مدرسة التهذيب أول مدرسة للإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مدرسة التهذيب أول مدرسة للإخوان المسلمين


إخوان ويكي

مقدمة

عاشت الأمة الإسلامية في كنف الخلافة فترة من الزمن ما بين القوة والضعف، حتى تكالب عليه الغرب متعاونا مع بعض الخونة في البلاد الإسلامية حتى تمكن من بث روح الفرقة بين الجميع قبل أن يبسط نفوذه على الدول الاستراتيجية فيها، ممنيا بعض هؤلاء الخونة بحكم البلاد والانسلاخ عن دولة الخلافة العثمانية – التي كانت في أضعف حالاتها – مقابل التبعية الكاملة لسياسات واستراتيجيات الدول الغربية التي كانت قوتها ونهضتها العسكرية قد بلغت أوجها في ذلك الوقت، في حين ظل العالم الإسلامي يرزخ في بحار الجهل والتخلف.

ولقد عاشت كثير من طوائف الشعب في حالة تخلف وجهل بسبب ما تعرضت له البلاد من نكبات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية من جراء سياسة المستعمر

والتي وصفها الإمام حسن البنا بقوله في رسالة المؤتمر السادس:

"إننا في أخصب بقاع الأرض، وأعذبها ماء، وأعدلها هواء، وأيسرها رزقاً، وأكثرها خيرًا، وأوسطها دارًا، وأقدمها مدنية وحضارة وعلمًا ومعرفة، وأحفلها بآثار العمران الروحى والمادى، والعملي والفني، وفى بلدنا المواد الأولية، والخامات الصناعية، والخيرات الزراعية
وكل ما تحتاج إليه أمة قوية تريد أن تستغني بنفسها، وأن تسوق الخير إلى غيرها، وما من أجنبي هبط هذا البلد الأمين إلا صح بعد مرض، واغتنى بعد فاقة، وعز بعد ذلة، وأترف بعد البؤس والشقاء، فماذا أفاد المصريون أنفسهم من ذلك كله؟ لا شيء، وهل ينتشر الفقر والجهل والمرض والضعف فى بلد متمدين كما ينتشر فى مصر الغنية مهد الحضارة والعلوم، وزعيمة أقطار الشرق غير مدافعة؟". (1)

ومنذ أن دخل الاستعمار الوطن الإسلامي عامة ومصر خاصة وقد أصبح هدفه الأكبر هو نشر التخلف وسط الشعوب المحتلة ومحاولة طمس هويتهم ولغاتهم وفرض هويته ولغته، ولقد اعترف القس زويمر فى مؤتمر عالمى عام 1925م حين قال :"إن السياسة التي انتهاجها "دانلوب" فى مصر نحو التعليم ما تزال مثار شكوى لاحتوائها على شوائب كثيرة ضد مقاصد الدين والوطن".

تفكير خارج الصندوق

كان حسن البنا منذ صغره يعمل بطريقة غير نمطية، بحيث تلفت الأنظار لدعوته وفكرته، وتحبب الناس فيما يدعو من منهج إسلامي وسطي، حيث سلك في ذلك كثيرا من المسالك سواء بعمل الجمعيات وهو صغير، أم بارتياد مجتمع المقاهي – الذي كان يظن الجميع أنه بؤرة مويؤة لا يرجى منها خير – الذي رأى فيها عظيم التأثير، بل كان نواة جماعته من هذا المجتمع الذي ما إن عرف الإسلام حتى استماد في معرفته المعرفية الحقيقية والدفاع عنه، بعيد عن التفيقه والسفسطة التي تملك بعض أرباب العلم.

حيث صور هذا الأمر بقوله:

الله تبارك وتعالى يرضى منا بالحب والوحدة ويكره منا الخلاف والفرقة، فأرجو أن تعاهدوا الله أن تدعوا هذه الأمور الآن وتجتهدوا في أن نتعلم أصول الدين وقواعده ، ونعمل بأخلاقه وفضائله العامة وإرشاداته المجمع عليها، ونؤدي الفرائض والسنن وندع التكلف والتعمق حتى تصفو النفوس ويكون غرضنا جميعا معرفة الحق لا مجرد الانتصار للرأي.

كانت نتيجة لذلك أن انتشرت فكرة وطريقة دعوة الشيخ حسن البنا بين الناس سواء الغني والفقير أو الصغير والكبير في فترة وجيزة لم تتجاوز الستة أشهر، وهي الصورة التي وصفها المهندس عثمان أحمد عثمان

بقوله:

كان المرحوم حسن البنا، مدرسًا للغة العربية والدين، في مدرسة الإسماعيلية الابتدائية، وكان شابًا في العشرينات من عمره.. وجدت عنده "رحمه الله" سعة صدر، وعطفًا.. كان يحبنا فأحببناه، وتعلقنا به.
كان لا يكتفي بما كان يعلمه لتلاميذه داخل قاعة الدرس، ولكن كان يطلب منا أن نحضر كل يوم المدرسة، قبل موعد الدراسة بساعة كاملة، وعندما نحضر كان ينظمنا في شكل طابور، ويسير بنا إلى المسجد القريب من المدرسة، فيعلمنا الوضوء السليم، ثم نصلي فرض الصبح، ويعود بنا بعد ذلك إلى المدرسة مرة أخرى.
وأذكر أنني كنت أنام وأنا أحلم بذلك اللقاء اليومي الذي أحببته، وكنت أنتظره بفارغ الصبر، ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد، ولكن كان يكرر – رحمه الله – نفس الأمر في موعد كل "فسحة"، كان يطلب منا أن نعود مرة أخرى إلى المدرسة بعد أن نتناول غداءنا في منازلنا، وكنا نجده – رحمه الله – في انتظارنا فيصطحبنا إلى المسجد لكي نؤدي فرض صلاة الظهر، ونعود بعد ذلك لاستكمال حصص اليوم الدراسي. (2)

ورغم أن البنا كان ما زال شابا تجاوز العشرين عاما بقليل إلا أن تصدر المجالس بين الأعيان والعلماء وجموع الناس التي تجمعت للتعرف على هذا الشاب الداعية، الذي قدم لهم مفاهيم الإسلام بطريقة صحيحة وسطية لا غلو فيها ولا تميع

وفي ذلك يقول عثمان أحمد عثمان:

وأذكر أن الأستاذ حسن البنا كان يتصدر ذلك المنتدى الذي كان هو فقيهه، وكان كل من في "المندرة" طلاب تفقه في دين الله، كانوا من المؤمنين البسطاء الذين توافر لديهم الإيمان، وجاءوا ليستزيدوا علمًا، ومعرفة، من ذلك الأستاذ المفوه بالحق وكلمات الله، وكان حديثه جذابًا لا يمل، يحلو لكل من يستمع إليه، لأن يتمنى أن يمتد الوقت حتى لا ينهي حسن البنا حديثًا كان قد بدأه.
وكانت "مندرة" خالي تمتلئ عن آخرها، بكل من كان يقصدها من أحباء الله.. أحباء حسن البنا، وكنا نحن في ذلك الوقت أطفالاً، لا يسمح لنا بشرف الانتماء إلى تلك الجلسة، فكنا نقف عند باب "المندرة" نسمع ما يقول بآذاننا، فتتفتح له عقولنا، وترقص بالفرحة قلوبنا.. فهو أستاذنا الجليل الذي نحبه ويحبنا.
وكم كنا فخورين وسعداء لأنه يتمتع بكل تلك المكانة، وكل ذلك الاحترام من كل أهل الإسماعيلية، وكيف لا نفخر، ونحن الذين كنا نرضع من أفكاره علمًا طيبًا سليمًا نقيًا صحيًا، يستفيد منه العقل، ويرتاح إليه القلب.
وعاش معي فخري به وحتى الآن.. وكيف لا وأنا الذي تتلمذت على يدي ذلك العلامة العملاق، الذي أصبحت دعوته حجر الزاوية في حياتي.. وكان فضل الله علي عظيمًا. (3)

مدرسة التهذيب والمرحلة الأولى

سلك الأستاذ البنا مسلك عظماء الأمة الذين عملوا لدينهم فتركوا خلافهم آثارا جليلة، ومدارس فكرية وعلمية قويمة أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم، إلا انه اختلف عنهم بأنه اهتم بالجانب العملي عن الجناب النظري المتمثل في ترك المؤلفات أو المقالات أو النظريات، لكنهم اهتم بالتربية والصبر عليها

حيث وصف ذلك في بداية تربيته للناس بقوله:

كان المجتمعون حديثي عهد بالتعبد، أو بعبارة أدق كان معظمهم كذلك، فسلك بهم المدرس مسلكاً عملياً بحتاً. إنه لم يعمل إلى العبارات يلقيها، أو إلى الأحكام المجردة يرددها ولكن أخذهم إلى (الحنفيات) تواً، وصفهم صفاً ووقف فيهم موقف المرشد إلى الأهمال عملا عملاً، حتى أتموا وضوءهم، ثم دعا غيرهم، ثم غيرهم، وهكذا أصبح الجميع يتقنون الوضوء عملاً، ثم أفاض معهم في فضائل الوضوء الروحية والبدنية والدنيوية.

ثم ينتقل بهم بعد ذلك إلى الصلاة شارحا أعمالها، مطالبا إياهم بأدائها عمليا أمامه، ذاكرا ما ورد في فضلها، مخوفا من تركها، وهو في أثناء ذلك كله يستظهر معهم الفاتحة، واحدا واحدا، ويصحح لهم ما يحفظون من قصار السور، سورة سورة.

ثم هو في أثناء ذلك كله، وخلال كل مجلس من مجالسه، يطرق باب العقيدة الصحيحة فينميها ويقويها ويثبتها بما يورد من آيات الكتاب الحكيم، وأحاديث الرسول العظيم، وسير الصالحين، ومسالك المؤمنين والموقنين.

ولا يعمد كذلك إلى نظريات فلسفية، أو أقيسة منطقية، وإنما يلفت الأنظار إلى عظمة الباري في كونه، وإلى جلال صفاته بالنظر في مخلوقاته، ويذكر بالآخرة في أسلوب وعظي تذكيري لا يعدو جلال القران الكريم في هذه المعاني كلها، ثم لا يحاول هدم عقيدة فاسدة إلا بعد بناء عقيدة صالحة، وما أسهل الهدم بعد البناء وأشقه قبل ذلك، وهي نظرة دقيقة، ما أكثر ما تغيب عن إدراك المصلحين الواعظين. (4)

واستخدم الأسلوب العقلي مرة أخرى في حل الخلاف ونبذ سبل الفرقة حينما ضرب لهم مثلا عن صلاة الشافعي والحنفي، ثم قال:

يا سبحان الله يسعكم السكوت في مثل هذا وهو أمر بطلان الصلاة أو صحتها، أولا يسعكم أن تتسامحوا مع المصلي إذ قال في التشهد اللهم صل على محمد أو اللهم صل على سيدنا محمد وتجعلون من ذلك خلافا تقوم له الدنيا وتقعد وكان لهذا الأسلوب أثره فأخذوا يعيدون النظر في موقف بعضهم من بعض، وعلموا أن دين الله أوسع وأيسر من أن يتحكم فيه عقل فرد أو جماعة. (5)

وبعد مرور نصف عام من العمل وسط المجتمع البسيط تكللت بالنجاح في نهاية المطاف بتكوين جماعة للعمل من أجل نشر وتصحيح المفاهيم الصحيحة للإسلام، والتي استطاعت أن تصل بمفهوم الإسلام الشامل إلى قلوب الناس قولا وعملا، بدأ التوسيع في تخريج دعاة يستطيعون الانتشار بين الناس ليعرفوهم دينهم بطريقة وسطية سمحه فكان أن أنشأ أول مدرسة وهي مدرسة التهذيب.

مدرسة التهذيب وتعبيد الطريق

كانت مدرسة التهذيب أول مدرسة تدريبية عملية يكونها الشيخ حسن البنا والتي مهدت وعبدت الطريق لتكوين وتشكيل جماعة الإخوان المسلمين، وقيامها على اكتاف دعاة عرفوا مفهوم الدين الحقيقي.

تكونت أول ما تكونت هذه المدرسة من غرفة في شارع فاروق بمكتب الشيخ علي الشريف بالإسماعيلية بمبلغ 60 قرشًا في الشهر، توضع فيها أدواتهم ويجتمعون فيها اجتماعاتهم الخاصة، على أن يكون لهم حق الانتفاع بأدوات المكتب بعد انصراف التلاميذ ابتداء من العصر إلى الليل، ويسمى هذا المكان "مدرسة التهذيب" للإخوان المسلمين.

منهج الدراسة:

كان منهج المدرسة قائم على دراسة إسلامية قوامها تصحيح تلاوة القرآن؛ بحيث يتلوه الأخ المنتسب إلى هذه المدرسة وفق أحكام التجويد، ثم محاولة حفظ بعض الآيات والسور، ثم شرح هذه الآيات والسور وتفسيرها تفسيرًا مناسبًا، ثم حفظ بعض الأحاديث وشرحها كذلك، وتصحيح العقائد والعبادات، وتعرف أسرار التشريع وآداب الإسلام العامة
ودراسة التاريخ الإسلامي وسيرة السلف الصالح والسيرة النبوية، بصورة مبسطة تهدف إلى النواحي العملية والروحية، وتدريب القادرين على الخطابة والدعوة، تدريبًا علميًا بحفظ ما يستطاع من النظم والنثر، ومادة الدعوة، وعمليًا بتكليفهم التدريس والمحاضرة في هذا المحيط أولاً. (6)

ولقد تربى على هذا المنهج المجموعة الأولى من الإخوان المسلمين الذين بلغوا في نهاية العام المدرسي "1927-1928م" سبعين أو أكثر قليلاً.

الأدوات والوسائل

كان الإمام البنا حريصًا على أن يضع منهجًا دراسيًا للمجموعة التي يلتقي بها في مدرسة التهذيب، فاشترى لهم مجموعات من الكتب الدينية، بالإضافة إلى المصاحف ووزعها على كل من التزم المواظبة على تلقي الدروس، وحفظ القرآن الكريم، فكان من هذه الكتب الأربعين حديثًا النووية، وقصص الأنبياء، ومتن الغاية والقريب في مذهب الإمام الشافعي، والسالك في مذهب الإمام مالك، وتائية السلوك

كما نظم الإمام الشهيد دفاتر لتسجيل أسماء المواظبين ومدى نشاطهم، وكان يعقد لهم اختبارات كل أسبوع يتبارى فيها الحفاظ كمّاً، وكان لابد من اختيار أحد الإخوان ليتولى الأعمال الكتابية، وتنظيم الدفاتر وتسجيل أسماء المواظبين فوقع الاختيار على الحاج عبد الرحمن حسب الله، فكان أول سكرتير للجماعة. (7)

واجبات عملية

لم يكتف حسن البنا على وضع المنهج التربوي أو توفير المادة العلمية فحسب بل عمد إلى الجانب العملي الذي يرسخ المعنى الحقيقي للتربية في نفوس المتعلمين، فكون الإمام الشهيد قسمًا للتدريب على الخطابة وكان يتولى فيها بنفسه تثقيف إخوانه وتدريبهم على إلقاء الكلمات، ثم كان بعد ذلك يصطحبهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة عند أهالي الإسماعيلية، كالمواساة، والزواج، والاحتفال بالمولود، وغيرها فيقدم أحدهم ليلقي كلمة تشجيعًا لهم على مواجهة الجماهير. (8)

وكان الإمام البنا يحضر كل ليلة إلى مدرسة التهذيب بعد أن ينتهي من وعظ الناس على المقاهي، ويصطحب معه بعض إخوانه المسجلين في المدرسة، ويحضر معهم بعض أفراد من رواد المقاهي الذين تأثروا بكلام الإمام الشهيد، فيجلس الجميع في مقر المدرسة يتابعون برنامجهم الدراسي فيها.

ثمار مدرسة التهذيب

كان لمدرسة التهذيب ثمار عظيمة حيث انطلق كل واحد من الستة المؤسسين لنشر الدعوة في مكان أخر غير الإسماعيلية، ولم يركنوا للراحة أو الدعة بجانب معلمهم حسن البنا، فكان لعملهم أثرا جليلا حيث انتشرت الدعوة في بورسعيد وافتتحت شعبة جديدة للإخوان على يدي الأستاذ أحمد المصري، ثم كانت أبو صوير والبلاج وغيرها.

وليس ذلك فحسب، بل برزت أثر هذه المدرسة في مواقف عملية ترجمها طلاب ومريدي هذه المدرسة، حيث يذكر الإمام البنا موقف نتيجة لتربية مدرسة التهذيب بقوله: وأذكر أنني دخلت على الأخ السيد أبو السعود - رحمه الله - تاجر الخردوات، فرأيت الأخ مصطفي يوسف يشتري منه "زجاجة ريحه" والمشتري يريد أن يدفع عشرة قروش والبائع يأبى أن يأخذ أكثر من ثمانية قروش، وكلاهما لا يريد أن يتزحزح عن موقفه.

كان لهذا المنظر أعمق الأثر في نفسي، وتدخلت في الأمر، فطلبت فاتورة الشراء فوجدت أن الثمن الأساسي الذي اشترى به الأخ سعيد سيد أبو السعود - رحمه الله - هو الذي يريد أن يبيع به لأخيه "الدستة بستة وتسعين قرشا".

فقلت له: يا أخي. إذا كنت لا تكسب من صديقك ولا يشتري منك عدوك فمن أين تعيش؟ فقال: لا فارق بيني وبين أخي، ويسرني أن يتقبل مني هذا العمل، فقلت للأخ مصطفي: ولماذا لا تتقبل رفد أخيك؟ فقال: إذا كنت أشتريها من الخارج بهذه العشرة فأخي أولى بهذه الزيادة، ولو عرفت أنه يقبل أكثر منها لزدت وبالتدخل انتهينا إلى تسعة قروش. (9)

أيضا ويحكي الحاج عبد الرحمن حسب الله أحد المواقف:

"وكم كان طريفًا أن يقبل بعض العصاة معلنين توبتهم نادمين على ما فرط منهم، منتظمين في الحضور كل يوم، وتلقي الدروس وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم، وقد أصبح من هؤلاء دعاة بفضل إخلاصهم وصدق توبتهم وحسن نياتهم، وأذكر أن رجلاً في الأربعين من عمره شرب حتى ثمل كان يسير خلف الركب من مقهى إلى مقهى وهو يبكي ويتحسر، حتى وصلنا إلى الدار فيجلس ويستمع إلى الدرس ثم يبقى بعد انصراف الناس ويتقدم من الداعية معلنًا توبته نادمًا على ما فرط منه

ويقول:

أريد أن أتعلم الصلاة وأتعلم أمور ديني، ويطلبني الداعية ويأمرني بأن أعلمه أمور دينه وأعلمه الوضوء والصلاة، وترددت في بادئ الأمر وكأني كنت يائسًا منه فيقول لي حسن أفندي البنا: لماذا تتردد؟ ما يدريك لعل الله تعالى يقبل منه ويتوب عليه، فابدأ معه في تعليم الوضوء والصلاة وحفظ الفاتحة والتحيات، وكان صامتًا مستجيبًا لكل كلمة يسمعها
ثم قلت له: عندما تذهب إلى منزلك اغتسل بنية التوبة والبس طاهرًا، ثم ابدأ في الصلاة كما عرفت، وكم كان جميلاً أن أرى هذا الرجل – وكان يعمل نقاشًا – في المسجد في صلاة الفجر، وقد بدا النور على وجهه واستقام وأدى فريضة الحج بعد ذلك، وكان من دعاة الإخوان المسلمين الصالحين (فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ) "الأنعام: 125" (10)

كما كان من ثمار هذه المدرسة التربوية القصص المشهورة التي ساقها الإمام البنا في مذكراته والتي تنتشر بين أسطر الكتب كقصة الأخ حافظ عبد الحميد والمسيو سولنت - باشمهندس القنال ورئيس قسم السكسيون – الذي استدعاه لاصلاح بعض أعمال النجارة واتهمه بالسرقة فكان للأخ حافظ موقف تربوي رائع اضطر المسيو سولنت أن يعتذر له عن اتهاماته.

وهذا الأخ عبد العزيز علام النبي الهندي الذي يعمل "ترزيا" في المعسكر الإنجليزي تدعوه زوجة أحد كبار الضباط لبعض الأعمال الخارجية بمهنته. لتنفرد به في المنزل وتغريه بكل أنواع المغريات فيعظها وينصح لها ثم يخوفها ويزجرها. فتهدد بعكس القضية تارة، وبتصويب المسدس إلى صدره تارة أخرى، وهو مع ذلك لا يتزحزح عن موقفه قائلا: إني أخاف الله رب العالمين، حتى يسقط المسدس منها فيسرع إلى دار الإخوان المسلمين.

أخيرا

لقد كانت مدرسة التهذيب بمثابة التربية الروحية والعملية على مناهج الدعوات بطريقة صحيحة، وفهم واسع، تعلم فيها الكهول والشبان والشيوخ والصبيان ما يصلح حالهم في معاشهم ومعادهم، ويزودون فيها بأحكام دينهم، وغذاء عقولهم، وشفاء صدورهم بما يستمعون من عظات، وما يحضرون من حلق العلم التي لا يتقاض عليها أهلها أجراً، ولا يرهقون المستمع قلاً ولا كثراً.

المراجع

  1. حسن البنا: رسالة المؤتمر السادس.
  2. عثمان أحمد عثمان: صفحات من تجربتي، المكتب المصري الحديث، القاهرة، 1981م، صـ354، 355.
  3. عثمان أحمد عثمان: المرجع السابق، صـ356.
  4. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001م.
  5. حسن البنا: مرجع سابق، صـ80
  6. حسن البنا: مرجع سابق، صـ 84
  7. مجلة لواء الإسلام – السنة 42 – العدد 12 – غرة شعبان 1408هـ - 19 مارس 1988م – صـ27.
  8. جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثاني، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م، صـ27.
  9. حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، مرجع سابق.
  10. مجلة لواء الإسلام: السنة 42 – العدد 12– غرة شعبان 1408هـ - 19 مارس 1988م – صـ27.