قيام الليل ... تجديد للروح.. وزاد للعاملين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قيام الليل ... تجديد للروح.. وزاد للعاملين

25-09-2003

بقلم فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب*

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد

فلا شيء أعظم أثرًا فى النفس البشرية فى مرحلة البناء من العناية الجادة والتركيز المستمر على العبادة والطاعة والإقبال على واهب النعم جل وعلا، فهى زاد القلب وحياة الروح، فى طريق يحتاج سالكه إلى كثرة الزاد ففى الأثر: "إذا أردت سفرًا أعددت له عدة؟ قال: نعم، قال: فكيف بسفر طريق القيامة"، إن قيام الليل عبادة تصل القلب بالله، وتجعله قادرًا على التغلب على مغريات الحياة، فهو رحلة العبادة والتبتل والخشوع. ولابد لأى روح يراد لها أن تؤثر فى واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى، لابد لهذه الروح من خلوة ومحضن بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التى تشغل الحياة، لابد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه.

إن الله خلق المؤمن لحمل أمانة، من شأنها أن تغير وجه الأرض، وتعدل مسار التاريخ.

ولذلك نودى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى صدر الرسالة ليستعد للأمر العظيم وللحمل الثقيل، نودى بقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} "المدثر: 7" ونودى بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} "المزمل: 6".

جاء فى كتاب المنهج الحركى فى السيرة النبوية:

"وقيام الليل المفروض فى البدء هو دورة تدريبية عنيفة على طاعة الله وترويض النفس على الوقوف بباب الله ضارعة مبتهلة، وعمل لغرص الإيمان فى القلوب، وتغلغله فى أعماق النفس، وتمرين لتعويد المسلم على العبودية لله رب العالمين.

إن تحويل اتجاه البضشرية من طريق إلى آخر، ومن محيط المادية الآسن إلى محيط الربابية السمح الكريم، أمر يحتاج تربية خاصة على طاعة الله.

وقيام الليل ليس هدفًا لذاته، وما يفعل الله بسهر أحدنا، لكنه وسيلة إلى ذكر الله والتبتل إليه والتوكل عليه، وإيجاد الفرد المسلم الأمين، والمجتمع الراشد" "المنهج الحركى للسيرة النبوية صـ 54 بتصرف".

قال عبد الله بن دينار:

"خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى مكة، فعرسنا فى بعض الطريق، فانحدر إليه راع من الجبل، فقال له يا راعى بعنى شاة من هذه الغنم فقال إننى مملوك، قال قل لسيدك أكلها الذئب، قال: فأين الله؟ فبكى عمر ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال: أعتقتك فى الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك فى الآخرة".

والعابدون هم الذين يتعبدون الله تعالى فى كل أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم وأفعالهم، فالله غايتهم ومعبودهم ووجهتهم ومقصدهم.

والعبودية لله هى سلاحهم الرابح فى المعركة، والطاعة هى التى تمد المؤمنين بالصبر الجميل على قضاء الله، وتحمل الشدائد، والإغضاء عن الإهانة.

والعاملون للإسلام فى هذا الزمن وفى كل زمن فى أشد الحاجة إلى الله، وهم يحملون لواء دعوته إلى الناس، فى حاجة إلى صف أقدامهم أناء الليل وأطراف النهار بين يدى ربهم، وقد خشعت قلوبهم، ودمعت عيونهم واقشعرت أبدانهم، وهم يتلون آيات الله، ويناجون رب الأرباب ومالك الملك، القرآن ملء حياتهم، وزاد أرواحهم ومنتهى آمالهم، وربيع قلوبهم.

فى بعض الأحيان نسمع فى المناسبات كلمة عندنا قيام ليل، هذا الأمر يجب أن ينتقل إلى الأفضل، فلا يصبح مناسبة، بل هو أمر دائم ملازم للمسلم، وهو مع أهله وفى بيته، وهو مسافر ومقيم، دواء لا يستغنى عنه، وعلاج لا بديل سواه، إن المسلم اليوم فى حاجة ملحة إلى الإقبال على ذكر الله، ليتخطى كل الحواجز قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} "المنافقون : 9".

إن عناية المسلم بنفسه وقلبه يجب أن تفوق كل عناية، فهو بهذه النفس المطمئنة يكون مؤمنًا ويكون داعيًا إلى الله بإيمانه، ويكون ربانيًا بصدقه وعقيدته وإن لم يكن كذلك فلا خير فيه، مهما كانت ثقافته ومهما كان علمه، ومهما كان مركزه فى الحياة، فيا رب كاسية فى الدنيا عارية يوم القيامة.

وهذا هو منهج البناء، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، ولذلك فليعمل العاملون، وإنه ليرنو إلى لقاء ربه، وهو فى طاعته وعلى أبواب فضله يقول أبو هريرة رضى الله عنه "لا تغبطن فاجرًا بنعمة، فإن من ورائه طالبًا حثيثًا"

{مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} "الإسراء: 97، والقول من كتاب السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى".

وإنه ليدرك جيدًا بل يهز قلبه ووجدانه قول الله عز وجل:

{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} "المدثر: 10".

إنه تهديد ووعيد للمكذبين المعرضين فى هذا اليوم، واجب على الملم أن يستعد له.

{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} "مريم: 86".

وهذه الرسالة قيام الليل تجديد للروح وزاد للعاملين أسأل الله عز وجل، أن ينفع بها، وأن يجعلها فى الميزان يوم تعرض الأعمال على الله.

اللهم اجعل عملنا كله صالحا

واجعله لوجهك خالصا

ولا تجعل لأحد فيه شيئًا

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


المصدر

غربية اون لاين