صلاح شحادة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

صلاح شحادة القلب الذي حوى العالم

الأستاذ صلاح شحادة


"لم يَدَع جنود الاحتلال شعرة في ذقني أو صدري إلا نتفوها، حتى شككت أنه يمكن أن تنبت لي لحية مرة أخرى، واقتلعوا أظافر قدمي ويدي، ولكني والله ما شعرت بألم، ولم أتفوَّه بآهة واحدة.. فقد كنت أردد القرآن".. هكذا قال صلاح شحادة راويًا لزوجته ما حدث معه في المعتقلات الصهيونية.


إنه الرجل الذي أسس كتائب القسام، وابتكر اقتحام المستوطنات، وطور السلاح، بدءًا من الهاون والمضادات للدبابات، ثم القذائف والصواريخ، حتى أصبح المطارَد رقم "1" لجيش الاحتلال.


وكان قد أشرف على اغتياله رئيس وزراء الكيان الصهيوني؛ ليكون بحق "رجل تحاربه دولة"؛ فيلقى ربه شهيدا في أبشع جرائم جيش الاحتلال الصهيوني في مدينة غزة في مذبحة راح ضحيتها 15 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال بتاريخ 13-7-2002 بعد حياة عسكرية وجهادية استمرت قرابة عشرين عاما.



الطفل الرجل

وُلِد شحادة 4-2-1953 في قرية "بيت حانون" شمال قطاع غزة، وكان الابن الأول الذي رُزق به والده "مصطفى شحادة" بعد 8 بنات، 6 منهن توفاهن الله، ونشأ بين والديه يغدقان عليه حنانهما، ويخافان أن تجرح نسمة الهواء خديه، إلا أنهما غرسا الرجولة فيه منذ نعومة أظافره.


تروي شقيقته سميرة -53 عاما-: "عندما تزوجت شقيقتي الكبرى أصر والدي أن يصحب صلاح أخته إلى بيت زوجها نيابة عنه، رغم أنه لم يكن قد تجاوز 5 سنوات بعد. وفي الأعياد كان أبي يعطيه الأموال ليعيّدنا يوم العيد، وكأنه شاب كبير؛ فمنذ صغره ووالدي وجميع أفراد الأسرة يتعاملون معه على أنه رجل ومسئول".


وتضيف شقيقته: كان لصلاح منذ صغره شعر ناعم ووسامة بادية، وكان يولي اهتمامًا بمظهره، وتميز بهذا بين جميع أطفال القرية؛ وهو ما جعله موضع حسدهم، فأراد أحد الشبان -وكان يكبره بـ5 سنوات- الانتقام منه، فجمع 6 أطفال، وترصدوا بصلاح إلا أن صلاح صرعهم جميعا!


"لطمني على وجهي وحملني للمنزل -هكذا تروي شقيقته-، والسبب أنني ذهبت إلى المدرسة -وأنا في الصف الثاني الثانوي- مكتحلة، فنهاني، ولكني لم أرتجع، وكانت المرة الوحيدة التي ضربني بها"، وتتذكر والدموع تغالبها: "وقعت على الأرض مغشيا علي من شدة صفعته، فحملني على كتفه وأعادني إلى المنزل".


الشبل الذي يؤوي المطارَدين

ما كاد القائد شحادة يتجاوز 15 عاما حتى بدأ يؤوي المطاردين في بيارات القرية، ويزودهم بالأكل والشراب خفية عن والده الذي كان يخشى أن يخوض ابنه غمار المقاومة؛ حتى لا يفقده، وهو الذي انتظر قدومه 15 عاما تقريبا، ففضل والد شحادة أن ينجو بطفله صلاح بأن ينتقل بأسرته إلى مخيم الشاطئ، الذي وجد فيه الشبل صلاح ضالته؛ فالتحق بالمسجد ليستمع إلى دروس الشيخ المجاهد "أحمد ياسين"، ويترعرع على يديه، وليتعانق في قلبه حب الوطن بالإسلام.


وعندما لم يجد الأب من سبيل لصد ابنه عن طريق الجهاد أعاده إلى قرية بيت حانون ثانية، ومن ثم أصر والده على أن يلحقه بجامعة الإسكندرية ليبعده عن هذا الطريق، ولكن صلاح تعرف في الإسكندرية على مجموعة كبيرة من الشبان الفلسطينيين من حركة "الإخوان المسلمين"، وخاصة الدكتور "أحمد الملح" لتبدأ الحياة الجهادية للقائد شحادة.


التعليم

دخل صلاح شحادة المدرسة الابتدائية في عام 1958 التابعة لوكالة الغوث وهو في سن الخامسة، درس في بيت حانون المرحلة الإعدادية، ونال شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة. إنتقل إلي مصر و التحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية. حصل صلاح شحادة على المؤهل الجامعي بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من جمهورية مصر العربية ، و لم تسمح له ظروفه المادية بالسفر إلى الخارج لإكمال دراسته العليا وكان حصل على قبول لدراسة الطب والهندسة في جامعات تركيا وروسيا.


وأثناء دراستة بمصر و في السنة الثالثة من المعهد العالي للخدمة الإجتماعية بدأ التزامه بالإسلام يأخذ طابعاً أوضح. بدأ العمل في الدعوة إلى الإسلام فور عودته من مصر إلى قطاع غزة.


حاز على الحزام البني في المصارعة اليابانية أثناء دراسته في الإسكندرية، ومارس رياضة رفع الأثقال في فترة ما قبل الجامعة.


العمل

عمل باحثاً اجتماعياً في مدينة العريش في صحراء سيناء، وعيّن لاحقاً مفتشاً للشؤون الاجتماعية في العريش. بعد أن استعادت مصر مدينة العريش من اسرائيل في العام 1979 انتقل شحادة للإقامة في بيت حانون واستلم في غزة منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة. وفي بداية العام 1982 استقال من عمله في الشؤون الاجتماعية وانتقل للعمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة. و بعد خروجه من المعتقل في العام 1986 شغل منصب مدير شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في العام 1987، غير أن الشيخ صلاح شحادة واصل العمل في الجامعة حتى اعتقل في آب/ أغسطس 1988.

تزوج في العام 1976 من زوجته التي استشهدت معه و كانً أب لستة بنات ولدت الأخيرة أثناء اعتقاله.


قسم الأحرار.. مقاومة للأبد

"أخاف عندما أصافح أحدا أن أكسر يده وأنا لا أشعر".. هكذا كان الشهيد يقول في وجل، كان يجيد لعبة الجودو، وحصل على الحزام الأسود. وفور عودته من الإسكندرية عمل في مديرية الشئون الاجتماعية.. أعلن المدير الصهيوني أن كل موظف يخرج في جنازة المدير السابق سيعطيه دونمًا من الأرض، لكن شحادة حرّض جميع العاملين على عدم الخروج، وفور علْم المدير بأمره عاقبه.. فما كان من شحادة إلا أن قدم استقالته، وقال: "الرزق على الله، ولن أركع أو أخضع يوما لكم".


الاعتقال

اعتقلته سلطات الاحتلال في العام 1984 للاشتباه بنشاطه المعادي للاحتلال غير أنه لم يعترف بشيء ولم تستطع اسرائيل إثبات أي تهمة ضده أصدروا ضده لائحة اتهام حسب قانون الطوارئ لسنة 1949، وهكذا قضى في المعتقل عامين.


استمر التحقيق معه لمدة عام متواصل دون أن تظفر المخابرات منه بأدنى اعتراف؛ لذلك حُكم عليه بالاعتقال لمدة عشرة أعوام وغرامة مالية رفض القائد دفعها ليقضي حكما بالسجن الإداري عقب الغرامة ستة أشهر ليصل إجمالي ما قضاه في السجن عشرين شهرا وعشر سنوات. وأقسم شحادة فور خروجه أن يواصل العمل العسكري، وفي الاعتقال الأول استطاع أن يحمل كبسولة العمل (قصاصة ورق مكتوب عليها رسائل القادة في السجن) إلى قيادة الحركة في الخارج، وكذلك في معتقله الأخير.


يودع أبن اخية الإستشهادي


بعد خروجه من المعتقل في العام 1986 شغل منصب مدير شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في العام 1987، غير أن الشيخ صلاح شحادة واصل العمل في الجامعة حتى اعتقل في آب/ أغسطس 1988 .


في 18-8-1988م، استمر التحقيق حتى 26-6-1989 في سجن السرايا، ثم انتقل من زنازين التحقيق إلى غرف الأسرى، وفي 14-5-1989م أعيد إلى زنازين التحقيق بعد أن تم الاعتراف عليه بمسؤولية الجهاز العسكري لحركة حماس، واستمر التحقيق لمدة 200 يوم، وبذلك بلغ مجمل التحقيق معه حوالي عام كامل، وكانت التهم الموجهة إليه المسئولية عن الجهاز العسكري لحماس، وإصدار أوامر باختطاف الجنديين (سبورتس، وسعدون)، ومسئولية حماس، والجهاز الإعلامي في شمال قطاع غزة ، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات على تهمة مسئولية حماس والجهاز الإعلامي في المنطقة الشمالية، أضيفت إليها ستة أشهر بدل غرامة رفض الشيخ المجاهد أن يدفعها للاحتلال.


ظل محتجزا في العزل الانفرادي والتحقيق منذ بداية اعتقاله وحتى آيار / مايو 1989 بعد أن فشل محققو جهاز الاستخبارات الاسرائيلي في انتزاع أي معلومات منه قرروا إنهاء التحقيق معه ، غير انه أعيد التحقيق بعد فترة قصيرة الى زنازين التحقيق بعد حملة اعتقالات واسعة في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس جرت أيار / مايو 1989 استمرت جولة التحقيق الجديدة حتى تشرين ثاني / نوفمبر 1989 أي بعد ستة اشهر ومنع من استقبال الزيارات العائلية ، وبعد انتهاء المدة حول إلى الاعتقال الإداري لمدة 20 شهرًا ليتم الإفراج عنه بحمد الله تعالى في 14-5-2000.


صلاح شحادة أو (أبو مصطفى) دخل السجن و لديه ست بنات، عمر أكبرهن عشر سنوات، وخرج وله ستة أحفاد.

خرج من السجن يحمل تهديدا من ضباط المخابرات الاسرائيلية بضرورة اغتياله في حال قيامه بأية نشاطات ضد الاحتلال و بعد عدة شهور قدم استقالته من عمله و تفرغ لمقاومة الاحتلال رافضا كل المغريات حتى لقي ربه شهيدا كما أراد.


يوم في المعتقل يمر كساعة واحدة

يودع ابن أخيه الاستشهادى بلال شحادة –19 عاما- قبل عملية مستوطنة نتساريم في غزة 13/3/2002م

مكث خلف قضبان الاحتلال 14 عاما، عرف خلالها أنه كان يخطط ليومه ليستفيد من كل دقيقة به، وعلى عكس الجميع كان يقول: "يوم في الزنازين كساعة خارجه".. فبعد صلاة الفجر يراجع ما حفظ من القرآن والأذكار، ثم يرتدي ملابس الرياضة، ويحث إخوانه على مشاركته في ألعاب الرياضة التي تستمر لمدة ساعة تقريبا؛ باعتباره المسؤول عن طابور الصباح، ويشترك معه العديد من الشبان المعتقلين من كافة التنظيمات، ويتذكر د. عبد العزيز الرنتيسي: "قضيت مع شحادة أحلى سنوات عمري داخل السجن عام 1988، ثم التقيت به ثانية في عام 1995، وكان شحادة الخطيب في المعتقل والمسؤول عن تدريب الشبان في طابور الصباح.. كان يمارس معهم رياضة قاسية حتى إن إدارة السجن شكته عدة مرات، وادعت أنه يدربهم تدريبات عسكرية".

وبعد الفورة (الاستراحة) يبدأ شحادة بتغذية المعتقلين ثقافيا في درس الصباح الذي يحضره جميع المعتقلين، بينما كان يؤثر مجموعة من إخوانه الذين قرأ في شخصياتهم الجرأة والقيادة في دروس خاصة عن موضوع "الصحة النفسية".

وإن لكم في "مشاهدة الأفلام البوليسية" لأجرا

أما باقي النهار فكان شحادة يقضيه في مطالعة الكتب الغنية بها مكتبته داخل المعتقل، التي تشمل كافة التخصصات من طب واجتماع وعلم نفس، بالإضافة إلى الكتب الإسلامية، وفي ساعات المساء يستمع إلى نشرة الأخبار، ثم يعقد جلسة ثقافية أخرى لمناقشة المعتقلين حول آخر تطورات الساحة السياسية، ثم يعود لمشاهدة البرامج السياسية أو الأفلام البوليسية والأمنية، وخاصة البريطانية منها، ويدون ملاحظاته عليها، وكان يجمع إخوانه، ويدربهم على تدوين ملاحظاتهم حتى ينمي حدسهم، ويزيد قدرتهم على تحليل الأحداث.


والدة سعدون تبكي.. لا يهم فأمهاتنا بكين كثيرا

"أعدتها إلى منزلها تبكي" بهذه الجملة كان يلخص شحادة قصته مع والدة الجندي الصهيوني "أيلون سعدون" التي كانت تتردد كثيرًا على صلاح ليخبرها عن مكان جثة ولدها، ويؤكد صديقه "محمد" كان يرد عليها بلطف وأدب شديد "دعي مخابراتكم التي تدعي أنها لا تقهر لتخبرك عن مكانه".


ويُشار إلى أن الجندي سعدون قُتل في عام 1989؛ حيث استطاعت الخلية العسكرية التي يرأسها شحادة خطف جنديين وقتلهما وإخفاء جثة أحدهما، وكان قد أدار عملية الخطف من داخل المعتقل، ويحكي شحادة أنه "في هذه المرة أشرف على تعذيبي إسحاق مردخاي، وأخذ يقول لي: "أنت رجل عسكري مثلي مر جنودك أن يسلموا جثة سعدون"، فسألته: هل سلم المجاهدون سلاحه؟ وعندما رد علي بالإيجاب قلت له: من الخطأ أن يفعلوا؛ فطلقة رصاص واحدة أفضل عندنا من جندي منكم؛ لأننا بالطلقة سنقتل جنديا آخر".


شهادة من القائد والأب أحمد ياسين

"نعم القائد والجندي".. بهذه الجملة وصف الشيخأحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلاميةحماس القائد شحادة، ويضيف: "منذ أن بايع شحادة حركة الإخوان المسلمين في عام 1982 أصبح مسئولا عن شمال قطاع غزة؛ لما تميز به من حب للعمل، واستعداد للتضحية من أجله، بالإضافة إلى شخصيته القيادية والاجتماعية والإدارية".


وأكد ياسين أن شحادة تولى مسئولية الجناح العسكري لحماس عام 1988. ويضيف ياسين: "نجح شحادة خلال عامين في بناء الجهاز العسكري لكتائب القسام، ونجح من خلال عمله المؤسساتي أن يجد له تلاميذ في الميدان يتولون القيام بمهمته فور غيابه".


أما الرنتيسي فيشهد: "لقد استطاع شحادة أن يحقق من الإنجازات ما عجز الكثير عن فعله في سنوات عديدة؛ نجح في تطوير الجهاز العسكري لحركة حماس كمًّا وكيفًا، مدّ الجهاز بأعداد كبيرة من الشبان، وقام بتدربهم وتجهيزهم، وتطوير الصناعة العسكرية المتواضعة خلال عامين.. بدءا بالهاون ثم الصواريخ مثل القاذفات ومضادات الدبابات، كما يعود لشحادة فضل الإبداع في التخطيط لاقتحام المستوطنات، والانطلاق بالجهاز العسكري من قيود السرية التي تكبل الحركة".


ويعتقد الرنتيسي أن استشهاد القائد شحادة ترك فراغًا كبيرًا في الحركة، لكنه كان مميزا بإعطائه الشباب فرصة الإبداع وخوض التجربة؛ وهذا ما سيجعل الجهاز يتقدم في الأيام القادمة.


للعمل الخيري نصيب في حياته

لم ينسَ القائد شحادة قضية الأسرى، ولم يغفل عنها يوما.. فبعد خروجه من السجن سعى إلى بثّ الحياة من جديد في جمعية النور، وتقديم الخدمات لأهالي الأسرى، والإشراف على شئون الأسرى داخل المعتقلات.


يُذكر أن جمعية النور أُسست في عام 1996، وسعى القائد شحادة إلى وضع برنامج يتناسب مع احتياجات ذوي الأَسرى، وتعيين باحثات اجتماعيات لمتابعة شئون الأطفال وزوجات الأسرى وتوعيتهم بأمور دينهم، وتنظيم أنشطة ثقافية وترفيهية لهم عبر المخيمات والرحلات والحفلات، بالإضافة إلى متابعة شئون أهالي الشهداء، وتقديم المساعدات الاجتماعية لهم.


صحابي هذا الزمان

"عشت شهرين في عصر الصحابة".. هكذا وصفت "ماجدة قنيطة" زوج شحادة الثانية حياتها الزوجية معه (تفاصيل أكثر)، مشيرة إلى أنه كان دائما يضع مخافة الله أمام عينيه، وكأنه يمشي على الصراط، وكأن الجنة والنار ماثلتان أمامه، يفتش على نيته قبل أن يخطو خطوة، لا تغفو عينه إلا بعد الساعة السابعة صباحا، ينام ساعتين أو ثلاثا تقريبا، ثم يجلس في مكتبه يستقبل المكالمات، ويرد على الرسائل التي كانت تأتي إليه بكثرة من الشبان عاشقي الشهادة، أو رسائل إدارية تخص الجهاز، وإذا شعر بالتعب أخذ يسلي زوجه، ويجاذبها أطراف الحديث عن ماضيه.


أما أهم صفة تعلمتها منه فقالت ماجدة: تعلمت منه التواضع، وامتلاك الأعصاب الهادئة، والتصرف في الأمور بحكمة، وكان يقول لي: القائد يجب أن يكون هادئ الأعصاب لا ينفعل؛ ففي السجن "كان الوقت يمر ببطء، كنت في زنزانة عتمة، طولها أقصر مني، وعرضها لا يكفي لأنام، وظلامها لا أرى منه يدي، ورائحتها كريهة.. في الشتاء أبرد من الثلج، وفي الصيف رطوبة قاسية لا أعرف فيها الليل من النهار، ومع ذلك عشت لم أشعر فيها بأي ألم، وأقلمت معها حياتي، ومكثت فيها أشهرًا عدة".


وأضافت: "كان حقا صحابيا في القرن الحادي والعشرين، لقد كان أمة تفيض بالحب والتسامح.. فقد كان يقول: "يجب أن نربي الأجيال القادمة على الحب والتواضع"، كان شعاره "أحب أن ألقى ربي وليس في كتابي مظلمة لأحد.. أريد أن أفوز بالجنان ورضى الرحمن"، كما كان يمتلك سحرا عجيبا في أَسْر القلوب بنظرة واحدة منه، وفرض احترامه على العدو قبل الصديق.


عيون لم تألف النوم.. جسد لم ينعم بالراحة.. قلب لم يذُق طعم الخوف.. ثغر باسم عن رضا.. عقل هائج لا يتوقف عن الفكر.. وقبضة من حديد.. هذه بعض جوانب شخصية الشهيد "صلاح شحادة"، ولا يمكننا رصد جميع هذه الجوانب؛ إذ الرجل لا يزال يكتشف بعد سياج رهيب من السرية نسجه حول نفسه بعناية


الإغتيال

كشفت الصحافة الصهيونية بعض التفاصيل حول المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة ليلة الاثنين 22-7-2002 والتي أدت إلى استشهاد القائد العام لكتائب القسام ومساعده زاهر نصار وأكثر من خمسة عشر آخرين وإصابة ما يزيد عن 150 فلسطينيا، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه بعد الحادث مباشرة رن الهاتف في منزل أرنون فرلمان، المستشار الإعلامي لشارون، سأله شارون اذا كان على علم بآخر المستجدات. ورد فرلمان: "نعم، تقصد الاستقالة المتوقعة لدالية رابين فيلوسوف (نائبة وزير الدفاع)؟". "لا"، رد شارون، "أقصد اغتيال صلاح شحادة في غزة.

المجاهد صلاح شحادة

وأشارت الصحيفة الى أنه في الأشهر الأخيرة، كثف جيش الاحتلال من مراقبة تحركات القائد العام لكتائب القسام مستخدمين بذلك أحدث الوسائل والتقنيات التكنولوجية الى جانب العملاء، وأضافت الصحيفة كانت الفوهة الصهيونية تتعقب شحادة، هذه حقيقة كانت تعرفها حماس ويعرفها كل من تتبع قرارات الطاقم الوزاري. بعد عملية حزيران التي استهدفت حافلة ركاب عند مفترق بات في القدس، عززت إسرائيل من جهودها لضرب قادة حماس في غزة.

وكشفت الصحيفة أن الحكومة الصهيونية اتخذت قرار اغتيال قادة حماس السياسيين والعسكريين، باستثناء مؤسس حركة المقاومة الاسلامية حماس الشيخ أحمد ياسين، وذلك في جلسة للطاقم الوزاري وأودع القرار بأيدي الجيش من أجل تنفيذه. أما المصادقة النهائية على تنفيذ العمليات فقد أنيطت برئيس الحكومة وبوزير الدفاع. ودعم بيرس أيضًا العمليات ضد قادة حماس، لكنه رفض، أمس، بعد ما حدث أن يقول ما اذا كان يؤيد اغتيال شحادة.

وكتبت الصحيفة نقلا عن شارون قوله لوزراء حكومته "لقد شوهد شحادة أربع مرات في الأسبوع الماضي، عبر فوهات نيران طائرات اف 16 الصهيونية" وقال شارون "لقد كان على مرمى الاصابة وتقرر عدم اطلاق الصاروخ عليه خشية اصابة المواطنين الذين تواجدوا في المكان".

يوم الاثنين ليلا، قبل عودته من اجازة خاصة وقصيرة في لندن، استدعي وزير الدفاع، بنيامين بن اليعزر إلى الهاتف. على الجانب الثاني كان سكرتيره العسكري، العميد مايك هرتسوغ. "لقد توفرت الفرصة العسكرية المناسبة، اطلب مصادقتك عليها" قال هرتسوغ. وسأله بن اليعزر عدة اسئلة ومن ثم صادق على ضرب الشيخ شحادة.

وكما هو متعارف عليه، سارع ضباط الجيش إلى المقر الرسمي لرئيس الحكومة شارون، في القدس، وعرضوا الخطة أمامه. وقال رئيس شعبة المخابرات العسكرية، الجنرال اهرون زئيف فركاش، ان شحادة يتواجد في بيت جديد يتألف من طابقين في غزة. وأطلع ضباط المخابرات، شارون، على صور جوية تظهر موقع المبنى.

وحسب المعلومات المتوفرة لدى الجيش، كان شحادة يتواجد في البيت مع زوجته وابنته، ابنة الـ14، ومساعده زاهر ناصر. وأفاد رئيس الشاباك ابي ديختر، ان شحادة ورجلين اخرين يتواجدوا في المنزل. ووصف ضباط المخابرات المنزل بتفاصيله واشاروا إلى انه محاط بساحة.

وحسب احدى الروايات، اشار الضباط إلى "وجود خرائب اخرى وراء الساحة تستخدم للسكن" وتقول رواية اخرى، رواها احد المشاركين في اللقاء انه لم يتم التحدث لدى شارون عن وجود اناس في الخرائب الملاصقة للبيت. وأوصى الجيش بتدمير البيت عبر قصفه بصاروخ تطلقة طائرة إف 16، لانه يمكن هكذا فقط ضمان نجاح العملية، واغتيال شحادة.

بعد 20 دقيقة من منتصف الليل، تلقى شارون أول تقرير عن العملية: هدم البيت الذي يقيم فيه شحادة. ولم يكن من الواضح اذا كان شحادة قد قتل. وقرابة الساعة الثانية والنصف فجراً، سمع شارون من سكرتيره العسكري، الجنرال يوآب غلانط، ان العملية توجت بالنجاح. فلقد تم التعرف على جثة شحادة. مع ذلك أبلغ شارون ان مدنيين من النساء والاطفال قتلوا في العملية.

واتهمت الصحيفة الشهيد بأنه من كبار المطلوبين لإسرائيل.وأن اياديه ملطخة بدماء الصهيونيين، وعمل حتى يومه الاخير في تخطيط العمليات الاستشهادية في إسرائيل. وأشارت يديعوت أن جهاز الشاباك أعد مسبقا، قبل عملية الاغتيال، قائمة بكل التهم والعمليات المنسوبة للشيخ الشهيد شحادة كي يتم توزيعها على وسائل الاعلام عندما يحين الوقت المناسب.

ردا على السؤال حول ما الذي ستجنيه إسرائيل من اغتيال شحادة في وقت تعلن فيه حماس ان إسرائيل كلها اصبحت هدفا الآن، قال منسق اعمال الحكومة في المناطق، الجنرال عاموس غلعاد: لقد كان شحادة ينوي اصلا تحويل حياة الصهيونيين إلى جهنم.

  • ذكرت إذاعة جيش الاحتلال الصهيوني الثلاثاء 23-7-2002 ان رئيس الوزراء الصهيوني ارييل شارون ووزير دفاعه بنيامين بن اليعازر اعطيا "شخصيا" الضوء الاخضر لتصفية الشيخ المجاهد القائد العام لكتائب القسام الشهيد صلاح شحادة وأنهما تابعا لحظة بلحظة عملية الرصد وتنفيذ الجريمة المتمثلة في الغارة الجوية التي شنت على غزة امس الاثنين واسفرت عن استشهاد ما يزيد عن 12 فلسطينيا، وإصابة 150 أخرين من أبناء شعبنا معظمهم من النساء والأطفال.

وكان وزير الداخلية الصهيوني ايلي يشائي العضو في الحكومة الامنية قد حاول أمس التنصل من المسئولية البشرية عن الاعتداء على المدنيين زاعما وجود "خطأ" يمكن ان يكون قد ارتكب في تحضير الغارة الجوية مساء الاثنين في غزة ما اسفر عن مقتل المدنيين وبينهم عدد من الاطفال.

هذا وعبر رئيس الوزراء الصهيوني أرييل شارون اليوم الثلاثاء23-7-2002عن ارتياحه للغارة التي قام بها الطيران الحربي الصهيوني ليلا على غزة وأسفرت عن استشهاد خمسة عشر مدنيا فلسطينيا من بينهم القائد العام لكتائب القسام وجرح نحو 150 آخرين، مشيرا إلى أنها "إحدى أنجح العمليات" التي نفذها الجيش, وذلك حسبما ذكرت الإذاعة العسكرية الصهيونية.


وصية

وصية الشهيد القائد صلاح شحادة " أبو مصطفى"

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا أب القاسم محمد بن عبد الله أما بعد ،، فهذه وصية شرعية أدعو من يقرؤها إلى تنفيذها بكل ما يرد فيها .

أولاً : أوصيكم بتقوى الله والجهاد في سبيله وأن تجعلوا فلسطين أمانة في أعناقكم وأعناق أبنائكم إلى أن يصدح الآذان في شواطئ يافا وحيفا وعسقلان .

ثانياُ: أوصي في كل أموالي وديوني التي ستفصل في ملحق خاص بتنفيذ حكم الله فيها وذلك بعرض تفاصيل ما يتصل بأموالي وديوني على عالم شرعي مختص من أتقياء المسلمين .

ثالثاً: أؤكد بتنفيذ المواريث حسب شرعنا الحنيف .

رابعاً: أوصي أن يتولى غسلي إن غسلت الأخ نزار ريان فإن لم يكن فالأخ عبد العزيز الكجك ، على أن يستروا عورتي ويحفظا سري حفظهما الله وأن يتولى لحدي في قبري أحد الأخوين المذكوريين .

خامساً: تنتهي التعزية بي عند قبري وإني برئ من كل من يقوم بنصب مأتم لي ، وأبرأ إلى الله من كل عمل يخالف شرع الله من النياحة أو اللطم أو شق الجيوب أو نتف الشعور أو تكبير صوري ووضعها على الجدران .

سادساً: أوصي أهلي وزوجتي وذريتي بالدعاء لي بالمغفرة والستر وأن يسامحوني من أي عمل يجدونه في خواطرهم علي سببته .

سابعا: أن يكون قبري بجوار قبور الصالحين ما أمكن، وألا يبنى قبري أو يجصص، أو يكتب عليه الشهيد وإن استشهدت فالله أعلم بعباده.

واخيرا أدعوا الله تعالى أن يرحمني وإياكم، وإلى لقاء عند رب غفور رحيم كريم بإذنه تعالى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتب صلاح بن مصطفى بن محمد شحادة بتاريخ 20 صفر 1422 هـ


إقرأ أيضاً