فجيرات سيناء.. هل عاد العنف مَن جديد؟ مَن وراءه؟ وما هدفه؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
فجيراتسيناء.. هل عاد العنف مَن جديد؟ مَن وراءه؟ وما هدفه؟
10-10-2004

مقدمة

أضواء على الأحداث

أثارت التفجيرات الثلاث التي دمرت فندق هيلتون طابا ومنتجعين سياحيين في سيناء وراح ضحيتها حتى كتابة هذه السطور حوالي 40 ضحية منهم مصريين وما زال مائة من المفقودين ووقعت ليلة الجمعة 8/10/2004م موجة من التساؤلات والألغاز والتعليقات.

وعلى المراقب الحذر أن يتابع بدقة أخبارها وتحليلات الخبراء في كافة الجرائد والمجلات والفضائيات والإذاعات ومواقع الإنترنت قبل أن يصل إلى نتائج محددة أو يلقي بالاتهامات يمينًا ويسارًا أو ينساق وراء انفعالاته.

ونحن في هذه الكلمات نلقي ببعض الأضواء على الحدث الخطير في صورة تساؤلات بطرح بعض الإجابات عليها.

هل مصر مستهدفة؟ ولماذا؟

نعم: مصر مستهدفة وبقوة، من أطراف عديدة، أهمها المنافس الإقليمي الذي يزداد توحشًا ويريد الانفراد بالمنطقة كقائد لها، وهو العدو الصهيوني، والذي تدعمه أمريكا بكل قوة، وأصبحت الإدارة الأمريكية تنفذ خطط شارون بكل دقة بل ويرسم أركانها من المحافظين الجدد سياسة العدو، وما غزو العراق إلا مثال فاضح عن انسياق أمريكا والمحافظين الجدد في غزو لا يحقق إلا أهداف العدو الصهيوني.

بلا شك هناك أطراف أخرى مثل التهديدات التي يطلقها الظواهري على الفضائيات، ودول عربية تحسد مصر، والإدارة الأمريكية نفسها التي تريد دورًا لمصر محدود في إطار إستراتيجيتها للمنطقة كلها، على أن تتجه إلى إفريقيا، وأن تبتعد عن العالم العربي أو تندمج في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوده الكيان الصهيوني، أو تعطي نموذجًا ديمقراطيًّا، على النمط الأمريكي يكتفي من الديمقراطية بالشكل لا الجوهر، هناك مَن يريد إحراج نظام الحكم في مصر، وهناك من يريد الضغط عليه، وهناك مَن يريد تغييره أو الانقلاب عليه.

هناك مَن يريد إحداث فوضى وعدم استقرار في مصر، بل في المنطقة كلها؛ لأن ذلك يخدم أهدافه حتى ولو سقط من مواطنيه ضحايا (لاحظ حوادث عديدة اقترفها الصهاينة طوال القرن الماضي بهدف تهجير اليهود إلى فلسطين)، ومن العجيب أن مراسلة مجلة تايم الأمريكية اتصلت بي السبت لتسألني الرد على ادعاءات لمسئول استخباراتي صهيوني يتهم الإخوان المسلمين بأنهم دعموا تنظيم القاعدة الذي سارعت دولة العدو باتهامه بالمال والأعوان والمتفجرات.. "يظهر أن الاتهام الأصلي لا يستند إلى قرائن؛ لأن القاعدة تحتاج إلى دعم لوجستي على الأرض، فسارع هذا المسئول للبحث عن هدف آخر يتهمه".

والأعجب أنها نقلت لي أن جريدة في حجم النيويورك تايمز الكبرى الأمريكية رددت هذا الاتهام العجيب الذي لا يحتاج إلى تفنيد، ويقال إن جريدة الرأي العام الكويتية نقلته، وبيان الإخوان واضح من الحدث، وموقفهم من موجات العنف المتكررة ثابت، والجميع يعلم أن منهج الإخوان في الدعوة والنشاط يختلف جذريًّا عن منهج القاعدة، وأنَّ د. أيمن الظواهري أقذع في مهاجمته للإخوان في كتابه "الحصاد المر"، واستمر على مهاجمته دون كلل.. (راجع بيان الإخوان حول الحادث).

يبقى السؤال قائمًا مَن ارتكب الحادث؟ وهل ستصل التحقيقات إلى نتيجة؟ وهل سنرى أحدًا في قفص الاتهام؟ وهل سيلقى مرتكبوه العدالة الناجزة؟.. الظاهر أن كل هذه الأسئلة ستظل معلقة، ولن نرى محاكمات، ولن نطلع على تحقيقات، مثله مثل ما سبق منذ أحداث سبتمبر في أمريكا أو غيرها، بل مثل حوادث وقعت في مصر نفسها، ولم تصل التحقيقات فيها إلى نتيجة محددة، وبقيت ملفاتها مفتوحة.

إسراع العدو الصهيوني باتهام القاعدة وتأكيد أمريكا للاتهام يلقي بشكوك عديدة حول مصداقية الاتهام (يكاد المريب يقول خذوني)، والمنظمات الفلسطينية بريئة بتأكيد الجميع وفي مقدمتهم العدو الصهيوني.. جماعات العنف المصرية لا يتصور أحد عودتها إلى مربع العنف من جديد.

ولم تتهمها جهات الأمن المصرية، وقد سارعت الجماعة الإسلامية بإدانة الحادث ولا سابق إدانات لمنهج تنظيم القاعدة، وبيَّنت أنه يفتقر إلى السند الشرعي.

الجماعات الثلاثة التي أعلنت مسئوليتها على شبكة الإنترنت لم يصدقها أحد، فما أسهل أن تدَّعي جهة ما المسئولية دون أي صدقية.

الجهات الأمنية المصرية وجهات التحقيق تحفظت في توجيه الاتهامات حتى ثلاثة أيام من الحدث، والاعتقالات توجهت إلى بدو سيناء لاحتمال وصول المتفجرات عن طريقهم، ولبعضهم سوابق كثيرة في التعامل مع المخابرات الصهيونية أو تهريب السلاح والمخدرات، بينما ليس لأحدهم ملفات سياسية أو إسلامية.

يبقى احتمال قوي لا يمكن إغفاله أن يكون وراء الحدث- كما غيره مما سبقه- أجهزة دولية ومخابرات أتقنت واحترفت مثل هذه الحوادث، ويمكنها اختراق جماعات محلية ضعيفة أو تجنيدها عملاء ضعاف النفوس.

إذا صدق هذا الاحتمال الأخير فالأرجح ألا تصل التحقيقات إلى نتائج معلنة أو محاكمات عادلة؛ لأن الذي ستعامل في الرد هو الأجهزة المناظرة وليس الإدارات القانونية أو وضع بعض الذيول في السجون.

لا ننسى أننا في عصر الخصخصة الذي وصل إلى الجيوش "المرتزقة في العراق وأفغانستان" والسجون الخاصة، والميليشيات التي تقوم بانقلابات "مثل جزر القمر بواسطة جنود فرنسيين أو ليبريا (تايلو) أو (هاييتي)، فلماذا لا تكون هناك أجهزة مخابرات خاصة أيضًا؟!!

وقد وجَّه بيان الإخوان الأنظار إلى هذا الاحتمال، واتهم العدو الصهيوني أنه المستفيد الرئيسي من الحدث لصرف الأنظار عن مجرزة غزة الحالية، ولحشد تأييد دولي لصالح الصهاينة وللضغط على مصر للخضوع للمطالب الصهيوأمريكية.

التداعيات والآثار

سيكون لهذا الحادث الخطير آثاره الهامة وتداعياته المؤثرة.

بداية: سيهز القواعد الأمنية هزًّا، وقد يطيح ببعض القيادات الأمنية العليا، إلا إذا ثبت أن سيناء- كما يتوقع البعض- ليست تحت السيطرة الكاملة لجهاز أمن الدولة، وأن المسئولية ستتوزع على المخابرات العامة والحربية وأمن الدولة.

والمطلوب هو مراجعة السياسة الأمنية كلها، وليس تغيير أشخاص أو قيادات المطلوب هو تغيير أهداف أمن الدولة من متابعة النشاط المصري إلى الاهتمامات بالاختراقات الأجنبية التي تنامت بقوة واستباحت مصر.

المطلوب هو الثقة بالشعب وبقواه الحية، وعدم التوجس منه والحذر الشديد من الأعداء الحقيقيين من صهاينة وأمريكيين.

فبعد توقف العنف الأهلي الذي مارسته الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد هل يعود الينا عنف جديد له أهداف مختلفة؟

قطاع السياحة سيتأثر جدًا بعد أن عاد إلى الانتعاش، وتعود معه التساؤلات لماذا تظل مصر تعتمد على موارد غير ثابتة، ولا تستطيع أن تتحكم في تدفقها مثل السياحة، وتهمل التنمية الاقتصادية في القطاعات الانتاجية التي تفوقت فيها سابقًا مثل الزراعة والصناعة والخدمات الأخرى؟ ولماذا لا تدخل قطاع صناعة المعرفة وتكنولوجيا المعلومات؟

السياسة الداخلية ستتأثر بمقدار رؤية القيادة السياسية لخلفيات الحدث، فإذا سادت النظرة الأمنية الضيقة سيزداد التضييق، وسيكون الحادث تكئة لمد العمل بقوانين الطوارئ وتقييد الحريات العامة.

أما إذا ثبت أن خلف الحادث جهات أخرى خارجية فإن المطلوب هو حشد كل الجهود كي تتصدى مصر لهذه المحاولات الخبيثة التي تستهدف دورها الإقليمي، وتريد الضغط عليها لتنفيذ ما ليس في صالح أمنها القومي.

وهنا سيؤثر في السياسة الخارجية المصرية التي لا تتغير بسهولة، وستحتاج إلى وقت ورؤية جديدة، وقد قال الرئيس مبارك في تصريحات: إذا بقي الوضع كما هو في العراق وفلسطين فإننا ننتظر المزيد من هذه الأعمال.

تأثير ذلك الحدث على موقف الدولة من الاتجاهات الإسلامية يصعب رصده الآن، إلا أنَّ الجهات الأمنية متأكدة من عدم تورط التنظيمات الإسلامية المعروفة في الحادث، وأن الإخوان أبعد ما يكون عن مثل هذا النهج العنيف.

الخطر قد يأتي من شباب وأفراد لا ينتظمهم عمل إسلامي منظم وتملأهم حماسة إسلامية وعاطفة دينية، وينقصهم وعي بالأحداث السياسية، وليس لديهم حذر ذاتي ومرجعية إسلامية تنبههم إلى عدم الوقوع في فخ جهات تريد توظيف حماستهم، هؤلاء وهم كثيرون بسبب التضييق الأمني على النشاط الإسلامي المنظم وعدم الاعتراف بقانونية الإخوان المسلمين مثلاً أو السماح لهم بوضع واقعي يساعدهم على ترشيد هذه المجاميع السائبة، وكذلك عدم قدرة الإخوان على استيعاب غالبيتهم لأسباب عديدة منها تخوف الشباب الأمني وانبهار البعض بأفكار القاعدة.

كل هذه العوامل قد تجعل بعض التيار الإسلامي السائب، والذي ينحو منحًا سلبيًا في غالبه نهبًا لاختراقات عديدة توظف هؤلاء في أعمال ظاهرها تحقيق مصالح وباطنها تخريب البلد، ولا تفيد إلا في تنفيس الاحتقان الذي يملأ صدور الشباب ضد العدو الصهيوني والأمريكي (لاحظ ما يحدث في الساحة العراقية من تشويه للمقاومة الإسلامية والوطنية من بعض المجموعات التي ترفع رايات إسلامية وترتكب أعمال خطف وقتل ونهب وغيرها).

الحل هنا ليس بتقييد النشاط الإسلامي أو ملاحقة المتدينين، فلن تتوقف موجات التدين في المجتمع المصري بل ستزداد.

الحل هو استيعاب غالبية هؤلاء في نشاط واضح معلن مقنن يحصنهم من الوقوع في براثن أي جهات تخابراتية أو جماعات سرية.

الموقف من الحوادث

لا يجب الوقوع أبدًا في فخ كبير مثل هذه التفجيرات العشوائية التي يذهب ضحيتها أبرياء لا تميز بين عدو وبين محايد أو صديق، ولا يجب بحال من الأحوال الانسياق وراء الانفعال العاطفي، بل يجب أن نمزج العاطفة بنور العقل حتى نتعرف على كل التداعيات والآثار.

المطلوب هو المتابعة الواعية، والتحليل الدقيق، والتوازن في التعليقات ودراسة كيفية معالجة آثار التداعيات، وليس مجرد تفريغ شحنة نفسية عاطفية فقط.

الانفعال النفسي أمر طبيعي والنكاية في العدو تذهب غيظ المؤمنين، والفرح لانتصار عدو ضعيف على عدو أقوى وارد، لكن أن يكون ذلك نهاية المطاف هذا خطير.

خاتمة

هناك ملامح سياسية وإستراتيجية أمريكية صهيونية لا تخطئها العين البصيرة تحتاج إلى متابعة دقيقة.

هدفها هو زرع الفوضى في العالم، ونشر عدم الاستقرار في منطقتنا العربية وتقسيم الدول العربية إلى فتات وكانتونات طائفية وعرقية، وبنشر مزيد من الخوف في نفوس النظم الحاكمة من شعوبها وإخضاع هذه الحكومات للمطالب الصهيونية والأمريكية.

شعار هذه الإستراتيجية هو "الحرب على الإرهاب".

حقيقة هذه الإستراتيجية هو "مواجهة الخطر الإسلامي".

ماذا يجب علينا؟ سؤال صعب وكبير.

المصدر