حوار هام للأستاذ حسن البنا مع مستر سبنسر المراسل الحربي الأمريكي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حوار هام للأستاذ حسن البنا مع مستر سبنسر المراسل الحربي الأمريكي


قضى المستر سبنسر المراسل الحربى الأمريكى جلسة طويلة مع المرشد العام تحدثا خلالها فى كثير من الموضوعات التى تشغل الرأى العام العربى والإسلامى، وبعث به إلى صحف بلاده، جاء فيه:

سأل المراسل: كيف ترى أن تتجمع الشعوب الإسلامية وعلى أى أساس؟ هل ترى العودة إلى نظام الخلافة؟ وهل ترى أنها بحاجة إلى حماية من الخارج؟

فأجابه المرشد العام:

أولاً: لاشك أن العالم الإسلامى مؤمن تمامًا بوجوب التعاون الإنسانى، ولا شك أن الزمن الطويل الذى قضته إنجلترا محتكة بهذا العالم وانتهاء الحرب بانتصارها، وارتباط العالم الإسلامى بهذا الانتصار، ودخول أمريكا فى ميدان السياسة العالمى بعد أن كانت تسعى إلى العزلة والانفراد، كل هذا يوحى إلى العالم الإسلامى بوجوب التعاون سواء من الوجهة النظرية؛ لأن الأديان جميعًا نزلت بهذا وأشادت بالإخاء، أو من الوجهة العملية لتشابك المصالح وارتباطها.

ثانيا: استقبلت الدول فكرة هيئة الأمن الدولى بشىء من الأمل، ولكنها شعرت بخيبة شديدة بعد "سان فرنسيسكو" ويظهر أن الوصول إلى المثل العليا لا زال من أصعب الأمور، والخطوات التى يخطوها العالم نحو الأخوة الإنسانية خطوات بطيئة جدا.

والشرق الأوسط بطبيعة كونه مهبط الأديان ومقر الفلسفات، ديمقراطى بطبعه ودقيق الإحساس وخيالى، فكم كان يطرب عندما يسمع المثل العليا تنطق بها ألسنة المستر "روزفلت" والمستر "تشرشل" حتى ليكاد يعتقد أنها حقيقة واقعة، حتى إذا استيقظ كانت سرابا، فكثيرا ما ينخدع جريًا وراء الفلسفة.

وقد جرت العادة أن قوى العالم الكبرى لا تحس بالحاجة إلى وجود المثل العليا إلا عندما تصطدم بقوة أخرى، فإذا ما تحقق لها الانتصار نرى أيديهم تنقبض عن تحقيق ما نادوا به فى أيام محنتهم؛ لذلك كان شعور الشرق الأوسط بخيبة الأمل فى هيئة الأمم المتحدة أكثر من غيره وربما لم تصل خيبة الأمل هذه حد اليأس، ولكنها خيبة أمل على كل حال.

ثالثا: أما فيما يختص بالعالم الإسلامى فقد كانت ظروف المسلمين والعرب فى القرن الماضى سيئة للغاية؛ ذلك لأن الوحدات الطبيعية قسمتها يد الاستعمار الغربى أقسامًا عجيبة، فقد قسمت إنجلترا وادى النيل مثلاً إلى ما يقرب من ستة أجزاء، وقسمت فرنسا شمال إفريقيا إلى ثلاثة، وهذه سوريا مقسمة إلى خمسة أنصبة، مع أن الجزيرة العربية كلها تعتبر فعلاً إقليماً واحدًا، وإيران، وغيرها.

فهذا العالم الذى مزقت وحداته الطبيعية مشغول أولاً بتحقيق هذه الوحدة الجزئية، فإذا انتهت هذه المرحلة ورأت إنجلترا وأمريكا أنه لامانع من أن تقوم إلى جانبهما وحدة كبرى من العالم الإسلامى فمن الممكن توحيد هذا العالم، مع العلم أن دخول البلاد الروسية فى هذا الحساب أمر بديهى، فاتساعها لا يظهر أنه يريد أن يقف عند حدود، وسكوت البلاد الديمقراطية، بل وعدوانها على حقوق الأمم الإسلامية، وإهمالها للشعور القومى المتزايد، وتناسيها لحقوق هذه البلاد الطبيعية سيجعلها تلقى بنفسها فى أحضان الدعاية الروسية رجاء الخلاصة، فلا بد إذًا من عمل إيجابى.

وقد خطت إنجلترا خطوة يسيرة نحو تحقيق توحيد العالم الإسلامى، فساعدت قيام جامعة الدول العربية لشرق البلاد العربية فقط وما زال غرب هذه البلاد(تونس والجزائر ومراكش) مقطوعا عنها وهى خطوة شكلية على كل حال؛ لأن الجامعة تقف مكتوفة اليدين أمام المصالح الجوهرية لشعوبها، فإذا كونت الأمم العربية وحدة توحد بينها المصلحة مستعدة للتعاون مع إنجلترا وأمريكا فإن أقرب الأشكال للجمع بينها يكون على هيئة تحالف.

فنحن متواضعون فيما نريد فلا نطمع أن نحقق وحدة كبرى للعالم الإسلامى، فى حين أن الوحدات الصغيرة لا زالت قيد التحقيق، فنحن نريد أولاً الحرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أما أن تنقل إنجلترا جنودها من مصر لتحشدها فى فلسطين مثلاً فأمر لا يقدم ولا يؤخر فبقاؤهم سواء هنا أو هناك.

ومن الحق أن نقرر أن فكرة الاستعمار إذا تحولت إلى فكرة التعاون على الانتفاع بخيرات العالم كانت فكرة ضرورية وعملية، أما عقلية الاستئثار فهى محل الشكوى، فليس من العدالة أن يعيش الفرد فى إنجلترا ملكًا على حساب ألف من الهنود مثلاً، أو أن تتحكم إنجلترا فى اقتصاديات مصر تحكمًا يشل حركتها وتقدمها لتسفيد هى من هذا الوضع، أو أن تستذل فرنسا المسلمين فى شمال إفريقيا فى سبيل مصلحتها الذاتية.

لذلك كان من الواجب أن تكون الشعوب حرة فى تغيير الوضعية الروحية والنفسانية، ويجب أن تتخلى عن سياسة الحديد والنار فى سبيل الأثرة.

ونحب أن نقرر أنه لا يوجد بين الأمم الإسلامية من يفكر فى استخدام الأديان للتعصب ضد مدنية العالم، فالقيادات القائمة تؤمن تمامًا أن هذا العصر ليس عصر تفكك؛ ولكن إذا صح أن روسيا ستجند من أوروبا والبلقان مجموعات تحت سلطانها، وأنها ستقوم ببلشفة الدول الأخرى، وفى فرنسا وإيطاليا وأسبانيا مثلا أحزاب شيوعية قوية، وإذا علمنا أن إنجلترا بعيدة عن القارة الأوربية وأن أمريكا أبعد منها، إذا صح هذا فمن يقوم بحفظ التوازن الدولى إزاء هذا التجنيد الروسى.

ولنلاحظ أن الدعاية الروسية محبوكة ومنظمة، ويساعد على انتشارها الفقر والظلم المخيمان على شعوب الشرق الأوسط، لذلك كان تباطؤ إنجلترا فى السماح لهذا الشرق أن ينهض ليس فى صالح العالم، وقد أصبحت روسيا متاخمة له من جهات كثيرة.

س: إذا فرضنا أن روسيا حاولت إيقاد نار ثورة لبلشفة الشرق الأوسط فكيف يمكن لهذه الدول -على فرض أنها تجمعت فى وحدة كبيرة متمتعة بكامل حريتها- أن تقاوم هذه الثورة؟ وهل العقيدة الدينية تكفى فى هذه الحالة بدون عمل سياسى أو عسكرى من الخارج؟

ج. أحب أن يفهم الغربيون أنه إذا أعطيت الحريات لدولة الشرق بواسطة الدول الغربية لا غيرها فسوف لا تستغنى هذه الدول عن الغرب فى تقوية كيانها، فمن الممكن بإرشاد الدول الغربية أن تتكون جيوش محلية وصناعات عسكرية تتمكن من صد تيار الثورة مؤقتا حتى يقوم الغربيون بإرسال المدد بمقتضى محالفات من الممكن عقدها، فإن الحياة العسكرية الحديثة لا تستدعى أبدا أن ترابط قوات أجنبية داخل البلاد، فى حين أن وسائل النقل الحديثة أصبحت تكفى لنقل الجيوش فى أسرع وقت ممكن، ولينص فى المحالفات على ذلك.

أما أن تبقى هذه القوات مرابطة داخل البلاد بحجة الخوف من أن تتعرض لتدخل من الخارج فهو أمر معطل لحريتها ومهدد لكيانها وتقدمها، وقد ثبت فى هذه الحرب أن مهمة الدفاع عن الشواطئ المصرية كانت موكولة إلى الجنود المصريين، فالمحالفات الصحيحة القائمة على حسن النية والتعاون هى الكفيلة بتدارك هذا النقص، ومتى رفع الكابوس الجاثم فوق الشرق الأوسط فإن دوله المختلفة ستقوى بلا شك مع الزمن.

س: كيف تتقارب أو تتباعد فكرة الإخوان المسلمين من فكرة الشيوعية؟

ج: أما الشيوعية كمبدأ فنحن نعتقد أن فى فلسفة الإسلام وأفكاره وتشريعه ما يغنينا عن الشيوعية، وبخاصة والإسلام يعتمد على الإقناع لا على العنف، وهو ليس مخدرًا للأمم أو داعيًا إلى التواكل، بل نحن نرى فى الدين دافعًا للحصول على الحقوق، وإذا وجد فى الشيوعية إخاء أو نحو ذلك ففى الإسلام من هذا المعنى ما يغنينا.

وفكرة إلغاء الطبقات إلغاء تامًّا فكرة غير ممكنة كما أن المساواة المطلقة بين الناس ضرب من الخيال، والأديان فى الواقع تقرب بين الطبقات وتقلل الفوارق بينها.

وإذا استدعى الصالح العام نزع ملكية فردية خاصة فى سبيل المجموع كان من الواجب أن يعوض صاحبها عنها؛ وروسيا فى الوقت الحاضر قد حادت كثيرًا من مبادئ "الثورة الشيوعية" الأصلية، وهى تتجه فى الواقع نحو القيصرية فى ثوب آخر.

هذا من حيث المبدأ، وأما من حيث روسيا كدولة فإن الأمم الإسلامية تحب أن تعيش فى سلام مع كل الأمم لا يعتدى عليها أحد ولا تعتدى على أحد.

س:كيف يكون وضع الأقليات غير المسلمة فى بلد إسلامى؟ وهل يحاربون أو يلزمون بدفع الجزية مثلا؟

ج: إن نظرة الإسلام الأساسية العملية فى هذا الموضوع هى نظرة التسامح الكامل والوحدة الكاملة، والرسول عليه الصلاة والسلام أقر المصلحة الوطنية كرباط متين؛ فقد تحالف مع اليهود فى سبيل الدفاع عن المدينة المنورة، وقد قال الله تعالى فى كتابه: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة: 8]، هذا إلى أن جانب الروح العام فى الإسلام لتقديس الأديان جميعًا يجعلنا لا نشعر بوجود مسلم وغير مسلم، بل الجميع يتعاونون على خير الوطن. والمبادئ العليا التى نزلت بها الأديان جميعًا لا تختلف فى الأصول والمقاصد العامة، وإنما شرع الإسلام تشريعات لمقاومة الجريمة ووضع لها حدودًا وقوانين لم يضعها الإنجيل أو التوراة، وما دامت الجريمة محرمة فى جميع الأديان فلا يضير غير المسلم أن تطبق الحدود حتى يسلم المجتمع من الجرائم.

أما ما يقال من أن بعض الكنائس قد حوربت أو أن بعض المعتوهين قد فرض عليهم الجزية، فالواقع أن جميع هذه الدعاوى لا تسلم من المدعين عليها الذين ينتحلون اسم الإخوان المسلمين فى سبيل إثارة الشعور وتعكير الحق، وهم ليسوا من الإخوان بأى حال من الأحوال.


المصادر

1- مجلة الإخوان المسلمون النصف شهرية، العدد 87،السنة الرابعة، 22صفر 1365، 26 يناير 1946، ص(5-6).

2- مجلة الإخوان المسلمون النصف شهرية، العدد 88 ، السنة الرابعة، 29 صفر 1365ه/ 2 فبراير 1946، ص(7).