تكامل عوامل الصراع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


- المرحلة الأولى (1970-1979 م): تكامل عوامل الصراع
إعتقالات الإخوان تحظى برضا أمريكي.jpg

على الرغم من أن الجماعة في هذه المرحلة لم تقم بأية معارضةٍ عنيفة، فإنّ سجون النظام لم تخلُ من المعتقلين الإسلاميين، الذين كانوا يتعرضون لأسوأ الظروف والتعذيب الجسدي والنفسي والإذلال والقهر، وأحياناً للتصفية الجسدية تحت التعذيب كما حصل مع الشهداء: (حسن عصفور1974، ومروان حديد 1976 م)، والفتاة المسلمة الشهيدة (غفران أنيس)1976 م، وغيرهم.

كانت الجماعة في هذه المرحلة تسعى لبناء قاعدةٍ نخبويةٍ حيوية، لقيادة عملية تنوير المجتمع المسلم أصلاً.. على أسسٍ إسلامية، وبناء المجتمع المدنيّ القادر على صيانة حقوق المواطن السوريّ، مهما كان دينه أو جنسه أو عِرْقه أو مذهبه أو اتجاهه السياسيّ، فالوطن لكل أبنائه، يشتركون كلهم في بنائه ونهضته وتطويره!.. وكان أبناء الجماعة وأصحاب الرأي والفكر فيها، يعملون دائبين على دحض مفتريات ما كان يُعرَف بالاشتراكية العلمية، ومرتكزاتها المادّية الإلحادية الغريبة عن مجتمعنا السوريّ المسلم، وإفرازاتها الاستبدادية والشمولية، ويبشّرون بالمنهج الإسلامي منهجاً وسطياً بديلاً، يحمل كفاءته وروح أمّتنا وحضارتها على كل صعيد!.. واستمرت الجماعة في تأدية رسالتها العقدية والحضارية والوطنية، دعوةً إلى الخير والبرّ والإحسان، وتنديداً بالفساد والاستبداد والانحراف، بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد نجحت فعلاً في استقطاب الناس من مختلف الشرائح الاجتماعية، خاصةً من النُخَبِ المتقدّمة في المجتمع، العلمية والثقافية، التي تركت بصماتها وآثارها العميقة على النقابات والمؤسّسات العلمية والثقافية، على الرغم من رقابة النظام الصارمة، وقمعه واستبداده!..

أمام هذا التقدم الذي أحرزته الجماعة، واتساع رقعة جماهيرها العريضة، ازداد حنق النظام عليها وعلى أبنائها، وبدأ بالتضييق على الإسلاميين من أبناء الشعب، وفق خطةٍ منهجيةٍ استفزازية، كان هدفها الأساس: تفجير الوضع الداخلي للمجتمع، لإجهاض أي نشاطٍ أو نجاحٍ يمكن أن تحققه الحركة الإسلامية في سورية، وكان قرار الجماعة السياسي واضحاً، هو: ألا تنجرّ وراء هذه الاستفزازات مهما بلغت شدة المحنة، وأن تبذل كل الجهد لاحتوائها.. لكن النظام كان له رأي آخر، بل هدف آخر، هو: تفجير المجتمع السوريّ من داخله، لتسهيل السيطرة عليه، وكبح جماح سيره المطّرد باتجاه الحرية الحقيقية وإزاحة كابوس البطش والقمع والتسلّط وأحادية الحكم والسلطة.. عن كاهله!..

لقد اتخذ رأس النظام خمس ركائز، أقام عليها سلطته: حزب البعث واجهةً وحيدة، والاستئثار ذي الطابع الطائفي استراتيجيةً واقعية [كما يقول الصحافي البريطاني (ديفيد هيرس) في الغارديان البريطانية بتاريخ 26/6/1979م: البلاد لا يحكمها البعثيون، بل العلويون]، والأجهزة الأمنية، والميليشيات العسكرية، وتبعيث الجيش السوري ليكون جيشاً عقدياً يسيطر على معظم قياداته طائفيون.

لقد قام النظام ورأسه بما يلي:

1- تنفيذ منهجٍ استئصاليٍ ثابتٍ في الجيش السوري، الذي حوّله النظام إلى ساحةٍ متخمةٍ بالصراع الحزبيّ والطائفيّ والفئويّ، فتم إبعاد كل الخصوم السياسيين عن الجيش، كالضباط الذين عارضوا سياسة فك الاشتباك في الجولان، ومناوئي التدخل العسكري في لبنان ضد الفلسطينيين والمسلمين، (تمت إحالة مئتي ضابطٍ على التقاعد المسبق عام 1978 م، ونقل أكثر من أربع مئةٍ وخمسين ضابطاً إلى أماكن جديدةٍ في الجيش في عام 1979 م).. وكذلك تنفيذ عمليات الاختطاف والاغتيال ضد الضباط الشرفاء والعسكريين الإسلاميين، من مثل: (دريد المفتي، وخليل مصطفى بريز، وعلي الزير، وأحمد الحميّر، وغيرهم..)!.. يضاف إلى ذلك تنفيذ سياسةٍ ثابتةٍ داخل الجيش، في محاربة الشعائر الإسلامية، والحض على الكفر، والمجاهرة بالمعاصي والكبائر، انطلاقاً من مقرراتٍ بتنفيذ نهج (تبعيث) الجيش والتعليم والإعلام.

2- تنفيذ سياسة سلخ الأمة عن دينها وعقيدتها، وكان أبرز ما فعله النظام على هذا الصعيد، إصدار دستورٍ علمانيٍ للبلاد (في عام 1973 م)، يحتوي على عيوبٍ كثيرةٍ لم يسبق لها مثيل في أي دستورٍ سابقٍ لسورية، وكان أهم تلك العيوب: تجاهل دين الدولة، ودين رئيس الدولة (الإسلام)، والنص في المادة الثامنة على أنّ (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع)، وجمع السلطات كلها في شخص رئيس الجمهورية!.. ما أدى إلى نشاطٍ إسلاميٍ واسعٍ في طول البلاد وعرضها، لمعارضة الدستور الجديد الذي سمي بالدستور (الدائم)، ووقعت الاضطرابات لاسيما في الجامعات (انتفاضة الدستور 31/1/1973م)، وقاد العلماء والمشايخ والمثقفون ورجال الفكر والقانون حركةَ معارضةٍ نشطةٍ واسعةٍ في المحافظات السورية الكبرى (دمشق وحمص وحماة و..)، فقابلها النظام بحملة قمعٍ وحشيٍ عنيف، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى، وإلى اعتقال أعدادٍ كبيرةٍ من الإسلاميين والعلماء والمشايخ، وقد استمر اعتقالهم من بضعة أسابيع لبعضهم، إلى بضع سنواتٍ لبعضهم الآخر (الشيخ سعيد حوا، والشيخ سعيد العبد الله شيخ قرّاء حماة الذي كان ضريراً، والشيخ محمد علي مشعل، والشيخ فاروق بطل، والدكتور حسن هويدي، والمحامي علي صدر الدين البيانوني).

3- دخول النظام في حرب تشرين (1973 م) مع الكيان الصهيوني، بوضعٍ داخليٍ متفجّر، وضاع نتيجتها عدد كبير من قرى الجولان (36 قرية) التي لم يحتلها الصهاينة في حرب حزيران (1967 م)، ثم دخل في مفاوضاتٍ مع العدو الصهيوني، أعاد الأخير إليه مدينة (القنيطرة) مهدّمة ومنـزوعة السلاح، وأفرج النظام عن الجواسيس اليهود في السجون السورية، بموجب المرسوم المؤرخ في (25/2/1974م) المنشور في الجريدة الرسمية وحسب!، فيما بقي بعض أبناء شعبنا الوطنيين المخلصين رهن الاعتقال والتنكيل والسجن!.. ثم قام بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك مع العدو الصهيوني بتاريخ (30/5/1974 م)، واستمر في الموافقة على تمديد بقاء القوات الدولية في الجولان كل ستة أشهر حتى اليوم.

4- تمزيق الروابط الأسرية عبر منظمة (الاتحاد النسائي)، وباسم (حرية المرأة)، وإطلاق العنان لزبانية النظام، لنهش أعراض النساء سراً وعلانيةً، ولممارسة كل أنواع الفجور والفساد الخلقي، لدرجة اختطاف بعض الحرائر من الشوارع والمدارس والجامعات.

5- تنفيذ خططٍ لبثّ مبادئ الكفر والإلحاد في المناهج الدراسية، وتشويه مناهج التربية الإسلامية، وتمجيد الحركات الهدّامة كالقرامطة وحركة الزنج وغيرهما، ونقل المدرسين الأكفياء إلى دوائر لا تمتّ إلى اختصاصاتهم بِصِلة، كدوائر التموين والبلدية والإسكان، وتحريض الطلاب على أساتذتهم للتجسس عليهم، ووضع خططٍ لإغلاق المعاهد الشرعية، والحؤول دون تعيين المدرسين المسلمين والمدرسات المسلمات في سلك التعليم، وفرض نظام طلائع البعث لأطفال المرحلة الابتدائية، ونظام الشبيبة البعثية للمرحلتين الإعدادية والثانوية.. لإفساد عقيدة الأجيال وتدمير أخلاق أبناء المسلمين وبناتهم، وإجبار التلاميذ على الانتساب إلى هذه المنظمات الفاسدة والالتحاق بمعسكراتها السنوية، المختلطة في بعض الأحيان، وذلك بقوة القانون.. وإفساد التعليم الجامعي بتسليط عناصر الحزب على اتحاد الطلاب وهيئات التدريس الجامعي، وإقرار التعليم المختلط، وتسريح أكثر من خمس مئة مدرّسٍ ومدرّسةٍ من مختلف المراحل الدراسية، بعملية إقصاءٍ واسعةٍ في قطاع التعليم طالت معظم الإسلاميين، وتسريح عددٍ من أساتذة جامعة دمشق الإسلاميين (المرسوم رقم 1249 بتاريخ 20/9/1979م)، وعددٍ آخر من أساتذة جامعة اللاذقية وموظفيها (المرسوم رقم 1250 بتاريخ 20/9/1979م)، ونقل عددٍ من أساتذة جامعة حلب إلى وظائف وأعمالٍ أخرى (المرسوم رقم 1256 بتاريخ 27/9/1979م)، وهو ما عُرِفَ باسم: مجزرة التعليم..

6- نهب ميزانية الدولة وثروات الأمة من قِبَلِ رجال السلطة والمتنفّذين من أقربائهم وعائلاتهم وحاشيتهم، وبناء القصور الفارهة الكثيرة في سورية وخارجها، وتسليم مؤسسات القطاع العام وشركاته للمرتزقة واللصوص من عصابة الحكم، ما أدى إلى إفلاس معظم هذه المؤسسات، وطبع العملة بلا رصيد، ونهب واردات النفط التي لم يسمح النظام بإدخالها في حسابات ميزانية الدولة، بل في حسابات رئيس النظام وعائلته وزبانيته، ونشر الفساد والرشاوى في كل قطاعات الدولة الاقتصادية، وعلى كل المستويات الوظيفية العليا والدنيا.

7- انتشار مؤسسات الأمن المتعددة الفروع والسجون ومراكز الاستجواب (وصل عددها إلى أربعة عشر جهازاً أمنياً)، لقمع المواطن ومراقبته والبطش به حين الضرورة، وتأسيس ما سمي بسرايا الدفاع التي يرأسها شقيق رئيس النظام (رفعت الأسد)، وعددها بلغ عشرات الألوف من الموالين، لحماية رئيس النظام والنظام القائم، وتحويل مهمة المخابرات والمؤسسات الأمنية عن مهامها الرئيسة في حماية الوطن والشعب من العدو الخارجي وجواسيسه داخل الوطن.. إلى مهمة حماية النظام الحاكم ورئيسه وحزبه من الشعب والمواطن السوري.

8- إقصاء القضاة الأكفياء، وتعيين دفعاتٍ جديدة من القضاة ممن ينتمون إلى حزب النظام، وتعديل قانون الأحوال الشخصية للمسلمين، وانتشار التوقيف والاعتقال التعسفي دون الرجوع إلى القضاء الذي حوّله النظام إلى لعبةٍ في أيدي المتنفّذين، فلم يعد المواطن آمناً على روحه أو ماله أو عِرضه بعد فقدان القضاء العادل، واستمرار العمل بأحكام قانون الطوارئ المفروض في عام (1963م).

9- تعطيل الحريات الفكرية والسياسية، وصدور قراراتٍ تمنع تداول الكتب والمجلات الإسلامية، وتسلّط الحزب على الشعب، وتسلّط شرائح من الطائفة على الحزب، وتسلّط عائلة رئيس النظام (حافظ الأسد) على الحزب والدولة والجيش والشعب، وتأسيس جبهةٍ (وطنيةٍ) من الذين ارتضوا أن يكونوا غطاءً لممارسات النظام المختلفة بحق الوطن والشعب، تحت اسم (الجبهة الوطنية التقدمية)، وبروز انتخابات ما يسمى بمجلس الشعب الشكلية، الذي يسيطر عليه حزب البعث الحاكم.

10- ضرب المقاومة الفلسطينية أكثر من مرة، والتواطؤ على ارتكاب مجازر مخيم (تل الزعتر) الفلسطيني في لبنان.

11 – إدخال الجيش السوري إلى لبنان 1976م والإجهاز على القوى الوطنية والفلسطينية فيه، والتحالف مع الاضداد لتصفية بعضهم ببعض حتى تستقر أوضاع لبنان لصالح النظام السوري الذي أحكم القبضة الأمنية عليه طوال سبعة عشر عاماً، ولم يخرج منه إلا مطروداً مكروهاً.

لقد فعل النظام كل ما من شأنه أن يرفع من درجة سخونة الصراع مع الإسلاميين والجماعة، للوصول بسياساته الاستفزازية إلى نقطة التفجّر واندلاع المواجهة مع الشعب السوري والإسلاميين، بهدف ضربهم وتصفيتهم، وتصفية الوجود الإسلامي في الوطن كله!.. وقد غدت السيطرة على مِرجل الغضب الشعبي المكبوت، أكبر من طاقة الجماعة، بسبب الشحن الطائفيّ الذي كان يزيد من مشاعر الغضب والإهانة لدى المواطن، فقد كان النظام ينهج نهج تمييزٍ حادٍّ في الاستئثار بجميع الفرص والمواقع ومراكز القوة، بدءاً من مؤسّسة الجيش التي أصبحت حِكراً على مجموعة من هذه الفئة الطائفية أولاً، وأعضاء الحزب ثانياً، وكذلك الحال بالنسبة للمواقع الحكومية الهامة، بدءاً من الوزارات وانتهاءً بإدارات المدارس، وأصبح أعضاء السلك الدبلوماسي والمسؤولون في الوزارات والمؤسسات العامة مثلاً، من أبناء المجموعة وبعض البعثيين حصراً، وكذلك رجال الصحافة والإعلام والبعثات العلمية التي تقتصر عادةً على الطلبة المتفوّقين، فقد حُصرِت هي الأخرى في أبناء الطائفة ثم بعض البعثيين، بتجاوز الشروط التأهيلية الحقيقية!..

في هذه المرحلة ونتيجةً للسياسات الشاذة المذكورة آنفاً، بدأ النظام يحصد ثمار ما زرعه من قمعٍ واستبدادٍ وإذلال، فبدأت عمليات اغتيالٍ مسلّحةٍ ضد بعض رموزه الأمنية والمخابراتية والسياسية والطائفية والحزبية، التي كان لها الدور الأكبر في استفزاز المواطن وانتهاك كرامته، وذلك على أيدي عناصر إسلاميةٍ مستقلة (جماعة الشيخ مروان حديد رحمه الله المنشقة عن الإخوان المسلمين، بعد استشهاده تحت التعذيب)، لم يكن لجماعة الإخوان المسلمين يد فيها، لكنّ النظام الذي كان يعرف حقيقة الأمر بشكلٍ جليّ، وبدلاً من تطويق الأزمة التي أسّس لها بنهجه الطائفي الاستئصاليّ الشاذ.. عمد إلى شنّ حملاتٍ واسعةٍ من الاعتقال والتنكيل والانتهاكات، بحق الإسلاميين ورموز جماعة الإخوان المسلمين وقواعدهم، فكان لهذه الحملات الشعواء الطائشة، الدور الأكبر في تسريع الأحداث إلى درجة الانفجار، وإقحام الجماعة بها، ثم دفع تلك الأحداث إلى درجة الانفجار الشامل!..