مراحل التطور الأولى للقضاء الجنائي الدولي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مراحل التطور الأولى للقضاء الجنائي الدولي


مراحل التطور الأولى.jpg

أيسر يوسف

(22 فبراير، 2019)

مقدمة

المحكمة الجنائية الدولية – وحسب نظامها الأساسي – تختص بالجرائم الجنائية الدولية التي تمثل جريمة الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، فأية جريمة من هذه الجرائم تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة يرى أن الضوابط أو القيود المفروضة على ممارسة المحكمة لاختصاصها يكاد أن يفرغ هذه الاختصاصات من مضمونها – حسبما سيرد عند التعليق على هذه الموضوعات – هذا فضلاً عن مناهضة بعض القوى السياسية الدولية- المؤثرة – في صناعة القرار الدولي، لهذه المحكمة ومحاولة النيل منها، نظراً لأن الغرض من إنشاء المحكمة حماية الشرعية الجنائية الدولية ومحاكمة ومعاقبة كل من يخرج عليها. وهو أمر لا يروق للقوى السياسية المتفردة بمصير بلدان العالم في الوقت الحالي.ولهذا نشهد، ومنذ دخول نظام المحكمة المذكورة حيز التنفيذ، سباقاً محموما من بعض الدول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والتي تحاول عقد اجتماعات واتفاقيات ثنائية مع بلدان أخرى تضمن بمقتضاها عدم تسليم مواطنيها أو جنودها من مثل هذه البلدان في حالة ارتكابهم جرائم تدخل ضمن اختصاص هذه المحكمة، متى ارتكبت الجريمة على أرض هذه الدول، وهو ما يعنى حضانة للجناة مرتكبي هذه الجرائم ضد محاكمتهم جنائياً في الجرائم التي تختص بها هذه المحكمة.

ورغم ذلك فإن غالبية دول المجتمع الدولي تؤازر نظام المحكمة وتساعدها على النهوض تحقيقاً للغايات التي نشأت من أجلها.

ومما زاد من أهمية وجود محكمة جنائية دولية تعدد وتنوع الجرائم الدولية بل وأصبحت تلك الجرائم في تزايد مستمر – فمن يوغسلافيا السابقة إلى رواندا، ومن كمبوديا إلى الشيشان، وصولاً إلى فلسطين، والعراق والقائمة تطول في هذا المجال، بحيث ارتكبت فيها أبشع جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان، وأخيراً جرائم الحرب والعدوان ضد الشعب اللبناني في يوليو 2006.

هذه الجرائم قوضت الكثير من معالم الحضارة الإنسانية، وجميعها تم النص عليها في المواثيق، والاتفاقيات، والإعلانات الدولية، بحيث يمكن القول: إن معالم القانون الجنائي الدولي أصبحت واضحة ولكن غياب الجزاء قد عرقل بجدية تطبيقها.

فمنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى أدت المطالبة بالعدالة إلى انشاء عدد من لجان التحقيق الدولية الخاصة، وعدد من المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، وكذلك عقد عدد من المحاكمات واللجان تحت أسماء قانونية مختلفة تبعاً لالتزامات متباينة، وجاءت العديد من النتائج لما كان منشوداً منها أصلاً، وتلك السياسة تعكس ظهور المسئولية والعدالة كقيم دولية معترف بها، او سياسات ضرورية للنظام الدولي وإعادة السلام.

ونظراً لأن تلك المحاكمات وقوانينها قد حاكمت متهمين محددين في نزاعات محددة، فقد أثارت تساؤلات جوهرية حول مدى اتفاقها مع مبادئ الشرعية الدولية، والاعتبارات العامة الأخرى للعدالة، بالإضافة إلى أن بعض المحاكمات اصطبغت بالطابع السياسي أكثر من اصطباغها بالطابع القانوني، وذلك للسبب ذاته، وهو معاقبة من خسر كما أن مباشرة العدالة الجنائية الدولية على أساس محاكم جنائية دولية خاصة (مؤقتة) غير مرض بالقدر الكافي، فبالرغم من إنشاء محاكم (نورمبرخ، وطوكيو، ويوغسلافيا السابقة، ورواندا)* فإن الإجراء الدولي ذاته لم يتم مباشرته بعد انتهاء الفظائع التي ارتكبت أثناء النزاع في : (كمبوديا والشيشان)، والتي مازالت ترتكب في : فلسطين المحتلة، والعراق المحتل، ولبنان الجريح).

وبالتالي لم يعد مفهوم العدالة الجنائية ذا منظور محلي ينطلق من الاتجاهات التشريعية المحلية، تمهيداً لتنفيذها بمعرفة جهاز العدالة، بل تعدى هذا المفهوم إلى المجال الدولي، مستهدفاً من وراء ذلك استكمال منظومة العدالة الجنائية.

والحقيقة أن أي نظام قانوني يرجى له الفاعلية، والامتثال التام لأحكامه، إنما يحتاج إلى جهاز قضائي مستقل ودائم، وذلك ضماناً للتطبيق القويم للتشريع، ومن هنا جاء إقرار نظام (روما) الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليمثل مفترق طرق تاريخي للكفاح في سبيل إنهاء الحضانة التي طالما تمتع بها مقترفو الجرائم الدولية الشنيعة.

وجاءت (المحكمة الجنائية الدولية) لتبلور الجهود الدولية المضنية، لإقرار نظام دولي يحظى بالقبول لدى الجماعة الدولية، بهدف التغلب على ملاحقة مرتكبي الجرائم التي تمس الكيان البشري وتهدد سلامته ومجازاتهم، وعلى هذا النحو لم تصبح سيادة الدولة هي ذلك الحاجز المذيع الذي يختفي وراءه الحكام الطغاة، ويستتر خلفه كبار المجرمين الدوليين، تحت زعم دفاعهم عن المصلحة العامة لدولهم.

وتلك المحكمة مؤسسة دولية إجرامية مختصة، تنوب عن المجتمع الدولي في أداء مهمة التطبيق السليم لأحكام القانون الجنائي الدولي، وبوصفها كذلك، فلها وحدها أن تنظر الدعوى الجنائية الدولية، متى لم يستطع القضاء المحلي النظر فيها، مستهدفة من وراء ذلك المحافظة على كيانه وبقائه راسخاً قويا متطوراً ليس لها في ذلك من مصلحة، بل ليس لوجودها ذاته من علة سواها، دون أن يكون على ذلك التطبيق تأثير على تصرفاتها.

وهى لن تكون علاجاً فعالاً لكل مساوئ الإنسانية، ولن تقضي على الصراعات والمنازعات، أو تعيد المجنى عليهم للحياة، ولن تعيد لذويهم السعادة التي كانوا ينعمون بها، ولن تطبق العدالة على كل المجرمين الدوليين، ولكن يمكنها منع وقوع بعض الجرائم الدولية، وتقليص عدد الضحايا، وإقامة العدالة الجنائية على بعض المجرمين الدوليين، الأمر الذي سيساعد في النهاية على بسط السلام والأمن الدوليين((1).

إنها بداية الطريق نحو أن يكف العالم عن أن يصبح مكاناً آمناً للجبابرة، وأن تكف السياسة عن أن تكون مرتعاً للجرائم الدولية، وأن تكف الدبلوماسية عن أن تكون حص المجرمين، وموطنهم الحصين، وأن تتجه الإنسانية نحو التحرر من همجيتها.

ومن هنا كانت المحكمة الجنائية الدولية حلماً، ظل يراود البشرية منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين حيث كان مؤتمر روما عام 1998 الذي أقر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفتح باب التصديق فاتحاً الباب أمام سريان هذا النظام عند اكتمال النصاب القانوني لعدد الدول المصدقة وبدأ سريان نظامها بالفعل في يوليو 2002 حيث كانت شكلت هيئتها وعين فرع عام لديها، حيث تشرع في ممارسة اختصاصات حسب النظام الأساسي لهذه المحكمة.

ومنذ مطلع القرن العشرين والأحداث الدولية الساخنة تتوالى والحرب بين القوى العظمى سجال، إذ سعت كل منها ومنذ البداية إلى توسيع حدودها على حساب الأخرى، أو اكتساب مناطق نفوذ ومستعمرات داخل القارة أو في القارات الأخرى. ومن الملاحظ أن التطور العلمي الذي شمل مختلف الميادين، وخاصة الميدان العسكري أدى إلى ازدياد مخاطر الحرب، حيث اتسع نطاقها وامتد ليشمل مختلف بقاع العالم، الأمر الذي بدأ ينذر بمزيد م الخسائر البشرية والاقتصادية.

وأمام تعاظم مخاطر الحرب والفظائع الناشئة عنها، تكاتفت الجهود الدولية الرامية لإنشاء لجان أو محاكم تنظر في جرائم الحرب، ففي عام 1904 نظرت محكمة التحكيم الدولية في الانتهاكات الناشئة عن تدخل الجيوش الإنجليزية والألمانية في شئون فنزويلا.

وتأكيدا لهذا التوجه القضائي، جرى في عام 1906 تعديل اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة جرحى الحرب لعام 1864، حيث استحدث نص المادة (28) الذي لزم الدول الأطراف في الاتفاقية بإدراج نصوص خاصة في تشريعاتها الجنائية تحرم كل عمل ينطوي على خرق لنصوص الاتفاقية في وقت الحرب ما لم تكن هذه القوانين تتضمن سلفا مثل هذه النصوص ((2).

وهديا على ذلك فإن الأمر يتطلب منا أن نتناول التطور التاريخي للجان التحقيق الدولية في مطلب وتطور تاريخ المحاكم الدولية في مطلب آخر وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول: تاريخ لجان التحقيق

أنشئت في خلال الفترة ما بين 1919و1994 خمس لجان دولية خاصة وأربع محاكم جنائية دولية وعقدت ثلاث محاكمات وطنية مفوضة دولياً عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد تمت تلك المحاكمات والإجراءات تحت مسميات قانونية مختلفة تبعاً لالتزامات متابينة، وجاء العديد منها بنتائج مغايرة لما كان منشوداً منها أصلاً.

ولقد كانت هذه التحقيقات مجرد ترضية لمطلب عام بضرورة الاستجابة للأحداث المأساوية والسلوك المذهل خلال النزاعات المسلحة وعلى الرغممن من الضغوط التى مارسها المجتمع الدولي طالبا العدالة – فقلد أنشئت هيئات تحقيق لبعض النزاعات الدولية فقط – أما النزاعات الأهلية – مهما كانت بشاعتها – فلم تجد سوى القليل من اهتمام العظمى التي كانت ملتزمة بإنشاء مثل تلك الهيئات ، وبالنظر إلى محكمة رواندا فإنها الوحيدة التي اختصت بنظر جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت خلال نزاع مسلح غير دولي، إلا أنها لم تحقق إلا نجاحا محدوداً حتى تاريخه ((3)).

ولقد كان الهدف المعلن من إنشاء تلك المحاكم ولجان التحقيق هو تحقيق العدالة باتباع إجرءات ووسائل مستقلة ومؤثرة وعادلة، إلا أن ذلك نادراً ما حدث فقد كان إنشاء وإدارة تلك الهيئات خاضعاً لأهداف الواقع السياسي فى تلك المرحلة بدرجات متفاوتة، وكانت تحت السيطرة وتأثير الاعتبارات السياسية، ففي بعض الأوقات كشفت عن ذلك بممارسات علنية وفي أوقات أخرى باستخدام طرق ماكرة غالبا ًما أدت القرارات السياسية إلى صعوبات قانونية وشخصية ولوجيستيكية تسببت في اختلال أداء تلك التحقيقات والمحاكمات، فتم استخدام الوسائل البيروقراطية والصعوبات المالية لتوجيه وتجريد ووقف والقضاء على الهيئات لأسباب سياسية.

وغالبا ما تعمد السياسيون إضاعة الوقت حتى يضعف ضغط واهتمام الرأي العام بالعدالة، ومن ثم لا يكونون مرغمين على أن يضمنوا نجاح تلك الهيئات ((4)).

وخير مثال للتفاعل فيما بين القانون والسمات السياسية لهذه الهيئات هو توزيع السلطات خلال المراحل المختلفة للمحاكمة ، فقد انفصل هذه الهيئات مراراً وتكراراً عن إدارتها تماماً، كما انفصلت مرحلة التحقيق عن المحاكمة، وفي جميع الأحوال وبدون استثناء فقد تم إنهاء عمل كافة الهيئات القضائية التي أصدرت أحكاما عقب المحاكمة مباشرة، أماعن مرحلة تنفيذ العقوبة- فيما يتعلق بالعفو والإفراج الشرطي – فقط كانت من اختصاص وتحت مسئولية الإداريين الساسيين ولم تكن قرارات هؤلاء بالطبع مدفوعة باعتبارات العدالة، كاأسهم ذلك التقييم في صعوبة تقدير طبيعة وتأثير القرارات السياسية والقصد منها، وخاصة تلك التيى أنشأت وأدارت وأنهت هذه الهيئات، فضلا عن الوثائق المسجلة للمراحل المختلفة نادرا ما عكست النشاط الذي كان يحدث خلف الستار السياسي، فقد كان الأشخاص المشتركون في العملية السياسية مخلصين لهؤلاء الذين رشحوحم لتلك المناصب فلم يفصحوا عن الاعتبارات السياسية التي أثرت في إدارة تلك الهيئات، ومن ثم كثيراً ما لم يكتمل التاريخ الحقيقي لهذه المؤسسات وهدياً على ذلك فإن الأمر يتطلب منا أن نتناول لجان التحقيق الدولية الخاصة منذ عام 1919 وحتى 1994.

لقد تم تشكيل خمس لجان تحقيق دولية ((5) )، نتناولها على النحو التالي:

أولا : لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات 1919

لقد أنشأ الحلفاء المنتصرون أول لجنة تحقيق دولية في نهاية الحرب العالمية الأولى عندما ما دعت القوى المتحالفة والمشاركة إلى مؤتمر السلام التمهيدي في باريس عام 1919 ((6).

وفي المؤتمر تفاوض بين الحلفاء موضوعات كان أهمها محاكمة قيصر ألمانيا ويليم الثاني ومجرمي الحرب الألمان والمسئولين الأتراك عن الجرائم ضد قوانين الإنسانية، وأخيرا وبعد كثير من توفيق وجهات النظر اتفق ممثلو الحلفاء على شروط معاهدة السلام بين الحلفاء والقوى المتحالفة على إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة قيصر ألمانيا ويلهلم الثاني عن دوره في إشعال الحرب، كما نصت المادتان 228، 229 من المعاهدة على محاكمة ضباط الجيش الألماني المتهمين بخرق قوانين وأعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية لأي من الحلفاء ونتيجة لما خلفتة الحرب العالمية الأولى من خسائر فادحة، لم تشهدها البشرية من قبل، وفي الوقت الذي أوشكت فيه الدول المتحالفة على الانتصار، فلم يكن أمامها إلا أن تحاول تحقيق مفهومها للعدالة بمساءلة مرتكبي تلك الجرائم من الألمان والأتراك، بعد أن بدت قواعد المسئولية الدولية عاجزة أمام الرأى العام عن مواجهة حدث من انتهاكات صارخة لقوانين الحرب وأعرافها ((7).

ونظرا ًلوجود الاختلاف في النظام القانونية لدول الخلفاء، فلم يكن إقرار المسئولية الجنائية الدولية بالأمر السهل، كما أن قانون النزاعات المسلحة الاتفاقي والعرفي طالما تطلب إعادة أسرى الحرب بعد نهاية النزاع، مما أثار خلافاً قانونياً حول مشروعية محاكمة أسرى الحرب بعد توقف العمليات العدائية ((8)).

على الرغم من ذلك فقد أوشكت الحرب على الانتهاء ولم يتمحص على ذلك سوى إبرام اتفاقية الهدنة في 11 نوفمبر 1918 التي تم على أثرها تشكيل “المؤتمر التمهيدي للسلام” المنعقد في باريس 1919 والذي سلف الإشارة إليه – أن شكلت أول لجنة تحقيق دولية مكونة من خمسة عشر عضواً – تمثل عشر دول متحالفة – أطلق عليها لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات ((9).

وقد كان هدفها تحقيق وإعلان مسئولية مبتدئي الحرب وكل من خالف قوانينها وأعرافها من أجل محاكمتهم.

وقد قامت اللجنة بإنجاز مهمتها خلال شهرين من تاريخ تشكيلها وتقدمت بتقرير تناولت فيه ثلاث مسائل رئيسية ((10).

المسألة الأولى : وتتعلق بالأفعال التي ارتكبها الألمان مما يعد إخلالاً بقوانين وعادات الحرب ، وفي هذا الصدد أعدت اللجنة قائمة بتلك الأفعال بلغت 32 فعلاً تشكل جميعها جرائم ضد قوانين الحرب وأعرافها ((11).

المسألة الثانية : وتتعلق بالمسئولية الجنائية الشخصية للأفراد الذين ارتكبوا تلك الأفعال وطبقاً لتقرير اللجنة فإن هؤلاء الأفراد ينقسمون إلى:

الطائفة الأولى وهم الذين ارتكبوا أفعالاً تشكل انتهاكا لقوانين الحرب وأعرافها ضد دولة واحدة، أو ضد رعاياها مثل قتل رهائنها وإبعاد السكان المدنيين بالقوة، وإرغام سكان الأقاليم المحتلة على المساهمة في المجهود الحربي والنهب …… الخ وهؤلاء يجب أن تتم محاكمتهم أمام محاكم الدولة التي أضيرت أو أضير مواطنوها من جراء تلك الأفعال.

الطائفة الثانية: فهم الذين ارتكبوا أفعالا أضرت بعدة دول وأضرت برعايا عدة دول ويدخل في تلك الطائفة : الذين قاموا باساءة معاملة أسرى الحرب المنتمين لجنسيات مختلفة، والذين قاموا – بوصفهم قادة مسئولين بإصدار أوامل كان من نتيجتها ارتكاب جرائم في أقاليم عدة دول أو امتنعوا عن اتخاذ إجراءت منع ارتكاب تلك الجرائم، وكل من ارتكب جريمة يكون من الأنسب – وفقاً لطبيعة تلك الجريمة – أن يحاكم أمام محكمة دولية، وعلى ذلك فإن كل من ينتمى إلى تلك الطائفة يجب أن يحاكم أمام محكمة جنائية دولية.

الطائفة الثالثة: وتتعلق بطبيعة المسئولية عن حرب الاعتداء وفي هذا الصدد فقد قررت اللجنة أن إثارة حرب الاعتداء، رغم كونه عملاً يجافي العدالة، إلا أنه لا يقع تحت طائلة العقاب، لعدم وجود قانون دولي سابق يحرم اللجوء إلى الحرب – ويحدد العقوبات الجنائية المستوجبة عند المخالفة وكل من يمكن أن تخضع له أفعال الاعتداء هو الجزاء الأدبي، وسدا لهذا النقض فقد اقترحت وضع جزاء جنائي عن تلك الأفعال في المستقبل ((12).

ولقد عقدت اللجنة (لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات) اجتماعات مغلقة لمدة شهرين وأجرت تحقيقات مكثفة ((13).

وكان من المفروض أن يتوج هذا العمل بتحديد أسماء الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب محددة على سبيل الحصر، إلا أن ذلك لم يحدث نظراً لتأثر هدف تلك اللجنة ببعض التطورات السياسية المتلاحقة، وهنا يثور تساؤل منطقي مقبول وهو هل كانت نوايا الحلفاء هي السعي من أجل العدالة أم أنهم تعمدوا استعمال رموز العدالة يحققوا أهدافا سياسية ((14).

وقد انتهت اللجنة من إعداد تقريرها في 1920 حيث قدمت قائمة تحوى أسماء 895 مجرم حرب، على أن تتم محاكمتهم أمام محاكم الحلفاء لإرتكابهم جرائم حرب ضد قوانين الإنسانية في ذلك إلى ما جاء بتمهيد معاهدى لاهاي ([15] لعام 1907.

وفي نهاية المطاف لم ترتبط معاهدة فرساي لجنة 1919 بالمحاكمات اللاحقة التي تمت بموجب مادتيها رقمي 228 ، 229 سالف الإشارة مما تسبب في إحداث فراغ بين مرحلتي التحقيق والمحاكمة وبناء عليه جاءت نتيجة التحقيقات غير مجدية سياسيا فإن تجاهل التقرير ونسيانه يصبح أمراً يسيراً، ولو حدث أن جاءت النتيجة غير مجدية سياسياً فيمكن استخدامها في محاكمات لاحقة ((16).

ثانيا : لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب عام 1943

لقد فرضت الفظاعات الوحشية التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية الحاجة إلى محاكمات دولية عقب انتصار الحلفاء، وفي عام 1942 وقعت القوى المتحالفة بقصر سانت جيمس، اتفاقية إنشاء لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب ( UNWCC ) ([[[#الهامش|(17)]].

وقد كان إعلان جيمس أول خطوة على طريق إنشاء المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرج وعلى الرغم من التوقعات والآمال الكبيرة التي كانت معقودة على ( UNWCC ) إلا أن الاتفاقية الحكومية المتعددة الأطراف نشأ عنها هيئة تحقيق خاضعة لاعتبارات سياسية باشرت دوراً أقل بكثير مما توقعه الحلفاء لها.

ولقد تشكلت لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب UNWCC من ممثلين من سبع عشرة دولة كانت معظم حكوماتها تباشر سيطرة وقوى محدودة من المنفى ((18).

ولقد كان لهذه اللجنة تأثير ودعم سياسي محدود مما أوصى بمستقبل غير أكيد لتلك الحكومات المبعدة وكان من المفترض أن تقوم اللجنة بالتحقيقات وتقصى الأدلة عن جرائم الحب تحت حماية قوى الحلفاء ولكن بالرغم من هذا لم يزود الحلفاء اللجنة بالمحققين أو الموظفين الكافين أو الدعم المالي المناسب لكي تؤدى اللجنة عملها، وفي الواقع خلال أشهر قليلة من إنشائها أعلن أول رئيس لها “سير سيسل هيرست” أن اللجنة لن تستطيع لن تستطيع أن تؤدى العمل المنوط بها على الأكمل وقد اعتمدت اللجنة على الحكومات في تقديم تقاريرها إلا أنه بنهاية عام 1942 تسلمت سبعين قضية تحتوى على معلومات غير مكتملة أو عديمة القيمة، وحتى بعد تحذير الرئيس لحكومات الحلفاء لم تخضع لذلك سوى حكومات قليلة جديدة ((19).

ومن الجدير بالذكر أن الحلفاء لم يكتشفوا مدى فظاعة الأعمال الوحشية التى ارتكبها الألمان إلا بعد أن قاموا بتحرير تلك القطاعات التي كانت محتلة، ومن ثم بدأت القوات البريطانية والأمريكية في إعداد قائمة بأسماء مجرمي الحرب المشتبه فيهم حتى يمكن الفصل بينهم وبين السجناء المحررين الآخرين، ومن هنا بدأت حكومة بريطانيا تدفع لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب لاستكمال عملها ((20).

وعلى الرغم من افتقار اللجنة للتعاون من وفيما بين الحكومات المختلفة فقد استطاعت تجميع 8.178 ملف ضد مجرمي حرب متهمين وجمع المعلومات من الحكومات ((21).

وعلى الرغم مما جمعته اللجنة من معلومات خاصة بالاتهامات بجرائم الحرب إلا أنها لم تقدم الحكومة العسكرية الدولية أو أي من الإجراءت التي أعقبتها قوات احتلال الحلفاء في ألمانيا بموجب قانون مجلس رقابة الحلفاء والذي كان لديه فرق تحقيق خاصة، فضلا عن عدم تقدمها للمحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى والمعروفة بـ (IMTEE) أو محاكم الحلفاء العسكرية أو أى من اللجان للشرق الأقصى ، وعلى أي حال فقد اعتمدت المحاكمات الوطنية اللاحقة التي أجرتها الحكومات المختلفة على المعلومات التي جمعتها لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب ((22).

ولقد ضعف الدعم السياسي لهذه الآلية فيما بني 1942 و 1945 حينما بدأت الولايات المتحدة تسيطر على إجراءات المحكمة العسكرية الدولية فراحت توجه إجراءتها اللاحقة في محكمة نورمبرج مستندة إلى القانون رقم 10 لمجلس رقابة الحلفاء، وفي ذات الوقت الذى تبخر فيه دعمها للجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب، أما عن تأثير اللجنة الأدبي على الحكومات لإرغامها على التعاون معها في ملاحقة مجرمي الحرب المتهمين ومحاكمتهم أو تسليمهم لحكوماتهم فقد اختفى إلى حد بعيد، وقد وضح هذا جلياً بشأن مجرمي الحرب الإيطالية الذين لم يقدموا للمحاكمة مطلقاً ((23).

ثالثا : لجنة الشرق الأقصى لعام 1946م

تمت الموافقة على تشكيل لجنة الشرق الأقصى FEC ((24). في دبسمبر 1945 لموسكو استجابة لطلب الاتحاد السوفيتي وقد أعطت اللجنة للاتحاد السوفيتي مقداراً ضئيلا من السيطرة المستقبلية على اليابان كمكافأة على اشتراكه المتأخر في الحرب وتركت السيطرة على اللجنة للولايات المتحدة، وقد تكونت على اشتراكه المتأخر في الحرب وتركت السيطرة على اللجنة الأربعة الكبار، وقد نقلت اللجنة توجيتهاتها من مقرها بواشنطن إلى مجموعة استشارية عرفت باسم “مجلس الحلفاء لليابان” منعقداً في طوكيو، وقد انحصرت عضوية هذا المجلس في الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والاتحاد السوفتي حيث كانت هذه الدول تشرف على السياسات والممارسات الاحتفالية لليابان ((25).

ولقد كانت لجنة الشرق الأقصى كيانا سياسياً وليس تحقيقاً، الغرض منه توطيد سياسة احتلال اليابان والتنسيق بين سياسات الحلفاء في الشرق الأقصى، ولقد لعبت اللجنة دوراً هاماً في توفير سياسة للحلفاء المتحدين في المحاكمات فضلا عن سياسات أخرى متصلة بمحاكمة مجرمي الحرب المشتبه فيهم وتفيذ العقوبات والإفراج عنهم.

وفي النهاية وعلى الرغم مما سبق أصبحت لجنة الشرق الأقصى كجمعية مناقشات وعندما تم التوقيع في النهاية على اتفاقية سلام مع اليابان، ماتت اللجنة موتاً هادئاً ((26).

ولقد أصبحت المسائل الإحتلالية من اختصاص الجنزال “دوجلاس مالك أرثر” القائد الأعلى من الناحية الفعلية (SCAP) فواجهت أراؤه ووجهات نظره السياسية من الناحية الفعلية كافة مظاهر العدالة في الشرق الأقصى، وعارض إنشاء اللجنة لأنها أعطت للاتحاد السوفيتي دوراً وحق الفيتو وعلق عليها قائلا إن طبيعة تركيب وإجراءت اللجنة جعلتها عقيمة في آخر الأمر.

وفي 19 يناير 1946 أعلن الجنزال “مالك أرثر بصفته القائد الأعلى لقوات الحلفاء في منطقة الباسفيكي ونيابة عن لجنة الشرق الأقصى إنشاء المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، وكان اختيار المشاركين في لجنة الشرق الأقصى بناء على أساس تمثيلي، فكان كل عضو يمثل حكومة دولته وليس بصفته الشخصية وكان أعضاء اللجنة يعملون تحت رئاسة الجنرال وذلك للتحقيق في تقارير جرائم الحرب وجمع وتمحيص الأدلة وعمل الترتيبات اللازمة للقبض على المجرمين المشتبه فيهم، كما خولته أيضا الحق في تقرير أي الأشخاص والمنظمات، الأمر الذي أدى إلى تسييس اللجنة والتأثير على أعمالها عن العدالة.

وفي ديسمبر 1945 أنشأ الجنزال “ماك أرثر” لجنة عسكرية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين في الفلبين ((27).

رابعا : لجنة الخبراء المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 780 لعام 1993 للنقص عن جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة

في 6 أكتوبر عام 1992 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 780 المنشئ للجنة الخبراء الخاصة بالتحقيق وجمع الأدلة عن المخالفات الجسيمة لمعاهدات جنيف والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي الإنساني في ذلك الصراع الدائر بيوغسلافيا السابقة ((28).

وبمطالعة تاريخ اللجنة وأعمالها يتبين بوضوح أنها كانت مفعمة بتأثير السياسة، فقد عرف القرار 780 ما كلفت به لجنة الخبراء ما يلي :-

“طلب مجلس الأمن من السكرتير العام وبصفة عاجلة تشكيل لجنة محايدة من الخبراء تكون مهتمها تقييم وتحليل المعلومات المقدمة على أثر القرار 771 لسنة 1992 والقرار الحالى، وللجنة الخبراء تنفيذ القرار 771 لسنة 1992 جمع معلومات أخرى من خلال تحرياتها أو غير هامش من الأشخاص أو الكيانات من أجل تقديم تقرير نهائي للسكرتير العام حول المخالفات الجسيمة لمعاهدات جنيف والانتهاكات للقانون الدولى الإنساني والتي ارتكبت في أراضي يوغسلافيا السابقة((29).

وقد فسرت لجنة الخبرات مهامها على أساس جمع المعلومات والأدلة الممكنة المتعلقة باتهاكات القانون الإنساني الدولي وذلك في حدود إمكانياتها وقدراته، وقد أسفرت جهود اللجنة عن 65.000 ألف صفحة من المستندات ، وقاعدة معلومات لتصنيف تلك المعلومات الورادة بالمستندات وما يزيد عن 300 ساعة من شرائط الفيديو فضلا عما تضمنته ملاحق التقرير النهائي للجنة الخبراء من 3300 صفحة من التحليلات ((30).

وقد تم تسليم هذه المعلومات والأدلة إلى المدعى العام للمحكمة في الفترة ما بين أبريل وأغسطس 1994. ولقد خلق المناخ السياسي وحدة الصراع في ذلك الوقت وضعا كان من المحتم فيه أن تكون هناك أولوية للتسوية السياسية، ولقد كان السعى لتحقيق العدالة مجرد د فعل للاهتمام الدولي الذي أظهرته وسائل الإعلام من هول وفظاعة الحرب أمام الرأى العام الدولى، ولكن نظرا لعدم رغبة القوى العظمى في التدخل عسكرياً فإن الوسطاء من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي لم يكن لديهم الوسائل الكافية للوصول إلى وقف الأعمال العدائية بين الأطراف.

إن إنشاء كيان دولي للتحقيق له أوسع الاختصاصات الممكنة منذ حاكمات نورمبرج لم يكن المراد منه الوصول إلى تسوية سياسية نظراً لأن الزعماء المشاركين في المفاوضات قد يصحبون أيضا هدفا لتلك التحقيقات، ولذا فإن مفاوضات التسوية السياسية كان من غير الممكن الوصول إليها مع وجود تلك التحقيقات الجنائية واحتمال توجيه الاتهامات إليهم ، وإزاء هذا المأزق تمت المفاضلة لصالح السياسية على حساب العدالة، وبناء على ذلك لم تحصل اللجنة على أي تمويل من الأمم المتحدة لإجراء التحقيقات من موقع الأحداث ولم تكف المصادرة المحدودة التي قدمتها الأمم المتحدة إلا بعض المصاريف الإدارية ولفترة زمنية قصيرة، فضلا عن بعض العراقيل المالية والبيروقراطية التي وضعتها الأمم المتحدة في طريق اللجنة مما حدا بالأخيرة إلى قبول مصادر تمويل خارجية مساعدات مقدمة من بعض الحكومات.

وعلى سبيل المثال قام معهد قانون حقوق الإنسان بجامعة دى – بول بشكاغو بالإشتراك مع المؤلف بتنظيم عملية جمع المستندات ونظم المعلومات عن طريق مصادر تمويل خاصة، وهو ما عارضته بيروقراطيه الأمم المتحدة علما بأن عمل معهد قانون حقوق الإنسان الدولي في المساهمة بهذا القدر الهائل من المعلومات كان العناصر التي اعتمدت عليها اللجنة في وضع تقريرها النهائي وملحقاته((31).

وقد قامت لجنة الخبراء بخمس وثلاثين زيارة ميدانية تضمنت استخراج الجثث من المقابر الجماعية وإجراء أكبر تحقيق دولي حول جريمة الاغتصاب الجماعي، وكان معظم المشاريكن في تلك الزيارات من مساهمات بعض الدول بالعاملين لديها أو المتطوعين عدا أعضاء اللجنة وثلاثة من طاقم السكرتارية، وقد توافرت نتيجة لعمل اللجنة والمعلومات الي تم جمعها بمعرفة معهد قانون حقوق الإنسان الدولى أدلة دامغة على أن الجرائم التي ارتكبت ما كان يتسنى لها أن تتم بدون ضلوع بعض القيادات السياسية والعسكرية فيها ، الأمر الذي برزت فيه أعمال اللجنة وكأنها تشكل تهديداً للمفاوضات السياسية حيث أنه من الممكن تجاهل الاتهامات الورادة بالتقارير الإعلامية بِشأن مسئولية مرتكبي جرائم “التطهير العرقي” والاغتصاب المنظم وغيرهما من الانتهاكات المنظمة للقانون الإنساني الدولي، إلا أن إقامة الدليل على تلك الإتهامات كان هو التهديد الحقيقي مما أدى إلى ضرورة إنهاء أعمال تلك اللجنة لاعتبارات سياسية مع محاولة تفادى النتائج السلبية لهذا العمل المباشر، فضلا عن أنه كان من الصعب الالتفات حول الفقرة العاشرة من ديباجة قرار مجلس الأمن رقم 872 والذى نص على أنه ” إلى حين تعيين مدع عام للمحكمة الدولية، فعلى لجنة الخبراء المنشأة تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 780 لسنة 1922 الاستمرار – ولأسباب عاجلة – في جمع المعلومات كما هو مقترح في تقريرها المؤقت ((32).

وهكذا تم عرقلة العدالة بهدوء باستخدام وسائل بيروقراطية حيث صدر قرار إداري بإيعاز ومساندة من بعض الأعضاء دائمى العضوية – بدون ترك أثر قانوني لذلك – وتم إخطار رئيس اللجنة إداريا بضرورة إنهاء اللجنة لأعمالها في مدة أقصاها 30 أبريل 1994. وحينما انتهت اللجنة من عملها كان لايزال لديها مبلغ 250.000 (مائتين وخمسون ألف دولار أمريكي) ودائع قبل استكمال تقريرها النهائي، وفي خلال الفترة من 30 أبريل وحتى 31 ديسمبر 1994 قام الرئيس باستكمال التقرير النهائي وملحقاته واستكمل العمل حتى يوليو 1995 حتى يتأكد من قيام الأمم المتحدة بنشر التقرير ((33).

خامسا : لجنة الخبراء لرواندا لعام 1994

أقر مجلس الأمن في يوليو 1994 القرار رقم 935 الخاص بإنشاء لجنة الخبراء للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والتي ارتكبت أثناء الحرب الأهلية في رواندا بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية والإبلاغ عنها للسكرتير العام الأمم المتحدة ((34).

وقد باشرت اللجنة عملها لمدة أربعة أشهر فقط، فكانت تلك المدة غير كافية لكي تقوم اللجنة بالمهام المسندة إليها على أكمل وجه، خاصة وأن المواقف كان صعباً للغاية إذ المجازر البشعة والتي قتل فيها مئات الألوف من التوتسي ومن المعارضين للهوتو في عام 1994 في رواندا، وعلى أقاليم الدول المجاورة وبخاصة في مخيمات اللاجئين بزائير.

وعلى ذلك فقد عمل مجلس الأمن جاهداً على أن يتأكد من عدم اتباع لجنة رواندا لذات النهج الذى سارت عليه لجنة خبراء يوغسلافيا، فتم تكليف لجنة رواندا بمهام محددة بمحددة عليها أن تنتهى منها خلال ثلاثة أشهر وبدون التحقيق في أى ادعاءات محددة، وقد أمضت لجنة الثلاثة أشهر أسبوعا في موقع الأحداث بدون أي تحقيقات ، وفي النهاية جاء التقرير النهائي للجنة على غرار التقرير النهائي للجنة خبراء يوغسلافيا السابقة إلا أنه افتقد دقة الأخير، فكان تقرير لجنة الخبراء لوراندا مبنياً على تقارير مأخوذة من آليات أخرى وتقارير الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وفي 4 أكتوبر قدمت اللجنة تقريرها المبدئي إلى السكرتير العام ثم قدمت التقرير النهائي 9 ديسمبر 1994 ((35).

وقد استند مجلس الأمن لى هذين التقريرين في إنشائه للمحكمة الخاصة برواندا، وذلك على نحو ماسبق نتناوله فيما بعد.

ومن الملاحظ أن جميع لجان التحقيق قد تأثرت في أعمالها بالاعتبارات السياسية للحكومات دون الاعتداد أو العمل على إرساء قواعد العدالة وهذا ما لمسناه من تحليلنا لأعمال لجان التحقيق الخمس سالفة الذكر وإن كانت لجنة خبراء رواندا قد فقدت الدقة في تقريرها المأخوذة من آليات آخرى، خاصة وأنها اعتمدت في ذلك على تقارير الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، الأمر الذي يوضح لنا مدى الافتقار الذي سيطر على لجان التحقيق خلال المراحل التاريخية التى مرت بها، الأمر الذي يتطلب أن نتناول التطور التاريخي للمحاكم الجنائية الدولية.

المطلب الثاني: تاريخ المحاكم الجنائية الدولية

أولا: مؤتمر السلام التمهيدي 1919

المحاكم الجنائية في أعقاب الحرب العالمية الولى وعن القوى المنتصرة والمتحالفة معها إلى عقد مؤتمر السلام التمهيدي في باريس 1919، وفي هذا المؤتمر طرحت عدة موضوعات من أهمها محاكمة قيصر ألمانيا (غليوم الثاني) وباقي مجرمي الحرب الألماني والمسئولين الأتراك المتهمين بانتهاك القوانين الإنسانية وانتهت أعمال المؤتمر في 28 يونيو 1919 إلى إبراه معاهدة السلام التي نصت في المادة (227) منها على إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاكمة قيصر ألمانيا (غليوم الثاني) كما نصت المادتين (288-229) من المعاهدة على محاكمة ضباط الجيش الألماني المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية لأى من الدول المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب أمام المحاكم العسكرية لأى من الدول المتحالفة أو أمام المحاكم العسكرية لأى من الحلفاء.

تعترف الحكومة الألمانية بحق الدول المتحالفة والمتعاونة في تقديم الأشخاص المتهيمن بارتكابهم أفعالا مخالفة لقوانين وأعراف الحرب للمثول أمام المحاكم، وأنه سوف يتم التوقيع على ما ينص على القانون من العقوبات على هؤلاء الأشخاص في حالة إدانتهم ، وسوف تسرى هذه المادة بغض النظر عن أي إجراءات أو محاكمات أمام أي من المحاكم في ألمانيا أو في أراضي أي دولة من حلفائها. سوف تقوم الحكومة الألمانية بتسليم جميع الأشخاص المتهمين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب ممن يتم تحديدهم بالاسم أو الدرجة الوظيفية أو الإدارة أو العمل الذي خول إليهم بمعرفة السلطات الألمانية إلى الدول المتحالفة والمتعاونة أو إلى أى دولة من هذه الدول ممن يطلب ذلك من هذه القوى) م 228. الأشخاص الذين ثبت إدانتهم بارتكاب جرائم ضد مواطني أي من الدول المتحالفة والمتعاونة سوف يتم تقديمهم للمثول أمام المحاكم العسكرية لهذه الدول.

الأشخاص الذين تثبت إدانتهم بارتكاب جرائم ضد مواطنى أكثر من دولة من الدول المتحالفة والمتعاونة وسوف يتم تقديمهم للمثول أمام محاكم عسكرية مشكلة من أعضاء المحاكم العسكرية للدول المعنية.

في جميع الأحوال بحق لأى من المهتيمن تحديد المحامي الذي يترافع عنه ، م (229) والملاحظ على نص المادتين(228-229) من معاهدة فرساى أنهما لم يهملا دور القضاء الجنائي الوطنى عند صياغة النظام القضائي الجنائي الدولي، بل وكانت لهذا القضاء الأولوية في النظر في التهم الموجهة لمرتكبي الجرائم ضد مواطني أكثر من دولة من الدول المتحالفة، لكن هذا الاعتبار كان يقابله من ناحية أخرى عدم الاعتراف بالأحكام والإجراءات التي تكون قد باشرتها المحاكم الألمانية أو محاكم أي دولة حليفة لها ((36).

وأعمالا لنص المادتين (228-229) شكل المؤتمر لجنة ضمنت في عضويتها ممثلين اثنين عن كل دولة من الدول الخمس العظمى آنذاك (الولايات المتحدة الأمريكية) الإمبراطورية البريطانية – فرنسا – إيطاليا – اليابان) ((37). وهذه اللجنة أطلق عليها لجنة تحديد مسئولية مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات والتي سبق تناولها من قبل.

ومن الملفت للنظر أن هذه اللجنة لم توجه الاتهام إلى المسئولين الأتراك المتهمني بارتكاب مجازر بحق الأرمن في تركيا عام 1915 بالرغم من أن معاهدة (سيفر) لعام 1920 المبرمة بين الحلفاء وتركيا نصت على تسليم الأتراك المتهمين بارتكاب جرائم حرب للتحقيق معههم ومحاكمتهم، وربما كان وقف وراء موقف اللجنة هذا عدم مصادقة تركيا على هذه المعاهدة واستبدالها بمعاهدة لوزان لعام 1923 والتي لم تشرف أى من نصوصها للاتهام والمحاكمة، بل وتضمنت ملحقا غيرمعلن أعفى المسئولين الأتراك من الملاحقة عن الجرائم التى اقترفوها أثناء الحرب ((38).

ولو نظرنا إلى معاهدة فرساى في مجال محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومخالفة قوانين وأعراف الحرب، لوجدنا أنه يغلب على تلك المعاهدة، الجانب النظري، لأنها لم تجد طريقا إلى التطبيق الفعلي والعلمي لاسيما فيما يتعلق بنص المادتين (227-228) من المعاهدة اللتين تعدان جوهر المعاهدة أو أهم المستجدات فيها ، حيث رفضت حكومة هولندا التي لجأ إليها إمبراطور ألمانيا (غليوم الثاني) تسليمة ((39).

الأمر الذى دعا الحلفاء إلى بحث إمكانية التقدم بطلب تسليمه في وقت لاحق من خلال القنوات الدبلوماسية، إلا أن رد الحكومة الهولندية ممثلة بملكها جاء سلبيا حيث كان تربطه بإمبراطور ألمانيا صلة قرابة – تتمثل في أنهما أبناء عمومة، هذا بالإضافة إلى أن طلب التسليم من قبل الحلفاء لم يكن يتسم بالجدية أو الإصرار تجنبا ًلإرساء سابقة بمحاكمة رئيس دولة بسبب جريمة دولية بالإضافة إلى أن التعابير التي استخدمها الحلفاء في صياغة نص المادة (227) لم تشر لجريمة دولية بذاتها (الحلفاء والقوى المتحالفة يستدعون غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا السابق رسميا لإرتكابه جريمة عظمى ضد المبادئ والأخلاق العالمية وقدسية المعاهدات، وسف تشكل محكمة خاصة لمحاكمة المتهم، وبذلك تكفل له الضمانات اللازمة لحقه في الدفاع …… ولسوف يوجه الحلفاء والقوى المتحالفة طلبا رسيما لحكومة هولندا طالبين تسليم الإمبراطور السابق لاحتمال تقديمه للمحاكمة )، ومن هنا يتضح أنه أصبح لحكومة هولندا أساس قانوني لرفض تسليم غليوم الثاني.

وبالرغم من العقبات التي حالت دون تطبيق معاهدة فرساي فعليا على مرتكبي الجرائم الدولةي – إلا أن المعاهدة رغم ذلك حققت بعض النجاحات الآتية:-

  1. إنها أدخلت للمرة الأولى في تاريخ القانون الدولي الجنائي فكرة جرائم الجرب، حيث نصت المادة (228) منها على أنه (تعترف الحكومة الألمانية بحق الدول المتحالفة والمتعاونة في تقديم الأشخاص المتهمين بارتكابهم فعلا بالمخالفة لقوانين وأعراف الحرب …..).
  2. أنها طرحت للمرة الأولى أيضا فكرة مساءلة الأفراد على المستوى الدولي عن أفعالهم غير المشروعة (…… سوف تقوم الحكومة الألمانية بتسليم جميع الأشخاص المتمهين بانتهاك قوانين وأعراف الحرب من يتم تحديدهم بالاسم أو الدرجة الوظيفية أو الإدارة أو العمل الذى خول إليهم …….. ) م(228).
  3. أنها طرحت فكرة مساءلة رؤساء الدولة وللمرة الأولى في القانون الدولي ومثل هذه الفكرة لم يكن بالإمكان تقبلها فيما مضى في المجتمع الدولي، حيث نصت المادة (227) (الحلفاء والقوى المتحالفة يستدعون غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا السابق …… وسوف تشكل محكمة خاصة لمحاكمة المتهم …).
  4. إنها أخذت بمبدأ التكامل بين القضائين الوطنى والدولي حيث أجازت محاكمة مرتكبي الأفعال المخالفة لقوانين الحرب وأعرافها أمام المحاكم الوطنية للدول الحليفة أو أمام المحاكم الألمانية (…. وسوف تسرى هذه المادة بعض النظر عن أي إجراءات أو محاكمات أمام أى من المحاكم في ألمانيا أو في أراضي أي دولة من حلفائها م(228).
  5. الأشخاص الذين ثبت إدانتهم بارتكاب جرائم ضد مواطني أي من الدول المتحالفة والمتعاونة سوف يتم تقديمهم للمثول أمام المحاكم العسكرية لهذه الدول.
  6. الأشخاص الذين ثبت إدانتهم بارتكابهم جرائم ضد مواطني أكثر من دولة من الدول المتحالفة والمتعاونة سوف يتم تقديمهم للمثول أمام محاكم عسكرية مشكلة من أعضاء المحاكم العسكرية للدول المعنية) م (229) ((40).

ثانياً: محاكمات ليبرزج عام 1932

لم تبدأ محاكمات ليزج إلا عام 1923، بالرغم من أن اللجنة المكلفة بالتحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء الحرب العالمية الأولى انتهت من أعمالها عام 1919 وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على عدم الجدية في ملاحقة مرتكبي الحرب ومنتهكي قوانينها وأعرافها هذا على الصعيد الزمني . أما على الصعيد الشخصي فلم تقدم لائحة اتهام إلا لـ (45) متهما فقد من أصل (854) وردت أسمائهم بالقائمة التي جرى إعدادها من قبل لجنة 1919 وفعليا لم يمثل أمام المحكمة سوى (12) ضابطا متهما بارتكاب خرق قوانين الحرب وتراوحت الأحكام التي صدرت بحقهم بين ستة أشهر وأربع سنوات ولم يقض أى منهم مدة محكوميته فعليا ((41) ).

وربما وقف وراء هذا التراجع في تحقيق العدالة الدولية، السعى نحو لملمة جراج الماضي وطي صفحاته، وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية بين الحلفاء من جهة وألمانيا من جهة اخرى كسبيل لإرساء دعائم السلم في أوربا لاسيما وأن عصبة الأمم كانت قد باشرت أعمالها فعلا واستطاعت تسوية العديد من الخلافات التي كانت فيما مضى تهدد السلم والأمن الدوليين، وفقد استطاعت وبالطرق السلمية تسوية الأزمة (اللتوانية – البلولندية) مدينة فيلنا (Vilon) عام 1920 وتسوية النزاع (الفلندي – السويدي) على جزيرة الاند (Aland) عام 1921 وتسوية النزاع (الألماني – البولندي) على حدود سليزيا العليا عام 1921 والنزاع (الكولمبي – البيروي) على أقليم ليتشيا Leticia والنزاع (البلغاري اليوناني) على الحدود ((42).

ولكن الحلفاء ومن وقف ورائهم في الدعوة إلى طي صحفة الماضي فاتهم فشل عصبة الأمم المتحدة في تسوية العديد من النزاعات ومن بينها النزاع (الإيطالي – اليوناني) عام 1923 نتيجة لاحتلال إيطاليا جزيرة كورفو ورفضها الانسحاب نمها إلا بعد توسط فرنسا وإيطاليا، وفاتهم عدم محاكمة مجرمي الحرب العالمية الأولى والصفح عنهم قد يعنى تشجيع غيرهم على ارتكاب مثل هذه الفظائع وربما أكثر منها، وهذا ما حدث فعلاً أثناء الحرب العالمية الثانية حينما لجأ “هتلر” إلى تطهير الرايخ الثالث من اليهود والغجر، وحينما تجرأت الولايات المتحدة الأمريكية على إلقاء القنبلة الذرية على كل من هورشيما ونكازاكي. ولا يفوتنا ما ردده “هتلر” في خطبة عام 1939 بشأن خطته لتطهير الرايخ الثالث من اليهود والغجر” من الذي يتحدث اليوم بعد كل ما حدث عن إبادة الأرض؟ يتضح من كلمات هتلر أنها تعكس وجهة نظر ما زالت سائدة حتى اليوم وهي أن حكم القوى دائما ما يرجح على حكم القانون ((43).

ثالثا : المحاكم العسكرية الدولية التي أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية

تتمثل المحاكم التي أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية في اثنين هما

المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرج عام 1945

مع اقتراب الحرب العالمية الثانية على نهايتها ، بدأت تتعالى الأصوات الداعية إلى محاكمة مجرمي الحرب العاديين والكبار على حد السواء، ولم تقصر هذه الدعوات على دول الحلفاء فحسب بل امتدت إلى الموظفين الدوليين وعلى رأسهم رئيس لجنة جرائم الحرب المنبعثة عن هيئة الأمم المتحدة الذى صرح في مؤتمر صحفى عام 1944 بأن مجرمي الحرب الكبار يمكن أن يعاملوا باحد طريقين، إما محاكمتهم محكمة دولية أو اتخاذ قرار ضدهم دون محاكمة.

في ذات الوقت الذى كانت لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب تجمع فيه الأدلة كان على القوى العظمى الأربع الحلفاء ان يصلوا إلى قرار بشأن محاكمة وعقاب مجرمي الحرب وخاصة قادة النظام النازى الذين وردوا في إعلان موسكو الذى وقع عليه كل من تشرشل وروزفلت وستالين في عام 1943، (إعلان موسكو 1943).

وحيث فضلت بريطانيا تعجيل إعدام مجرمي الحرب مثل هتلر وهم نظراً لفداحة الجرم الذى ارتكبوه والذى كان هدفاً لإجراء قضائي وعلى سبيل المقارنة فمنذ بدأت المناقشات عام 1942 في قصر سانت جيمس أراد ستالين إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة هتلر ومعاونيه وكبار القادة العسكريين – بينما فضلت الولايات المتحدة وفرنسا إنشاء محكمة دولية لمجرمي الحرب، فقد أراد الأمريكيون والفرنسيون لهذه المحكمة أن تسجل التاريخ وترشد العالم وتكون بمثابة ردع مستقبلي، بينما كانت بريطانيا العظمى تخشى أن تسمح الإجراءات العادلة للمتهمين أن يستلفو المحكمة كاجتماع الدعاية وتبرئهة أنفسهم، وفي النهاية تحققت فكرة المحكمة العسكرية الدولية بفضل إصرار الولايات المتحدة من خلال الرئيس ترومان والقاضي روبرت جاكسون – إلا أن الإجراءات التي اتبعت لم تكن معصومة من الخطأ ، فقد استغل الاتحاد السوفيتي المحاكمة لإعادة صياغة التاريخ. فقعدوا محاكمات لألمان متهمين بجرائم ارتكبها الاتحاد السوفتيى مثل ذلك اختفاء خمسة عشر ألف سجين بولندى تقريبا من بينهم من 8300 إلى 8400 بولندى ((44).

وعلى ذلك فقد أنشئت المحكمة العسكرية الدولية بموجب اتفاقية لندن الصادرة في 8 أغسطس سنة 1945 الموقعة من الدول الحليفة الأربعة وهي (إنجلترا – فرنسا – الإتحاد السوفيتي – الولايات المتحدة الأمريكية ويطلق على هذه الاتفاقية تعبير “اتفاقية محاكمة كبار مجرمي الحرب في أوربا ((45).

وقد نصت المادة الأولى منها على أن تنشأ محكمة عسكرية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الذين ليس لجرائمهم موقع جغرافي معين سواء بصفتهم الشخصية أو بوصفهم أعضاء في منظمات أو هيئات أو بالصفتين معاً.

وتم تحديد القواعد التي تحكم تشكيل المحكمة واختصاصها وسلطتها بمقتضى لاحئة ألحقت بالاتفاقية (المادة الثانية) وقد اعتبرت هذه الائحة بمثابة النظام الأساسي للمحكمة. وقد اكدت الاتفاقية على أنها لا تخل بما أقره إعلان موسكو الصادر في 30 أكتوبر سنة 1943 بشأن محاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائمهم في دولة معينة أمام محاكم هذه الدولة وطبقا لقوانينها ((46).

وفي ذات الاتجاه نصت الاتفاقية على أنها لا تمس اختصاص أو سلطات أية محكمة وطنية أو محكمة احتلال أقيمت أو تقام في أي دولة من الدول المتحالفة أو ألمانيا لمحاكمة مجرمي الحرب.

والمقر الدائم للمحكمة كاف في مدينة برلين على أن تجرى المحاكمة الأولى في مدينة تورمبرج (بألمانيا) ((47).

وقد حددت المادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة نورمبرج الجرائم التي تدخل في اختصاص هذه المحكمة بثلاثة أنواع هي :

الجرائم ضد السلام : وتشمل إدارة أو الإعداد أو شن حرب اعتداء أو حرب بالمخالفة للمعاهدات أو التأكيدات أو الضمانات أو الاتفاقيات الدولية . وكذلك المساهمة في خطة أو مؤامرة لإرتكاب أحد الأفعال السابقة (المادة 6/أ). جرائم الحرب: وتتكون من انتهاكات قوانين وأعراف الحرب ومن امثلتها القتل وسوء معاملة للأشخاص، والترحيل للعمل للسخرة وقتل وسوء المعاملة أسرى الحرب أو الأشخاص في عرض البحار، وقتل الرهائن، ونهب الممتلكات العامة أو الخاصة وتخريب المدن والقرى وأفعال التدمير التي لا تبررها ضرورة عسكرية (المادة 6/ب).

الجرائم ضد الإنسانية : وتضم جرائم القتل والإبادة والاسترقاق والأبعاد والأفعال الأخرى اللاانسانية التي ترتكب ضد أي سكان مدنين قب لأو أثناء الحرب وتشمل كذلك الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينيية، وسواء كانت هذه الأفعال تشكل جريمة في الدولة التي وقعت فيها أولا((48).

وقد مثل أمام محكمة نورمبرج 21 متهما وكلهم من الألمان، وقضت هذه المحكمة في حكمها الصادر في أول أكتوبر 1946 بالإعدام شنقا ضد اثنى عشر متهما، وبالسجن المؤبد على ثلاثة وعاقبت أربعة بالسجن المؤقت لمددة متفاوتة، وبرأت الثلاثة ((49).

ولقد كان كافة المدعى عليهم أمام المحكمة من الألمان على نحو ما ذكرنا، وبالتالي لم يتهم أو يحاكم أى مدعى عليهم من قوى المحور الأوربي الأخرى أمام المحكمة العسكرية الدولية، ولم يحاكم أي عسكريين من الحلفاء عن جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الألمان ومن ثم فإن الإجراءات كان من جانب واحد فيما يتعلق بالمتهمين ((50). ومن الملاحظ في هذا الصدد أنه صدر قانون مجلس الرقابة رقم 10 الصادر من الحلفاء الأربع بصفتهم الحكام العسكريون لألمانيا لعام 1946، والذي من خلاله مارس الحلفاء سلطة مطلقة على ألمانيا بموجب استسلام الأخيرة غير المشروط، وإلحاقا لميثاق لندن قاموا بسن قانون مجلس الرقابة رقم 10 الذى أجاز للحلفاء محاكمة الألمان في القطاعات الخاصة بالاحتلال، فجاءت محاكمات نورمبرج فعالة بسبب اتحاد اعتبارات عديدة أهمها الرغبة السياسية والمصادر الكافية والسيطرة على الإقليم وطبيعة أنظمة الخدمة المدنية والعسكرية الألمانية.

وقد ساهمت ذات الاعتبارات في فعالية الإجراءت الأمريكية والبريطانية والفرنسية اللاحقة بموجب قانون مجلس الرقابة رقم 10.

ومع ذلك باشر الروس عملهم بطريقة موجزة بقليل أو بلا شئ من أدنى مراعاة للاعتبارات السياسية، وقد كانت المحاكمات في مناطق احتلال الحلفاء أقرب ما تكون إلى المحاكمات الوطنية في طبيعتها إذا ما قورنت بالمحاكمات الدولية، لأن الحلفاء كانوا يشكلون القوى العليا في ألمانيا نتيجة استسلام الأخير غير المشروطة ((51).

  • الانتقادات التي وجهت الى محكمة نورمبرج

لقد واجهت المحكمة مثلما ستواجه أي محكمة دولية مستقبلية العديد من الانتقادات والمعوقات لتعارضها ومصالح الدولة واختلاف جنسيات الماثلين أمامها، وهذا بالإضافة إلى اختلاف ميزان القوى الدولية يلعب دوراً هاماً في التأثير على تشكيل المحكمة والقانون الواجب التطبيق أمامها وما إلى ذلك من الإشكاليات الأخرى وبصفة عامة، وفقد تعرضت محكمة نورمبرج الانتقادات الآتية:-

أن اختصاصاتها كانت نابعة من اتفاقيات أبرمت بين الغالبين ضد المغلوبين وبالتالي فهي تأتي لتحقيق عدالة سياسية مبنية على الانتقام اكثر من سعيها لتحقيق عدالة دولية فعلية الأمر الذي شكل عائقاً أمام نجاحها في كبح جماح من تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم. أن ميثاق المحكمة نص على عدم جواز رد القضاة ومخاصمتهم من قبل المتهمين وهو أمر يخل بمبادئ العدالة الدولية، (ونرى أن النص على هذا المبدأ بصورة صريحة كان أمراً مقصودا بذاته ومتوقعا أيضا، فالمحكمة تشكلت من قضاة ينتمون بجنساتهم للدول المنتصرة دون المهزومة ودول الحياد، الأمر الذي كان يوجه أصابع الشك والريبة للمحكمة وأحكامها.

أن هذه المحكمة لم تنشأ أساساً إلا لمحاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان، وقانونا يخضع هؤلاء للقانون الألمانى باعتباره قانونهم الشخصي، غير أنه تم الاتفاق على استبعاد هذا القانون ضماناً لعدم تكرار مهزلة ليبزج، كما برر هذا الاستبعاد بحجة عدم معرفة مكان ارتكاب الجرائم التى تجرى المحاكمة بشأنها ((52).

أن المحاكمات التي قامت بها محكمة نورمبرج هى في حقيقتها محاكمات ذات أثر رجعي، حيث لم تكن الجرائم التي ارتكبها المتهمون قبل إنشاء المحكمة مجرمة طبقا لقواعد القانون الدولي الساري في ذلك الوقت، وقد تمسكت هيئة الدفاع عن المتهمين بهذا المبدأ ودفعت بعدم مشروعية الجرائم المقدم عنها المتهمون للمحكمة على أساس أن تلك الجرائم لم تكن قائمة قبل إبرام ميثاق نورمبرج الأمر الذي يعنى تخلف الركن الشرعي للجريمة من جهة، وعدم تحديد العقوبة الواجب تطبيقها مسبقا على من يرتكب تلك الأفعال من جهة أخرى.

وحينما تصدت المحكمة لهذا الدفع لم تنكره وإنما ردت عليه بأن الركن الشرعي للجرائم ضد السلام تعد مستقراً في القانون الدولي العام استنادا للمواثيق والاتفاقيات الدولية السابقة لميثاق نورمبرج، وخاصة ميثاق بريان كيلوج” لسنة 1938 ومعاهدة المعونة المبادلة لسنة 1923 وبروتوكول جنيف لسنة [[1924]] ((53).

ناهيك في ذلك عن أن المتهمين كانوا على علم ودراية من خلال وسائل الإعلام بأنهم سوف يقدمون للمساءلة الجنائية على ما اقترفوا ويقترفون من جرائم حين انتهاء الحرب.

لقد قامت محكمة نورمبرج على أشخاص طبيعيين عن جرائم ارتكبت ضد قواعد القانون الدولي، ومن المتفق عليه أن الأفراد ليسوا من أشخاص القانون الدولي وإذا ما أريد مخاطبتهم فمن خلال دولهم فقط ((54).

عدم تمثيل المحايدة وألمانيا في المحكمة، وقد برر جانبا من الفقه غياب هذا التمثيل وفقا لنص المادة الخامسة من لائحة لندن بدول الحلفاء والموقعين على هذه اللائحة، وبالتالي كان لها الحق في إبداء رأيها في تشكيل المحكمة، هذا إضافة إلى أن استسلام ألمانيا بلا قيد أو شرط جعل المؤسسات الألمانية في يد الحلفاء وجعل تمثيلها بعنصر قضائي في تشكيل المحكمة أمراً مستحيلاً ((55).

أشارت المادة (7) من لائحة المحكمة في إطار تعدادها للعقوبات التي للمحكمة أن تقضى بها إلى أن للأخيرة أن تحكم بعقوبة الإعداد أو أى عقوبة أخرى تراها مناسبة، فضلا عن إمكانية الحكم بمصادرة كل الأموال المتعلقة بالجريمة وتسليمها لمجلس الرقابة في ألمانيا، وأول ما يسجل على نص المادة (27) أنها أشارت لعقوبة الإعدام فقط وتركت تحديد باقي العقوبات للسلطة التقديرية للمحكمة – الأمر الذي يعنى فسح المجال واسعاً أمام المحكمة للتعسف في إيقاع العقاب على الماثلين أمامها وتحت غطاء لم يوضح الكيفية التي تنفذ بها أحكام المحكمة – وهي مسألة لا تقل أهمية عن المسألة الأولى ((56).

محكمة طوكيو

تم إنشاء المحكمة العسكرية الدولية في طوكيو بمقتضى الإعلان الصادر من القائد الأعلى للقوات المسلحة لدول الحلفاء، بتاريخ 19 يناير سنة 1946، وذلك لمحاكمة كبار مجرمي الحرب في الشرق الأوسط ((57).

وقد حدد النظام الأساسي لهذه المحكمة الجرائم التي تخضع لاختصاصها على ذات النحو المنصوص عليه في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرج (الجرائم ضد السلام) وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية) – وقد أصدرت محكمة حكمها في 12 نوفمبر 1948 ضد (25) متهما، فقضت بإعدام سبعة ، وبالسجن المؤبد على (16) وبالسجن المؤقت ضد اثنين ((58).

وتجدر الإشارة إلى أن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة قد صاغت في عام 1950 مجموعة من المبادئ القانونية الهامة تم استخلاصها من النظام الأساسي الخاص بمحكمة نورمبرج ومن الحكم الصادر عنها وتتمثل هذه المبادئ فيما يلي :- ((59).

المسئولية الدولية للأفراد : ويقصد بذلك أي شخص يرتكب فعلا بشكل جريمة وفقا للقانون الدولي يكون مسئولا عنها، وبالتالي معرضا للعقاب عليها. إذا كان القانون الداخلي لا يعاقب على الفعل الذي يعد جريمة في القانون الدولي، فإن ذلك لا يعفي من ارتكب الفعل من المسئولية عنه وفقا للقانون الدولي.

لا يعفى الشخص الذى ارتكب جريمة وفقا للقانون الدولي كونه قد تصرف بوصفه رئيسا للدولة أو مسئولا حكوميا من المسئولية بمقتضى القانون الدولي. لا يعفى الشخص الذى ارتكب جريمة دولية بناء على أمر حكومته أو رئيسه الأعلى من المسئولية وفقا للقانون الدولي بشرط وجود حرية الاختيار لديه. لكل شخص متهم بجريمة طبقا للقانون الحق في محاكمة عادلة.

تعد الجرائم الآتية من الجرائم المعاقب عليها وفقا للقانون الدولي:

‌:أ- الجرائم ضد السلام : وتشمل التخطيط أو الإعداد أو شن حرب اعتداء أو حرب بالمخالفة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية والتأكيدات التي تم التعهد بها ، والإشتراك في خطة أو مؤامرة لارتكاب أي من الأفعال السابقة.

‌ب- جرائم الحرب: وتشمل انتهاكات قوانين وأعراف الحرب مثل القتل وسوء المعاملة والترحيل من أجل السخرة، وقتل أو سوء معاملة أسرى الحرب أو الأشخاص في البحار أو قتل الرهائن أو نهب الأموال العامة أو الخاصة وتخريب المدن والتدمير الذي لا تبرره ضرورة عسكرية.
‌ج- الجرائم ضد الإنسانية: وتشمل القتل والإبادة والاسترقاق، والأبعاد والأفعال الأخرى غير المناسبة التي ترتكب ضد أي سكان مدنيين، أو الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، عندما ترتكب تلك الأفعال أو الاضطهادات تنفيذا لجريمة من الجرائم ضد السلام أو جرائم الحرب أو تكون مرتبطة بها.

تعتبر جريمة وفقا للقانون الدولي الاشتراك في ارتكاب جريمة ضد السلام أو جرمية ضد الإنسانية، وبالتالي بسأل الزعماء والمنظمون والمحرضون والشركاء المساهمون في تجهيز أو تنفيذ خطة عامة أو مؤامرة بقصد ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة آنفا عن جميع الأفعال المرتبكة من أي شخص تنفيذا لتك لاخطة. تم تقسيم المتهمين إلى ثلاثة فئات هي (أ، ب، ج) وحسب نوع التهم والفظائع المتهمين بارتكابها، وقد وضع (28) من كبار المسئولين اليابانيين ضمن الفئة(أ) بالرغم من أن التهم الموجهة لبعضهم لم تكن تستوجب وضعهم ضمن هذه الفئة ((60).

الانتقادات التي وجهت لمحكمة طوكيو: والواقع أن محكمة طوكيو لم تسلم من النقد وعلى حد سواء مع ما وجه من نقد لمحكمة نورمبرج واجهت العديد من الانتقادات وهي :

أنها لم تنشأ بموجب معاهدة دولية، ولكن استنادا لقرار القائد الأعلى لقوات التحالف في الشرق الأقصى والتي سبق إيضاحها من قبل. ثم تحديد أسماء المتهمين وإعلان لائحة الاتهام بناء على اعتبارات سياسية، الأمر الذى انعكس بدوره على الأحكام الصادرة عن المحكمة ((61) ).

أن تنفيذ العقوبات الصادرة عن المحكمة كان محكوما بإرادة القائد الأعلى لقوات الحلفاء (ماك أرثر) بصفته صاحب السلطة في تخفيض العقوبة أو إصدار العفو الخاص، وبالفعل فقد أصدر أمراً بالإفراج عن خمسة وعشرين متهما صدرت بحقهم أحكام بالسجن، بل إن أي من المتهمين لم يقض عقوبة كاملة كما سبق أن ذكرنا من قبل – فخلال الفترة الممتدة بين عامي 19511958 تم الإفراج عن كل المدانين أمام محكمة طوكيو، وبما أن قرار الإفراج هذا كان قراراً سياسياً تم الاتفاق عليه مسبقاً بين إمبراطور اليابان (هيروهيتو) والقائد الأعلى لقوات الحلفاء، وقد أعلن هذا الاتفاق في صورة عفو عام أعلنه إمبراطور اليابان في 3 نوفمبر 1946 بمناسبة إعلان الدستور الياباني الجديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية ((62)).

المحاكم الجنائية الدولية الخاصة المعاصرة

قد سبق تناول المحاكم الجنائية التي واكبت الحربين العالميتين وما بعدهما على النحو السالف ذكره، والان نتناول المحاكم الخاصة والمعاصرة والتي تتمثل في محكمتي يوغسلافيا السابقة، ورواندا وذلك على فرعين:

الفرع الأول : المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة

على اثر الجرائم الدولية الفظيعة، وفي مقدمتها ممارسات التطهير العرقي التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك منذ سنة 1991 (كالنقل الإجباري للسكان، والقتل، والاعتقال التعسفى، والاغتصاب المنظم للنساء المسلمات..) أصدر مجلس الأمن الدولي في 22 فبراير 1993 القرار رقم 808 الذى نص على إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 وفي مايو 1993 أكد مجلس الأمن على قراره السابق بموجب القرار رقم 827، ونص على أن تختص هذه المحكمة بنظر الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي وقعت من أول يناير سنة 1991 إلى التاريخ الذ يحدده المجلس بعد إحلال السلام. وقد اعتمد مجلس الأمن بالقرار المشار إليه “النظام الأساسي للمحكمة” ((63)).

وعلى ذلك فالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لم تنشأ بموجب اتفاقية دولية، وإنما أنشئت بمقتضى قرار مجلس الأمن استناداً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بسلطة المجلس في حفظ السلم والأمن الدوليين. ومن ناحية أخرى فإن هذه المحكمة مؤقتة وليست دائمة ويتحدد اختصاصها المكاني بمنطقة جغرافية محدودة وهي “اقليم يوغسلافيا السابقة” ((64).

منذ أول يناير 1991. مما يعنى أن النظام الأساسي للمحكمة يسرى بأثر رجعى حتى التاريخ المذكور ((65)). ومقر المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في مدينة لاهاي (هولندا) وتتشكل المحكمة، كما نص النظام الأساسي عند صدوره من أحد عشر قاضياً يتم انتخابهم لمدة أربع سنوات من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة من قائمة يعدها مجلس الأمن. على أن يقوم هؤلاء القضاءة باختيار قاض من بينهم كرئيس للمحكمة ((66)).

وفي 13 مايو 1998 قرر مجلس الأمن أن يكون عدد قضاة المحكمة هو (14) قاضياً ((67)). وتتكون المحكمة من ثلاثة أجهزة : الأول : هو دوائر المحكمة وهناك ثلاثة دوائر للدرجة الأول، تتألف كل منها من ثلاثة قضاة، ودائرة استنئاف وتتكون من خمسة قضاة من بينهم رئيس المحكمة ((68)). والثانى: هو مكتب المدعى العام، ويعين هذا الأخير من قبل مجلس الأمن ، وذلك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد والثالث : هو قلم المحكمة.

ولقد حددت المواد من 2 إلى 5 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة الجرائم التي تخضع لاختصاص هذه المحكمة بأنها تشمل ما يلي:-

الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، كالقتل العمد والتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية بما في ذلك التجارب البيولوجية، وأفعال التي ترتكب عمداً لإحداث ألام شديدة أو أضرار جسيمة بسلامة الجسم أو الصحة. وأفعال التدمير للممتلكات أو الاستيلاء عليها، التي ترتكب على نطاق واسع بصورة غير مشروعة، وإكراه أسير حرب أو شخص مدني على الخدمة في القوات المسلحة للدولة المعادية لبلاده أو حرمان أسير الحرب أو شخص مدني من الحق في محاكمة قانونية عادلة، والطرد أو النقل غير المشروع لشخص مدني أو حبسه بدون وجه حق. ومن أمثلة ذلك كرهائن (المادة 2 من النظام الأساسي للمحكمة).

انتهاك قوانين وأعراف الحرب. ومن أمثلة ذلك بصفة خاصة استعمال الأسلحة السامة أو أسلحة أخرى معدة لكي تسبب أضراراً بلا جدوى، والتدمير بدون مبرر للمدن والقرى والتدمير الذي لا تبرره ضرورة عسكرية والهجوم أو القصف على المدن أو القرى أو المساكن أو المنشآت المحمية والاستيلاء أو التدمير أو التخريب المتعمد للمباني المخصصة للعبادة أو الهيئات الخيرية أو للتعليم أو الفنون أو العلوم، والآثار التاريخية ، وأعمال الفن، ولإعمال ذات الطابع العلمي، ونهب الأموال العامة أو الخاصة (المادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة).

جريمة الإبادة الجماعية : وتتوافر بارتكاب أي من الأفعال الآتية، بقصد إبادة كلية أو جزئية، جماعة قومية أو عرقية أو دينية أو تنتمي إلى سلالة معينة، بصفتها هذه: القتل العمد أو الاعتداء على سلامة الجسم أو العقل أو إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية من شأنها أن تؤدى إلى إهلاك هذه الجماعة كليا أو جزئيا ، أو فرض تدابير بقصد إعاقة التناسل داخل الجماعة ، أو النقل الإجباري للأطفال من الجماعة إلى الجماعة الأخرى أو الاتفاق أو التحريض العام والمباشر عن جريمة الإبادة الجماعية، وكذلك المشروع في هذه الجريمة (المادة 4 من النظام الأساسي للمحكمة). الجائم ضد الإنسانية: وتشمل وفقاً لنص المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، الأفعال الآتية إذا ارتكبت خلال نزاع مسلح دولي أو داخلي، وموجهة ضد السكان المدنيين القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق ، الابعاد، الجبس ، التعذيب، الاعتصاب، الاضطهاد لاعتبارات سياسية أو عرقية أو دينية وأي أفعال غير إنسانية أخرى ((69).

ووفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، فإن اختصاص المحاكم الوطنية بنظرها (المادة 8) ((70).

ولكن في نفس الوقت نصت المادة التاسعة من هذا النظام الأساسي على أن للمحكمة الدولية أولوية الاختصاص على المحاكم الوطنية لجميع الدول بما فيها يوغسلافيا السابقة بحيث يكون للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أن تطلب من المحاكم الوطنية التنازل عن القضية في أية مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، لكي تتولى هي نظرها ((71).

وفيما يتعلق بالأشخاص الذين تختص المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بمحاكمتهم، فإنه يقصد بهم “الأشخاص الطبيعيون” وبالتالي يستبعد من اختصاها الأشخاص المعنوية التي تكون قد تورطت في إحدى الجرائم سالفة الذكر (المادتان 6، 7/1 من النظام الأساسي ((72)). والشخص الطبيعي مرتكب الجريمة يعاقب عنها أيا كانت صورة مساهمته فيها ، ويستوى أن يكون هو الذي قام بارتكابها أو حرض أو أمر أو خطط أو ساعد أو شجع أو أعد لارتكابها ولا يقيد للإفلات من العقاب بأوامر الرؤساء بارتكاب الجريمة ((73).

كما لا يعتد بالحصانة بالنسبة لرئيس الدولة أو غيره من الموظفين العموميين فيها، بل إن الصفة الوظيفية ليس من شأنها تخفيف العقوبة (المادة 7/2) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة((74)).

والعقوبة التي تملك هذه المحكمة أن تقضى بها على مرتكبي الجرائم المبينة في نظامها الأساسي هى فقط العقوبة السالبة للحرية، في ضوء القواعد التي تطبقها محاكم يوغسلافيا السابقة (المادة 24 من النظم الأساسي للمحكمة) . مع الأخذ في الاعتبار جسامة الجريمة المرتكبة وشخصية الجاني . وقد قضت هذه المحكمة الدولية بالفعل بإدانة العديد من المجرمين ، إذ أنها حكمت بالحبس لمدة عشرين سنة ضد “Tadic” الصربي عن جرائم القتل والتعذيب ، كما أدانت خمسة متهمين من الكروات بالحبس لمدد تتراوح بين ست سنوات وخمس وعشرين سنة عن جرائم ضد الإنسانية، وعاقبت الجنرال الكرواتي “Blaskic” بالحبس لمدة خمسة وأربعين عاماً وما زالت المحكمة مستمرة في تأدية مسئوليتها حتى الان- ومن أشهر المتهمين الذين يحاكمون أمامها حاليا هو الرئيس اليوغسلافي السابق Solovodan Milosovic.

ومما يجدر التنوية إليه أن هذه المحكمة كانت ذات كيان قانوني مستقل، وأن تبعيتها لمجلس الأمن في حد ذاته لا ينال من استقلالية الإدعاء في هذه المحكمة كونه معيناً من قبل مجلس الأمن – وفي الواقع فإن المحكمة ابتعدت عن مجلس الأمن من خلال إدارتها التابعة لمكتب الشئون القانونية لسكرتارية الأمم المتحدة بينما خضعت أعمالها الداخلية لقواعد العمل الإداري بالأمم المتحدة والأكثر من ذلك فإن مجلس الأمن لم يقم بتمويل المحكمة وإنما طلب ذلك من الجمعية العامة من خلال ميزانيتها العادية، وقد كان ذلك بمثابة اختيار غريب لمجلس الأمن منذ صدور قراره بإنشاء المحكمة عملاً بسلطاته الواردة بالفصل السابع – مما أدى ذلك إلى عرقلة عمل المحكمة بإدخالها في متاهة الإجراءات الخاصة بميزانية الجمعية العامة والتي انخفضت بشده في تلك الأثناء، فقد كان يجب عليه تمويل المحكمة من خلال الميزانية الخاصة بحفظ السلام تجنباً لتلك الصعوبات، ونتيجة لذلك كان تمويل المحكمة غير كاف منذ نشأتها.

كما أن تجربة قيام بعض موظفي الأمم المتحدة بالإشراف الإداري والمالي على المحكمة وخاصة في بعض القرارات الهامة مثل تلك المتعلقة بالموظفين والسفر وحماية الشهود أدت إلى عرقلة تأخير وإحباط الكثير من أعمال المحكمة خاصة فيما يتعلق بأعمال التحقيق والإدعاء ((75).

وفي واقع الأمر لم يؤيد جميع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن فكرة إنشاء المحكمة فقد رآها البعض مجرد عرقلة تحول دون الوصول إلى تسوية سياسية للنزاع، بينما رأى البعض من أعضاء مجلس الأمن وبعض الدول الأعضاء أن إنشاء مثل هذا الكيان القضائي كان لابد وأن يكون من خلال الجمعية العامة أو اتفاقية متعددة الأطراف، بينما طالب أعضاء آخرون بضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، ولكن كانت الغلبة لمجلس الأمن في إنشاء تلك المؤسسات الخاصة وذلك لما للتحكم فيها من مزايا سياسية عديدة.

ولقد كان التأخير لمدة عام في تعيين ريتشارد جولد ستون كمدعي عام للمحكمة دليلاً آخر على محاولة تسس تلك المحكمة ((76).

وعلى الرغم من ذلك فقد رفضت حكومة يوغسلافيا الفيدرالية “صربيا والجبل الأسود” الاعتراف باختصاص المحكمة ورفضتا التعاون سواء من خلال التحقيقات أو تسليم المتهمين ((77)). وقد أدى القصور في التعاون عرقلة قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا على إحضار مجرمي الحرب المتهمين إلى المحاكمة ((78).

ومن جماع ما تقدم يتضح جلياً أن مستقبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا مرتبط بما يقرره مجلس الأمن للمحافظة على السلام ، وعلى الرغم من أن مجلس الأمن هو الذى أنشأ المحكمة بموجب سلطاته العقابية لتطبيق قرارات المحكمة حيال أي من المتهمين فضلا عن عدم اتخاذه ضد جمهورية يوغسلافيا الفيدرالية أو ما يسمى بسلطات جمهورية صربياً، وبعد معاهدة وايتون 1995 قبضت قوات الـ Nato أو Ifor على خمسة من مجرمي الحرب ولكنها لم تقبض على كبار المسئولين حتى الان، الأمر الذي يؤكد تغلب الظروف والاعتبارات السياسية على العدالة مرة أخرى.

المحكمة الجنائية الدولية لرواندا

إزاء المجازر البشعة والتي قتل فيها مئات الألوف التوتسى ((79). ومن المعارضين للهوتو في عام 1994 في رواندا، وعلى أقاليم الدول المجاورة وبخاصة في مخيمات اللاجئين بزائير، أصدر مجلس الأمن الدولي في 8 نوفمبر القرار رقم 955، الذي نص على إنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسئولين عن جرائم الإبادة الجماعية، والانتهاكات الجسمية الأخرى للقانون الدولي الإنساني في إقليم رواندا ومحاكمة المواطنين الروانديين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات في أقاليم دول مجاورة، وذلك في الفترة من أول يناير وحتى 31 ديسمبر 1994 ((50)).

ومقر هذه المحكمة الدولية في مدينة “أورشا بدولة تنزانيا. والنظام الأساسي لها بتشابه إلى حد كبير مع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة ((81).

ولكن تتمثل أهم جوانب الاختلاف بينهما في أمرين

الأول : فرضته طبيعة النزاع في رواندا، وكونه نزاعا داخلياً، وليس حربا بين دولتين وعلى ذلك فإن محكمة رواندا تختص بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة غير الدولية والمنصوص عليها في المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الثاني الملحق بها الصادر في 8 يونيه سنة 1977 ((82).
الثاني : يتمثل الاختلاف الثاني في قواعد تحديد مقدار العقوبة السالبة للحرية التي يجوز لمحكمة رواندا أن تقضى بها على الجاني الذي تثبت مسئوليته عن إحدى الجرائم المذكورة.

فالمحكمة الدولية هنا ستحدد مقدار هذه العقوبة على ضوء القواعد العامة التي تحكم مدد العقوبة السالبة للحرية التي تطبقها المحاكم في رواندا (المادة 23 من النظام الأساسي لمحكمة رواندا، والمادة 101 من لائحة الإجراءات وقواعد الإثبات للمحكمة). ومن أمثلة الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أنها عاقبت ثلاثة من المتهمين بالسجن المؤبد عن جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية ((83)). وتلك العقوبات لا تتناسب مع عدد ضحايا المذابح الرواندية من 750 ألف شخص والذي بناء عليه قد صدر قرار مجلس الأمن رقم 955/94 بإنشاء المحاكم الجنائية الدولية لرواندا ونص النظام الأساسي على المسئولية الفردية لبعض الانتهاكات المحددة وتشمل الآتي:-

  1. الإبادة الجماعية
  2. الجرائم ضد الإنسانية
  3. الانتهاكات الجسيمة للمادة الثالثة من اتفاقية جنيف 1994.

وهذا وقد تم استبعاد انتهاكات قوانين وأعراف الحرب من ضمن النظام الأساسي للمحكمة، نظرا لأن طبيعة النزاع في رواندا كانت حرباً أهلية قد واجهت العديد من الصعوبات تمثلت في الآتي:-

‌:أ- حالة الدمار الشامل الذى أحدثته الحرب الأهلية في رواندا.

‌ب- اختلاف وجهات النظر بين مجلس الأمن والحكومة الرواندية الجديدة حول إنشاء هذه المحكمة.

‌:ج- تضارب الآراء حول تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه بالنسبة للمجرمين المتهمين في ارتكاب المذابح الرواندية.

‌:د- صعوبة اختيار مكان لإقامة المحكمة إلا أنه في النهاية وقع الاختيار على مدينة أورشا تنزانيا كمقر للمحكمة على نحو ما ذكر من قبل.

هذا وقد أدانت هذه المحكمة عدداً من القساوسة المسيحيين المنتمين إلى شعب الهوتو بتهمة خيانة المثل الدينية العليا، والمشاركة بأساليب مباشرة وغير مباشرة في موجات الهجوم والقتل، ومرد ذلك أنه لجأ إلى الكنيسة خمسة آلاف من الرجال والنساء ليحتموا بها، ولكن ميلشات الهوتو دخلت وذبحتهم جمعياً في داخل الكنيسة.

وإزاء فشل المحكمتين السابق الحديث عنهما أصبح الأمر ملحاً إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ((84).

الهامش

[1] للمزيد فى ذلك أنظر د. محمود شريف بسيوني كلمته التى ألقاها فى احتفال (روما) فى الثامن عشر من يوليو 1998 الخاص بالتوقيع على معاهدة (روما) بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وراجع فى ذلك منشورات نادى القضاء، القاهرة 2001، ص 134 وما بعدها، مقالة د. محمود شريف بسيوني.[2] د. حسين عبيد، القضاء الدولي الجنائي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1977 ص47.

[3] الدكتور محمود شريف بسيوني، المحكمة الدولية، ص 5 طبعة ثالثة 2002 مطابع روزاليوسف الجديدة، جمهورية مصر العربية

[4] د. محمود شريف بسيوني، االمرجع السابق ص 6.

[5] لجنة تحديد مسئوليات مبتدئي الحرب وتنفيذ العقوبات (لجنة 1919)، ولجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب 1943م، ولجنة الشرق الأقصى لعام 1947م، ولجنة الخبراء المشكلة بناء على قرار مجلس الأمن 780 للتحقيق في جرائم الحرب وإنتهاكات القانون الإنساني في يوغسلافيا السابقة (1992)، لجنة الخبراء المعنية برواند (1994).

[6] وقبل تشكيل لجنة 1919، قامت “منحة كارنجى الدولية للسلام العالمي “بتأسيس لجنة غير حكومية مكونة من شخصيات عالمية بارزة لتتولى التحقيق في الشكاوي ضد الأعمال الوحشية التي ارتكبت ضد المذنبين وأسرى الحرب أثناء كل من حرب البلقان الولى في عام 1912 وحرب البلقان الثانية في عام 1913، “منحة كارنجي الدولية للسلام العالمي، والحرب البلقانية الأخرى، وفي عام 1993 كتب جورج كنان George EKemman عمله “تحقيق منحة كارنجى، (1913) بأثر رجعى مع مقدمة جديدة وأفكاره حول الصراع الحالي” يشار إليه فيما بعد باسم “الحروب البلقانية” والأعضاء السبعة الذين قامت “منحتة كارنجي” بتعيينهم في اللجنة خصيصا لهذه المهمة كانوا من الدول التالية ” النمسا، المجر، بريطاينا- ألمانيا، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، للمزيد في هذا انظر هاشم (4) للدكتور محمود شريف بسيوني المرجع السابق ص10

[7] الدكتور عبد الواحد محمد الغار: الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها”ص 69، دار النهضة العربية ، القاهرة 1996.

[8] Bassioumi, M,Cherif, “Crimes Against Humanity in international Germinal law, op,cit p520.

[9] شكلت اللجنة من عضوين من كل دولة من الدول العظمى الخمس : الولايات المتحدة ، الإمبراطورية لبريطانية ، فرنسا، إيطاليا، اليابان، أما الدول المتحالفة فكانت بلجيكا، بوليفيا، البرازيل، كوبا تشيكوسلوفاكيا، الإكوادور، اليونان، اليونان، جواتيمالا، هايتي، الحجاز، هندرواس، ليبيريا ، نيكاراجوا، بنما، بيرو، بولندا، البرتغال، رومانيا، دولة الصرب، والكروات، والسلوفانيين، سيام، وأرووجواي.

[10] د. عبد الواحد محمد الغار، المرجع السابق ص 72.

[11] أنظر قائمة الأفعال د. عبد الحميد خميس ” جرائم الحرب والعقاب عليها ” رسالة دكتوراه كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1955 ص23

[12] انظر في ذلك د/ عمر محمود سليمان المخزومي، اختصاص المحكمة الجنائية بمحاكمة مجرمي الحرب،ص 133 وما بعدها رسالة دكتوراه، جامعة الدول العربية، معهد البحوث والدراسات العربية، قسم الدراسات القانونية 2005.

[13] دجيمس ويليس ، مقدمة لنور مبورج : سياسات ودبلوماسية معاقبة مجرمي الحرب العالمية الأولى ص 86 سنة 1982.

[14] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص12.

[15] معاهدة احترام القوانين وأعراف الحرب البرية ، 18 أكتوبر 1907 معاهدة 36 تشريع 2277، 80-2779، (ويشار إليها فيما بعد هنا باسم “اهده هاج”) راجع أيضا منحة كارنجى للسلام العالمي الإجراءات القانونية لمؤتمرات هاج للسلام انظر في ذلك هامش 14 ص 13 للد. محمود شريف بسيوني، مرجع سابق.

[16] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 15.

[17] إعلان دول الحلفاء في 13 يناير والذي أعيدت طباعته في : عقوبة جرائم الحرب : الإعلان بين دول الحلفاء الذي وقعوا عليه في سنات جيمس بالاس بلندن في 13 يناير1942 والوثائق ذات الصلة، وانظر في ذلك أيضا لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب، تاريخ الأمم المتحدة لجرائم الحرب وتطور قوانين الحرب 89-92 (1948).

[18] آن توسا وجون توسا ، محاكمة نور مبروج 22 (1984) هامش 34 من 21 للد. محمود شريف بسيوني المرجع السابق.

[19] آن نوسا وجون توسا وحاشية 34، عند 23 سابق الإشارة إليهما.

[20] اد. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص22.

[21] احتفظت لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب UNWCC ب 8.178 ملف المقدمة من جانب الحكومات وعند اقتناعها بمحتويات الملفات، كانت توصى لمحاكمة الشخص المعنى. وبلغ عدد الأشخاص الذين احتوتهم هذه الملفات : 453 و 240 متهم ، 9520 مشتبه فيهم و 2556 شاهد اثبات في تاريخ لجنة الأمم المتحدة لجرائم الحرب.

[22] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص22-23.

[23] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص22-23.

[24] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 22-23.

[25] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص37

[26] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص37

[27] تم تشكيل اللجنة العسكرية بمقتضى المرسوم الخاص رقم 110 للجنرال ماك أرثر بتاريخ أكتوبر 1945.

[28] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق، هامش 127 ص50

[29] Commission of expands on fome Ryugosolvia supra mo te 127 para 2 the secretary general appointed five members to the commission of Experts on October 251992: professor frits Ko;shnven (Netheriands)as Chairman : professor M. Cherif Bassioumi (Egypt) : Cmooander William, J:Femrik (Canada) Judge Keba m,Baye (semegal): and professor Torkel Opsahl (Norway)

نقلا عن د. محمود شريف بسيوني المرجع السابق . هامش 128 ص 50.

[30] انظر في ذلك د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق هامش 130 ص 51 وما بعدها.

[31] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 53

[32] قرار مجلس الأمناء رقم 827. S.CRes 821 UN. Scor 48 th Sess.

[33] الدكتو ر/ محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 54.

[34] للمزيد في ذلك انظر الدكتور صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية بملاحقة مجري الحرب، والقانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، إصدار اللجنة الدولةي للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة الثانية ص 468 سنة 2003.

[35] انظر الخطاب المؤرخ 9 ديسمبر 1994 من الأمين العام وموجه إلى رئيس الأمن و U.N Scor, 49 the sess U.N Doc. S 1994/14.5 (1994)

[36] د. عبد الفتاح محمد سراج، مبدأ التكامل في القضاء الجنائي الدولي (دراسة تحليلة تأصيلية)، القاهرة دار النهضة العربية، الطبعة الأولى دون سنة طبع ص 10.

[37] للمزيد في ذلك انظر د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 14-15 .

[38] د. على يوسف الشكرى، القانون الجنائي الدولي، الطبعة الأولى 2005، ايتراك للنشر والتوزيع ص 15.

[39] د. محمد محى الدين عوض، دراسات في القانون الدولي الجنائي، مجلة القانون والاقتصاد، العدد 1-4 س 35-1956، ص344، 355.

[40] للمزيد في ذلك انظر د. على يوسف الشكرى، المرجع السابق ص 16-17.

[41] Claud mullins، the leipzing tria p5 An account of the war Criminals trials and a study of German men tality-p.25.

[42] د.على يوسف الشكرى، المرجع السابق ص 18 ، ود. على يوسف الشكري، المنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة، ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة ، سنة 2003 ص 15-16.

[43] انظر في ذلك إلى الدكتور/ محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية نشأتها ونظامها الأساسي، مطابع روز اليوسف الجديدة، سنة 2002 ص 20 هامش 31، نرى أنه من يتذكر حاليا بيافرا أو كمبوديا أو بنجلاديش أو أوغندا أو بورندي أو ليبريا وغيرها من المذابح وجرائم الإبادة الجماعية . انظر على سبيل المثال ، حي ريتشارد وىخرون : التاريخ غير الإنساني : المذابح وجرائم الإبادة الجماعية بسبب الأصل في أيامنا المعاصرة (1992)، ماثيوليبمان، صياغة اتفاقية 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية وعقوبتها (1985) B.U intimation L.J وفي دراسة ر.ج، روميل الموت بيد الحكومة (1994) انظر أيضا كامبوتشيا : عقد (عشر سنوات ) من الإبادة الجماعية (1984) ، تقرير مشروع الإبادة الجماعية الكمبودي 1984، ليوكوبر، الإبادة الجماعية (1981) جون سترنلو، السياسات الدولية للحرب الأهلية النيجيرية 1967-1970(1977).

[44] د. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق ص 25 وما بعدها.

[45] انظر في ذلك : الدكتور/ محمود نجيب حسنى ، دروس في القانون الجنائي الدولي، طبعة سنة 1959-1960، دارالنهضة العربية رقم 16 ص39.

[46] كان الإعلان المشار إليه حول الفظائع الألمانية في أوربا المحتلة قد أكد على أن المسئولين عن تلك الفظائع من الضباط والجنود وأعضاء الحزب النازي، والذين شاركوا عمداً في ارتكابها سوف يتم تسليمهم إلى البلاد التي ارتكبوا فيها جرائم لكي يحاكموا طبقا لقوانين تلك الدول: انظر في ذلك د. صلاح الدين عامر، المرجع السابق ص 467.

[47] د. حسنين عبيد، المرجع السابق، رقم 51 ص 84.

[48] انظر في ذلك د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، رقد 18 ص 41.

[49] د. شريف سيد كامل، اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الطبعة الأولى ، دار النهضة العربية، 2004 ص 17.

[50] انظر في ذلك للمزيد د. محمود شريف بيسوني، المرجع السابق هامش 78 ص 33 وذلك للتعرف على منظور نقدى للمحكمة العسكرية الدولية.

[51] للمزيد في ذلك انظر الدكتور صلاح الدين عامر، اختصاص المحكمة الجنائية بملاحقة مجري الحرب، والقانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني، إصدار اللجنة الدولةي للصليب الأحمر بالقاهرة، الطبعة الثانية ص 468 سنة 2003

[52] د. على يوسف الشكرى- المرجع السابق ص 32 وانظر ايضا Oppehlim international law and Neutrality، 1 th Ed lautheppach h. (ed) London- 1951- p. 177-179

[53] د.عبد الحميد خميس، جرائم الحرب والعقاب، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1995 ص 58 وما بعدها.

[54] انظر في ذلك الدكتور حسنين عبيد، المرجع السابق، ص93.

[55] د. عبد الرحيم صدقي، القانون الدولي الجنائي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986 ص45

[56] د. على يوسف الشكرى، المرجع السابق ص 34.

[57] للمزيد د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق رقم 22 ص 44.

[58] د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق رقم 23 ص 44-45 ، الدكتور حسنين عبيد، المرجع السابق رقم 53 ص90 وما بعد، الدكتور شريف سيد كامل المرجع السابق ص 17 وما بعدها

[59] د.شريف سيد كامل، المرجع السابق ص 18، د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، رقم 24 ص 45 وما بعدها ، الدكتور أحمد ابو الوفا، الملامح الأساسية ، النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المرجع السابق ص 15-17 ، وانظر أيضا د. رمسيس بهنام، الجرائم الدولية، المؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي، بالقاهرة، 14/17 مارس 1987 ص20 الدكتور شريف بسيوني، الوثائق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، المجلد الأول، الوثائق العالمية، الطبعة الأولى، دار الشروق، سنة 2003 ص 1007-1008.

[60] انظر في ذلك الدكتو ر/ محمود شريف بسيوني- المرجع السابق، ص 40

[61] ( M. Cherif Bassoon and red p.Nada، international Criminal Criminal Law- 1973-p 600-605.

[62] ( R John Pritchard، the Gift, of Clemency British war Gres، 1996 p. 37- 40..

[63] ( Huet (Andre) et Koeerin G-Joulin (Renee), D Roit Penoal international , 2000, op, cit., no. 15, p. 28, Grynfogel, (cotherine), Crimes Contre L’humanite, 3 RT, – La 213-5, Juris. Clsseur penal- 1998, Easc. 20, no. 167. p.43.

[64] د. محمود شريف بسيوني : المرجع السابق، ص 54 وما بعدها ، الدكتور أحمد أبو الوفا، الملامح الأساسية للمحكمة الجنائية. المرجع المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 58، سنة 2002، ص20.

[65] ( HUEL (AND Re) et Koering، Joulin (Renee), op. cit no 16.p28.

[66] CARTER (KIM) m le tribunal, internal control rnatienal. Op. cit p. 4 et 5.

[67] انظر الدكتور سعيد عبد اللطيف حسن، المحكمة الجنائية الدولية، دار النهضة العربية ، سنة 2004 ص 159 وما بعدها.

[68] انظر ذلك الدكتورة سوسن تمر خان بكة، الجرائم ضد الإنسان في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدلية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، سنة 2004، ص 37-38.

[69] د. شريف سيد كامل : المرجع السابق ، ص 22 وانظر ايضا

Huel (Andre) et Koering، Joulin (Renee), op. cit., 16, 28, et 29

[70] برز: البعض أهمية هذه القاعدة بالاستناد إلى عدة أسباب منها : أن جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية السابقة كانت تمتلك تشريعاً جيدا من أجل تحقيق القانون الدولي الإنساني، وعلى ذلك فإنه يوجد لدى كل من كرواتيا، والبوسنة والهرسك، والجمهورية الفيدرالية اليوغسلافية نفس النظام القانوني، وبالتالي يجوز اللجوء إلى القانون الوطني ما دامت الدولة راغبة وقادرة على محاكمة مرتكبي الجرائم المتكررة.

[71] د. سوسن تمر خان بكة : رسالة دكتوراه ، السابق الإشارة إلهيا ، ص 37.

[72] Huel (Andre) et koring، Joulin (Renee), Droit penal international, op., no. 17,p.29.

[73] د. أحمد ابو الوفا: المرجع السابق ، ص 19.

[74] Huel (Andre) et koring، Joulin (Renee), Droit penal international, op., no. 17,p.29 et. 30.

[75] د. محمود شريف بسيوني: امرجع السابق ، ص 57 وما بعدها.

[76] انظر في ذلك د. محمود شريف بسيوني ، محكمة يوغسلافيا ، أعلاه حاتشية 52 ، عند 210-212.

[77] The federal minister of justice of the FRY, professor stojamovic, expressed the position of the FRY as follows

The federal government is prepared to make, it possible for one representative of the international Criminal tribunal, and /or the prosecutor of the tribunal to be present within the framework of the united nations protection force Belgrade, without having the right to specifically display the title of the international, criminal tribunal and / or the prosecutor of the tribunal … etc.

[78] مازال مكتب الادعاء يتحفظ، انظر حكم قاعة المحكمة رقم 1 في قضية الادعاء ضد رادوفان كارتسيك وراتكو ملاديك بتاريخ 11 يوليو 1996، هامش (151) ، ص 60 ، للد. محمود شريف بسيوني، المرجع السابق.

[79] د. صلاح الدين عامر : المرجع السابق ، القانون الدولي الإنساني دليل للتطبيق على الصعيد الوطني إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة، ذات المرجع السابق ، د. صلاح الدين عامر ، ص 468.

[80] Huel (Andre) et koring، Joulin (Renee), op it., no. 19, p. 30, et 31. Grynfo GEL (Catherine), Grimes contre ;’humanite, art , 211- la 213 5, op. cit., no. 167, p. 44

[81] د. محمود شريف بسيوني: المرجع السابق ، ص 62 وما بعدها

[82] د. عامر الزمالي : تطورات محكمة جزئية دولية ، ندوة المحكمة الجنائية الدولية- تحدى الحصانة” ، ص23.

[83] Huel (Andre) et Koring، Joulin (Renee), op. cit., no. 19, p.31.

[84] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.


المصدر