائح اتهام لهم سيبقى وسيلة من وسائلهم المستنكرة، وطالت حملة التضعيف والجرح رموز الصحوة من الشباب مثل أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد بجامعة [[الأزهر]] وقيل إنهم يتاجرون في الكتب الجامعية مستغلين مقاعد الاتحاد؛
'''موقفنا من [[السادات]] وعرض الجمعية:'''


وأنهم يتربحون من ذلك مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الجنيهات، كما كان هناك عملية حصار مضروب على بعض الشخصيات الإخوانية بدون مبرر مفهوم مثل الأستاذ [[محمد فريد عبد الخالق|فريد عبد الخالق]] والأستاذ [[صلاح شادي]] والدكتور المحامي [[عبد الله رشوان]] والشيخ [[محمد المطراوي]] والشيخ [[عبد المعز عبد الستار]] و[[صالح عشماوي]] و[[صالح أبو رقيق]] وكان الحاج [[مصطفي مشهور]] يحذرنا كثيرا من التحدث إلى أحدهم أو مجرد الاقتراب من أشخاصهم؛
:لم ألتفت إلى ما قدمه الرئيس [[السادات]] [[للإخوان]] في شبابي، فقد كنت من أعدائه على طول الخط وكنت أنظر إليه كفرعون موسى، اليوم أطالع كتب [[الإخوان]] أنفسهم فأجد اعترافاتهم أنه:


بالتوازي كان هناك تكبير وتضخيم لما وقع لبعض المعتقلين [[الإخوان]] من تعذيب، وكيف تعاملوا مع الجلادين بنظرات التحدي والاحتقار، بينما ضعف آخرون وبايعوا [[جمال عبد الناصر]] أو تراجعوا عن مبادئهم تحت ضغوط العائلات والأولاد، وسميت العملية (بالزحلوقة) التي تأخذ الأخ من ضعف إلى ضعف حتى يحصل على قرار الإفراج؛
:#أصدر قرارا جمهوريا بالعفو والإفراج الفوري عنهم.
:#أصدر قرارا جمهوريا بإعادتهم إلى أعمالهم.
:#أصدر قرارا جمهوريا بأن يعودوا إلى أعمالهم على نفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا.
:#أصدر قرارا جمهوريا بإلغاء قانون المراقبة على المفرج عنهم.
:#أغمض عينه تماما عن حركتهم الدعوية في الداخل والخارج.
:#أعطى فرصة واسعة لتدفق رأس المال على كبرى شركات توظيف الأموال ومعروف أنها إخوانية التوجه والهوى.
:#أعاد [[مجلة الدعوة]] منبرا هاما [[للإخوان]] [[1976]].
:#عرض [[السادات]] بجد أن يكون [[للإخوان]] جمعية مشهرة قانونية، وعرض الأستاذ عمر ذلك على بقية الموجودين من [[الإخوان]] وأذكر أنهم رفضوا ذلك.
:#'''تصالح مع المرحوم الأستاذ:''' [[عمر التلمساني]] وكان يدعوه بصفة رسمية لحضور الحفلات الرسمية لرئيس الجمهورية، وسمعت الأستاذ عمر يقول إن [[السادات]] استشاره في اتفاقية كامب ديفيد وقد تحفظ الأستاذ عمر عليها موضحا سبب ذلك التحفظ بأننا لن نستطيع مهما حاولنا أن نوقف الإفساد الصهيوني للمجتمع المصري عامة والشباب خاصة لو فتحنا حدودنا للصهاينة.
:#كل ما فعله [[السادات]] من وجهة نظري كان اعتذارا [[للإخوان]] من [[السادات]] بلغة مفهومة '''(والحر تكفيه الإشارة ...)'''، ومع ذلك لم نستطع كحركة أن نشكل حالة وطنية تحدث التغيير المنشود بطريقة سلمية، وكما ضاعت [[فلسطين]] ونحن شهود وقعت اتفاقية كامب ديفيد ونحن شهود وانتهى [[السادات]] مقتولا ونحن شهود وانتهت فرصة الحركة الإسلامية في الحرية بنهايته مقتولا برصاصها.


وصور السجن في حد  ذاته على أنه بطولة وتضحية بالرغم من أنه ليس كذلك وليس من اختيار أحد بإرادته، والمحصلة الطبيعية لمثل هذا العرض والدأب عليه أن انحلت عرى الوحدة بين شباب الصحوة وتنازعتهم توجهات متصارعة بين قيادات [[الإخوان]] أنفسهم وبينهم وبين التوجهات الإسلامية الأخرى وانتهى الأمر إلى التفتت والتنازع.
'''الهروب المشين ونتائجه:'''


• الصدام والمفاصلة بين [[الإخوان]] والجماعات الإسلامية:
:انتهت السبعينيات بخصام واضح بين الصحوة الإسلامية و[[السادات]]، [[السادات]] من جانبه شعر بمرارة من موقف [[الإخوان]] وأعلن ذلك مرارا وتكرارا، وراح يحمل [[الإخوان]] مسئولية تجييش الصحوة الإسلامية في مواجهته وقيادتهم لحركة التمرد عيه، والحقيقة أن هذه طبيعة فهمنا نحن شباب الصحوة للدين في هذه المرحلة، وإن كانت هناك مسئولية [[للإخوان]] فهي صمتهم على هذا الفهم وموافقتهم الضمنية عليه؛


لم يمض على خروج [[الإخوان]] من السجون غير أربعة أعوام حتى بدت ساحة الصحوة الإسلامية عام [[1979]] مليئة بالصراعات، وأصبح السؤال المطروح من قبل قادة الجماعات الإسلامية: من مع [[الإخوان]] ومن ليس معهم؟ وهل نقبل القيادات الإخوانية القديمة كقيادة للصحوة أم نبقي العلاقة معهم ودية تشاورية تعاونية؟ ومن الذي يمثل [[الإخوان]] تحديدا؟
:لقد انتقد [[الإخوان]] أكثر تصرفات الشباب حتى قصر الجلباب وطول اللحية وقاوموا ذلك ونجحوا فيه ولكنهم لم يقاوموا حركة التمرد المسلح في مواجهة [[السادات]] بأي شيء بل كان بعضهم يتصور أنه صدام قد يؤدي إلى انتهاء الحكم وسقوط مع عدم قدرة الشباب على إدارة الدولة وأن الأمر سيؤول لهم في النهاية تلقائيا '''(نظرية الفوضى الخلاقة)''' وما تزال هذه عقيدة بعض أعضاء [[مكتب الإرشاد]] حتى اليوم؛


وبطبيعة الحال بدأ كل فريق يبرز أسباب موقفه وحشد فريق الرافضين [[للإخوان]] انتقاداته [[للإخوان]] بالجمة ودون مقدرة على تبين الفروق بين أجنحتهم المتصارعة، وتصنف الشباب في معظمه مع أو ضد [[الإخوان]] وتاهت معالم الطريق من بين أقدام الصحوة الإسلامية وانتشرت في الجامعات صراعات الشباب على الإمامة في مساجد الكليات وفي مساجد الأحياء السكنية وبلغ الصراع حد استخدام الأسلحة البيضاء في أكثر من موقع (في [[المنيا]] حدثت معركة دامية يوم العيد على كورنيش النيل بين محبي [[الإخوان]] ومعارضيهم، وفي آبا الوقف مركز مطاي طعن بالسكين أحد مناصري [[الإخوان]] ... من قبل معارضي [[الإخوان]])؛
:وهكذا أصبح [[السادات]] معزولا عن الإسلاميين ومكروها من الناصريين ومحاربا من اليساريين، فعلى من يتوكأ في شيخوخته السياسية والعمرية؟ لم يبق إلى جواره ناصحا إلا المتأمركين، ونجح هؤلاء في السيطرة على قراره وتوجهاته وصوروا له الأمر بطريقتهم ووضعوه في خيار واحد هو إما أنت وإما المعارضة؛


واختلفوا كذلك حول من تصدر النشرات باسمه وتحت أي شعار، وبالجملة كثرت المهاترات التي أثرت كثيرا على تقدم الصحوة وحالت دون وحدتها، من ناحيتي كنت قد حزمت قراري وحددت وجهتي بالعمل مع  [[الإخوان]] بقيادة [[عمر التلمساني]] كمرشد، ولكنني ويشهد على ذلك كل الذين تعاملت معهم في هذه المرحلة كنت أعتبر ذلك خصوصية تنظيمية لا يترتب عليها مقاطعة أي فصيل يعمل لنصرة [[الإسلام]] مهما كان توجهه الفكري وفهمه للدين، ولقد تعاملت مع طلبة الصحوة الإسلامية في جامعة [[المنيا]] خمس سنين قبل أحداث المنصة ولم يشعر أحد منهم أنني شيء غيرهم.
:وتصرف [[السادات]] مثل كل القادة العسكريين وتعامل مع الموضوع بلغة '''(اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك)'''، فكانت اعتقالات 3 [[سبتمبر]] [[1981]] التي شملت قادة المعارضة جميعا إسلاميين ومسيحيين وناصريين ويساريين، ووقع المحظور وكانت أحداث المنصة وانهارت الدولة المصرية تماما لمدة 24 ساعة على الأقل، ودخلنا نفق الطوارئ وقوانين الإرهاب وعصر الهامش الضيق المتاح للحريات أو الحياة على رصيف الوطن؛


أنهت أحداث المنصة الموقف تلقائيا لمصلحة [[الإخوان]] حيث ركزت الشرطة عملها في مواجهة المنفذين الذين مروا بنفس الدورة التي مر بها [[النظام الخاص]] السري من قبل وانتهى الأمر إلى نبذ العنف وكتابة المراجعات وهو نفس ما آلت إليه مجموعة السريين بعد أحداث عدة من ممارسة العنف امتدت من الأربعينات وحتى أحداث تنظيم 65 مرورا بالصدام مع الثورة وتفكير وتدبير البعض لأكثر من مرة لاغتيال رئيس الدولة غير أن السريين الجدد لم يصدروا مراجعات حتى اليوم يعترفون فيها بأخطائهم.
'''وهنا ملاحظات هامة لم أرد أن يذكر أو أراد شكورا وهي:'''


وبانتهاء أحداث المنصة وصدور الأحكام بشأنها وعودتنا من السجون إلى المساجد انطلقنا نحن [[الإخوان]] بقيادة [[عمر التلمساني]] وفي غياب السريين الذين تركوا [[مصر]] وانسحبوا ينسجون خيوط العملية السرية الرابعة في مواجهة [[الإخوان]] والوطن؛
:منذ صدور قرارات الاعتقال ومباشرة تنفيذها من صباح 3 [[سبتمبر]] بالفعل كان طبيعيا أن يكون هناك قرار جماعي إخواني بشأن الموقف من ذلك وكيف ستكون طريقة المواجهة وبالفعل توجهت للمسئول المباشر عني تنظيميا في [[مصر]] الجديدة '''([[محمود عزت]])''' لمعرفة التوجيهات فلم أعثر له على أثر، وتوجهت للمسئول الأعلى ([[مصطفي مشهور]]) فلم أعثر له على أثر، وكان الأستاذ [[عمر التلمساني]] معتقلا؛


انطلقنا نحن في تحمل المسئولية الدعوية في ساحة شبه خالية من الجماعات الإسلامية تقريبا خلال فترة الثمانينات مما أتاح لنا فرصة عمل ذهبية تمكن بها فريق العمل بقسم الطلاب والمهن من التمدد بالجامعات واكتساب مقاعد الاتحادات الطلابية بالكامل تقريبا وكذلك مقاعد مجالس أندية أعضاء هيئة التدريس ...
:وبصراحة تأثرت كثيرا وشعرت بالحزن من هذا التصرف المشين، نحن الذين نخطب على المنابر قائلين للشباب إن القيادة الناصحة سباقة وهي التي تبادر بإنارة الطريق للجنود وإفهامهم طبيعة الموقف والتشاور معهم بشأن التدابير الواجب اتخاذها نحو الظروف التي تمر بها الدعوة والأفراد، والانتهاء إلى ما نسميه تقدير موقف أو حالة؛


• موقفنا من [[السادات]] وعرض الجمعية:
:ولكن لم يحدث شيئ من ذلك وحدثتني نفسي قائلة يبدو أن القيادة هربت وتركتني ومن خلفي وحدنا؟ وبقيت أياما وأنا خائف أترقب ولا أبيت في بيتي، وأقول لنفسي: هذه أفكار شيطانية وحتما سوف يتصل بك أحدهم ويبلغك بالمطلوب والموقف ولكن استمر غياب القادة.


لم ألتفت إلى ما قدمه الرئيس [[السادات]] [[للإخوان]] في شبابي، فقد كنت من أعدائه على طول الخط وكنت أنظر إليه كفرعون موسى، اليوم أطالع كتب [[الإخوان]] أنفسهم فأجد اعترافاتهم أنه: أصدر قرارا جمهوريا بالعفو والإفراج الفوري عنهم.
:في الخامس والعشرين من [[سبتمبر]] طرق باب بيتي بغير موعد أحد شباب [[الإخوان]] المجندين وكنت مسئولا عنه أيام الدراسة بكلية العلوم، وأبلغني بأن الجماعة الإسلامية قررت القيام بعمل عسكري انقلابي واسع ويرتبون لذلك، وقد أرسلوني لأعرف وجهة نظر [[الإخوان]] وليكونوا على علم بذلك حتى يتعاونوا معهم ويساعدوا في مرحلة نجاح الانقلاب.


- أصدر قرارا جمهوريا بإعادتهم إلى أعمالهم.
:'''(لاحظ أن المندوب في الواحد والعشرين وأنا في الثلاثين)'''.
- أصدر قرارا جمهوريا بأن يعودوا إلى أعمالهم على نفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا.
- أصدر قرارا جمهوريا بإلغاء قانون المراقبة على المفرج عنهم.
- أغمض عينه تماما عن حركتهم الدعوية في الداخل والخارج.
- أعطى فرصة واسعة لتدفق رأس المال على كبرى شركات توظيف الأموال ومعروف أنها إخوانية التوجه والهوى.
- أعاد جلة الدعوة منبرا هاما [[للإخوان]] [[1976]].
- عرض [[السادات]] بجد أن يكون [[للإخوان]] جمعية مشهرة قانونية، وعرض الأستاذ عمر ذلك على بقية الموجودين من [[الإخوان]] وأذكر أنهم رفضوا ذلك.
- تصالح مع المرحوم الأستاذ: [[عمر التلمساني]] وكان يدعوه بصفة رسمية لحضور الحفلات الرسمية لرئيس الجمهورية، وسمعت الأستاذ عمر يقول إن [[السادات]] استشاره في اتفاقية كامب ديفيد وقد تحفظ الأستاذ عمر عليها موضحا سبب ذلك التحفظ بأننا لن نستطيع مهما حاولنا أن نوقف الإفساد الصهيوني للمجتمع المصري عامة والشباب خاصة لو فتحنا حدودنا للصهاينة.
- كل ما فعله [[السادات]] من وجهة نظري كان اعتذارا [[للإخوان]] من [[السادات]] بلغة مفهومة (والحر تكفيه الإشارة ...)، ومع ذلك لم نستطع كحركة أن نشكل حالة وطنية تحدث التغيير المنشود بطريقة سلمية، وكما ضاعت [[فلسطين]] ونحن شهود وقعت اتفاقية كامب ديفيد ونحن شهود وانتهى [[السادات]] مقتولا ونحن شهود وانتهت فرصة الحركة الإسلامية في الحرية بنهايته مقتولا برصاصها.


الهروب المشين ونتائجه:
:طلبت منه تأجيل الرد يوما واحدا، وخلال هذا اليوم ذهبت إلى كل مكان يحتمل أن أجد فيه أحد المسئولين ولكن بدون جدوى، عاد إلي وأخبرته أنني لم أجد مسئولي لأتخذ قرارا وليس أمامنا إلا العمل بالأصل وهو حرمة الاغتيالات، انصرف أخي المجند، وانتشرت إشاعة الاغتيال وبلغت درجة التواتر وبتنا '''(والراديوهات)''' على آذاننا ننتظر تنفيذ العملية؛


انتهت السبعينيات بخصام واضح بين الصحوة الإسلامية و[[السادات]]، [[السادات]] من جانبه شعر بمرارة من موقف [[الإخوان]] وأعلن ذلك مرارا وتكرارا، وراح يحمل [[الإخوان]] مسئولية تجييش الصحوة الإسلامية في مواجهته وقيادتهم لحركة التمرد عيه، والحقيقة أن هذه طبيعة فهمنا نحن شباب الصحوة للدين في هذه المرحلة، وإن كانت هناك مسئولية [[للإخوان]] فهي صمتهم على هذا الفهم وموافقتهم الضمنية عليه؛
:وبالفعل تمت العملية يوم 6 [[أكتوبر]] [[1981]] وكان يوم وقفة عرفات واهتزت الدنيا كلها بينما نحن [[الإخوان]] بغير قرار ولا رؤية واضحة نحو الموقف والسبب هروب القادة المشين ومن أشهر من هربوا في تلك الأيام [[مصطفي مشهور]] و[[محمود عزت]] و[[جمعة أمين]] و[[محمد البحيري]] و[[محمد عبد المعطي الجزار]] و[[صبري عرفة الكومي]] و[[خيرت الشاطر]] و[[محمد إبراهيم]] وكل رجال [[النظام الخاص]] وبقيت القيادة التقليدية [[عمر التلمساني]] و[[جابر رزق]] و[[أحمد الملط]] ومن على طريقتهم من شباب الصحوة الإسلامية.


لقد انتقد [[الإخوان]] أكثر تصرفات الشباب حتى قصر الجلباب وطول اللحية وقاوموا ذلك ونجحوا فيه ولكنهم لم يقاوموا حركة التمرد المسلح في مواجهة [[السادات]] بأي شيء بل كان بعضهم يتصور أنه صدام قد يؤدي إلى انتهاء الحكم وسقوط مع عدم قدرة الشباب على إدارة الدولة وأن الأمر سيؤول لهم في النهاية تلقائيا (نظرية الفوضى الخلاقة) وما تزال هذه عقيدة بعض أعضاء [[مكتب الإرشاد]] حتى اليوم؛
'''قضية اختفاء محي وأبو العلا ومحمود الراوي:'''


وهكذا أصبح [[السادات]] معزولا عن الإسلاميين ومكروها من الناصريين ومحاربا من اليساريين، فعلى من يتوكأ في شيخوخته السياسية والعمرية؟ لم يبق إلى جواره ناصحا إلا المتأمركين، ونجح هؤلاء في السيطرة على قراره وتوجهاته وصوروا له الأمر بطريقتهم ووضعوه في خيار واحد هو إما أنت وإما المعارضة؛
:أثناء فترة الهروب طيلة شهر [[سبتمبر]] [[1981]] توافد على [[القاهرة]] أعداد وفيرة من شباب الجماعات الإسلامية ممن كان مطلوبا اعتقالهم في وجه بحري ووجه قبلي، الجميع رأى أن الاختباء في [[القاهرة]] أسهل، وكان من بين هؤلاء إخواني م. محي الدين وم. [[أبو العلا ماضي]] وكلاهما من قيادات العمل الإسلامي ب[[المنيا]] وما حولها ولهم صلة وثيقة بالقيادات الإسلامية من كافة الاتجاهات؛


وتصرف [[السادات]] مثل كل القادة العسكريين وتعامل مع الموضوع بلغة (اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك)، فكانت اعتقالات 3 [[سبتمبر]] [[1981]] التي شملت قادة المعارضة جميعا إسلاميين ومسيحيين وناصريين ويساريين، ووقع المحظور وكانت أحداث المنصة وانهارت الدولة المصرية تماما لمدة 24 ساعة على الأقل، ودخلنا نفق الطوارئ وقوانين الإرهاب وعصر الهامش الضيق المتاح للحريات أو الحياة على رصيف الوطن، وهنا ملاحظات هامة لم أرد أن يذكر أو أراد شكورا وهي:
:ولكنهم جزاهم الله خيرا اختاروني دون غيري ليكونوا ضيوفا علي، وقبلت مهمة إخفائهم ورأيت ذلك مكرمة، وفور اغتيال [[السادات]] كان لا بد أن يوضعوا في مكان أمين وقد كان والحمد لله وانضم إليهم م. [[محمود الراوي]] وملخص قصة الهروب يبدأ من الإحساس الكامل بأن الأخوين [[محي عيسي]] و[[أبو العلا ماضي]] لم يشاركوا في عملية الاغتيال وأنهما بريئان منها براءة كاملة.


- منذ صدور قرارات الاعتقال ومباشرة تنفيذها من صباح 3 [[سبتمبر]] بالفعل كان طبيعيا أن يكون هناك قرار جماعي إخواني بشأن الموقف من ذلك وكيف ستكون طريقة المواجهة وبالفعل توجهت للمسئول المباشر عني تنظيميا في [[مصر]] الجديدة ([[محمود عزت]]) لمعرفة التوجيهات فلم أعثر له على أثر، وتوجهت للمسئول الأعلى ([[مصطفي مشهور]]) فلم أعثر له على أثر، وكان الأستاذ [[عمر التلمساني]] معتقلا؛
:وكانت الجماعات الإسلامية قد اندفعت في مواجهات مع النظام المصري بقيادة [[السادات]] ولكن من حيث الواقع فكانت الشرطة المصرية هي الممثل للحكومة على أرض الواقع ... ولذلك احترفنا في الجماعات الإسلامية كثيرا من عمليات تضليل الشرطة ومن ذلك تعود بعض الشباب على التوجه إلى محطات مترو حلوان والتقاط البطاقات الشخصية المفقودة من أصحابها والمعروضة في لوحة المحطة وكان من السهل نزع الصورة الأصلية ووضع صورة جديدة محلها.


وبصراحة تأثرت كثيرا وشعرت بالحزن من هذا التصرف المشين، نحن الذين نخطب على المنابر قائلين للشباب إن القيادة الناصحة سباقة وهي التي تبادر بإنارة الطريق للجنود وإفهامهم طبيعة الموقف والتشاور معهم بشأن التدابير الواجب اتخاذها نحو الظروف التي تمر بها الدعوة والأفراد، والانتهاء إلى ما نسميه تقدير موقف أو حالة؛
:وبهذه الطريقة حصلت على بطاقتين أحدهما باسم إبراهيم ووضعت عليها صورة محي والأخرى باسم حسن ووضعت عليها صورة أبو العلا.


ولكن لم يحدث شيئ من ذلك وحدثتني نفسي قائلة يبدو أن القيادة هربت وتركتني ومن خلفي وحدنا؟ وبقيت أياما وأنا خائف أترقب ولا أبيت في بيتي، وأقول لنفسي: هذه أفكار شيطانية وحتما سوف يتصل بك أحدهم ويبلغك بالمطلوب والموقف ولكن استمر غياب القادة.
:وكانت المهمة الثانية البحث عن ملاذ آمن لدى شخصية شجاعة تفرست في كافة المحيطين بي وأخذت من بينهم المهندس محمد عبد السلام شرف الدين لأسباب عديدة ... أولها لم يكن له ملف سابق بالأمن المصري ولم يسبق اعتقاله أو التحقيق معه وثانيها أنه يمتلك الجرأة والشجاعة على القيام بهذا الدور وثالثها أنه يعمل بالمقاولات ذات الطبيعة الصعبة في قلب الصحراء وبعيدا عن الشواطئ في قلب البحر لإقامة الفنارات على الجزر ومد خطوط الكهرباء عالية الضغط ...  


في الخامس والعشرين من [[سبتمبر]] طرق باب بيتي بغير موعد أحد شباب [[الإخوان]] المجندين وكنت مسئولا عنه أيام الدراسة بكلية العلوم، وأبلغني بأن الجماعة الإسلامية قررت القيام بعمل عسكري انقلابي واسع ويرتبون لذلك، وقد أرسلوني لأعرف وجهة نظر [[الإخوان]] وليكونوا على علم بذلك حتى يتعاونوا معهم ويساعدوا في مرحلة نجاح الانقلاب.
:وكانت طبيعة عمله ومساعديه يجعلهم دائما بعيدا عن المناطق السكانية وتحول بينهم وبين الاحتكاك بالمواطنين أو الشرطة، وبالفعل فاتحته وقبل أن يسأل أجبت عن كافة استفساراته من حيث براءتهم من الاغتيال وقدرتهم على الالتزام بما يتفق عليه كونهم من اليوم مجرد عمال باليومية سيلتحقون به من أجل العمل كتراحيل ليس أكثر ... والأصل في هذه الحالات لا يطلب عقد عمل ولا بيانات شخصية ... وقبل مشكورا ذلك.


(لاحظ أن المندوب في الواحد والعشرين وأنا في الثلاثين).
:وفي يوم العيد التقيت بالأخوين وزيادة التمويه في خرجت بهم في رحلة طويلة بعيدا عن [[القاهرة]] لكشف ما قد يوجد من مراقبة لهم.


طلبت منه تأجيل الرد يوما واحدا، وخلال هذا اليوم ذهبت إلى كل مكان يحتمل أن أجد فيه أحد المسئولين ولكن بدون جدوى، عاد إلي وأخبرته أنني لم أجد مسئولي لأتخذ قرارا وليس أمامنا إلا العمل بالأصل وهو حرمة الاغتيالات، انصرف أخي المجند، وانتشرت إشاعة الاغتيال وبلغت درجة التواتر وبتنا (والراديوهات) على آذاننا ننتظر تنفيذ العملية؛
:وتوجهت بهم إلى بلدتي بمحافظة [[كفر الشيخ]] ... ولكن الحياة لا تخلو من مفاجئات ... فبينما نحن على مسافة 20 كم من مدينة قطور في الطريق إلى بلدتنا خرجت سيارة صغيرة مسرعة من طريق جانبي واعترضت الأتوبيس فجأة واصطدم بها ثم انحرف يسارا ليصدم في شجرة ضخمة فتشطره نصفين ويقع تصادم مروع.


وبالفعل تمت العملية يوم 6 [[أكتوبر]] [[1981]] وكان يوم وقفة عرفات واهتزت الدنيا كلها بينما نحن [[الإخوان]] بغير قرار ولا رؤية واضحة نحو الموقف والسبب هروب القادة المشين ومن أشهر من هربوا في تلك الأيام [[مصطفي مشهور]] و[[محمود عزت]] و[[جمعة أمين]] و[[محمد البحيري]] و[[محمد عبد المعطي الجزار]] و[[صبري عرفة الكومي]] و[[خيرت الشاطر]] و[[محمد إبراهيم]] وكل رجال [[النظام الخاص]] وبقيت القيادة التقليدية [[عمر التلمساني]] و[[جابر رزق]] و[[أحمد الملط]] ومن على طريقتهم من شباب الصحوة الإسلامية.
:اقتلع الصدام كافة مقاعد الأتوبيس وتكردس الركاب عند المقدمة ووقعت كسور وجراحات وبدأ عويل المصابين ... انشغل الجميع بالحاثة وسارع أهل القرى نحو الموقع للإنقاذ وحضرت سيارات الشرطة والإسعاف وبدأت عملية إخلاء المصابين ...  


• قضية اختفاء محي وأبو العلا ومحمود الراوي:
:وفي هذه اللحظات تذكرنا أننا في حالة هروب واكتشفنا أننا محاصرون بالشرطة من كل ناحية وأن نظارة محي الطبية قد تحطمت ويصعب عليه الحركة دونها ... ولكننا في أسرع من البرق استعدنا توازننا وجمعنا شملنا ولممنا شعثنا وأطلقنا أقدامنا للريح عدوا بعيدا عن الموقع ...


أثناء فترة الهروب طيلة شهر [[سبتمبر]] [[1981]] توافد على [[القاهرة]] أعداد وفيرة من شباب الجماعات الإسلامية ممن كان مطلوبا اعتقالهم في وجه بحري ووجه قبلي، الجميع رأى أن الاختباء في [[القاهرة]] أسهل، وكان من بين هؤلاء إخواني م. محي الدين وم. [[أبو العلا ماضي]] وكلاهما من قيادات العمل الإسلامي ب[[المنيا]] وما حولها ولهم صلة وثيقة بالقيادات الإسلامية من كافة الاتجاهات؛
:وبينما الكل متجه ناحية الحادثة كنا نحن نتجه بعيدا عنها وكأننا ذاهبون لاستدعاء الشرطة والإسعاف ... وعند أول منطقة سكنية ركبنا سيارة بالأجرة واتجهنا نحو الهدف ... كانت كل تصرفاتنا بالإشارة والنظرات وكافة أفعالنا آلية (أتوماتيكية) كأننا تروس ماكينة واحدة توافقت على فعل ما تريد.


ولكنهم جزاهم الله خيرا اختاروني دون غيري ليكونوا ضيوفا علي، وقبلت مهمة إخفائهم ورأيت ذلك مكرمة، وفور اغتيال [[السادات]] كان لا بد أن يوضعوا في مكان أمين وقد كان والحمد لله وانضم إليهم م. [[محمود الراوي]] وملخص قصة الهروب يبدأ من الإحساس الكامل بأن الأخوين [[محي عيسي]] و[[أبو العلا ماضي]] لم يشاركوا في عملية الاغتيال وأنهما بريئان منها براءة كاملة.
:وقبل العصر بلغنا بيت العائلة في قريتنا والتقطنا أنفاسنا وقدم لي ولضيوفي الغداء اللذيذ المعتاد في مثل أيام العيد ... ولكن خلال ساعة من الزمن بدأ أشقائي يشعرون بأن الأمر ليس طبيعيا ... فلم أتعود الذهاب إليهم بأغراب!  يوم العيد من كل عام كما أنني لم أتعود زيارتهم بغير أهل بيتي.


وكانت الجماعات الإسلامية قد اندفعت في مواجهات مع النظام المصري بقيادة [[السادات]] ولكن من حيث الواقع فكانت الشرطة المصرية هي الممثل للحكومة على أرض الواقع ... ولذلك احترفنا في الجماعات الإسلامية كثيرا من عمليات تضليل الشرطة ومن ذلك تعود بعض الشباب على التوجه إلى محطات مترو حلوان والتقاط البطاقات الشخصية المفقودة من أصحابها والمعروضة في لوحة المحطة وكان من السهل نزع الصورة الأصلية ووضع صورة جديدة محلها.
:في المساء طرق الباب كبير الخفراء في القرية وخرجت لمقابلته في الفرندة الخارجية حتى لا يدخل إلى المندرة ويلحظ وجود الهاربين وفور لقائه همس في أذني وشقيقي قريب يسمع '''"فيه إشارة وصلت من المركز بالإبلاغ عن أي أغراب يتواجدون بالقرية ثم أردف قائلا و كان عندكم حد غريب اتصرفوا فيه بسرعة


وبهذه الطريقة حصلت على بطاقتين أحدهما باسم إبراهيم ... ووضعت عليها صورة محي والأخرى باسم حسن .... ووضعت عليها صورة أبو العلا.
:ولم يعطنا فرصة للتعليق وانصرف سريعا كان لا بد من مصارحة أشقائي بالأمر وكانوا على قدر المسئولية فقلت لهم تحملوا استضافتنا يوم أو يومين وسأتوجه للقاهرة لإتمام اللمسات الأخيرة المتعلقة بالمكان الذي سوف يقيمون فيه كان في خلدي أن أجهز لهم فراشا مناسبا وملابس كافية وأدوات نظافة لمدة طويلة.


وكانت المهمة الثانية البحث عن ملاذ آمن لدى شخصية شجاعة تفرست في كافة المحيطين بي وأخذت من بينهم المهندس محمد عبد السلام شرف الدين لأسباب عديدة ... أولها لم يكن له ملف سابق بالأمن المصري ولم يسبق اعتقاله أو التحقيق معه وثانيها أنه يمتلك الجرأة والشجاعة على القيام بهذا الدور وثالثها أنه يعمل بالمقاولات ذات الطبيعة الصعبة في قلب الصحراء وبعيدا عن الشواطئ في قلب البحر لإقامة الفنارات على الجزر ومد خطوط الكهرباء عالية الضغط ...  
:وهكذا ... بالفعل في الصباح توجهت إلى [[القاهرة]] وتركتهم في البيت ... وما أن غادرت بيتنا حتى '''(كما حكي لي بعد ذلك)''' بدأ التليفزيون بعرض خمس صور لأفراد مطلوبين هم '''([[عبود الزمر]]، [[ناجح إبراهيم]]، [[أبو العلا ماضي]]، محي الدين عيسى، [[طارق الزمر]])''' لم يصدق أشقائي أن الصورة والأصل أصبحت في بيتنا؛


وكانت طبيعة عمله ومساعديه يجعلهم دائما بعيدا عن المناطق السكانية وتحول بينهم وبين الاحتكاك بالمواطنين أو الشرطة، وبالفعل فاتحته وقبل أن يسأل أجبت عن كافة استفساراته من حيث براءتهم من الاغتيال وقدرتهم على الالتزام بما يتفق عليه كونهم من اليوم مجرد عمال باليومية سيلتحقون به من أجل العمل كتراحيل ليس أكثر ... والأصل في هذه الحالات لا يطلب عقد عمل ولا بيانات شخصية ... وقبل مشكورا ذلك.
:وتصرفوا بحكمة وشجاعة فلم ينتظروا للصباح ... وفي سيارة خاصة تم نقل الهاربين إلى مكان أمين بعيدا عن بيت الأسرة وفور خروجهم بأقل من ساعة كانت قوة من الشرطة تداهم البيت وتبحث عنهم ولكنها لم تعثر على غرباء، واعتبر ذلك بلاغا كاذبا، هنا في [[القاهرة]] لم أتمكن من بلوغ بيتي وتمت عملية اعتقالي قدرا في إحدى الكمائن ...  


وفي يوم العيد التقيت بالأخوين وزيادة التمويه في خرجت بهم في رحلة طويلة بعيدا عن [[القاهرة]] لكشف ما قد يوجد من مراقبة لهم.
:وتصرف الأخوين وفقا لخط السير الذي شرحته لهم والتقوا بالمهندس محمد شرف الدين وسكنوا المكان الجديد في منطقة بالصحراء الشرقية يقام بها مشروع جديد على أنهم مجرد عمال ترحيل.


وتوجهت بهم إلى بلدتي بمحافظة [[كفر الشيخ]] ... ولكن الحياة لا تخلو من مفاجئات ... فبينما نحن على مسافة 20 كم من مدينة قطور في الطريق إلى بلدتنا خرجت سيارة صغيرة مسرعة من طريق جانبي واعترضت الأتوبيس فجأة واصطدم بها ثم انحرف يسارا ليصدم في شجرة ضخمة فتشطره نصفين ويقع تصادم مروع.
:ظل [[الإخوان]] على المنهج المتفق عليه ثمانية أشهر بينما كنت أنا في المعتقل تمارس معي كافة أنواع الضغوط المعتادة للاعتراف بمكانهم ولكن الله أعانني فلم يعرف مكانهم أحد إلا أطراف الموضوع الأربعة م. شرف والهاربين والعبد لله.


اقتلع الصدام كافة مقاعد الأتوبيس وتكردس الركاب عند المقدمة ووقعت كسور وجراحات وبدأ عويل المصابين ... انشغل الجميع بالحاثة وسارع أهل القرى نحو الموقع للإنقاذ وحضرت سيارات الشرطة والإسعاف وبدأت عملية إخلاء المصابين ...  
:تشكلت فرق للبحث عنهم في كافة أنحاء الجمهورية وكانت تصل الفرق إلى معلومات شبه صحيحة فيأتون إلي في السجن لاستكمال المعلومات ولكن الله ألهمنا القدرة على إذابة ما لديهم من معلومات صحيحة وتحويلها إلى شيء غير ذي قيمة.


وفي هذه اللحظات تذكرنا أننا في حالة هروب واكتشفنا أننا محاصرون بالشرطة من كل ناحية وأن نظارة محي الطبية قد تحطمت ويصعب عليه الحركة دونها ... ولكننا في أسرع من البرق استعدنا توازننا وجمعنا شملنا ولممنا شعثنا وأطلقنا أقدامنا للريح عدوا بعيدا عن الموقع ...  
:في نهاية المطاف مل الهاربان الهروب واقتربوا من المدينة المزدحمة وتحركوا في مطاعمها ... وحاولوا رؤية ذويهم وأصدقائهم على اعتبار أن التحقيقات في القضية انتهت من شهور ... وحبب إلى محي و[[محمود الراوي]] التوجه إلى مدينة البعوث الإسلامية لزيارة أصدقاء لهم من [[المنيا]] طلبا لإرسال السلامات إلى ذويهم ب[[المنيا]]؛


وبينما الكل متجه ناحية الحادثة كنا نحن نتجه بعيدا عنها وكأننا ذاهبون لاستدعاء الشرطة والإسعاف ... وعند أول منطقة سكنية ركبنا سيارة بالأجرة واتجهنا نحو الهدف ... كانت كل تصرفاتنا بالإشارة والنظرات وكافة أفعالنا آلية (أتوماتيكية) كأننا تروس ماكينة واحدة توافقت على فعل ما تريد.
:وفور توجههم إلى المدينة وقعت عليهم أعين المخبرين وجلهم من [[المنيا]] ويعرفون محي لصفاته الفريدة '''(الطول الفارع والنحافة المتناهية والنظارة الطبية المقعرة ..)''' وتنادوا في نفس واحد محي الدين عيسى ... [[محي عيسي]] ... امسك ...، وتكاثروا بالعشرات في عملية مطاردة ل[[محي عيسي]] وهو يهرول بسرعة ناحية السور للخروج قفزا وقبل السور بقليل أمسك أحدهم بملابسه وعلى الفور لم يتردد [[محمود الراوي]] في التقاط قطعة من الحديد في الموقع وعاجل المخبر بضربة قاتلة على رأسه وسقط المخبر مغشيا عليه وتراجع المطاردون من هول المفاجأة وقفز محي ومحمود عدوا فوق السور ودخلوا بين مقابر الإمام وسكنوا أحد المقابر ...  


وقبل العصر بلغنا بيت العائلة في قريتنا والتقطنا أنفاسنا وقدم لي ولضيوفي الغداء اللذيذ المعتاد في مثل أيام العيد ... ولكن خلال ساعة من الزمن بدأ أشقائي يشعرون بأن الأمر ليس طبيعيا ... فلم أتعود الذهاب إليهم بأغراب!  يوم العيد من كل عام كما أنني لم أتعود زيارتهم بغير أهل بيتي.
:أدركت الأجهزة الأمنية ما يحدث واجتمعت كافة فرق البحث في أقل من عشر دقائق ومعهم الصور المطبوعة ومواصفات الهاربين وطوقت المقابر قوات الأمن بالآلاف في حلقة محكمة وراح الباحثون يضيقون الحلقة شيئا فشيئا حتى لم يعد أمامهم سوى المقبرة الأخيرة ... توجهت إليها كافة الأسلحة وعلا صوت الميكرفون '''" ... ارم سلاحك ... ارفع إيدك ... سلم نفسك ..."''' أمامك دقيقتين ...  


في المساء طرق الباب كبير الخفراء في القرية وخرجت لمقابلته في الفرندة الخارجية حتى لا يدخل إلى المندرة ويلحظ وجود الهاربين ... وفور لقائه همس في أذني وشقيقي قريب يسمع ... "فيه إشارة وصلت من المركز بالإبلاغ عن أي أغراب يتواجدون بالقرية ... ثم أردف قائلا ... و كان عندكم حد غريب اتصرفوا فيه بسرعة ...".
:قبل مرور دقيقة واحدة خرج محي ومحمود رافعين أذرهم إلى السماء وتم القبض والكلبشة والربط مع الجنود وفي موكب مهيب سيق الاثنان إلى مكاتب التحقيقات وتحت التعذيب الوحشي دلا على عنوان [[أبو العلا ماضي]] وتوجهت القوات للقبض عليه وتمكنت من ذلك وتحت التعذيب الوحشي اعترفوا على المهندس محمد شرف وتم القبض عليه ووجهت المباحث له سؤالا واحدا .. من أوصل هؤلاء إليك؟


ولم يعطنا فرصة للتعليق وانصرف سريعا كان لا بد من مصارحة أشقائي بالأمر وكانوا على قدر المسئولية ... فقلت لهم تحملوا استضافتنا يوم أو يومين وسأتوجه للقاهرة لإتمام اللمسات الأخيرة المتعلقة بالمكان الذي سوف يقيمون فيه ... كان في خلدي أن أجهز لهم فراشا مناسبا وملابس كافية وأدوات نظافة لمدة طويلة ...  
:فقال: السيد عبد الستار المليجي .. وهنا اتحلت العقدة وتم الإفراج عنه بعد يومين وأحيلا الأخوة الثلاثة إلى سجن طرة وفي الصباح طالعت الخبر في الجريدة اليومية وبعد يوم واحد تم الإفراج عني ونظرا لكونهم بريئان من عملية الاعتقال فقد أفرج عنهم بعد شهور قليلة وأصبحت تلك الأحداث جزءا من التاريخ.


وهكذا ... بالفعل في الصباح توجهت إلى [[القاهرة]] وتركتهم في البيت ... وما أن غادرت بيتنا حتى (كما حكي لي بعد ذلك) بدأ التليفزيون بعرض خمس صور لأفراد مطلوبين هم ([[عبود الزمر]] – [[ناجح إبراهيم]] – [[أبو العلا ماضي]] – محي الدين عيسى – [[طارق الزمر]]) لم يصدق أشقائي أن الصورة والأصل أصبحت في بيتنا؛
'''في سجون [[1981]]:'''


وتصرفوا بحكمة وشجاعة فلم ينتظروا للصباح ... وفي سيارة خاصة تم نقل الهاربين إلى مكان أمين بعيدا عن بيت الأسرة وفور خروجهم بأقل من ساعة كانت قوة من الشرطة تداهم البيت وتبحث عنهم ولكنها لم تعثر على غرباء، واعتبر ذلك بلاغا كاذبا، هنا في [[القاهرة]] لم أتمكن من بلوغ بيتي وتمت عملية اعتقالي قدرا في إحدى الكمائن ...
:بعدما تأكدت من سلامة خطة إخفاء الأخوين محي وأبو العلا بحيث لا يمكن تتبعهم عدت قافلا إلى [[القاهرة]]، ونظرا لتوقع وجود كمين في بيتي لمكتبي بإدارة مصانع الشريف بشارع أبو سمبل ب[[مصر]] الجديدة لأستطلع الأمر ممن لم يغادروا [[القاهرة]]؛


وتصرف الأخوين وفقا لخط السير الذي شرحته لهم والتقوا بالمهندس محمد شرف الدين وسكنوا المكان الجديد في منطقة بالصحراء [[الشرقية]] يقام بها مشروع جديد على أنهم مجرد عمال ترحيل.
:وكنا في عطلة عيد الأضحى والوقت قبيل العشاء والمكان كله مظلم تقريبا، تحسست الموقع ولم أر ما يفلت الأنظار فتسللت إلى باب الإدارة في الطابق الثاني، وفور دخولي تابعني شخص غريب ودخل ورائي وعليه علامات التوتر، تفحصته بدقة ولمحت مسدسه في خصره وأدركت أنه كمين، سألني متماسكا: حضرتك المهندس [[محي عيسي]]؛


ظل [[الإخوان]] على المنهج المتفق عليه ثمانية أشهر بينما كنت أنا في المعتقل تمارس معي كافة أنواع الضغوط المعتادة للاعتراف بمكانهم ولكن الله أعانني فلم يعرف مكانهم أحد إلا أطراف الموضوع الأربعة م. شرف والهاربين والعبد لله.
:فقلت: لا أنا سيد عبد الستار، تركني وخرج وتذكرت وقتها أن محي عمل مهندسا بمصانع الشريف لمدة شهرين وطبيعي أن يتوقع هروبه هنا وعلى ذلك تشابهت هيئتي معه ولو من حيث الطول والرفع، وبعد حوالي دقيقتين عاد وطلب مني في لطف تحقيق الشخصية، وما أن رأى بطاقتي مدون بها في خانة العمل '''(معيد بكلية العلوم، جامعة [[المنيا]])''' حتى عاد ينظر إلى بعد أن وضع البطاقة في جيبه وقال لازم نفحص حضرتك في القسم.


تشكلت فرق للبحث عنهم في كافة أنحاء الجمهورية وكانت تصل الفرق إلى معلومات شبه صحيحة فيأتون إلي في السجن لاستكمال المعلومات ولكن الله ألهمنا القدرة على إذابة ما لديهم من معلومات صحيحة وتحويلها إلى شيء غير ذي قيمة.
:وفي قسم [[مصر]] الجديدة بميدان الجامع أحضروا ضابط أمن الدولة '''(كان اسمه عادل وعيناه خضراوان)'''، وما أن رآني حتى ظهرت عليه ابتسامة صفراء وهو يقول '''(الحمد على السلامة يا سي السيد)''' وفورا صدر قرار باعتقالي، في القسم مكثت خمسة أيام، وتقلب على أكثر من خمسة مخبرين في هيئات متنوعة وكلهم يحاول بأساليب متنوعة معرفة معلومات عن الهاربين؛


في نهاية المطاف مل الهاربان الهروب واقتربوا من المدينة المزدحمة وتحركوا في مطاعمها ... وحاولوا رؤية ذويهم وأصدقائهم على اعتبار أن التحقيقات في القضية انتهت من شهور ... وحبب إلى محي و[[محمود الراوي]] التوجه إلى مدينة البعوث الإسلامية لزيارة أصدقاء لهم من [[المنيا]] طلبا لإرسال السلامات إلى ذويهم ب[[المنيا]]؛
:وكلما أخبرت أحدهم بأنه مخبر مكشوف يطلب الذهاب للحمام ثم لا يعود ويأتي آخر بأسلوب جديد، وفي نهاية المطاف كان الترحيل إلى أبو زعبل، وهناك سكنت عنبر 4 ووجدت به من سبقني من أبناء [[القاهرة]] و[[القليوبية]] وبدا العنبر كرنفالا للجماعات الإسلامية من كل لون، أكثر من عشر جماعات حتى كان منها ما يسمى نفسه جماعة الخشبتين الخلة والسواك؛


وفور توجههم إلى المدينة وقعت عليهم أعين المخبرين وجلهم من [[المنيا]] ويعرفون محي لصفاته الفريدة (الطول الفارع والنحافة المتناهية والنظارة الطبية المقعرة ...) وتنادوا في نفس واحد محي الدين عيسى ... [[محي عيسي]] ... امسك ...، وتكاثروا بالعشرات في عملية مطاردة ل[[محي عيسي]] وهو يهرول بسرعة ناحية السور للخروج قفزا – وقبل السور بقليل أمسك أحدهم بملابسه وعلى الفور لم يتردد [[محمود الراوي]] في التقاط قطعة من الحديد في الموقع وعاجل المخبر بضربة قاتلة على رأسه وسقط المخبر مغشيا عليه وتراجع المطاردون من هول المفاجأة وقفز محي ومحمود عدوا فوق السور ودخلوا بين مقابر الإمام وسكنوا أحد المقابر ...
:وممن سبقني للعنبر من [[الإخوان]] الأخ [[مختار نوح]] المحامي ال[[مصر]] على إقامة درس الثلاثاء الإخواني والشيخ عبد الهادي من [[أسوان]] ومجموعة فرماوية مثيرة للضحك في كل ما تأتي من أعمال وطبيب بيطري يدعى أحمد شبه مجنون ويدعي أن كل شيء في حياتنا ملوث بالخنازير؛


أدركت الأجهزة الأمنية ما يحدث واجتمعت كافة فرق البحث في أقل من عشر دقائق ومعهم الصور المطبوعة ومواصفات الهاربين وطوقت المقابر قوات الأمن بالآلاف في حلقة محكمة وراح الباحثون يضيقون الحلقة شيئا فشيئا حتى لم يعد أمامهم سوى المقبرة الأخيرة ... توجهت إليها كافة الأسلحة وعلا صوت الميكرفون " ... ارم سلاحك ... ارفع إيدك ... سلم نفسك ..." أمامك دقيقتين ...  
:والعدد الإجمالي في العنبر الذي سعته عشرون يبلغ 72 معتقل وحمام واحد والطابور على الحمام مستمر بالحجز 24 ساعة، استقبلوني مرحبين مهللين مكبرين ولم يكن معي شيء تقريبا لأنني معتقل من الطريق وكنت ما زلت ببدلتي كاملة وبالكرافتة، صحيح كانت متسخة من النوم في الحجز ولكنها بقيت بدلة كاملة وآخر تمام.


قبل مرور دقيقة واحدة خرج محي ومحمود رافعين أذرهم إلى السماء وتم القبض والكلبشة والربط مع الجنود وفي موكب مهيب سيق الاثنان إلى مكاتب التحقيقات ... وتحت التعذيب الوحشي دلا على عنوان [[أبو العلا ماضي]] وتوجهت القوات للقبض عليه وتمكنت من ذلك ... وتحت التعذيب الوحشي اعترفوا على المهندس محمد شرف وتم القبض عليه ووجهت المباحث له سؤالا واحدا .. من أوصل هؤلاء إليك؟
:بعد أسبوع خضنا ملحمة الحلاقة زيرو ونقلنا إلى العنبر السياسي من أجل إجرائها ثم عدنا إلى عنبر أربعة ويوم السادس والعشرين من [[أكتوبر]] جاءت النداهة المسائية، ونادت بالميكروفون '''(السيد عبد الستار المليجي ... لم هدومك واستعد للترحيل)'''


فقال: السيد عبد الستار المليجي ... وهنا اتحلت العقدة وتم الإفراج عنه بعد يومين وأحيلا الأخوة الثلاثة إلى سجن طرة وفي الصباح طالعت الخبر في الجريدة اليومية وبعد يوم واحد تم الإفراج عني ونظرا لكونهم بريئان من عملية الاعتقال فقد أفرج عنهم بعد شهور قليلة وأصبحت تلك الأحداث جزءا من التاريخ.
:كان هذا يعني الذهاب إلى ساحة الموت بسجن التحقيقات بملحق طره، وبسرعة البرق لبست شرابي المبلول وحزائي ووضعت الكرافتة في جيبي وتسمرت على الباب الحديدي بلا وعي تقريبا، إنها لحظات الإقبال على الموت وهو الأمر الذي ينبغي خوضه بشجاعة وحزم.


في سجون [[1981]]:
:ولم تمر دقيقة حتى رأيت خلفي كل العنبر مصطفا وراء الشيخ عبد الهادي يصلون من أجلي صلاة الحاجة، وبينما كان صوت دعائهم يرج الأرض والسماء جاء حاملي الكلبشات وقيدوني في أحدهم وأسرعوا بي إلى سيارة شرطة وفي المقعد الخلفي ربطوا معي صول آخر وجلس بجوار السائق ضابط مسلح بالرشاش؛


بعدما تأكدت من سلامة خطة إخفاء الأخوين محي وأبو العلا بحيث لا يمكن تتبعهم عدت قافلا إلى [[القاهرة]]، ونظرا لتوقع وجود كمين في بيتي لمكتبي بإدارة مصانع الشريف بشارع أبو سمبل ب[[مصر]] الجديدة لأستطلع الأمر ممن لم يغادروا [[القاهرة]]، وكنا في عطلة عيد الأضحى والوقت قبيل العشاء والمكان كله مظلم تقريبا، تحسست الموقع ولم أر ما يفلت الأنظار فتسللت إلى باب الإدارة في الطابق الثاني، وفور دخولي تابعني شخص غريب ودخل ورائي وعليه علامات التوتر، تفحصته بدقة ولمحت مسدسه في خصره وأدركت أنه كمين، سألني متماسكا: حضرتك المهندس [[محي عيسي]]؛
:وفور خروجي للشارع سارت أمامي سيارة لا يكف ميكروفونها من تحذير المواطنين '''(على الجميع أن يركن يمين الطريق)''' وخلفي سيارة حراسة بها ست جنود مشهرين الرشاشات.


فقلت: لا أنا سيد عبد الستار، تركني وخرج وتذكرت وقتها أن محي عمل مهندسا بمصانع الشريف لمدة شهرين وطبيعي أن يتوقع هروبه هنا وعلى ذلك تشابهت هيئتي معه ولو من حيث الطول والرفع، وبعد حوالي دقيقتين عاد وطلب مني في لطف تحقيق الشخصية، وما أن رأى بطاقتي مدون بها في خانة العمل (معيد بكلية العلوم – جامعة [[المنيا]]) حتى عاد ينظر إلى بعد أن وضع البطاقة في جيبه وقال لازم نفحص حضرتك في القسم.
:كانت زفة عظيمة مهيبة تشعرك أنه لا مناص من الإعدام مهما طالت التحقيقات، وفي الطريق من أبو زعبل إلى طره تذكرت كل الماضي وذكريات الطفولة ونضالات العشر سنين الفائتة واسترحت نفسيا لكل ما أديت وحمدت الله كثيرا وقلت في نفسي ليكن ما يكون فقد فعلت كل ما آمنت أنه يجب على فعله.


وفي قسم [[مصر]] الجديدة بميدان الجامع أحضروا ضابط أمن الدولة (كان اسمه عادل وعيناه خضراوان)، وما أن رآني حتى ظهرت عليه ابتسامة صفراء وهو يقول (الحمد على السلامة يا سي السيد) وفورا صدر قرار باعتقالي، في القسم مكثت خمسة أيام، وتقلب على أكثر من خمسة مخبرين في هيئات متنوعة وكلهم يحاول بأساليب متنوعة معرفة معلومات عن الهاربين؛
:على أبواب سجن الاستقبال الرهيب عصبوا عيني بعصابة سوداء ثقيلة، وتقدم نحوي من راح يتأكد أنني لم أعد أر شيئا، مرت لحظات ثم سحبني جندي إلى داخل السجن الذي انفتحت بوابته بصوت مسموع، لم أتلق علقة الاستقبال المعتادة وسألت أول مسجون فأخبرني قائلا '''(النهار ده بس أوقفوا التعذيب لأن [[كمال السنانيري]] مات ... الله يرحمه ..)'''


وكلما أخبرت أحدهم بأنه مخبر مكشوف يطلب الذهاب للحمام ثم لا يعود ويأتي آخر بأسلوب جديد، وفي نهاية المطاف كان الترحيل إلى أبو زعبل، وهناك سكنت عنبر 4 ووجدت به من سبقني من أبناء [[القاهرة]] و[[القليوبية]] وبدا العنبر كرنفالا للجماعات الإسلامية من كل لون، أكثر من عشر جماعات حتى كان منها ما يسمى نفسه جماعة الخشبتين الخلة والسواك؛
:استمرت التحقيقات ثلاثة أشهر ونصف حول قضية الاغتيال، وقضية تهريب الأخوين محي وأبو العلا وتأكدوا من أطراف أخرى أنهم كانوا بحوزتي حتى يوم اعتقالي، وانتهوا لقرار '''(سوف تبقى مكانهم حتى تدل عليهم)''' وبعد ثلاثة أشهر وأيام أعادوني إلى أبو زعبل، ويوم عودتي أحسست أنني دخلت الجنة بالفعل وكانت لحظة زوال الغمامة السوداء من على عيوني ورؤية النور والبشر في أبو زعبل ميلاد جديد.


وممن سبقني للعنبر من [[الإخوان]] الأخ [[مختار نوح]] المحامي ال[[مصر]] على إقامة درس الثلاثاء الإخواني والشيخ عبد الهادي من [[أسوان]] ومجموعة فرماوية مثيرة للضحك في كل ما تأتي من أعمال وطبيب بيطري يدعى أحمد شبه مجنون ويدعي أن كل شيء في حياتنا ملوث بالخنازير؛
'''براءتي من قضية الاغتيال:'''


والعدد الإجمالي في العنبر الذي سعته عشرون يبلغ 72 معتقل وحمام واحد والطابور على الحمام مستمر بالحجز 24 ساعة، استقبلوني مرحبين مهللين مكبرين ولم يكن معي شيء تقريبا لأنني معتقل من الطريق وكنت ما زلت ببدلتي كاملة وبالكرافتة، صحيح كانت متسخة من النوم في الحجز ولكنها بقيت بدلة كاملة وآخر تمام.
:أسفرت التحقيقات مع حوالي 800 من المهتمين بمعاونة مجموعة الاغتيال عن اتهام 302 منهم وتبرئة الباقين وكنت من بين الذين برأتهم التحقيقات بالسجون بينما نقل الباقين إلى نيابة أمن الدولة وبدأت محاكمتهم فور الحكم على مجموعة العشرين التي باشرت عملية اغتيال الرئيس.


بعد أسبوع خضنا ملحمة الحلاقة زيرو ونقلنا إلى العنبر السياسي من أجل إجرائها ثم عدنا إلى عنبر أربعة ويوم السادس والعشرين من [[أكتوبر]] جاءت النداهة المسائية، ونادت بالميكروفون (السيد عبد الستار المليجي ... لم هدومك واستعد للترحيل)  
:لقاء [[جابر رزق]] كان أول من لقيني بسجن أبو زعبل فور عودتي من التحقيقات أخي [[جابر رزق]] '''(رحمة الله عليه)''' ما زلت أذكر محياه وهو يتسلق باب الزنزانة ليكلمني من فتحته الصغيرة ويقول '''(الحمد لله على سلامتك يا أخ سيد)'''


كان هذا يعني الذهاب إلى ساحة الموت بسجن التحقيقات بملحق طره، وبسرعة البرق لبست شرابي المبلول وحزائي ووضعت الكرافتة في جيبي وتسمرت على الباب الحديدي بلا وعي تقريبا، إنها لحظات الإقبال على الموت وهو الأمر الذي ينبغي خوضه بشجاعة وحزم.
:ولأنني عدت شبه عاري تقريبا من سجن الاستقبال فقد لاحظت عليه التأثر الشديد لما أنا عليه، وانسحب سريعا ليعود بعد دقائق ويناديني ويمد يده لي بغيار داخلي وجلباب بلدي شبه جديد وهو يقول جلابية أخوك لاشين إن شاء الله تيجي مقاسك؛


ولم تمر دقيقة حتى رأيت خلفي كل العنبر مصطفا وراء الشيخ عبد الهادي يصلون من أجلي صلاة الحاجة، وبينما كان صوت دعائهم يرج الأرض والسماء جاء حاملي الكلبشات وقيدوني في أحدهم وأسرعوا بي إلى سيارة شرطة وفي المقعد الخلفي ربطوا معي صول آخر وجلس بجوار السائق ضابط مسلح بالرشاش؛
:وبالفعل تحولت صورتي في دقائق من شحات إلى عمدة، دعوت له بالخير وما زلت حتى اليوم أترحم عليه كثيرا، وفي أول فسحة سارع إلي وجلس معي لأروي له كل ما وقع في سجن الاستقبال من تحقيقات وطمأنته أن التحقيقات لم تتناول أي شيء يتعلق بدوري في [[الإخوان]].في التنظيم الأصيل للتلمساني والتعرف على عبد المنعم لأول مرة.


وفور خروجي للشارع سارت أمامي سيارة لا يكف ميكروفونها من تحذير المواطنين (على الجميع أن يركن يمين الطريق) وخلفي سيارة حراسة بها ست جنود مشهرين الرشاشات.
:لم يمض على خروجي من السجن بضعة أيام حتى اتصل بي أخي [[جابر رزق]] واستضافني في بيته بشبرا، وأبلغني رسالة مؤداها أن الحاج [[مصطفي مشهور]] يسلم عليك ويقول لك اجمع من تعرفهم من قسم الطلبة وابدءوا العمل برئاسة أخيك [[عبد المنعم أبو الفتوح]]؛


كانت زفة عظيمة مهيبة تشعرك أنه لا مناص من الإعدام مهما طالت التحقيقات، وفي الطريق من أبو زعبل إلى طره تذكرت كل الماضي وذكريات الطفولة ونضالات العشر سنين الفائتة واسترحت نفسيا لكل ما أديت وحمدت الله كثيرا وقلت في نفسي ليكن ما يكون فقد فعلت كل ما آمنت أنه يجب على فعله.
:'''وقلت:''' أنا لا أعرف عبد المنعم ولم يكن معنا في القسم فقال '''(الخميس القادم نصوم ونفطر سوى وأعرفك عليه)'''، وبالفعل تم ذلك وتعرفت على [[عبد المنعم أبو الفتوح]] وخلال شهر تقريبا وفي ظروف أمنية بالغة الشدة تكونت أول لجنة مركزية للاتصال والمتابعة بعد أحداث المنصة تحت قيادة الأستاذ [[عمر التلمساني]] والدكتور [[أحمد الملط]] والأستاذ [[جابر رزق]]


على أبواب سجن الاستقبال الرهيب عصبوا عيني بعصابة سوداء ثقيلة، وتقدم نحوي من راح يتأكد أنني لم أعد أر شيئا، مرت لحظات ثم سحبني جندي إلى داخل السجن الذي انفتحت بوابته بصوت مسموع، لم أتلق علقة الاستقبال المعتادة وسألت أول مسجون فأخبرني قائلا (النهار ده بس أوقفوا التعذيب لأن [[كمال السنانيري]] مات ... الله يرحمه ..)
:وشكلت اللجنة من '''(م. [[محمد سليم]]، د. [[محمد حبيب]]، د. [[ممدوح الديري]]، د. السيد عبد الستار، د. [[عبد المنعم أبو الفتوح]]، د. [[أنور شحاتة]]، وانضم إليها آخرون تباعا)'''، وكان لهذه اللجنة مهمتان، الأولى الاتصال بالمحافظات والثانية إعادة تكوين قسم الطلاب كأول أقسام [[الجماعة]].


استمرت التحقيقات ثلاثة أشهر ونصف حول قضية الاغتيال، وقضية تهريب الأخوين محي وأبو العلا وتأكدوا من أطراف أخرى أنهم كانوا بحوزتي حتى يوم اعتقالي، وانتهوا لقرار (سوف تبقى مكانهم حتى تدل عليهم) وبعد ثلاثة أشهر وأيام أعادوني إلى أبو زعبل، ويوم عودتي أحسست أنني دخلت الجنة بالفعل وكانت لحظة زوال الغمامة السوداء من على عيوني ورؤية النور والبشر في أبو زعبل ميلاد جديد.
:وتمت المهمتان بنجاح وبدت جماعة [[الإخوان]] لأول مرة منذ أحداث [[1954]] تعمل بانتظام وتوافق واضحين، ودعي إلى قسم الطلاب المركزي كل من د. [[حلمي الجزار]] والمهندس [[أبو العلا ماضي]]، وهنا ملاحظة هامة جدا:


براءتي من قضية الاغتيال:
'''التنظيم السري في الخارج:'''


أسفرت التحقيقات مع حوالي 800 من المهتمين بمعاونة مجموعة الاغتيال عن اتهام 302 منهم وتبرئة الباقين وكنت من بين الذين برأتهم التحقيقات بالسجون بينما نقل الباقين إلى نيابة أمن الدولة وبدأت محاكمتهم فور الحكم على مجموعة العشرين التي باشرت عملية اغتيال الرئيس.
:تبين لي أن ما قمت به لم يكن بموافقة الحاج مصطفى وبدى ذلك فور عودته بعد ست سنوات من الهروب في الخارج حيث قابلني بفتور شديد ولم يفتح معي موضوع تنظيمه الجديد الذي شكله في الخارج من المبعوثين والمعارين في [[السعودية]] و[[اليمن]] والخليج و[[الكويت]]، من جانبي لم أشعر لحظة أنني أخطأت في شيء فالعهد الذي بيني وبني الحاج [[مصطفي مشهور]] كان على أساس أن [[التلمساني]] هو المرشد وهو ينوب عنه في البيعة لا أكثر؛


لقاء [[جابر رزق]] كان أول من لقيني بسجن أبو زعبل فور عودتي من التحقيقات أخي [[جابر رزق]] (رحمة الله عليه) ما زلت أذكر محياه وهو يتسلق باب الزنزانة ليكلمني من فتحته الصغيرة ويقول (الحمد لله على سلامتك يا أخ سيد)
:ولم أكن على علم بخلافات [[الإخوان]] القديمة، لقد طالعت مؤخرا هذا التاريخ بهدف التعرف على جذور المشكلة المزمنة وواضح أن [[عمر التلمساني]] كان طيلة عمره كما عرفناه عفا متعاليا على الصغائر مؤمنا بوحدة الصف ووحدة القيادة وضد التنظيمات السرية، بينما الحاج مصطفى كان يؤمن بجدوى العمل السري في تحقيق أهداف الدعوة وإيمانا منه بعقيدة إسلامية التنظيم وجاهلية ما عداه.


ولأنني عدت شبه عاري تقريبا من سجن الاستقبال فقد لاحظت عليه التأثر الشديد لما أنا عليه، وانسحب سريعا ليعود بعد دقائق ويناديني ويمد يده لي بغيار داخلي وجلباب بلدي شبه جديد وهو يقول جلابية أخوك لاشين إن شاء الله تيجي مقاسك؛
'''[[الإخوان]] والجامعات (قسم الطلاب):'''


وبالفعل تحولت صورتي في دقائق من شحات إلى عمدة، دعوت له بالخير وما زلت حتى اليوم أترحم عليه كثيرا، وفي أول فسحة سارع إلي وجلس معي لأروي له كل ما وقع في سجن الاستقبال من تحقيقات وطمأنته أن التحقيقات لم تتناول أي شيء يتعلق بدوري في [[الإخوان]].
:بحمد الله وتوفيقه بلغ قسم الطلاب ذروة لم يصلها من قبل، وبلغت جماعة [[الإخوان]] درجة راقية من الثبات والنمو والتأثير، وأسسنا أول مركز دراسات متخصص في مجال رفع كفاءة [[الإخوان]] في شتى ما يحتاجونه من دورات وأسميته '''(المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد)'''؛


في التنظيم الأصيل للتلمساني والتعرف على عبد المنعم لأول مرة.
:وكانت النتيجة رغم التضييقات الأمنية فوز طلبتنا بكافة مقاعد الاتحادات الطلابية تقريبا، وفوز أساتذتنا بكافة مقاعد مجالس إدارة نوادي هيئة التدريس عدا جامعة واحدة ألغيت فيها الانتخابات، (طالع كتاب تاريخ الحركة الإسلامية في ساحة التعليم '''"مكتبة وهبة"''' لتعرف كافة التفاصيل ولاحظ الصور المرفقة لأول اجتماع تنظيمي [[للإخوان]] تحت إدارة [[التلمساني]] وقبل هبوط التنظيم الخاص السري بالصراعات والفشل) هداهم الله.


لم يمض على خروجي من السجن بضعة أيام حتى اتصل بي أخي [[جابر رزق]] واستضافني في بيته بشبرا، وأبلغني رسالة مؤداها أن الحاج [[مصطفي مشهور]] يسلم عليك ويقول لك اجمع من تعرفهم من قسم الطلبة وابدءوا العمل برئاسة أخيك [[عبد المنعم أبو الفتوح]]؛
'''صراع التنظيم السري مع تنظيم [[التلمساني]] ومظاهره:'''


وقلت: أنا لا أعرف عبد المنعم ولم يكن معنا في القسم فقال (الخميس القادم نصوم ونفطر سوى وأعرفك عليه)، وبالفعل تم ذلك وتعرفت على [[عبد المنعم أبو الفتوح]] وخلال شهر تقريبا وفي ظروف أمنية بالغة الشدة تكونت أول لجنة مركزية للاتصال والمتابعة بعد أحداث المنصة تحت قيادة الأستاذ [[عمر التلمساني]] والدكتور [[أحمد الملط]] والأستاذ [[جابر رزق]]  
:لم يكد عام [[1985]] ينصرم حتى بدأت إرهاصات القلق على أعصاب التنظيم السري، وبدأت طلائعهم تتقاطر على [[مصر]] بغير مبررات معقولة لعودة المعارين، ولوحظ أنهم يأتون ويرفضون الاندماج فيما هو قائم، وبدءوا حملة من الشائعات حول إخوانهم الباقين هنا في رحاب الوطن؛


وشكلت اللجنة من (م. [[محمد سليم]] – د. [[محمد حبيب]] – د. [[ممدوح الديري]] – د. السيد عبد الستار – د. [[عبد المنعم أبو الفتوح]] – د. [[أنور شحاتة]]، وانضم إليها آخرون تباعا)، وكان لهذه اللجنة مهمتان، الأولى الاتصال بالمحافظات والثانية إعادة تكوين قسم الطلاب كأول أقسام [[الجماعة]].
:فنشروا مقولة '''(الحي أبقى من الميت)''' وكانت تعني أن العمل بالأحياء '''(التنظيم السري)''' يفضل على العمل بالنقابات والجامعات والمؤسسات العلنية، وبدأنا نشكو من شح الأفراد وقلة المعاونين في هذه المؤسسات، واقترح اعتبار الجامعة حي له إدارة مستقلة وبدأ العمل بالفعل بهذا المقترح، ثم ألغي المقترح وعدنا للمتاهة الأولى، كان الهدف هو إضعاف نقاط التميز لتنظيم [[التلمساني]] وتقوية العمل السري تحت قيادة جديدة وافدة، والترتيب لانتخابات مخططة تعطي للمبعوثين والمتسعودين والخلايجة المجندين للتنظيم السري مشروعية تنظيمية في القيادة.


وتمت المهمتان بنجاح وبدت جماعة [[الإخوان]] لأول مرة منذ أحداث [[1954]] تعمل بانتظام وتوافق واضحين، ودعي إلى قسم الطلاب المركزي كل من د. [[حلمي الجزار]] والمهندس [[أبو العلا ماضي]]، وهنا ملاحظة هامة جدا:
:في الحي الذي أعيش فيه '''(شرق [[القاهرة]])''' نزل من [[السعودية]] أحد [[الإخوان]] الشراقوة ويدعى [[محمد العريشي]]، وتعرفت عليه أول مرة في منزل [[محمود غزلان]] بالمعادي بواسطة [[ممدوح الديري]]، وبعد سنة تقريبا أدمجوه في تنظيم الحي، وهو الذي تسبب في مشكلة [[الأزهر]] وظل ينفخ في نارها حتى انتهت بانفصال خيرة شباب [[الإخوان]] بجامعة [[الأزهر]]؛


التنظيم السري في الخارج:
:ومن يومها و[[الإخوان]] بدت كالأم التي  تأكل أولادها، وهبط علينا من [[الكويت]] المهندس [[أشرف عبد السميع]]، وكان صريحا في كونه جاء على تنظيم مواز، فعندما دعوته للانضمام إلى أسرتنا لأننا كنا نسكن في بيت واحد صرح لي قائلا '''(أنا جاي من [[الكويت]] لأعمل مع الأستاذ العريشي)''' والعجيب أنه انتقل إلى الدقي فور انتهاء أول انتخابات وكأنه أدى المهمة وانصرف إلى غيرها كما أنه كان ضمن المعتقلين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]].


تبين لي أن ما قمت به لم يكن بموافقة الحاج مصطفى وبدى ذلك فور عودته بعد ست سنوات من الهروب في الخارج حيث قابلني بفتور شديد ولم يفتح معي موضوع تنظيمه الجديد الذي شكله في الخارج من المبعوثين والمعارين في [[السعودية]] و[[اليمن]] والخليج و[[الكويت]]، من جانبي لم أشعر لحظة أنني أخطأت في شيء فالعهد الذي بيني وبني الحاج [[مصطفي مشهور]] كان على أساس أن [[التلمساني]] هو المرشد وهو ينوب عنه في البيعة لا أكثر؛
:وكان مما كشف وجود التنظيم السري وبدأ محاولاته الانقلابية الموقف التالي الذي لا أنساه للمهندس '''([[أشرف عبد السميع]])''': فقد دعاني لزيارته في بيته، ولما دخلت وجدت عنده اجتماعا به قرابة العشرين من [[الإخوان]] الذين أعرف معظمهم، وجلست حيث انتهى المجلس وكانت جلستي قدرا في قبالة الداخل إلى الصالة ولا بد للداخل أن يراني، فإذا به يطلب مني بغضب واضح الانتقال إلى زاوية في مكان لا يراه أحد ولأنني في بيته فلم يكن بمقدوري أن أخالفه؛


ولم أكن على علم بخلافات [[الإخوان]] القديمة، لقد طالعت مؤخرا هذا التاريخ بهدف التعرف على جذور المشكلة المزمنة وواضح أن [[عمر التلمساني]] كان طيلة عمره كما عرفناه عفا متعاليا على الصغائر مؤمنا بوحدة الصف ووحدة القيادة وضد التنظيمات السرية، بينما الحاج مصطفى كان يؤمن بجدوى العمل السري في تحقيق أهداف الدعوة وإيمانا منه بعقيدة إسلامية التنظيم وجاهلية ما عداه.
:وبعد دقائق اتضح السبب، فقد وزع علينا أقلام رصاص وقصاصات ورق أبيض قائلا مطلوب منا أن نختار عدد كذا ليكونوا مجلس الشعبة '''(يعني هناك انتخابات بدأت دون علمي بالحي وأنا المتواجد قبل الداعي لها بخمسة عشرة سنة في الموقع يعني الجهاز السري اشتغل من ورانا ورتب الانتخابات كما يريد)'''


[[الإخوان]] والجامعات (قسم الطلاب):
:واتضح أنه تعمد إخفائي في هذه الزاوية حتى لا يراني الناخبون ولا يختارني أحد، ولكن كانت النتيجة على عكس ما أراد، قد يرى البعض أن هذا لعب عيال صغيرة، وأنا مع هذا البعض ولكنني أوضح بهذا المثل حجم شحنة الكراهية التي شحنوهم بها في الخارج ليفرغوها نارا حامية في قلوب [[الإخوان]] هنا


بحمد الله وتوفيقه بلغ قسم الطلاب ذروة لم يصلها من قبل، وبلغت جماعة [[الإخوان]] درجة راقية من الثبات والنمو والتأثير، وأسسنا أول مركز دراسات متخصص في مجال رفع كفاءة [[الإخوان]] في شتى ما يحتاجونه من دورات وأسميته (المركز العلمي للبحوث والدراسات – معبد)؛
:وفي نفس الحي ظهر الأخ '''([[محمد مهدي عاكف]])''' عام [[1987]] ومارس دورا خطيرا يتعلق بتصفية قسم الطلاب سوف أشرحه بعد قليل، وفي أمسية كنا فيها عند الأستاذ [[مختار نوح]] مدعويين على إفطار الخميس للتشاور حول انتخابات [[نقابة المحامين]] دخل علينا رجل لا نعرفه بصحبة [[عبد المنعم أبو الفتوح]] وعرف نفسه قائلا '''(أخوكم [[مسعود السبحي]]) '''


وكانت النتيجة رغم التضييقات الأمنية فوز طلبتنا بكافة مقاعد الاتحادات الطلابية تقريبا، وفوز أساتذتنا بكافة مقاعد مجالس إدارة نوادي هيئة التدريس عدا جامعة واحدة ألغيت فيها الانتخابات، (طالع كتاب تاريخ الحركة الإسلامية في ساحة التعليم – مكتبة وهبة – لتعرف كافة التفاصيل ولاحظ الصور المرفقة لأول اجتماع تنظيمي [[للإخوان]] تحت إدارة [[التلمساني]] وقبل هبوط التنظيم الخاص السري بالصراعات والفشل) هداهم الله.
:ولما لم يكن هناك سبب لوجوده فقد اعتبرته عنصرا جديدا من عناصر السريين، كانت طريقتهم دائما على هذا النحو، يأتي أحدهم فيندس وسطنا بصفته أخ جديد قادم من هنا أو هناك لا ليتعاون معنا ولكن ليشارك في محاصرتنا، ثم تقاطر العائدون واحدا تلو الآخر وكلهم بنفس الروح ونفس الجمود العاطفي والتخشب الإنساني، وكم كنت أستغرب المواقف قبل أن تكتمل عندي الصورة وتظهر معالمها الدميمة.


صراع التنظيم السري مع تنظيم [[التلمساني]] ومظاهره:
:وفي غضون هذه الأيام كذلك هبط علينا مبعوث جديد يدعى '''([[محمود حسين]])'''، وكانت الرسالة أنه عائد إلى كلية هندسة [[أسيوط]]، وكلفنا أنا والأخ [[أبو العلا ماضي]] أن نستقبله في مطار [[القاهرة]] ونقوم بخدمته، وفي المطار تعرف عليه أبو العلا وعرفني به ولكن الغريب كان برود عاطفته نحونا مع أنها أول مرة نلتقي به؛


لم يكد عام [[1985]] ينصرم حتى بدأت إرهاصات القلق على أعصاب التنظيم السري، وبدأت طلائعهم تتقاطر على [[مصر]] بغير مبررات معقولة لعودة المعارين، ولوحظ أنهم يأتون ويرفضون الاندماج فيما هو قائم، وبدءوا حملة من الشائعات حول إخوانهم الباقين هنا في رحاب الوطن؛
:لقد كان لوحا ثلجيا يمشي بيننا على قدمين، قلت في نفسي يبدو أن هناك مصنع في أوروبا ينتج ل[[مصر]] إخوان بلاستيك، وبمرور الأيام اتضح أنه من التنظيم السري الموازي وما شاء الله عليه، بسرعة الصاروخ ضرب الكل في [[أسيوط]]، ثم تعين في [[2006]] عضوا ب[[مكتب الإرشاد]] بدون انتخابات '''(رجل مزكى على الشريعة السرية)'''، أنا أعرف من [[الإخوان]] الأفاضل ب[[أسيوط]] العدد الوفير، ولكن لحكمة يعلمها الله لا يرقى أحدهم إلى مرتبة المعلبين في الخارج؟!


فنشروا مقولة (الحي أبقى من الميت) وكانت تعني أن العمل بالأحياء (التنظيم السري) يفضل على العمل بالنقابات والجامعات والمؤسسات العلنية، وبدأنا نشكو من شح الأفراد وقلة المعاونين في هذه المؤسسات، واقترح اعتبار الجامعة حي له إدارة مستقلة وبدأ العمل بالفعل بهذا المقترح، ثم ألغي المقترح وعدنا للمتاهة الأولى، كان الهدف هو إضعاف نقاط التميز لتنظيم [[التلمساني]] وتقوية العمل السري تحت قيادة جديدة وافدة، والترتيب لانتخابات مخططة تعطي للمبعوثين والمتسعودين والخلايجة المجندين للتنظيم السري مشروعية تنظيمية في القيادة.
'''العملية ... سلسبيل .. لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]] وتوابعها:'''


في الحي الذي أعيش فيه (شرق [[القاهرة]]) نزل من [[السعودية]] أحد [[الإخوان]] الشراقوة ويدعى [[محمد العريشي]]، وتعرفت عليه أول مرة في منزل [[محمود غزلان]] بالمعادي بواسطة [[ممدوح الديري]]، وبعد سنة تقريبا أدمجوه في تنظيم الحي، وهو الذي تسبب في مشكلة [[الأزهر]] وظل ينفخ في نارها حتى انتهت بانفصال خيرة شباب [[الإخوان]] بجامعة [[الأزهر]]؛
:أنشأ التنظيم الجديد شركة '''(سلسبيل)''' صورة طبق الأصل من '''(المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد)''' من حيث الشكل والأدوار، '''(كاد المريب يقول خذوني فأنا تنظيم موازي)'''.


ومن يومها و[[الإخوان]] بدت كالأم التي  تأكل أولادها، وهبط علينا من [[الكويت]] المهندس [[أشرف عبد السميع]]، وكان صريحا في كونه جاء على تنظيم مواز، فعندما دعوته للانضمام إلى أسرتنا لأننا كنا نسكن في بيت واحد صرح لي قائلا (أنا جاي من [[الكويت]] لأعمل مع الأستاذ العريشي) والعجيب أنه انتقل إلى الدقي فور انتهاء أول انتخابات وكأنه أدى المهمة وانصرف إلى غيرها كما أنه كان ضمن المعتقلين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]].
:فقد تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات '''(معبد)''' عام [[1983]] ليكون مساعدا للباحثين والدارسين بالجامعات المصرية على إتمام بحوثهم بمدهم بالمراجع والكيماويات والأجهزة، وشكله القانوني شركة توصية بسيطة، ونظرا لكوني مسئولا في هذا الوقت عن متابعة عمل [[الإخوان]] بين أعضاء هيئة التدريس؛


وكان مما كشف وجود التنظيم السري وبدأ محاولاته الانقلابية الموقف التالي الذي لا أنساه للمهندس ([[أشرف عبد السميع]]): فقد دعاني لزيارته في بيته، ولما دخلت وجدت عنده اجتماعا به قرابة العشرين من [[الإخوان]] الذين أعرف معظمهم، وجلست حيث انتهى المجلس وكانت جلستي قدرا في قبالة الداخل إلى الصالة ولا بد للداخل أن يراني، فإذا به يطلب مني بغضب واضح الانتقال إلى زاوية في مكان لا يراه أحد ولأنني في بيته فلم يكن بمقدوري أن أخالفه؛
:فقد كان مناسبا بحكم طبيعته أن يقوم بدور الاتصال والمتابعة بجميع الجامعات المصرية، وشكلت به لجنتان واحدة للخبراء والثانية للمستشارين، وشكلت اللجنتان بطريقة طبيعية وشفافة بمراسلة كافة عمداء الكليات المصرية، ومن ضمن الخبراء والمستشارين بالطبع [[الإخوان]] المتواجدين بالجامعات، ولذلك كان اجتماعهم بالمركز ونشاطهم من خلاله قانونيا ومنطقيا، وحتى يسهل الاتصال بالطلاب كنا نقيم باسم المركز كل عام مصيفا لتعليم لغة الكمبيوتر ودورات تصفية للتنمية البشرية المتكاملة، وقد أفادنا كثيرا في هذا المجال.


وبعد دقائق اتضح السبب، فقد وزع علينا أقلام رصاص وقصاصات ورق أبيض قائلا مطلوب منا أن نختار عدد كذا ليكونوا مجلس الشعبة (يعني هناك انتخابات بدأت دون علمي بالحي وأنا المتواجد قبل الداعي لها بخمسة عشرة سنة في الموقع يعني الجهاز السري اشتغل من ورانا ورتب الانتخابات كما يريد)
:فور اكتمال طلائع الغزو المعد في أوروبا و[[السعودية]] و[[الكويت]] و[[اليمن]] تشكل منهم تنظيم مصغر تحت لافتة '''(شركة سلسبيل)'''، بمجلس إدارة مكون من: [[أحمد عبد المجيد]] بصفته '''(مالك الشركة الأم في لندن)'''، [[خيرت الشاطر]] '''(رئيس مجلس الإدارة)'''، [[حسن مالك]] '''(عضو)'''، [[محمد إبراهيم]] '''(عضو)'''، [[طاهر عبد المنعم]] '''(عضو)'''، عدد من [[الإخوان]] المراسلين بكل محافظة كما تأسس فرع لشركة سلسبيل ب[[المنيا]] تحت قيادة د. [[محمد سعد الكتاتني]] ود. [[كمال الفولي]] ليكون المسئول عن تسويق التنظيم السري في الصعيد؛


واتضح أنه تعمد إخفائي في هذه الزاوية حتى لا يراني الناخبون ولا يختارني أحد، ولكن كانت النتيجة على عكس ما أراد، قد يرى البعض أن هذا لعب عيال صغيرة، وأنا مع هذا البعض ولكنني أوضح بهذا المثل حجم شحنة الكراهية التي شحنوهم بها في الخارج ليفرغوها نارا حامية في قلوب [[الإخوان]] هنا
:وبدا التنظيم يجمع معلومات تفصيلية حول جميع [[الإخوان]] ويسجلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة سلسبيل دون أي علم من الأستاذ [[عمر التلمساني]] أو العاملين معه؛


وفي نفس الحي ظهر الأخ ([[محمد مهدي عاكف]]) عام [[1987]] ومارس دورا خطيرا يتعلق بتصفية قسم الطلاب سوف أشرحه بعد قليل، وفي أمسية كنا فيها عند الأستاذ [[مختار نوح]] مدعويين على إفطار الخميس للتشاور حول انتخابات [[نقابة المحامين]] دخل علينا رجل لا نعرفه بصحبة [[عبد المنعم أبو الفتوح]] وعرف نفسه قائلا (أخوكم [[مسعود السبحي]]) ولما لم يكن هناك سبب لوجوده فقد اعتبرته عنصرا جديدا من عناصر السريين، كانت طريقتهم دائما على هذا النحو، يأتي أحدهم فيندس وسطنا بصفته أخ جديد قادم من هنا أو هناك لا ليتعاون معنا ولكن ليشارك في محاصرتنا، ثم تقاطر العائدون واحدا تلو الآخر وكلهم بنفس الروح ونفس الجمود العاطفي والتخشب الإنساني، وكم كنت أستغرب المواقف قبل أن تكتمل عندي الصورة وتظهر معالمها الدميمة.
:وبدأت هذه المنظمة الجديدة تصنف [[الإخوان]] دينيا تبعا لمواصفاتها الخاصة، وفور قدوم الحاج [[مصطفي مشهور]] فقد اعتمد على جهل [[الإخوان]] بالصراعات التاريخية الداخلية '''(بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص)''' أو بين [[النظام الخاص]] السري و[[مكتب الإرشاد]] وأعاد ترتيب [[الإخوان]] بالشكل الذي يتوافق مع اجتهاداته الشخصية، وطموحاته التنظيمية وتجنب التعامل معي وكافة [[الإخوان]] الذين يعملون مع الأستاذ عمر بوصفه المرشد الحقيقي [[للإخوان]]؛


وفي غضون هذه الأيام كذلك هبط علينا مبعوث جديد يدعى ([[محمود حسين]])، وكانت الرسالة أنه عائد إلى كلية هندسة [[أسيوط]]، وكلفنا أنا والأخ [[أبو العلا ماضي]] أن نستقبله في مطار [[القاهرة]] ونقوم بخدمته، وفي المطار تعرف عليه أبو العلا وعرفني به ولكن الغريب كان برود عاطفته نحونا مع أنها أول مرة نلتقي به؛
:حيث ارتكزت نظرية عمل الحاج [[مصطفي مشهور]] على اعتبار نفسه المرشد الحقيقي والأستاذ [[عمر التلمساني]] مجرد صورة مرشد '''(أو مرشد صورة)''' وهو نمط التفكير المسيطر على كل مجموعة التنظيم الخاص السري من السبعينيات، وعقيدتي أن هذا اجتهاد له عليه أجر واحد؛


لقد كان لوحا ثلجيا يمشي بيننا على قدمين، قلت في نفسي يبدو أن هناك مصنع في أوروبا ينتج ل[[مصر]] إخوان بلاستيك، وبمرور الأيام اتضح أنه من التنظيم السري الموازي وما شاء الله عليه، بسرعة الصاروخ ضرب الكل في [[أسيوط]]، ثم تعين في [[2006]] عضوا ب[[مكتب الإرشاد]] بدون انتخابات (رجل مزكى على الشريعة السرية)، أنا أعرف من [[الإخوان]] الأفاضل ب[[أسيوط]] العدد الوفير، ولكن لحكمة يعلمها الله لا يرقى أحدهم إلى مرتبة المعلبين في الخارج؟!
:ومن المعلوم تاريخيا أن تجربة العمل بهذه الطريقة جرت على [[الإخوان]] متاعب كثيرة وتسبب تاريخيا في قتل المرشد الأول [[حسن البنا]] بعدما غافلوه وقتلوا رئيس الوزراء [[النقراشي]] بغير إذنه وباجتهادهم الخاطئ، وهي نفسها طريقة التفكير التي عرقلت عمل المرشد الثاني [[حسن الهضيبي]]، وها هي اليوم تشق صف [[الإخوان]]، وتثير الشكوك والريبة فيما بينهم وتنتهي بهم إلى التنازع والفشل والحياة على رصيف الوطن.


العملية ... سلسبيل .. لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]] وتوابعها:
:ولكن كيف كانت نهاية المتورطين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]]؟ كان جهاز أمن الدولة وراءهم خطوة بخطوة وتركهم يعملون بدأب واجتهاد في جمع المعلومات الذي عجز هو عن جمعها عن [[الإخوان]]، ولما اكتملت عمليتهم ونضجت الثمرة وحان وقت قطافها تقدم ضباط أمن الدولة بقيادة العقيد محمد قمصان وقبضوا على المعلومات مرة واحدة بضربة واحدة في ساعة واحدة، وكانت [[قضية سلسبيل]] الشهيرة والتي لم تقدم لمحكمة رغم خطورتها لأن أجهزة الأمن اعتبرت مجلس إدارة سلسبيل أبطال أمنيون أدوا للمباحث خدمة جليلة.


أنشأ التنظيم الجديد شركة (سلسبيل) صورة طبق الأصل من (المركز العلمي للبحوث والدراسات – معبد) من حيث الشكل والأدوار، (كاد المريب يقول خذوني فأنا تنظيم موازي).
:وهكذا سلم [[الإخوان]] الكرام الأفاضل أعضاء [[النظام الخاص]] السري لمباحث أمن الدولة أهم وأخطر معلومات عن [[الإخوان]] بشكلهم الجديد، وهم جميعا شركاء عرفا وقانونا في المسئولية عن هذا الاختراق الأمني في الوقت الذي يدعون أنهم أحرص على الدعوة من غيرهم!!


فقد تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات (معبد) عام [[1983]] ليكون مساعدا للباحثين والدارسين بالجامعات المصرية على إتمام بحوثهم بمدهم بالمراجع والكيماويات والأجهزة، وشكله القانوني شركة توصية بسيطة، ونظرا لكوني مسئولا في هذا الوقت عن متابعة عمل [[الإخوان]] بين أعضاء هيئة التدريس؛
:والسؤال المطروح هو: هل تم التحقيق معهم من قبل أي جهة إخوانية؟ وما نتائج التحقيق؟ وما هي الدروس المستفادة؟ وأعجب من ذاك أن مجموعة سلسبيل مضت في مخططها فور خروجها من الحبس الاحتياطي وكأن شيئا لم يكن؟!


فقد كان مناسبا بحكم طبيعته أن يقوم بدور الاتصال والمتابعة بجميع الجامعات المصرية، وشكلت به لجنتان واحدة للخبراء والثانية للمستشارين، وشكلت اللجنتان بطريقة طبيعية وشفافة بمراسلة كافة عمداء الكليات المصرية، ومن ضمن الخبراء والمستشارين بالطبع [[الإخوان]] المتواجدين بالجامعات، ولذلك كان اجتماعهم بالمركز ونشاطهم من خلاله قانونيا ومنطقيا، وحتى يسهل الاتصال بالطلاب كنا نقيم باسم المركز كل عام مصيفا لتعليم لغة الكمبيوتر ودورات تصفية للتنمية البشرية المتكاملة، وقد أفادنا كثيرا في هذا المجال.
'''الإبعاد إلى النقابات وما ترتب عليه:'''


فور اكتمال طلائع الغزو المعد في أوروبا و[[السعودية]] و[[الكويت]] و[[اليمن]] تشكل منهم تنظيم مصغر تحت لافتة (شركة سلسبيل)، بمجلس إدارة مكون من: [[أحمد عبد المجيد]] بصفته (مالك الشركة الأم في لندن)، [[خيرت الشاطر]] (رئيس مجلس الإدارة)، [[حسن مالك]] (عضو)، [[محمد إبراهيم]] (عضو)، [[طاهر عبد المنعم]] (عضوعدد من [[الإخوان]] المراسلين بكل محافظة كما تأسس فرع لشركة سلسبيل ب[[المنيا]] تحت قيادة د. [[محمد سعد الكتاتني]] ود. [[كمال الفولي]] ليكون المسئول عن تسويق التنظيم السري في الصعيد؛
:في الوقت الذي كان التنظيم السري يرتب الأمور لنفسه بطريقة متسرعة في الأحياء والمدن، كانت هناك خطوات تتخذ لوقف نشاط الأقسام الناجحة في [[الجماعة]] بحجة أنها تقدم للمجتمع قيادات غير راضية عن تصرفات [[النظام الخاص]]، وكان أقوى هذه الأقسام قسم الطلاب، فلقد نجح القسم في العمل من خلال الاتحادات الرسمية في كافة الجامعات بغير استثناء حتى الجامعة الأمريكية استطاع الأخ [[عصام سلطان]] '''(المحامي)'''، أن يكون فيها مجموعة عمل جيدة.


وبدا التنظيم يجمع معلومات تفصيلية حول جميع [[الإخوان]] ويسجلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة سلسبيل دون أي علم من الأستاذ [[عمر التلمساني]] أو العاملين معه؛
:وعلى مستوى نوادي هيئة التدريس فقد صارت كل مجالسها من [[الإخوان]] تقريبا، كما كان قسم الطلاب هو المصدر الرئيسي [[للإخوان]] الجدد بغير منازع، وأدخل هذا القسم منذ عام [[1982]] وحتى سلبته مجموعة الخاص عام [[1988]] آلاف  من الشباب في جماعة [[الإخوان]].


وبدأت هذه المنظمة الجديدة تصنف [[الإخوان]] دينيا تبعا لمواصفاتها الخاصة، وفور قدوم الحاج [[مصطفي مشهور]] فقد اعتمد على جهل [[الإخوان]] بالصراعات التاريخية الداخلية (بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص) أو بين [[النظام الخاص]] السري و[[مكتب الإرشاد]] وأعاد ترتيب [[الإخوان]] بالشكل الذي يتوافق مع اجتهاداته الشخصية، وطموحاته التنظيمية وتجنب التعامل معي وكافة [[الإخوان]] الذين يعملون مع الأستاذ عمر بوصفه المرشد الحقيقي [[للإخوان]]؛
'''انقلاب [[محمد مهدي عاكف|مهدي عاكف]] في قسم الطلبة:'''


حيث ارتكزت نظرية عمل الحاج [[مصطفي مشهور]] على اعتبار نفسه المرشد الحقيقي والأستاذ [[عمر التلمساني]] مجرد صورة مرشد (أو مرشد صورة) وهو نمط التفكير المسيطر على كل مجموعة التنظيم الخاص السري من السبعينيات، وعقيدتي أن هذا اجتهاد له عليه أجر واحد، ومن المعلوم تاريخيا أن تجربة العمل بهذه الطريقة جرت على [[الإخوان]] متاعب كثيرة وتسبب تاريخيا في قتل المرشد الأول [[حسن البنا]] بعدما غافلوه وقتلوا رئيس الوزراء [[النقراشي]] بغير إذنه وباجتهادهم الخاطئ، وهي نفسها طريقة التفكير التي عرقلت عمل المرشد الثاني [[حسن الهضيبي]]، وها هي اليوم تشق صف [[الإخوان]]، وتثير الشكوك والريبة فيما بينهم وتنتهي بهم إلى التنازع والفشل والحياة على رصيف الوطن.
:كان من الطبيعي أن يكون العاملون في قسم الطلاب ولكن حدث العكس، ففي اجتماع عقد في بيتي بمدينة نصر حضر '''([[محمد مهدي عاكف|محمد مهدي عاكف]]) برفقة ([[عبد المنعم أبو الفتوح]])''' وأخبرنا أنه سيتولى رئاسة القسم بقرار من [[مكتب الإرشاد]]، وما لم تكن هناك كالعادة أسباب مقنعة، فقد استخدموا سياسة الركل إلى أعلى.


ولكن كيف كانت نهاية المتورطين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في [[الإخوان]]؟ كان جهاز أمن الدولة وراءهم خطوة بخطوة وتركهم يعملون بدأب واجتهاد في جمع المعلومات الذي عجز هو عن جمعها عن [[الإخوان]]، ولما اكتملت عمليتهم ونضجت الثمرة وحان وقت قطافها تقدم ضباط أمن الدولة بقيادة العقيد محمد قمصان وقبضوا على المعلومات مرة واحدة بضربة واحدة في ساعة واحدة، وكانت [[قضية سلسبيل]] الشهيرة والتي لم تقدم لمحكمة رغم خطورتها لأن أجهزة الأمن اعتبرت مجلس إدارة سلسبيل أبطال أمنيون أدوا للمباحث خدمة جليلة.
:واستطرد '''([[محمد مهدي عاكف]])'''، سيكون عبد المنعم مسئولا عن قسم النقابات المهنية.وكالعادة لم يترك فرصة للنقاش وانصرف بحجة أنه مسافر، ولفنا غم وهم كبيرين، كنا نحس من خلال مواقف كثيرة أن شيئا ما يدبر بليل ولكننا أمرنا بإحسان الظن.


وهكذا سلم [[الإخوان]] الكرام الأفاضل أعضاء [[النظام الخاص]] السري لمباحث أمن الدولة أهم وأخطر معلومات عن [[الإخوان]] بشكلهم الجديد، وهم جميعا شركاء عرفا وقانونا في المسئولية عن هذا الاختراق الأمني في الوقت الذي يدعون أنهم أحرص على الدعوة من غيرهم!!
:'''ولم يطل الانتظار ففي الاجتماع التالي وكان في بيتي كذلك قال ([[محمد مهدي عاكف]]) بصفته رئيس القسم:'''


والسؤال المطروح هو: هل تم التحقيق معهم من قبل أي جهة إخوانية؟ وما نتائج التحقيق؟ وما هي الدروس المستفادة؟ وأعجب من ذاك أن مجموعة سلسبيل مضت في مخططها فور خروجها من الحبس الاحتياطي وكأن شيئا لم يكن؟!
:'''(أنا عارف أنكم عاملين رديف لكل واحد فيكم يا ريت يحضروا معاكم الاجتماع القادم)'''، وحضر معنا الرديف في الاجتماع الثالث، وفي الاجتماع الرابع وجدتني وحدي مع الرديف من القسم وهو يقول '''(رئيس القسم مكاني سيكون د. [[رشاد البيومي]] وسيدعوكم للاجتماع به قريبا)'''؛


الإبعاد إلى النقابات وما ترتب عليه:
:بذلك قطعت رأس قسم الطلاب وفصلت عن جسده وصاروا به في توجهات جديدة ظهر آخرها في استعراض [[الأزهر]] المشهور وفي الملصق الذي غطى حوائط الجامعات وسبب المتاعب للطلبة وللجامعة وإدارتها ومنطوقة '''(طلاب [[الإخوان المسلمين]])'''، وانتهى القسم إلى خارج الاتحادات وانتقل عمله إلى كشك على رصيف الجامعة أطلقوا عليه '''(الاتحاد الموازي)''' ..


في الوقت الذي كان التنظيم السري يرتب الأمور لنفسه بطريقة متسرعة في الأحياء والمدن، كانت هناك خطوات تتخذ لوقف نشاط الأقسام الناجحة في [[الجماعة]] بحجة أنها تقدم للمجتمع قيادات غير راضية عن تصرفات [[النظام الخاص]]، وكان أقوى هذه الأقسام قسم الطلاب، فلقد نجح القسم في العمل من خلال الاتحادات الرسمية في كافة الجامعات بغير استثناء حتى الجامعة الأمريكية استطاع الأخ [[عصام سلطان]] (المحامي)، أن يكون فيها مجموعة عمل جيدة.
'''قسم الطلبة في قبضة [[النظام الخاص]]:'''


وعلى مستوى نوادي هيئة التدريس فقد صارت كل مجالسها من [[الإخوان]] تقريبا، كما كان قسم الطلاب هو المصدر الرئيسي [[للإخوان]] الجدد بغير منازع، وأدخل هذا القسم منذ عام [[1982]] وحتى سلبته مجموعة الخاص عام [[1988]] آلاف  من الشباب في جماعة [[الإخوان]].
:ومن الجدير بالذكر توضيح ماذا حدث معي شخصيا بوصفي الوحيد الذي تركوه بعض الوقت من قيادة قسم الطلاب الأساسية، طلب مني الحاج [[مصطفي مشهور]] وبحكم المعرفة القديمة والراسخة بيننا أن أستمر في قسم الطلبة مسئولا عن أعضاء هيئة التدريس ولكن تحت رئاسة '''([[محمود عزت]])'''


انقلاب [[محمد مهدي عاكف|مهدي عاكف]] في قسم الطلبة:
:'''وقلت له:''' يا عم الحاج تكفي رئاسة '''([[رشاد البيومي]])'''، ولماذا رئاسة أخرى وسيطة، فقال '''(اعتبره الأصل وأنت مساعده)''' فقلت منفعلا المفروض يا عم الحاج أن يكون لي مساعد إن أردتم ذلك لأنني أعمل في هذه المهمة لأكثر من خمس سنين، ثم إنني بصراحة لم أعد أثق في [[محمود عزت]] منذ أن تركني وحدي وسافر والمحنة على أشدها عقب أحداث المنصة، تغير وجه الحاج مصطفى وأحسست أنه أخذ الكلام على نفسه وقال:عموما فكر في الموضوع وأنت حر.


كان من الطبيعي أن يكون العاملون في قسم الطلاب ولكن حدث العكس، ففي اجتماع عقد في بيتي بمدينة نصر حضر ([[محمد مهدي عاكف|محمد مهدي عاكف]]) برفقة ([[عبد المنعم أبو الفتوح]]) وأخبرنا أنه سيتولى رئاسة القسم بقرار من [[مكتب الإرشاد]]، وما لم تكن هناك كالعادة أسباب مقنعة، فقد استخدموا سياسة الركل إلى أعلى.
:كان هذا آخر عهدي بقسم الطلاب وبالرغم من عدم صدور قرار واضح في اللقاء فلم أدع لحضور الاجتماعات من رئيس القسم الجديد حتى اليوم ومنذ عام [[1989]]، وخلال أعوام أربعة بعد ذلك تركت مفتاح مكتبي '''(المركز العلمي للبحوث والدراسات)''' بمدينة نصر للأخ الدكتور '''([[محمود أبو زيد]])''' بطب القصر العيني وكثيرا ما كان يعقد اجتماعات متعلقة بقسم الطلاب في مكتبي وأنا أسكن فوقه مباشرة دون دعوتي للاجتماع، ومع ذلك فقد كنت أستريح كثيرا لموقفي هذا، كما أن ثقتي في [[محمود أبو زيد]] لم تتغير حتى اليوم.


واستطرد ( [[محمد مهدي عاكف]])، سيكون عبد المنعم مسئولا عن قسم النقابات المهنية.
:خلال عام [[1988]] بدأت أتردد على نقابة المهن العلمية وأدرس القوانين المنظمة لها وأجمع المعلومات حول مجلسها وتاريخها، والحمد لله كان تاريخها مشرفا ومشجعا للعمل ضمن مجلسها مهما بدى عليه من ضعف في الأداء، وسريعا أبلغني عبد المنعم بوصفه رئيس قسم المهن بأن أنتقل إلى قسم المهن لأتحمل المسؤولية عن العلميين ونقابتهم وكان، واستمر العمل بنقابة العلميين حتى كانت قضية محاكمة المهنيين العسكرية عام [[1995]]، وهي المحاكمات التي استغلها التنظيم السري لينقض على موقعي بالنقابة ويسلمه لأحد المتعاونين معه ويدعى [[أحمد حشاد]] ويعمل باحثا بهيئة المواد النووية.


وكالعادة لم يترك فرصة للنقاش وانصرف بحجة أنه مسافر، ولفنا غم وهم كبيرين، كنا نحس من خلال مواقف كثيرة أن شيئا ما يدبر بليل ولكننا أمرنا بإحسان الظن.
'''[[الإخوان]] والنقابات:'''


ولم يطل الانتظار ففي الاجتماع التالي وكان في بيتي كذلك قال ([[محمد مهدي عاكف]]) بصفته رئيس القسم: (أنا عارف أنكم عاملين رديف لكل واحد فيكم يا ريت يحضروا معاكم الاجتماع القادم)، وحضر معنا الرديف في الاجتماع الثالث، وفي الاجتماع الرابع وجدتني وحدي مع الرديف من القسم وهو يقول (رئيس القسم مكاني سيكون د. [[محمد رشاد البيومي|رشاد البيومي]] وسيدعوكم للاجتماع به قريبا)؛
:تكفي هنا الإشارة إلى أن جميع قيادات قسم الطلاب تم إبعادهم إلى قسم المهن والنقابات ب[[الإخوان]] ووجدنا أنفسنا نحن الفريق المتكامل مرة ثانية في قسم واحد جديد '''([[عبد المنعم أبو الفتوح]]، السيد عبد الستار، [[أنور شحاتة]]، [[أبو العلا ماضي]]، [[محمد عبد اللطيف]]، [[صلاح عبد الكريم]]، [[حسام حسين]])'''


بذلك قطعت رأس قسم الطلاب وفصلت عن جسده وصاروا به في توجهات جديدة ظهر آخرها في استعراض [[الأزهر]] المشهور وفي الملصق الذي غطى حوائط الجامعات وسبب المتاعب للطلبة وللجامعة وإدارتها ومنطوقة (طلاب [[الإخوان المسلمين]])، وانتهى القسم إلى خارج الاتحادات وانتقل عمله إلى كشك على رصيف الجامعة أطلقوا عليه (الاتحاد الموازي) ..
'''وممثل لكل مهنة على النحو التالي: "حسب ذاكرتي" '''
قسم الطلبة في قبضة [[النظام الخاص]]:


ومن الجدير بالذكر توضيح ماذا حدث معي شخصيا بوصفي الوحيد الذي تركوه بعض الوقت من قيادة قسم الطلاب الأساسية، طلب مني الحاج [[مصطفي مشهور]] وبحكم المعرفة القديمة والراسخة بيننا أن أستمر في قسم الطلبة مسئولا عن أعضاء هيئة التدريس ولكن تحت رئاسة ([[محمود عزت]])  
'''الزراعيين:''' د. [[توفيق مسلم]] '''(المعلمين: أ. [[علي لبيب]]، الأطباء [[عبد المنعم أبو الفتوح]]، العلميين: السيد عبد الستار، الصيادلة تغيروا كثيرا، أطباء أسنان: تغيروا كثيرا، المحامين: [[مختار نوح]]، الصحفيين: [[محمد عبد القدوس]]، الإعلاميين: [[بدر محمد بدر]]، المهندسين: [[محمد علي بشر]])''' وأصبحنا الفريق الذي أوكل إليه أخونة النقابات المهنية.


وقلت له: يا عم الحاج تكفي رئاسة ([[محمد رشاد البيومي|رشاد البيومي]])، ولماذا رئاسة أخرى وسيطة، فقال (اعتبره الأصل وأنت مساعده) فقلت منفعلا المفروض يا عم الحاج أن يكون لي مساعد إن أردتم ذلك لأنني أعمل في هذه المهمة لأكثر من خمس سنين، ثم إنني بصراحة لم أعد أثق في [[محمود عزت]] منذ أن تركني وحدي وسافر والمحنة على أشدها عقب أحداث المنصة، تغير وجه الحاج مصطفى وأحسست أنه أخذ الكلام على نفسه وقال: عموما فكر في الموضوع وأنت حر.
:لم يكن ذلك تكريما من التنظيم السري المتربص بإخوانه والمصر على أن يقبض على مقاليد كل شيء ولكن فلسفتهم كانت تقوم على اعتبار قسم الطلاب من أهم الأقسام التي تشكل شخصية الفرد في المستقبل؛


كان هذا آخر عهدي بقسم الطلاب وبالرغم من عدم صدور قرار واضح في اللقاء فلم أدع لحضور الاجتماعات من رئيس القسم الجديد حتى اليوم ومنذ عام [[1989]]، وخلال أعوام أربعة بعد ذلك تركت مفتاح مكتبي (المركز العلمي للبحوث والدراسات) بمدينة نصر للأخ الدكتور ([[محمود أبو زيد]]) بطب القصر العيني وكثيرا ما كان يعقد اجتماعات متعلقة بقسم الطلاب في مكتبي وأنا أسكن فوقه مباشرة دون دعوتي للاجتماع، ومع ذلك فقد كنت أستريح كثيرا لموقفي هذا، كما أن ثقتي في [[محمود أبو زيد]] لم تتغير حتى اليوم.
:وأن بقاءنا في قسم الطلاب معناه استمرار إدخال عناصر جديدة تفهم وتعمل على طريقة [[الإخوان المسلمين]] وليس على نمط السريين، ومن هنا وجب إبعادنا ثم دفننا في النقابات المهنية بوصفها بيئة شاقة أو أشغال شاقة، وكذلك فإن عادتهم القديمة هي الافتئات والسطو على مجهودات الآخرين وسلب ما تم تعميره وتشجيره من الأرض ودفع غيرهم إلى أرض صحراوية أخرى ولكن خاب ظنهم وطاش سهمهم وندموا كثيرا على ما فعلوا؛


خلال عام [[1988]] بدأت أتردد على نقابة المهن العلمية وأدرس القوانين المنظمة لها وأجمع المعلومات حول مجلسها وتاريخها، والحمد لله كان تاريخها مشرفا ومشجعا للعمل ضمن مجلسها مهما بدى عليه من ضعف في الأداء، وسريعا أبلغني عبد المنعم بوصفه رئيس قسم المهن بأن أنتقل إلى قسم المهن لأتحمل المسؤولية عن العلميين ونقابتهم وكان، واستمر العمل بنقابة العلميين حتى كانت قضية محاكمة المهنيين العسكرية عام [[1995]]، وهي المحاكمات التي استغلها التنظيم السري لينقض على موقعي بالنقابة ويسلمه لأحد المتعاونين معه ويدعى [[أحمد حشاد]] ويعمل باحثا بهيئة المواد النووية.
:ففي غضون عامين أصبحت النقابات المهنية أعلى صوت إخواني في [[مصر]]، وسمعت الدنيا كلها بالنقابات المهنية في [[مصر]] واستطاع فريق المبعدين أن يحقق بفضل الله تقدما ملموسا في حركة النقابات المهنية على كافة الأصعدة، وارتج لما حدث نظام الحكم فأصدر القانون 100/ لسنة 93 ليوقف زحفنا وما استطاع فكانت قضية النقابات المهنية عام [[1995]] وساقونا للمحاكمات العسكرية مع آخرين، وبذلك تراجع النشاط في النقابات المهنية؛


[[الإخوان]] والنقابات:
:كما أن أعضاء [[النظام الخاص]] وجدوها فرصة ونحن وراء القضبان فأكملوا عمل النظام وملأوا مواقعنا بعناصرهم بعدما زودوهم بأسلحة فتاكة من الكراهية لأشخاصنا حتى يكونوا لنا بالمرصاد عند انقضاء فترة حبسنا.


تكفي هنا الإشارة إلى أن جميع قيادات قسم الطلاب تم إبعادهم إلى قسم المهن والنقابات ب[[الإخوان]] ووجدنا أنفسنا نحن الفريق المتكامل مرة ثانية في قسم واحد جديد ([[عبد المنعم أبو الفتوح]] – السيد عبد الستار – [[أنور شحاتة]] – [[أبو العلا ماضي]] – [[محمد عبد اللطيف]] – [[صلاح عبد الكريم]] – [[حسام حسين]] وممثل لكل مهنة على النحو التالي: "حسب ذاكرتي" الزراعيين: د. [[توفيق مسلم]] – المعلمين: أ. [[علي لبيب]] – الأطباء [[عبد المنعم أبو الفتوح]] – العلميين: السيد عبد الستار – الصيادلة تغيروا كثيرا – أطباء أسنان: تغيروا كثيرا – المحامين: [[مختار نوح]] – الصحفيين: [[محمد عبد القدوس]] – الإعلاميين: [[بدر محمد بدر]] – المهندسين: [[محمد علي بشر]]) وأصبحنا الفريق الذي أوكل إليه أخونة النقابات المهنية.
'''أول انتخابات داخلية والترتيب لها ونهايتها:'''


لم يكن ذلك تكريما من التنظيم السري المتربص بإخوانه والمصر على أن يقبض على مقاليد كل شيء ولكن فلسفتهم كانت تقوم على اعتبار قسم الطلاب من أهم الأقسام التي تشكل شخصية الفرد في المستقبل؛
:ظل هذا الفريق السري من [[الإخوان]] يشعر أنه غريب في أوساط الجيل الإخواني الجديد وأن القيادة الطبيعية للجيل جلها ممن قادوا العمل الطلابي في السبعينات، وعلى الرغم من طيبة قلوب هذا الجيل وخلوه من ضغائن الماضي وطهارته من أدران الصراعات الداخلية القديمة


وأن بقاءنا في قسم الطلاب معناه استمرار إدخال عناصر جديدة تفهم وتعمل على طريقة [[الإخوان المسلمين]] وليس على نمط السريين، ومن هنا وجب إبعادنا ثم دفننا في النقابات المهنية بوصفها بيئة شاقة أو أشغال شاقة، وكذلك فإن عادتهم القديمة هي الافتئات والسطو على مجهودات الآخرين وسلب ما تم تعميره وتشجيره من الأرض ودفع غيرهم إلى أرض صحراوية أخرى ولكن خاب ظنهم وطاش سهمهم وندموا كثيرا على ما فعلوا؛
:فلم يرق لفريق [[النظام الخاص]] أن يلتزم بخط [[الإخوان]] الجديد المعلن وهو توريث الدعوة بنقائها وطهارتها والإبقاء على جيل الصحوة في المقدمة وإحسان توجيهه وإبعاده عن الشقاق والنفاق وسوء العلاقات التنظيمية التي لوثت سمعة [[الإخوان]] في الأربعينيات الخمسينيات الستينيات، وبدأ هذا الفريق يستغل توجهات الجيل في تولي المسئوليات بالانتخابات فقرر أن تكون الانتخابات هي الوسيلة التي تحقق لهم مشروعية التحكم في [[الإخوان]] فماذا حدث؟


ففي غضون عامين أصبحت النقابات المهنية أعلى صوت إخواني في [[مصر]]، وسمعت الدنيا كلها بالنقابات المهنية في [[مصر]] واستطاع فريق المبعدين أن يحقق بفضل الله تقدما ملموسا في حركة النقابات المهنية على كافة الأصعدة، وارتج لما حدث نظام الحكم فأصدر القانون 100/ لسنة 93 ليوقف زحفنا وما استطاع فكانت قضية النقابات المهنية عام [[1995]] وساقونا للمحاكمات العسكرية مع آخرين، وبذلك تراجع النشاط في النقابات المهنية؛
:في سرية تامة وخلال ثلاث سنوات وهم يغيرون في البنية التصويتية ب[[القاهرة]] وغيرها ويغيرون الدوائر الجغرافية وينقلون الحدود من مكان إلى مكان وينقلون أفرادهم من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى وبأي سبب، وفجأة بدءوا العملية الانتخابية على النحو التالي:


كما أن أعضاء [[النظام الخاص]] وجدوها فرصة ونحن وراء القضبان فأكملوا عمل النظام وملأوا مواقعنا بعناصرهم بعدما زودوهم بأسلحة فتاكة من الكراهية لأشخاصنا حتى يكونوا لنا بالمرصاد عند انقضاء فترة حبسنا.
يأتيك واحد من إخوان الحي وبيده ورقة استدعاء '''(نفس طريقة المباحث)''' مكتوب على الورقة '''(اجتماع الشعبة الليلة في منزل فلان والساعة كذا)''' ويعرض عليك الورقة على الباب ثم يضعها في جيبه ويفر هاربا دونما أن يعطيك فرصة للسؤال عن أي شيء ولا حتى سبب الاجتماع؛


أول انتخابات داخلية والترتيب لها ونهايتها:
:في المكان تدخل فتجد معجنة بشرية يتصاعد منها لهيب حرارة الأنفاس، ستون شخصا في مساحة مخصصة لخمسة أو عشرة، المنظر كأننا معتقلين في سجن مهين، خليط لا تعرف معظمه ولا من أين أتوا وبعد دقائق يوزع على الحاضرين ورقة وقلم رصاص مبري؛


ظل هذا الفريق السري من [[الإخوان]] يشعر أنه غريب في أوساط الجيل الإخواني الجديد وأن القيادة الطبيعية للجيل جلها ممن قادوا العمل الطلابي في السبعينات، وعلى الرغم من طيبة قلوب هذا الجيل وخلوه من ضغائن الماضي وطهارته من أدران الصراعات الداخلية القديمة فلم يرق لفريق [[النظام الخاص]] أن يلتزم بخط [[الإخوان]] الجديد المعلن وهو توريث الدعوة بنقائها وطهارتها والإبقاء على جيل الصحوة في المقدمة وإحسان توجيهه وإبعاده عن الشقاق والنفاق وسوء العلاقات التنظيمية التي لوثت سمعة [[الإخوان]] في الأربعينيات الخمسينيات الستينيات، وبدأ هذا الفريق يستغل توجهات الجيل في تولي المسئوليات بالانتخابات فقرر أن تكون الانتخابات هي الوسيلة التي تحقق لهم مشروعية التحكم في [[الإخوان]] فماذا حدث؟
:ويقول أحد الحاضرين مطلوب اختيار عدد كذا ل[[مجلس الشوري]] وعدد كذا لمجلس المنطقة وأمامك دقيقة واحدة وتسلم الورقة، وقبل أن تمر دقيقته يبدأ الأستاذ في جمع الأوراق ويأخذ معه فردين آخرين وينتحيان إلى غرفة جانبية وبعد دقائق يخرجون علينا ويقولون النتيجة، انتهى الاجتماع متشكرين عظم الله أجركم، فيحمل كل واحد بلغته تحت إبطه مخافة إحداث صوت على السلم ويعود من حيث أتى.


في سرية تامة وخلال ثلاث سنوات وهم يغيرون في البنية التصويتية ب[[القاهرة]] وغيرها ويغيرون الدوائر الجغرافية وينقلون الحدود من مكان إلى مكان وينقلون أفرادهم من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى وبأي سبب، وفجأة بدءوا العملية الانتخابية على النحو التالي:
:'''وهناك تسأله زوجته:''' مالك يا راجل مسهم كده كان مصيبة وقعت على راسك؟ وهو يشير لها صه صه هذا أمر قالوا لنا في شأنه ولا تحدث به نفسك بعد اليوم.


يأتيك واحد من إخوان الحي وبيده ورقة استدعاء (نفس طريقة المباحث) مكتوب على الورقة (اجتماع الشعبة الليلة في منزل فلان والساعة كذا) ويعرض عليك الورقة على الباب ثم يضعها في جيبه ويفر هاربا دونما أن يعطيك فرصة للسؤال عن أي شيء ولا حتى سبب الاجتماع؛
'''[[مصطفي مشهور]] يسقط في انتخابات [[مجلس الشوري]]:'''


في المكان تدخل فتجد معجنة بشرية يتصاعد منها لهيب حرارة الأنفاس، ستون شخصا في مساحة مخصصة لخمسة أو عشرة، المنظر كأننا معتقلين في سجن مهين، خليط لا تعرف معظمه ولا من أين أتوا وبعد دقائق يوزع على الحاضرين ورقة وقلم رصاص مبري، ويقول أحد الحاضرين مطلوب اختيار عدد كذا ل[[مجلس الشوري]] وعدد كذا لمجلس المنطقة وأمامك دقيقة واحدة وتسلم الورقة، وقبل أن تمر دقيقته يبدأ الأستاذ في جمع الأوراق ويأخذ معه فردين آخرين وينتحيان إلى غرفة جانبية وبعد دقائق يخرجون علينا ويقولون النتيجة، انتهى الاجتماع متشكرين عظم الله أجركم، فيحمل كل واحد بلغته تحت إبطه مخافة إحداث صوت على السلم ويعود من حيث أتى.
:وهكذا تمت أول انتخابات إخوانية منذ عام [[1948]] فماذا كانت النتائج، كانت مصيبة على رأس السريين، فقد أسفرت عن مجلس شورى غالبيته من جيل السبعينات، وكان من نتائجها الفجة الكريهة أنا الحاج [[مصطفي مشهور]] نفسه الذي أشرف على إعداد الأمور كلها رسب في انتخابات القاعدة في شعبته، وأجريت محاكمة للمتهم بتدبير ذلك، ولا أعرف كيف سويت المسألة بالضبط لكن الذي أتيقن منه أنها أثرت بعمق في نفس الحاج [[مصطفي مشهور]] وزادت من حدته وتخوفاته.


وهناك تسأله زوجته: مالك يا راجل مسهم كده كان مصيبة وقعت على راسك؟ وهو يشير لها صه صه هذا أمر قالوا لنا في شأنه ولا تحدث به نفسك بعد اليوم.
'''انتخابات أول وآخر إرشاد:'''


[[مصطفي مشهور]] يسقط في انتخابات [[مجلس الشوري]]:
:بنفس طريقة الانتخابات السابقة جرت انتخابات [[مكتب الإرشاد]] فقد دعينا عدة مرات وألغي الموعد ثم دعينا واجتمعنا بالمقر الرئيسي في 1 شارع التوفيقية صباح الخميس 17 [[يناير]] [[1995]]، وهناك توالت المفاجآت، [[مجلس الشوري]] المكون من 85 عضوا أضيف عليه بالتعيين 30 عضوا، معظم [[الإخوان]] السريين في حالة توتر أو توجس، تشعر من حركتهم وتجهمهم وكأننا مقدمون على حرب أو في ساحة القتال ...


وهكذا تمت أول انتخابات إخوانية منذ عام [[1948]] فماذا كانت النتائج، كانت مصيبة على رأس السريين، فقد أسفرت عن مجلس شورى غالبيته من جيل السبعينات، وكان من نتائجها الفجة الكريهة أنا الحاج [[مصطفي مشهور]] نفسه الذي أشرف على إعداد الأمور كلها رسب في انتخابات القاعدة في شعبته، وأجريت محاكمة للمتهم بتدبير ذلك، ولا أعرف كيف سويت المسألة بالضبط لكن الذي أتيقن منه أنها أثرت بعمق في نفس الحاج [[مصطفي مشهور]] وزادت من حدته وتخوفاته.
:أي حاجة غير الحب في الله، كانت التعاملات والملامح والتعليقات كلها تقول:اليوم يوم الملحمة، وأجريت الانتخابات بعد كلمة طلبها [[عصام العريان]] ولمدة خمس دقائق وكان خلفي [[محمد رشاد البيومي|رشاد البيومي]] يقول بصوت مسموع [[السيد نزيلي|لسيد نزيلي]] ومتهكما على عصام:'''(حضرته لازم يتكلم ويخطب في كل اجتماع)''' وانتهت الانتخابات وأعيدت على المقعد الأخير بين [[محمود عزت]] و[[خيرت الشاطر]].


انتخابات أول وآخر إرشاد:
:لم تكن النتائج مغايرة لتوقعاتي فعن نفسي كنت أعتبر [[مكتب الإرشاد]] بمثابة لجنة حكماء وحتى هذه الانتخابات وما قبلها لم أحاول مرة مطالعة اللائحة ولم يشغلني يوما ما فعلوه، لقد كنت من المستغرقين للنخاع في القيام بواجباتي التنظيمية وهي المقدمة على ما عداها؛


بنفس طريقة الانتخابات السابقة جرت انتخابات [[مكتب الإرشاد]] فقد دعينا عدة مرات وألغي الموعد ثم دعينا واجتمعنا بالمقر الرئيسي في 1 شارع التوفيقية صباح الخميس 17 [[يناير]] [[1995]]، وهناك توالت المفاجآت، [[مجلس الشوري]] المكون من 85 عضوا أضيف عليه بالتعيين 30 عضوا، معظم [[الإخوان]] السريين في حالة توتر أو توجس، تشعر من حركتهم وتجهمهم وكأننا مقدمون على حرب أو في ساحة القتال، ... أي حاجة غير الحب في الله، كانت التعاملات والملامح والتعليقات كلها تقول: اليوم يوم الملحمة، وأجريت الانتخابات بعد كلمة طلبها [[عصام العريان]] ولمدة خمس دقائق وكان خلفي [[محمد رشاد البيومي|رشاد البيومي]] يقول بصوت مسموع [[السيد نزيلي|لسيد نزيلي]] ومتهكما على عصام: (حضرته لازم يتكلم ويخطب في كل اجتماع) وانتهت الانتخابات وأعيدت على المقعد الأخير بين [[محمود عزت]] و[[خيرت الشاطر]].
:ولم يكن هناك سوى مفاجأة واحدة غير منطقية وهي فوز سكرتير الأستاذ [[عمر التلمساني]] اللواء [[إبراهيم شرف]] بمقعد في [[مكتب الإرشاد]]، حيرتني كثيرا هذه الواقعة لأنني أعرف أنه مجرد سكرتير من [[الإخوان]]، ثم كانت المفاجأة أنه ضابط جيش وأنه على رتبة عقيد.


لم تكن النتائج مغايرة لتوقعاتي فعن نفسي كنت أعتبر [[مكتب الإرشاد]] بمثابة لجنة حكماء وحتى هذه الانتخابات وما قبلها لم أحاول مرة مطالعة اللائحة ولم يشغلني يوما ما فعلوه، لقد كنت من المستغرقين للنخاع في القيام بواجباتي التنظيمية وهي المقدمة على ما عداها، ولم يكن هناك سوى مفاجأة واحدة غير منطقية وهي فوز سكرتير الأستاذ [[عمر التلمساني]] اللواء [[إبراهيم شرف]] بمقعد في [[مكتب الإرشاد]]، حيرتني كثيرا هذه الواقعة لأنني أعرف أنه مجرد سكرتير من [[الإخوان]]، ثم كانت المفاجأة أنه ضابط جيش وأنه على رتبة عقيد.
:كان بيننا اتفاقات مشددة بعدم ضم الضباط لتنظيم [[الإخوان]] لغرضين الأول مخافة الاختراق المخابراتي، والثاني لأن هذا يزيد من تخوفات الدولة فالضباط وظيفتهم الحرب وليس الدعوة، وما زلت حتى اليوم أعتبر وجود الأخ [[إبراهيم شرف]] في [[مكتب الإرشاد]] نموذجا توضيحيا لطريقة تفكير مجموعة التنظيم السري الخرقاء.


كان بيننا اتفاقات مشددة بعدم ضم الضباط لتنظيم [[الإخوان]] لغرضين الأول مخافة الاختراق المخابراتي، والثاني لأن هذا يزيد من تخوفات الدولة فالضباط وظيفتهم الحرب وليس الدعوة، وما زلت حتى اليوم أعتبر وجود الأخ [[إبراهيم شرف]] في [[مكتب الإرشاد]] نموذجا توضيحيا لطريقة تفكير مجموعة التنظيم السري الخرقاء.
:'''ثم ماذا بعد:'''


ثم ماذا بعد: لم يجتمع [[مجلس الشوري]] من يومها ولا مرة واحدة وكأن مهمته انتهت بانتخاب [[مكتب الإرشاد]]، ومن ناحية الواقع لم يعد له أي دور في [[الجماعة]] حتى القرار الوحيد وهو ضرورة السير في الإجراءات القانونية لإشهار حزب سياسي يمثل [[الإخوان]]، اعتبره [[مكتب الإرشاد]] غير ملزم وواقعيا وبعد مضي 13 عام لم يتقدموا خطوة واحدة نحو لجنة [[الأحزاب]]، أو نحو أي صيغة أخرى لاكتساب المشروعية القانونية.
:لم يجتمع [[مجلس الشوري]] من يومها ولا مرة واحدة وكأن مهمته انتهت بانتخاب [[مكتب الإرشاد]]، ومن ناحية الواقع لم يعد له أي دور في [[الجماعة]] حتى القرار الوحيد وهو ضرورة السير في الإجراءات القانونية لإشهار حزب سياسي يمثل [[الإخوان]]، اعتبره [[مكتب الإرشاد]] غير ملزم وواقعيا وبعد مضي 13 عام لم يتقدموا خطوة واحدة نحو لجنة [[الأحزاب]]، أو نحو أي صيغة أخرى لاكتساب المشروعية القانونية.


ومن وجهة نظري المتواضعة فالسبب ليس لجنة [[الأحزاب]] ولا الأوضاع الأمنية فهذه نتائج وليست أسباب ولكن السبب الرئيسي أن إخوان [[النظام الخاص]] السري لا يستطيعون العمل في ظل أي قانون، أو لائحة إنهم أمة همجية بمفهوم الدولة الحديثة يرفضون القانون أو العهد أو [[الدستور]] أو اللائحة أو العدالة ... كل هذه المعاني تمثل أعداء بالنسبة لهم.
:ومن وجهة نظري المتواضعة فالسبب ليس لجنة [[الأحزاب]] ولا الأوضاع الأمنية فهذه نتائج وليست أسباب ولكن السبب الرئيسي أن إخوان [[النظام الخاص]] السري لا يستطيعون العمل في ظل أي قانون، أو لائحة إنهم أمة همجية بمفهوم الدولة الحديثة يرفضون القانون أو العهد أو [[الدستور]] أو اللائحة أو العدالة ... كل هذه المعاني تمثل أعداء بالنسبة لهم.


وأعتقد أن أية أوضاع قانونية سليمة داخلية أو تشريعية سوف تنهي دورهم واسأل التاريخ عنهم تنجي لك الحقيقة، فهذا [[حسن البنا]] يسيل دمه على الإسفلت والسبب الحقيقي جرائم القتل التي ارتكبوها بغير مشورته، وهذا [[حسن الهضيبي]] محاصر في بيته ثم مخبأ في مكان غير معروف والسبب تصرفات التنظيم الخاص وهؤلاء هم [[الإخوان المسلمون]] معلقون كالذبائح في ساحات السجن الحربي والسبب إقدام التنظيم الخاص على محاولة قتل [[جمال عبد الناصر]] باعترافاتهم هم وليس الحكومة، وهذا جهد [[التلمساني]] وفريق العاملين معه في مهب الريح والسبب هم هم أعضاء [[النظام الخاص]]؛
:وأعتقد أن أية أوضاع قانونية سليمة داخلية أو تشريعية سوف تنهي دورهم واسأل التاريخ عنهم تنجي لك الحقيقة، فهذا [[حسن البنا]] يسيل دمه على الإسفلت والسبب الحقيقي جرائم القتل التي ارتكبوها بغير مشورته، وهذا [[حسن الهضيبي]] محاصر في بيته ثم مخبأ في مكان غير معروف والسبب تصرفات التنظيم الخاص وهؤلاء هم [[الإخوان المسلمون]] معلقون كالذبائح في ساحات السجن الحربي والسبب إقدام التنظيم الخاص على محاولة قتل [[جمال عبد الناصر]] باعترافاتهم هم وليس الحكومة، وهذا جهد [[التلمساني]] وفريق العاملين معه في مهب الريح والسبب هم هم أعضاء [[النظام الخاص]]؛


سيقول البسطاء من [[الإخوان]] كيف تقول ذلك وكان معهم ابن البنا وابن الهضيبي، وأقول: إن هذا جزء من سياسة الخداع [[للإخوان]] فمن المعروف أن الأستاذين المحترمين [[سيف الإسلام حسن البنا]] و[[محمد المأمون الهضيبي|مأمون حسن الهضيبي]] لم يكونا يوما مع من عكروا حياة أبويهم ولكن سياسة (حلق حوش) التي يمارسها أرباب [[النظام الخاص]] رأت ضرورة احتجازهما رهينة لدى [[النظام الخاص]] بأي ثمن والوسيلة إغرائهم بكراسي كبيرة يتوسدونها حتى لا ينضموا لأي فريق إخواني آخر فيكتسب بهم شرعية تاريخية؛
:سيقول البسطاء من [[الإخوان]] كيف تقول ذلك وكان معهم ابن البنا وابن الهضيبي، وأقول: إن هذا جزء من سياسة الخداع [[للإخوان]] فمن المعروف أن الأستاذين المحترمين [[سيف الإسلام حسن البنا]] و[[محمد المأمون الهضيبي|مأمون حسن الهضيبي]] لم يكونا يوما مع من عكروا حياة أبويهم ولكن سياسة '''(حلق حوش)''' التي يمارسها أرباب [[النظام الخاص]] رأت ضرورة احتجازهما رهينة لدى [[النظام الخاص]] بأي ثمن والوسيلة إغرائهم بكراسي كبيرة يتوسدونها حتى لا ينضموا لأي فريق إخواني آخر فيكتسب بهم شرعية تاريخية؛


ولكن من حيث الواقع ليس لسيف [[الإسلام]] أي دور في سياسة التنظيم وأخيرا صرح [[عاكف]] في الصحف معلقا على ما أسماه انتخابات [[مكتب الإرشاد]] التي لم يفز فيها سيف [[الإسلام]] ([[الإخوان]] مش عايزينه) وهو يطلق كلمة [[الإخوان]] خداعا ولكن الواقع يعني إخوان [[النظام الخاص]] السري، وأما المرحوم [[محمد المأمون الهضيبي|مأمون الهضيبي]] فقد فعلوا به ما فعلوه بأبيه وأدخلوه على تنظيم لا يعرف عنه شيء وملأوا أذنه نارا تجاه من خالفهم في الرأي، وكثيرا ما كان يصاب بالغثيان الحقيقي عندما يلتقي ببعضنا فيكتشف أننا إخوان مسلمين عاديين جدا، وقد حدث هذا معي شخصيا ولذلك تفاصيل في باب الرسائل الإصلاحية.
:ولكن من حيث الواقع ليس لسيف [[الإسلام]] أي دور في سياسة التنظيم وأخيرا صرح [[عاكف]] في الصحف معلقا على ما أسماه انتخابات [[مكتب الإرشاد]] التي لم يفز فيها سيف [[الإسلام]] '''([[الإخوان]] مش عايزينه)''' وهو يطلق كلمة [[الإخوان]] خداعا ولكن الواقع يعني إخوان [[النظام الخاص]] السري، وأما المرحوم [[محمد المأمون الهضيبي|مأمون الهضيبي]] فقد فعلوا به ما فعلوه بأبيه وأدخلوه على تنظيم لا يعرف عنه شيء وملأوا أذنه نارا تجاه من خالفهم في الرأي، وكثيرا ما كان يصاب بالغثيان الحقيقي عندما يلتقي ببعضنا فيكتشف أننا إخوان مسلمين عاديين جدا، وقد حدث هذا معي شخصيا ولذلك تفاصيل في باب الرسائل الإصلاحية.


وأما كون هذا آخر مكتب إرشاد فلأن الحاج [[مصطفي مشهور]] فور توليه القيادة بمظاهرة (بيعة المقابر) ألغى معظم نتائج الانتخابات وانقلب عليها وجمد [[مجلس الشوري]] واتبع سياسة التعيين في المواقع التي تخلو في [[مكتب الإرشاد]] أو غيره.
:وأما كون هذا آخر مكتب إرشاد فلأن الحاج [[مصطفي مشهور]] فور توليه القيادة بمظاهرة '''(بيعة المقابر)''' ألغى معظم نتائج الانتخابات وانقلب عليها وجمد [[مجلس الشوري]] واتبع سياسة التعيين في المواقع التي تخلو في [[مكتب الإرشاد]] أو غيره.


قضية [[1995]] وما ترتب عليها:
'''قضية [[1995]] وما ترتب عليها:'''


لم يمض يوما واحدا على انتخابات [[مكتب الإرشاد]] حتى بدأت عملية اعتقال [[مجلس الشوري]] بعدما تم تسجيله صوت وصورة، جرت عملية الاعتقالات على دفعات خلال عام [[1995]] وكان آخر مجموعة 9 [[أكتوبر]] من نفس العام واكتمل عددنا 82 متهم وقسمتنا الداخلية على رقمين لقضيتين 9، 11/ 95 عسكرية عليا ثم أضيفت علينا قضية 13/ 95 بها متهمين اثنين واحد خارج البلاد وواحد مقبوض عليه ... جرت المحاكمات بسرعة بالغة وصدرت أحكام على 54 والباقي براءة.
:لم يمض يوما واحدا على انتخابات [[مكتب الإرشاد]] حتى بدأت عملية اعتقال [[مجلس الشوري]] بعدما تم تسجيله صوت وصورة، جرت عملية الاعتقالات على دفعات خلال عام [[1995]] وكان آخر مجموعة 9 [[أكتوبر]] من نفس العام واكتمل عددنا 82 متهم وقسمتنا الداخلية على رقمين لقضيتين 9، 11/ 95 عسكرية عليا ثم أضيفت علينا قضية 13/ 95 بها متهمين اثنين واحد خارج البلاد وواحد مقبوض عليه ... جرت المحاكمات بسرعة بالغة وصدرت أحكام على 54 والباقي براءة.


بدأنا في سجن مزرعة طره حتى صدور الأحكام وبعدها بأسبوع نقلنا إلى سجن ملحق طره، ومع أن الأمر يحتاج لمؤلف خاص ولكن الذي يهمنا هو مواقف فريق التنظيم السري مع إخوانهم في السجن (بالله عليك عزيزي القارئ خبرني: نروح فين بعد السجن حتى يؤمن هؤلاء بأننا إخوانهم وشركاؤهم في جماعة [[الإخوان]]؟!)؛
:بدأنا في سجن مزرعة طره حتى صدور الأحكام وبعدها بأسبوع نقلنا إلى سجن ملحق طره، ومع أن الأمر يحتاج لمؤلف خاص ولكن الذي يهمنا هو مواقف فريق التنظيم السري مع إخوانهم في السجن '''(بالله عليك عزيزي القارئ خبرني: نروح فين بعد السجن حتى يؤمن هؤلاء بأننا إخوانهم وشركاؤهم في جماعة [[الإخوان]]؟!)'''؛


بدأ [[محمود عزت]] و[[محمد الصروي]] يكتبا تقارير سرية حول [[الإخوان]] بالسجن ويرسلاها إلى الحاج [[مصطفي مشهور]] في الخارج عن طريق الزوجات الزائرات.
:بدأ [[محمود عزت]] و[[محمد الصروي]] يكتبا تقارير سرية حول [[الإخوان]] بالسجن ويرسلاها إلى الحاج [[مصطفي مشهور]] في الخارج عن طريق الزوجات الزائرات.


عندما أراد أن ننظم السجن ونعين مسئولا بالانتخابات رفض المساجين من أعضاء [[مكتب الإرشاد]] أن يدخلوا ضمن عملية التصويت وقالوا مخالفين لائحة [[الجماعة]] (نحن أعضاء [[مكتب الإرشاد]] بره وجوه) ووصل الأمر ب[[محمود عزت]] أن يفتح خطاب شخصي مرسل من أحد [[الإخوان]] لزوجته في الخارج ليتجسس عليه ويعرف ماذا يقول لزوجته، وكان يوما أسود من قرون الخروب بين [[الإخوان]] بعضهم وبعض لأن صاحب الرسالة أخبرته زوجته أن الخطاب وصلها مفتوحا وكاد صاحب الرسالة أن يقتل من فتح الخطاب كما كاد أن يموت هو من الصدمة النفسية والتوتر والتشنج.
عندما أراد أن ننظم السجن ونعين مسئولا بالانتخابات رفض المساجين من أعضاء [[مكتب الإرشاد]] أن يدخلوا ضمن عملية التصويت وقالوا مخالفين لائحة [[الجماعة]] (نحن أعضاء [[مكتب الإرشاد]] بره وجوه) ووصل الأمر ب[[محمود عزت]] أن يفتح خطاب شخصي مرسل من أحد [[الإخوان]] لزوجته في الخارج ليتجسس عليه ويعرف ماذا يقول لزوجته، وكان يوما أسود من قرون الخروب بين [[الإخوان]] بعضهم وبعض لأن صاحب الرسالة أخبرته زوجته أن الخطاب وصلها مفتوحا وكاد صاحب الرسالة أن يقتل من فتح الخطاب كما كاد أن يموت هو من الصدمة النفسية والتوتر والتشنج.

مراجعة ١٤:٥٨، ١٩ نوفمبر ٢٠١٢

الفصل الثالث:جيل السبعينيات ... صحوة واعدة ونهاية غامضة!

البدايات

لعله من المفيد قبل أن نتعرض لفترة السبعينيات أن أوضح معنى العنوان، فكلمة جيل تعني زمنيا قرابة ثلث قرن (35 سنة تقريبا) ومجتمعيا تعني البشر الذين مرت عليهم تلك السنون وهم عاقلون راشدون وما قدموا به من فعاليات، وجيل السبعينيات هم مواليد 19481955 وواقعيا هم الذين كانت أعمارهم في عام 1970 حول العشرين وهم اليوم تتراوح أعمارهم حول الخمسة والخمسين، وأما كلمة الإسلامي فتعني وجود فاعلين آخرين من توجهات ليست محسوبة على الإسلاميين؛

وأنا هنا أكتب عن الإسلاميين عرفا دون غيرهم كما أنه من الضروري وحتى لا يساء فهمي فإنني أعتبر الإسلاميين لغة كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلاميين عرفا هم المشاركون منهم في الصحوة الإسلامية شكلا وموضوعا خلال فترة السبعينيات التي نتحدث حولها.

كانت نكسة 1967 وهزيمتنا أمام الصهاينة وما وقع للجيش المصري خلال حرب الأيام الستة السوداء هي الباعث الحثيث لمشاعر الشباب الذي أحس أنه خدع لوقت طويل وأن الهزيمة كانت بسبب فشل النظام الاشتراكي الناصري وما عاناه من الفساد في معظم القطاعات واتفق مع هذا التفسير الناصريون أنفسهم وبدت جبهتهم في حالة انقسام وتشتت.

وقد علا صوت بعض الإسلاميين مبكرا ليقول إن الهزيمة كانت نتيجة لما قام به النظام من تعديات على الشريعة الإسلامية والبعد عن الدين لا سيما في الإعلام والتعليم والسياسة والاقتصاد، وقد وجدت هذه المقولة صدى واسعا لدى الكثيرين من الشباب والكبار؛

ومع أن مؤتمر القمة المنعقد بالخرطوم عقب الهزيمة مباشرة أعلن لاآته الثلاث التاريخية في مواجهة إسرائيل (لا صلح ... لا تفاوض ... لا اعتراف) إلا أن ثقة الشباب بالنظام الناصري كانت قد انتهت وبغير رجعة وحدثت عدة ثورات طلابية في مواجهة النظام لا تعدو أن تكون ردود أفعال نفسية ولم تكن لها صبغة محددة ولكن الغالب عليها الشعور الوطني العام لدى قطاعات الطلاب المشاركة بضرورة التغيير ونوجز من هذه الثورات الطلابية.

ثورة فبراير 1968:

حيث قامت مجموعات من طلبة حقوق القاهرة في مسيرة متجهة لمجلس الأمة منددة بالأحكام المخفضة التي صدرت ضد قيادات سلاح الجو المصري الذي تسبب في هزيمتنا بعد ما تحطم سلاح الجو كله على الأرض وبدون طيران بينما كان القادة يغطون في نومهم العميق صباح 5 يونيو بعدما قضوا ليلة حمراء وصفتها المصادر بعد ذلك بما لا يمكن كتابته في كتاب مثل هذا.
غير أن طلاب الحقوق لم يبقوا وحدهم وانضم إليهم في صباح السبت 14/ 12/ 1968 طلاب كلية الهندسة وعدد من طلاب الجامعة من كليات أخرى وقد حاصرتهم قوات الأمن حتى مقر المجلس وخدعوهم بالوعد أن مطالبهم سوف تجاب ولكن عليهم تسجيل أسماء قيادتهم ومطالبهم... وفي نفس الليلة كان الجميع بالمعتقلات والسجون بعدما قبض عليهم من منازلهم.

في هندسة عين شمس كانت معركة شرسة بين الطلبة والبوليس الذي لم يستطع منع الطلاب حيث تقع الكلية وسط الأحياء السكنية فأطلق النار في المليان فوقع عدد من الطلاب جرحى وكذلك من المواطنين فتفرق الكل أمام ضراوة القتال.

وظلت الأحداث حية في ذلك الوقت حتى استقر أمر الطلبة على ضرورة الاعتصام حتى تجاب مطالبهم وقد بلغ عدد المعتصمين حوالي 500 طالب بهندسة القاهرة انخفض بالليل إلى حوالي 200 طالب وقد أوجز البيان الصادر هذه المطالب بعد مقدمة طويلة في الآتي:
  1. الإفراج فورا عن جميع المعتقلين من الطلبة.
  2. إطلاق حرية الرأي والصحافة.
  3. اختيار مجلس أمة حر يمارس الحياة النيابية.
  4. إبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات.
  5. إصدار قوانين للحريات والعمل بها.
  6. التحقيق الجدي في مقتل العمال المتظاهرين بحلوان.
  7. إعادة محاكمة المتهمين في الطيران.
  8. التحقيق في انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة.

ثورة 1969 بالإسكندرية:

أطلق شرارتها تلك المعاملة الدموية التي لاقاها طلاب المعهد الديني بالمنصورة عندما تظاهروا في 21/ 11/ 1968 مطالبين بتحسين أحوال الدراسة والعمل للأزهريين خريجي المعهد.
وقد التهب حماس الطلبة بجامعة الإسكندرية وخرجوا في مظاهرات صاخبة شارك فيها المواطنون وازدحم ميدان محطة الرمل بالمتظاهرين الذين طوقتهم قوات الأمن وأمطرتهم بالقنابل المسيلة للدموع ولكنهم واصلوا مظاهراتهم مطالبين بتغيير النظام برمته ومحاكمة المسئولين فيه.
وفي الوقت الذي صدرت فيه الأوامر للجيش أن يتحرك هطلت على الإسكندرية أمطار غزيرة لم يثبت لها أحد وخلت الشوارع من الناس والشرطة وكان ذلك سببا لانتهاء الثورة وفي المساء كالعادة واصلت قوات الحكومة اعتقال الناس والطلبة الذين شاركوا في التظاهرات.
وفي يوم 11 يناير 1969 فتحت الجامعات للدراسة بعد قرار إغلاقها الذي استمر قرابة العشرين يوما.
ومع استمرار غياب التيار الإسلامي في الجامعات في هذه الفترة وكذلك استمرار الاحتلال الصهيوني لسيناء والإحساس العام بالهزيمة والضياع فقد نمت بالجامعات التيارات اليسارية في مواجهة نظام الحكم الناصري لكنها لم تلق القبول لدى الطلبة أو المصريين عموما ... وظلت حالة الركود الفكري والسياسي تخيم على الجامعات حوالي أعوام 69/70، 70/71 ولكن العام الدراسي 71/72 شهد بعض الإرهاصات لنمو الحركة الإسلامية وتمثل ذلك في:
  1. صدور بعض الصحف التي تنادي بضرورة العودة للإسلام والاحتكام للقرآن: مثل جريدة (آراء حرة) التي أصدرها الطالب وائل عثمان بهندسة القاهرة، ومجلة الإيمان التي كنت أصدرها بعلوم عين شمس.
  2. ظهور ما يسمى (جماعة شباب الإسلام) بهندسة القاهرة ثم حصولها على موافقة الاتحاد العام للطلبة بأن يكون لها أفرع في الجامعات والكليات باعتبارها جناحا من أجنحة الاتحاد.
وقد أشهرت الجمعية نفسها في مؤتمر ضخم بجامعة القاهرة حضره الشيخ محمد الغزالي، وكان يرأس هذه الجماعة الطالب عدلي مصطفى ويساعده الطالب عصام الغزالي ومن أعضائها الطالب وائل عثمان صاحب كتاب "أسرار الحركة الطلابية" والطالب عصام الشيخ بالهندسة ونبيل يس بالعلوم.

الإسلاميون وفترة النمو الكبرى:

تعد فترة السبعينيات بمثابة فترة النمو الكبرى ومرحلة استعادة الهوية الإسلامية، واستعادة سيادة الطابع الإسلامي في المظهر العام والحركة الاجتماعية، وسيادة اللغة العربية والألفاظ الإسلامية، وأضحى الإسلام بالجملة هو موضوع ومحور المناقشات العامة والخاصة؛
ففي مرحلة السبعينيات سادت الجماعة الإسلامية وعلا صوت الدعوة إلى الله وامتلأت الجامعات والأحياء بالمساجد، واحتشد الناس صفوفا بين يدي الله خاشعين ضارعين ...
وتداول الرأي العام ألفاظ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشورى، والحجاب والنقاب، كما انتشرت الكتب الإسلامية ومعارض الكتاب الإسلامي والمحاضرات الإسلامية، وصارت الجامعات معبرة عن حالة التدين الجديدة في الأمة ومنبرا عاما تعبر فيه عن وجهة نظرها تجاه القضايا العامة، ومما لا شك فيه أن ذلك لم يكن مخططا له من قبل الذين أسسوا الجامعة المصرية في بداية القرن العشرين.
وطبيعة عملية النمو الكبرى هذه لا تختلف عن أي عملية طبيعية أخرى، فقد كانت محكومة بالتدرج والزيادة المضطردة بقدر ما توفر لها من عناصر النجاح والدفع إلى الأمام.
فأما عناصر النجاح فقد تمثلت في الظروف التاريخية والظروف السياسية والاقتصادية التي مرت بها الحياة المصرية والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

أولا: سقوط الناصرية:

فلقد مات جمال عبد الناصر معنويا عام 1967 في الخامس من يونيو ودفن عام 1970 في 28 أغسطس، كانت هزيمتنا أمام شراذم اليهود عام 1967 أكبر تنبيه لنا جميعا أننا نسير في طريق خاطئ ومصير مشئوم طالما تقودنا هذه المجموعة التي كشفتها الهزيمة؛
فإذا هم جماعة من الفاسدين الذين يتقلبون بين أحضان الممثلات، وخرج الزعيم على الناس يبكي في انكسار وذلة محاولا تبرير ما حدث بأنه خيانة من جانب الأصدقاء، وانشغل الناس يفلسفون أسباب الهزيمة وكانت النتيجة التي اتفق عليها أكثر الناس ضرورة العودة إلى الله فليس لها من دون الله كاشفة، وترتب على ذلك عودة الكثيرين إلى دين الله أفواجا، وأول هؤلاء شباب الجامعات.

ثانيا: جذوة الإيمان الكامنة:

نجح فريق العلمنة والإذلال أن ينثر بعض الرماد على جذوة الإيمان فيغطيها بعض الوقت، ولكنها كانت موجودة وحية في نفوس الكثيرين من الأساتذة والمربين الذين التقطونا في بداية مرحة السبعينات من على أعتاب المساجد كأنهم يلتقطون حبات الياقوت والمرجان فرحين بنا سعداء بلقائنا وكأنهم كانوا يبحثون عن أولاد لهم قد فرقت بينهم أيام وأحداث.
في جامعة عين شمس التي بدأت فيها أولى خطواتي على طريق الله ما زلت أذكر حتى الآن الأستاذ الدكتور عبد الغني الوشاحي رحمه الله أستاذ طب الأطفال وهو يحملني مع آخرين في سيارته (الفولكس) الصغيرة إلى مسجد في مكان لم أكن أعرفه في ذلك الوقت (مسجد أنس بن مالك بالدقي) حيث نستمع إلى حديث طيب ومؤثر من الشيخ إبراهيم عزت ثم يعيدنا الأستاذ الجليل بسيارته إلى حيث كنا، ولا أحسب أنه كان يفعل ذلك بتكليف من أحد إلا حب الله ومرضاته ورغبته في مساعدة هذه النباتات الضعيفة من أمثالنا أن تنمو وتزدهر وتثمر.
وأذكر آخرين كانت لهم أدوار مشابهة من أمثال الأستاذ الدكتور محمد الكريمي أستاذ الفسيولوجيا بكلية الطب أيضا والذي كان يتبنى معسكراتنا في بدايتها، وفي كلية العلوم أذكر الدكتور محمود الخشان أستاذ الطبيعة الذي كان يجالسنا بالمسجد ويساعدنا على التحصيل، وأذكر الدكتور عبد المحسن زيكو الذي بحث عني أياما بعدما أخرجت أول مجلة حائط إسلامية حتى لقيني وأحسن ضيافتي وتعهدني بالصحبة إلى محاضرات الشيخ محمد الغزالي بجامعة القاهرة.

ثالثا: صراع الديكة بين الشيوعيين والرأسماليين:

في بداية السبعينات بدأ توجه السادات نحو الغرب عامة وأمريكا خاصة، وتخاصم مع الروس وطردهم من مصر، ولم يكن ذلك إلا مقدمة للارتماء في أحضان أمريكا، وهذا ما تم بعد ذلك في اتفاقية السادات، بيجن المسماة (بكامب ديفيد) المشئومة؛
وليس هذا مجال الحديث عنها، ولكن ترتب على هذا التوجه غضب الشيوعيين على السادات، في مهب الريح، ولجأ إلى اللعبة السياسية المعروفة بضرب الاتجاهات السياسية بعضها ببعض، فأغمض عينه عن التيار الإسلامي المتنامي ليسود بالجامعة ويحل محل الشيوعيين؛
وما زلت أذكر وأنا طالب بالجامعة في بداية السبعينات معسكراتنا الإسلامية التي كانت تعقد بالمدينة الجامعية وباشتراك رمزي، وكان يأتينا مندوب من وزارة الشباب يوزع علينا الجوائز في نهاية المخيم، كما كانت تصاريح المحاضرات والندوات غاية في السهولة واليسر من قبل القائمين على إدارة الجامعة في ذلك الوقت؛
وقد ساهم ذلك كله في الإسراع والتعجيل بسيادة الإسلاميين في الجامعات أثناء فترة السبعينات، كما أنني أذكر أن مطبعة جامعة عين شمس المركزية طبعت لي شخصيا كتيبا عن الحجاب الإسلامي وآخر عن قواعد تجويد القرآن الكريم بموافقة من إدارة كلية العلوم.
ولكن ... هل تم ذلك دفعة واحدة، أم صار في مراحل وخطوات.كما أوضحت سابقا، تم ذلك محكوما بسنة التدرج ومصانا بخطوات ثابتة مما أعطاه صفة الشباب والدوام إلى يومنا هذا، ويمكننا أن نلخص خطوات الحركة الدعوية الإسلامية بالجامعات على النحول التالي:
  1. مرحلة (القطاع الديني) في معسكر النشاط الصيفي العام.
  2. مرحلة (اللجنة الدينية) المنبثقة من اللجنة الثقافية باتحاد الطلاب.
  3. مرحلة (الجماعات الدينية).
  4. مرحلة (الجماعات الإسلامية) – (19731977).
  5. مرحلة استلام اتحادات الطلاب وتأكيد الثقة في الإسلاميين (19771979).
  6. مرحلة انقلاب السلطة وتحرشها بالإسلاميين.
  7. مرحلة الصدام والمواجهة.

وفيما يلي نلقي الضوء على تلك المراحل:

(1) مرحلة القطاع الديني في معسكر النشاط الصيفي:

كان المعسكر الصيفي من الوسائل المتبعة لحشد الشباب حول الفكر الحكومي، وفي كل إجازة صيفية يعقد هذا المعسكر ويقسم فيه الطلاب إلى قطاعات منها القطاع الديني إلى جانب القطاع الرياضي والقطاع الفني والقطاع الثقافي والقطاع السياسي ... إلخ.
ووسط هذا الحشد الطلابي المتنوع كان القطاع الديني في عام 1970/ 1971 يمثل موطن السخرية من ناحية الشكل والمضمون ...
ففي جامعة عين شمس حيث تخرجت كان المسئول عن القطاع الديني فتاة طالبة بكلية البنات!! تدعى صفاء نقف خلفها كل صباح في الطابور وكانت تتمايل أمامنا في الحركات الرياضية، في هذه المرحلة السنية الخطيرة، ودعك من تفاصيل أخرى حول القطاع الديني وطريقة معاملته بين القطاعات وما يطلق عيه من نكات وتهكمات، لقد كانت حقا تجربة قاسية على نفوسنا نحن القلة المتدينة التي قدمت إلى المعسكر منخدعة بالاسم (القطاع الديني).
وأما المعسكر فكان صورة للحياة الجامعية في ذلك الوقت فهو معسكر مشترك ومختلط بين فتيات وفتيان الجامعة، يمضون يومهم في البرامج وهم مشغولون عنها، فإذا جاء العصر حيث تنتهي فترات البرامج يجلس الجميع في الحديقة الواسعة على شكل شلل ومجموعات من البنين والبنات يتمازحون باللسان والأيادي والأرجل حتى ساعة متأخرة من الليل فيتوجهون كل إلى حجرته البنين في مبنى والبنات في المبنى الآخر.
وأما المادة الدينية التي كانت تقدم في معسكر القطاع الديني فكانت اجتهادات الطلبة المشتركين لبعضهم ومطالعاتهم الخاصة ... يتحاورون حولها في خيمة خاصة أعدت لهم ... وأذكر أننا كنا نتصارح معا في هذه الخيمة الخاصة ونبدي استياءنا عن الحالة العامة للمعسكر، وأذكر في هذه المرحلة أيضا أن شابا من كلية الطب هو الزميل عبد العزيز سويلم ..
كان يتسلل إلى خيمتنا بعد العصر من كل يوم ويعلمنا قراءة القرآن وتجويده وكنا نتشرب المعلومات بسرعة بالغة حتى خرجنا بعد عشرة أيام ومعظمنا يجيد التلاوة بدرجة عالية، وأحسب أن هذه كانت أكبر الفوائد التي تحققت لي شخصيا.ومن الفوائد الهامة أيضا، أننا تعارفنا وتعاهدنا على أن تدوم صلتنا على طول العام المقبل.

وعموما تميزت هذه المرحلة بما يلي:

  1. قلة أعداد المتدينين إلى حد الندرة.
  2. لا توجد فتاة واحدة تغطي شعرها ولا شاب ملتح.
  3. لا توجد مطبوعات إسلامية ولا محاضرات إسلامية.
  4. الصلاة لمن أراد ولم يشر إليها برنامج المعسكر.
  5. قيادات المعسكر وإدارته من اليساريين أو الناصريين مع صعوبة التفريق بينهما.
  6. العلاقات السائدة بين الأعضاء من الجنسين تحكمها تصورات ومبادئ غربية أو شيوعية.
وكانت حالة الجامعة مطابقة تماما للتوصيف السابق على طول فترة العام الجامعي.

ثانيا: مرحلة النشاط الديني المنبثق من اللجنة الثقافية (1972):

كانت الاتحادات الطلابية مثلها كالاتحادات العمالية والنقابية تمثل مرتعا خصبا لممارسة عملية تطويع الأفكار للسياسة العامة التي تهدف إليها الأجهزة الحاكمة حتى صار شكل الجامعة العام كأنها جامعة في موسكو أو واشنطن، ولم يكن غريبا أن ترى تحت كل شجرة من أشجار الجامعة طالبا وطالبة قد تعانقا وإلى جوارهما آخران قد جلسا ممددين يتداعبان بالأيدي والأرج؛
والويل لمن يحاول مجرد الاعتراض حيث يواجه بعبارات الاستهزاء ويوصف بأنه متخلف أو رجعي أو متزمت أو فلاح أو إلى آخر قائمة الألفاظ المحفوظة، فإن توجه إلى مسئول بالجامعة كانت الإجابة المشهورة: وأنت مالك؟ أي ما شأنك بهم؟

ولم تنجح الحكومة المصرية في مواجهة المد الشيوعي في الجامعة وانطبق عليها المثل القائل (سمن كلبك يأكلك) فعندما حاول الرئيس المصري أن يوجد لنفسه قاعدة شعبية تسانده أبت عليه الجامعة وما سمي بعد ذلك مراكز القوى، وكانت هذه القاعدة الطلابية تبعا لها ومن هنا جندت هذه المراكز التابعين لها ليقوموا بحملة مضادة لسياسة الرئيس الجديد؛

وفجأة امتلاك حوائط الجامعات خاصة القاهرة وعين شمس بمجلات حائط تسخر من الرئيس المصري السادات ومن سياسته، ورسمت له صورا كاريكاتيرية من أقبح الأوضاع وكذلك زوجته مما أشعل في صدره نار الانتقام.
أسست الحكومة خطتها في مقاومة هذا الاتجاه على أساس ضربه باتجاه آخر، ولعله من المعلوم لدى أجهزة الأمن والمسئولين في الإعلام والثقافة والتربية والأخلاق أنه لا يقضي على الشيوعية وما شابهها إلا الإسلاميين وإنفاذا لهذا المخطط وليس لأية دوافع أخرى اتخذت الحكومة عدة خطوات كان أهمها:
  1. اتصال الحكومة سرا بالقلة المتدينة من الطلاب ومثل الدولة في هذه الاتصالات على ما أذكر أ. د. أحمد كمال أبو المجد أ. د. صوفي أبو طالب وأ. د. رفعت المحجوب.
  2. رفع شعارات إسلامية والإعلان عنها والدعاية لها بأكبر قدر ممكن في أجهزة الإعلام ومن أشهر هذه الشعارات "دولة العلم والإيمان".
  3. الإفراج عن معتقلي الإخوان المسلمين.
  4. السماح لبعض علماء الإسلام بدخول الجامعة لإلقاء المحاضرات وأذكر من هؤلاء الشيخ محمد الغزالي السقا والشيخ سيد سابق والشيخ إبراهيم عزت، ود. حامد حسين من علماء الأزهر، وترتب على ذلك تنشيط حقيقي للدعوة الإسلامية في الجامعات المصرية بدت مظاهره في المجلات الإسلامية وفي الدعاية الصريحة للعودة للإسلام وإعلان ذلك في المحاضرات العامة واللقاءات الخاصة مع الطلاب وخلال عام 1973 اتسع النشاط الإسلامي ليشمل النواحي التالية:
  1. عقد حلقات تعليمية بالمسجد لتعليم قراءة القرآن ولعل أول ما طبع بالجامعة في هذا المجال هي مذكرة علم التجويد.
  2. التفكير في إيجاد شكل منظم لإدارة العمل الإسلامي فوجد ما يسمى بمسئول حلقة التجويد ومسئول المسجد ومسئول الطالبات ومسئول الإعلام لعمل مجلات الحائط ... إلخ.
  3. المطالبة بأن تكون لنا كإسلاميين حصة مالية في ميزانية الاتحاد وكانت في جامعتي عين شمس على ما أذكر 75 جنيها في العام للإنفاق على النشاط الديني.
  4. عمل قسم خاص بالمسجد كمصلى للطالبات.
بتصاعد النشاط الإسلامي والذي كان ينمو ويزداد بسرعة ملحوظة كان لا بد من الصدام مع الاتجاهات العلمانية سواء كان ليبرالية أو شيوعية، ولكن نصيحة الكبار كانت تؤكد أن الصراع بين الإسلاميين وخصومهم لا بد أن يستمر في خط الدعوة والبيان وأنه من الخطأ تحويله إلى مشاجرات، حققنا بعض التقدم في خط سير الدعوة كان من أهم مظاهره أن بعض الطالبات قد تجرأت وحضرت إلى الجامعة وعلى رأسها غطاء يخفي شعرها وبعضهن بدأن يخفين سيقانهن بارتداء البنطلون أسفل ما يسمونه بالجونلة، ولكن لم يكن هناك ما يسمى بالزي الإسلامي المعروف لدينا الآن.
أما من ناحية الوضع الرسمي للمتدينين فكانت الاتحادات ما تزال تسيطر عليها غيرهم وكذلك النشاطات الكبيرة كالمعسكرات والرحلات والندوات وحفلات التكريم للمتفوقين والأسر الثقافية الخاصة، ولكن هجومهم على الدين والمتدينين بدأ يتراجع شيئا ما.
وفي آخر العام الدراسي ينصرف كل منا إلى بيته ولم يكن هناك أي تفكير في أن نلتقي لممارسة العمل الإسلامي أثناء الأجازة الصيفية.

ثالثا: مرحلة الجماعة الدينية:

لم يستغرق هذه المرحلة طويلا، كان عمرها حوالي ستة شهور بداية من عام 1973 ولم تكن سوى مرحلة انتقالية من مراحل العمل الخائف المتوجس الذي لا يشعر قوته الذاتية إلى مرحلة العمل الصريح للإسلام ومعاداة غيره والجهر بذلك.
وتبلور ذلك في جمع المسئولين عن الأنشطة الإسلامية بالمسجد تحت مسئول واحد أطلق عليه اسم الأمير وسمي هذا التكوين بالجماعة الدينية التي سرعان ما غيرت اسمها إلى الجماعة الإسلامية
وذلك لأسباب:
أولا: أن الحركة التبشيرية في هذا الوقت كانت قد تصاعدت وذلك بتولي الباب شنودة رئاسة الأقباط في مصر، ووقعت أحداث الخانكة المشهورة والتي جرت على أثرها معركة بين المسلمين والنصارى.
ثانيا: أن أجهزة الإعلام كانت ما تزال تضرب على وتر أن الأديان كلها صحيحة وأن ما عليه النصارى أو اليهود يسمى دينا وله وجه من الصحة بينما الشباب الإسلامي يعتقد أن الدين عند الله الإسلام.
ثالثا: رغبة الشبيبة الإسلامية أن تعود الأمة لاسمها الذي أراده الله لها (هو سماكم المسلمين من قبل).من أجل ذلك لم يكتب لاسم الجماعة الدينية أن يستمر طويلا فتغير بعد ستة أشهر تقريبا إلى "الجماعة الإسلامية" ذلك الاسم الذي دارت حوله الأحداث بعد ذلك.
رابعا: مرحلة الجماعة الإسلامية: أو سمها إن شئت مرحلة المعسكرات الإسلامية ويصح أيضا أن تطلق عليها اسم مرحلة الترشيد في العمل الإسلامي وتقع أحداث هذه المرحلة منذ عام 1973 وحتى 1977.
فلم تكد تمر شهور ثلاثة منذ بداية عام 1973 حتى صار اسم الجماعة الإسلامية هو الاسم المقبول لدى جميع المتدينين بالجامعات المصرية وكأننا كنا على موعد ولم تمانع أية كلية أو أية جامعة في أن تضع لنفسها هذا الاسم (الجماعة الإسلامية بكلية ....).
وفي البداية كانت الجماعات الإسلامية بكليات الجامعة منفصلة تماما عن بعضها البعض، بل لم تكن موجودة في بعض الكليات وآخر الكليات إقامة للجماعة الإسلامية عادة كليتي الآداب والحقوق ومعاهد اللغات الأجنبية، وذلك يرجع لطبيعة الدراسة وكذلك التكوين النفسي والتربوي لطلاب هذه الكليات والمعاهد، وأسبق الكليات كانت الطب والهندسة والعلوم.
وقبل نهاية العام الدراسي بشهر تقريبا بدأ التفكير الجاد في أن يكون للجماعة الإسلامية معسكر منفصل عن الأنشطة الفنية والرياضية وما شابه ذلك.
والمعسكر الإسلامي يبدأ الإعداد له بطلب يقدم من أحد أمراء الجماعة الإسلامية للسيد مدير الجامعة يطلب فيه السماح بإقامة المعسكر في أرض المدينة الجامعية وباستخدام حجراتها وصالات الطعام بها مع تكلفة مبدئية للدعم المالي المطلوب صرفه من الجامعة يسلم إلى إدارة المدينة الجامعية، وفي العادة كان يرفق بالطلب البرنامج اليومي للمعسكر والمحاضرين وكذلك قائمة بالمسئولين من الطلبة، وكان يختار أستاذ من أعضاء هيئة التدريس كمشرف عام على المعسكر.
ولم يحدث مرة أن اعترضت إدارة الجامعة على إقامة المعسكرات التي كان يحضرها من (500 – 800) طالب في المتوسط ولمدة عشرة أيام.أما أسباب موافقة الجامعات على إقامة هذه المعسكرات فكانت كثيرة منها السياسي ومنها الأمني ومنها الاجتماعي.

فمن الناحية السياسية:

كانت الاتجاهات المعادية لحكومة السادات ممثلة في الناصريين ما تزال لها نوع من القوة والسطوة في الجامعات، وكان يعقد في جامعة عين شمس ما يسمى المؤتمر الناصري العام الدولي الذي يجمع ممثلين للناصريين من البلاد العربية الأخرى كل عدة أعوام وكانت حاجة الحكومة المصرية ماسة لدفع النشاط الإسلامي حتى تكون له قوة حقيقية تقف في وجه هذا التيار.
ومن ناحية أخرى كانت التحضير قائما على أشده لحرب أكتوبر 1973، ولم تجد الحكومة المصرية وسيلة للتعبئة العامة أفضل ولا أيسر من إذكاء الروح الإسلامية في الجنود والشعب، فلم يكن مقبولا مقاومة الحركة الإسلامية بالجامعات بينما أجهزة الإعلام تدعو لأخذ الثأر وإعادة الأرض المغصوبة.

ومن الناحية الأمنية:

فإن أجهزة الأمن تدرك دائما أن النشاط العلني يمنع تواجد الأنشطة السرية كأمر طبيعي، ولذلك يسهل عليها متابعة هذه الأنشطة العلنية ورصد نموها وحركتها مما يسهل التعامل معها في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب.
أما الطرف الآخر وهو الشعب فكان إقباله جارفا نحو الإسلام ودعاته خاصة بعد هزيمة يونيو 1967، وكانت المؤشرات كلها تشير إلى أن الأمة أصبحت تفكر بجدية في بديل للتجارب الفاشلة التي مرت عليها منذ داهمتنا حكومات العساكر سواء كانوا غربيين أو شرقيين.
لكل ما سبق من ظروف فإن إدارة الجامعة تركت الحبل على الغارب للجماعات الإسلامية، ولكن هذا لم يكن يعني أنها تركت الحبل من يدها خاصة وأن إدارة الجامعة نفسها كالعادة تكون مربوطة بحبل آخر تمسك به السلطات الحاكمة، وكلهم مربوط بحبل غليظ تمسك به القوة العظمى التي تحكم العالم.
وهكذا بدأت مرحلة المعسكرات الإسلامية وسط هذه الظروف البالغة التعقيد، وإثباتا للحقيقة فقد كان الشباب الإسلامي لا يهتم بالتحليل السياسي للأوضاع التي يعمل في ظلها ولم نكن نفكر في غير التدين والعمل بالإسلام كما نعي ونفهم.
ومرحلة المعسكرات الإسلامية التي نحن بصدد الحديث عنها أخذت أهميتها وتسميتها من خلال الإنجازات الكثيرة التي كانت تتحقق أثناء المعسكرات.ففي المعسكر الصيفي ينضم إلى النشاط الإسلامي بالجامعة أكبر عدد من الطلاب الذين تعرف أقدامهم طريق العمل الإسلامي لأول مرة.
وفي المعسكر الإسلامي المجال الخصب لتعارف الشاب المتدين بأقرانه تعارفا كاملا من خلال المعايشة اليومية الكاملة ومدارسة ما تيسر من الأحكام الإسلامية المتعلقة بقضايا المجتمع الداخلي والعالمي. والمعسكرات الإسلامية الصيفية كانت الفرصة للتحضير خطة العمل الإسلامي أثناء العام الدراسي القادم مع دراسة ما تم إنجازه في العام السابق وتلافي الأخطاء التنفيذية.

وكانت عملية التحضير هذه تتناول:

  1. الموضوعات الهامة على أساس المشكلات الفكرية التي تعرض للشباب.
  2. المحاضرين الذين سيتناولون هذه الموضوعات.
  3. المطبوعات التي تصدر.
  4. وقد انتشرت المعسكرات الإسلامية في جميع الكليات والجامعات المصرية حتى أصبحت أهم سمة لهذه المرحلة.
  1. ففي عام 1973 عقد المعسكر الإسلامي الأول لجامعات القاهرة وعين شمس.
  2. وفي عام 1974 عقد المعسكر الإسلامي الثاني لجامعات القاهرة وعين شمس والأول بالنسبة لجامعة الأزهر.
  3. وفي عام 1975 عقد المعسكر الإسلامي الثالث لجامعات القاهرة وعين شمس والثاني بالنسبة للأزهر والأول بالنسبة لجامعات المنصورة والزقازيق وطنطا.
  4. وفي عام 1976 عقد المعسكر الإسلامي الرابع لجامعات القاهرة وعين شمس والثالث بالنسبة للأزهر والأول بالنسبة لجامعات المنصورة والزقازيق وطنطا والأول بالنسبة لجامعة المنيا وأسيوط والإسكندرية.
  5. وفي عام 1977 كانت كل الجامعات المصرية قد بلغتها المعسكرات الصيفية الإسلامية وأصبحت تقليدا متبعا عند الجميع.

وفي العادة كان يسبق المعسكر العام بكل جامعة معسكرات مصغرة بكل كلية من كليات الجامعة كعملية تنشيطية استعدادا للمعسكر العام للجامعة الذي يمثل فيه عدد من طلاب الكليات الذين حضروا المعسكر الخاص بالكلية.والمعسكرات الإسلامية يمكننا أن نسميها معسكرات تعريف بالإسلام وتربية الأفراد على ذلك

ومن خلال البرنامج اليومي للمعسكر يمكنك أن تتبين ذلك بوضوح:

نموذج للبرنامج اليومي للمعسكر الإسلامي:

الذي يتكرر في جميع المعسكرات:

  1. 3.00 ص استيقاظ وتهجد
  2. 4.00 ص أذان الفجر
  3. 4.20 ص صلاة الفجر
  4. 4.50 ص أذكار الصباح
  5. 6.10 ص الاستعداد لطابور الرياضة.
  6. 6.30 ص طابور الرياضة.
  7. 7.30 ص الاستعداد للإفطار.
  8. 8.00 ص الإفطار
  9. 9.00 ص فترة حرة للقراءة.
  10. 10.00 ص محاضرة الصباح.
  11. 12 ظ صلاة الظهر.
  12. 12.45 ظ نوم وراحة.
  13. 2.30 ظ استيقاظ للغذاء
  14. 3.00 م صلاة العصر.
  15. 4.30 محاضرة المساء.
  16. 6.00 أذكار المساء.
  17. 7.00 م صلاة المغرب.
  18. 7.30م العشاء.
  19. 8.00 م صلاة العشاء.
  20. 8.30 م جلسات اللجان.
  21. 9.30 م النوم والراحة.

وكانت نتائج هذه المرحلة (19731977) كما يلي:

  1. أصبح الزي الإسلامي للطالبات هو السمة المميزة والجديدة للجامعات المصرية.
  2. انتشر الكتاب الإسلامي بالجامعات خاصة في أوساط الشباب عامة بما يجعه الكتاب الأول من ناحية الموضوعات والتوزيع والجودة في الإخراج والطباعة.
  3. أصبحت المحاضرات الإسلامية والدروس التربوية سمة من سمات الجامعة المصرية مما أثر كثيرا في تحسين أخلاق الطلاب وإشاعة الفضيلة بينهم وتنويرهم سياسيا واجتماعيا.
  4. برزت قيادات إسلامية من بين الشباب كان لها أثرها الملموس في توجيه الحركة الطلابية.
  5. تكون بالجامعات المصرية وكذلك الأوساط الطلابية رأي إسلامي عام.
وقد يسأل القارئ نفسه: كيف انتظرت الحكومة هذا الوقت الذي بلغ أربعة سنين دون مقاومة الحركة الإسلامية؟
وأجيب عليك فأقول:
أولا: هذه الإنجازات كانت تتم في هدوء بالغ وحذر شديد كما أنها كانت كلها مشغولة بداخل الحركة الإسلامية نفسها ولم تصدر أي نشرات تهاجم السياسيين أو تكدر الأمن العام.
ثانيا: أن الحكومات كانت مشغولة بنفسها وبصراعاتها الشخصية بين الناصريين واليساريين والساداتيين.
ثالثا: قبل ك ذلك وبعده إرادة الله الذي يقول للشيء كن فيكون.
رابعا: مرحلة استلام الاتحادات الطلابية (19771979)
إنها مرحلة الدخول في المناطق المحرمة ... إنها مرحة الوصول الإسلامي إلى منطقة السلطان والإدارة ولو على هذا المستوى الصغير مستوى إدارة اتحاد طلاب أو جامعة .. والوصول الإسلامي إلى مراكز التوجيه ... يعني إضاءة النور الأحمر في مكاتب المسئولين عن الإدارات الحكومية في الداخل والخارج على حد سواء.
وهذه المرحلة في حياة الجماعات الإسلامية جاءت نتيجة حتمية للمجهود المبذول في السنوات السابقة والتي أوضحت لجمهور الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المبادئ الآتية:
  1. أن الجماعة الإسلامية تجمع الشباب الجاد في تدينه والصادق في دعوى الإسلام عقيدة وأخلاقا.
  2. أن أفراد هذه الجماعات قادرون على إدارة شئونهم بكفاءة أفضل من أقرانهم من أصحاب الانتماءات الحزبية الأخرى.
بهذه الخلفية لدى الرأي العام تقدمت الجماعات الإسلامية بأفراد منها في انتخابات الاتحادات الطلابية ... وكانت المفاجأة ... الجماعات الإسلامية تفوز بمرشحيها على جميع الاتجاهات الحزبية أو الفكرية .. بما فيها حزب الحكومة مع وفرة إمكانياته وضراوة حملته والتي استخدم فيها التهديد المسلح وخطف أفراد من الجماعة الإسلامية بطريقة سينمائية وتكرر ذلك على مستوى الجامعة والاتحاد العام لاتحاد طلاب الجمهورية ... وانتهت العملية الانتخابية بقائمة من الإسلاميين يشكلون رؤساء الاتحادات الطلابية للجامعات المصرية.

أما تشكيل مكتب الاتحاد العام لطلاب الجمهورية فكان أكثر وضوحا وتعبيرا على نمو الحركة الإسلامية:

  1. رئيس الاتحاد العام لطلاب الجمهورية: محمود طلعت جلال الدكش مستقل ومتعاطف مع الجماعات الإسلامية وهو مرشح الجماعات الإسلامية الذي اختاروه لتخفيف الصدمة على الحكومة إلى حد ما ويعمل اليوم طبيبا بوزارة الصحة.
  2. النائب الأول لرئيس الاتحاد للشئون العربية: أبو العلا ماضي أبو العلا جماعة إسلامية، وهو اليوم وكيل المؤسسين لحزب الوسط ومن رواد الحركة السياسية بمصر.
  3. النائب الثاني لرئيس الاتحاد للشئون الخارجية: محمد جلال قنديل مستقل ومتعاطف مع الجماعة الإسلامية.
  4. النائب الثالث لرئيس الاتحاد للشئون الداخلية: عادل أسعد الخياط جماعة إسلامية، ويعمل اليوم مهندسا مدنيا بسوهاج.
  5. النائب الرابع لرئيس الاتحاد لشئون الإعلام والنشر: محسن عبد الفتاح الشرقاوي جماعة إسلامية، ويعمل اليوم بتجارة الأجهزة الكهربية بالمنصورة حسب علمي.

خامسا: مرحلة الردة الديمقراطية والتحرش بالطلاب:

رغم أن الجهود الضخمة التي بذلتها الحكومة عن طريق عناصرها في الإدارة الجامعية وكذلك الأمن والتي تمثلت في تهديد المرشحين الإسلاميين وشطب عدد كبير منهم الأسباب مختلفة وكذلك تزوير الانتخابات لصالح المرشحين من الحزب الحاكم في بعض الكليات والدعاية الضخمة لهم، رغم كل ذلك كانت النتيجة تقول بصراحة كاملة إن طلاب الجامعات المصرية قبلوا قيادة الإسلاميين لهم، وبالطبع كانت هذه النتيجة مزعجة لكل الأوساط المعادية في الداخل والخارج ومن هنا بدأ التفكير الجاد في استخدام طريق آخر وأساليب جديدة للتعامل مع الجماعات الإسلامية.
وقد جرت الأحداث بعد ذلك في طريق دام وعنيف وأعلنت الحكومة حربها الشعواء على الطلاب عموما وجاءت إلى الجامعات بخيلها وخيلائها وأعلنت حالة الطوارئ القصوى في صفوفي "بلوكات" الأمن وقطعت آلاف الأشجار لتصنيع منها العصي الغليظة التي هي سمة المرحلة القادمة وأرسلت أمريكا عشرات الأطنان من القنابل المسيلة للدموع ذات التركيبات السامة (السيانيد).
أما التدريبات الحديثة لأفراد الأمن المركزي فكانت تتم على أساس تقسيم الجنود إلى قسمين: قسم يرتدي الملابس المدنية ويرفع شعارات إسلامية ويهتف بأعلى صوته "لا إله إلا الله"، "حسبنا الله ونعم الوكيل" والقسم الثاني يهجم عليه بالعصي الغليظة ويشبعه ضربا بالعصي والنعال والركل حتى تتفرق جماعتهم ... ثم يتبادلا المواقع مرة ثانية، وفي هذا إشارة كافية للاتجاهات الحكومية في المرحلة القادمة.
ومنذ اليوم الأول رفضت الجهات المباحثية تسليم مكتب الاتحاد العام لرئيس الاتحاد الجديد الذي انتخبه الطلاب وأغلق مكتب الاتحاد وجلس على بابه المخبرون في حالة استعداد لضرب أي لحية تقترب من باب الاتحاد، وقد ظل الاتحاد العام يمارس عمله من خلال المكاتب الفرعية بالجامعات ولمدة ستة أشهر كاملة بعد تشكيله.
ولم تصرف ميزانية الاتحاد المقررة لها كالعادة فكانت أنشطته تقوم على تبرعات الطلاب أو حصيلة مصروفاتهم .. كما أن الميزانية المخصصة للاتحاد من المجلس الأعلى للشباب والرياضة قد ألغيت تماما.
وفي شهر يونيو 1979 صدر أغرب قرار جمهوري في حياة الجامعات المصرية بإلغاء الاتحادات الطلابية كلية وإعادة تكوينها بتشكيل جديد يحول دون أن تكون كلمة الطلاب للطلاب ...
وقد أصدر المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر مذكرة حول هذه القضية بعث بها إلى رئيس المجلس الأعلى للجامعات، أعرب فيها عن أمله في إعادة النظر في هذه اللائحة الجديدة وما تضمنته من قيود على الحركة الطلابية ...
ونحن ننقل هنا، نص المذكرة، لما لها من أهمية كبرى في إيضاح خطورة هذه اللائحة من ناحية، ومن ناحية أخرى، إيضاح الصورة الهادئة الواعية التي كانت تتعامل بها الجماعات الإسلامية مع الإدارة.

نص المذكرة:

السيد الأستاذ الدكتور رئيس المجلس الأعلى للجامعات.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ،،،
فقد فوجئت اتحادات طلاب الجمهورية المنتخبة شرعيا من القاعدة الطلابية، وفقا للقواعد المقررة قانونا، خلال العطلة الجامعية، بتجميد أموالها وإغلاق مقارها، وحظر اجتماعاتها بالطريق الإداري استنادا إلى قرار صدر من رئيس الجمهورية في التاسع عشر من يونيو 1979 برقم 265 بإلغاء لائحة اتحاد طلاب جمهورية مصر العربية، الصادر بالقرار الجمهوري رقم 235 لسنة 1976م.
(1) ولما كانت المادة 56 من الدستور تقضي بأن (إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية) فإن القانون يعتبر هو الأداة التشريعية التي تنظم بمقتضاه الاتحادات، وأن استخدام أية أداة تشريعية أخرى كقرار يصدر من رئيس الجمهورية أو من الوزير المختص يعتبر عملا غير دستوري ... ولا يعتد بما يقال من أن الاتحادات كانت منظمة من قبل بلائحة صادرة بقرار من رئيس الجمهورية؛
إذ أنه لم يكن هنالك محل للطعن في تلك اللائحة لعدم مخالفتها للأسس الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، سواء بقصر إنشائها على مستويات تنظيمية محددة أو تقييد نطاق نشاطها أو بتحديد قواعد تشكيلها بما يفقدها الصفة الطلابية، كما فعل قرار رئيس الجمهورية الأخير رقم 165 لسنة 1979 وهذه المآخذ التي شابت القرار المذكور هي التي اشترط الدستور من أجل تفاديها، وحماية حق إنشاء النقابات والاتحادات منها، أن تكون الأداة التشريعية المنظمة لهذه المنظمات هي القانون، وإعمالا لحكم المادة 56 المذكورة من الدستور، فإن جميع النقابات المهنية القائمة والنقابات العمالية واتحاداتها، واتحاد الغرف التجارية، والاتحادات التعاونية منظمة بقوانين.
(2) إننا نخشى أن يكون الدافع إلى إصدار القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979، هو وجه من اتهامات، وجهتها إدارات المباحث العامة إلى الجماعات الإسلامية التي ينتمي إليها الكثيرون من أعضاء الاتحادات الطلابية عن مسئوليتها عن بعض حوادث فردية أو ردود انفعالية إذا صح وقوعها بالصورة المعروضة ودون بيان لملابساتها لا تقرها الاتحادات الطلابية، وهي شخصيات اعتبارية لها مجالس تنطبق باسمها وفقا لنص الدستور، ولا توافق عليها الجماعات الإسلامية نفسها، كما أعلنت في رسالة مطبوعة تعليقا على ما جاء بالخطاب المشار إليه، وذكرت فيها بوضوح أنها ترفض كل أشكال العنف والعمل السري، وتتصدى للأفكار المتطرفة أو المنحرفة.
(3) قصر التنظيم الجديد لاتحادات طلاب الجامعات على مستوى واحد، وهو اتحاد طلاب الكلية أو المعهد من الطلاب النظاميين بقسم البكالوريوس أو الليسانس وينبني على ذلك:
(أ) استبعاد طلاب الدراسات العليا من اتحاد الكلية أو المعهد في حين أن هذه الخبرة الطلابية وهذا المستوى الدراسي الأعلى يحققان نفعا مؤكدا للعمل داخل الاتحادات الطلابية.
(ب) إلغاء الاتحادات بالكليات والمعاهد التي تشملها الجامعة الواحدة وحل حلها جهاز إداري على مستوى الجامعة، أطلق عليه اسم "مجلس تنسيق الأنشطة الطلابية" وهو ما يؤدي إلى فقدان الجامعة الواحدة، مما يتعارض مع التسمية المتعارف عليها للجامعة بوصفها تجمع بين أصحاب الدراسات العلمية المتنوعة، في إطار واحد.
(ت) اختفاء الاتحاد العام لطلاب الجمهورية كقمة للحركة الطلابية في مصر والممثل الشرعي لطلابها في تنظيم الأنشطة المختلفة بين اتحادات الجامعات أو الاتصال بالمنظمات الطلابية المناظرة في الأخرى، وهو ما يضر بسمعة مصر أمام سائر دول العالم ذات الاتحادات والتنظيمات الطلابية.
(ث) إلغاء اتحاد الدارسين أبناء مصر خارج الوطن، وهو التنظيم الذي كان موجودا في ظل اللائحة الطلابية الملغاة، الأمر الذي يفقد الطلاب المصريون في خارج البلاد الصلة التي تجمعهم، مما يسهل التأثير على بعضهم واستقطابهم في تجمعات أخرى.
(4) كما نص القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979 على تشكيل مجالس اتحادات الطلاب ذات المستوى الوحيد المسموح به داخل الكلية أو المعهد من العميد أو من ينيبه من أعضاء هيئة التدريس رائدا يرأس مجلس الاتحاد، ومن أحد عشر عضوا بنفس الصلاحيات في الحضور والتصويت ...
خمسة من أعضاء هيئة التدريس هم رواد اللجان الخمس المشار إليه (اللجان هي:الثقافية الفنية، لجنة الأسر، اللجنة الرياضية، لجنة الجوالة، اللجنة الاجتماعية والرحلات)، ورئيس جهاز رعاية الشباب بالكلية أو المعهد، كأمين لصندوق الاتحاد ... وهو ما يجعل عدد الطلاب في مجلس الاتحاد خمسة من اثني عشر، مما يفقد الاتحادات صفتها الطلابية.
(5) وقيد التنظيم الجديد نشاط الاتحادات الطلابية ذات المستوى الواحد، المنفصلة عن غيرها من الاتحادات على الوجه التالي:
(أ) حرمت هذه الاتحادات من أداء الخدمات الطلابية كطبع المذكرات الدراسية، ومنح الإعانات الاجتماعية، وعهد بها إلى صناديق التكافل الاجتماعي لطلاب الجامعات، المشكلة تشكيلا غير طلابي، في حين أن الاتحادات الطلابية قامت بنشاط واسع غير منكور النفع في مجال الخدمات الطلابية، وفي مقدمته طباعة الكتب العلمية وتوصيلها إلى الطلاب بثمن زهيد، مساهمة في حل مشكلة الكتاب الجامعي، ومشروع الزي المخفض للطالبات، ومشروع أتوبيسات الطالبات ومعسكرات العمل داخل الجامعة، ورحلات الحج والعمرة ومشروع الكتاب الإسلامي وندوات ومحاضرات عامة وإسلامية.
(ب) استبعد حل المشاكل الطلابية من اختصاص الاتحادات وعهد به إلى رواد مجاميع الطلاب داخل كل كلية ومعهد، وهم من أعضاء هيئة التدريس فيها ... ولا يوجد ما يمنع "بطبيعة الحال" من أن يتولى أعضاء هيئة التدريس الجامعية، معاونة الطلاب لحل مشاكلهم، بل هو ما يقتضيه دورهم كأساتذة وآباء، ولكن لا يقبل أن يؤدي ذلك إلى حرمان اتحادات الطلاب من الإسهام في حل مشاكل أعضائها من الطلاب.
(ت) حظر على اتحادات الطلاب أن يكون لها (نشاط فئوي أو سياسي أو عقائدي) وهو حظر غير مفهوم من ناحيتين.
فهل يتصور ألا يناقش طلاب الكلية أو المعهد، المستقبل المهني أو الفني أو العلمي لما يتخصصون فيه باعتباره نشاطا فئويا.وهل يعقل أن تمنع اتحادات الطلاب من ممارسة الأنشطة العقائدية بصفة عامة، بمعنى ألا تناقش في ندوات أو محاضرات الشئون الدينية، في الوقت الذي يطالب فيه بعض المسئولين بتدريس الدين في الجامعات؟
(6) إن إلغاء الاتحادات الطلابية المنتخبة شرعا، وفقا للقواعد المقررة من القاعدة الطلابية في أنحاء الجمهورية بقرار رئيس الجمهورية رقم 265 لسنة 1979 وليس بقانون كما نص عليه الدستور وإقامة تنظيم جديد لهذه الاتحادات يفتقر إلى الأسس القومية التي يتطلبها الدستور تقتضي منا بحكم الأمانة التي وضعتها القاعدة الطلابية على أكتافنا يوم أن منحتنا ثقتها لتمثيلهم ورعاية مصالحهم أن نتقدم إلى المجلس الأعلى للجامعات؛
وإلى مجالس الجامعات وإلى أعضاء هيئات التدريس فيها، بعرض وجهة نظرنا في القرار الجمهوري المذكور، طالبين المعاونة الجادة في إعادة النظر فيما تتضمنه من قضاء على الحركة الطلابية وإضعاف لفاعلية اتحادات الطلبة وإفقادها لصفتها التمثيلية مما يتعارض مع التصريحات بتعميق الجامعية، لتجعلها مسئولة مسئولية تاريخية عن تحقيق هذا الطلب ...
وإن ثقتنا في أستاذتنا تجعلنا نؤمن بأنهم لن يترددوا لحظة في الوقوف موقف المدافع عن الكيان الطلابي الديمقراطي داخل الجامعات، حفاظا على التقاليد، وصونا للقاعدة الطلابية من الالتجاء إلى العمل السري ... الأمر الذي يضر بهم، ولا يتفق مع الصالح العام ..
ونرجو لكل ذلك التفضل بعرض هذه المذكرة على المجلس الأعلى للجامعات، حيث إن القرار الجمهوري رقم 265 لسنة 1979 المعترض عليه صدر دون الاستماع إلى وجهة نظر الطلاب، لمخالفته للدستور، ولتعارضه مع الديمقراطية، ولانعكاسها الضار بالكيان الطلابي داخل الجامعات ...
وفقكم الله إلى ما فيه الخير للجامعات والصلاح لطلاب العلم ... المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر

وقد استطاع الاتحاد العام لطلاب الجمهورية أن ينظم العديد من المؤتمرات داخل الحرم الجامعي في مختلف الجامعات للتنديد باللائحة الجديدة، ومطالبة المسئولين علنا وفي برقيات مكتوبة بإلغائها والعودة إلى اللائحة القديمة، وكان موضوع اللائحة الطلابية هو جزء أساسي من كل مؤتمر أو ندوة طلابية، تتناول أي موضوع آخر؛
ولم تفلح كل تلك الجهود في أثناء القيادات السياسية والجامعية عن موقفهم المؤيد للائحة الجديدة، اللهم إلا في عام 1984، حيث حدثت بعض التعديلات الطفيفة، التي لا تغير من جوهر اللائحة شيئا ... وما زالت الحركة الطلابية في مصر تبذل جهودها من أجل المطالبة بإعداد لائحة طلابية حرة، ترضي الطلاب وتخرج من الجامعة.

مؤتمر الأزهر:

وكان المؤتمر الذي عقده اتحاد طلاب الجمهورية في جامعة الأزهر الشريف، وحضره أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة واحدا من المؤتمرات الهامة التي تناولت قضية اللائحة وقضايا أخرى وأعلنت فيها الجماعة الإسلامية، باعتبارها ممثلة لجموع الطلاب، رأيها في أكثر من قضية بوضوح، وأصدرت بيانا تحت عنوان "حقائق ... ومواقف" جاء فيه:
وسط هذه الظروف الحرجة التي تجتازها أمتنا وتمر بها الحركة الطلابية كان لا بد لنا من وقفة نحدد فيها معالم الطريق، ونضع النقاط على الحروف، ونذكر بحقائق يجب ألا تغيب عن الأذهان، ونعلن رأينا واضحا صريحا باسم جموع الطلاب الواعية:
أولا: إن الطريق الذي ارتضاه طلاب مصر هو الإسلام بشموله وكماله، نظرية سلوكا ... سياسة وحكما ... منهجا وطريقا، بل إنه الطريق الذي نرتضيه لأمتنا، ونرفض التقاط الفتات من فوق موائد الغرب تارة أو موائد الشرق تارة أخرى! ... بل ونرفض زيف الشعارات مهما كان بريقها، وخبث الكلمات مهما كان رنينها.
ثانيا: اتحاد طلاب مصر، وهو القناة الشرعية الممثلة لجموع الطلاب، يرفض الوصاية بكافة أشكالها، ويرفض الوصاة في كافة صورهم، سواء كانوا رواد لاتحادات الطلاب من داخل الجامعات أو من خارجها، بل نقول: "ارفعوا أيديكم عن طلاب مصر".
ثالثا: إننا نرفض رفضا قاطعا ما يجري الآن من تخطيط وتدبير من أجل تقييد الحركة الطلابية والحركة الإسلامية، أو التضييق عليهما سواء في صورة الحرس الجامعي أو "البوليس الجامعي" بل نعتبر ذلك ردة إلى عهود الكبت والإرهاب والظلم والطغيان، في الوقت الذي ترفع فيه شعارات الحرية والديمقراطية.
رابعا: إن اتحاد طلاب مصر لن يسمح بتشويه صورة الحركة الطلابية الإسلامية في جامعات مصر، والممثلة في الجماعات الإسلامية والتي أثبتت بحق نقاءها وإخلاصها ووعيها ووطنيتها، وهذا ما شهد به المسئولون في كافة مواقعهم.
خامسا: إن اتحاد طلاب مصر يرفض رفضا قاطعا التشكيك والاتهامات التي تكال جزافا لطلاب مصر، فطلاب مصر ليسوا "قصر" أو "لا ولاية لهم" أو "دون المسئولية" أو "لا وعي لهم" كما يتردد ويقال... هل كان لهم الولاية، وعلى مستوى المسئولية، يوم أن كانت ترفع الشعارات الزائفة، الفارغة المضمون؟! وهل أضحى الطلاب قصرا ولا ولاية لهم يوم أن رفضوا الزيف، واكتشفوا الحقيقة، وارتضوا الإسلام طريقا؟!
سادسا: إنه قد آن الأوان لتعرف جماهير الطلاب الواعي تاريخ الحركة الإسلامية في مصر قبل الثورة، والممثلة في الإخوان المسلمين، ودورهم الوطني الضخم والصادق والمخلص لا ينكره إلا حاقد أو جاهل أو جامد ... بل نقول إن ما قدمته الحركة الإسلامية من آلاف الشهداء على أرض فلسطين وضفاف القناة وصور البطولة النادرة، كانت سببا للتآمر الصهيوني الصليبي الشيوعي لضرب الإخوان المسلمين، والذي بات معلوما كل شباب مصر، فلننتبه قبل أن تمسح الحقائق ويزيف التاريخ مرة أخرى.
سابعا: إننا باسم طلاب مصر نستنكر أي أسلوب قد يمارس من أجل استعداء أساتذة الجامعات على أبنائهم الطلاب وطليعتهم الإسلامية، وإننا لنؤكد أن العلاقة بين الطلاب وأساتذة الجامعة هي علاقة الأبناء بآبائهم، ونحن ومعنا آباؤنا الأساتذة نربأ أن تتحول هذه العلاقة الشريفة الطاهرة إلى نوع من الوصاية أو الإرهاب أو الشك والريبة.
ثامنا: إننا نعلن أن هنالك حملة عالمية محمومة على الحركة الإسلامية في العالم أجمع، تمثلت في مئات المقالات والبرامج في الصحافة والإذاعات العالمية، وكلها تهدف إلى تصدير الشك والقلاقل واستعداء الحكام على الشعوب المسلمة في المنطقة بأسرها، وأن مصطلحات "التطرف الديني، والتستر وراء الدين" وغيرها قد صنعت في صحافة وإذاعات الغرب والمشرق، وبدأ تصديرها إلى صحافتنا، فلننتبه جميعا، ولتنتبه صحافتنا لهذا المخطط الآثم، الذي يريدها فتنة لا تخمد، ونارا لا تنطفئ.
تاسعا: إن موقف طلاب مصر من "حادثة التكفير والهجرة" كان واضحا غاية الوضوح، فك الشباب المسلم بجامعات مصر أعلن استنكاره لتلك الفعلة الشنعاء ... ولكن كما قال الإمام الراحل الشيخ عبد الحليم محمود: "إن صحت هذه الحادثة، فنحن لا نخطئ الفكر ونجرمه .. والفكر لا يرد عليه إلا بالفكر".
عاشرا: إننا من خلال بياننا هذا، ومن خلال مواقفنا الواضحة هذه، يحدونا أمل في أن تفهم وجهات نظرنا على وجهها الصحيح، ومن خلال اللقاءات المباشرة بممثلي الطلاب وكلنا بقلوب ملؤها الإيمان، وعقول ملؤها الحكمة نتوجه إلى رئيس الجمهورية بطلب لقاء قريب، حتى تتضح الصورة وتفهم المواقف على حقيقتها".
انتهى البيان ونلاحظ أن "اللهجة" قد تغيرت، بعد أن أدركت الجماعات الإسلامية أن المسئولين لم يحركوا ساكنا، وأنه لم يصدر منهم أي رد فعل إيجابي، للتفاهم حول مطالب الطلاب وقضاياهم.ونلاحظ أيضا إعلان الجماعة الإسلامية عن موقفها من حركة الإخوان المسلمين، وأنها تكن لها كل احترام.
وملاحظة ثالثة هامة وهي حرص الجماعة الإسلامية على توضيح موقفها من "حادثة التكفير والهجرة" والتي راح ضحيتها فضيلة الدكتور محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، وإدانتها للحادث في حالة ثبوت قيام عناصر التكفير به ...
والجدير بالإشارة أيضا أن الجماعات الإسلامية في مختلف الجامعات، قد أدركت خطورة المفاهيم والأفكار التي ينادي بها شكري أحمد مصطفى أمير جماعة المسلمين "جماعة التكفير والهجرة"، فوقفت بكل قوتها في وجه انتشار هذه الأفكار، واستعانت في ذلك بالكتب والعلماء لدرء هذا الخطر.
ملاحظة أخيرة على البيان الذي صدر عقب مؤتمر الأزهر الشريف، أن الذي أصدره هو الاتحاد العام لطلاب مصر الذي ألغته لائحة 1979، فقد ظل الاتحاد يحاول جاهدا أن يثبت وجوده، أملا في إعادة الشرعية القانونية له ... دون جدوى
وقد استغرقت هذه الفترة حوالي 18 شهرا كانت نتائجها كما يلي:
أولا: أضحت الجامعة إسلامية من ناحية الشكل العام والتيارات الفكرية، فمن ناحية الشكل العام أصبحت الفتاة المحجبة هي الظاهرة التي لا يخلو منها مدرج أو معمل أو ممر ولم يكن ذلك شكلا ظاهريا فقط ولكن أكده وجود المضمون الإسلامي لدى الغالبية من الطالبات، وكان ذلك واضحا كذلك في الأعداد الضخمة من الطلاب التي أعلنت انتماءها للجماعات الإسلامية بالشكل والمضمون، أما من ناحية التيارات الفكرية فلم يعد هناك صوت مسموع للناصرية أو الشيوعية أو الاتجاهات الحزبية الأخرى وتحول أفرادها القليلون إلى حالة من الكمون بعد أن انصرف جمهور الطلاب من حولهم دونما أي تعرض من الإسلاميين لهم بسوء أو أذى.
ثانيا: استطاع اتحاد الطلاب أن يمد يده إلى طلاب المدارس الثانوية الذين رغبوا في أن تكون لهم جماعات إسلامية في مدارسهم إعجابا بمن هم الأكبر سنا ودراسة وقد تكونت لهم جماعات إسلامية بالفعل في أكثر من مدرسة ثانوية، كما امتد نشاط طلاب الجماعات الإسلامية إلى أحيائهم السكنية ووجدت مساجد نشطة ها صوت مسموع يعبر عن فهم في الإسلام يشبه فهم الجماعات الإسلامية ويمارس العمل بنفس الطريقة التي تدعو بها الجماعات الإسلامية في الجامعة.
ثالثا: تمكن الطلاب من المساهمة الفعلية في إحياء بعض السنن الإسلامية التي أميتت في وعلى رأسها الأفراح الإسلامية وإعلانها في المساجد (الوليمة) الاجتماعات الإسلامية للتهنئة بالمواليد (العقيقة)، وكان أهم هذه المظاهر إحياء سنة صلاة العيدين خارج المساجد وحشد المسلمين في مظاهرة إسلامية رائعة ... وقد بلغ عدد المصلين في آخر صلاة عيد قبل اعتقالات سبتمبر 1981 حوالي 200 ألف مصل في ميدان عابدين بالقاهرة وكانت هناك بالقاهرة تجمعات للصلاة في أحياء أخرى، كذلك حذت كل المحافظات حذو القاهرة، أما الإسكندرية فكان اجتماعها الرئيسي في الاستاد الرياضي وهكذا خرجت الجموع الإسلامية من الأحياء متوجهة لمكان الصلاة هاتفة "الله أكبر ... الله أكبر" وأصبح الناس يعيشون طوال العام انتظارا ليوم صلاة العيد وما فيه من شهود الخير وعزة الإسلام.
رابعا: الشعور لدى المسئولين بالحكومة أن الدعوة التي تقوم بها الجماعات الإسلامية دخلت في طور التأثير على طوائف الشعب المختلفة، ذلك لأن الطالب الجامعي ليس مقيدا بكلية ولكنه يتحدث إلى أهله وإلى أصدقائه في الحي الذي يعيش فيه مما أسمع المجتمع بما يدعو إليه الجماعة الإسلامية ... استقر لدى الجهات الحكومية أن سياسة الحرية والديمقراطية المعلنة لن تجدي ... فتقرر إلغاء الاتحادات الطلابية ومصادرة حريات الطلاب الانتخابية.
خامسا: فهم جمهور الطلاب أن حكومتهم ليست جادة في تنشيط الدعوة الإسلامية وأن المسألة عند الحكومة لا تعدو أن تكون مجرد إحداث توازنات فكرية في المجتمع، فتنشيط الدعوة الإسلامية ليس رغبة في الإسلام ولكن لموازنة الحركة التبشيرية المسيحية وكذلك الإلحادية الشيوعية، وتأكد ذلك بالمواقف من الثورة الإيرانية واستضافة الشاه بمصر والعلاقات المصرية الأمريكية واتفاقية كامب ديفيد المرفوضة شعبيا.
سادسا: صعدت الحكومة حملتها ضد الطلبة المتدينين إلى درجة عالية فلم يكن يمر أسبوع بغير تحرش بهم والقبض عليهم ومحاكمتهم لأتفه الأسباب وكثيرا ما كانت الأسباب تفتعل، كذلك أصبحت مجالس التأديب للطلبة المتدينين ظاهرة يومية وكانت نتائجها مقررة قبل عقدها وهي الفصل عاما كاملا للطالب وحرمانه من الامتحانات أو الفصل من الجامعة أو الكلية، لمجرد أن يكتب كلمة على السبورة أو يعلق مجلة أو يهتف هتافا يعبر عن رأيه.
سابعا: كان لهذا التضييق الحكومي ومعاملة الطلبة كخصم لهم وليس كمسئول عنهم بالإضافة إلى نجاح الثورة الإيرانية على يد أبنائها العزل أكبر الدوافع لظهور الاجتهادات الجديدة للعمل الطلابي في الجامعة والتصدي بالقوة والقيام بالأنشطة الطلابية رغم أنف اللوائح الجديدة المقيدة لهذه الأنشطة وكذلك التصدي بالقوة والقيام بالأنشطة الطلابية رغم أنف اللوائح الجديدة المقيدة لهذه الأنشطة وكذلك التصدي لأفراد الإدارة الذين بدأوا في محاولة لإعادة الجامعة إلى شكلها القديم؛
وذلك بإعادة النشاطات المتعارضة مع فهم الطلبة الإسلاميين كالغناء الغربي وفرق الموسيقى الأجنبية ومعارض التماثيل واللوحات والصور الفاضحة وتحدي الشعور الإسلامي بمظاهر الخلاعة والمجون بين الفتيات والفتيان مع التهكم من الحجاب، وكان واضحا أن فخا حكوميا ينصب للحركة الإسلامية بالجامعات لإدخالها إلى حلبة العنف الذي لم تكن لديها أية مقدمات لخوضه.
وضاعت أصوات المحذرين وسط التحدي الحكومي لعواطف الشباب فوقعت عدة أحداث عنيفة في أكثر من جامعة كانت مقدمة طبيعية لتضرب الحكومة ضربتها الأمنية ومعها ورقة تقدمها للشعب كمبرر لهذه الضربة، ونذكر من هذه الأحداث على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
ففي أسيوط:
قررت الجامعة بإيعاز من الجهات الأمنية أن تزيد من الاستحكامات الداخلية والمتاريس داخل الجامعة، فبدلا من أن يكون للجامعة سور واحد أقامت الجامعة عدة أسوار داخلية فحصرت كل مبنى من مباني الجامعة في سور خاص، وكان الغرض من ذلك أن تكون الجامعة عبارة عن شوارع محيطة بالكليات فلا يعد ما يسمى بالحرم الجامعي وهذا يسهل لقوات الأمن الدخول إلى أعماق الجامعة دون اعتراض عليها، كما أن التعامل مع مجموعات صغيرة من الطلاب أسهل من التعامل مع الجماعة ككل؛
وفهم الطلاب أن هذه استعدادات لضربهم وتصفيتهم بالقوة فانقسموا فريقين:
الفريق الأول: رأى أنه من الحكمة الانسحاب من هذا الموقف ... فليست ظروف الطلاب مواتية لدخول هذه المعركة.
والفريق الثاني: استشعر في نفسه القوة والاستعداد لمواجهة الحكومة بالقوة وكانت حجته في ذلك أن التهاون مع الحكومة في هذا الأمر سيدفعها إلى الاستهتار بالشباب المسلم والتنكيل به.
وبالفعل قامت المجموعة الثانية بهدم بعض هذه الأسوار الداخلية وشرعت في هدم الباقي، وهنا تدخلت قوات الأمن التي كانت في حصار دائم للجامعات، وانهالت القوات بأعداد كبيرة، وكانت معركة دامية بين الطلبة وسلاحهم الحجارة والقيادات الحكومية وسلاحهم العصي والرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وبالطبع فالنتيجة حتما كانت خسارة كبيرة من الجانبين واحتجاز عدد من الطلبة كأسرى وتقديمهم للمحاكمة فيما عرف "بقضية السور".
وفي المنيا:
كان ضبط النفس من الطلبة رائعا، فقد مضت سنة كاملة وقوات الأمن تحاصر الجامعة من كل مكان وكانت العربات العسكرية المكتظة بالجنود تجوب شوارع المدينة باستمرار، والدخول إلى الجامعة بإبراز تحقيق الشخصية وكذلك الدخول للكليات بالكرنيهات، مع انتشار المخبرين بأعداد كبيرة بين الطلاب ولم يكن عمل هؤلاء مجرد جمع المعلومات، ولكن عددهم الكبير كان يشير إلى احتمال استخدامهم كقوة ضاربة في حالة تأخر القوات الحكومية.
وأصبحت الجامعة مثل جامعة أسيوط كأنها وحدة عسكرية، الأمر فيها والنهي ليس للأساتذة والطلاب ولكن الأساتذة والطلاب جميعا عليهم إطاعة الأوامر العسكرية الصادرة من جهات خارج الجامعة تماما، وفي ظل هذه الظروف كانت التوقعات تشير إلى حتمية وقوع معركة بين الطلبة والقوات الحكومية؛
ولكن ذلك لم يحدث نظرا لعدم وجود سبب لذلك، فقد ظلت الجامعة تحترم القيم الدينية التي تعلمتها في السنوات السابقة وظل الأساتذة والطلاب كذلك حراسا أوفياء للمكاسب الإسلامية التي حققتها الجماعة الإسلامية.
ويبدو أن الأوامر كانت تحتم وقوع معركة بين القوات الحكومية والطلاب وكان لا بد من اختلاق سبب لذلك، وكان السبب إعلان مكتوب يدعو فيه أحد المدرسين بالجامعة إلى حفلة غنائية تعقد في المدرج الكبير بالجامعة، وتحرك الطلبة على الفور لمحاولة منع الحفلة المختلطة بين الطلبة والطالبات كالعادة، وأصر المدرس على ذلك؛
وفي وقت الحفلة سبق طلبة الجماعة الإسلامية إلى المدرج وجلسوا فيه وشرعوا يقرأون القرآن فتدخلت القوات الحكومية لتلقنهم الدرس المطلوب ولم يكن الضرب هذه المرة بالعصي ولكنه كان بأسياخ الحديد مما نجم عنه تهشم عدد من الجماجم ونقل عدد كبير من الطلبة إلى المستشفيات ولما سالت دماء الطلبة غزيرة اندمج بقية الطلاب الذي عز عليهم رؤية إخوانهم في هذه الحالة، فانهالت جموع الطلبة من المدينة الجامعية وكانت معركة رهيبة استخدم فيها الطلبة كل ما يملكون حتى هزموا القوات الحكومية هزيمة منكرة وطاردوهم في المزارع المحيطة بالجامعة حتى ساعة متأخرة من الليل ...
ولم تستطع قيادة القوات الحكومية أن تجمع أفرادها فعادوا متسللين فرادى إلى معسكرهم المجاور للجامعة، وعاد الطلبة إلى الجامعة ليسيطروا عليها ليلة كاملة في جو من الفوضى والذهول ... والغموض في نفس الوقت.
انتهت هذه المعركة بما عرف بقضية "الحفلة" والنتيجة عدد من الجرحى وعدد من الطلبة المفصولين من الجامعة وعدد من الممنوعين من دخول الامتحان لمدة سنة وآخرين لمدة سنتين.

وفي القاهرة:

كانت أحداث المسجد الشهيرة فقد خصص الطلبة حجرتين كبيرتين كمسجد للطالبات وإلى جواره حجرة ثالثة كمكتب ومكان خاص بتفصيل الزي الإسلامي وكانت هذه الحجرات فيما سبق مخصصة لاتحاد الطلبة وبوصفهم مسئولين شرعا بالانتخاب الحر عن الاتحاد فقط قاموا بهذا العمل قاصدين التصرف فيما يملكون؛
وعندما قررت الحكومة إزالة نشاط الجماعة الإسلامية من الجامعة أرسلت من يطلب إزالة المسجد والمكتبة ومقر الزي الإسلامي، ولم يقبل الطلبة ذلك وتجمهروا في المكان تلقائيا بغير توجيه، وعلى الفور تدفقت القوات الحكومية على المكان وكانت مستعدة في مكان قريب وحاصرت وشرعت في الاشتباك مع الطلبة المتجمهرين؛
ولكن الطلبة قرروا الانسحاب وعلى الفور تقدم الجنود الحكوميون نحو المسجد والمكتبة ومقر تفصيل الزي الإسلامي وفعلوا بالمكان الأفاعيل وكأنهم يأخذون بثأر قديم بينهم وبين المسجد.وحدثت أحداث قريبة من ذلك في جامعة الإسكندرية والمنوفية لسبب أو لآخر.

الحرب بالتفريق (عام 1980):

ارتكزت جهود النظام الحاكم في هذه المرحلة على ضرب الجماعة الإسلامية باتجاه إسلامي آخر ترى أنه أقل تأثيرا في مجتمعه ... إنها سياسة تنشيط الاجتهادات الشاذة في الإسلام وذلك لهدفين:
الأول: تفريق الشباب حول رايات عدة فيمكن تصفيتهم على مراحل بحيث يضرب كل تجمع على حدة دون إعانة من الآخر.
الثاني: إظهار الحركة الإسلامية بالجامعة على أنها مجموعات متناحرة وأن الأمن يتدخل ليس لوقف الحركة الإسلامية وإنما لفك الاشتباك بين هذه الجماعات.
  • فكانت المجموعة التي تحمل شعارات الاستخفاف بالتعليم المدني كعلوم الزراعة والتجارة والطب والهندسة والصيدلة والعلوم وكان شعارها حول هذه المسألة "علم لا ينفع وتركه لا يضر" وقد استطاعت هذه المجموعة أن تقنع عددا من الطلبة بترك الجامعات والعمل كبائعين متجولين يبيعون الترمس والهريسة وعسل النحل على أرصفة المدينة ... وقاد هؤلاء نفر من حي شبرا أشهرهم عبد الله بن عمر وأسامة القوصي من طب عين شمس، ومعظم الذين سافروا السعودية وبقوا هناك حتى حادثة احتلال الحرم المكي 1979.
  • وكانت المجموعة التي فهمت الإسلام على أنه عودة لواقع الجزيرة العربية في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تفرق بين ما كونه سنة واجبة الاتباع وبين ما هو عادة من عادات العرب فكانت المعارك الجدلية واليدوية حول "الجلباب والعصا" وضرورة دخول الجامعة بالجلباب والعصا والجلوس على الأرض والأكل عليها والاكتحال والتخضب بالحناء ... إلخ، كما نادت هذه المجموعة بحرمة قراءة الكتب الإسلامية التي ألفها دعاة معاصرون، وقادها وسيطر عليها جماعة التبليغ والدعوة ولكن بعد وفاة المرحوم الشيخ إبراهيم عزت.
  • وسمعنا عن الذين رفعوا شعار "الجماعة الإسلامية نحو فهم سلفي جديد" وكانت حجة هذه المجموعات الأخيرة أن الجماعة الإسلامية تسير متتبعة أثر الإخوان المسلمين، ولا بد أن يحدث لهم ما حدث للإخوان المسلمين من فرقة وتمزق إلى تنظيم علني وآخر سري وخلافات وصراعات واتهموا الإخوان بأنها جماعة تركت الجهاد وهادنت الحكومة، وترأس هؤلاء معظم قادة الجماعة الإسلامية بالصعيد وعلى رأسهم من الشباب كرم زهدي وأسامة حافظ من المنيا وناجح إبراهيم من أسيوط.
وحظيت معظم هذه الاتجاهات بتسهيلات إدارية غير مباشرة فعقدت لبعضها معسكرات بينما ألغيت معسكرات الجماعة الإسلامية تماما وقامت جامعات أخرى بتلبية رغبات مجموعة أخرى حتى سمنت وتضخمت واستشعرت أنها قوة، ومجموعة ثالثة سهلت لها الاجتماعات بالمساجد بينما حرم الآخرون.
وبالرغم من قلة عدد المنساقين وراء هذه التيارات إلا أنه شغلت الجماعة الإسلامية مدة عام كامل لإصلاح هذا العطب.وقبل أن تنتهي الجماعة الإسلامية من لم شملها وإصلاح ما فسد من ابنتها كان توقيت الضربة قد حان.

ثامنا: من المساجد إلى المعتقلات:

بدأ عام 1981 وما تزال الجماعة الإسلامية قوية فتية، وبالرغم من تصاعد المشاكل الداخلية إلا أن الجماعة الإسلامية كانت ماضية في عملها بانتظام، فالمؤتمرات كانت تعقد لمناقشة قضايا الأمة الداخلية والخارجية وكانت النشرات تصدر باستمرار تعبر عن حكم الإسلام في كل ما يدور من أحداث، وكانت توقع بالخط الواضح أسفل النشرة "الدكتورة حلمي الجزار الأمير العام للجماعات الإسلامية".
وفي عيد الفطر السابق على مقتل الرئيس السادات كانت صلاة العيد تضم 200 ألف مصل جاءوا تلبية لدعوة الجماعة الإسلامية للصلاة في ميدان عابدين بالقاهرة، ومثل هذا حدث في جميع المحافظات التي بها جامعات تقريبا، وكانت هذه مؤشرات صادقة تدل بوضوح على ثقة المواطنين في أبنائهم الذين يعملون تحت لواء الجماعة الإسلامية بقيادة الدكتور حلمي الجزار.
ومن ناحية أخرى فقد واكبت هذه الفترة الإعلان عن ميلاد أول اتحاد للجمعيات الخيرية الإسلامية مع جماعة الإخوان المسلمين وسمي هذا الاتحاد باسم "مؤتمر الدعوة الإسلامية الدائم".
وضم هذا الاتحاد جمعيات الخلفاء الراشدين ويمثلها الشيخ سليمان ربيع، وأبي بكر الصديق ويمثلها اللواء راشد، وشباب محمد، والهداية الإسلامية ويمثلها الشيخ حافظ سلامة، ونخبة من علماء الأزهر الشريف ويمثلها الشيخ محمد المطراوي إلى جانب ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين (أ. عمر التلمساني، د. أحمد الملط، أ. جابر رزق، أ. عبد المتعال الجبري، أ. محمد عبد المنعم (الإسكندرية)، أ. محمد المسماري (محامي).
وزيادة في إيضاح وجهة هذا الاجتماع فقد اختير الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين، مسئولا عاما عن هذا المؤتمر.
كما أن بعض النقابات العامة كانت محسوسة النبض الإسلامي خاصة نقابة المحامين التي كانت تعلن رفضها الدائم للمعوقات المفروضة على الحركة الإسلامية ولمع في هذه المرحلة المرحوم محمد المسماري المحامي والمرحوم عبد الله سليم من العمار دقهلية والدكتور عبد الله رشوان، وكانوا جميعا متحلقين حول كبير المحامين الإسلاميين الأستاذ عمر التلمساني.

أما الطرف الآخر الذي تمثله الحكومة وحزبها "الحزب الوطني الاشتراكي" فكانت حالته كما يلي:

في الخارج كان السلام مع إسرائيل قد استقرت قواعده وأصبحت العلاقات في مرحلة ما بعد السياسة، ودخلت في مرحلة التبادل التجاري والثقافي والفني واقتربت من مرحلة التبادل "الكروي" أو الرياضي.
وكان التزاوج الحكومي مع الأمريكان يصل إلى درجة الاتحاد الفدرالي أو قبل ذلك بقليل، فالأمريكان لهم في مصر ثلاث قواعد عسكرية تحت اسم "تسهيلات عسكرية"، وكل كبيرة أو صغيرة لا تمضي حتى يعلن الرئيس المصري بغير أدنى حرج أنه في مشاورات مكثفة مع الرئيس الأمريكي، أما العلاقات العربية فكانت مقطوعة تماما إلا مع النميري وقابوس.
وفي الداخل شهدت البلاد ومعها العالم أجمع أغرب عرض عسكري لقوات الشرطة، فعرضت أسلحة ثقيلة ومصفحات وأنواع أخرى لا عهد للناس بها من أسلحة المطاردة ومقاومة التظاهر وتعقب الهاربين، وقد أقر ك من رأي هذه القوات أن الأمة مقدمة على حرب أهلية بين الناس والحكومة وتلك بشائرها.
ومن الغرائب أن طلبة الشرطة الذين حضروا الاحتفال المسائي اشتركوا لأول مرة في الغناء بفرقة موسيقية بما لا تعهده الأمة في العسكريين من قبل، وليس ذلك فقط بل تعمد المغني أن يقدم أغنية خليطا بين اللغة العربية والإنجليزية (فرانكو أراب) على موسيقى الجاز الأمريكي، كان ذلك مؤشرا واضحا لطبيعة الثقافة والتطلعات في جانب الحزب الوطني وحكومته وأجهزته العسكرية "راجع شريط الفيديو للحفلة لدى التليفزيون المصري".
واستكمالا لهذه الاستعدادات فقد كانت الحكومة قبل ذلك بعام قد شرعت في بناء سجن (الاستقبال الدامي) بمنطقة طرة حيث كان ذلك مؤشرا واضحا أيضا أن النية مبيتة لاستخدام سياسة المعتقلات كما اتضح بعد ذلك، ويسع هذا السجن ألفين من المعتقلين في المتوسط، يمكن أن تزاد عند الضرورة إلى أربعة آلاف.
ومما اتضح أيضا أن كشوفا قوامها ألفين من القيادات الوطنية المعارضة للسادات ومعها سبعة آلاف من الجماعات الإسلامية كانت قد أعدت لاعتقالها كدفعة أولى كما صرح بذلك الرئيس السادات في خطابه الذي أعقب عملية الاعتقال الأولى.
وكانت المشكلة العويصة أمام السادات وحزبه هو الاسم الذي تسمى به العملية، وعقد اجتماعا كبيرا باستراحة الرئيس بالإسكندرية كما قررت جريدة الحزب بعد مقتل الرئيس حضرته قيادات الحزب الوطني والقيادات الأمنية عامة والمباحثية ومستشاري الرئيس لشئون الأمن القومي ... إلخ.
وكان موضوع الاجتماع "الصياغة السياسية للضربة الأمنية القادمة والاسم الذي يطلق على هذه العملية".وعرضت أسماء كثيرة فاز من بينهم اسم "الفتنة الطائفية" وتقرر أن تكون القضية القادمة تحت اسم "قضية الفتنة الطائفية".
"والفتنة الطائفية" مصطلح سياسي مخترع منذ عهد الاحتلال الغربي ويقصد به تخويف المسلمين من التعرض للعقائد المسيحية واليهودية بالنقد.ولكنه استخدم هذه المرة استخداما سياسيا جديدا حيث اعتبر من يعترض على سياسة الحكومات وتصرفات الحاكم حتى في المسائل العائلية أو الشخصية متهما بإثارة الفتنة الطائفية.
وتحت هذا التجريم الجديد صدرت قرارات 5 سبتمبر وبموجبها دخلت قيادات مصر كلها المعتقل ممثلة في كل ما لا ينتمي إلى حزب الحاكم.فالإسلاميون شيوخا وشبابا ومعهم عينة من السياسيين على اختلاف اتجاهاتهم وعدد من الصحفيين والإعلاميين وعدد من المسيحيين سيقوا إلى المعتقلات على ذمة الفتنة الطائفية، وعاد زوار الفجر بعد انقطاع دام عشر سنين وأعلنت حالة الاستعداد القصوى في أجهزة الاعتقال والقمع ودهموا البيوت في أوقات نومها واستيقظ الأطفال على صراخ الأمهات اللاتي فقدن أزواجهن إلى مكان وزمان لا يعلمها إلا الله.
وبين عشية وضحاها كانت الجماعات الإسلامية مودعة في السجون ممثلة في قياداتها وعدد كبير من أفرادها والقسم الباقي بين هارب وخائف أو هارب يتحين الفرصة للانتقام.
وكانت خطابات الرئيس السادات التي أعقبت عملية الاعتقال والقبض من أكبر العوامل التي ساعدت على تأجج ثورة الانتقام من شخصه ومن نظامه، حيث تعرض للجماعات الإسلامية وعلماء الإسلام بكلام وسب وشتم واستهزاء بكل ما يمت للحركة الإسلامية بصلة من قريب أو بعيد؛
وكانت كلماته بحق الشيخ أحمد المحلاوي سقطة قاصمة لرئيس دولة ظهر متشفيا في أحد مواطنيه المعتقلين حيث قال عن المحلاوي (مرمي في السجن زي الكلب) وذكر الشيخ حافظ سلامة قائلا (راجل مجنون)، بهذه الاعتقالات وهذا الخطاب المستفز استكمل السادات في نظر الشباب المتدين كافة أسباب الحكم بالإعدام، وكان الحكم عند البعض نهائيا لا نقض فيه مما جعلهم يباشرون التنفيذ على النحو الوارد في ملفات القضية.

المفاجأة التي شلت الجميع:

إنها مفاجأة اغتيال السادات على المنصة وهذه إحدى الروايات الشائعة لكيفية اغتيال السادات.
في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من ظهر يوم السادس من أكتوبر 1981 (وقفة عيد الأضحى) وبينما كانت فصول العرض العسكري تمضي برتابة وفق ما أعد لها فجأة ارتجت إحدى العربات وانحرفت إلى اليمين قليلا وتصور الحاضرون أن السيارة أصابتها لعنة الموتوسيكل وتعطلت؛
وعندما نزل منها ضابط ممتلئ قليلا تصوروا أنه سيسعى لإصلاحها وأنه سيطلب العون لدفعها إلى الأمام بعيدا عن المنصة، كما حدث من قبل في عروض عسكرية سابقة أقيمت في عهدي عبد الناصر والسادات لم شك أحد في عطل العربة الجرار بل إن قليلين هم الذين انتبهوا لذلك ...
وكان أول ما فوجئ به الحاضرون بعد ذلك هو رؤية الضابط الممتلئ الذي قفز من العربة وهو يلقي بقنبلة يدوية تطير في الهواء ثم ترتطم بسور المنصة منفجرة ... في ذلك الوقت كان المذيع الداخلي يحيي رجال المدفعية ويقول:
(إنهم فتية آمنوا بربهم!!) كان ذلك الضابط هو الملازم خالد الإسلامبولي الضابط العامل باللواء 333 – مدفعية ...
جرى خالد الإسلامبولي إلى العربة، وفتح بابها، وأمسك بمدفع رشاش ... عيار 9 مم، وكان ذلك الشخص هو عطا طايل ... وقبل أن ينتبه أحد، من الصدمة، ألقى خالد الإسلامبولي القنبلة اليدوية الدفاعية الثالثة في اتجاه المنصة، فسقطت بالقرب منها لكنها لم تنفجر هي الأخرى ... واكتفت بإخراج دخان كثيف منها ...
وقبل أن ينتهي الدخان، انفجرت القنبلة الرابعة، وأصابت سور المنصة أيضا ... وتناثرت شظاياها في أنحاء متفرقة .. لكن .. هذه الشظايا لم تصب أحدا .. وكان السبب هو سور المنصة الذي كان بمثابة (الساتر) الذي حمى من خلفها من شظاياها ... وكان رامي هذه القنبلة هو عبد الحميد عبد العال ... في تلك اللحظة انتبه أبو غزالة ..
وأحس أن ثمة شيء غير طبيعي يحدث .. وقد تأكد من ذلك بعد أن لمح الرشاش في يد خالد الإسلامبولي ... واكتشف أنه عار الرأس، ولا يضع البرية كالمعتاد ... وانتبه السادات هو الآخر ... وهب من مقعده واقفا ... وانتصبت قامته ... وغلا الدم في عروقه ... وسيطر عليه الغضب ... وصرخ أكثر من مرة: مش معقول ... مش معقول ... مش معقول .. وكانت هذه العبارة المكررة هي آخر ما قاله السادات ...

فقد جاءته رصاصة من شخص رابع كان يقف فوق ظهر العربة ويصوب بندقيته الآلية (عيار 7.92) نحوه وكان وقوف السادات، عاملا مساعدا لسرعة إصابته ... فقد أصبح هدفا واضحا، وكاملا، ومميزا ... وكان من الصعب عدم إصابته ... وخاصة أن حامل البندقية الآلية هو واحد من أبطا الرماية في الجيش المصري وقناص محترف ... كان ذلك هو الرقيب متطوع/ حسين عباس علي ... اخترقت الرصاصة الأولى الجانب الأيمن من رقبة السادات في الجزء الفاصل بين عظمة الترقوة وعضلات الرقبة ... واستقرت أربع رصاصات أخرى في صدره، فسقط في مكانه ... على جانبه الأيسر ... واندفع الدم غزيرا من فمه ... ومن صدره ... ووشاح القضاء الأخضر الذي كان يلف به صدره والنجوم والنياشين التي كان يعلقها ويرصع بها ثيابه الرسمية المميزة ...

بعد أن أطلق حسين عباس دفعة النيران الأولى، قفز من العربة، ليلحق بخالد وزملائه الذين توجهوا صوب المنصة ... في تشكيل هجومي، يتقدمهم خالد، وعبد الحميد على يمينه، وعطا طايل على شماله ... وبمجرد أن اقتربوا من المنصة أخذوا يطلقون دفعة نيران جديدة على السادات ... وهذه الدفعة من النيران أصابت بعض الجالسين في الصف الأول، ومنهم المهندسين سيد مرعي، والدكتور صبحي عبد الحكيم الذي سارع بالانبطاح أرضا ليجد نفسه وجها لوجه أمام السادات الذي كان يئن ويتألم ويلفظ أنفاسه الأخيرة ...
ومنهم فوزي عبد الحافظ الذي أصيب إصابات خطرة وبالغة وهو يحاول أن يكوم الكراسي فوق جسد السادات، الذي ظن أنه على قيد الحياة، وأن هذه المقاعد تحمي حياته، وتبعد الرصاصات المحمومة عنه ... كان أقرب ضباط الحرس الجمهوري إلى السادات عميد اسمه أحد سرحان ...
وبمجرد أن سمع طلقات الرصاص تدوي، سارع إليه وصاح فيه: انزل على الأرض يا سيادة الرئيس ... انزل على الأرض ... انزل ... ولكن ... كان الوقت كما يقول العميد أحمد سرحان متأخرا ... (وكانت الدماء تغطي وجهه وحاولت أن أفعل شيئا وأخليت الناس من حوله، وسحبت مسدسي وأطلقت خمسة عيارات في اتجاه شخص رأيته يوجه نيرانه ضد الرئيس، لم يذكر عميد الحرس الجمهوري من هو بالظبط الذي كان يطلق نيرانه على السادات ...
فقد كان هناك ثلاثة أمام المنصة يطلقون النيران (خالد، وعبد الحميد، وعطا طايل ... كانوا يلتصقون بالمنصة إلى حد أن عبد الحميد كان قريبا من نائب الرئيس حسني وقال له: أنا مش عايزك، إحنا عايزين فرعون ... وكان يقصد بفرعون أنور السادات!
وأشاح خالد لأبو غزالة قائلا: ابعد. قال ذلك، ثم راح هو وزملاؤه يطلقون الرصاص ... فقتل كبير الياوران، اللواء حسن عبد العظيم عام (51 سنة)؛
وكان الموت الخاطف أيضا من نصيب سبعة آخرين هم مصور السادات الخاص محمد يوسف رشوان (50 سنة) ... وسمير حلمي (63 سنة) وخلفان محمد من سلطنة عمان ... وشانج لوي أحد رجال السفارة الصينية ... وسعيد عبد الرؤوف بكر ... وقبل أن تنفذ رصاصات خالد الإسلامبولي، أصيب الرشاش الذي في يده بالعطب ... وهذا الطراز من الرشاشات معروف أنه سريع الأعطال خاصة إذا امتلأت خزانته (30 طلقة بخلاف 5 طلقات احتياطية)، عن آخرها ...
وقد تعطل رشاش خالد بعد أن أطلق منه 3 رصاصات فقط، مد خالد يده بالرشاش الأخرس إلى عطا طايل الذي أخذه منه وأعطاه بدلا منه بندقيته الآلية واستدار عطا طايل ليهرب ... لكنه فوجئ برصاصة تأتي له من داخل المنصة وتخترق جسده ...
في تلك اللحظة فوجئ عبد الحميد أيضا بمن يطلق عليه الرصاص ليجد رجلا يرفع طفلا ويحتمي به كساتر فرفض إطلاق النار عليه ... وقفز خلف المنصة ليتأكد من أن السادات قتل ... واكتشف لحظتها أنه لا يرتدي القميص الواقي من الرصاص ... وعاد وقفز خارج المنصة وهو يصرخ: الله أكبر الله أكبر!
في تلك اللحظة نفدت ذخيرة حسين عباس فأخذ منه خالد سلاحه وقال له: (بارك الله فيك ... اجر .. اجر ..) ونجح في مغادرة أرض الحادث تماما ... ولم يقبض عليه إلا بعد يومين ... أما الثلاثة الآخرون فقد أسرعوا بعد أن تأكدوا من مصرع السادات يغادرون موقع المنصة ... في اتجاه مسجد رابعة العدوية ... وعلى بعد 75 مترا وبعد قرابة دقيقة ونصف انتبه رجال الحراس وضباط المخابرات الحربية للجناة فأطلقوا الرصاص عليهم .. فأصابوهم فعلا ...
وقبضت عليهم المجموعة 75 مخابرات حربية وهم في حالة غيبوبة كاملة، وبعد أن أفاق الحرس من ذهول المفاجأة ... وبعد إصابة المتهمين الثلاثة، بدأ إطلاق النار عشوائيا على كل من يرتدي الزي العسكري، ويجري في نفس الاتجاه الذي كان يجري فيه الجناة فأصيب 3 أشخاص وفيما بعد ... ثبت من تحقيقات المحكمة أن عبد الحميد وعطا كانا ينزفان وهما يجريان ... وثبت أيضا أن رجال المجموعة 75 أخذوا أسلحتهم بعد إصابتهم ... وثبت كذلك بعض هذه الأسلحة كان بها ذخيرة، وقال العقيد محمد فتحي حسين (قائد المجموعة 75) أمام المحكمة؛
أن أسلحة بعض المتهمين كان فيها ذخيرة وأنهم لم يردوا على رجال المخابرات عندما أطلقوا عليهم الرصاص ... وكان عدم الرد على رصاص رجال المخابرات الحربية قناعتهم بانتهاء مهمتهم عند قتل السادات، ولأنهم اعتبروا أنفسهم شهداء منذ تلك اللحظة وفيما بعد شوهد ممدوح سالم في الفيلم التليفزيوني الإيطالي الذي صور الحادث وهو يلقي عددا من المقاعد في اتجاه السادات وشوهد وهو يشد حسني مبارك إلى أسفل .. وشوهد نائب رئيس وزراء سابق وهو يتسلل باحثا عن مهرب من هذا الجحيم.

مدرسة المعتقلات:

فور استعادة الدولة المصرية توازنها من وقع المفاجأة انتقلت السلطة تلقائيا لنائب الرئيس الذي أصدر فورا قرارا باعتقال كل من له نشاط ديني سياسي وبذلك أضيف عشرات الألوف من المعتقلين إلى الألف الذين تم التحفظ عليهم من قبل.
مثل الاجتماع الحاشد بالسجون للإسلاميين من جميع المحافظات المصرية من أسوان إلى الإسكندرية على اختلاف توجهاتهم وأعمارهم فرصة لم نكن نحلم بها ... فرصة في الحوار والدراسة العميقة لكل من هو معروض بالساحة السياسية وكل ما يخطط للحركة الإسلامية.
وكان معنا في المعتقلات في هذه الفترة عدد من الطلاب الوافدين بمدينة البعوث الإسلامية والقادمين للدراسة الإسلامية بالأزهر الشريف، مما جعل الاجتماع دوليا وليس محليا، وما زلت أذكر أسماء الثلاثة الأتراك الذين رافقوني في زنزانتي قرابة سبع شهور كاملة وهم الأخ، داوود تفير والأخ موسى كليكرك والأخ مصطفى أوزجان والأخير من كبار الصحفيين الأتراك الآن في مدينة اسطنبول في صحيفة (الزمان) التركية الإسلامية.
في المعتقلات عاشت المجموعات الإسلامية عاما كاملا تحولت خلاله المعتقلات إلى معسكرات عمل دائم، نظمت الندوات والمحاضرات وتكونت فرق للنظافة وفرق للتغذية وفرق للإعلام والصحافة وفرق للاحتفالات أقامت لنا أروع الاحتفالات بالعيدين والمناسبات الإسلامية.
وضرب جيل الصحوة الصغيرة والكبير مثالا رائعا في الصبر والثبات والرجولة أمام عنف النظام وضراوة التعذيب وعنت التحقيقات التي كانت تطول إلى ساعات الفجر كل يوم في ليل الشتاء البارد.وهكذا انتهت فترة السبعينيات لتخلف وراءها النتائج التالية.
أولا: تأكد أن سياسة تنشيط الاجتهادات الشاذة وتفريق العاملين تعتبر من أفعل الأسلحة لمحاربة الحركة الإسلامية وإضعافها.
ثانيا: أن الأمة المصرية تمتلك عقيدة إسلامية غضة طرية وفي حالة شوق وانتظار لاستئناف الحياة الإسلامية على أي مفهوم من المفاهيم المعتمدة.
ثالثا: أن الدعوة الإسلامية قد عبرت مرحلة التخويف بالسجن أو الإعدام فلم تعد هذه وسيلة مانعة أو مخيفة.
رابعا: لم يعد من الممكن تطويق الحركة الإسلامية حيث بلغت حدا من التكاثر والعمق بما لا يسمح بعملية التطويق أو المحاصرة.
خامسا: أن البيئة المصرية حبلى بميلاد جماعات إسلامية تعتبر الإخوان المسلمين ليسوا أهلا لقيادة الحركة الإسلامية وترفض الانضواء تحت قيادتهم.
هكذا كانت قصة الجماعات الإسلامية خلال عشر سنين، وكنت في ذلك مسجلا لما رأيته بعيني وعايشته بنفسي، وأرجو أن يكون ما كتبته موضحا لكثير من الغموض حول هذا الموضوع خاصة أن بعض الجهات تعمدت إثارة الدخان وإشاعة الشائعات حول هذه الظاهرة المصرية الصميمة.

جيل السبعينيات في طور جديد:

واصلت الصحوة الإسلامية جهودها بالجامعات والأحياء فور خروجها من المعتقلات في نهاية عام 1982، وبينما غابت قيادات هامة من الجماعة الإسلامية وراء القضبان بعد الحكم عليهم في قضية اغتيال الرئيس السادات، شرعت المجموعات الأخرى في العمل، في البداية الجديدة للعمل في فترة الثمانينات باتت الفوارق بين العاملين واضحة جلية.
فالتيار الذي اقترب من الإخوان وقبل العمل وفق منهج الإخوان شرع في تنظيم نفسه ولكن مع الكثير من التحديث في الأدوات الذي فرضته طبيعة العصر.
وأما التيار الذي اتخذ الجهاد المسلح طريقا للعمل الإسلامي فقد شكل لنفسه تجمعا منظما آخر وابتعد بمعظم عمله عن الجامعات، وترتب على تنظيماته وتدريباته موجة العمليات المسلحة التي هزت مصر منذ عام 1990 وحتى عام 1997 ومع صدور مبادرة وقف العنف في 5 يونيو 1997 نشطت مجموعة جديدة معترضة على المبادرة وقامت بالمذبحة المروعة في وادي الملوك بالأقصر والتي راح ضحيتها أكثر من 70 جلهم من السياح الأجانب؛
ثم صدرت المراجعات التي اتفق عليها قادة العمل المسلح في الداخل والخارج ونشرت للعموم في يناير 2002 وتوقفت موجة العنف كوسيلة للتغيير الداخلي حتى تفجرت دهب وشرم الشيخ والأزهر ثم الحسين 2009 والتي لم يعرف من وراءها حتى كتابة هذا المؤلف.
الفريق الأول الذي عملت معه وعايشته وما أزال أستأنف العمل على أصعدة ثلاث:
  1. الصعيد الأول هو الاهتمام بالدعوة الإسلامية بين الطلاب بالمدارس والجامعات.
  2. الصعيد الثاني الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات.
  3. الصعيد الثالث العمل بالأحياء السكنية من خلال المساجد.
وسلكت الصحوة الإسلامية مسلكا قانونيا بحتا فجعلت وسيلتها للعمل:
  1. الاتحادات الطلابية.
  2. الأسر الجامعية المنبثقة من الاتحادات.
  3. نوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
  4. النقابات المهنية في أواخر الثمانينات.
والمجال هنا للتحدث عن دور جيل السبعينيات بالجامعات والأحياء والمدن من خلال الاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس والمساجد.

جهود الإسلاميين بالجامعات في الثمانينات

أولا: من خلال الاتحادات الطلابية

في القاهرة تشكلت لجنة مركزية من حسب السن (السيد عبد الستار، عبد المنعم أبو الفتوح، حلمي الجزار، أنور شحاتة، أبو العلا ماضي) واللجنة كلها من جيل السبعينيات المنتمين للإخوان وكان عبد المنعم وقتها عضوا بمكتب الإرشاد الذي يرأسه الأستاذ عمر التلمساني؛
والحديث هنا متعلق بدورهم كمؤسسين في هذا الجيل ومنتمين إليه وسوف أفصل العلاقة بين اللجنة والإخوان في الفصل القادم، تشكلت لجنة معاونة في معظم المحافظات، في الإسكندرية (إبراهيم الزعفراني، خالد داوود، سعيد لطفي) في المنصورة (عاصم شلبي وآخرون) في قنا (مصطفى حسن وآخرون) في أسوان (أسامة عبد المعطي وآخرون) كما لحق بهؤلاء الأول أسماء أخرى على مدى 8 سنوات من العمل.
واعتمدت الصحوة الإسلامية بالجامعات خلال فترة الثمانينات أسلوب تحديد الأهداف وتقسيمها إلى أهداف مرحلية وأهداف نهائية وكذلك تحديد الوسائل بدقة كاملة وتوصيف العقبات المحتملة وكيفية التغلب عليها، وتعمق الإيمان في نفوس الشباب بضرورة الالتزام بكافة الأصول الإدارية الحديثة في القيام بالواجبات الدعوية فتشكل بالجامعات جهاز طلابي يتعامل من خلال تقسيم الواجبات وتحديد الاختصاصات والمتابعة والتقييم وتصحيح الأخطاء أولا بأول، وإدراكا لأهمية التدريب الإداري تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات (معبد) تحت إدارتي لقيام بهذا الدور الهام.
اختلفت فترة الثمانينات عن السبعينات في أساليب العمل ووسائل الدعوة وطريقة إدارتها.فقد لاحظت مجموعة العمل الجديدة عدة أخطاء في مرحة السبعينات وراحت تعالجها.
نذكر من هذه الأخطاء:
  1. أسلوب الجماهيرية العشوائية في تسيير الدعوة في الجامعات، وعولجت هذه الظاهرة بالتوجه لأعضاء هيئة التدريس والنظر إليهم باهتمام خاص.
  2. الخلط بين أعداء الإسلام كمنهج حياة وبين المعترضين على سلوكيات المتدينين من القيادات الجامعية حيث كان الخطاب النقدي الموجه من الإسلاميين في السبعينيات يعم كل من ينتمي إلى إدارة الجامعة بوصفه جزءا من النظام الحاكم، ولكن مرحلة الثمانينات شهدت لينا واضحا في خطاب الإسلاميين لمعظم الإداريين بالجامعة بوصفهم يتلقون أوامر ويكرهون على تنفيذها في مواجهة الحركة الإسلامية وكثيرا ما كانت تدور حوارات بين الإسلاميين وهؤلاء الإداريين حول كيفية التخلص من هذه الأوامر وكيفية إفشالها على أرض الواقع.
  3. الانصراف عن قضايا الطلبة الحياتية الملحة كمشكلة الكتاب والسكن والملبس والمواصلات والبطالة بعد التخرج والاكتفاء بعرض عموميات إسلامية يغلب عليها الجانب العاطفي أكثر من الجانب التفصيلي العملي والواقعي، وقد عالجت الحركة الإسلامية ذلك القصور بإجراء دراسات جيدة حول القضايا الهامة التي تهم الطلبة من خلال الاستبيانات واستطلاعات الرأي بأسلوب علمي لمعرفة أحاسيس الطلبة وما يشغل أذهانهم ويسيطر على أفكارهم ومشاعرهم، ثم انخرطت المجموعات الإسلامية في تلبية هذه الحاجات وتقديم الحلول المناسبة لها والتحاور حول تلك القضايا، والكتابة لشرحها وتحليل أسبابها، ووصف علاجها.
  4. ولاحظت مجموعة العمل بالجامعات انصراف معظم المتدينين عن التحصيل العملي التخصصي زهادة فيه أو انشغالا عنه، وشرعت مجموعة العمل الإسلامية في علاج تلك القضية بالوسائل الناجحة فرصدت جوائز للمتفوقين دراسيا من أبنائها وعقدت لهم حفلات تكريم على أعلى مستوى ورصدت الكثير لمساعدة الطلاب المتميزين وأقامت معسكرات خاصة للتحصيل العلمي في شهور ما قبل الامتحانات وكذلك أوقعت عقوبات وجزاءات على المتخلفين دراسيا من أبنائها والعاملين في صفها بالوقف عن ممارسة النشاط الإسلامي الدعوي حتى يجتاز الطالب مستوى معين من التفوق الدراسي.
  5. وانتبهت مجموعة العمل الإسلامية بالجامعات إلى قصور الدور النسائي حيث كان مقتصرا على الاهتمام بالزي الإسلامي طوال فترة السبعينيات ... فعمد الإسلاميون في فترة الثمانينات إلى الاهتمام بالجانب التربوي والثقافي حتى صارت منهن نماذج قادرة على أن تنقل فكرتها إلى غيرها بالإضافة إلى استمرارها على طريق الصحوة في مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة.
وقد أثمرت تلك الجهود المبذولة من قبل الكتيبة الإسلامية العاملة بالجامعات ثمارا يانعة تمثلت في استمرار المسيرة الإسلامية أثناء فترة السبعينات وامتدادها للثمانينات بمعدل أفضل، كما ترسخت أقدام الإسلاميين بالجامعات وشكلوا عينة واضحة في أعضاء هيئة التدريس الجدد بالإضافة لفوزهم بأغلب المقاعد في الاتحادات الطلابية من خلال الانتخابات الحرة ... وكان ذلك تعبيرا عن سلامة التنظيم الإسلامي بالجامعات وقدرة مجموعة العمل على التعامل مع المتغيرات المحيطة.
ولا يفوتني أن أذكر بأن التوجه الإسلامي في الثمانينات كان يقضي بالعمل من خلال المنظمات العامة القانونية والتي يمثلها هنا بالجامعات الاتحادات الطلابية، مع أن اللائحة التي تحكم الاتحادات الطلابية لا تعطي إلا هامشا ضيقا من الحرية للطلاب وتجعل أمر الاتحادات برمته في أيدي المشرفين والإدارة الجامعية ولكن الطلبة الإسلاميين استطاعوا بعون الله ثم بحسن الصلة بالأساتذة أن يمارسوا قدرا جيدا من النشاط الدعوي والطلابي في ظل تلك اللائحة الجائرة.
ومن اللافت للنظر أن الإسلاميين بالجامعات لم ينسوا التنويه إلى مجلس الشعب بهدف إقرارها ولكنه لم يفعل .. فعاودوا التقدم لرئيس جامعة القاهرة ثم وزير التعليم فوعدهم ببعض التعديلات في حدود جامعته فقط على سبيل التجربة.
كما أن رؤساء الاتحادات بالجامعات حاولوا أكثر من مرة إعادة الاتحاد العام لطلاب الجمهورية إلى سيرته الأولى ولكن تصديات الحكومات المتعاقبة كانت وما تزال أشرس من قدرات الطلبة ولم تفلح جموع الطلاب في استرداد حقهم بإقامة الاتحاد العام لطلبة الجامعات المصرية كما كان من قبل ...

استمرت جهود الإسلاميين من خلال الاتحادات طوال أعوام 82، 83، 84 تتنامى وتزداد.وفي عام 1984 استطاع الإسلاميون إعادة الجامعات إلى صورتها العامة في السبعينيات واستطاعوا بفضل الله وعونه إزالة كل أثر للعدوان على الجامعات أثناء فترة اعتقالهم طيلة عام كامل بعد اغتيال السادات.

وفي عام 1984 والأعوام التي تليه فاز الإسلاميون بمعظم الاتحادات الطلابية بالجامعات المختلفة ومثلت الاتحادات الطلابية أوعية للنشاط الطلابي الإسلامي الأساسية.وفي جامعة القاهرة كبرى الجامعات على سبيل المثال تمكن الإسلاميون من الفوز بالاتحادات طوال سنوات 84، 85، 86، 87، 88، 89، حيث كانت لهم أغلبية ملموسة بمجلس اتحاد الجامعة.

القضايا الهامة التي اهتم بها الإسلاميون بالجامعات

واكبت الحركة الطلابية الإسلامية بالجامعات كافة الأحداث التي مرت بها أمتها في هذه الفترة من الناحية السياسية، كما هتمت بالقضايا الطلابية والعالمية.

من أهم القضايا التي اهتمت بها الاتحادات الطلابية الإسلامية:

  1. قضية فلسطين والمسجد الأقصى.
  2. قضية أفغانستان.
  3. قضية ضعف المسلمين وسبيل النهوض بهم.
  4. قضية بطلان الصلح مع الصهاينة المحتلين.
  5. قضية الحريات.
  6. قضية الشورى والديمقراطية.
  7. قضية حقوق الإنسان.
  8. قضية الفساد الاجتماعي والسياسي وكيفية مواجهته.
  9. قضية المشاركة السياسية والفاعلية الاجتماعية.
  10. قضية الانتخابات العامة والمشاركة فيها.

في إطار القضايا الطلابية:

  1. قضية الكتاب الجامعي وسبيل تيسيره للطلاب.
  2. قضية إسكان الطلاب بالمدن الجامعية.
  3. قضية النشاط الطلابي ورفع الوصاية عنه.
  4. قضية اللائحة الطلابية والمطالبة بإعادتها لأصلها.

في إطار القضايا الاجتماعية:

  1. قضية المخدرات والإدمان وسبل الوقاية منها.
  2. قضية الصحة والرياضة.
  3. قضية البيئة والتلوث.
  4. قضية ارتفاع الأسعار وقلة الدخل.
  5. قضية القدوة الصالحة وأهميتها للمجتمع.
  6. قضية التفوق العلمي وأهميته القومية.

في إطار القضايا الطارئة:

  1. قضية حرب الخليج وما ترتب عليها من أضرار.
  2. قضية مؤتمر مدريد ورفضه شكلا ومضمونا.
وهكذا مارست الاتحادات الطلابية دورا هاما في توعية جموع الطلاب نحو تلك القضايا مستخدمة الوسائل المختلفة للتوعية والإرشاد كالنشرة والكتاب والمحاضرة والمسرحية، والمعارض الفنية واللوحات الحائطية والمناظرات الفكرية ... إلخ.
كما واكب الاهتمام بتلك القضايا نشاط طلابي هائل من خلال لجان الاتحاد المختلفة.فلجنة الثقافة كانت معنية بالندوات والنشرات والمناظرات الفكرية.
ولجنة الجوالة أقامت معسكراتها في كل مكان وضمت إلى صفوفها عددا هائلا من الطلبة، ولجنة الرحلات نظمت رحلاتها إلى جميع أنحاء القطر وتوجت ذلك برحلات الحج والعمرة، ولجنة الرياضة أقامت المباريات والمسابقات الرياضية على مستوى عال من الجودة والالتزام حتى كانت حديث الجميع، ثم كان موجة أشرطة الكاسيت الهادفة إحدى ثمار هذه اللجان الطلابية المختلفة.

مواقف الخصوم:

تحالف الحزب الحاكم مع التيارات الغير إسلامية (الشيوعيون، اليساريون، الناصريون، المسيحيون) في محاولة لتطويق النشاط الإسلامي ومحاصرته وفض الطلاب من حوله، وكانت أهم أسلحتهم خلال أعوام: 87/ 88/ 89/ 1990.

  1. التشويه الإعلامي.
  2. الحصار الاقتصادي والمالي.
  3. اعتقال إسلاميين وفصلهم دراسيا.
  4. تهديد أولياء الأمور.
  5. إطلاق يد البوليس بالجامعات ونشر المخبرين.
  6. تزوير الانتخابات.
  7. شطب المرشحين الإسلاميين من قوائم الترشيح.
  8. تعيين الاتحادات بعد إلغاء الانتخابات.
  9. تكوين أسر نشاط مضادة ودعمها بكل ما تريد.
  10. إرهاب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وإرغامهم على إنفاذ مخططات التزوير. وتعودت ساحات الجامعات وقبيل كل انتخابات تجديد للاتحادات الطلابية السنوية أن تشهد سلسلة من الأحداث الدامية بين الطلاب وقوات الأمن.

وكانت الأمور ترتب على النحو الذي يحتم وقوع صدام بين قوات البوليس التي تملأ الجامعات وبين الطلاب أعضاء الاتحادات وجلهم من الإسلاميين، وعلى الفور يعتقل الطلاب ويقدمون للمحاكمة والتي تقضي في النهاية بفصل بعضهم من الجامعة وحرمان الآخرين من دخول الانتخابات، فإذا تقدم غيره قامت إدارة الجامعات بشطب معظم الطلاب فلا يبقى إلا المتقدمون من قبل جهات الإدغرة الحكومية.

وفي البداية كان الشطب جزئيا ولكن في نهاية الثمانينات كان كليا في معظم الجامعات.وبالرغم من تصاعد حملة الضغط الحكومي للطلاب في النصف الأخير من الثمانينات فقد صمدت الجبهة الإسلامية وقاومت وتشبثت بمواقعها وكانت تواجه عميلة الشطب بدفع أعداد كبيرة من الطلبة للترشيح فلجأت الإدارة الجامعية إلى إلغاء العملية الانتخابية كلية.

وتميزت نهاية فترة الثمانينات بتصاعد الحملة الحكومية في مواجهة الطلبة الإسلاميين وتحولت الجامعات في أعوام 88/ 89/ 90 إلى ثكنات عسكرية مليئة بالعنف الذي فاق كل حد.

الحرب بالأفكار المخالفة منذ بداية التسعينيات

أثمرت جهود الإسلاميين في الجامعات أثناء فترات السبعينيات والثمانينات ثمارا طيبة في معظم ميادين الحياة الجامعية، ولكن الخصوم لم يهدأ لهم بال وتنادوا فيما بينهم وعقدوا المؤتمرات واللجان لبحث كيفية مجابهة الإسلاميين.

وقد تمخضت كافة دراساتهم عن ميلاد جبهة عريضة مكونة من العناصر التالية:

  1. المجلس الأعلى للشباب والرياضة.
  2. جهاز رعاية الشباب بالجامعات.
  3. الحرس الجامعي.
  4. أعضاء الحزب الحاكم من أعضاء هيئة التدريس.
وبالرغم من أن هؤلاء قد اتفقوا على هدف ضرب الحركة الإسلامية ومواجهة الإسلاميين بالجامعات لكنهم اختلفوا في الوسائل المؤدية لذلك تماما.

جهود جيل السبعينيات: من خلال نوادي أعضاء هيئة التدريس

اهتمت مجموعة العمل الإسلامية بالجامعات اهتماما بالغا بأعضاء هيئة التدريس وتم ذلك من خلال التنسيق بين أعضاء هيئة التدريس المشهود لهم بالتدين والتفاوض معهم حول ضرورة أن يكون لهم دور اجتماعي بالجامعات، وكلفت شخصيا من مجموعة العمل بأن أتحمل مسؤولية الاتصال والتنسيق مع أعضاء هيئة التدريس، وبدأت هذه المهمة بإجراء دراسة ميدانية في معظم الجامعات لواقع الأستاذ الجامعي وكيفية النهوض بهذا الواقع، وصدرت الدراسة في أول مؤلف أصدره تحت عنوان (الأستاذ الجامعي ... الواقع والأمل)

كما أسست المركز العلمي للبحوث والدراسات ليكون وسيلة صحيحة وقانونية للقيام بهذا الدور، ولم تكد تنتصف الثمانينات حتى كانت نوادي أعضاء هيئة التدريس تملأ سمع المجتمع المصري وبصره، وكان طبيعيا أن تزداد أعداد الإسلاميين بالهيئة التدريسية بالجامعة نتيجة لهذا الاهتمام.

الثلاثاء 25 أغسطس 1987 الموافق 1 محرم 1408 كان يوما له تاريخ في حياتي، إنه اليوم الذي تحقق فيه تكوين تنظيمي للصحوة الإسلامية بين أعضاء هيئة التدريس تحت مسئوليتي، وفي هذا اليوم عصرا توافد على مدرسة المكفوفين بالإسكندرية بمنطقة زيزينيا ممثلين لهذا الكيان الجديد، وكان من بين هؤلاء المرحوم الدكتور يوسف عبد الرحمن الذي عبر عن فرحته بالمخيم والمشاركة فيه بأن ارتدى طاقية بيضاء ودخل المدرسة بهذه الهيئة وقابلته على الباب ومددت يدي برفق وأخذت الطاقية وداعبته قائلا (بكرة من حضرتك)

ولكن السبب كان لعدم لفت الأنظار لهوية المستأجرين، وفي هذا اليوم فجرا وضعت زوجتي توأما عبد الرحمن وأسماء وتوقع بقية فريق إدارة المخيم عدم حضوري حفلة الافتتاح، وما بين الفجر وقت الولادة والعصر موعد الافتتاح يسر الله أمري وأنهيت كافة ما هو مطلوب مني وودعت زوجتي والتوأمين وسافرت إلى المخيم قبل وصول الكثيرين إليه، وتكلم في الافتتاح المرحوم ممدوح الديري وضرب بحضوري المثل في التجرد للدعوة وتقديمها على ما عداها مستدلا بما فعلت؛

لقد كان الحب في الله والتفاني في أداء المهام الإيمانية منتهى أمانينا ومصدر سعادتنا حتى حلقت طيور الظلام في سمائنا فبدلت وغيرت ومررت طعم الحياة من حولنا، في نهاية عام 1987 كانت نوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية تتشكل معظم مجالسها من رجالات الصحوة الإسلامية الفتية، في القاهرة يرأس النادي أ. د. يوسف عبد الرحمن.

وفي الإسكندرية أ. د. نبيل هاشم وفي أسيوط أ. د. محمد السيد حبيب وفي الزقازيق أ. د. لطفي شهوان، وجميعهم من الإسلاميين ثم توالت جهود الإسلاميين في النوادي يرأسونها أو يعملون في مجالسها حتى نالوا ثقة الأوساط الجامعية في بقية الجامعات المصرية ... في المنصورة والمنيا والإسماعيلية وغيرها من الجامعات، نشطت نوادي أعضاء هيئة التدريس في ظل الإسلاميين نشاطا محمودا في كافة العمل الجامعي وأثمرت في ذلك ثمرات طيبة.

وعقدت النوادي المنتخبة حتى بداية التسعينيات ثلاثة وسبعين مؤتمرا مشتركا لها، وذلك لتبادل الرأي وإجراء المناقشات والحوارات حول أوضاع الجامعات المصرية وأعضاء هيئات التدريس وتوفير الجو الملائم لهم لتأدية رسالتهم الهامة من أجل التعليم والبحث العلمي.

وأصدرت النوادي عددا من الدراسات والتوصيات يجدر بنا دراستها للوقوف على حجم العمل الكبير الذي قامت به تلك النوادي (راجع كتاب الأستاذ الجامعي .. الواقع والأمل .. للمؤلف).

وأهم تلك التوصيات والتوجيهات يمكن إجمالها فيما يلي:

(1) وضعت النوادي مقترحا مفصلا لتعديل القانون الخاص بالجامعات (49 لسنة 72) طالبت فيه بـ:
(أ) الاستقلال المالي والإداري للجامعات.
(ب) اختيار كافة القيادات الجامعية عن طريق الانتخاب الحر المباشر.
(ج) ربط سياسة الشورى الجامعي باحتياجات المجتمع.
(د) ضمان حرية الرأي والتعبير والنشر والاجتماع بالجامعة ووضع الضمانات الكفيلة بتأمين الأعضاء على حاضرهم ومستقبلهم.
(2) وضعت النوادي اقتراحا تفصيليا لتصحيح هياكل رواتب أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم.
(3) إنشاء نظام التأمين الصحي من خلال كل نادي بالجامعات.
(4) إعادة جميع الأعضاء الذين نقلوا خارج الجامعة نتيجة قرارات سبتمبر 1981.
(5) الوقوف بحزم في مواجهة سياسات التطبيع مع الصهاينة وكافة مؤسساتهم العلمية.
(6) مكافحة التعديات البوليسية على الجامعات والمطالبة بإلزام الحرس الجامعي بمهمته المحددة في حراسة المنشآت الجامعية وتأكيد تبعيته لإدارة الجامعة.
(7) تأييد المطالب الطلابية الخاصة بإلغاء اللائحة الطلابية المجحفة والتي أصدرها الرئيس السادات لتقييد الحركة الطلابية.
(8) المشاركة الإيجابية بالرأي والاشتراك الفعلي في كافة القضايا القومية التي مرت بالأمة ومنها:
(أ) قضية الحريات والتعليم والديمقراطية.
(ب) قضية تطوير التعليم ومحاولات البعض محو الهوية الإسلامية للأمة تحت هذا الشعار والوقوف بحزم في مواجهة تلك المخططات.
(ج) قضية التنمية الزراعية وأهميتها وتوضيح خطورة التغلغل الصهيوني في مؤسساتنا الزراعية.
(د) قضية الحصار العلمي والتكنولوجي المفروض علينا من الغرب والأمريكان وكيفية التغلب عليه.
(هـ) قضية حقوق الإنسان عامة والإنسان المصري خاصة.
(و) التكامل العربي والإسلامي في كافة الشئون، والتعاون على درء الأخطار الخارجية التي تستهدفنا جميعا.
(ز) الوقوف بقوة مع الشعب العراقي في مواجهة الاستعمار الأمريكي.
(9) الاعتراض على تعيين المحافظين في مجالس الجامعات لتعارضه مع مبدأ استقلالها.
(10) المطالبة المتكررة والمستمرة من النوادي بإلغاء قانون الطوارئ وكافة القوانين المقيدة للحريات والتي اصطلح على تسميتها "بالقوانين سيئة السمعة"، والعودة لمعاملة الإنسان المصري بالقوانين العادية وعرضه على قاضيه الطبيعي.
(11) الرفض القاطع لإنشاء ما يسمى بالجامعة الأهلية لما يترتب عليها من مضار والمطالبة بالإنفاق على الجامعات القائمة واستكمال منشآتها ومعاملها وفي ذلك الاستغناء عن كل ما يقصد بإنشاء الجامعة الأهلية.
(12) رفض الاشتراك الصهيوني في عرض القاهرة للكتاب ومطالبة المسئولين بتنفيذ ذلك على الفور.
(13) مخاطبة الزعماء في إيران والعراق للوقف الفوري للحرب الطاحنة التي دارت بين البلدين.
(14) مؤازرة الشعب الأفغاني بقوة أثناء حربه ضد المحتلين الشيوعيين.
(15) المطالبة بتغيير اسم مجلس "تأديب أعضاء هيئة التدريس" الوارد بالقانون إلى مجلس المساءلة لأعضاء هيئة التدريس "وذلك حفاظا لكرامتهم واحترامهم.
(16) طالب المؤتمر الدائم لأعضاء هيئة التدريس بسرعة الأخذ بالشريعة الإسلامية في كافة القوانين تنفيذا لنصوص الدستور الذي اعتبرها المصدر الأساسي للتشريع.
(17) استطاعت نوادي أعضاء هيئة التدريس أن تكسر الحصار الحديدي الذي ضربته الدول حول الجامعات لتمنعها من أداء دورها نحو مجتمعها.
(18) أفرزت حركة النوادي شخصيات قيادية للعمل السياسي والاجتماعي على المستوى العام، استفادت منهم الأمة واسترشدت بهم في مواقفها الهامة والحاسمة.

تصاعد الصراع بين النوادي وخصوم التيار الإسلامي

نتيجة لهذه الحركة العريقة لنوادي أعضاء هيئة التدريس فقد وقع بالجامعات صراع بين توجهين:

التوجه الأول: والذي تدافع عنه نوادي أعضاء هيئة التدريس وهو التوجه الذي يؤمن بشمولية رسالة الجامعة واضطلاعها بالتربية المتكاملة لطلابها وضرورة تفاعلها مع مجتمعها وذلك ما نص عليه قانون تنظيم الجامعات الذي جاء في مادته الأولى:
"تختص الجامعات بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعي والبحث العلمي الذي تقوم به الكليات والمعاهد التابعة لها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا، متوخية في ذلك المساهمة في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية وتزويد البلاد بالمتخصصين والفنيين والخبراء في مختلف المجالات وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة وطرائق البحث المتقدمة والقيم الرفيعة، ليساهم في بناء وتدعيم المجتمع وصنع مستقبل الوطن وخدمة الإنسان والإنسانية؛
وتعد الجامعات بذلك معقلا للفكر الإنساني في أرفع مستوياته ومصدرا لاستثمار وتنمية أهم ثروات المجتمع وأغلاها وهي الثروة البشرية، وتهتم الجامعات كذلك ببعث الحضارة العربية والتراث التاريخي للشعب المصري وتقاليده الأصيلة ومراعاة المستوى الرفيع للتربة الدينية والخلقية والوطنية وتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات الأخرى والهيئات العلمية العربية والأجنبية، وتكفل الدولة استقلال الجامعات بما يحقق الربط بين التعليم الجامعي وحاجات المجتمع والإنتاج.
والتوجه الثاني: الذي يريد أن تكون الجامعة مطيعة للحاكم تعبر عن مراده وتتحدث بلسانه، كما أن هذا التوجه بطبيعة الحال أراد أن يدخل الجامعة في صراعات حزبية ويفرض على إدارتها قبول الخضوع لتوجهات الحزب الحاكم كشرط أساسي لاستمرار المسئولين عن الجامعة في مناصبهم.

وقد زادت حدة هذا الصراع بين التوجهين المتصارعين بالجامعات في مواقف عديدة أشهرها:

(1) قضية أرض نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، حيث خصصت أرض على النيل لإقامة ناد اجتماعي وثقافي إضافة لمبناه الصغير المنحشر وسط الحي السكني بجوار الجامعة.
وقد اتخذ النادي كافة الإجراءات القانونية الطبيعية بتسجيل الأراضي والعقارات وجهز الرسومات الهندسية وأعلن عن يوم وضع حجر الأساس ودعي إليه السيد رئيس الوزراء والسيد وزير التعليم.
وقبل الافتتاح بحوالي 12 ساعة توجهه قوات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية واحتلت الأرض بالكامل وهددت من يقترب بإطلاق الرصاص عليه.
وكانت قضية ذائعة الصيت استنكرتها كافة الأوساط، ولكن أسفر غبار المعركة عن انتصار البندقية والمسدس وسياسة الاستيطان والغصب في مواجهة من المدنيين أعضاء هيئة التدريس وبقيت القضية بين الجامعة والحكومة مستعرة حتى عام 2000 حيث أعطيت للنادي أرضا بديلة بجوار مسجد صلاح الدين في قبالة الجامعة.

قرارات وتوصيات المؤتمر التاسع والستين:لنوادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية:

انعقد المؤتمر العام التاسع والستون لنوادي هيئات التدريس بالجامعات المصرية بمقر نادي هيئة التدريس بجامعة القاهرة وبحضور جامعات القاهرة، والإسكندرية، وعين شمس، أسيوط، المنصورة، الزقازيق، بنها، المنوفية، حلوان، قناة السويس، طنطا، وقد ناقش المؤتمر القضايا المهنية والقومية التي اشتمل عليها جدول الأعمال وأصدر التوصيات التالية:

جامعة أسيوط:

(1) يؤيد المؤتمر العام قرارات وتوصيات المؤتمر الطارئ لأعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط على امتداد جلساته الأربع في 7، 14، 28/ 11، 8/12، ويستنكر المؤتمر بشدة موقف وممارسات رئيس جامعة أسيوط وما قام به من تحويل 63 عضو هيئة تدريس إلى النيابة العامة؛
ويعتبر ذلك سابقة خطيرة في تاريخ الجامعات المصرية، الأمر الذي سيترتب عليه عواقب غير مأمونة، ويعتبر المؤتمر أن أساتذة جامعة أسيوط قد مارسوا حقا مشروعا للأفراد والجامعات والنقابات في مصر بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنة 1981 بشأن الموافقة على الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 14/ 4/ 1982؛
ويناشد المؤتمر السيد رئيس الجمهورية سرعة التدخل لاحتواء الأزمة وتطويق آثارها وبما يلبي رغبة القاعدة العريضة لأعضاء هيئة تدريس جامعة أسيوط، ويكلف المؤتمر العام المكتب الدائم بالاتصال وتكليف مجموعة من المحامين للتعاون مع المحامين بأسيوط في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية للدفاع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس المحالين إلى النيابة العامة، فضلا عن التحقيقات الجارية الآن داخل الجامعة وما يترتب عليها.
كما يؤكد المؤتمر على ضرورة فتح أبواب الحوار بين النوادي والإدارات الجامعية للبحث عن أفضل السبل لحل مشاكل الجامعات لتجنب الاضطرابات والمحافظة على الاستقرار داخل الجامعات.

جامعة المنصورة:

(2) يدين المؤتمر العام موقف رئيس جامعة المنصورة وتدخله في شئون نادي أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، الذي وضع العراقيل أمام عقد المؤتمر العام بمقر النادي، ويعتبر ذلك محاولة لكتم الأصوات الحرة وخنق الأنفاس المخلصة، واعتداء على الديمقراطية التي ينادي بها السيد رئيس الجمهورية، وفتحا لباب القلاقل والتذمر والتوتر داخل الجامعة.

نوادي الجامعات:

(3) يحذر المؤتمر العام من خطورة إنشاء نواد باسم نوادي الجامعات لما قد يسببه ذلك من قلاقل واضطرابات في الأوساط الجامعية ويعتبر المؤتمر أن نوادي أعضاء هيئة التدريس القائمة بالجامعات المصرية هي الممثل الشرعي لأعضاء هيئة التدريس.
(4) لقد حققت نوادي أعضاء هيئة التدريس إنجازات كبيرة من خلال تعاونها مع وزراء التعليم السابقين أ. د. مصطفى كمال حلمي، أ. د. أحمد فتحي سرور، أ. د. عادل عز، مما كان له أثره الواضح في حسن الأداء للتعليم الجامعي وترسيخ معاني الانتماء والوطنية في الجامعة، إن المؤتمر العام يحرص على استمرار هذا التعاون با يخدم رسالة الجامعة في تحقيق الاستقرار والتنمية.

الاعتداء على السياح:

(5) يستنكر المؤتمر العام كل ممارسات العنف والإرهاب الموجهة للسياحة في مصر، وتعريض حياة السياح للخطر، الأمر الذي يتنافى مع قيم الإسلام وتعاليمه، ويناشد المؤتمر كافة القوى السياسية والنقابية والتجمعات الشعبية الوقوف ضد هذه المحاولات حفاظا على سمعة مصر وأمنها واستقراراها.

التطاول على الأزهر والقضاء:

(6) يحذر المؤتمر العام بشدة من الممارسات الصادرة من بعض الأقلام أو الأصوات التي تستهدف النيل من الأزهر الشريف ومن القضاء المصري العظيم وأساتذة الجامعات.
رئيس المؤتمر أ.د. بدر الدين غازي عطية

وتلك النماذج التي أوضحناها .. قليل من كثير نقصد به أن نوضح أن السياسات التي طبقتها الدولة في مواجهة حركة الطلاب الإسلاميين انسحب على أعضاء هيئة التدريس وحركتهم من خلال نواديهم ولكن بقدر حركتهم في مواجهة النظام ومعارضة سياساته.

ثلاثة تقارير خطيرة: لمواجهة الصحوة الإسلامية بالجامعات

التقرير الأول: حول مؤتمر الإعداد للقادة

مبنى المركز الكشفي، مدينة نصر الزمان 1/ 7/ 1992م

الذين يحضرون المؤتمر: مدعوون بصفة خاصة من قبل السادة رؤساء الجامعات، وهم أعضاء هيئة تدريس وموظفون من الجامعات ومختارون من الطلاب وذلك من جامعات: (الإسكندرية الأزهر الزقازيق قناة السويس المنيا أسيوط). ومعيدة واحدة من جامعة عين شمس، كلية الخدمة الاجتماعية.

المحاضرون: د. يوس والي، د. أسامة الباز، أ. محفوظ الأنصاري من جريدة الجمهورية، رئيس جامعة أسيوط، أ. عبد المنعم عمارة رئيس الشباب والرياضة، نور الدين فهمي رئيس جهاز الشباب، الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي وزارة العدل.

ومن الصف الثاني: د. خالد رفعت، من هندسة بورسعيد، د. عبد الوهاب زقطط، هندسة الزقازيق، د. حسن بكر، علوم سياسية أسيوط.

الهدف من المؤتمر: إعداد القادة الذي يحملون مفاهيم الحزب الوطني في محاولة لإعادة (شبه تنظيم طليعي بالجامعات).

الوسائل: محاضرات وحوارات جميعها حول الظاهرة الإسلامية وكيفية التغلب عليها.

ويدل التقرير الذي بين يدي على فشل الملتقى في تحقيق أهدافه ووقوع خلاف كبير في وجهات النظر بين المدعوين والمحاضرين وكثيرا ما أوصلتهم الحوارات إلى إيجابيات الظاهرة الإسلامية ولكن إصرار السيد عبد المنعم عمارة على التصدي لها كان الاتجاه الذي غلب، وقد فشل المجتمعون في التوصل لصيغة محددة للحركة نظرا لأن كل منهم ينتمي لجهة مختلفة.

وقد أبدى عبد المنعم عمارة اسيتاءه من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة لأنهم رفضوا حضور حفلة بالجامعة في صحبته وحضر الحفلة وحده مع المحتفلين من أسرة الحزب الوطني بالجامعة.وقد أدلى كل من حضر بدلوه في المسألة وكان أشدهم على الشباب فضيلة المفتي الشيخ طنطاوي وبعض أفراد الصف الثاني.

التقرير الثاني: حول نادي حورس

(التنظيم الشبابي المكلف بمكافحة الإسلاميين في الجامعات المصرية)

والتقرير نشر على عددين بجريدة الشعب جاء في العدد الأول:

فكرة النادي: إحياء التنظيم الطليعي الذي شكله الاتحاد الاشتراكي في الستينيات ليكون جناحا شبابيا يتشبع بأفكار النظام مقابل الإمتاع والإنفاق على شهوات الشباب المنضمين إليه.
النشأة الحديثة: عقب الدورة الإفريقية حيث تم انتقاء فتيان وفتيات من الذين شاركوا في خدمات الدورة والترفيه عن اللاعبين والضيوف.
الأهداف: يلخصها السيد أشرف المهدي، مدير النادي فيقول: نريد أن ينقرض التيار الإسلامي تماما ويتم إصلاح مسار الاتحادات الطلابية.
التمويل: من خلال اشتراكات الأعضاء ومساهمات المجلس الأعلى للشباب والرياضية.
الانتشار: يوجد للنادي تجمعات في معظم المحافظات وعلى رأسها القاهرة، والإسكندرية، وأسوان والدقهلية والمنصورة، وجاري تأسيس فروع في كل من المنوفية، الإسماعيلية، بورسعيد.
التوجهات الفكرية: يقول رئيس النادي هناك ثلاثة مسائل لا دخل لنا فيها:
  1. الدين
  2. السياسة
  3. الأحزاب السياسية.
وما عدا ذلك يمكننا أن نقبله ونتعامل به.

أسباب الانتقادات الموجهة لحورس:

يقول رئيس النادي لعل السبب أن الشباب أثناء الدورة الأفريقية كانوا يسهرون معا إلى ساعة متأخرة فتيانا وفتيات وكثيرا ما كنا نبيت بالاستاد، وكان من الشباب من أوتي بأفعال تسيء إلى السمعة.وكذلك قد يكون السبب السرنجات المخدرة التي تم ضبطها مع الأعضاء عقب حفل يوم 27 فبراير الماضي.

سلوكيات أسرة حور في رحلة قطار الشباب إلى أسوان:

نقل التقرير وقائع كثيرة حول الحالة الأخلاقية المتردية لأعضاء التنظيم تصل إلى شرب الخمر والعبث الجنسي بين الفتيات والفتيان، والتطاول بالمطاوي ... وأن ذلك من الأمور المتعارف عليها في نادي حورس، بل إن بعض المشرفين يشارك الطلاب في هذه المهازل (طالع تقرير الشعب في عددي 5، 9 فبراير 1993).

التقرير الثالث: حول دراسة أعدتها جامعة المنوفية كلية الآداب

تحت عنوان: "الريادة المتكاملة للرعاية الطلابية".

وقد أرسلتها الجامعة للجامعات الأخرى بهدف الدراسة والمناقشة والتعميم.

ويعد التقرير محاولة جادة لمقاومة ظاهرة التدين بالأسلوب العلمي (كما يتصور صاحب التقرير) بالرغم من أن الدكتور صاحب التقرير حاول أن يغلف توجهاته تحت عنوان: "الريادة المتكاملة" والتقرير يبدي قلقه البالغ لوجود المتدينين بجامعة المنوفية ويصفهم كالعادة بالأوصاف المهينة.

ويحدد التقرير تسعة أهداف لتجربته التي يدعي أنها نجحت، ثم يشرح كيفية السير لتحقيق هذه الأهداف فيسرد كيف عقد كثيرا من الاجتماعات وكيف جند (4) طلاب بالتحديد أسماهم (بالرواد) لكل سنة دراسية ويشرح كذلك كيف كان الدور الرئيسي لهؤلاء منع الطلاب المتدينين (ويصفهم بالمتشددين) من إلقاء كلمات دينية بالمدرجات قبل الدروس والمحاضرات، وبدت المسألة على أنها خلاف بين الطلاب لا دخل للكلية فيه.

كما نسي نفسه تماما عندما قال في التقرير في صفحة (6) إن الطلاب الرواد المختارين كان من بين أدوارهم تذكير الأساتذة بمواعيد المحاضرات وهكذا أصبحوا أدوات لسيادته على الأساتذة أيضا وليس على الطلاب فقط، وهكذا تعب الدكتور كثيرا في هذا المجال بما يجعل لمطالبة في آخر التقرير وجاهة عند المسئولين.

وفي نهاية التقرير يقدم الأستاذ الدكتور مطالبه الآتية:

  1. ضرورة زيادة المكافأة المالية لأعضاء هيئة التدريس الذين يتفاعلون مع التجربة ومجازاة المتقاعسين عنها.
  2. يطبق ذلك على الطلاب أيضا فيفصل من الاتحاد ... المتقاعسون.
  3. يعاد النظر في قانون تأديب الطلبة بحيث تعطي للعمداء صلاحيات أوسع من ذلك.
  4. ضرورة العمل على تلبية حاجات الطلاب حتى لا يقعوا فريسة للتوجهات الإسلامية.

ماذا تعني هذه التقارير؟

تعني أن الجهات المناوئة للصحوة الإسلامية غيرت من خطتها القديمة المعتمدة على البطش البوليسي وأضافت إلى ذلك مواجهة تعتمد على الأفكار والتنظيمات المدنية، ويعتبر ذلك من أهم مكاسب الصحوة الإسلامية الجديدة التي بدأت مع جيل السبعينيات، وكان ذلك يعني أنها أجبرت الخصوم على الدخول في حوار حول القضايا المختلف عليها.

وكان ذلك لسببين:

الأول: استمرار الجماعة الإسلامية في الحوار الهادئ حول قضايا الإسلام والمسلمين ليضربوا المثل في القدرة على الحوار بالتي هي أحسن مبتعدين تماما عن العنف ووسائله.
الثاني: إن الجيل الجديد الذي نشأ في السبعينيات وامتد عمله في الثمانينات اتسم بسمات خاصة ولا يمكن وصفه بأنه مجرد امتداد لحركة الإخوان المسلمين القديمة ولكنه جيل استوعب تجربة الماضي واستفاد بها وتجنب ما وقعت فيه من الأخطاء (مثل التنظيمات السرية والعسكرة وسلطة الأمير المطلقة والصراع مع القيادة المعلنة وتكفير المخالفين واعتبار الحركة الإسلامية حركة انقضاضية على مجتمعها واعتبار القوة المادية من وسائل التغيير السياسي أو ما عرف بالخلع والإبعاد)
ومع قوة الصلة بقيادة الإخوان المسلمين متمثلة في مكتب الإرشاد والمرشد العام الأستاذ عمر التلمساني ولكن ذلك كان ضمن اتفاق واضح مفاده عدم وضع لافتة (الإخوان المسلمين) على الصحوة الإسلامية في الجامعات والأحياء، ولم يكن ذلك اعتباطا ولكن الجميع ممثلا في قيادة الإخوان وجيل السبعينيات كان يعي أن تجربة الإخوان المسلمين التاريخية لها ميزات ولها عيوب ومن الحكمة أن نجنب الصحوة الإسلامية الجديدة تحمل هذه العيوب التي ليس لها صلة بها ولا ذنب فيها.

أبرز معالم المرحلة:

الشخصيات:

في الفترة من 1970 وحتى منتصف الثمانينات برزت أسماء وشخصيات تمثل الصحوة الإسلامية، ويمكن تصنيف من أتذكر منهم على النحو التالي:

علماء وقادة:

  1. الشيخ محمد الغزالي السقا.
  2. الشيخ سيد سابق.
  3. الشيخ عبد الحميد كشك.
  4. الشيخ حافظ سلامة.
  5. الشيخ محمد نجيب المطيعي.
  6. الدكتور عيسى عبده.
  7. الشيخ محمود عيد.
  8. الشيخ أحمد المحلاوي.
  9. الشيخ محمود عبد المجيد العسال.
  10. الشيخ إبراهيم عزت.
  11. الشيخ عبد الرشيد صقر.

بالإضافة إلى علماء آخرين كنا نستريح له دون أن يقتربوا منا أو يشاركوا معنا في عمل ومنهم:

  1. الشيخ عبد الحليم محمود.
  2. الشيخ سليمان ربيع.
  3. الشيخ عبد اللطيف المشتهري.

القادة من الشباب:

في جامعة القاهرة:

برز منهم وائل عثمان وعصام الغزالي وعصام الشيخ وعبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وسناء أبو زيد وحلمي الجزار وأحمد عمر ومحمود الراوي وعصام سلطان.

في جامعة عين شمس:

برز في الطب ماهر سالم ومصطفى طلبة ومحي الزايط وأحمد دغيدي وأشرف عبد العظيم وعبد العزيز سويلم وفي العلوم عبد المحسن زيكو والسيد عبد الستار (مؤلف الكتاب) وطه عبد الخالق وبدوي محمد بدوي وشكري مصطفي وسيد شيبة وفي الهندسة محمد الدبيسي وأسامة حامد وأسامة خضر وفي الأزهر أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد ومحمد رشدي وفي الكليات العسكرية برز كارم الأناضولي.
  • في جامعة المنيا علي عمران ومحي الدين عيسى وأبو العلا ماضي وحشمت خليفة وأحمد عبد العال ومحمد أبو المعاطي وأحمد زكي وجمال عبد الصمد وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي وأسامة حافظ وحسن يوسف وأبو ستيت وإبراهيم ذا النون وحسين سليمان وعاصم عبد الماجد.
كما ظهر في الأحياء حسن الجمل بالمنيل بالقاهرة والشيخ محمد المطراوي بالمطرية وفي مصر الجديدة مجموعة مسجد الشعراوي (جمال عبد الناصر سابقا) ومنهم عبد اللطيف الشريف مؤسس مصانع الشريف ورأفت عياد ومحمد رجائي ومجموعة النزهة
ومنهم محمد السعيد عبد اللطيف المشتهري ومحمود صالحين ومحمد عطية عيسى وحلمي اللق والدكتور فتحي عبد الوهاب وسيد عي حسن شبراخيتي وأحمد حجازي ومحمد شريف الفخفاخ ومحمد شرف الدين ومحمد عبد السلام شرف الدين، ومجموعة شبرا وأشهرهم عبد الله عمر الذي أعدم في حادثة احتلال الحرم المكي مع جهيمان، ومجموعات مشابهة في كل محافظة مصرية.
ومن هؤلاء المنتمين للجيل الشهيد فتحي الشقاقي مؤسس تنظيم الجهاد الإسلامي في فلسطين وكان يدرس بجامعة الزقازيق وعدد من مؤسسي حركة حماس منهم موسي أبو مرزوق وخالد مشعل وأسامة حمدان.

المعالم العقدية للجيل:

مع ملاحظة أننا نتحدث عن تاريخ وليس عن الواقع اليوم فقد اختلفت عقيدة المشاركين في الصحوة الإسلامية تجاه المجتمع والحكومات والمؤسسات والنصارى، فالعلماء القادة الذين ذكرتهم كانت منطلقاتهم العقدية الشعور بأن سبب تخلفنا وهزيمتنا هو بعدنا عن الله وتفريطنا في تعاليم القرآن والسنة بالمعنى العام ولم يكن في خلدهم أن نبرتهم الحادة في نقد الواقع الديني سوف تؤدي إلى ما هو أبعد من ذلك لدى الشباب؛

ولكن الذي سيطر على شباب الصحوة كان الفكر التكفيري، وأهم السمات التي ظهرت وشاعت بين الجيل بالتصريح أو التلميح كانت:

  1. النظرة للمجتمع على أنه مجتمع جاهلي والدليل عند الشباب هو المعاصي الفاشية وفي مقدمتها سفور النساء وبيع الخمر وتداوله والتعامل بالربا والحكم بغير ما أنزل الله.
  2. النظر إلى الدولة ومؤسساتها وأجهزتها على أنها غير إسلامية وتصريح قطاع ملموس بأن الحكومات كافرة وكل من يعاونها أو يتبعها ويسير في ركابها وخاصة الشرطة والجيش.
  3. الاعتقاد بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي على شباب الصحوة والدليل المشهور فيما بيننا هو حديث (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفرضية تغيير المنكر القائم في النظام والحكومة والشعب ولو بالقوة.
  4. النظرة إلى الأقباط على أنهم أعداء يجب محاربتهم وقد تفاوت العداء للنصارى بين مجرد الكراهية والحذر في الوجه البحري إلى الشدة والعنف واستحلال الأموال والدماء عند الإسلاميين في الصعيد، وكان من أسباب ذلك التحول في الفكر المصري موقف البابا شنودة الذي بدأ فترته متشددا تجاه المسلمين ومعلنا لشعارات غريبة جديدة مثل وقوع ظلم على النصارى وتفرقة عنصرية وحرمان من الوظائف العليا في الدولة وهكذا تكهربت العلاقة بين المسلمين والنصارى وبرز مصطلح الفتنة الطائفية ليعبر عن هذه الحالة.
  5. النظر إلى القومية العربية كدعوة جاهلية هدفها صرف العرب عن دينهم واعتبار جامعة الدول العربية أداة استعمارية أسسها وأشرف عليها المحتل الإنجليزي وغزاها ميشيل عفلق لتكون بديلا عن الخلافة الإسلامية.
  6. النظر إلى العالم الغربي الغير مسلم (أمريكا وأوروبا والاتحاد السوفيتي وإسرائيل) كدار حرب وقوى معادية للإسلام ويشمل ذلك الشعوب والحكومات دونما أي تفرقة.
  7. عدم الإحساس بوجود العالمين الآسيوي والأفريقي ولذلك لا أثر لهما في أدبيات المرحلة.

الفعاليات والسمات البارزة للصحوة والتأثير في المجتمع:

شاركت الصحوة الإسلامية لهذا الجيل في عدة ظواهر اجتماعية ميزتها وأبرزتها عدة فعاليات واقعية يمكن رصدها على النحو التالي:

ظاهرة الزي الإسلامي للنساء واللحى للرجال وأسلمة المناسبات:

من أهم ما تميزت به الصحوة ظاهرة الإقبال على الزي الإسلامي للنساء وإطلاق اللحية عند الرجال، لم يكن ذلك من موضوعات الحركة الإسلامية في الثلاثينات أو الأربعينات وحتى السبعينيات ومن الثابت أن جيل المتدينين قبل الصحوة في السبعينيات لم يكن ملتفتا لهذا حتى أن قادة مشاهير في الحياة الإسلامية كانوا يدخنون السجائر وزوجاتهم ونساؤهم سافرات كنساء الطبقات المتغربة؛
وكذلك التمسك بالمظاهرة الإسلامية في الأعراس ومناسبات الموالد وعادت للحياة مصطلحات الوليمة للعرس والعقيقة للمولود والوكيرة للمنزل الجديد وانتشرت أدعية المناسبات كدعاء السفر ودعاء الأكل ودعاء الشرب ودعاء الزواج ودعاء المساء ودعاء النوم ودعاء القيام من النوم و ... إلخ، كل هذه كانت إبداعات الصحوة الإسلامية من حيث إخراج بطون الكتب وتحويلها إلى حالة شعبية عامة.
صلاة العيدين خارج المسجد:
غدت صلاة العيدين خارج المساجد وفي الساحات العامة وسيلة الصحوة الإسلامية لحشد الشعب خلفها مرتين كل سنة في عيد الفطر وعيد الأضحى وقد أحسنت الدولة صنعا عندما تبنت ذلك ونظمت وزارة الأوقاف معظم الساحات بنفسها، ولكن يبقى هذا الإحياء لتلك السنة التي أميتت من إنجازات جيل السبعينيات الإسلامي.
تداول الأشرطة الإسلامية:
ومن هذه الإنجازات كذلك استخدام تكنولوجيا أشرطة الكاسيت لنشر المواعظ والمحاضرات الإسلامية، وقد أصبح الشريط الإسلامي من سمات جيل السبعينيات ولا حسب أن شريط كاسيت في الدنيا نافس شريط الشيخ عبد الحميد كشك خطباء جيل الصحوة الإسلامية في السبعينيات.
انتشار الكتب الإسلامية:
ومن الإنجازات التي ميزت الصحوة الإسلامية لجيل السبعينيات حب القراءة وتحصيل العلم وترتب على ذلك حب الكتب والاهتمام بتحديثها وحسن إخراجها وتلوين أغلفتها، وترتب على ذلك رواج غير مسبوق للكتاب الإسلامي ليأخذ مكان الصدارة في معظم معارض الكتاب العربية والإسلامية حتى يومنا هذا.
الزواج المبكر الإسلامي والأسرة المستقرة:
من الظواهر التي ترسخت مع ازدهار الصحوة الإسلامية لجيل السبعينيات ظاهرة الزواج بين الشبان الإسلاميين والشابات المسلمات بطريقة تشبه الزواج العرفي ولكن بضوابط إسلامية من حيث الإشهار بالمساجد والبساطة المتناهية في التجهيزات (منزل بمساحة عش العصافير وكنبة وقلة وكباية)
وكانت الريادة في ذلك لجماعة شكري مصطفي لولا أنها كانت تقوم بذلك من وراء أهل الشاب والفتاة أحيانا، غير أن الجماعات الإسلامية، بالجامعات فعلت نفس الشيء بعلم تام من أهل الشاب والفتاة فكان فعلا محمودا وحاميا للشباب من الوقوع في الرذيلة ومقبولا في الفقه الإسلامي، بهذه الطريقة حدثت مئات بل آلاف الزيجات الناجحة والتي ترتب عليها بيوت مستقرة حتى اليوم ونشأ عنها ذريات صالحة ندعو الله أن يبارك فيها ويرعاها.

شركات توظيف الأموال والبنوك الإسلامية:

نجحت الصحوة الإسلامية في السبعينيات في لفت نظر المجتمع إلى ضرورة التحري في باب الكسب المالي والتأكد من أن المال الذي في أيدينا مكتسب من حلال وينفق في حلال، وأصبح السؤال المطروح مجتمعيا: هل البنوك حلال وهل فوائد البنوك حلال وما هو الموقف من شهادات الاستثمار والصكوك وأوعية الادخار بالفوائد وما علاقة ذلك بالربا الحرم شرعا؛
وبناءا على هذا الطرح واللغط كان لا بد من تقديم بديل يستوعب المدخرات ويوظفها، وهنا تقدم عدد من الإسلاميين بالبديل وهو ما عرف بشركات توظيف الأموال الإسلامية، وكان في المقدمة شركة الشريف وصاحبها عبد اللطيف أحمد الشريف، وكانت شركة الريان وصاحبها محمد الريان وأولاده، وكانت شركة السعد وصاحبها أشرف سعد، وكانت شركة الحجاز للتنمية العقارية والتعمير وصاحبها أحمد عبيد عيسوي، وكانت شركة الحجاز للتجارة والصناعة وصاحبها المهندس محمد شاكر، ثم لحق بهذه المجموعة شركات أخرى مقلدة ومستفيدة من المناخ الذي هيأته الصحوة الإسلامية.
كما تأسس أول بنك إسلامي هو بنك فيصل الإسلامي المصري ولحق به فتح فروع إسلامية بالبنوك العامة الأخرى، وهكذا أصبح للصحوة الإسلامية بعدا اقتصاديا مؤثرا تأثيرا بالغا في مجريات الحياة اليومية للمواطنين.

الشباب يحج ويعتمر:

من أهم المظاهر التي رافقت الصحوة الإسلامية إقبال الشباب على الحج والعمرة بعدما كانت من أعمال كبار السن، ونشطت رحلات الحج والعمرة الجماعية وأصبحت منافسة للرحلات الترفيهية والذهاب إلى المصايف العامة، وفي رحاب البيت الحرام قويت رابطة الشباب وزاد تعارفهم على آخرين من العالم الإسلامي مما سهل نقل الصحوة المصرية إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى بالإضافة إلى ما نقله طلبة الأزهر الوافدين إلى بلدانهم عند عودتهم إليها.

الأحداث الكبرى في المرحلة

أهمية إلقاء الضوء على هذه الأحداث ترجع إلى ضرورة النظر للصحوة الإسلامية في مصر كأحد مكونات البيئة الإنسانية والسياسية السائدة في العالمين العربي والإسلامي في هذه الآونة، وبالتأكيد كانت هذه الصحوة جزء من هذه المكونات البيئية مما جعلها تتأثر بها وتؤثر فيها بشكل واضح.

موت الزعيم:

اندلعت الحرب في الأردن بين الملك حسين والفدائيين الفلسطينيين في معركة أيلول الأسود، وبلغ عدد القتلى 1600 قتيلا من الجانبين، وعقد مؤتمر مصالحة بين الجانبين بالقاهرة وفي اليوم الأخير لهذا المؤتمر عاد جمال عبد الناصر من المطار بعد وداع الملوك والرؤساء في حالة مرضية شديدة، ومات لتوه في الساعة الخامسة والنصف من مغرب يوم 28 سبتمبر 1970؛
هكذا بدأت السبعينيات بدون جمال عبد الناصر وبدون زعيم يملأ الفراغ الذي خلفه في الساحة العربية والعالمية، وقد بدا المصريون بعد موت جمال عبد الناصر كالأيتام على مائدة اللئام، هذا هو الشعور العام الذي سيطر على الكافة من المواطنين بغض النظر عن كلام السياسيين والمحللين في بعد الحدث لأربعين سنة؛
عبر المصريون والعرب عن حبهم لعبد الناصر وحزنهم على فراقه بمظاهر عدة وفي مقدمتها الملايين الذين حضروا جنازته، الفقراء لم يذوقوا السعادة ولو كثرت مظاهرها ومهما زادت الأجور ولم يعرفوا الكرامة كما عاشوها في عهد عبد الناصر، المصريون منذ وفاة عبد الناصر لم يلتفوا حول زعيم واحد، وعاشت مصر من يومها جماعات متناحرة تحت مسمى التعددية، النسيج الوطني أصبح في أضعف حالاته، المشروع القومي لم يعد له وجود؛
الحرب التي بدأها فور الانسحاب المهين سميت حرب الاستنزاف وكانت جادة ومكلفة للصهاينة ومقدمة حقيقة لهزيمتهم ولكن وفاته حولت الحرب إلى لعبة سياسية انتهت بالصلح مع العدو والرضوخ لمطالبه، هذه الحالة الجديدة حولت المجتمع إلى الفوضى والتراخي والأنانية، وفي هذا الجو فشل الكل في أن يحقق تقدما على المستوى الوطني، هناك مكاسب تحققت على مستوى الحكومات المصرية ولكن الوطن بقي يعاني الفقر والجهل والمرض وبالجملة كان الوطن هو الضحية وبقينا حتى اليوم دولة من العالم الثالث المتخلف.

انهيار الناصرية تنظيميا:

تأثرت القوى الناصرية بموت جمال عبد الناصر تأثرا واضحا وتشرذمت إلى مجوعات متنازعة، ثم اصطدت بالسادات وتحطمت وخفت بريقها تماما طيلة السبعينيات والثمانينات ولم يعد لها دور يذكر في الجامعات أو الأحياء والمؤسسات، انتهت منظمة الشباب والتنظيم الطليعي وأخيرا ألغي الاتحاد الاشتراكي بقرار من السادات وحلت محله المنابر ثم الأحزاب ثم تلاشى كل شيء وبقي السادات هو الزعيم الأوحد ولكن البيئة حوله محليا وعالميا كانت آخذة في عكس هذا التيار الديكتاتوري.

ظهور الصحوة الإسلامية ونموها:

وفي هذه الساحة الخالية من الزعيم ومنظماته كان طبيعيا أن تنموا قوى جديدة، وكانت إرادة الله ثم الشعب أن تكون القوة الجديدة إسلامية شبابية.
السادات من جانبه وجدها فرصة لتسوية الأرض والقضاء على ما فيها من بقايا الناصرية واليسار المتصارعة، معه، كما وجد في الصحوة الإسلامية أقوى وسائل التعبئة القتالية ليخوض الحرب التي خطط لها.
أصبحت كل الساحات مفتوحة للصحوة الإسلامية بما في ذلك القوات المسلحة التي استقبلت عشرات الدعاة والعلماء وعقدت لهم لقاءات بمعظم الوحدات العسكرية ... ودخلنا الحرب في رمضان وكان التكبير شعارنا.

حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر:

مع أن السمة الغالبة على تلك الحرب كانت إسلامية عقائدية، لكنها لم تفلح في تقوية الصلة بين السادات وشباب الصحوة الإسلامية، ومن خلال المواقع التي كنت أشغلها في هذه الصحوة سواء في الجامعة أو الحي والمساجد أستطيع القول بأن الحرب بدأت وانتهت ولم يشعر بها غالبية الشباب المتدين، الحرب كانت في بداية الصحوة (1973) وفي هذا التاريخ كانت العقيدة المسيطرة على الشباب أن الحاكم فرعون والجيش جيش هامان والشباب المتدين يمثلون موسى وهارون؛
وكان الخطاب الديني السائد يتمحور حول التفكير وجاهلية المجتمع، ومن هنا لم يعر الشباب المتدين أي اهتمام لحرب يخوضها جيش لا يحكمون له بالإسلام أصلا، على الجانب الآخر فإن السادات زاد الطين بلة في نظر الشباب بدخوله مفاوضات الصلح وأعلن أنها كانت حرب تحريك وليست حرب تحرير، وهذا الخطاب بذاته يعتبر من المحرمات في عقيدة الشباب المتدين في هذه الآونة.

محاولة انقلاب الفنية العسكرية:

تعتبر حادثة الفنية العسكرية أقوى الأدلة على ما ذهبت إيه من حيث استقلالية الصحوة وعدم تبعيتها للسادات حيث كانت العملية برمتها انقلاب على السادات ومحاولة للقبض عيه، في البداية يجب أن نقرر أن تكرار تجربة الانقلابات العسكرية لإقامة دولة إسلامية كان تفكيرا طفوليا متكررا لأجيال متعاقبة من الإسلاميين بدأ من التنظيم السري بقيادة السندي ومرورا بتنظيم يوسف طلعت وتنظيم عبد الفتاح إسماعيل ثم الفنية العسكرية؛
وفي كل مرة كان الفشل هو سيد الموقف، فنحن هنا لا نتحدث عن بطولة أو إبداع ولكننا نعرض الواقع الذي تم بالفعل لكي نأخذ منه العبرة والعظة ونكف عن هذا المنهج الضال ونكف عن حشو أدمغة الشباب بالمفاهيم التي تدفعهم لتكرار لخطأ مرات ومرات؛
ومثل عملية اغتيال السادات تماما كانت عملية الفنية العسكرية محسوسة لدى العديد من الإسلاميين الذين دعاهم صالح سرية للمشاركة في الانقلاب، في منطقة النزهة بمصر الجديدة حيث إقامتي في هذا الوقت تحدث معي أحد الإسلاميين حول مدى استعدادي أن أشارك في عملية لقلب نظام الحكم وكعادتي بدأت مناقشته حول الموضوع؛
وعندما قلت له يجب أن يتلقى المشاركون تدريبا على الأسلحة أولا ثم يختار منهم من يصلحون، قال (يبدوا أنك من الذين يقولون لو نعلم قتالا لاتبعناكم ...) انسى الموضوع ولا تحدث به أحد، وبينما كنت في رحلة التخرج بالساحل الشمالي برفقة زملائي الستة بقسم النبات وبإشراف الدكتور سيد فرج خليفة (رحمة الله عليه) وحرمه الدكتورة سهام محمد علي، أعلنت الإذاعة المصرية نبأ العملية وفشلها والقبض على معظم العناصر التي شاركت فيها، تلقائيا نظر إلي الدكتور سيد فرج مداعبا وقائلا (دي عملة تعملوها يا شيخ سيد ... عايزين تموتوا الراجل وتقعدوا مكانه؟) لم أعلق على ما سمعت ولم أكن أرغب في فتح الموضوع أصلا.
التفاصيل برمتها موجودة في ملفات التحقيق في القضية التي بدأت فجر الخميس 18 أبريل 1974، في صباح هذا اليوم كانت اللجنة المركزية مجتمعة برئاسة السادات، وتقضي خطة الانقلاب بالتوجه للكلية الفنية العسكرية والهجوم عليها في الوقت الذي يكون فيه عضو التنظيم كارم الأناضولي الطالب بالكلية قد خدر الحراس بتوزيع جاتوه منوم عليهم، والاستيلاء على أسلحة الحراس وما وجد في الكلية ثم تتحرك المجموعة إلى حيث اجتماع السادات والقبض عليه ومن معه وإعلان بيان الثورة الإسلامية؛
العملية فشلت تماما لأن جندي الحراسة لم يأكل ولم ينم وبدأ بإطلاق النار على المتسورين القادمين من الخارج وفورا حضرت قوات إضافية وتعاملت معهم بالذخيرة الحية وقتل حوالي 13 من الطرفين وقبض على الباقين والبقية معروفة ... تعذيب وحشي واعترافات على بقية التنظيم وحاكمة ثم خلطة أحكام معتبرة شوية إعدام وشوية مؤبد وشوية عشرة أعوام سجن وشوية إفراج، ولم يعلن بالطبع وحتى تاريخه بيان الثورة الإسلامية الأول في مصر.

الإفراج عن الإخوان المساجين:

فور الانتهاء من حرب أكتوبر 1973 شرع السادات في الإفراج عن الإخوان المسجونين، وأعادهم إلى أعمالهم بنفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا، وفي عام 1976 سمح لهم بإصدار مجلة الدعوة القديمة وصاحب الامتياز المرحوم صالح عشماوي؛
واعتبر مقر مجلة الدعوة بالسيدة زينب (9 ش بورسعيد) بمثابة المركز العام وأنا شخصيا حضرت فيه اجتماعات تنظيمية عدة، ثم انتقل المقر إلى 1 ش التوفيقية ورفع عليه شعار الإخوان علنا وما زال حتى اليوم بالرغم من وضعه تحت المصادرة والإغلاق، وشكل خروج معتقلي الإخوان متغيرا في طريق الصحوة الإسلامية سوف يفصل في باب خاص بهذا المولف.

قضية التكفير والهجرة:

هكذا عرفت قضية شكري مصطفي، شاب من أسيوط لم يستكمل دراسته في معهد التعاون الزراعي بأسيوط نتيجة لاعتقله في قضية تنظيم عبد الفتاح إسماعيل عام 1965، في المعتقل وتحت شدة التعذيب الوحشي آن بأن المعذبين لا يمتون للإسلام بصلة وأنهم كفار وكل من تعاون معهم والحكومة التي يأتمرون بأمرها ثم تمدد الموضوع في عقله فأضاف والشعب الساكت عليهم كافر مثلهم؛
وبذلك عمم التكفير على الجميع عدا هو ومن معه من الأنصار، وأطلق على جماعته (جماعة المسلمين)، في هذه الأثناء زارنا في مسجد الفرقان والسيدة عائشة بالنزهة بمصر الجديدة شاب نحيف عليه مظاهر البؤس والفاقة وعرفنا بنفسه (عبد المحسن تاجر بيض) هكذا باقتضاب شديد؛
وقال إنه مكلف من أمير المؤمنين شكري مصطفي لإبلاغنا بالحق الذي هم عليه، وطلب منا أن نناظره فإن كان على حق فقد وجبت في أعناقنا بيعته، وبالفعل اجتمعنا في بيت الأخ محمد شريف الفخفاخ ورأس الاجتماع الدكتور فتحي عبد الوهاب الأستاذ بالطاقة الذرية وخطيب وإمام المسجد الحديث وكنا قرابة العشرين؛
غير أنه اتضح خلال المناقشة أن تاجر البيض خال تماما من المعرفة بالدين وأنه مجرد مردد لمقولات شكري، وانتهى الحوار بتوجيه كلمات شديدة لشخصه وخرج شبه مطرود من الجلسة، وانتهت علاقتنا به من ذلك اليوم ولم نره إلا بالجرائد معتقلا أثناء نظر القضية؛
خلال عام 1976 بدأ شكري يفرض أفكاره على الناس بالقوة، وحدث هرج ومرج ومشاجرات وسالت دماء في أكثر من حي، ثم ارتكب التنظيم جريمة قتل المرحوم الشيخ محمد الذهبي لأنه رفض أفكارهم وكتب ونشر في الصحف أدلة تثبت أنهم على خطأ، وكان مقتله على أيديهم سببا مباشرا لاعتقالهم والحكم عليهم بالسجن والإعدام والمحاصرة.

انتفاضة 18 و 19 يناير 1977:

يوم 18 يناير 1977 فوجئ العالم كله بما حدث في مصر، فقد انتفض الشعب انتفاضة تصاعدت حدتها حتى أصبحت في اليوم التالي 19 يناير قتالا حقيقيا في الشوارع بين الجماهير وبين السلطة، لم يتوقف إلا بعد الاستعانة بالقوات المسلحة وفرض حظر التجوال؛
يومها قيل إن السبب كان قرارات اقتصادية اتخذتها الحكومة فاقمت من أزمة المعيشة، وطغى هذا اسبب في أجهزة الإعلام الرسمية على الأسباب الأكثر عمقا، فقد تبين من التحقيقات والمحاكمات التي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ، إن الشعارات الأساسية التي رفعها الشعب خلال الانتفاضة كانت أكثر شمولا، رفعت الجماهير شعارات تطالب برفض قرار مجلس الأمن 242، وإلغاء اتفاقية فض الاشتباك ومقاومة السيطرة الأمريكية؛
والمشاركة في نشاط الثورة الفلسطينية على أرض مصر العربية وفتح الحدود لعملياتها العسكرية ضد إسرائيل، وتوجت الجماهير مطالبها بشعار إسقاط السلطة الخائنة لقد ظهرت هذه الهوية العربية التقدمية الوحدوية واضحة خلال المحاكمة التي بدأت منذ يوم أول أبريل (نيسان) 1978 أمام محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة، حيث واجه 176 معتقلا من الطلائع تهمة تحريض الشعب وتحريكه وقيادته؛
ووقف معهم أكثر من خمسين محاميا يدافعون عنهم، وقد اختار المحامون زميلهم الدكتور عصمت سيف الدولة لافتتاح الدفاع، فاستطاع بمرافعته التي استمرت أربعة أيام أن يحول المحاكمة من محاكمة 176 معتقلا من طلائع الشعب إلى محاكمة للنظام المصري في المرحلة التاريخية التي بدأت من عام 1973؛
فجاءت مرافعته تأريخا دقيقا لأحداث وأسرار تلك المرحلة، وكان من أبرز محاور الدفاع الذي أحدث صدى واسعا، ما أقام عليه الدليل القانوني، من أن مصر تعيش في ظل انقلاب غير شرعي وأن من حق الشعب مقاومته بكل الوسائل المتاحة، كما كشف عن أمر لم يكن أحد قد انتبه إليه من قبل؛
وهو أن الأحكام الدستورية المطبقة في مصر تمنع بنصوص صريحة التفاوض والصلح والاعتراف بإسرائيل وفيما يتصل بالصحوة الإسلامية فمن الأمانة أن نقرر أننا كإسلاميين لم نشارك في هذه الانتفاضة ولم ندرك أبعادها ووقعنا في الفخ الذي نصبه الإعلام الحكومي في ذلك الوقت وتعاملنا معها بعنصرية حزبية دون النظر إلى المصلحة الوطنية التي كانت تفرض على الجميع التحرك لوقف تيار الانزلاق نحو مزيد من التهميش للفقراء وفتح مصر لأطماع الامتيازات الأجنبية العربية ويومها أشاع الإخوان أنها حركة شيوعية أو ناصرية وكلاهما لا يصلحان للتغيير مما قلل من مشاركة الشباب الإسلامي في الانتفاضة.

اتفاقية كامب ديفيد:

اتفاقية كامب ديفيد عبارة عن اتفاقية تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978م بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيغن بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي كامب ديفيد في ولاية ميريلاند القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن؛
حيث كانت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، ونتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر بسبب ما وصفه البعض بتوقيع السادات على اتفاقية السلام دون المطالبة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره
وتم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979م إلى عام 1989م نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية ومن جهة أخرى حصل الزعيمان مناصفة على جائزة نوبل للسلام عام 1978م بعد الاتفاقية حسب ما جاء في مبرر المنح للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.

ردود الفعل:

أثارت اتفاقية كامب ديفيد، ردد فعل معارضة في مصر ومعظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وسماها مذبحة التنازلات، وكتب مقال كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينات أن "ما قبل به السادات بعيد جدا عن السلام العادل"، وانتقد كل اتفاقات كامب ديفيد لكونها للم تشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية ولعدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وعقدت هذه الدول العربية مؤتمر قمة رفضت فيه كل ما صدر، ولاحقا اتخذت جامعة الدول العربية قرارا بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجا على الخطوة المصرية.
استنادا إلى مقال نشر في جريدة "القدس العربي" اللندنية فإن العرب لم يكونوا الوحيدين المقتنعين بأن الاتفاقية كانت وحسب التعبير السائد آنذاك تفريط في منجزات النصر العسكري العربي في حرب أكتوبر وتركيز السادات على استرجاع سيناء على حساب القضية الفلسطينية؛
فقد تلقى السادات انتقادات من الاتحاد السوفيتي ودول عدم الانحياز وبعض الدول الأوروبية، ففرانسوا بونسيه سكرتير عام الرئاسة الفرنسية في عهد الرئيس جيسكار ديستان قال لبطرس بطرس غالي في قصر الإليزيه ناصحا قبل أن توقع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل:
"إذا لم تتمكن من الوصول إلى اتفاق بشأن الفلسطينيين قبل توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية فكن على ثقة من أنك لن تحصل لهم على شيء فيما بعد من الإسرائيليين"، وحسب نفس المصدر فإن الفاتيكان كان على اعتقاد بأن السادات ركز بالكامل أهداف مصر وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى.
على الصعيد العربي كان هناك جو من الإحباط والغضب لأن الشارع العربي كان آنذاك لا يزال تحت تأثير أفكار الوحدة العربية وأفكار جمال عبد الناصر وخاصة في العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن؛
واعتبر البعض الاتفاقية منافية لقرار الخرطوم في 1 سبتمبر 1967 والذي تم بعد هزيمة حرب الأيام الستة واشتهر بقرار اللاءات الثلاثة حيث قرر زعماء 8 دول عربية أنه لا سلام مع إسرائيل ولا اعتراف بدولة إسرائيل ولا مفاوضات مع إسرائيل، وحتى في الشارع المصري طالب المثقفون المصريون أمثال توفيق الحكيم وحسين فوزي ولويس عوض إلى الابتعاد عن "العروبة المبتورة" التي لا تروي العروبة إلا في ضوء المصلحة المصرية فقط.
ويرى البعض أن الاتفاقية كانت في صالح إسرائيل كليا حيث تغير التوازن العربي بفقدان مصر لدوره المركزي في العالم العربي وفقد العالم العربي أكبر قوة عسكرية عربية متمثلة بالجيش المصري وأدى هذا بالتالي إلى نشوء نوازع الزعامة الإقليمية والشخصية في العالم العربي لسد الفراغ الذي خلفته مصر وكانت هذه البوادر واضحة لدى القيادات في العراق وسوريا؛
فحاولت الدولتان تشكيل وحدة في عام 1979 ولكنها انهارت بعد أسابيع قليلة وقام العراق على وجه السرعة بعقد قمة لجامعة الدول العربية في بغداد في 2 نوفمبر 1978 ورفضت اتفاقية كامب ديفيد وقررت نقل مقر الجامعة العربية من مصر وتعليق عضوية مصر ومقاطعتها وشاركت بهذه القمة 10 دول عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعرفت هذه القمة باسم "جبهة الرفض"، وفي 20 نوفمبر 1979 عقدت قمة تونس العادية وأكدت على تطبيق المقاطعة على مصر، وازداد التشتت في الموقف بعد حرب الخليج الأولى إذ انضمت سوريا وليبيا إلى صف إيران؛
وحدث أثناء هذا التشتت غزو إسرائيل للبنان في عام 1982 بحجة إزالة منظمة التحرير الفلسطينية من جنوب لبنان وتمت محاصرة للعاصمة اللبنانية لعدة شهور ونشأت فكرة "الاتحاد المغاربي" الذي كان مستندا على أساس الانتماء لأفريقيا وليس الانتماء للقومية العربية، الصحوة الإسلامية كانت ضد هذه الاتفاقية واعتبرتها خيانة في حق الإسلام والمسلمين ولكننا كإسلاميين لم نكن ناضجين سياسيا بالدرجة التي نستشعر بها خطورة ما يجري.

الثورة الإسلامية في إيران:

هي ثورة شعبية بامتياز ودينية بامتياز وناجحة بامتياز أيضا، نشبت عام 1979 وحولت إيران من نظام ملكي دستوري، تحت الشاه محمد رضا بهلوي، لتصبح جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء.
آية الله أو الإمام، كما هو معروف في إيران، روح الله الخميني يعد القائد المباشر للثورة في مرحلتها الأخيرة ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما وضعه من نظريات للحكم وإدارة الدولة وتنمية هيئتها الثورية الإدارية.
إنها ثورة فريدة من نوعها باعتبارها مفاجأة على مسرح الأحداث الدولية، وذلك من حيث السرعة التي حدث بها التغيير العميق، وكذلك الدور القيادي للدين فيه، كما أنه كان يعتقد أن النظام محمي كما يجب من قبل الجيش والأجهزة الأمنية التي أنفق النظام عليها ميزانيات ضخمة، إضافة إلى انعدام الأسباب الاعتيادية المعروفة للثورة، كالأزمات المالية، أو الهزائم العسكرية، أو عصيان الفلاحين، أو التمرد العسكري.
كانت نتيجة الثورة نشوء جمهورية إسلامية بقيادة عالم دين منفي يبلغ من العمر ثمانين عاما وهو موسوي النسب نشأ في قرية خمين، مدعوما من مظاهرات متقطعة لكن شعبية وحماسية طافت شوارع إيران وطهران التي كانت آنذاك مدينة عالمية، كما تؤكد التقارير، هذه النتيجة وجهت صفعة مدوية لكثير من النظريات والفرضيات.
كانت الثورة الإيرانية من أهم روافد القوة وبعث الأمل بالنسبة للصحوة الإسلامية في مصر، وأنا اليوم أتذكر بقوة المظاهرات التي شاركت فيها في جامعة المنيا وهي تطوف طرقات كلية الآداب وهتافها .. (يا خميني قل لإيران ... مصر جاية بالقرآن) وقوات الأمن المصري تمنعنا بعنف من الخروج إلى الشارع.

جريمة احتلال الحرم المكي:

بدأت أحداثها فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، حين استولى 200 مسلح (مصادر أخرى تقول 500) على الحرم المكي أقدس بقاع العالم عند المسلمين، في محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة العربية السعودية إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز، هزت العملية العالم الإسلامي برمته؛
فمن حيث موعدها فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، ومن حيث عنفها فقد تسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة الكثير من رجال الأمن السعوديين والمسلحين المتحصنين داخل الحرم، حركت الحادثة بسرعة مشاعر الكثير من المسلمين بعضهم شجبها وأنكرها ووقف ضدها وآخرون تضامنوا معها، وكان من المتضامنين مع جهيمان بعض زملائنا الذين التحقوا بالتيار السلفي وأذكر منهم المرحوم عبد الله بن عمر من شبرا وقد صدر عليه حكم بالإعدام ونفذ الحكم مع جهيمان.

خلفية دينية وتاريخية وسياسية:

تؤمن بعض المذاهب الإسلامية بقدوم مجدد للدين كل مئة عام مستندين في ذلك إلى حديث الرسول محمد: "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لأمتي دينها" كما يؤمن البعض بقدوم المهدي المنتظر والذي ينتسب إلى آل بيت الرسول، وأن اسمه يكون "محمد"، واسم أبيه "عبد الله" كما في إحدى الروايات، وأن المهدي سيضطر إلى اللجوء إلى المسجد الحرام هربا من "أعداء الله" أطراف المعادلة أصبحت كاملة من وجهة نظر جهيمان العتيبي قائد العملية، القرن هجري الجديد قادم، وصهره ورفيقه يسمى "محمد بن عبد الله"، و"الفساد" مستشر، و"البعد" عن الصراط المستقيم ظاهر، إذن، لم يبق إلى بيت الله الحرام ليلوذ إليه "المهدي المنتظر" وتتحقق البشارة.
وفي سياق آخر كان نشاط التيارات الإسلامية في أوجه، بداية بالصحوة الإسلامية في مصر، وبدء تشكل التيارات التكفيرية في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر إبرام معاهدة كامب ديفيد، وما يبدو من أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع إسرائيل وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي؛
وأخيرا انتصار الثورة الإسلامية في إيران الذي ولد لدى تيارات إسلامية أخرى تصور إمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطرة، ومن الجدير بالذكر أن أحداث الحرم بدأت بعد 16 يوما على بدء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران.

مبررات الهجوم:

وقد برر جهيمان العتيبي قائد العملية هجومه باعتباره محاولة لتصحيح الوضع الذي تسبب به آل سعود، الفاقدين للشرعية، حسب زعمه، بسبب فسادهم وتدميرهم لثقافة البلاد وحضارتها ونهجهم في اتباع الغرب وموالاته، إضافة إلى دعوته إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماما لهم على أنه المهدي المنتظر.
وشكلت هذه الحادثة ردود فعل عنيفة وضارة بالحركة الإسلامية واعتبرت دليلا على ما يمكن أن تصل إليه درجة الانحراف الفكري لدى المتدينين.

اعتقالات 5 سبتمبر 1981:

مثلت تلك الاعتقالات القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين السادات والشعب المصري، السادات فقد أعصابه ونفذ صبره، وخطب في المواطنين غاضبا وشتاما ومهددا، قوائم المعتقلين شملت كافة التوجهات الفكرية ومثلت فقدان التوازن لدى القيادة السياسية؛
في يوم 4 سبتمبر تم القبض على حوالي ألف من المعارضة وبقي حوالي 4 آلاف شملتهم قوائم الاعتقالات، كلنا شعر أن مصر أصبحت على كف عفريت، وإن أخطارا مخيفة تحدق بالوطن، وقد تحقق ذلك بالفعل بعد شهر واحد واغتيل السادات وأصبحت مصر تواجه وضعا خطيرا غير مسبوق.

اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981:

حكاية حادثة المنصة منشورة في أكثر من كتاب وموقع وجريدة، المقصود هنا وضعها في جملة نتائج مرحلة كفاح جيل السبعينيات الإسلامي لإقامة ما يراه دولة إسلامية وكيف عايشت أنا الموضوع بصفتي أحد أفراد هذا الجيل، كما تقدم فإن الصحوة الإسلامية انقسمت إلى عدة مدارس فكرية نهاية السبعينيات، حدثت قطيعة بين المدارس السلمية والمدارس الحربية المسلحة، ليس ذلك كراهية ولكن لزوم السرية من قبل المسلحين؛
وعلى ذلك فقد انقطعت عني أخبار الموضوع تماما ولم أدر به إلا قبل حدوثه بشهر تقريبا حيث زارني أحد الشباب المنتمي للإخوان عن طريقي والمجند بالقوات المسلحة أن زملاءه من المنيا يدعونه للمشاركة في عملية اغتيال لقيادة كبيرة قد تكون الرئيس انتقاما منه لقيامه باعتقال الآلاف من إخوانهم وذويهم، وانتهى الأمر برفض الفكرة من قبلي لأسباب عقدية وتنظيمية؛
ولكن الإقدام على العملية تأكد لي من أكثر من ملاحظة على م ن أعرف أنهم أصبحوا في الفريق المسلح، وفي يوم العرض العسكري كنت أتابعه لحظة بلحظة بواسطة راديو ترانزستور صغير انتظارا للحظة إطلاق النار، وحدث ما كان متوقعا ومنتشرا بين الجماعات الإسلامية لدرجة التواتر، وأسرعت للنزول إلى الشارع لمتابعة الموقف وسط الناس؛
كان الجميع لا يصدق ما حدث حتى الجماعات الإسلامية، وانتهى الأمر بالنسبة لي إلى مزيد من الحذر والتخفي وانتظار المجهول، في اليوم التالي ذهبت لصلاة العيد في مسجد لا يعرفني فيه أحد، واخترت مسجد الثورة بشارع صلاح سالم بمصر الجديدة، وهناك وجدت عبد اللطيف الشريف وآخرين ولكن لم يسلم أحد على أحد، اللافت للنظر أن المشاعر كانت متشابهة والحيرة تشمل الجميع؛
أما الأغرب أن الخطيب تحدث عن صراع موسى وفرعون ونهاية فرعون وختم بالآية (فما بكت عليهم السماء ...) وفور نهاية الصلاة عدت إلى البيت وخرجت بعد قليل فقد كنت على موعد مع الأخوين محي الدين أحمد عبسي وأبو العلا ماضي من المنيا هاربين من الاعتقال ومسافرين معي لقضاء العيد في قريتنا بعيدا عن أعين الشرطة، وبدلا من التفكير في استكمال طريق الاستيلاء على السلطة فإن عملية الاغتيال أحدثت تأثيرا عكسيا وسلبيا، أصيبت الصحوة الإسلامية بالتشرذم والانسحاب والخوف وراح كل فريق يحاول بالكاد لملمة أطرافه والكمون لأجل غير مسمى.

حسني مبارك يفوز بالرئاسة:

باغتيال الرئيس السادات خلا منصبه، كان ذلك تحديدا عقب ظهر يوم السادس من أكتوبر 1981، نفس الساعة التي عبر فيها الجيش المصري قناة السويس 8 سنوات، مصر في هذه الساعة بغير رئيس وبغير حكومة وبغير قائد أعلى للقوات المسلحة، بموجب القانون يتولى نائب الرئيس السلطة، ولكن نائب الرئيس ضمن الجرحى في عملية الاغتيال، المجموعة التي خططت ونفذت عملية الاغتيال لم تصدق أنها نجحت، المكلفون بالمتابعة والاتصال ببقية الخلايا الإسلامية المسلحة تعطلت أدمغتهم وانهارت قواهم أمام ضخامة الحدث ومواجهة الواقع؛
المطلوب الآن حسب المعلن الإسلامي طيلة نصف قرن مضي هو الاستيلاء على السلطة وإقامة الدولة الإسلامية التي بشر بها الإخوان المسلمون في الأربعينات والتنظيمات السرية المنسوبة وعمر عبد الرحمن في تنظيم الجهاد، ولكن التقدم لاستلام مقاليد السلطة عمليا يحتاج لرجال وآليات، لأول مرة يكتشف الإسلاميون جميعا أن اغتيال رئيس النظام ومن حوله ممكن
ولكن تسلم مقاليد الوطن بهذه الطريقة لم يعد ممكنا، المغرر بهم جميعا يقفون وظهرهم للحائط، أربعة من المهاجمين قبض عليهم في أرض المعركة، الخامس استطاع الفرار وسط هرج ومرج غير مسبوقين، على جبل عرفات أقيمت احتفالات من حجاج الجماعات بمناسبة سقوط الفرعون قتيلا؛
اليوم التالي كان يوم عيد الأضحى، الحجاج غادروا عرفات متوجهين لرمي الجمرات ورشق إبليس بالحصى، الحجاج بعد أيام يعودون لبلدانهم وبعد شهور يندمجون في مجتمعاتهم، ويعود إبليس يوسوس في آذانهم وتعود ريمة لعادتها القديمة؛
وهنا في ساحة العملية في مصر وصبيحة العيد تتوجه مجموعة من الخلايا النائمة في محافظة أسيوط لتقدم كل ما أمكن تجهيزه وإعداده ليكون قربانا للدولة الإسلامية المنتظرة، عشرات من الشباب الصعيدي المحترق للثأر والانتقام من رموز الحكم عامة وضباط المباحث خاصة، قرابة ثلاث أجولة من الرصاص الحي وعشرات من الرشاشات (وشفرتها رياض الصالحين) وعشرات من المسدسات (وشفرتها فقه السنة) والتوجه لمديرية أمن أسيوط ومحاصرتها والهجوم عليها وقتل قرابة المائة من فقراء المسلمين المرتدين لملابس الشرطة بحكم وظيفتهم، شاشة التاريخ تعلن نهاية الفيلم وتبدو كلمة النهاية بعرض الشاشة، الثورة الإسلامية انتهت يا سادة؛
في اليوم الثالث كنت معتقلا ومودع بغرفة الحجز في قسم مصر الجديدة، علمت أن صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب تولى السلطة بحكم الدستور لحين إجراء الاستفتاء على من رشحه مجلس الشعب؛
وعلمت أن المجلس رشح نائب الرئيس محمد حسني مبارك لرئاسة الجمهورية وعلمت بعد يومين أو ثلاثة أنه فاز بمنصب الرئيس، وعقب توليه السلطة واستقرار الأمور صدر قرار بترحيلي إلى معتقل أبو زعبل، وحتى اليوم مارس 2009 ما زال الرئيس في موقعه وما زال معتقل أبو زعبل يستقبل مصريين جدد معظمهم من التنظيم السري المحسوب على الإخوان المسلمين.

النهاية الغامضة:

علامة الاستفهام الكبرى التي تظهر في الأفق بعد هذا العرض لظاهرة الصحوة الإسلامية في السبعينيات وما ترتب عليها من وقائع وتغيرات تصبح منطقية والسؤال الذي ينبغي أن نجيب عليه هو:
كيف تم ابتلاع هذه الحركة الشعبية الإسلامية العملاقة وأي مغارة عميقة سحيقة غيبت هذه الصحوة؟ وأي مؤامرة حيكت لهذا الشباب النقي التقي حتى ينتهي ومعه شعب بأثره إلى لا شيء تقريبا؟
ترى .. من هؤلاء الذين أضاعوا على الأمة فرصة لا تعوض وزمنا يصل إلى الثلاثين عاما من الجهد لتعود مصر إلى نقطة البداية في أواخر الأربعينيات، دولة تنتمي إلى العالم الثالث المتخلف وحكومة متهمة بكل ألوان الفساد؛
وإسلاميون متصادمون مع الجميع حكومة ونخبة وشعب، وسجون ومعتقلات وتزوير للانتخابات وطبقية مذرية وغني فاحش للقلة وفقر مدقع للغالبية وتعليم خاص للأغنياء وجهل ومرض للفقراء ... وبالجملة عادت ريمة لعادتها القديمة وانطبق علينا قول الشاعر (... فلا مصر استقلت ولا السودان داما) وعليه العوض في الصحوة الإسلامية إلا أن يتغمدنا الله برحمته.
الإجابة على هذه الأسئلة الحائرة تتطلب سرد الأحداث والوقائع حول ما تم بشأن مصادرة الصحوة الإسلامية واستلابها وهذا هو موضوع الفصول التالية.

الفصل الرابع السريون الجدد وإعادة بناء الإخوان

عندما صدرت قرارات السادات بإطلاق سراح من تبقى من الإخوان المسلمين المسجونين لم يكن تبقى من جماعة الإخوان شيء في الأرض المصرية، لا توجد أسر ولا شعب ولا مناطق، لا توجد كتب إخوانية ولا حتى المأثورات، المفرج عنهم خليط من إخوان الأربعينيات والخمسينيات ومن لحق بهم في السجون من تنظيمات 65؛

غالبية المفرج عنهم كانوا في حالة إحباط تام الغالبية العظمى منهم ولو وجهوهم نحو بلاد النفط لحاقا بمن فروا في الخمسينيات والستينيات طلبا للرزق عند ملوك كارهين للثورة ومجلسها، الباقون في الوطن وهم قلة القلة انبهروا لظاهرة الصحوة الإسلامية التي تنامت وترعرعت أثناء غيابهم وراء القضبان، بعض الإخوان المفرج عنهم رأى أن الواجب يقتضي توعية الشباب الإسلامي بهموم الحركة الإسلامية خلال نصف القرن الماضي وتعريفهم بأخطائها؛

رفع هؤلاء شعار (دعاة لا قضاة) وكان معظم الشباب يتهكم على ذلك ويسمى الكتاب الذي حمل هذا العنوان (الكتاب الأزرق)، وقال فريق الكتاب الأزرق بأن قضيتنا تحسين حالة الأمة دينيا وليس الحكم عليها؛

وفي ساحة العمل اليومي شباب الصحوة الإسلامية يسمع ويستفيد وينطلق مسرعا إلى أهداف لم تتبلور بعد، ألمع الشخصيات الإخوانية وأكثرها جاذبية كان الأستاذ عمر التلمساني، ما زلت أذكره جذاب تجمله صراحة كاملة ولغة عربية فصيحة أخاذة، وحوله دائما جابر رزق وأحمد الملط رحمة الله على الجميع.

في الإسكندرية تعرفنا على عباس السيسي ملك الدعوة بالفكاهة والقفشات ومعه محمود شكري ومحمد عبد المنعم، وفي الدقهلية نسمع عن الإمام الغائب محمد العدوي الذي لا يظهر على أحد ويرى أنه المرشد الحقيقي، في البحيرة الدسوقي بقنينة ومعه محسن القويعي، في طنطا أحمد البس ومعه لاشين أبو شنب، في المنوفية الشيخ عبد الخالق الشامي، وفرج النجار وأبو الفتوح عفيفي، في بني سويف العفيف الطاهر حسن جودة ومعه محمود الصعيدي ...

في المنيا الشيخ محمود العسال صاحب الهيبة والوقار وملك التقشف وصديق الطلاب الفقراء ينشر فيهم العلم والعمل ويطعمهم قوت القلوب ورحيق الروح بعدما بنا لهم سكنا جماعيا من تبرعات المحبين، مركز سمالوط كان متميزا من الأيام الأولى وبه كوكبة من الصالحين كبيرهم الحاج محمود الكيال صاحب التواشيح التي تنقلنا إلى أعلى عليين والمتميز في فقه المواريث ومعه أمين المركز المجتهد الوقور علي عمران وحولهما صف من العاملين بجد لنصرة الإسلام القماري وعبد الله وصالح وخليفة ومحمد محجوب.

في أسيوط الشيخ عبود والحاج أحمد فاضل ودسوقي شملول وفي منفلوط العمدة محمد حامد أبو النصر، في سوهاج الأستاذ عيسى عبد العليم وفي قنا د. طه وفي أسوان م. يوسف عليان، ومع روعة الباقين في الوطن؛

وما لهم من فضل السبق والإصرار على إعادة بناء ما تهدم فلم يكونوا على طريقة واحدة ولا ثقافة واحدة ولا فهما واحدا، ولذلك يلاحظ الخبير بإخوانه فروقات واضحة بين الإخوان من محافظة إلى أخرى، ولكن كان لا بد من اتفاق على طريقة للعمل، عندما جلسوا ليتفاهموا برزت خلافات الماضي وطلت رؤى قديمة حسبها البعض قد ماتت وانتهت؛

بعض الإخوان رفض العودة للماضي واعتباره تاريخا قد توقف وعارض مجرد وجد مسمى (الإخوان المسلمين) أو أي تنظيم لهم، وأعلن حربا على الفكر السري لما تسبب عنه من مآس تاريخية معروفة؛

البعض رأى بالإضافة إلى ما سبق العودة كمؤسسة فكرية تمارس التوجيه بالكتابة والنشر والدراسة والحوار (محمود عبد الحليم)، والبعض رأى أن التنظيم السري المحكم الحديدي هو الحل (مصطفي مشهور وأحمد حسنين ومن تأثر بهم من تنظيمات 65)، وغلب رأي القائلين بالعمل العام بين شباب الصحوة مع إصدار مجلة الدعوة وتأسيس دار نشر؛

واعتبار الإخوان رافدا فكريا من روافد الصحوة دون وضع لافتة الإخوان على الصحوة الإسلامية مبررا ذلك بعدم تحميل الجيل الجديد أخطاء السابقين وخلافاتهم ولأن هذا الجيل قد يأتي أعمالا تحمل على أنها من الإخوان وهي ليست كذلك، ورأى هذا الفريق وجود نظام تنسيق بين الإخوان ويس تنظيما سريا أو علنيا؛

وقال هذا الفريق فليكن بيننا نوع مبسط من التنسيق الإخوان فيه سواسية كأسنان المشط، وتبنى هذا الرأي عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم وصلاح شادي ومحمد فريد عبد الخالق وعبد اله رشوان وغالبية الإخوان الذين تواجدوا في مصر في هذا التاريخ، كما اتفق الجميع على رفض فكرة إعادة النظام الخاص السري رفضا قاطعا.

ويتفق معي في هذا السياق شهادة الأستاذ محمود عبد الحليم ورأيت من المفيد إثباتها هنا:

شهادة الأستاذ محمود عبد الحليم:

(عن كتاب حسام تمام "تحولات الإخوان المسلمين").
محمود عبد الحليم عاصر الأحداث الفاصلة في تاريخ جماعة الإخوان إذ انضم إليها في السنة الأولى من انتقالها من الإسماعيلية إلى القاهرة وشارك في تأسيس أول لجنة طلابية في تاريخها وكان واحدا من خمسة تأسس على أيديهم النظام الخاص للجماعة سنة 1940 وواحدا من مائة تشكت منهم أول هيئة تأسيسية للجماعة سنة 1941م وكان صاحب فكرة شعارها الذي ما زالت تحتفظ به إلى الآن "سيفان ومصحف" ومع ذلك ترك التنظيم في نهاية السبعينيات ليختفي تماما من الساحة الإخوانية.
  • لماذا توقفت في كتابك "الإخوان المسلمون ... أحداث صنعت التاريخ" عند بداية السبعينيات ولم تصدر جزءا رابعا عن تاريخ الجماعة في عهد السادات وعهد مبارك بما أسقط من الكتاب حقبة تاريخية كاملة رغم أن الكتابة عنها وفيها كانت أيسر بكثير ووثائقها وأحداثها وشخوصها ما زالت حاضرة؟
لأنني كنت أكتب عن تاريخ شاركت في صنعه وأحداث كنت قريبا منها أو ممن صنعوها وكنت في هذه الفترة في مواقع تسمح لي وتمنحني الحق في الكتابة عن الأحداث والتأريخ لها، أما فيما بعد الخروج من السجن وطوال الفترة التي تلته فقد اختلفت الحال بما ينزع عني أهلية الكتابة عنها لذا فضلت أن يقتصر كتابي على ثلاثة أجزاء فقط تتوقف أحداثها مع بداية عصر السادات لأن ما بعد ذلك لا يمكنني الكتابة عنه بما يفيد ولو كتبت لكنت غير صادق مع نفسي، لا تنس أنني لا أعتبر نفسي مؤرخا مهمته كتابة التاريخ بل أنا كتبت التاريخ كشاهد عليه وليس باحثا فيه أو مؤرخا له بالدرجة الأولى.
  • لكنك عضو بالهيئة التأسيسية للإخوان وهي أعلى هيئة بالجماعة ولم يعرف عنك الانفصال عنها كما أنك كنت المؤهل للكتابة في تاريخ الإخوان خاصة بعد أن أصدرت كتابك الذي يمكن اعتباره المرجع الأول لكل من يكتب عن تاريخ الإخوان، ألم يتح لك ذلك الاستمرار في تسجيل تاريخ الإخوان خاصة أن أحدا غيرك لم يتصد لهذه المهمة؟
لهذا قصة لم أشر إليها من قبل وربما لا يعرفها الكثيرون ... فبعد خروجنا من السجون في أوائل السبعينيات جرت مشاورات بين القيادة التاريخية للجماعة حول الكيفية والشكل الذي يمكن أن تعود به الجماعة إلى الوجود وتستعيد نشاطها داخل المجتمع المصري وعلاقتها خارجه واتصل بي الأخ عباس السيسي (من قيادات الإسكندرية)
وطلب رأيي في ذلك فاقترحت عليه فكرة جديدة تماما عما كان متداولا وقتها بين هذه القيادات وتقوم على التخلي تماما عن السعي لبناء تنظيم للجماعة على النحو والكيفية التي كانت عليها من قبل والابتعاد تماما عن الشكل التقليدي والمعروف للجماعة بما فيها اللافتة أو العنوان "الإخوان المسلمين" واقترحت أن يأخذ نشاطها وجهة ثقافية وفكرية بعيدا عن التنظيمات السرية والعمل السياسي المباشر تحاشيا لتكرار الصدام والمواجهة مع الأنظمة الحاكمة التي كنت قد وصلت بشأنها إلى قناعة أقرب لليقين بأن العلاقة معها قد صارت إلى الفراق الذي لا يرجى بعده لقاء.
  • وكيف تم التعامل مع فكرتك؟
جرت حولها بعض المشاورات والمناقشات ولكنها لم تأخذ الوقت الكافي للإنضاج ربما بسبب تسارع الأحداث والتفاعل السريع بين الإخوان والمجتمع والذي حال دون دراسة هذه الفكرة كأسلوب ومنهج جديد في العمل، والعودة وعاد الحال إلى ما كان عليه دون أي تغيير؛
ولم ينفذ من فكرتي سوى جزء بسيط منها ولكن دون المعنى والمغزى الذي كنت أقصده حيث اكتفت القيادات بتأسيس دار الطباعة التي أطلق عليها "الإسلامية" رغم أن هذه الصفة لم تكن تضيف إليها شيئا ولم تكن لتفيد خاصة وأن الجماعة كانت في بداية مسيرتها للعودة ومن المفترض أنها تحت الأنظار.
  • وهل أدى هذا الخلاف إلى الابتعاد أو الانفصال عن الإخوان؟
لا ... لم أشأ الانفصال رغم اختلاف القناعات وقبلت الاستمرار في العمل معهم ولكن كفرد وليس كقيادة كما كان الحال، ولكنني اخترت أن أعمل فيما أعتقد أنه أكثر فائدة ونفعا وهو تصحيح أفكار ومفاهيم الإخوان وتجلية بعض المواقف والأحداث التاريخية وهو ما عكفت عليه بعد خروجي من السجن وحرصت أن تظل بالإخوان جيدة باستمرار فقبلت مثلا العمل تحت مسئولية الأخ عباس السيسي الذي كان قد أصبح مسئولا عن محافظة الإسكندرية رغم أنه كان تلميذي قبل ذللك وتحت مسئوليتي؛
وإن كنت قد رفضت عرضا من الأستاذ عمر التلمساني بترشيحي كعضو في مكتب الإرشاد الذي كان قد أعيد تشكيله وقتها فقد كنت قد حددت وجهتي كما أن هذا المنصب يتطلب التواجد بالقاهرة أو السفر إليها أسبوعيا على الأقل وهو ما لم أكن مرحبا به أو قادرا عليه خاصة وأن حالتي الصحية ومعاناة السجن والتعذيب كانت تحول دون ذلك.
  • لكن هل يمكن النظر إلى هذه الواقعة كبداية لما صار يعرف بالخلاف بين من يقولون بأولوية الفكرة والدعوة ومن يقولون بأولوية الجماعة والتنظيم؟
أعتقد أن هذا الخلاف قديم في الجماعة وربما يرجع تاريخه إلى أوائل الخمسينيات التي شهدت فصل عدد من كبار الدعاة والقيادات من التنظيم بسبب مخالفات إدارية وتنظيمية أو بسبب خلافاتهم مع قيادات الجماعة.
  • وماذا عن موقفك ... هل أنت مع مبدأ الجماعة والتنظيم أولا أم مع الدعوة والفكرة غير المتقيدة بإطار تنظيمي؟
الأمور لا تحسب هكذا ... لا يمكن أن أدعو إلى إلغاء أو تفكيك الكيانات والتجمعات الإسلامية الموجودة تحت دعوى خاصة وأنها تمارس دورا مهما في الدعوة الإسلامية لكن ما أرفضه تماما هو أن تسجن فكرة ودعوة عالمية وتوضع عليها القيود باسم مصلحة التنظيم أو أن يدعي تنظيم أو جماعة ما أنه الممثل للإسلام أو أن يكون معيار التعامل مع الآخرين هو شكل العلاقة مع التنظيم
وأعتقد أن ذلك كله قناعات راسخة لدي حتى قبل أن ألتحق بتنظيم الإخوان وربما كان ذلك سببا للخلاف مع قيادات الإخوان في الخمسينيات فيما يخص واقعة فصل الشيخ محمد الغزالي من الجماعة لأنني رفضت مسلك بعض القيادات التي تعاملت معه بشكل غير لائق وتجاهلت قيمته كعالم وداعية له وزنه وعطاؤه الذي لا ينكره أحد؛
وظللت على علاقة وطيدة به وأذكر أننا التقينا بعدها وتعانقنا وكأن شيئا لم يحدث لأنني اعتبرت ما حدث مجرد تجاوزات إدارية وخلافات لا صلة لها مطلقا بتقييم الإنسان إسلاميا، كما أنني وقفت في صف عودة صالح عشماوي صاحب امتياز مجلة الدعوة بعد فصله من الجماعة حينما أقر بخطته وطلب العودة.المشكلة دائما فيمن يعطون لأنفسهم حق الحكم على الآخرين دينيا بحسب مواقعهم التنظيمية.

السريون الجدد يخالفون إجماع الإخوان

سارت الأمور في العلن على طريقة الأستاذ عمر التلمساني، ونال بطريقته ثقة جميع الأوساط الدعوية كالجامعات وجميع المؤسسات الدعوية كالأزهر والجمعيات الخيرية كالجمعية الشرعية وجمعية الخلفاء الراشدين وأنصار السنة المحمدية، وأقام درس الثلاثاء بمسجد الخلفاء الراشدين، وشرع في تأسيس اتحاد للجمعيات الإسلامية، وأصبح صديقا محببا للجميع حتى السادات غير أن المتعودين على العمل السري لم ترق لهم طريقة التلمساني، ومع كثرة الشباب المتدين وتهافته على كل قديم، ما كان للصياد المتربص أن تفوته الفرصة، وعادت ريمة لعادتها القديمة وبدأت فكرة تكوين نظام خاص جديد قديم وبنفس شخصياته القديمة (مصطفي مشهور وأحمد حسنين ومن تبعهم من بقايا تنظيمات 65 التكفيرية)؛

وكنت واحدا ممن بايعوا المرحوم الحاج مصطفى على السمع والطاعة في المنشط والمكره ضمن التنظيم الجديد ولكن بنية مختلفة عنهم كما تكشف فيما بعد، فقد كنت أتصور أنه يأخذ البيعة نيابة عن المرشد المعلن عمر التلمساني وأننا جميعا في مركب دعوي واحد، كما أنني في هذا العمر (حوالي خمسة وعشرين سنة) لم يكن لي أي دراية بتاريخ التنظيمات السرية الإخوانية؛

وعشت مع الحاج مصطفي مشهور أحلى سنوات العمر من مارس 1975 وحتى سفره فجأة في أغسطس 1981 قبل اعتقالات 3 سبتمبر 1981 الشهيرة، وعندما عاد الحاج مصطفي مشهور في وسط عام 1986 وجدني منهمكا في العمل ضمن منظومة الأستاذ عمر التلمساني بكل قوة ودأب، وزارني في بيتي بمدينة نصر وتداول معي الأمر وتأكد أنني ضمن فريق العمل الإخواني المكلف من الأستاذ عمر التلمساني فلم يفاتحني في شيء مخالف؛

ولكن من حيث الواقع العملي فقد بدأت متاعبي معه ومع الفريق الذي حوله، ومن تاريخ الانضمام الأول حتى اليوم جرت أحداث جسام يجدر بكل مخلص أن يعيها، ولنبدأ قصة المتاعب مع السريين الجدد من أولها.

كان الطبيب حديث التخرج محمود عزت يعمل بالعيادة الخاصة بمصنع الشريف في شبرا الخيمة، كنت وقتها رئيس المعامل وضبط الجودة بشركات ومصانع الشريف ومعيدا بكلية العلوم جامعة المنيا وطالب ماجستير بكلية العلوم بجامعة عين شمس وأحد أعضاء تنظيم إسلامي جديد بالقاهرة تشكل من بقايا تنظيم الفنية العسكرية بعد فشل المحاولة الأولى للإطاحة بنظام السادات، ولم يكن لي علاقة بالعيادة ولم ألتفت إلى وجود محمود عزت قط ولا أذكر السبب الذي دعاني من أجله لزيارته بالبيت.

كنت مشغولا في هذه الأيام بالعمل الإسلامي في حي النزهة ومساجدها التي كانت تعج بالنشاط الدعوي البعيد عن مسمى الإخوان المسلمين والمصبوغ بصبغة الجماعات الإسلامية أو الصحوة الإسلامية التي فصلناها في الفصل السابق، قبلت الدعوة وزرته في البيت، مد يده وأعطاني مصحفا وخيرني في تلاوة السورة التي أحبها؛

مباشرة عمدت إلى سورة غافر فقد كانت آخر ما حفظت من كتاب الله، أعجب كثيرا بطريقة تلاوتي فلم يدعني أكمل السورة وقال يكفي هذا القدر، ولما كانت صلاة الجمعة على الأبواب فقد هممت بالانصراف شاكرا له حسن استضافته ورغبته في التعرف على شخصي، على السلم وضع يده في جيبه وأعطاني ورقة مطوية بشدة حتى صارت بمساحة 4 سم مربع.

أخذتها واحتياطيا فتحتها على السلم وأخذت عنها فكرة سريعة ثم وضعتها في جيبي ولم أقرأ ما فيها بدقة حتى رجعت للمنزل عقب صلاة الجمعة.

كانت ورقة بسيطة للغاية مكتوبة بالقلم الرصاص وتبدأ بعرض ما في المجتمع من منكرات وتعلق ذلك على بعد المجتمع عن الدين وتعرض البديل تلقائيا بضرورة التمسك بالدين والعمل على نصرته والبحث عن الجماعة المناسبة للقيام بهذا الدور.

بعد مرور عدة أيام همس أحد الموظفين بمصانع الشريف ويدعى محمد عليوة برغبته في عقد تعارف بيني وبين الحاج مصطفي مشهور، وبطبيعتي كنت تواقا أن أعرف كل شيء عن التنظيمات الإسلامية ومناهجها وطرق عملها عسى أن أجد تنظيما أفضل مما أنا فيه ونضيف جهدنا إليه، فوافقت على الفور وحدد الموعد واصطحبني إلى بيته بكوبري القبة وتركني وانصرف.

مضى اللقاء الأول في التعارف التفصيلي على شخصي واتفقنا على الموعد القادم واستأذنته أن يحضر معي واحدا آخر من التنظيم الذي نشكله حتى ننقل الصورة جيدا لمن خلفنا وقبل الحاج مصطفى، وفي الموعد حضرت ومعي طالب بكلية طب عين شمس (عادل عبد الخالق من مصر الجديدة)؛

ووجدت عند الحاج رابع هو الأخ صيدلي (ممدوح الدسوقي)، واستمرت حواراتنا حول المبادئ العامة للدين ومواصفات الجماعة المسلمة التي ينبغي مبايعتها، كان الحديث من طرف واحد ونحن نستمع ونرد في حدود ضيقة جدا، وخلال شهرين من اللقاءات كان كل منا قد حدد طريقه واختار؛

قررت أن أعمل مع الإخوان ووفقا لفهم حسن البنا وبقيادة عمر التلمساني كمرشد وقيادة مصطفي مشهور المباشرة وكذلك ممدوح، وأما عادل عبد الخالق فقد رفض فكر الإخوان ونقل ذلك لبقية زملائنا في التنظيم الصغير، جلسنا جلسة أخيرة معا وحاولوا كثيرا استعادتي إليهم ولكنني أخبرتهم بقراري النهائي، ومن يومها كأن الأرض انشقت وابتلعتهم ولم تقع عيني على واحد منهم ولو قدرا.

لطلب الحاج مصطفي مشهور لقاء منفردا معي وأخبرته بما حدث فقال: أنت اليوم من الإخوان ووجبت في عنقك البيعة فمد يدك وبايعني، وكانت البيعة على بركة الله.

ما بعد البيعة:

دعاني الحاج مصطفى لحضور أول اجتماع إخواني موسع في بيت أحد الإخوان بعمارة الشريف بمصر الجديدة حضر الاجتماع معظم الإداريين بمصانع الشريف وجلهم من الإخوان المفرج عنهم حديثا (مجموعة الشريف) وقدمني الحاج مصطفى لهم وأردف قائلا: أخ جديد صحيح معضم ولكن عليكوا تنجدوه (من التنجيد) كان رحمة الله عليه من الظرفاء وضحكت وضحك الجميع وقضينا وقتا طيبا وبدأت الحياة التنظيمية المعتادة، عضوا بالأسر الإخوانية، ثم المسئول الثالث بأول قسم للجماعة وهو قسم الطلاب برئاسة مصطفي مشهور؛
ثم سفر الحاج مصطفى ثم اكتشاف التنظيم السري ثم العمل مع التنظيم الشرعي بقيادة التلمساني ثم عودة السريين وكشف مخططهم في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان ثم الانتقال القسري إلى قسم المهن وتولي المسئولية عن نقابة المهن العملية ثم إجراء الانتخابات والفوز بمقعد في مجلس الشوري
ثم كشف الاجتماع واعتقال المجتمعين ثم قضية 1995 أمام المحاكم العسكرية والحكم بسجني ثلاث سنوات ثم قضية حزب الوسط ثم الخروج من السجن ثم المواجهات مع السريين الجدد في أكثر من موقع حتى مرحلة كتابة الرسائل الإصلاحية فانتخابات 2005 فالمواجهات العلنية التي أكدت ضرورة إصدار هذا الكتاب لبيان الحالة التي وصلنا إليها بعد استيلائهم على جماعتنا، ويمكننا تقصي هذه الأحداث وملابسات حدوثها تحت العناوين التالية:

حالة الاقتراب من الجماعات الإسلامية:

عندما أفرج السادات عن الباقين من الإخوان في السجون كانت الصحوة الإسلامية بلغت الذروة في الجامعات، وكان طبيعيا أن يفرح الإخوان بهذه الصحوة بوصفها حققت ما عز عليهم أن يحققوه، وكانت الفرحة بادية على وجوه معظمهم بالفعل، ولكن بدت مشاعر فريق السريين مختلفة ووجهوا نقدا واضحا لسلوكيات الشباب واهتمامهم بالهدي الظاهر وحجاب المسلمة والخلافات في الفروع، ونسي معظم السريين أن المرحلة العمرية للشباب لها متعلقاتها النفسية والسلوكية؛
وبينما كان اقتراب الإخوان من شباب الصحوة يستهدف نقلهم إلى وضع أفضل من حيث الفهم والسلوك كان أسلوب السريين مختلفا وأهدافهم مغايرة لذلك فقد كثرت أحاديثهم وحكاياتهم حول السجون والزنازين والمحمصة والتعذيب والكرابيج والعروسة والتحقيقات؛
وكان قد صدر كتاب البوابة السوداء للأستاذ أحمد رائف في أبريل 1974 ليصب مزيدا من الزيت على النار المشتعلة بما قدمه من صورة تفصيلية لأحداث التعذيب في السجون الناصرية لأول مرة، ثم صدر كتاب في الزنزانة للأستاذ علي جريشة في نفس السياق، ومارس السريون أسوأ عملية تضعيف وتجريح لقادة الصحوة من العلماء مثل محمد الغزالي وسيد سابق وإبراهيم عزت وحافظ سلامة وعبد الحميد كشك والشيخ الشعراوي وبطرق عديدة؛
إن تجريح المخالفين في الرأي وإعداد لوائح اتهام لهم سيبقى وسيلة من وسائلهم المستنكرة، وطالت حملة التضعيف والجرح رموز الصحوة من الشباب مثل أسامة عبد العظيم وعبد الله سعد بجامعة الأزهر وقيل إنهم يتاجرون في الكتب الجامعية مستغلين مقاعد الاتحاد؛
وأنهم يتربحون من ذلك مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الجنيهات، كما كان هناك عملية حصار مضروب على بعض الشخصيات الإخوانية بدون مبرر مفهوم مثل الأستاذ فريد عبد الخالق والأستاذ صلاح شادي والدكتور المحامي عبد الله رشوان والشيخ محمد المطراوي والشيخ عبد المعز عبد الستار وصالح عشماوي وصالح أبو رقيق وكان الحاج مصطفي مشهور يحذرنا كثيرا من التحدث إلى أحدهم أو مجرد الاقتراب من أشخاصهم؛
بالتوازي كان هناك تكبير وتضخيم لما وقع لبعض المعتقلين الإخوان من تعذيب، وكيف تعاملوا مع الجلادين بنظرات التحدي والاحتقار، بينما ضعف آخرون وبايعوا جمال عبد الناصر أو تراجعوا عن مبادئهم تحت ضغوط العائلات والأولاد، وسميت العملية (بالزحلوقة) التي تأخذ الأخ من ضعف إلى ضعف حتى يحصل على قرار الإفراج؛
وصور السجن في حد ذاته على أنه بطولة وتضحية بالرغم من أنه ليس كذلك وليس من اختيار أحد بإرادته، والمحصلة الطبيعية لمثل هذا العرض والدأب عليه أن انحلت عرى الوحدة بين شباب الصحوة وتنازعتهم توجهات متصارعة بين قيادات الإخوان أنفسهم وبينهم وبين التوجهات الإسلامية الأخرى وانتهى الأمر إلى التفتت والتنازع.

الصدام والمفاصلة بين الإخوان والجماعات الإسلامية:

لم يمض على خروج الإخوان من السجون غير أربعة أعوام حتى بدت ساحة الصحوة الإسلامية عام 1979 مليئة بالصراعات، وأصبح السؤال المطروح من قبل قادة الجماعات الإسلامية: من مع الإخوان ومن ليس معهم؟ وهل نقبل القيادات الإخوانية القديمة كقيادة للصحوة أم نبقي العلاقة معهم ودية تشاورية تعاونية؟ ومن الذي يمثل الإخوان تحديدا؟
وبطبيعة الحال بدأ كل فريق يبرز أسباب موقفه وحشد فريق الرافضين للإخوان انتقاداته للإخوان بالجمة ودون مقدرة على تبين الفروق بين أجنحتهم المتصارعة، وتصنف الشباب في معظمه مع أو ضد الإخوان وتاهت معالم الطريق من بين أقدام الصحوة الإسلامية وانتشرت في الجامعات صراعات الشباب على الإمامة في مساجد الكليات وفي مساجد الأحياء السكنية وبلغ الصراع حد استخدام الأسلحة البيضاء في أكثر من موقع (في المنيا حدثت معركة دامية يوم العيد على كورنيش النيل بين محبي الإخوان ومعارضيهم، وفي آبا الوقف مركز مطاي طعن بالسكين أحد مناصري الإخوان ... من قبل معارضي الإخوان)؛
واختلفوا كذلك حول من تصدر النشرات باسمه وتحت أي شعار، وبالجملة كثرت المهاترات التي أثرت كثيرا على تقدم الصحوة وحالت دون وحدتها، من ناحيتي كنت قد حزمت قراري وحددت وجهتي بالعمل مع الإخوان بقيادة عمر التلمساني كمرشد، ولكنني ويشهد على ذلك كل الذين تعاملت معهم في هذه المرحلة كنت أعتبر ذلك خصوصية تنظيمية لا يترتب عليها مقاطعة أي فصيل يعمل لنصرة الإسلام مهما كان توجهه الفكري وفهمه للدين، ولقد تعاملت مع طلبة الصحوة الإسلامية في جامعة المنيا خمس سنين قبل أحداث المنصة ولم يشعر أحد منهم أنني شيء غيرهم.
أنهت أحداث المنصة الموقف تلقائيا لمصلحة الإخوان حيث ركزت الشرطة عملها في مواجهة المنفذين الذين مروا بنفس الدورة التي مر بها النظام الخاص السري من قبل وانتهى الأمر إلى نبذ العنف وكتابة المراجعات وهو نفس ما آلت إليه مجموعة السريين بعد أحداث عدة من ممارسة العنف امتدت من الأربعينات وحتى أحداث تنظيم 65 مرورا بالصدام مع الثورة وتفكير وتدبير البعض لأكثر من مرة لاغتيال رئيس الدولة غير أن السريين الجدد لم يصدروا مراجعات حتى اليوم يعترفون فيها بأخطائهم.
وبانتهاء أحداث المنصة وصدور الأحكام بشأنها وعودتنا من السجون إلى المساجد انطلقنا نحن الإخوان بقيادة عمر التلمساني وفي غياب السريين الذين تركوا مصر وانسحبوا ينسجون خيوط العملية السرية الرابعة في مواجهة الإخوان والوطن؛
انطلقنا نحن في تحمل المسئولية الدعوية في ساحة شبه خالية من الجماعات الإسلامية تقريبا خلال فترة الثمانينات مما أتاح لنا فرصة عمل ذهبية تمكن بها فريق العمل بقسم الطلاب والمهن من التمدد بالجامعات واكتساب مقاعد الاتحادات الطلابية بالكامل تقريبا وكذلك مقاعد مجالس أندية أعضاء هيئة التدريس ...

موقفنا من السادات وعرض الجمعية:

لم ألتفت إلى ما قدمه الرئيس السادات للإخوان في شبابي، فقد كنت من أعدائه على طول الخط وكنت أنظر إليه كفرعون موسى، اليوم أطالع كتب الإخوان أنفسهم فأجد اعترافاتهم أنه:
  1. أصدر قرارا جمهوريا بالعفو والإفراج الفوري عنهم.
  2. أصدر قرارا جمهوريا بإعادتهم إلى أعمالهم.
  3. أصدر قرارا جمهوريا بأن يعودوا إلى أعمالهم على نفس درجة زملائهم الذين لم يعتقلوا.
  4. أصدر قرارا جمهوريا بإلغاء قانون المراقبة على المفرج عنهم.
  5. أغمض عينه تماما عن حركتهم الدعوية في الداخل والخارج.
  6. أعطى فرصة واسعة لتدفق رأس المال على كبرى شركات توظيف الأموال ومعروف أنها إخوانية التوجه والهوى.
  7. أعاد مجلة الدعوة منبرا هاما للإخوان 1976.
  8. عرض السادات بجد أن يكون للإخوان جمعية مشهرة قانونية، وعرض الأستاذ عمر ذلك على بقية الموجودين من الإخوان وأذكر أنهم رفضوا ذلك.
  9. تصالح مع المرحوم الأستاذ: عمر التلمساني وكان يدعوه بصفة رسمية لحضور الحفلات الرسمية لرئيس الجمهورية، وسمعت الأستاذ عمر يقول إن السادات استشاره في اتفاقية كامب ديفيد وقد تحفظ الأستاذ عمر عليها موضحا سبب ذلك التحفظ بأننا لن نستطيع مهما حاولنا أن نوقف الإفساد الصهيوني للمجتمع المصري عامة والشباب خاصة لو فتحنا حدودنا للصهاينة.
  10. كل ما فعله السادات من وجهة نظري كان اعتذارا للإخوان من السادات بلغة مفهومة (والحر تكفيه الإشارة ...)، ومع ذلك لم نستطع كحركة أن نشكل حالة وطنية تحدث التغيير المنشود بطريقة سلمية، وكما ضاعت فلسطين ونحن شهود وقعت اتفاقية كامب ديفيد ونحن شهود وانتهى السادات مقتولا ونحن شهود وانتهت فرصة الحركة الإسلامية في الحرية بنهايته مقتولا برصاصها.

الهروب المشين ونتائجه:

انتهت السبعينيات بخصام واضح بين الصحوة الإسلامية والسادات، السادات من جانبه شعر بمرارة من موقف الإخوان وأعلن ذلك مرارا وتكرارا، وراح يحمل الإخوان مسئولية تجييش الصحوة الإسلامية في مواجهته وقيادتهم لحركة التمرد عيه، والحقيقة أن هذه طبيعة فهمنا نحن شباب الصحوة للدين في هذه المرحلة، وإن كانت هناك مسئولية للإخوان فهي صمتهم على هذا الفهم وموافقتهم الضمنية عليه؛
لقد انتقد الإخوان أكثر تصرفات الشباب حتى قصر الجلباب وطول اللحية وقاوموا ذلك ونجحوا فيه ولكنهم لم يقاوموا حركة التمرد المسلح في مواجهة السادات بأي شيء بل كان بعضهم يتصور أنه صدام قد يؤدي إلى انتهاء الحكم وسقوط مع عدم قدرة الشباب على إدارة الدولة وأن الأمر سيؤول لهم في النهاية تلقائيا (نظرية الفوضى الخلاقة) وما تزال هذه عقيدة بعض أعضاء مكتب الإرشاد حتى اليوم؛
وهكذا أصبح السادات معزولا عن الإسلاميين ومكروها من الناصريين ومحاربا من اليساريين، فعلى من يتوكأ في شيخوخته السياسية والعمرية؟ لم يبق إلى جواره ناصحا إلا المتأمركين، ونجح هؤلاء في السيطرة على قراره وتوجهاته وصوروا له الأمر بطريقتهم ووضعوه في خيار واحد هو إما أنت وإما المعارضة؛
وتصرف السادات مثل كل القادة العسكريين وتعامل مع الموضوع بلغة (اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك)، فكانت اعتقالات 3 سبتمبر 1981 التي شملت قادة المعارضة جميعا إسلاميين ومسيحيين وناصريين ويساريين، ووقع المحظور وكانت أحداث المنصة وانهارت الدولة المصرية تماما لمدة 24 ساعة على الأقل، ودخلنا نفق الطوارئ وقوانين الإرهاب وعصر الهامش الضيق المتاح للحريات أو الحياة على رصيف الوطن؛

وهنا ملاحظات هامة لم أرد أن يذكر أو أراد شكورا وهي:

منذ صدور قرارات الاعتقال ومباشرة تنفيذها من صباح 3 سبتمبر بالفعل كان طبيعيا أن يكون هناك قرار جماعي إخواني بشأن الموقف من ذلك وكيف ستكون طريقة المواجهة وبالفعل توجهت للمسئول المباشر عني تنظيميا في مصر الجديدة (محمود عزت) لمعرفة التوجيهات فلم أعثر له على أثر، وتوجهت للمسئول الأعلى (مصطفي مشهور) فلم أعثر له على أثر، وكان الأستاذ عمر التلمساني معتقلا؛
وبصراحة تأثرت كثيرا وشعرت بالحزن من هذا التصرف المشين، نحن الذين نخطب على المنابر قائلين للشباب إن القيادة الناصحة سباقة وهي التي تبادر بإنارة الطريق للجنود وإفهامهم طبيعة الموقف والتشاور معهم بشأن التدابير الواجب اتخاذها نحو الظروف التي تمر بها الدعوة والأفراد، والانتهاء إلى ما نسميه تقدير موقف أو حالة؛
ولكن لم يحدث شيئ من ذلك وحدثتني نفسي قائلة يبدو أن القيادة هربت وتركتني ومن خلفي وحدنا؟ وبقيت أياما وأنا خائف أترقب ولا أبيت في بيتي، وأقول لنفسي: هذه أفكار شيطانية وحتما سوف يتصل بك أحدهم ويبلغك بالمطلوب والموقف ولكن استمر غياب القادة.
في الخامس والعشرين من سبتمبر طرق باب بيتي بغير موعد أحد شباب الإخوان المجندين وكنت مسئولا عنه أيام الدراسة بكلية العلوم، وأبلغني بأن الجماعة الإسلامية قررت القيام بعمل عسكري انقلابي واسع ويرتبون لذلك، وقد أرسلوني لأعرف وجهة نظر الإخوان وليكونوا على علم بذلك حتى يتعاونوا معهم ويساعدوا في مرحلة نجاح الانقلاب.
(لاحظ أن المندوب في الواحد والعشرين وأنا في الثلاثين).
طلبت منه تأجيل الرد يوما واحدا، وخلال هذا اليوم ذهبت إلى كل مكان يحتمل أن أجد فيه أحد المسئولين ولكن بدون جدوى، عاد إلي وأخبرته أنني لم أجد مسئولي لأتخذ قرارا وليس أمامنا إلا العمل بالأصل وهو حرمة الاغتيالات، انصرف أخي المجند، وانتشرت إشاعة الاغتيال وبلغت درجة التواتر وبتنا (والراديوهات) على آذاننا ننتظر تنفيذ العملية؛
وبالفعل تمت العملية يوم 6 أكتوبر 1981 وكان يوم وقفة عرفات واهتزت الدنيا كلها بينما نحن الإخوان بغير قرار ولا رؤية واضحة نحو الموقف والسبب هروب القادة المشين ومن أشهر من هربوا في تلك الأيام مصطفي مشهور ومحمود عزت وجمعة أمين ومحمد البحيري ومحمد عبد المعطي الجزار وصبري عرفة الكومي وخيرت الشاطر ومحمد إبراهيم وكل رجال النظام الخاص وبقيت القيادة التقليدية عمر التلمساني وجابر رزق وأحمد الملط ومن على طريقتهم من شباب الصحوة الإسلامية.

قضية اختفاء محي وأبو العلا ومحمود الراوي:

أثناء فترة الهروب طيلة شهر سبتمبر 1981 توافد على القاهرة أعداد وفيرة من شباب الجماعات الإسلامية ممن كان مطلوبا اعتقالهم في وجه بحري ووجه قبلي، الجميع رأى أن الاختباء في القاهرة أسهل، وكان من بين هؤلاء إخواني م. محي الدين وم. أبو العلا ماضي وكلاهما من قيادات العمل الإسلامي بالمنيا وما حولها ولهم صلة وثيقة بالقيادات الإسلامية من كافة الاتجاهات؛
ولكنهم جزاهم الله خيرا اختاروني دون غيري ليكونوا ضيوفا علي، وقبلت مهمة إخفائهم ورأيت ذلك مكرمة، وفور اغتيال السادات كان لا بد أن يوضعوا في مكان أمين وقد كان والحمد لله وانضم إليهم م. محمود الراوي وملخص قصة الهروب يبدأ من الإحساس الكامل بأن الأخوين محي عيسي وأبو العلا ماضي لم يشاركوا في عملية الاغتيال وأنهما بريئان منها براءة كاملة.
وكانت الجماعات الإسلامية قد اندفعت في مواجهات مع النظام المصري بقيادة السادات ولكن من حيث الواقع فكانت الشرطة المصرية هي الممثل للحكومة على أرض الواقع ... ولذلك احترفنا في الجماعات الإسلامية كثيرا من عمليات تضليل الشرطة ومن ذلك تعود بعض الشباب على التوجه إلى محطات مترو حلوان والتقاط البطاقات الشخصية المفقودة من أصحابها والمعروضة في لوحة المحطة وكان من السهل نزع الصورة الأصلية ووضع صورة جديدة محلها.
وبهذه الطريقة حصلت على بطاقتين أحدهما باسم إبراهيم ووضعت عليها صورة محي والأخرى باسم حسن ووضعت عليها صورة أبو العلا.
وكانت المهمة الثانية البحث عن ملاذ آمن لدى شخصية شجاعة تفرست في كافة المحيطين بي وأخذت من بينهم المهندس محمد عبد السلام شرف الدين لأسباب عديدة ... أولها لم يكن له ملف سابق بالأمن المصري ولم يسبق اعتقاله أو التحقيق معه وثانيها أنه يمتلك الجرأة والشجاعة على القيام بهذا الدور وثالثها أنه يعمل بالمقاولات ذات الطبيعة الصعبة في قلب الصحراء وبعيدا عن الشواطئ في قلب البحر لإقامة الفنارات على الجزر ومد خطوط الكهرباء عالية الضغط ...
وكانت طبيعة عمله ومساعديه يجعلهم دائما بعيدا عن المناطق السكانية وتحول بينهم وبين الاحتكاك بالمواطنين أو الشرطة، وبالفعل فاتحته وقبل أن يسأل أجبت عن كافة استفساراته من حيث براءتهم من الاغتيال وقدرتهم على الالتزام بما يتفق عليه كونهم من اليوم مجرد عمال باليومية سيلتحقون به من أجل العمل كتراحيل ليس أكثر ... والأصل في هذه الحالات لا يطلب عقد عمل ولا بيانات شخصية ... وقبل مشكورا ذلك.
وفي يوم العيد التقيت بالأخوين وزيادة التمويه في خرجت بهم في رحلة طويلة بعيدا عن القاهرة لكشف ما قد يوجد من مراقبة لهم.
وتوجهت بهم إلى بلدتي بمحافظة كفر الشيخ ... ولكن الحياة لا تخلو من مفاجئات ... فبينما نحن على مسافة 20 كم من مدينة قطور في الطريق إلى بلدتنا خرجت سيارة صغيرة مسرعة من طريق جانبي واعترضت الأتوبيس فجأة واصطدم بها ثم انحرف يسارا ليصدم في شجرة ضخمة فتشطره نصفين ويقع تصادم مروع.
اقتلع الصدام كافة مقاعد الأتوبيس وتكردس الركاب عند المقدمة ووقعت كسور وجراحات وبدأ عويل المصابين ... انشغل الجميع بالحاثة وسارع أهل القرى نحو الموقع للإنقاذ وحضرت سيارات الشرطة والإسعاف وبدأت عملية إخلاء المصابين ...
وفي هذه اللحظات تذكرنا أننا في حالة هروب واكتشفنا أننا محاصرون بالشرطة من كل ناحية وأن نظارة محي الطبية قد تحطمت ويصعب عليه الحركة دونها ... ولكننا في أسرع من البرق استعدنا توازننا وجمعنا شملنا ولممنا شعثنا وأطلقنا أقدامنا للريح عدوا بعيدا عن الموقع ...
وبينما الكل متجه ناحية الحادثة كنا نحن نتجه بعيدا عنها وكأننا ذاهبون لاستدعاء الشرطة والإسعاف ... وعند أول منطقة سكنية ركبنا سيارة بالأجرة واتجهنا نحو الهدف ... كانت كل تصرفاتنا بالإشارة والنظرات وكافة أفعالنا آلية (أتوماتيكية) كأننا تروس ماكينة واحدة توافقت على فعل ما تريد.
وقبل العصر بلغنا بيت العائلة في قريتنا والتقطنا أنفاسنا وقدم لي ولضيوفي الغداء اللذيذ المعتاد في مثل أيام العيد ... ولكن خلال ساعة من الزمن بدأ أشقائي يشعرون بأن الأمر ليس طبيعيا ... فلم أتعود الذهاب إليهم بأغراب! يوم العيد من كل عام كما أنني لم أتعود زيارتهم بغير أهل بيتي.
في المساء طرق الباب كبير الخفراء في القرية وخرجت لمقابلته في الفرندة الخارجية حتى لا يدخل إلى المندرة ويلحظ وجود الهاربين وفور لقائه همس في أذني وشقيقي قريب يسمع "فيه إشارة وصلت من المركز بالإبلاغ عن أي أغراب يتواجدون بالقرية ثم أردف قائلا و كان عندكم حد غريب اتصرفوا فيه بسرعة
ولم يعطنا فرصة للتعليق وانصرف سريعا كان لا بد من مصارحة أشقائي بالأمر وكانوا على قدر المسئولية فقلت لهم تحملوا استضافتنا يوم أو يومين وسأتوجه للقاهرة لإتمام اللمسات الأخيرة المتعلقة بالمكان الذي سوف يقيمون فيه كان في خلدي أن أجهز لهم فراشا مناسبا وملابس كافية وأدوات نظافة لمدة طويلة.
وهكذا ... بالفعل في الصباح توجهت إلى القاهرة وتركتهم في البيت ... وما أن غادرت بيتنا حتى (كما حكي لي بعد ذلك) بدأ التليفزيون بعرض خمس صور لأفراد مطلوبين هم (عبود الزمر، ناجح إبراهيم، أبو العلا ماضي، محي الدين عيسى، طارق الزمر) لم يصدق أشقائي أن الصورة والأصل أصبحت في بيتنا؛
وتصرفوا بحكمة وشجاعة فلم ينتظروا للصباح ... وفي سيارة خاصة تم نقل الهاربين إلى مكان أمين بعيدا عن بيت الأسرة وفور خروجهم بأقل من ساعة كانت قوة من الشرطة تداهم البيت وتبحث عنهم ولكنها لم تعثر على غرباء، واعتبر ذلك بلاغا كاذبا، هنا في القاهرة لم أتمكن من بلوغ بيتي وتمت عملية اعتقالي قدرا في إحدى الكمائن ...
وتصرف الأخوين وفقا لخط السير الذي شرحته لهم والتقوا بالمهندس محمد شرف الدين وسكنوا المكان الجديد في منطقة بالصحراء الشرقية يقام بها مشروع جديد على أنهم مجرد عمال ترحيل.
ظل الإخوان على المنهج المتفق عليه ثمانية أشهر بينما كنت أنا في المعتقل تمارس معي كافة أنواع الضغوط المعتادة للاعتراف بمكانهم ولكن الله أعانني فلم يعرف مكانهم أحد إلا أطراف الموضوع الأربعة م. شرف والهاربين والعبد لله.
تشكلت فرق للبحث عنهم في كافة أنحاء الجمهورية وكانت تصل الفرق إلى معلومات شبه صحيحة فيأتون إلي في السجن لاستكمال المعلومات ولكن الله ألهمنا القدرة على إذابة ما لديهم من معلومات صحيحة وتحويلها إلى شيء غير ذي قيمة.
في نهاية المطاف مل الهاربان الهروب واقتربوا من المدينة المزدحمة وتحركوا في مطاعمها ... وحاولوا رؤية ذويهم وأصدقائهم على اعتبار أن التحقيقات في القضية انتهت من شهور ... وحبب إلى محي ومحمود الراوي التوجه إلى مدينة البعوث الإسلامية لزيارة أصدقاء لهم من المنيا طلبا لإرسال السلامات إلى ذويهم بالمنيا؛
وفور توجههم إلى المدينة وقعت عليهم أعين المخبرين وجلهم من المنيا ويعرفون محي لصفاته الفريدة (الطول الفارع والنحافة المتناهية والنظارة الطبية المقعرة ..) وتنادوا في نفس واحد محي الدين عيسى ... محي عيسي ... امسك ...، وتكاثروا بالعشرات في عملية مطاردة لمحي عيسي وهو يهرول بسرعة ناحية السور للخروج قفزا وقبل السور بقليل أمسك أحدهم بملابسه وعلى الفور لم يتردد محمود الراوي في التقاط قطعة من الحديد في الموقع وعاجل المخبر بضربة قاتلة على رأسه وسقط المخبر مغشيا عليه وتراجع المطاردون من هول المفاجأة وقفز محي ومحمود عدوا فوق السور ودخلوا بين مقابر الإمام وسكنوا أحد المقابر ...
أدركت الأجهزة الأمنية ما يحدث واجتمعت كافة فرق البحث في أقل من عشر دقائق ومعهم الصور المطبوعة ومواصفات الهاربين وطوقت المقابر قوات الأمن بالآلاف في حلقة محكمة وراح الباحثون يضيقون الحلقة شيئا فشيئا حتى لم يعد أمامهم سوى المقبرة الأخيرة ... توجهت إليها كافة الأسلحة وعلا صوت الميكرفون " ... ارم سلاحك ... ارفع إيدك ... سلم نفسك ..." أمامك دقيقتين ...
قبل مرور دقيقة واحدة خرج محي ومحمود رافعين أذرهم إلى السماء وتم القبض والكلبشة والربط مع الجنود وفي موكب مهيب سيق الاثنان إلى مكاتب التحقيقات وتحت التعذيب الوحشي دلا على عنوان أبو العلا ماضي وتوجهت القوات للقبض عليه وتمكنت من ذلك وتحت التعذيب الوحشي اعترفوا على المهندس محمد شرف وتم القبض عليه ووجهت المباحث له سؤالا واحدا .. من أوصل هؤلاء إليك؟
فقال: السيد عبد الستار المليجي .. وهنا اتحلت العقدة وتم الإفراج عنه بعد يومين وأحيلا الأخوة الثلاثة إلى سجن طرة وفي الصباح طالعت الخبر في الجريدة اليومية وبعد يوم واحد تم الإفراج عني ونظرا لكونهم بريئان من عملية الاعتقال فقد أفرج عنهم بعد شهور قليلة وأصبحت تلك الأحداث جزءا من التاريخ.

في سجون 1981:

بعدما تأكدت من سلامة خطة إخفاء الأخوين محي وأبو العلا بحيث لا يمكن تتبعهم عدت قافلا إلى القاهرة، ونظرا لتوقع وجود كمين في بيتي لمكتبي بإدارة مصانع الشريف بشارع أبو سمبل بمصر الجديدة لأستطلع الأمر ممن لم يغادروا القاهرة؛
وكنا في عطلة عيد الأضحى والوقت قبيل العشاء والمكان كله مظلم تقريبا، تحسست الموقع ولم أر ما يفلت الأنظار فتسللت إلى باب الإدارة في الطابق الثاني، وفور دخولي تابعني شخص غريب ودخل ورائي وعليه علامات التوتر، تفحصته بدقة ولمحت مسدسه في خصره وأدركت أنه كمين، سألني متماسكا: حضرتك المهندس محي عيسي؛
فقلت: لا أنا سيد عبد الستار، تركني وخرج وتذكرت وقتها أن محي عمل مهندسا بمصانع الشريف لمدة شهرين وطبيعي أن يتوقع هروبه هنا وعلى ذلك تشابهت هيئتي معه ولو من حيث الطول والرفع، وبعد حوالي دقيقتين عاد وطلب مني في لطف تحقيق الشخصية، وما أن رأى بطاقتي مدون بها في خانة العمل (معيد بكلية العلوم، جامعة المنيا) حتى عاد ينظر إلى بعد أن وضع البطاقة في جيبه وقال لازم نفحص حضرتك في القسم.
وفي قسم مصر الجديدة بميدان الجامع أحضروا ضابط أمن الدولة (كان اسمه عادل وعيناه خضراوان)، وما أن رآني حتى ظهرت عليه ابتسامة صفراء وهو يقول (الحمد على السلامة يا سي السيد) وفورا صدر قرار باعتقالي، في القسم مكثت خمسة أيام، وتقلب على أكثر من خمسة مخبرين في هيئات متنوعة وكلهم يحاول بأساليب متنوعة معرفة معلومات عن الهاربين؛
وكلما أخبرت أحدهم بأنه مخبر مكشوف يطلب الذهاب للحمام ثم لا يعود ويأتي آخر بأسلوب جديد، وفي نهاية المطاف كان الترحيل إلى أبو زعبل، وهناك سكنت عنبر 4 ووجدت به من سبقني من أبناء القاهرة والقليوبية وبدا العنبر كرنفالا للجماعات الإسلامية من كل لون، أكثر من عشر جماعات حتى كان منها ما يسمى نفسه جماعة الخشبتين الخلة والسواك؛
وممن سبقني للعنبر من الإخوان الأخ مختار نوح المحامي المصر على إقامة درس الثلاثاء الإخواني والشيخ عبد الهادي من أسوان ومجموعة فرماوية مثيرة للضحك في كل ما تأتي من أعمال وطبيب بيطري يدعى أحمد شبه مجنون ويدعي أن كل شيء في حياتنا ملوث بالخنازير؛
والعدد الإجمالي في العنبر الذي سعته عشرون يبلغ 72 معتقل وحمام واحد والطابور على الحمام مستمر بالحجز 24 ساعة، استقبلوني مرحبين مهللين مكبرين ولم يكن معي شيء تقريبا لأنني معتقل من الطريق وكنت ما زلت ببدلتي كاملة وبالكرافتة، صحيح كانت متسخة من النوم في الحجز ولكنها بقيت بدلة كاملة وآخر تمام.
بعد أسبوع خضنا ملحمة الحلاقة زيرو ونقلنا إلى العنبر السياسي من أجل إجرائها ثم عدنا إلى عنبر أربعة ويوم السادس والعشرين من أكتوبر جاءت النداهة المسائية، ونادت بالميكروفون (السيد عبد الستار المليجي ... لم هدومك واستعد للترحيل)
كان هذا يعني الذهاب إلى ساحة الموت بسجن التحقيقات بملحق طره، وبسرعة البرق لبست شرابي المبلول وحزائي ووضعت الكرافتة في جيبي وتسمرت على الباب الحديدي بلا وعي تقريبا، إنها لحظات الإقبال على الموت وهو الأمر الذي ينبغي خوضه بشجاعة وحزم.
ولم تمر دقيقة حتى رأيت خلفي كل العنبر مصطفا وراء الشيخ عبد الهادي يصلون من أجلي صلاة الحاجة، وبينما كان صوت دعائهم يرج الأرض والسماء جاء حاملي الكلبشات وقيدوني في أحدهم وأسرعوا بي إلى سيارة شرطة وفي المقعد الخلفي ربطوا معي صول آخر وجلس بجوار السائق ضابط مسلح بالرشاش؛
وفور خروجي للشارع سارت أمامي سيارة لا يكف ميكروفونها من تحذير المواطنين (على الجميع أن يركن يمين الطريق) وخلفي سيارة حراسة بها ست جنود مشهرين الرشاشات.
كانت زفة عظيمة مهيبة تشعرك أنه لا مناص من الإعدام مهما طالت التحقيقات، وفي الطريق من أبو زعبل إلى طره تذكرت كل الماضي وذكريات الطفولة ونضالات العشر سنين الفائتة واسترحت نفسيا لكل ما أديت وحمدت الله كثيرا وقلت في نفسي ليكن ما يكون فقد فعلت كل ما آمنت أنه يجب على فعله.
على أبواب سجن الاستقبال الرهيب عصبوا عيني بعصابة سوداء ثقيلة، وتقدم نحوي من راح يتأكد أنني لم أعد أر شيئا، مرت لحظات ثم سحبني جندي إلى داخل السجن الذي انفتحت بوابته بصوت مسموع، لم أتلق علقة الاستقبال المعتادة وسألت أول مسجون فأخبرني قائلا (النهار ده بس أوقفوا التعذيب لأن كمال السنانيري مات ... الله يرحمه ..)
استمرت التحقيقات ثلاثة أشهر ونصف حول قضية الاغتيال، وقضية تهريب الأخوين محي وأبو العلا وتأكدوا من أطراف أخرى أنهم كانوا بحوزتي حتى يوم اعتقالي، وانتهوا لقرار (سوف تبقى مكانهم حتى تدل عليهم) وبعد ثلاثة أشهر وأيام أعادوني إلى أبو زعبل، ويوم عودتي أحسست أنني دخلت الجنة بالفعل وكانت لحظة زوال الغمامة السوداء من على عيوني ورؤية النور والبشر في أبو زعبل ميلاد جديد.

براءتي من قضية الاغتيال:

أسفرت التحقيقات مع حوالي 800 من المهتمين بمعاونة مجموعة الاغتيال عن اتهام 302 منهم وتبرئة الباقين وكنت من بين الذين برأتهم التحقيقات بالسجون بينما نقل الباقين إلى نيابة أمن الدولة وبدأت محاكمتهم فور الحكم على مجموعة العشرين التي باشرت عملية اغتيال الرئيس.
لقاء جابر رزق كان أول من لقيني بسجن أبو زعبل فور عودتي من التحقيقات أخي جابر رزق (رحمة الله عليه) ما زلت أذكر محياه وهو يتسلق باب الزنزانة ليكلمني من فتحته الصغيرة ويقول (الحمد لله على سلامتك يا أخ سيد)
ولأنني عدت شبه عاري تقريبا من سجن الاستقبال فقد لاحظت عليه التأثر الشديد لما أنا عليه، وانسحب سريعا ليعود بعد دقائق ويناديني ويمد يده لي بغيار داخلي وجلباب بلدي شبه جديد وهو يقول جلابية أخوك لاشين إن شاء الله تيجي مقاسك؛
وبالفعل تحولت صورتي في دقائق من شحات إلى عمدة، دعوت له بالخير وما زلت حتى اليوم أترحم عليه كثيرا، وفي أول فسحة سارع إلي وجلس معي لأروي له كل ما وقع في سجن الاستقبال من تحقيقات وطمأنته أن التحقيقات لم تتناول أي شيء يتعلق بدوري في الإخوان.في التنظيم الأصيل للتلمساني والتعرف على عبد المنعم لأول مرة.
لم يمض على خروجي من السجن بضعة أيام حتى اتصل بي أخي جابر رزق واستضافني في بيته بشبرا، وأبلغني رسالة مؤداها أن الحاج مصطفي مشهور يسلم عليك ويقول لك اجمع من تعرفهم من قسم الطلبة وابدءوا العمل برئاسة أخيك عبد المنعم أبو الفتوح؛
وقلت: أنا لا أعرف عبد المنعم ولم يكن معنا في القسم فقال (الخميس القادم نصوم ونفطر سوى وأعرفك عليه)، وبالفعل تم ذلك وتعرفت على عبد المنعم أبو الفتوح وخلال شهر تقريبا وفي ظروف أمنية بالغة الشدة تكونت أول لجنة مركزية للاتصال والمتابعة بعد أحداث المنصة تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني والدكتور أحمد الملط والأستاذ جابر رزق
وشكلت اللجنة من (م. محمد سليم، د. محمد حبيب، د. ممدوح الديري، د. السيد عبد الستار، د. عبد المنعم أبو الفتوح، د. أنور شحاتة، وانضم إليها آخرون تباعا)، وكان لهذه اللجنة مهمتان، الأولى الاتصال بالمحافظات والثانية إعادة تكوين قسم الطلاب كأول أقسام الجماعة.
وتمت المهمتان بنجاح وبدت جماعة الإخوان لأول مرة منذ أحداث 1954 تعمل بانتظام وتوافق واضحين، ودعي إلى قسم الطلاب المركزي كل من د. حلمي الجزار والمهندس أبو العلا ماضي، وهنا ملاحظة هامة جدا:

التنظيم السري في الخارج:

تبين لي أن ما قمت به لم يكن بموافقة الحاج مصطفى وبدى ذلك فور عودته بعد ست سنوات من الهروب في الخارج حيث قابلني بفتور شديد ولم يفتح معي موضوع تنظيمه الجديد الذي شكله في الخارج من المبعوثين والمعارين في السعودية واليمن والخليج والكويت، من جانبي لم أشعر لحظة أنني أخطأت في شيء فالعهد الذي بيني وبني الحاج مصطفي مشهور كان على أساس أن التلمساني هو المرشد وهو ينوب عنه في البيعة لا أكثر؛
ولم أكن على علم بخلافات الإخوان القديمة، لقد طالعت مؤخرا هذا التاريخ بهدف التعرف على جذور المشكلة المزمنة وواضح أن عمر التلمساني كان طيلة عمره كما عرفناه عفا متعاليا على الصغائر مؤمنا بوحدة الصف ووحدة القيادة وضد التنظيمات السرية، بينما الحاج مصطفى كان يؤمن بجدوى العمل السري في تحقيق أهداف الدعوة وإيمانا منه بعقيدة إسلامية التنظيم وجاهلية ما عداه.

الإخوان والجامعات (قسم الطلاب):

بحمد الله وتوفيقه بلغ قسم الطلاب ذروة لم يصلها من قبل، وبلغت جماعة الإخوان درجة راقية من الثبات والنمو والتأثير، وأسسنا أول مركز دراسات متخصص في مجال رفع كفاءة الإخوان في شتى ما يحتاجونه من دورات وأسميته (المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد)؛
وكانت النتيجة رغم التضييقات الأمنية فوز طلبتنا بكافة مقاعد الاتحادات الطلابية تقريبا، وفوز أساتذتنا بكافة مقاعد مجالس إدارة نوادي هيئة التدريس عدا جامعة واحدة ألغيت فيها الانتخابات، (طالع كتاب تاريخ الحركة الإسلامية في ساحة التعليم "مكتبة وهبة" لتعرف كافة التفاصيل ولاحظ الصور المرفقة لأول اجتماع تنظيمي للإخوان تحت إدارة التلمساني وقبل هبوط التنظيم الخاص السري بالصراعات والفشل) هداهم الله.

صراع التنظيم السري مع تنظيم التلمساني ومظاهره:

لم يكد عام 1985 ينصرم حتى بدأت إرهاصات القلق على أعصاب التنظيم السري، وبدأت طلائعهم تتقاطر على مصر بغير مبررات معقولة لعودة المعارين، ولوحظ أنهم يأتون ويرفضون الاندماج فيما هو قائم، وبدءوا حملة من الشائعات حول إخوانهم الباقين هنا في رحاب الوطن؛
فنشروا مقولة (الحي أبقى من الميت) وكانت تعني أن العمل بالأحياء (التنظيم السري) يفضل على العمل بالنقابات والجامعات والمؤسسات العلنية، وبدأنا نشكو من شح الأفراد وقلة المعاونين في هذه المؤسسات، واقترح اعتبار الجامعة حي له إدارة مستقلة وبدأ العمل بالفعل بهذا المقترح، ثم ألغي المقترح وعدنا للمتاهة الأولى، كان الهدف هو إضعاف نقاط التميز لتنظيم التلمساني وتقوية العمل السري تحت قيادة جديدة وافدة، والترتيب لانتخابات مخططة تعطي للمبعوثين والمتسعودين والخلايجة المجندين للتنظيم السري مشروعية تنظيمية في القيادة.
في الحي الذي أعيش فيه (شرق القاهرة) نزل من السعودية أحد الإخوان الشراقوة ويدعى محمد العريشي، وتعرفت عليه أول مرة في منزل محمود غزلان بالمعادي بواسطة ممدوح الديري، وبعد سنة تقريبا أدمجوه في تنظيم الحي، وهو الذي تسبب في مشكلة الأزهر وظل ينفخ في نارها حتى انتهت بانفصال خيرة شباب الإخوان بجامعة الأزهر؛
ومن يومها والإخوان بدت كالأم التي تأكل أولادها، وهبط علينا من الكويت المهندس أشرف عبد السميع، وكان صريحا في كونه جاء على تنظيم مواز، فعندما دعوته للانضمام إلى أسرتنا لأننا كنا نسكن في بيت واحد صرح لي قائلا (أنا جاي من الكويت لأعمل مع الأستاذ العريشي) والعجيب أنه انتقل إلى الدقي فور انتهاء أول انتخابات وكأنه أدى المهمة وانصرف إلى غيرها كما أنه كان ضمن المعتقلين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان.
وكان مما كشف وجود التنظيم السري وبدأ محاولاته الانقلابية الموقف التالي الذي لا أنساه للمهندس (أشرف عبد السميع): فقد دعاني لزيارته في بيته، ولما دخلت وجدت عنده اجتماعا به قرابة العشرين من الإخوان الذين أعرف معظمهم، وجلست حيث انتهى المجلس وكانت جلستي قدرا في قبالة الداخل إلى الصالة ولا بد للداخل أن يراني، فإذا به يطلب مني بغضب واضح الانتقال إلى زاوية في مكان لا يراه أحد ولأنني في بيته فلم يكن بمقدوري أن أخالفه؛
وبعد دقائق اتضح السبب، فقد وزع علينا أقلام رصاص وقصاصات ورق أبيض قائلا مطلوب منا أن نختار عدد كذا ليكونوا مجلس الشعبة (يعني هناك انتخابات بدأت دون علمي بالحي وأنا المتواجد قبل الداعي لها بخمسة عشرة سنة في الموقع يعني الجهاز السري اشتغل من ورانا ورتب الانتخابات كما يريد)
واتضح أنه تعمد إخفائي في هذه الزاوية حتى لا يراني الناخبون ولا يختارني أحد، ولكن كانت النتيجة على عكس ما أراد، قد يرى البعض أن هذا لعب عيال صغيرة، وأنا مع هذا البعض ولكنني أوضح بهذا المثل حجم شحنة الكراهية التي شحنوهم بها في الخارج ليفرغوها نارا حامية في قلوب الإخوان هنا
وفي نفس الحي ظهر الأخ (محمد مهدي عاكف) عام 1987 ومارس دورا خطيرا يتعلق بتصفية قسم الطلاب سوف أشرحه بعد قليل، وفي أمسية كنا فيها عند الأستاذ مختار نوح مدعويين على إفطار الخميس للتشاور حول انتخابات نقابة المحامين دخل علينا رجل لا نعرفه بصحبة عبد المنعم أبو الفتوح وعرف نفسه قائلا (أخوكم مسعود السبحي)
ولما لم يكن هناك سبب لوجوده فقد اعتبرته عنصرا جديدا من عناصر السريين، كانت طريقتهم دائما على هذا النحو، يأتي أحدهم فيندس وسطنا بصفته أخ جديد قادم من هنا أو هناك لا ليتعاون معنا ولكن ليشارك في محاصرتنا، ثم تقاطر العائدون واحدا تلو الآخر وكلهم بنفس الروح ونفس الجمود العاطفي والتخشب الإنساني، وكم كنت أستغرب المواقف قبل أن تكتمل عندي الصورة وتظهر معالمها الدميمة.
وفي غضون هذه الأيام كذلك هبط علينا مبعوث جديد يدعى (محمود حسين)، وكانت الرسالة أنه عائد إلى كلية هندسة أسيوط، وكلفنا أنا والأخ أبو العلا ماضي أن نستقبله في مطار القاهرة ونقوم بخدمته، وفي المطار تعرف عليه أبو العلا وعرفني به ولكن الغريب كان برود عاطفته نحونا مع أنها أول مرة نلتقي به؛
لقد كان لوحا ثلجيا يمشي بيننا على قدمين، قلت في نفسي يبدو أن هناك مصنع في أوروبا ينتج لمصر إخوان بلاستيك، وبمرور الأيام اتضح أنه من التنظيم السري الموازي وما شاء الله عليه، بسرعة الصاروخ ضرب الكل في أسيوط، ثم تعين في 2006 عضوا بمكتب الإرشاد بدون انتخابات (رجل مزكى على الشريعة السرية)، أنا أعرف من الإخوان الأفاضل بأسيوط العدد الوفير، ولكن لحكمة يعلمها الله لا يرقى أحدهم إلى مرتبة المعلبين في الخارج؟!

العملية ... سلسبيل .. لقلب نظام الحكم في الإخوان وتوابعها:

أنشأ التنظيم الجديد شركة (سلسبيل) صورة طبق الأصل من (المركز العلمي للبحوث والدراسات، معبد) من حيث الشكل والأدوار، (كاد المريب يقول خذوني فأنا تنظيم موازي).
فقد تأسس المركز العلمي للبحوث والدراسات (معبد) عام 1983 ليكون مساعدا للباحثين والدارسين بالجامعات المصرية على إتمام بحوثهم بمدهم بالمراجع والكيماويات والأجهزة، وشكله القانوني شركة توصية بسيطة، ونظرا لكوني مسئولا في هذا الوقت عن متابعة عمل الإخوان بين أعضاء هيئة التدريس؛
فقد كان مناسبا بحكم طبيعته أن يقوم بدور الاتصال والمتابعة بجميع الجامعات المصرية، وشكلت به لجنتان واحدة للخبراء والثانية للمستشارين، وشكلت اللجنتان بطريقة طبيعية وشفافة بمراسلة كافة عمداء الكليات المصرية، ومن ضمن الخبراء والمستشارين بالطبع الإخوان المتواجدين بالجامعات، ولذلك كان اجتماعهم بالمركز ونشاطهم من خلاله قانونيا ومنطقيا، وحتى يسهل الاتصال بالطلاب كنا نقيم باسم المركز كل عام مصيفا لتعليم لغة الكمبيوتر ودورات تصفية للتنمية البشرية المتكاملة، وقد أفادنا كثيرا في هذا المجال.
فور اكتمال طلائع الغزو المعد في أوروبا والسعودية والكويت واليمن تشكل منهم تنظيم مصغر تحت لافتة (شركة سلسبيل)، بمجلس إدارة مكون من: أحمد عبد المجيد بصفته (مالك الشركة الأم في لندن)، خيرت الشاطر (رئيس مجلس الإدارة)، حسن مالك (عضو)، محمد إبراهيم (عضو)، طاهر عبد المنعم (عضو)، عدد من الإخوان المراسلين بكل محافظة كما تأسس فرع لشركة سلسبيل بالمنيا تحت قيادة د. محمد سعد الكتاتني ود. كمال الفولي ليكون المسئول عن تسويق التنظيم السري في الصعيد؛
وبدا التنظيم يجمع معلومات تفصيلية حول جميع الإخوان ويسجلها في كروت باسم كل عضو، وجمعت المعلومات في شركة سلسبيل دون أي علم من الأستاذ عمر التلمساني أو العاملين معه؛
وبدأت هذه المنظمة الجديدة تصنف الإخوان دينيا تبعا لمواصفاتها الخاصة، وفور قدوم الحاج مصطفي مشهور فقد اعتمد على جهل الإخوان بالصراعات التاريخية الداخلية (بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص) أو بين النظام الخاص السري ومكتب الإرشاد وأعاد ترتيب الإخوان بالشكل الذي يتوافق مع اجتهاداته الشخصية، وطموحاته التنظيمية وتجنب التعامل معي وكافة الإخوان الذين يعملون مع الأستاذ عمر بوصفه المرشد الحقيقي للإخوان؛
حيث ارتكزت نظرية عمل الحاج مصطفي مشهور على اعتبار نفسه المرشد الحقيقي والأستاذ عمر التلمساني مجرد صورة مرشد (أو مرشد صورة) وهو نمط التفكير المسيطر على كل مجموعة التنظيم الخاص السري من السبعينيات، وعقيدتي أن هذا اجتهاد له عليه أجر واحد؛
ومن المعلوم تاريخيا أن تجربة العمل بهذه الطريقة جرت على الإخوان متاعب كثيرة وتسبب تاريخيا في قتل المرشد الأول حسن البنا بعدما غافلوه وقتلوا رئيس الوزراء النقراشي بغير إذنه وباجتهادهم الخاطئ، وهي نفسها طريقة التفكير التي عرقلت عمل المرشد الثاني حسن الهضيبي، وها هي اليوم تشق صف الإخوان، وتثير الشكوك والريبة فيما بينهم وتنتهي بهم إلى التنازع والفشل والحياة على رصيف الوطن.
ولكن كيف كانت نهاية المتورطين في العملية سلسبيل لقلب نظام الحكم في الإخوان؟ كان جهاز أمن الدولة وراءهم خطوة بخطوة وتركهم يعملون بدأب واجتهاد في جمع المعلومات الذي عجز هو عن جمعها عن الإخوان، ولما اكتملت عمليتهم ونضجت الثمرة وحان وقت قطافها تقدم ضباط أمن الدولة بقيادة العقيد محمد قمصان وقبضوا على المعلومات مرة واحدة بضربة واحدة في ساعة واحدة، وكانت قضية سلسبيل الشهيرة والتي لم تقدم لمحكمة رغم خطورتها لأن أجهزة الأمن اعتبرت مجلس إدارة سلسبيل أبطال أمنيون أدوا للمباحث خدمة جليلة.
وهكذا سلم الإخوان الكرام الأفاضل أعضاء النظام الخاص السري لمباحث أمن الدولة أهم وأخطر معلومات عن الإخوان بشكلهم الجديد، وهم جميعا شركاء عرفا وقانونا في المسئولية عن هذا الاختراق الأمني في الوقت الذي يدعون أنهم أحرص على الدعوة من غيرهم!!
والسؤال المطروح هو: هل تم التحقيق معهم من قبل أي جهة إخوانية؟ وما نتائج التحقيق؟ وما هي الدروس المستفادة؟ وأعجب من ذاك أن مجموعة سلسبيل مضت في مخططها فور خروجها من الحبس الاحتياطي وكأن شيئا لم يكن؟!

الإبعاد إلى النقابات وما ترتب عليه:

في الوقت الذي كان التنظيم السري يرتب الأمور لنفسه بطريقة متسرعة في الأحياء والمدن، كانت هناك خطوات تتخذ لوقف نشاط الأقسام الناجحة في الجماعة بحجة أنها تقدم للمجتمع قيادات غير راضية عن تصرفات النظام الخاص، وكان أقوى هذه الأقسام قسم الطلاب، فلقد نجح القسم في العمل من خلال الاتحادات الرسمية في كافة الجامعات بغير استثناء حتى الجامعة الأمريكية استطاع الأخ عصام سلطان (المحامي)، أن يكون فيها مجموعة عمل جيدة.
وعلى مستوى نوادي هيئة التدريس فقد صارت كل مجالسها من الإخوان تقريبا، كما كان قسم الطلاب هو المصدر الرئيسي للإخوان الجدد بغير منازع، وأدخل هذا القسم منذ عام 1982 وحتى سلبته مجموعة الخاص عام 1988 آلاف من الشباب في جماعة الإخوان.

انقلاب مهدي عاكف في قسم الطلبة:

كان من الطبيعي أن يكون العاملون في قسم الطلاب ولكن حدث العكس، ففي اجتماع عقد في بيتي بمدينة نصر حضر (محمد مهدي عاكف) برفقة (عبد المنعم أبو الفتوح) وأخبرنا أنه سيتولى رئاسة القسم بقرار من مكتب الإرشاد، وما لم تكن هناك كالعادة أسباب مقنعة، فقد استخدموا سياسة الركل إلى أعلى.
واستطرد (محمد مهدي عاكف)، سيكون عبد المنعم مسئولا عن قسم النقابات المهنية.وكالعادة لم يترك فرصة للنقاش وانصرف بحجة أنه مسافر، ولفنا غم وهم كبيرين، كنا نحس من خلال مواقف كثيرة أن شيئا ما يدبر بليل ولكننا أمرنا بإحسان الظن.
ولم يطل الانتظار ففي الاجتماع التالي وكان في بيتي كذلك قال (محمد مهدي عاكف) بصفته رئيس القسم:
(أنا عارف أنكم عاملين رديف لكل واحد فيكم يا ريت يحضروا معاكم الاجتماع القادم)، وحضر معنا الرديف في الاجتماع الثالث، وفي الاجتماع الرابع وجدتني وحدي مع الرديف من القسم وهو يقول (رئيس القسم مكاني سيكون د. رشاد البيومي وسيدعوكم للاجتماع به قريبا)؛
بذلك قطعت رأس قسم الطلاب وفصلت عن جسده وصاروا به في توجهات جديدة ظهر آخرها في استعراض الأزهر المشهور وفي الملصق الذي غطى حوائط الجامعات وسبب المتاعب للطلبة وللجامعة وإدارتها ومنطوقة (طلاب الإخوان المسلمين)، وانتهى القسم إلى خارج الاتحادات وانتقل عمله إلى كشك على رصيف الجامعة أطلقوا عليه (الاتحاد الموازي) ..

قسم الطلبة في قبضة النظام الخاص:

ومن الجدير بالذكر توضيح ماذا حدث معي شخصيا بوصفي الوحيد الذي تركوه بعض الوقت من قيادة قسم الطلاب الأساسية، طلب مني الحاج مصطفي مشهور وبحكم المعرفة القديمة والراسخة بيننا أن أستمر في قسم الطلبة مسئولا عن أعضاء هيئة التدريس ولكن تحت رئاسة (محمود عزت)
وقلت له: يا عم الحاج تكفي رئاسة (رشاد البيومي)، ولماذا رئاسة أخرى وسيطة، فقال (اعتبره الأصل وأنت مساعده) فقلت منفعلا المفروض يا عم الحاج أن يكون لي مساعد إن أردتم ذلك لأنني أعمل في هذه المهمة لأكثر من خمس سنين، ثم إنني بصراحة لم أعد أثق في محمود عزت منذ أن تركني وحدي وسافر والمحنة على أشدها عقب أحداث المنصة، تغير وجه الحاج مصطفى وأحسست أنه أخذ الكلام على نفسه وقال:عموما فكر في الموضوع وأنت حر.
كان هذا آخر عهدي بقسم الطلاب وبالرغم من عدم صدور قرار واضح في اللقاء فلم أدع لحضور الاجتماعات من رئيس القسم الجديد حتى اليوم ومنذ عام 1989، وخلال أعوام أربعة بعد ذلك تركت مفتاح مكتبي (المركز العلمي للبحوث والدراسات) بمدينة نصر للأخ الدكتور (محمود أبو زيد) بطب القصر العيني وكثيرا ما كان يعقد اجتماعات متعلقة بقسم الطلاب في مكتبي وأنا أسكن فوقه مباشرة دون دعوتي للاجتماع، ومع ذلك فقد كنت أستريح كثيرا لموقفي هذا، كما أن ثقتي في محمود أبو زيد لم تتغير حتى اليوم.
خلال عام 1988 بدأت أتردد على نقابة المهن العلمية وأدرس القوانين المنظمة لها وأجمع المعلومات حول مجلسها وتاريخها، والحمد لله كان تاريخها مشرفا ومشجعا للعمل ضمن مجلسها مهما بدى عليه من ضعف في الأداء، وسريعا أبلغني عبد المنعم بوصفه رئيس قسم المهن بأن أنتقل إلى قسم المهن لأتحمل المسؤولية عن العلميين ونقابتهم وكان، واستمر العمل بنقابة العلميين حتى كانت قضية محاكمة المهنيين العسكرية عام 1995، وهي المحاكمات التي استغلها التنظيم السري لينقض على موقعي بالنقابة ويسلمه لأحد المتعاونين معه ويدعى أحمد حشاد ويعمل باحثا بهيئة المواد النووية.

الإخوان والنقابات:

تكفي هنا الإشارة إلى أن جميع قيادات قسم الطلاب تم إبعادهم إلى قسم المهن والنقابات بالإخوان ووجدنا أنفسنا نحن الفريق المتكامل مرة ثانية في قسم واحد جديد (عبد المنعم أبو الفتوح، السيد عبد الستار، أنور شحاتة، أبو العلا ماضي، محمد عبد اللطيف، صلاح عبد الكريم، حسام حسين)

وممثل لكل مهنة على النحو التالي: "حسب ذاكرتي"

الزراعيين: د. توفيق مسلم (المعلمين: أ. علي لبيب، الأطباء عبد المنعم أبو الفتوح، العلميين: السيد عبد الستار، الصيادلة تغيروا كثيرا، أطباء أسنان: تغيروا كثيرا، المحامين: مختار نوح، الصحفيين: محمد عبد القدوس، الإعلاميين: بدر محمد بدر، المهندسين: محمد علي بشر) وأصبحنا الفريق الذي أوكل إليه أخونة النقابات المهنية.

لم يكن ذلك تكريما من التنظيم السري المتربص بإخوانه والمصر على أن يقبض على مقاليد كل شيء ولكن فلسفتهم كانت تقوم على اعتبار قسم الطلاب من أهم الأقسام التي تشكل شخصية الفرد في المستقبل؛
وأن بقاءنا في قسم الطلاب معناه استمرار إدخال عناصر جديدة تفهم وتعمل على طريقة الإخوان المسلمين وليس على نمط السريين، ومن هنا وجب إبعادنا ثم دفننا في النقابات المهنية بوصفها بيئة شاقة أو أشغال شاقة، وكذلك فإن عادتهم القديمة هي الافتئات والسطو على مجهودات الآخرين وسلب ما تم تعميره وتشجيره من الأرض ودفع غيرهم إلى أرض صحراوية أخرى ولكن خاب ظنهم وطاش سهمهم وندموا كثيرا على ما فعلوا؛
ففي غضون عامين أصبحت النقابات المهنية أعلى صوت إخواني في مصر، وسمعت الدنيا كلها بالنقابات المهنية في مصر واستطاع فريق المبعدين أن يحقق بفضل الله تقدما ملموسا في حركة النقابات المهنية على كافة الأصعدة، وارتج لما حدث نظام الحكم فأصدر القانون 100/ لسنة 93 ليوقف زحفنا وما استطاع فكانت قضية النقابات المهنية عام 1995 وساقونا للمحاكمات العسكرية مع آخرين، وبذلك تراجع النشاط في النقابات المهنية؛
كما أن أعضاء النظام الخاص وجدوها فرصة ونحن وراء القضبان فأكملوا عمل النظام وملأوا مواقعنا بعناصرهم بعدما زودوهم بأسلحة فتاكة من الكراهية لأشخاصنا حتى يكونوا لنا بالمرصاد عند انقضاء فترة حبسنا.

أول انتخابات داخلية والترتيب لها ونهايتها:

ظل هذا الفريق السري من الإخوان يشعر أنه غريب في أوساط الجيل الإخواني الجديد وأن القيادة الطبيعية للجيل جلها ممن قادوا العمل الطلابي في السبعينات، وعلى الرغم من طيبة قلوب هذا الجيل وخلوه من ضغائن الماضي وطهارته من أدران الصراعات الداخلية القديمة
فلم يرق لفريق النظام الخاص أن يلتزم بخط الإخوان الجديد المعلن وهو توريث الدعوة بنقائها وطهارتها والإبقاء على جيل الصحوة في المقدمة وإحسان توجيهه وإبعاده عن الشقاق والنفاق وسوء العلاقات التنظيمية التي لوثت سمعة الإخوان في الأربعينيات الخمسينيات الستينيات، وبدأ هذا الفريق يستغل توجهات الجيل في تولي المسئوليات بالانتخابات فقرر أن تكون الانتخابات هي الوسيلة التي تحقق لهم مشروعية التحكم في الإخوان فماذا حدث؟
في سرية تامة وخلال ثلاث سنوات وهم يغيرون في البنية التصويتية بالقاهرة وغيرها ويغيرون الدوائر الجغرافية وينقلون الحدود من مكان إلى مكان وينقلون أفرادهم من محافظة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى وبأي سبب، وفجأة بدءوا العملية الانتخابية على النحو التالي:

يأتيك واحد من إخوان الحي وبيده ورقة استدعاء (نفس طريقة المباحث) مكتوب على الورقة (اجتماع الشعبة الليلة في منزل فلان والساعة كذا) ويعرض عليك الورقة على الباب ثم يضعها في جيبه ويفر هاربا دونما أن يعطيك فرصة للسؤال عن أي شيء ولا حتى سبب الاجتماع؛

في المكان تدخل فتجد معجنة بشرية يتصاعد منها لهيب حرارة الأنفاس، ستون شخصا في مساحة مخصصة لخمسة أو عشرة، المنظر كأننا معتقلين في سجن مهين، خليط لا تعرف معظمه ولا من أين أتوا وبعد دقائق يوزع على الحاضرين ورقة وقلم رصاص مبري؛
ويقول أحد الحاضرين مطلوب اختيار عدد كذا لمجلس الشوري وعدد كذا لمجلس المنطقة وأمامك دقيقة واحدة وتسلم الورقة، وقبل أن تمر دقيقته يبدأ الأستاذ في جمع الأوراق ويأخذ معه فردين آخرين وينتحيان إلى غرفة جانبية وبعد دقائق يخرجون علينا ويقولون النتيجة، انتهى الاجتماع متشكرين عظم الله أجركم، فيحمل كل واحد بلغته تحت إبطه مخافة إحداث صوت على السلم ويعود من حيث أتى.
وهناك تسأله زوجته: مالك يا راجل مسهم كده كان مصيبة وقعت على راسك؟ وهو يشير لها صه صه هذا أمر قالوا لنا في شأنه ولا تحدث به نفسك بعد اليوم.

مصطفي مشهور يسقط في انتخابات مجلس الشوري:

وهكذا تمت أول انتخابات إخوانية منذ عام 1948 فماذا كانت النتائج، كانت مصيبة على رأس السريين، فقد أسفرت عن مجلس شورى غالبيته من جيل السبعينات، وكان من نتائجها الفجة الكريهة أنا الحاج مصطفي مشهور نفسه الذي أشرف على إعداد الأمور كلها رسب في انتخابات القاعدة في شعبته، وأجريت محاكمة للمتهم بتدبير ذلك، ولا أعرف كيف سويت المسألة بالضبط لكن الذي أتيقن منه أنها أثرت بعمق في نفس الحاج مصطفي مشهور وزادت من حدته وتخوفاته.

انتخابات أول وآخر إرشاد:

بنفس طريقة الانتخابات السابقة جرت انتخابات مكتب الإرشاد فقد دعينا عدة مرات وألغي الموعد ثم دعينا واجتمعنا بالمقر الرئيسي في 1 شارع التوفيقية صباح الخميس 17 يناير 1995، وهناك توالت المفاجآت، مجلس الشوري المكون من 85 عضوا أضيف عليه بالتعيين 30 عضوا، معظم الإخوان السريين في حالة توتر أو توجس، تشعر من حركتهم وتجهمهم وكأننا مقدمون على حرب أو في ساحة القتال ...
أي حاجة غير الحب في الله، كانت التعاملات والملامح والتعليقات كلها تقول:اليوم يوم الملحمة، وأجريت الانتخابات بعد كلمة طلبها عصام العريان ولمدة خمس دقائق وكان خلفي رشاد البيومي يقول بصوت مسموع لسيد نزيلي ومتهكما على عصام:(حضرته لازم يتكلم ويخطب في كل اجتماع) وانتهت الانتخابات وأعيدت على المقعد الأخير بين محمود عزت وخيرت الشاطر.
لم تكن النتائج مغايرة لتوقعاتي فعن نفسي كنت أعتبر مكتب الإرشاد بمثابة لجنة حكماء وحتى هذه الانتخابات وما قبلها لم أحاول مرة مطالعة اللائحة ولم يشغلني يوما ما فعلوه، لقد كنت من المستغرقين للنخاع في القيام بواجباتي التنظيمية وهي المقدمة على ما عداها؛
ولم يكن هناك سوى مفاجأة واحدة غير منطقية وهي فوز سكرتير الأستاذ عمر التلمساني اللواء إبراهيم شرف بمقعد في مكتب الإرشاد، حيرتني كثيرا هذه الواقعة لأنني أعرف أنه مجرد سكرتير من الإخوان، ثم كانت المفاجأة أنه ضابط جيش وأنه على رتبة عقيد.
كان بيننا اتفاقات مشددة بعدم ضم الضباط لتنظيم الإخوان لغرضين الأول مخافة الاختراق المخابراتي، والثاني لأن هذا يزيد من تخوفات الدولة فالضباط وظيفتهم الحرب وليس الدعوة، وما زلت حتى اليوم أعتبر وجود الأخ إبراهيم شرف في مكتب الإرشاد نموذجا توضيحيا لطريقة تفكير مجموعة التنظيم السري الخرقاء.
ثم ماذا بعد:
لم يجتمع مجلس الشوري من يومها ولا مرة واحدة وكأن مهمته انتهت بانتخاب مكتب الإرشاد، ومن ناحية الواقع لم يعد له أي دور في الجماعة حتى القرار الوحيد وهو ضرورة السير في الإجراءات القانونية لإشهار حزب سياسي يمثل الإخوان، اعتبره مكتب الإرشاد غير ملزم وواقعيا وبعد مضي 13 عام لم يتقدموا خطوة واحدة نحو لجنة الأحزاب، أو نحو أي صيغة أخرى لاكتساب المشروعية القانونية.
ومن وجهة نظري المتواضعة فالسبب ليس لجنة الأحزاب ولا الأوضاع الأمنية فهذه نتائج وليست أسباب ولكن السبب الرئيسي أن إخوان النظام الخاص السري لا يستطيعون العمل في ظل أي قانون، أو لائحة إنهم أمة همجية بمفهوم الدولة الحديثة يرفضون القانون أو العهد أو الدستور أو اللائحة أو العدالة ... كل هذه المعاني تمثل أعداء بالنسبة لهم.
وأعتقد أن أية أوضاع قانونية سليمة داخلية أو تشريعية سوف تنهي دورهم واسأل التاريخ عنهم تنجي لك الحقيقة، فهذا حسن البنا يسيل دمه على الإسفلت والسبب الحقيقي جرائم القتل التي ارتكبوها بغير مشورته، وهذا حسن الهضيبي محاصر في بيته ثم مخبأ في مكان غير معروف والسبب تصرفات التنظيم الخاص وهؤلاء هم الإخوان المسلمون معلقون كالذبائح في ساحات السجن الحربي والسبب إقدام التنظيم الخاص على محاولة قتل جمال عبد الناصر باعترافاتهم هم وليس الحكومة، وهذا جهد التلمساني وفريق العاملين معه في مهب الريح والسبب هم هم أعضاء النظام الخاص؛
سيقول البسطاء من الإخوان كيف تقول ذلك وكان معهم ابن البنا وابن الهضيبي، وأقول: إن هذا جزء من سياسة الخداع للإخوان فمن المعروف أن الأستاذين المحترمين سيف الإسلام حسن البنا ومأمون حسن الهضيبي لم يكونا يوما مع من عكروا حياة أبويهم ولكن سياسة (حلق حوش) التي يمارسها أرباب النظام الخاص رأت ضرورة احتجازهما رهينة لدى النظام الخاص بأي ثمن والوسيلة إغرائهم بكراسي كبيرة يتوسدونها حتى لا ينضموا لأي فريق إخواني آخر فيكتسب بهم شرعية تاريخية؛
ولكن من حيث الواقع ليس لسيف الإسلام أي دور في سياسة التنظيم وأخيرا صرح عاكف في الصحف معلقا على ما أسماه انتخابات مكتب الإرشاد التي لم يفز فيها سيف الإسلام (الإخوان مش عايزينه) وهو يطلق كلمة الإخوان خداعا ولكن الواقع يعني إخوان النظام الخاص السري، وأما المرحوم مأمون الهضيبي فقد فعلوا به ما فعلوه بأبيه وأدخلوه على تنظيم لا يعرف عنه شيء وملأوا أذنه نارا تجاه من خالفهم في الرأي، وكثيرا ما كان يصاب بالغثيان الحقيقي عندما يلتقي ببعضنا فيكتشف أننا إخوان مسلمين عاديين جدا، وقد حدث هذا معي شخصيا ولذلك تفاصيل في باب الرسائل الإصلاحية.
وأما كون هذا آخر مكتب إرشاد فلأن الحاج مصطفي مشهور فور توليه القيادة بمظاهرة (بيعة المقابر) ألغى معظم نتائج الانتخابات وانقلب عليها وجمد مجلس الشوري واتبع سياسة التعيين في المواقع التي تخلو في مكتب الإرشاد أو غيره.

قضية 1995 وما ترتب عليها:

لم يمض يوما واحدا على انتخابات مكتب الإرشاد حتى بدأت عملية اعتقال مجلس الشوري بعدما تم تسجيله صوت وصورة، جرت عملية الاعتقالات على دفعات خلال عام 1995 وكان آخر مجموعة 9 أكتوبر من نفس العام واكتمل عددنا 82 متهم وقسمتنا الداخلية على رقمين لقضيتين 9، 11/ 95 عسكرية عليا ثم أضيفت علينا قضية 13/ 95 بها متهمين اثنين واحد خارج البلاد وواحد مقبوض عليه ... جرت المحاكمات بسرعة بالغة وصدرت أحكام على 54 والباقي براءة.
بدأنا في سجن مزرعة طره حتى صدور الأحكام وبعدها بأسبوع نقلنا إلى سجن ملحق طره، ومع أن الأمر يحتاج لمؤلف خاص ولكن الذي يهمنا هو مواقف فريق التنظيم السري مع إخوانهم في السجن (بالله عليك عزيزي القارئ خبرني: نروح فين بعد السجن حتى يؤمن هؤلاء بأننا إخوانهم وشركاؤهم في جماعة الإخوان؟!)؛
بدأ محمود عزت ومحمد الصروي يكتبا تقارير سرية حول الإخوان بالسجن ويرسلاها إلى الحاج مصطفي مشهور في الخارج عن طريق الزوجات الزائرات.

عندما أراد أن ننظم السجن ونعين مسئولا بالانتخابات رفض المساجين من أعضاء مكتب الإرشاد أن يدخلوا ضمن عملية التصويت وقالوا مخالفين لائحة الجماعة (نحن أعضاء مكتب الإرشاد بره وجوه) ووصل الأمر بمحمود عزت أن يفتح خطاب شخصي مرسل من أحد الإخوان لزوجته في الخارج ليتجسس عليه ويعرف ماذا يقول لزوجته، وكان يوما أسود من قرون الخروب بين الإخوان بعضهم وبعض لأن صاحب الرسالة أخبرته زوجته أن الخطاب وصلها مفتوحا وكاد صاحب الرسالة أن يقتل من فتح الخطاب كما كاد أن يموت هو من الصدمة النفسية والتوتر والتشنج.

عندما جاء دوري بحكم نتائج الانتخابات في تسلم إدارة السجن لمدة ثلاث شهور، تكاتفوا ليفسدوا كل عمل أقوم به ليثبتوا أنني غير قادر على الإدارة، وبلغ العراك معهم مبلغا عظيما ونكدوا علينا العيشة حتى في يوم العيد، ثم كانت واقعة الخريطة التي كشفت عقائدهم الكامنة في أعماق عقولهم وقلوبهم، فقد صنعت خريطة مجسمة مصر بغرض تذكير الإخوان المساجين بوطنهم الذي حرموا من الحركة بين جنباته، وحتى لا ينسوا معالمه بطول فترة الحبس؛

فقال أحدهم (هذا صنم يجب إزالته) ومنعوا أنصارهم من مساعدتي في إتمام القاعدة الخرسانية المخصصة للخريطة، لكنني مضيت وأتممت المشروع، وكان له أثر إيجابي في نفوس أولادنا أثناء الزيارة، لم نعقد حلقة دراسية أو علمية إلا حولوها نكد في نكد أو حرضوا الإخوان على مقاطعتها، حتى حلقة علوم القرآن من كتاب الشيخ مناع قطان حاولوا إفشالها.

كان أحدهم يقول ممنوع أي شيء سوى حفظ القرآن وبطريقة (سيدنا) وادعى أنه أخبر الناس بطريقة سيدنا، وهكذا صارت الأيام معهم ثقيلة وكئيبة وجمعوا علينا هم السجن وهم الخلافات والشحناء في معظم الأيام.

وفي الشهور الستة الأخيرة أصروا ونحن مغلق علينا في سجن مساحته لا تتجاوز ألف متر مربع أن يقسموا الإخوان إلى أسر؟! وعينوا على كل أسرة نقيب (لاحظ أننا قيادات الإخوان المسجونة بحكم محكمة عسكرية) والهدف هو تشديد الرقابة على حوارات الإخوان وكتابة تقارير حول ما يتداولونه من قضايا وأفكار.

للعلم والتاريخ:

قائمة المحكوم عليهم في القضية 8 والقضية 11 – لسنة 1995 (أحد عشر من القاهرة والجيزة وهم: صبيح على صبيح صاحب شركة نسيج – السيد عبد الستار المليجي أستاذ بكلية العلوم الإسماعيليةحسن الجمل صاحب شركة فراشة بالمنيل – عبد المنعم أبو الفتوح طبيب – عصام العريان طبيب – رشاد نجم وكيل وزارة التموين على المعاش – محي الزايط طبيب – محمد سعد عليوة طبيب – محمد الصروي مهندس بشكل أبو زعبل – وسيد نزيلي موظف بالشئون – محمود عزت أستاذ بطب الزقازيق – وأحد عشر من الإسكندرية: إبراهيم الزعفراني طبيب – ومحمد حسين موظف – والسيد مصطفى سمك طبيب – وجمال ماضيمصطفى حلمي كيميائي بشركة الدخان – وفهمي عامر موظف بشركة سياحة – وأسامة مسعد مهندس زراعي – ومحمد شحاتةعبد العزيز زويل موظف بنقابة أطباء الإسكندريةطلعت فهمي مدرس – حامد المداح أصغرنا سنا 31 سنة والوحيد العازب ويعمل موظف بمستوصف للإخوان.

ومن بقية المحافظات: محمد خيرت الشاطر من المنصورة ويعمل مدير شركة حاسبات – عاشور غانم موظف من المنوفيةأحمد محمود مهندس من السويسبشير العبد مدرس من العريش – علي عز الدين ثابت أستاذ بطب أسيوطأمين سعد مدرس بالشرقيةمحسن القويعي مهندس زراعي بدمنهور – محمد سويدان مدرس ابتدائي بدمنهور – جمال بطيشة مهندس من دمنهور – طلعت الشناوي مدرس بسنفا دقهلية – د. علي عمران باحث بمركز البحوث الزراعية بالمنيامحمود بسيوني مهندس بطوخ قليوبية – محمود الكيال موجه بالتعليم من سمالوط المنيامحسن راضي صاحب شركة دعاية وإعلام في بنها – أنور شحاتة طبيب من شبين منوفية – محمد فؤاد عبد المجيد طبيب من كفر الشيخمحمود حسين فلسطيني وأستاذ في هندسة أسيوط، رزق عبد الرشيد مهندس من منوف – عبد الخالق الشريف محاسب من بني سويفعلى الداي طبيب عيون من دمياطمحمد فرج مهندس دواجن من بورسعيدنبيل عزام مدرس وخطاط من بورسعيد – الحاج حلمي مصطفى حمود كبير الإخوان في بورسعيد وتاجر أقمشة – محمد طه وهدان أستاذ مساعد بزراعة الإسماعيليةمحمد القصبي مدرس بمدرسة الإخوان بطنطاعلي متولي مدرس بالشرقيةمحمد العريشي محاسب بالشرقيةمحمد السيد حبيب أستاذ بعلوم أسيوط محمد عبد الغني طبي بالزقازيقأحمد فرج مدرس بالفيومعيسى عبد العليم موجه بسوهاج) ولحق بهم في القضية 13/95 عبد الوهاب شرف الدين صاحب شركات خدمات بحرية بالسويس

ولحق بهم من قضية حزب الوسط كل من: محمد مهدي عاكف موجه تربية رياضية على المعاش – ومحمد بدوي موجه بالتعليم على المعاش – مصطفى الغنيمي طبيب بطنطا – والأستاذ الدكتور المحترم محمود العريني أستاذ بزراعة عين شمس على المعاش – وعبد الحميد الغزالي أستاذ بالاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرةوحسن جودة موجه بالتعليم على المعاش – ومحمود أبو رية موظف بجامعة الدول العربية على المعاش ومن المنصورة).

قضية حزب الوسط ومن وراءها:

كانت قضية حزب الوسط وما جرى حولها من نقاشات كالقشة التي قصمت ظهر البعير، تصورت في البداية أن التشاتم بين الإخوان في الخارج على صفحات الجرائد كان مجرد خطة إعلامية لتوافق الحكومة على الحزب؛

ولكن اتضح أن المصيبة جلل والفتنة عارمة، بدا أرباب التنظيم السري منفعلين وراحوا يكيلون الشتائم لوكيل المؤسسين ومن معه، حاولت وقف نزيف الأخوة والحب في الله والعيش والملح ولكنهم استمروا في غرس أظافرهم في قلوبنا، أعددت محاضرة لساعتين مزودة بما استطعت من وسائل الإيضاح لأثبت في نهايتها أن الإخوان القائمين على الحزب صادقون في مسعاهم ومحبون لجماعتهم وأن أفضالهم كثيرة ولا ينبغي الهجوم عليهم من خلال معلومات من الجرائد، ولكن لم يستطع كل ماء الإخوة الذي بذلناه لهم أن يطفئ نار العداوة في نفوسهم، وانتهى الموضوع إلى قطيعة بين الإخوان.

تقاطرت التقارير على المتربصين بنا وحدثت اجتماعات وبانت العداوات التي كانت مستورة حتى مع زوجتي وأنا وراء القضبان بقضية الإخوان قالوا لها تنقلين أفكر زوجك للأخوات، وتعاملوا معها بغير ما يجب، وعندما خرجت قابلني الحاج مصطفي مشهور بوجه متغير وسألني عما سمعه عن وجهة نظري في قضية حزب الوسط أو محرقة حزب الوسط التي أججوها للإخوان؛

وقلت له كلاما مختصرا جدا حتى لا أفسد الجلسة الأولى ومجمله (ما رأيته في الموضوع هو ما سوف أقوله لله يوم القيامة لأنه حدود علمي وأنا مسئول أمام الله عما أعلم ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها)، طلب مني أن ألتقي في اليوم التالي بمكتب الإرشاد وذهبت والتقيت وأعدت كلامي أمامهم كما هو، رأيت في عيونهم الكثير من الغضب وسوء التقدير، تركت المكان وانصرفت بعدما أخبرتهم بأنني باق في الإخوان ومنتظر التكليف وأنني في بيتي حتى تجدون العمل المناسب لي بالجماعة.

زارني من الإخوان في بيتي من أعتز بأخوته وهو الأخ عبد الرحمن سعودي وأخبرني أنه علم بوجهات نظري قبل خروجي من السجن، ونصحني قائلا إخوانك في مكتب الإرشاد تحديدا وهذه نصيحتي لا يتحملون أي حوار في هذا الموضوع.

الانكماش التنظيمي والعودة إلى رفقاء الزنازين:

تواصلت مع الإخوان أزورهم وأطمئن على أحوالهم، فإذا بالوجوه تغيرت والمواقع تبدلت كل شيء قد تغير وتبدل، تأكدت أن المؤامرة قد اكتملت وأن التنظيم الخاص السري قد هدم كل ما بنيناه لا لفائدة ترجى ولكن فقط لتكون أمة هي أربى من أمة؛

وتذكرت قول الله تعالى (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة) (النحل: 92) كل المواقع تم احتلالها بأحد الرفقاء المساجين سابقا أو الهاربين الخلايجة أو المتسعودين أو مندوبيهم؛

حتى الذين عاشوا لأكثر من خمسين سنة بالخارج جاءوا ليأخذوا غنيمتهم من المناصب الفانية، وقيل لهم زورا وبهتانا (والله خير الشاهدين) أن جيل السبعينيات يوشك أن يستولي على قيادة الصحوة الإسلامية، فرصتنا اليوم وقيادتهم وراء القضبان أن نعيد القيادة المفقودة والسلطان القديم، هلموا إلى قصعتكم قبل فوات الأوان، وقد كان ...، وراح الإخوان يأكل بعضهم بعضا عيانا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لقد كانت هناك مشكلة حقيقية يمكن أن تشق الإخوان شقا عندما هجموا على قسم الطلاب في منتصف الثمانينات وأشاعوا حوله أكاذيب كثيرة، ولكن قيادات القسم من جيل السبعينيات كانت أعقل من الكبار وبالصبر والمثابرة طوقنا الفتنة وكظمنا غيظنا وعفونا عن إخواننا وانصرفنا بكل ما نملك من جهد نحو النقابات المهنية كما أرادوا حتى أصبحت الأعلى صوتا في مصر.

وكان هناك مشكلة قاصمة يمكن أن تحدث لو حققنا فيما جرى لمجلس الشوري المنتخب في التسعينيات من حيث زيادة آخرين عليه والكذب أن ثمة لائحة تسمح بذلك، وعندما همش دوره حيث لم يجتمع سوى ليأتي بمن أرادوا ثم ألغي تماما بدون مبرر مقبول، ولكننا صبرنا واحتسبنا الأمر عند الله وطوقنا الفتنة وكظمنا غيظنا وعفونا عن إخواننا.

ثم كانت مشكلة حزب الوسط ونحن وراء القضبان فلم يتخلق من بيدهم الأمر بما يجب أن تكون عليه جماعة المسلمين، وسعى الشيطان بينهم وركب على أكتافهم وأغراهم بالسوء فحولوا الجماعة إلى ساحة حرب وجيشوا الجيوش ضد إخوانهم بحزب الوسط واشتعلت الفتنة هنا وهناك، ونقلوا إلينا كل سوءاتهم لتلاحقنا وراء القضبان، ولأن صبر الإنسان له حدود فإن مؤسسي الحزب رأوا أنه لم يعد ثمة سعة في النفوس وأن التنظيم السري يصر على إيذاء الإخوان والسير بهم في متاهاته القديمة السوداء ولم يجدوا بدا من الاستمرار في المشروع الذي أوصى به مجلس شورى الجماعة.

إن طريقة التنظيم السري القديمة هي هي، يكيل لك الضربات في الظلام بالمكر والخديعة والمقالب والدسائس ويشوه سمعة الإخوان في عيون بعضهم ويوغر صدورهم فإذا تحدثت مشيرا إلى مصادر التخريب قالوا: ألم نقل لكم إن هؤلاء كذا وكذا! وأنهم يفضحون الجماعة!

ولماذا لا يكون النصح داخليا؟ والجماعة لا تدري لسنين طويلة كم عانينا من هؤلاء وكم تحاورنا معهم وكم قاومنا غرورهم وشرورهم، وتحسب الجماعة أن الأمر وليد الساعة، نحن ندرك من نهاية الثمانينات أننا مقبلون على خطر الوقوع في براثن السريين ولكننا تريثنا طويلا في إعلان ذلك حتى أصبح هذا التأخير في البلاغ مما نعاتب عليه اليوم.

ضرب الحصار حول قيادات السبعينيات:

عقب هزيمة يونيو 1967، انتفضت مصر متجهة إلى الله فيما سمي بالصحوة الإسلامية كان على رأس هذه الصحوة علماء أجلاء وقادة ودعاة، وحولهم كوكبة من الشباب المقبل على الله، من هؤلاء العلماء نذكر، عبد الحميد كشك خطيب عين الحياة وإمام أكبر صلاة جمعة في العالم أجمع، ومحمد الغزالي السقا أفضل خطباء الأوقاف في ذلك الوقت، وسيد سابق صاحب كتاب فقه السنة، وعبد اللطيف المشتهري رئيس الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وجميل غازي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، والشيخ حافظ سلامة مؤسس مسجد النور بالعباسية، والشيخ إبراهيم عزت إمام التبليغ والدعوة وسليمان ربيع مؤسس جمعية الخلفاء الراشدين، ومن الشباب الذي استجاب وأقبل وعمل تحت قيادتهم مئات بل آلاف، ومثل هؤلاء في المحافظات أمثال الشيخ أحمد المحلاوي في الإسكندرية.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: أين هذا الجيل من قيادة الحركة الإسلامية، ومن الذي نحاهم وحلل محلهم، وكيف تم ذلك؟ لقد كان الشاغل الأعظم للسريين دائما أن يذكر لنا عيوب لهؤلاء الدعاة ويعتبرهم جبناء وجهلاء بالدين حتى لا يفكر أحد في الاقتراب منهم أو السير في ركابهم أو الرجوع إليهم في أي أمر من الأمور، لقد ارتكب التنظيم الخاص السري عملية إقصاء عنصرية بأساليب متنوعة حتى وضع نفسه في مكان المؤسسين من العلماء والشباب وراح يدعي لنفسه تاريخا في الحركة الإسلامية المعاصرة التي صادر جهود أبنائها لخدمة أهدافه الخاصة، ووضع شباكه في طريق الصحوة حتى استولى على محصولها من الرجال.

ومن المفيد هنا أن يعرف الجميع أن الوقت الذي بدأنا فيه تكوين تنظيم للإخوان كان المتفق عليه هو شعار (توريث الدعوة) بمعنى نقل خبرة الإخوان التاريخية للجيل الجديد ومساعدته على تفادي الأخطاء التي وقع فيها الإخوان تاريخيا؛

وكذلك تحذير الجيل الجديد من الفكر التكفيري الذي يبدأ بتكفير الحكام ثم ينسحب على المعاونين لهم ثم يتوسع فيشمل كل من هو خارج التنظيم السري، والتحذير الشديد من استخدام العنف المسلح كوسيلة للتغيير السياسي، ولكن ما إن اخضرت الأرض ونما زرعها الإسلامي الجديد حتى هجم عليها السريون فصادروها لأغراضهم وغيروا سماتها بدهان زائف ثم وضعوا خفراءهم على مداخلها.

تجربتي الشخصية مع السريين:

قد يكون ما حدث معي شخصيا نموذجا لما حدث مع الآخرين ولكنني آثرت أن أكتب عمما وقع لي توخيا لصدق الرواية والشهادة، فما أستشهد به أحداثا وقعت لي ومعي، وليست منقولة عن آخرين.

الحصار في النقابة وعدوانية التنظيم السري:

بعض الإخوان يتصور أن استبدال شخص بشخص في موقع نقابي حق مطلق للتنظيم السري للإخوان دون مراعاة حقوق أعضاء النقابة، أو اعتبار النقابات بمثابة امتداد تنظيمي للجماعة أو شعبة من شعبها، ومع اعتراضي المعلن على هذا الفهم ومقاومتي المستمرة لتبقي النقابات المهنية ملك لأعضائها بالتساوي؛

فإن المفترض أن يكون التغيير متعلقا بالكفاءة النقابية وليس لأغراض وصراعات تنظيمية، ولقد ثبت خلال غيابي ثلاث سنين معتقلا بسبب نشاطي الإخواني عامة والنقابي خاصة أن فريق السريين بالنقابة الذي تولى المسئولية قد أفسد معظم ما تم إصلاحه فيها؛

وعندما خرجت من السجن وجدت هذا الفريق قد ألغى أهم مشروعات النقابة وهو مشروع تكافل العلميين، كان حجم المال الذي توفر له أربعة ملايين جنيه، وعجز كبير السريين بالنقابة د. رشاد البيومي عن الاستمرار في المشروع أو استثمار المال للأعضاء في شكل قانوني آخر من أشكال الشركات على كثرتها، فصفوا المشروع وأعدموه وما تزال بعض أمواله باقية بغير تصرف حتى اليوم، كما أن جميع النشاطات المتميزة وعلى رأسها مشروع (السلع المعمرة) قد أوقفت لعجزهم عن إدارتها وسقوطهم ضحايا لعمليات نصب من أقرانهم في البزنس ومن آخرين، وأما مشروع المظلة الطبية فلم يتقدم خطوة واحدة للأمام ويمثل وصمة في جبين المشرف عليه لسوء إدارته؛

كما أن هذه الفئة أنهت دور مجلس النقابة ولم يعد يجتمع غير مرة واحدة في العام، وبالجملة عندما قامت لجنة بتقييم عمل هذا الفريق السري كشفت عن قصور فاضح في أدائهم النقابي وقصور مشين في تحمل الأمانة (التقرير سوف ينشر قريبا – ضمن كتاب الإخوان والنقابات)، وعجزوا حتى عن أن يجمعوا المتأخرات وعجزوا عن أن يتقدموا بتعديلات قانونية لمجلس الشعب تعوض النقابة عما فقدته بتوقف تحصيل الدمغات؛

وكما فشلوا في كل ما تقدم فقد فاجأوا الجمعية العمومية المنعقدة في 28/ 12/ 2008 بأنهم أجروا مبنى (دار العلميين) بمدينة نصر لشركة مصنعي الموبيليا الدمياطية وكما باعوا وأفشلوا وفشلوا في كل المشروعات السابقة فقد باعوا شرف المهنة وحولوا (دار العلميين) مخالفة لكل قرارات اللجان وهيئة المكتب والمجالس السابقة إلى دار للنجارين والأسترجية؛

لقد فشلوا في إدارة عمارة من ستة أدوار خالصة للعلميين، وسجل التاريخ أن 35 من القيادات السرية، عجزوا عن إدارة عمارة من ستة أدوار فتركوها للأسترجية والنجارين ليديروها لهم مقابل إيجار يقولون إنه مجزي وهو في الواقع مخزي، والحقيقة أن القيادات التي فعلت ذلك هم جميعا من التنظيم السري وهو الذي يتحمل تبعة هذا الفشل المريع، كل شيء يدل على تراجع وضعف وتهاون في الأمانات، فما معنى إبعاد الكفاءات وتثبيت الفاشلين في مواقع تخص العلميين المصريين؟!

نحن جميعا سمعنا عن الجاسوس الأمريكي على روسيا الذي لم يكن له عمل تخريبي سوى تعيين الفاشلين والاستغناء عن الناجحين، فهل يحوز أن تكون هذه سياسة للمتدينين عندما يمسكون بالسلطة؟

فور خروجي من المعتقل السياسي كابدت مع هؤلاء في النقابة عيشة كئيبة وكلما وصلتهم وحاولت التقرب إليهم فاجأوني بعدوان جديد حتى كان آخر مجلس في 11 – 10 – 2008 (مطعون في صحته أمام القضاء الإداري) ومع أنني غبت عن المجلس لأعطيهم فرصة التصرف بكل حرية ودرءا لأي تصرف يزيد الجفوة لكنهم فاجأوا المجلس بموضوع لم يكن مدرجا بجدول أعماله وهو إعادة انتخاب هيئة المكتب ورشحوا في مكاني أقرب الإخوان العلميين إلى قلبي والغائب عن النقابة معارا للسعودية منذ عشر سنين؛

وقطعوا بذلك صلة الأخوة بيني وبينه بلا رحمة أو تعقل متصفين بكل ما نهى الله عنه (... يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض ...)، إن طبيعة السريين القديمة الجديدة أنهم إذا حكموا أو ملكوا لدغوا لدغات يتصورون أنها مميتة متناسين حكم الله المبرم (... ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ...)

هؤلاء منذ استيلائهم على هيئة المكتب في غيابي لا يعقدون مجلس النقابة إلا مرة واحدة في العام قبل عرض الميزانية على جمعيتهم العمومية وبذلك لا يسمحون لأعضاء مجلس النقابة أن يطلعوا على محاضر مجلسها إلا بعد مرور عام كامل وهي فترة كافية لينسى الأعضاء ما تم في المجلس خوفا من كشف ما بالمحضر من مخالفات لإرادة العلميين، وكم ستكشف الأيام عن مخازي لهؤلاء، إن تجربتنا في العمل النقابي كشفت بوضوح أن الإخوان ليسوا نسيجا واحدا، وأننا أجنحة متباينة لم تتحاور أو تتفاهم مع بعضها بالتي هي أحسن، حتى انطبق علينا قول الشاعر:

(يعاف الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا)

كانت فترة اعتقالي من عام 1995 وحتى عام 1998 بسبب نشاطي النقابي والدعوي فترة عابرة في حياتي، وأشعر أنني نسيتها تماما بعد ترك باب المعتقل بمتر واحد، وفورا توجهت إلى نقابة المهن العلمية عقب خروجي من المعتقل لأمارس عملي أمينا عاما لها كما كنت يوم اعتقالي، لم أفكر لحظة أن أحدا بالمهن العلمية ينكر الدور الذي أدته النقابة طيلة الخمس سنين التي توليت فيها منصب الأمين العام، وكانت المفاجأة أنني وجدت الذي شغل موقعي (د. أحمد حشاد) يرفض ترك منصب الأمين العام ويرفض عودتي إليه، ويواصل قائلا: (الإخوان أمروني بكده)، سألته: أي إخوان تقصد؟ لم يرد.

توجهت للدكتور: رشاد البيومي بوصفه المحرك الأساسي لتصرفات الدكتور أحمد حشاد ولكونه تعين في مكتب الإرشاد ونحن وراء القضبان وسألته صراحة، هل هناك قرار بإبعادي عن هيئة مكتب النقابة؟ فقال لا ولكن الإخوان شايفين إنه يعني مفيش بأس من إنه يكون فيه حاجة يعني ... وبقى وقتا ملموسا لا يجد عبارة مفيدة، تدخلت مقاطعا؛

وقلت: ستكون فضيحة يا دكتور إذا قال الناس إن الحكومة أعادت السيد عبد الستار إلى عمله مكرما فور انتهاء فترة حبسه بينما إخوانه في الله أزاحوه عن مكانه بغير مبرر، لم يرد كعادة أرباب التنظيم السري ...

وواصلت حديثي: إذا كان الأمر كذلك وحتى نخفف من الفضيحة فعلينا أن نستر الموضوع ونخرجه بطريقة إنسانية، واقترحت عليه أن يدعوني ويرحب بي أمينا عاما كما كنت أمام المجلس الذي سوف ينعقد بعد أسبوع وأنا من جانبي سوف أعتذر بحجة انشغالي بأعمالي البحثية التي تأخرت ثلاث سنوات بسبب الحبس، ووافقني على ذلك وانصرفنا، وجاء يوم المجلس وعشت لحظات طيبة مع أعضائه الذين واسوني كثيرا على حبسي وبدأت وقائع الجلسة.

وانتظرت أن يقوم الدكتور ببدء خطوات السيناريو المتفق عليه ولكن كانت المفاجأة عكس ذلك، فيصرح الدكتور المحترم قائلا: نرحب بأخينا الدكتور سيد في مكان الأخ فلان الذي سافر للإعارة ونتمنى له التوفيق مع إخوانه الأمناء المساعدين، ونشكر الدكتور فلان على مجهوداته في موقع الأمين العام ونبارك له استمراره في الموقع.

كان الموقف يمثل لي صدمة جديدة في أشخاص ابيضت منهم الرءوس، وكيف يتصرف بالمخالفة على ما اتفقنا عليه مع أن النتيجة واحدة، ولقد مر على ذلك اليوم عشر سنين والموقف لا يغادر خاطري، لاحظوا معي أن الذي خالف الحل الإنساني عضو عين بمكتب الإرشاد وواحد من التنظيم السري الجديد وهو هو نفس الشخص الذي سعيت إليه بصحبة د. ممدوح الديري عام 1983 في وجود المرحوم عمر التلمساني للمعاونة في نشاط قسم الطلاب بجامعة القاهرة فأبى وقابلنا بجفاء شديد ورفض التعاون معنا بإصرار وتعلل أنه مشغول برسالته للدكتوراه؛

اليوم بعد أن أخضرت الأرض وتثبتت أركان الإخوان بمجلس نقابة المهن العلمية، يدعي ملكيتها لنفسه ويتخذ إجراءات في مواجهة من سبقه بالعمل وبطريقة مذرية، وبدون أسباب معلنة، ويدرك كل من يتصل بالنقابة أن سيادته يشغل منصب وكيل النقابة ومع أهمية ذلك إداريا فلا يأتيها غير مرات معدودة في كل عام، منهم مرة عند انعقاد الجمعية العمومية.

ويعلم الجميع بالنقابة أن فريق التنظيم السري لم يعد له عمل سوى إعاقة عمل السيد عبد الستار وسد منافذ الهواء عليه، فهل هذه تصرفات إسلامية؟ أو حتى إنسانية؟ أو تتصل بأي صلة بأمانة العمل النقابي؟

ولا يتصور القارئ أن المسألة شخصية ترجع لشخصي أو حالة فردية ولكنها نفس حالة الفساد الذي لحقت نقابة المحامين وقصتها منشورة ومشهورة حتى صارت نموذجا للتفسخ الإخواني بسبب سوء إدارة التنظيم السري، واليوم لا يوجد بالنقابة مختار نوح ولا خالد بدوي ولا جمال تاج الدين وهم الثلاثة الأول الذين أوكلنا إليهم تثبيت وجود الإخوان في مجلس نقابة المحامين، وفي الانتخابات الأخيرة تمكنت قائمة الحزب الوطني من كنس فريق التنظيم السري بزعامة طوسون كنسا وأنهى كل شيء ... فهل يعترف السريون مرة واحدة بفشلهم في كل مجال؟

وكذلك الحال في المهندسين والصيادلة والأطباء والتجاريين والزراعيين والصحفيين وسوف أفصل ذلك بمشيئة الله في الكتاب القادم حول الإخوان والنقابات ليرى الجميع أن النقابات مرت بمرحلتين مختلفتين مرحلة ازدهار ثم مرحلة انكسار وتراجع بسبب سياسات التنظيم السري وسيرى الجميع أن التنظيم السري أوجد مشكلة عويصة بكل نقابة من النقابات مما قلل من قدرتها وشل حركتها.

الحصار في الطباعة والنشر:

تأسست دار الطباعة والنشر الإسلامية لتكون مطبعة لكتب الإخوان بالدرجة الأولى، وفرحت كثيرا بتأسيسها ووضعت كل مدخراتي القليلة آن ذاك (800 جنيه) أسهما بها، وعندما حدثت مشكلة توظيف الأموال وهجمت الحكومة على الشركات سارعت بتأليف كتابي الثاني لأوضح الموقف لعموم الناس بصفتي كنت رئيسا لمراقبة الجودة بمصانع وشركات الشريف ومن القريبين من كافة الشركات التي طالتها قرارات نيابة الأموال العامة؛

أوضحت في الكتاب خطورة ما اتخذته الدولة من قرارات وضررها على الاقتصاد المصري وأضفت مع ذلك موقف الحكومة في قضية سلسبيل وموقفها في قضية اغتيال الدكتور فرج فودة المسلم، وكان الكتاب برمته صحيفة اتهام لتصرفات الحكومة وعنوانه (الإسلاميون والإرهابيون) وكل ما فيه يقول إن الحكومة تصرفت في الموضوع بدوافع سياسية وليست اقتصادية، وتوجهت طبعا بكل شجاعة وثبات نحو مطبعتنا الغراء لتطبع الكتاب ..

أخذوا مني الكتاب وطبعوه فورا وغلفوه بالسيلوفان وأرسلوه للتوزيع، وبعد حوالي شهر كلمني موظف بالشركة اسمه حسن وطلب مني زيارتهم، هناك وجدتهم جمعوا الكتاب من السوق وطالبني الموظف باستلام الكمية اليوم وليس غدا (ألفين كتاب تقريبا)، وبعد عدة أيام وجدت بالبريد خطابا يقول (خصمنا ثمن الطباعة من أسهمك بالشركة وباقي عليك مبلغ كذا يرجى المسارعة بسداده)، وحتى اليوم لا أعرف لماذا تصرفوا على هذا النحو المشين لأي دار نشر محترمة.

الكتاب الثاني معهم كان الأول في سلسلة تحت عنوان (النصر أو الشهادة) وفكرتها كانت اختيار شخصية نموذجية معاصرة في كل مؤسسة وتقديمها في كتاب لتكون قدوة للجيل، ووقع اختياري الأول على أهم مؤسسة وهي القوات المسلحة المصرية، واخترت من بين أبطالها اللواء صاعقة/ جمال عبد المجيد غانم، البطل الذي هزم شارون في الثغرة ومنعه بالقوة والشجاعة من الوصول إلى الإسماعيلية، كان رحمة الله عليه نموذجا وقدوة لكل ضابط مجاهد بحق يرجو الله واليوم الآخر، جمعت كل المعلومات حول شخصه من المهد إلى الشهادة وتوجهت لمطبعتنا بنية صافية، وكما حدث سابقا أتموا الطباعة ثم فاجأوني بطلب ثمنها، قلت لهم أنا قدمته لكم لتنشروه، قالوا: نحن هنا دار طباعة، وقد انفصلنا تماما عن دار النشر، ادفع واستلم وتعاقد مع دار النشر ومكتبهم في الأوضة التانية، ودفعت وأخذت كتابي ورحلت واعتقلت بعد ذلك بأسبوع في قضية النقابات وتصورت ليلتها أن الكتاب هو السبب لكثرة ما فيه من انتقادات لاتفاقية كامب ديفيد.

بعد انتهاء فترة حبسي متهما بإدارة جماعة الإخوان المسلمين سارعت إلى مطبعتنا للمرة الثالثة (كم كنت على نياتي وكم كنت لا أرى من إخواني أي عيب مهما عظم؟!)

وتقدمت لهم بأهم مؤلف كتبته في فترة السجن على مدى ثلاث سنين وعنوانه (علم النبات في القرآن الكريم) وهو كتاب علمي متأدب يهدف إلى نشر الثقافة العلمية في ثوب قرآني، ولكنهم هذه المرة كانوا صرحاء فلم يعدوا بطباعته فورا ولكن وعدوا بدراسة ذلك؛

وبعد حوالي سنة كنت قد سافرت إلى أمريكا لبعض أبحاثي في الهندسة الوراثية ومن هناك اتصلت واطمأن على الكتاب وسمعت بأذني ما لا ينسى، الأخ محمد الجزار يقول للأخ حسن: قله مش ح نطبعله حاجة، وصمت وبيده السماعة ينتظر لمدة دقيقة حتى يستجمع قواه ويقول لي د. محمد الجزار بيوعدك أن تنتهي المراجعة خلال أسابيع وكان المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قد عاد من حائل بعد هروب ربع قرن وبسرعة قلدوه منصب كبير المراجعين بدار الطباعة والنشر (مهنة تنظيمية كمهنة الرقيب)، وهكذا حرمني التنظيم السري ومن أواخر الثمانينات من الدار التي كنت من أوائل المساهمين فيها، اليوم بفضل الله طبعت كتبي الهيئة المصرية للكتاب والهيئة المصرية لقصور الثقافة ومكتبة وهبة ودار الشروق الدولية ودار الوفاء وجاري التعاقد مع دور أخرى بفضل الله ورحمته وليهنأ السريون بدار نشرهم المحترمة!

الحصار في مجال صلة الإخوان والتراحم بينهم:

من تصريحات السيد الهمام المرشد العام محمد مهدي عاكف لجريدة البديل قوله عندما سألوه عن شخصي (وهو بيجينا من وقت لآخر ...) وهو اعتراف صريح بأنني لم أقطع صلتي بأحد رغم كل الإساءات التي ارتكبوها في حقي؛

ويعلم الله أنني حاولت صلة هذا الفريق بكل وسيلة ممكنة وقبلت التنقل من مهمة إخوانية إلى أخرى دونما ملل ورغم ملاحظتي أنها كانت مجرد عملية احتواء وتعطيل وتجميد ولكنني اعتبرتها وما زلت شعرة معاوية حتى يحكم الله بيني وبينهم، وكنت كلما تأزمت نفسي ذهبت لمن أتوسم فيه التعقل والفهم ليتوسط بيني وبين فريق السريين المفترين، ذهبت إلى الإسكندرية وشرحت الموقف للأستاذ محمد عبد المنعم فراح يضرب كفا على كف مستغربا من أفعالهم، ووعدني بالتدخل ولم يصلني رده.

رافقت د. محمد سعد الكتاتني من مصر الجديدة إلى شقة البرلمانيين بالمنيل وشرحت له كافة تفاصيل المؤامرات الدائرة في الصف وكان تعليقه (يعني استولوا على الأموال والتنظيم) ثم أردف قائلا: إذا كانوا يفعلون ذلك بواحد إخواني حتى النخاع فماذا هم فاعلون مع غيره؟

ولأكثر من سنة لم يرد علي بشيء، عندما فكرت في موضوع الجمعية كمخرج من الأزمة الداخلية أكثر من الخارجية، ولاحظت التوتر والهياج في استقبال المشروع توجهت للأستاذ إسماعيل الهضيبي فرفض التدخل أو حتى التعليق وقال أنا من السبعينات راكن لأني معترض على طريقة العمل واليوم ليس لي رأي في أي شيء، وتوجهت للأستاذ محمد فريد عبد الخالق وتحمس للوساطة وأتمنى له التوفيق، وكذلك د. عبد الحميد الغزالي ود. إبراهيم الزعفراني ... فهل ينجحون؟ أتمنى الهداية والتوفيق للجميع.

مع الإخوان في أمريكا:

فور عودتي لعملي بكلية العلوم جامعة قناة السويس وبعد غياب ثلاث سنين خلف القضبان استقبلني الأستاذ الدكتور: أحمد شكري رئيس الجامعة استقبالا حسنا وأخبرني أنه حافظ على حقي في البعثة العلمية ولم يعطها لأحد غيري، وأعلمني أنه باستطاعتي أن أبدأ إجراءات السفر للدولة والجامعة التي أفضلها لمدة ست شهور بحثية، شكرته كثيرا على موقفه وانصرفت لإتمام إجراءات السفر؛

واستطعت الحصول على موافقة جامعة بولاية إنديانا الأمريكية وكانت هي الأنسب لتخصص الهندسة الوراثية الذي رغبت التدريب على فنونه، هناك كان في استقبالي بالمطار أخوين كريمين من المبعوثين المصريين (طارق زايد مبعوث جامعة الزقازيق وجهاد قنديل مبعوث جامعة عين شمس) وعلى رأس المستقبلين أ. د. رونالد كولبو رئيس القسم المضيف بالجامعة وكانت لحظات سعادة وتعارف على عالم جديد وصحبة جديدة؛

وعشت مع المصريين والعرب بالمركز الإسلامي هناك ستة أشهر هنية، من معمل الأبحاث إلى المسجد الأنيق مرورا بطبيعة خلابة ومع صحبة إسلامية سمحة ومحبة غامرة.

وتعرفت في هذه الأيام على كبير المسلمين بالمدينة المهندس محمد صبحي (أبو هاني) وأسرته الكريمة وأثمرت محبتنا في الله بعد خمس سنين من التزاور زواج ابنه هاني بابنتي أسماء وصرنا متصاهرين ببركة الأخوة الطاهرة ونسأل الله دوام الود بيننا.

قبل عودتي بشهر ونصف تعرفت هناك على د. صلاح سلطان ذكرني بحضوره عضوا في مخيم للإخوان كنت ضمن إدارته، وصل بنا الحوار إلى أن طلب مني أن أعاونه في تدريس مقرر حول الإعجاز العلمي في القرآن لتقديمه لطلبة ما أسماه (الجامعة الإسلامية الأمريكية) بولاية ميتشجن، ولبيت له طلبه رغم ضيق الوقت وصعوبة الإمكانيات، كتبت المقرر في مذكرة وسجلته مشروحا على ستة أشرطة فيديو وستة أشرطة كاسيت وأرسلت له المجموع مع امتحان تحريري للدارسين.

وعقب انتهاء الستة أشهر عدت قافلا إلى الوطن ومستريحا لما تم تجاوزه في الستة أشهر المتاحة، والحمد لله فلم يكن أحد من السريين في هذه البقعة من العالم.

تدخل السريين بالحصار في الجامعة الصغيرة:

بعد عودتي من أمريكا بشهرين حضر للقاهرة د. صلاح سلطان رئيس الجامعة الصغيرة والتقى بي في نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وألح في ضرورة عودتي لمساعدته في إدارتها، وفور عودته لأمريكا أرسل لي كافة الأوراق اللازمة لاستخراج التأشيرة الأمريكية، قبل سفري توجهت للحاج مصطفي مشهور وأبلغته بما أنا عازم عليه وسألته إن كان هناك ثمة توجيهات لي أو للإخوان في أمريكا يراها أو يكلفني بها واتفقنا على أن يسجل ذلك على شريط فيديو؛

وحضرت بالفعل اليوم التالي بعد الاتفاق مع مصور الروضة المعتاد، أثناء تصوير الحوار بيني وبين الحاج مصطفى كان هناك اثنان يقفان ويتابعان كل ما يقال وكأنهما يقفان على الجمر (محمود عزت ومسعود السبحي)

وما أن انتهى الحديث حتى تقدما للمصور وصادروا الشريط بحجة المونتاج والمراجعة، وانتهى الوقت ولم يعيدا لي الشريط وسافرت من غيره، بلغت أمريكا 24/ 8/ 2001 وكانت المفاجأة، أن التنظيم السري الذي صادر الشريط استدعى أحد أفراده بالكويت ([[عبد الوارث سعيد]) ونقله إلى نفس الجامعة وتسلم نفس العمل الذي تعاقدت عليه عشت شهرا واحدا أتأمل (التنظيم الخاص السري) وأفراده وسوء تصرفاتهم وظلامية أفكارهم، بوقوع أحداث 11/ 9 توقف العمل بالجامعة، وفي أول فرصة للسفر حصلت عليها أسرعت بالعودة إلى بيتي وأسرتي مرددا قول ربي (الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين).

حتى أنت يا بروتس؟!

أثناء هذه المواقف المخزية للتنظيم السري اتصلت بمدير مكتب الإخوان في لندن (إبراهيم منير) بصفته وبحكم موقعه التنظيمي ولأنه يعرفني جيدا والتقينا في أعمال إخوانية مشتركة في لندن واستانبول وغيرها من العواصم وسافرنا معا وأكلنا عيش وملح في بيته بلندن؛

نقلت له ما حدث ودعوته أن يتدخل فإذا به يقول (ما أنت يا دكتور موقفك مش واضح)، أدركت من كلامه ولهجته أن الأمر كما توقعت، إنها تعليمات التنظيم الخاص السري وهو أحد أفراده القدامى (مجموعة إمبابة التي شاركت في حادث المنشة).

انتخابات مجلس الشعب 2005:

لم تشهد الساحات بلبلة وخداعا كما حدث معي في انتخابات 2005، باختصار شديد التقيت قدرا بالأستاذ الدكتور/ فاروق فهمي أستاذي في الكيمياء بجامعة عين شمس قبل الانتخابات بشهرين، وتجاذبنا أطراف الحديث حول المشكلة المالية المتعلقة بنقابة المهن العلمية وعدم قدرتها على دفع معاشات الأعضاء؛

وانتهينا إلى أن عدم تواجد ممثل للعلميين بمجلس الشعب سبب في تفاقم المشكلة، واقترح علي أن أترشح في الانتخابات للعمل على تمرير قانون تطوير ودعم نقابة المهن العلمية المقدم للمجلس من قرابة ثلاثة أعوام ولا يوجد في المجلس من يتبناه، وعندما عرضت الأمر على عائلتي بكفر الشيخ اتفق هذا مع رغبتها وكانوا قد عرضوا علي ذلك من شهر فات.

توجهت على الفور إلى لجنة الانتخابات بمكتب الإرشاد وعرضت عليهم فقبلوا وسألوني عن الموقع المناسب للترشح وقلت لهم بلدي بكفر الشيخ فوافقوا وطلبوا التنسيق مع الإخوان في كفر الشيخ، تمسك إخوان كفر الشيخ بمن رغبوهم ولم يوافقوا على إخلاء مقعد فئات من بين 18 مقعد بالمحافظة، نقلت ذلك للجنة فوجهوني للترشح في كوبري القبة شريطة موافقة مسئول المنطقة (الترزي/ عبد المنعم دحروج

وتوجهت إليه فوافق، أبلغت اللجنة ومضيت في تحضير الأوراق وأتممتها وتوجهت في أول يوم لأقدمها، وفي طابور المتقدمين وجدت الأخ الفاضل الدكتور الشيخ/ [[عبد الحي الفرماوي]]، سألته عن دائرته الانتخابية فقال (كوبري القبة) فئات، فقلت: يعني ح نترشح ضد بعض؟!

استغرب كثيرا، وقال يبدوا أن الأمر فيه خطأ، وعرض أن نتصل برئيس اللجنة (د. محمد حبيب) طلبته على تليفوني الموبيل فلم يرد، طلبه الدكتور عبد الحي فرد عليه وأبلغه أن يمضي في ترشحه بكوبري القبة، تناولت التليفون المحمول وتكلمت مع د. محمد حبيب فأبلغني أنهم نقلوا د. عبد الحي من دائرته الطبيعية بالمطرية ليترشح بكوبري القبة وسوف نبحث لك عن دائرة أخرى تترشح فيها، من جانبي أيقنت أنها حلقة جديدة من سلسلة مهازل التنظيم السري السوداوية ورددت في نفسي (وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا)

لقد كان من الأولى مصارحتي برغبتهم في عدم ترشحي حتى لا أستخرج الأوراق الرسمية وأسير في الإجراءات وهي مكلفة ومرهقة كذلك، وأفقت على نداء د. حبيب ... ألو ... ألو ... فقلت له: سأنتظر حتى اليوم قبل الأخير لتقديم أوراق الترشيح فإن لم يصلني رد فسوف أترشح في الدائرة التي أراها مناسبة.

لم يصلني رد كما توقعت وترشحت حيث محل إقامتي ومعظم معارفي بالقاهرة بحي النزهة بمصر الجديدة، لم يكتف التنظيم السري بما جرى بل جند نفسه لمحاربتي ومساعدة مرشح الحزب الوطني د. حمدي السيد وتمكينه من الفوز، جندوا من كانوا تحت إدارتي الإخونية لمدد طويلة ليقولوا للناخبين انتخبوا مرشح الحزب الوطني ولا تنتخبوا أخانا؛

وكانت أعجوبة الانتخابات ومسار استهجان العقلاء، ولولا أن الدائرة مضاف عليها المرج والسلام وبركة الفيل والكيلو أربعة ونص ومناطق عشوائية لم يكن لي بها علم لتحقق فوز ملموس مع أن الدعاية التي سمحت بها السلطات الحكومية والإخوانية لم تتجاوز العشرة أيام الأخيرة من رمضان.

والسؤال: ماذا يضير السريين لو نجح أحد الإخوان بمقعد في المجلس ولو بمجهوده الفردي وبمساعدة أهله وعزوته ومحبيه؟ وإذا كان أرباب التنظيم السري يعتبرون مرشح الحزب الوطني جدير برعايتهم ومساعدتهم بينما أحد الإخوان يلقى منهم العداء والعنت إلى هذا الحد، فعلى أي معيار عقلي أو نقلي يمكن فهم سلوكيات هذه الفئة؟!

هكذا تبدوا مواقف هذه الفئة الباغية مع من يعارضها بالرأي حتى ولو كان من الإخوان المسلمين عند العامة والخاصة.

حتى دعم فلسطين حاربوه عنادا:

في اجتماع للقوى الوطنية بمكتب الإرشاد تقرر عقد عدة مؤتمرات لدعم المحاصرين في غزة وتقرر أن يكون مؤتمر الإخوان في شرق القاهرة بمبنى دار العلميين بمدينة نصر تحت إدارة لجنة الإغاثة قرابة 600 ألف جنيه تبرعات لفلسطين، وشاركني في إدارته من الحي د. مصطفى النجار صاحب مدونة أمواج في بحر التغيير وهو شاهد على مجريات المؤتمر الأول كلها، وفي الموعد كانت النقابة قد جهزت المكان لاستقبال الفين من شرق القاهرة، وعشرة متحدثين من القوى الوطنية، ولكن حضر المتحدثون جميعا ولم يحضر الجمهور ولا أحد من الحي، وكان أمرا غريبا، وتبين أنهم ندموا على المشاركة في المؤتمر الأول فأصدر التنظيم السري تعليمات بإفشال الثاني لأن المؤتمرات تديرها لجنة برئاستي، وهكذا وصل عنادهم وضررهم إلى فلسطين وتصرفها.

التجسس على الإخوان:

عدة مواقف معي شخصيا، الأول فور خروجي من سجن طره عام 1998، قبل مضي عشرة أيام على خروجي جاءتني دعوة من شركة صناعية أعمل معها كمستشار علمي لأكون ضمن وفدها المسافر إلى معرض دولي صناعي بألمانيا، وهناك التقيت ببعض معارفي من الإخوان وحملتهم السلام إلى الدكتور كمال الهلباوي كبير الإخوان بلندن؛

وما أن بلغه سلامي حتى هاتفني والمرسال عنده وتكلم معي طويلا مواسيا على فترة الحبس وشارحا لي بعض مضايقات إخوانه له في الغربة، وعندما عدت من رحلتي كتبت رسالة عادية وفكاهية إلى الأستاذ محمد عاكف حيث كان ما يزال في السجن، إلى هنا الأمور عادية، ولكن بعد أيام طلبني الحاج مصطفي مشهور لأزوره، وزرته بالفعل، وفاجأني وهو يقول: صحيح أنت أرسلت لإخوانك المساجين، فقلت وكل علامات الاستغراب على وجهي: نعم، وإيه العيب في كده؟ واستطردت ... الرسالة عادية جدا ومرسلة للأستاذ عاكف وهو تنظيميا المسئول عن السجن في هذه المرحلة، غير أنه رحمة الله عليه لم يكن يتحمل أي شيء يمر دون علمه وبموافقته حتى خطابات الود بين الإخوان تحاور معي بشأن ما ورد في الرسالة وكان غير الراضين عن توصيف لوضع أ. كمال الهلباوي وأبى رغبته في أن أتوقف عن الكتابة للإخوان بالسجن، السؤال هو: من أبلغ مشهور بخطاب المليجي إلى عاكف؟ والإجابة واضحة: إما عاكف نفسه وإما الجواسيس.

الموقف الثاني متعلق بالشيخ عبد المنعم تعيلب وترجع معرفتي به من عام 1985 وما بعدها، في وقتها كان الشيخ يعيش في مكة كواحد من الإخوان الهاربين إلى السعودية، أما أنا فكنت أصحب فوجا كل عام من أعضاء هيئة التدريس لأداء فريضة العمرة، كنا نستأجر بيتا واسعا مناسبا للمعتمرين ونعقد حلقات منزلية لتدريس المفاهيم الإخوانية التي ترغب في تزويد المعتمرين بها؛

وحتى يبدو الأمر عاديا كنا نستضيف علماء مصريين مقيمين هناك ومنهم سيد سابق وعبد المنعم تعيلب، هنا في القاهرة عام 1998 وعقب انتهاء فترة حبسي علمت أن التنظيم السري استدعى الرجل بعد غياب 50 سنة هاربا في السعودية ليعينه رئيس حي شرق القاهرة في التنظيم السري، وهو ما اعتبرته من جانبي انقلابا على نتائج انتخابات 1994 وأما الواقعة فتتلخص في مكالمته لي لزيارته في بيته؛

وعندما زرته في بيته إذا به يقول لي: الكلام اللي سمعت إنك تتداوله مع زوارك من الإخوان من شأنه أن يعرضك لمتاعب داخل الجماعة ...قلت له: كلام إيه ومن بلغك؟ فقال (مش مهم مين بلغني المهم الكلام) فقلت: أعتقد أن من حق الإخوان أن يزوروا أخاهم بعد غيابه محبوسا بقضيتهم ثلاث سنين ومن حقي أن أقول لهم ما أرى أنه في مصلحة الإخوان، ولو أن كلامي فيه شيء فنناقشه معا في جلستنا؛

أما الذي ليس من حقك هو أن تتجسس علي في بيتي مخالفا شرع الله نقطة احتدمت الجلسة ويبدو أن الشيخ لم يتوقع ردي عليه أو لم يكن مستعدا فسكت ثم استأذنته وخرجت غاضبا ولم أره من يومها) والسؤال المطروح هو: من أبلغ الشيخ بحوار جرى مع عدد من الإخوان في بيتي؟

إنهم الجواسيس، لقد كان بوسع الشيخ أن يدير معي حوارا أخويا علميا راقيا حول الموضوع مباشرة فيفيد ويستفيد ولكنها الطريقة السرية الإرهابية التي تقوم على إرهاب الأعضاء بإيهامهم أنها تعرف كل شيء عنهم وتسمع سرهم ونجواهم.

الموقف الثالث: تجسس على حزب العمل:

فور خروجي من السجن السياسي نهاية عام 1998 زارني مهنئا الأستاذ عادل حسين (رحمة الله عليه) ثم كرر الزيارة مرتين ليحدثني عن سوء معاملة مكتب الإرشاد له ولحزب العمل وطلب مني التوسط في ذلك، وسوف أضع التفاصيل التي انتهت إليها تلك العلاقة في كتاب قادم بإذن الله حول علاقتنا بالقوى الوطنية، وقبل انتخابات عام 2000 لمجلس الشعب زارني مسئول بحزب العمل وأخبرني بأن هيئة الحزب ترغب في ترشيحي ممثلا لحزب العمل الإسلامي في الانتخابات القادمة، وكان جوابي واضحا وصريحا بأن الأمر يتطلب موافقة مكتب الإرشاد قبل ذلك ووعدته أن تتم زيارتهم خلال الأسبوع وأخبره بالنتيجة، وبعد هذا اللقاء بيوم واحد فوجئت بأحد الإخوان بالحي (أحمد شوشة) يزورني صباحا في مكتبي بمدينة نصر ويخبرني أن الأستاذ مأمون عايزك تزوره في البيت، وتوجهنا مباشرة لبيته الواقع بالقرب من ميدان الجامع بمصر الجديدة، وكان المفاجأة أنه يكلمني عما دار بيني وبين الأستاذ عادل حسين ويقول: يا دكتور سيد أنت من قيادات الإخوان فكيف تترشح على قوائم حزب العمل؟

وأوضحت له أنني عرض على ذلك وكانت إجابتي واضحة بأن الأمر يتطلب موافقة مكتب الإرشاد، وكنت عازما على زيارتكم بالروضة خلال يوم أو يومين لأستطلع رأي مكتب الإرشاد، فقال: أنا أبلغك أن مكتب الإرشاد لا يوافق على هذا الترشيح، وقلت: وأنا ملتزم بقرار مكتب الإرشاد ولن أترشح على قوائم حزب العمل رغم عدم قناعتي بالقرار.

انصرفت من عنده وأنا غير مستريح البتة لهذه الطريقة من السلوك التجسسي على الإخوان وعلى حزب العمل، ولكنني عندما راجعت تاريخ النظام الخاص وجدت أن التجسس على الأحزاب والجمعيات والجماعات والإخوان كان من أهم أدواره ولهم في ذلك قصص وروايات يفخرون بها ومن أشهرها قصة الحاج أسعد السيد أحمد الذي كلف من قبل الجهاز السري بالتجسس على حزب مصر الفتاة فانضم لحزب مصر الفتاة وترقى في صفوفه حتى وصل إلى أن يكون في الحرس الحديدي الذي أنشأه الحزب لحراسة زعيمه أحمد حسين ثم كشف أمره عندما قبض عليه في قضية السيارة الجيب مع الإخوان.

خلاصة ما تقدم:

يمكننا تلخيص ما تقدم في النقاط التالية:

  1. في عام 1975 كان ما تبقى من الإخوان المسلمين في مصر عدد محدود من الأفراد، فالذين وقعت عليهم الأحكام في قضايا 1954، 1965 انفضوا عن الدعوة في عمليات مبايعة جماعية معروفة ومن بقي على إخوانيته وخرج منهم توجه مباشرة نحو بلاد النفط، لم يكن هناك كتاب واحد للإخوان ولا حتى المأثورات ولم يكن هناك أسرة ولا شعبة ولا قسم طلبة ولا قسم مهن ولا مرشحين ولا غيره ولا أحد يمكن أن يتلفظ بكلمة إخوان.وأما الجماعات الإسلامية تحت مسمى الصحوة الإسلامية في الجامعات والمدارس والمساجد فكانت ملء السمع والبصر موجودة بالمساجد والمدارس والجامعات، والحجاب الذي لم تتطرق إليه جماعة الإخوان من قبل أصبح أوضح ظاهرة على المجتمع المصري ومع الحجاب اللحى والجلابيب، وأما الكتاب الإسلامي فقد غدا الأول انتشارا وتوزيعا وربحية، كل هذا تم في غياب تام للإخوان.
  1. لم يكن هناك اتفاق على طريقة عمل محددة لإعادة تكوين الجماعة في مصر وسعى كل واحد حسب اجتهاده في موقعه، وكان من أبرز هؤلاء الأستاذ عمر التلمساني في القاهرة.
  2. تبنى قادة التنظيم السري القديم (مصطفي مشهور وأحمد حسنين وأتباعهم من تنظيم 65، (وليس كل من اعتقل في قضية 65 يدخل في زمرتهم) فكرة إعادة التنظيم السري الخاص واعتبار رئيس التنظيم هو المرشد الحقيقي ولا مانع من وجود مرشد صورة حسب تعبيراتهم لصرف نظر أجهزة الأمن عن المرشد الحقيقي، وعندما طرحت الفكرة رفضت بشدة وإنكار من غالبية قادة الإخوان القدامى وبرز من الرافضين للنظام الخاص أسماء عمر التلمساني ومحمد فريد عبد الخالق ومحمد حامد أبو النصر وإسماعيل الهضيبي ومحمود عبد الحليم وصلاح شادي وأحمد الملط وجابر رزق ومحمد وعبد المعز عبد الستار وعبد الله رشوان وكافة الإخوان الذين عايشوا أخطاء النظام السري سابقا.
  3. كعادة أرباب التنظيم الخاص السري خالفوا القرار الجماعي والتفوا عليه واستمروا في العمل بطريقتهم في التجنيد للتنظيم الخاص مستغلين انشغال الرافضين لذلك بالعمل الدعوي العام الذي مثله خير تمثيل المرحوم عمر التلمساني، وكذلك مستغلين عدم إلمام جيل السبعينيات بعمق الصراع التاريخي بين أرباب النظام الخاص السري وجماعة الإخوان المسلمين بمجموعها وقيادتها التاريخية.
  4. كنت واحدا من العاملين مع الحاج مصطفي مشهور ومن أوائل الذين أوكلت إليهم مهام متقدمة في تنظيمه الذي كنت أتصور أنه تنظيم الإخوان الطبيعي وليس النظام الخاص داخل الجماعة وهم لم يصرحوا لنا بهذا أبدا.
  5. كانت عملية اغتيال السادات وهروب قائد التنظيم الخاص ومساعديه خارج البلاد سببا لانكشاف الأمر للمرحوم عمر التلمساني ومساعديه أو أنه اعتبر ذلك في مسارعته لتطويق الخطر بتشكيل جديد يرأسه المرحوم الدكتور أحمد الملط والمرحوم جابر رزق والمهندس محمد سليم وكنت واحدا من هذه اللجنة التي أوكل إليها مهمة الاتصال بالمحافظات للتنسيق بين الإخوان وتقوية الاتصال بالطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
  6. في الخارج استمر الحاج مصطفي مشهور وفريقه في العمل على المصريين المعارين للسعودية والخليج واليمن والطلبة المبعوثين في أوروبا وأمريكا، وصنع منهم تنظيما خاصا سريا ينتمي لقيادة خاصة منفصلة تماما عن القيادة في القاهرة، كما أن حركة مصطفي مشهور في الخارج وطدت علاقته بالقيادات الإخوانية في الدول الأخرى على مدى ست سنوات، وكنا هنا جميعا ممنوعون من السفر بقرار من الداخلية.
  7. يمكننا القول إن هذا هو تاريخ وجود تنظيمين في جماعة الإخوان الجديدة، التنظيم المعلن بقيادة عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق، والتنظيم السري المخالف بقيادة مصطفي مشهور ومجموعته، وهي اللحظة التاريخية التي بدأ فيها الصراع بين التنظيمين.
  8. كعادة التنظيمات السرية فقد تمت عملية اختراق منظمة طيلة السنوات التي تواجد فيها رأس التنظيم بالخارج، (19811987)، حيث كان أفراده يأتون ومعهم رسالة من الإخوان في الخارج تشير إلى أنهم على فكر الإخوان وكانوا يستوعبون من جانبنا هنا بحسن نيتنا وعدم التفاتنا لمخططاتهم الانقلابية علينا، ولكننا لاحظنا أكثر من مرة أنهم يأتوننا كخشب مسندة محشوة بالكراهية والتآمر ولا تشعر في أحدهم البتة بما تعارفنا على تسميته بالحب في الله.
  9. فور شعورهم بوجود أعداد كافية منهم ومع بدء مرض الموت للمرحوم الأستاذ عمر التلمساني، عادت قيادة التنظيم السري (المرحوم مصطفي مشهور ومحمود عزت وخيرت الشاطر) وأوجدت لنفسها مقرا إداريا تحت مسمى شركة سلسبيل، وبدءوا مرحلة جديدة تستهدف إحلال عناصرهم محل الإخوان المرابطين في الوطن، واستخدموا في ذلك كل الأساليب المنافية لآداب وتعاليم الإسلام وفي مقدمتها تشويه سمعتنا والافتراء علينا والكذب على جموع الإخوان.
  10. فور موت المرحوم عمر التلمساني وقبل خروجه من ثلاجة الموتى شغل المرحوم مصطفي مشهور مقعد المرشد وجمع أنصاره من حوله وقال إن الإخوان بايعوه، ونسي لعجلته في الاستيلاء على السلطة في الإخوان أن هناك واحد من الإخوان أكبر منه سنا يدعى محمد حامد أبو النصر، وحسب اللائحة فهو الأحق بمنصب المرشد العام، ولم يكن ليغيب ذلك عن ذهن مصطفي مشهور إلا لأنها كانت لحظة نشوة بانتصار النظام الخاص السري على الإخوان وتمكنه من قلب نظام الحكم في الإخوان وبلوغ أحد قادة الجهاز السري منصب المرشد الأول مرة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين.
  11. أرسلوا إلى الأستاذ محمد حامد أبو النصر ليخبروه بمبايعة الإخوان لمصطفي مشهور مرشدا وحسب رواية الرسول لي وهو الدكتور محمد حبيب شخصيا أنه تحرج من إعلامه بتولي مصطفي مشهور للمنصب فقدم له الأمر على أن الإخوان في القاهرة يستأذنوه في ذلك إشفاقا على صحته، ولكنه بادر الرسول باستعداده للانتقال من منفلوط إلى القاهرة ليباشر مهام المرشد العام حسب اللائحة، وأسقط في يد مصطفي مشهور وفريق السريين ولم يكن هناك مفر من الانسحاب التكتيكي وقبول الأمر الواقع، وانسحب مصطفي مشهور خطوة واحدة للخلف ليحتل موقع نائب المرشد، وأسكنوا المرشد محمد حامد أبو النصر في شقة بمنيل الروضة بعمارة مملوكة للمرحوم حسن الجمل، وعينوا عليه عدد من مخابرات النظام الخاص تحت مسمى (خدامين الأستاذ) من أشهرهم محمد أسامة الموجود حتى اليوم كموظف استقبال مكان الأخ شحاتة هدهد في التوفيقية سابقا، وكان المرحوم محمد حامد أبو النصر لكبر سنه كثير التغيب عن المقر بشارع التوفيقية، وفعليا كان نائبه المرحوم مصطفي مشهور يدير كل أمور الجماعة حسبما يرى.
  12. في الفترة من وفاة عمر التلمساني وحتى وفاة محمد حامد أبو النصر عمل التنظيم السري الوافد مع مصطفي مشهور على مشروعين، الأول تحطيم الذين يدرك أنهم رافضون للانضواء تحت إدارة التنظيم السري والرافضين لطريقته في الفهم والعمل، والمشروع الثاني الإعداد لانتخابات داخلية مفصلة تفصيلا خاصا لتحقيق لهم مشروعية تنظيمية، وحتى لا يقال ثانية يتولى أكبر الإخوان سنا منصب المرشد.
  13. بدءوا بتشويه سمعة قسم الطلاب ووصفوه بالقسم المارق والقسم المنعدم التربية والقسم الباحث عن الشهرة والقسم السابق على الجماعة في الحركة وقالوا للبسطاء بأن السابق على الصف في الصلاة كالمتأخر عن الصف وكلاهما تبطل جماعته وقارنوا زورا بين القسم وحركته وبين هذه الحالة وبين هذه الحالة وهو قياس فاسد عند علماء الفقه والأصول من نواح كثيرة، وتصاعدت موجة العداء ضد قسم الطلاب وكان أول الضحايا مسئولي القسم بجامعة الأزهر بقيادة د. محمد رشدي، وكلفوا ( محمد مهدي عاكف) بتصفية قيادة القسم المركزية بالكيفية التي شرحتها سابقا وتسليم القسم في النهاية لأحد أنصارهم (د. رشاد البيومي) وتم ركل طلائع قسم الطلاب إلى ما تصوروه نهايتهم في النقابات المهنية ولما نجح المبعدون في إدارة النقابات المهنية طاردوهم في النقابات وكرروا نفس المقولات ووضعوا أمامهم نفس العراقيل.
  14. في هذه الأثناء حدثت قضية سلسبيل وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن التنظيم الخاص نوى وباشر بالفعل الإجهاز على كل ما تبقى من الإخوان المناوئين للتنظيم السري وأصبح شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان، فقد سلموا لمباحث أمن الدولة معلومات مفصلة ودقيقة عن كل من عمل أو يعمل في الإخوان المسلمين وتصرفوا تجاه الموقف بدم بارد محملين خطأهم القاتل على القدر وحسب علمي لم تتم أي مسألة لمن تسببوا في ذلك حتى اليوم بل على العكس عوملوا معاملة الأبطال.
  15. وقبل أن تجف دماء الإخوان في مذبحة سلسبيل وعلى طريقة (غلوش غلوش) فاجأوا الجميع بلعبة الانتخابات المفبركة بأياديهم وكان ما كان وانتخب مجلس شورى، ولم يعجبهم فأضافوا عليه 30 صوت ممن لم يفوزوا في الانتخابات ثم اجتمع مجلس الشوري وصعدهم إلى سدة الحكم في الجماعة المسكينة ثم ركلوا مجلس الشوري إلى الأبد فقد أتم مهمته وجاء بمن أرادوا فلم يدع للاجتماع ولا مرة واحدة من 1995 وحتى اليوم واكتفى قائد التنظيم بنفسه حاكما مطلقا يفعل بالإخوان ما يريد (هكذا تعلم أعضاء التنظيم السري الديكتاتورية من جلاديهم).
  16. وغيابنا وراء القضبان فرصة للتنظيم السري، فألغى غالبية نتائج الانتخابات وأحلوا قومهم في معظم المواقع التنظيمية وعينوا أنفسهم سريعا بمكتب الإرشاد بدلاء عن الأعضاء المعتقلين ولأول مرة في تاريخ الإخوان يسيطر أعضاء التنظيم السري الخاص على مكتب الإرشاد والأقسام الفنية والأموال في القاهرة ومعظم المحافظات ويكون نائب المرشد العام الفيزيائي مصطفي مشهور هو خامس خمسة أداروا النظام الخاص في الأربعينات من القرن العشرين: (الخمسة هم: مصطفي مشهورأحمد حسنينمحمود الصباغأحمد زكيعبد الرحمن السندي).
  17. فور وفاة المرحوم محمد حامد أبو النصر تمت أغرب بيعة في تاريخ الإخوان وأطلق عليها تاريخيا اسم (بيعة المقابر) ليصبح الفيزيائي الحاج مصطفي مشهور ومن المقابر وبواسطة مظاهرة مجهولة الأعضاء المرشد الحقيقي ولم يعد هناك مرشد صورة بعد اليوم، وتولى بنفسه وجهازه الخاص تصفية البقية الباقية من قيادات السبعينيات في عملية حزب الوسط الرهيبة التفاصيل.
  18. أعلنت حالة الطوارئ القصوى على الإخوان وتم تصنيف الإخوان مع أو ضد حزب الوسط، وعرض الكل على أخدود الفصل من الجماعة وتشويه السمعة ما لم يسب ويلعن مجموعة الوسط ويكفر بها وأعلن النظام الخاص في الإخوان مبدأ بوش (من ليس معنا فهو ضدنا) وما زال ذلك معمول به حتى اليوم.
  19. كانت هذه الحالة التي أوصلنا إليها أرباب النظام الخاص هي دافعي للقيام بكل محاولات النصح والإصلاح فور خروجي من السجن وأخذت المحاولة في هذه المرة شكل الرسائل الإصلاحية التي خصصت لنصوصها والتعليق عليها فصلا خاصا، إن مجرد الإعلان عن قرب صدور هذا المؤلف بالموقع الإسلامي (إسلام أون لاين) حرك آلة الشر في التنظيم السري لتقول بهتانا إني أعلنت هذه الإصلاحات لأنني أحصل على منصب في مكتب إرشاد التنظيم السري ...

ولعل السرد التاريخي الماضي للصراع بين وبين أرباب هذا التنظيم المقيت والمكروه من الإخوان طيلة تاريخهم الماضي والحاضر يوضح لهؤلاء السذج من الإخوان أنني أمارس مقاومتهم منذ عام 1983 وأحاول ردهم عن غيهم بالحسنى والمثابرة والسرية من داخل الجماعة ثم راسلتهم عشر سنين كاملة دون أن يدري أحد بذلك واليوم قد فسد الملح وعادت الجماعة على مفترق الطرق لا أعتقد أن هناك مجال للصمت بعد ذلك وإلا انطبق علينا قوله صلى الله عليه وسلم (الساكت عن الحق شيطان أخرس) إن الذين لاموني على طول صمتي هم الذين يلومونني على كلامي اليوم وعقيدتي أنهم الملامون على طول غفلتهم.

شهادة الدكتور/ عبد المنعم أبو الفتوح كما نشرت الشروق عبد المنعم أبو الفتوح "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر "9".

تحدث د. عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين وأبرز رموز التيار الإصلاحي بها، في الحلقات السابقة من مذكراته "شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر" التي تنفرد صحيفة "الشروق" بنشرها، عن نشأته الدينية والفكرية والسياسية، بدءا من ارتباطه بثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر الذي اعتبره صاحب مشروع ثوري يسعى إلى تغيير وجه مصر والعالم، وصولا إلى حالة الانكسار التي أصيب بها معظم شباب جيله بعد النكسة، أبو الفتوح خلص في تلك المذكرات إلى أن الصراع بين قيادة الثورة والإخوان كان سياسيا بدليل استعانة عبد الناصر بالعديد من رجالهم، في البداية كالباقوري وعبد العزيز كامل.

إعادة بناء تنظيم الإخوان بعد حادث المنصة:

قضينا معظم من اعتقلوا من الإخوان وخاصة أبناء جيلي نحو عام في المعتقل، فلم نخرج إلا في سبتمبر من عام 1982، وكان أول ما شغلنا بعد الخروج من المعتقل هو البدء في إعادة تنظيم جماعة الإخوان من جديد والاهتمام بالبناء الداخلي، وهو ما شرعنا فيه فور الخروج مباشرة، خاصة وأن نظام الرئيس حسني مبارك لم يغلق الباب مباشرة في وجه الإخوان فقد استمر نشاطنا قويا إلى نهاية عقد الثمانينيات تقريبا، وإن كنا على قناعة وقت خروجنا أن عصر السادات لن يعود بما كان فيه من انفتاح وحرية في العمل والتنظيم السياسي.

يمكن القول بأن الدكتور أحمد الملط هو أبرز من حملوا عبء هذه المرحلة وتولوا عملية إعادة البناء، وكان أول ما فعله رحمه الله الاتصال بمجموعتنا التي كانت ناشطة في قيادة الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية، وكان كلامه واضحا في أن الأولوية هي لإعادة البناء الداخلي وهو ما بدأ العمل فيه على قدم وساق تحت مسئوليته مباشرة بعد أيام قليلة من خروجنا من المعتقلات، وقد كنت على رأس تلك المجموعة المسئولة عن إعادة البناء وترتيب صفوف الجماعة التي اهتزت كثيرا بعد أحداث سبتمبر 1981.

وقد أطلق على مجموعتنا (مكتب مصر) تمييزا عن التنظيمات القطرية للإخوان خارج مصر، ووضعنا خطة لتقسيم القطر المصري إلى قطاعات، فكان الأخ ممدوح الديري هو مسئول شرق الدلتا، والأخ إبراهيم الزعفراني مسئول غرب الدلتا، والأخ أنور شحاتة مسئول وسط الدلتا والأخ محمد حبيب مسئول قطاع الصعيد، والأخ السيد عبد الستار المليجي مسئول القاهرة ...

ولحق بنا في هذه المجموعة الإخوان جابر رزق وإبراهيم شرف رحمهما الله، ثم بدأنا في ترتيب المكاتب الإدارية للجماعة في كل محافظات مصر والتي تنقسم إلى مناطق وشعب، مع التركيز على تعميق وتقوية التنظيم ووضع القواعد الإدارية التي تضمن فاعليته وكفاءته وانسجام تكويناته وتراتيبته، وهو عمل استغرق الجهد الأكبر من نشاط الجماعة ما يقرب من سنوات متواصلة، فلم يأت عام 1987 حتى تبلور التنظيم وظهر بشكله الضخم واستقر النظام الإداري للجماعة.