تاريخ الضبطية القضائية للعسكريين وأثارها الكارثية على المجتمع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ الضبطية القضائية للعسكريين وأثارها الكارثية على المجتمع

مقدمة

تعد المؤسسة العسكرية في الدول من المؤسسات السيادية لما لها من خصوصيات وإمكانيات في الدفاع عن حدود الوطن وأمنه القومي.

السيسي والضبطية القضائية.jpg

غير أن العلاقة بين المؤسسة العسكرية والحياة المدنية والتدخل السياسي فيها يختلف من دولة لأخرى، حيث عملت الدول الديمقراطية – بعد صراع مرير – على وضع المؤسسة العسكرية في إطارها الطبيعي وهو إطار حماية الوطن دون التدخل في شئونه السياسية، بل وضع هذا الإطار تحت تصرف السياسيين المدنيين الذين يتولون الشئون العامة لإدارة البلاد، وذلك وفق ما جاء في نظرية الوكالة للدكتور بيتر فيفر، حيث أن العسكريين يحددون المخاطر العسكرية ويضعون التدابير المناسبة في الوقت الذي يقرر فيه المدنيون ما إذا كانت هذه المخاطر مقبولة لدى المجتمع وأن الدولة فعلا تواجه خطر، وما هى سبل تفادي هذه الأخطار سياسيا أو دبلوماسيا أو عسكريا.

فيما ذكر صامويل هنتنجتون أن القوات المسلحة يجب أن تكون خارج نطاق السلطة المباشرة للزعماء السياسيين المدنيين وإلا فالجيش يستبدل الاستقلالية الوظيفية بالتأثير السياسي، وهو ما يحمي الدول الديمقراطية من ظاهرة الانقلابات العسكرية، وهذا ما ليس موجود في الدول حديثة العهد بالديمقراطية أو الملكية حيث غموض دور المؤسسة العسكرية هو الصفة السائدة، بالإضافة لتسيس مهام الجيش والتي تدفع الضباط للمشاركة في الحياة السياسية بل وعمل الانقلابات، والأخطر في ذلك هو انعدام الرقابة المدنية على مؤسسة الجيش – رقابة البرلمان – واختفاء الشفافية المالية والأطر القانونية داخل المؤسسة العسكرية مما يجعله قلعة حصينة من الأسرار التي لا يجب لمدني الاطلاع عليها، وهو ما دفع البنك الدولي يقرر في تقريره أن أمريكا تدفع ما يزيد عن تريليون دولار أمريكي على شكل رشاوي وأن معظم الاختلاسات للأموال العامة والفساد وقعت من حكام كانوا في الأصل عسكريين كسوهارتو زعيم إندونيسيا السابق، وزعماء عرب(1).

وتبني العلاقات العسكرية – المدنية على مبدأ الولاء للنظام الحاكم في الدولة، على اعتبار أن هذا النظام هو مجرد خادم للمجتمع وللمواطنين، وهو ما يجعل الجيش المالك الحصري لحماية المواطنين وهو ما يميز القوات المسلحة عن الجماعات المسلحة (المليشيات) وهو ارتباط القوات المسلحة بالدولة وليس لفرض نفوذها بالقوة على الدولة والمواطنين(2).

وفي مصر تعد المؤسسة العسكرية ركيزة ركائز الدولة المصرية الحديثة (المركزية) منذ تأسيسها في عهد محمد علي، حتى ثورة 23 يوليو والتي تغيرت عقيدة أفراد القوات المسلحة بالتدخل في كل شئون ومفاصل الدولة، بحجة حماية الوطن من خطر إسرائيل، وأيضا أنها المؤسسة الراعية لتنمية الوطن بعد التحول من الملكية إلى الجمهورية، حتى زادت نفوذها في عهد السادات بهدف حماية نظامه فتوسعت المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية التي جنت من خلفها الكثير من الأموال الغير مراقبة بالإضافات للمساعدات الأمريكية السنوية وهي الأسباب التي جعلته يضحي بمبارك أثناء ثورة 25 يناير من اجل الحفاظ على نفوذه السياسي وإمبراطورتيه الاقتصادية فانحاز للشعب في محاولة لإلهائه عن البحث عن إمبراطورتيه الاقتصادية، وأيضا لاستمالة المحتجين من أجل تحقيق أهدافه بدلا من أجل تحقيق أهداف الثورة وهو ما نجح فيه خاصة حينما نجح في سياسة فرق تسد بين القوى السياسية الفاعلة في ثورة 25 يناير ونقل الثورة إلى صراع وتنافس على السلطة (البرلمان والرئاسة)، بل وصل الحال أن طلب البعض لاستمرار حكم المجلس العسكري، وهو السبب نفسه الذي دفعه للانقلاب على أول رئيس مدني منتخب حينما صرح بأن ميزانية المؤسسة العسكرية لابد أن يراقبها البرلمان، بالإضافة لكونه أوكل معظم المهام للمدنيين على حساب حصة المؤسسة العسكرية ومن ثم عاد إحكام المؤسسة العسكرية على الحياة مرة أخرى(3).

لقد اعتبر الجيش نفسه – منذ ثورة 23 يوليو - الضامن للاستقرار الداخلي، وسلامة الأراضي المصرية، والوصي على التراث الأيديولوجي لثورة 23 يوليو، ومن ثم أصدر رأس السلطة – واحد من العسكر- القوانيين التي تزيد من قبضة المؤسسة العسكرية على الحياة المدنية ومنها الضبطية القضائية للعسكريين ومحاكمتهم عسكريا، كان أخرها القرار الذي أصدره السيسي يوم 10 مايو 2020م بمنح الجيش الضبطية القضائية والتحقيق مع المدنيين، وعلى الرغم من كونها تتم لعدم وجود قانون يحاسب أحد، كما أنها تتم وفق الأهواء الشخصية للعسكريين، أو انتقاما من البعض لكن هذا القرار ليزيد من قبضتهم وتأمينهم من المسألة، لأن لهم الحق بتوقيف أي مدني في أي وقت والتحقيق معه بحجة أن البلد في وضع طوارئ.. وهو ما يدفعنا للبحث في تاريخ هذه الضبطية، ولماذا اختصت به الجمهورية العسكرية دون غيرها من الفترات السابقة على الرغم من وجود الجيوش منذ الفراعنة؟

استمرت هيمنة العسكر على الحكم والسياسة والمجتمع طوال الفترة الممتدة بين عام 1955 - بداية تولي عبدالناصر الحكم - حتى هزيمة يونيو 1967، كان الجيش طوال تلك الفترة أقوى العناصر المؤسسية داخل النظام السياسي بلا منازع، في مقابل ضعف المؤسسات المدنية للدولة أو غياب فاعليتها في المجال العام أمام المؤسسة العسكرية، لا سيما وأن النظام قد قام بحل الأحزاب والمنظمات واستبعد النخبة السياسية المدنية، وبعد هزيمة 1967؛ حيث فرضت الهزيمة نقاشًا علنيًا لمساوئ تغول العسكريين على الحياة المدنية((4).

الضبطية القضائية

هي مجموعة من الإجراءات والاختصاصات والعمليات التي يُنفذّها المسؤول عن الضبط القضائي للقبض عن الخارجين عن القانون وتقديمهم للمحاكمة بأداة الجريمة، بحيث لا تتعدى الضبطية اختصاص مهمته أو التوسع فيها على حساب القانون.

ولم تكن هذه القوانين معمول بها في مصر قبل ثورة 23 يوليو إلا أثناء الحروب، وكان يختص بها الحاكم العسكري وكانت لها حدود وأطر، غير أنها بعد الثورة توسعت فشملت رجال الجيش – بحكم أنهم هم السلطة – فكان لها واقعها الكارثي على الحياة المدنية والمجتمع.

حيث كان أول قرار لمنح القوات المسلحة الضبطية القضائية هو القانون رقم 84 لسنة 1953م والذي يمنح الضبطية القضائية للبوليس الحربي وذلك في 12 جمادى الثانية 1372هـ الموافق 26 فبراير 1953م(5).

حيث استخدمه البوليس الحربي – الشرطة العسكرية فيما بعد – في التنكيل بالشعب والطلبة بل والعسكريين الذين خالفوا أهواء جمال عبدالناصر، فحينما حدث الشقاق بين محمد نجيب وعبدالناصر ومجموعته قام الضابط أحمد أنور بضرب محمد نجيب ضربا مبرحا.

بل استخدم البوليس الحربي قانون الضبطية القضائية قمع مظاهرات الطلاب المطالبة بعودة الديمقراطية للحياة وعودة الجيش لثكناته.

بل وصل الأمر لاعتقال الكاتب الصحفي إحسان عبدالقدوس بأوامر من الضابط أحمد أنور – قائد البوليس الحربي – تبين فيما بعد أنها كانت بدون علم القيادة السياسية.

بل قام البوليس الحربي باعتقال 118 شخصًا بينهم 45 من الإخوان، 20 من الاشتراكيين ، 5 من الوفدين ، 4 شيوعيين بعد أحداث قصر عابدين في مارس 1954م لمجرد أنهم طالبوا بعودة محمد نجيب للحكم(6).

لم يتوقف أثر هذا القانون على ذلك بل تحركت في يوم السبت 27 مارس سنة 1954 أغرب مظاهرات في تاريخ مصر وربما في تاريخ العالم ... تهتف بسقوط الحرية .. وتلعن الديمقراطية !! وهذه المظاهرات كانت مكونة أساس من خمس فئات هم عمال مديرية التحرير, تم نقلهم بسيارات اللواري إلى القاهرة وقوات من الحرس الوطني .. وقوات من البوليس الحربي , بعد أن ارتدوا جميعا الملابس المدنية وتم تسلحيهم بالعصي والآلات الحادة , وعدد من أنصار هيئة التحرير وعدد من القيادات العمالية تم شراؤهم للوقوف إلى جانب الدكتاتورية مثل رئيس اتحاد عمال النقل، وأخذت المظاهرات تطوف بشوارع القاهرة وهي تهتف بهتافات لم يسمع بها أحد من الأولين أو الآخرين مثل تسقط الحرية !! تسقط الديمقراطية !! يسقط البرلمان ! يسقط المتعلمون!!، بل هاجمت مجلس الدولة واعتدت على المستشار عبدالرازق السنهوري رئيس المجلس(7).

في عام 1958م تغير اسم البوليس الحربي إلى الشرطة العسكرية والتي سارت على نفس المنهج في خدمة القيادة السياسية في قمع الشعب والتسلط عليه، حتى جعلت حدود مصر كأسوار سجن حبس فيها الشعب كله وارتكبت فيه من الجرائم ما يشيب لها الولدان.

الضبطية الثانية في عهد ناصر

في عام 1965م تشعبت وحدة جديدة من الشرطة العسكرية سميت المباحث الجنائية العسكرية، قامت هذه المباحث بمعظم الأعمال الإجرامية في عهد عبد الناصر مثل تعذيب وقتل الناس في السجون وحوادث كمشيش وكرداسة عام 1965م وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في حق شعب مصر تحت شعار تصفية الإقطاع أو تصفية أعداء الشعب، وظلت سوطا مسلطا على رقاب الشعب حتى وقعت هزيمة 5 يونيو 1967م فتم إلغائها عام 1968م(8).

بل زاد من غيهم صدور قانون الأحكام العسكرية رقم 25 الذي صدر 3 صفر 1386هـ الموافق ٢3 مايو ١٩٦٦م وهذا القانون وضع حكم الدولة في أيدي الشرطة العسكرية, والمباحث الجنائية العسكرية، وبمقتضاه كان لهما سلطة الضبطية القضائية بالنسبة للمدنيين(9).

حيث وصف طبيب ما قامت به الشرطة العسكرية في ظل الضبطية القضائية في التعامل مع الناس بقوله في المحاكمة، حيث جاء في اعترافات العقيد طبيب أركان حرب ماجد عبد الهادي حمادة – 48 سنة - عقيد طبيب بالخدمات الطبية بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي ، ومولود بالقاهرة ومقيم 10 ش الشهيد إسماعيل فهمي الحي الخامس مصر الجديدة، قوله: أنا تأكدت من أنه كان يتم ضرب معظم المعتقلين بالسياط أثناء التحقيق معهم بمعرفة بعض ضباط المباحث الجنائية العسكرية وذلك بمعرفتي كطبيب بالسجن الحربي شاهدت بنفسي إصابات متعددة لمعظم المعتقلين لحق بهم نتيجة ضربهم بالسياط(10).

استمرت البلاد تعيش بهذا القانون حتى هزيمة يونيو 1967م، حيث أعلن عبدالناصر عن انحرافات جهاز المخابرات، واكتشف خيانة صديقه عامر في تكوين مراكز قوى، فاغتال عامر وقبض على شركائه العسكريين أمثال صلاح نصر وشمس بدران وحمزة البسيوني وغيرهم، وجاء العنوان الرئيسي في صحيفة الأهرام عام 1968“بوقف العمل بقانون الأحكام العسكرية لحين تعديله” حيث “علم مندوب الأهرام أنه قد صدر قرار بوقف العمل بقانون الأحكام العسكرية فيما يتعلق بالمدنيين والبدء فورا بتعديله، حيث كشفت بعض الظروف الأخيرة أوضاعا خطيرة ترتبت على بعض مواد هذا القانون وعلى الظروف التي صدر فيها وعلى التجاوز في تطبيقه(11).

كما نشرت “الأهرام” خبرا عن اتخاذ مجلس الوزراء عدة قرارات خطيرة كان من أهمها قرار وقف العمل بالقانون ٨٤ لسنة ٥٣ الذي كان يخول للشرطة العسكرية صفة الضبطية القضائية بالنسبة للمدنيين. وأضاف الخبر شارحا أن ذلك كان “تحقيقا لنفس الهدف الذي من أجله أوقف العمل بقانون الأحكام العسكرية بالنسبة للمدنيين(12).

قانون الطوارئ والضبطية القضائية للعسكرين

دخلت مصر منذ بداية حكم مبارك في دائرة قانون الطوارئ الذي ظل مسلط على رقاب المصريين طيلة الـ30 عاما فترة حكم مبارك، غير أنه من الملاحظ أنه لم يمنح سلطة الضبطية القضائية لأفراد القوات المسلحة ضد المدنيين، على الرغم من تطبيقه قانون الطوارئ.

لكن ما إن تولى المجلس العسكري إدارة البلاد وقبل تسليمها لحاكم مدني أصدر قرار بمنح الضبطية القضائية لأفراد القوات المسلحة في صيف 2012م وهو مدفع بالعديد من الأفراد والمنظمات الحقوقية لرفع دعوى قضائية بإلغاء هذا القرار، وهو ما تم بعدما أصدر المستشار علي فكري حسن صالح - نائب رئيس مجلس الدولة – في جلسة يوم الثلاثاء الموافق 26/ 6 /2012م ببطلان قرار وزير العدل بمنح رجال الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية الضبطية القضائية(13).

وقد رأت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أنها المرة الأولى التي يصدر فيها حكم من محكمة مدنية يطعن مباشرة في سلطة المجلس العسكري الحاكم، كما اعتبرت الصحيفة أن قانون الضبطية القضائية كان بداية لإعادة فرض الأحكام العرفية.

وأشاد المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض السابق، بحكم المحكمة الإدارية اليوم فيما يخص قانون الضبطية القضائية وإلغاؤه ، قائلًا إنه حسنًا ما فعلت. فيما قالت فيكتوريا نولاند - المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية - إن قرار المحكمة المصرية بشأن إلغاء سلطات الضبطية القضائية لإلقاء القبض على المدنيين يعتبر تطورًا إيجابيًا(14).

وحينما تولى الرئيس محمد مرسي السلطة في 30 يونيو 2012م، وحينما أنجزت الجمعية التأسيسية دستور 2012م أصدر الرئيس مرسي قرار بمنح الضبطية القضائية لأفراد القوات المسلحة بجانب رجال الشرطة لحين الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، لكنه حدد جهة القضاء بقوله: على أن تحال المحاضر المحررة إلى النيابة المختصة وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية، ويختص القضاء العادي بالفصل فيها. – في وقت كانت البلاد تشهد بعض مظاهر الفوضى من قبل بعض القوى المناوئة لحكم الإخوان – ومع كون أن لجنة الانتخابات هى من طلبت مشاركة القوات المسلحة، ومع ذلك اعترضت جميع القوى السياسية على هذا القرار، حتى كتب الإعلامي حمدي قنديل إن «منح أفراد القوات المسلحة سلطة الضبطية القضائية توريط للجيش مرة أخرى في مستنقع السياسة».

كما أعربت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عن قلقها البالغ، بسبب تصديق الرئيس محمد مرسى على القانون رقم 1 لسنة 2013 بشأن اشتراك القوات المسلحة في مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت الحيوية في الدولة، واعتبرت المنظمة القانون مقدمة لإشراك القوات المسلحة في الحياة السياسية المصرية.

وطالبت المنظمة الرئيس محمد مرسى بالعدول عن هذا القانون للحفاظ على هيبة القوات المسلحة ومكانتها داخل كل مواطن مصري وعدم الزج بها من قريب أو بعيد فى الحياة السياسية المصرية لكون القوات المسلحة هي الحامي والحفاظ لهذه البلاد وأمنها الخارجي(15).

ومع أن الرئيس مرسي التزم بإلغاء الضبطية القضائية بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور إلا أنه تعرض لانتقادات كثيرة، على الرغم من تأكيد المتحدث العسكري أحمد علي قوله: سلطة الضبطية القضائية التي منحت لضباط القوات المسلحة ستنتهي بانتهاء عمليات الفرز مساء السبت 22 ديسمبر.

ثم أوضح سبب صدور هذا القرار بقوله: أن سبب الطلب "هو عدم وجود سند تشريعي لأفراد الجيش في توقيف أو القبض علي الخارجين علي القانون وبالتالي كان لابد من إقرار تلك الضبطية حتي يتمكن الجيش من القيام بمهامه في عمليات التأمين في إطار قانوني"(16).

السيسي ودولة الجيش

C03FA951-7D4C-4E7F-8CCE-8BBE907F92DC.jpg

غير أن الوضع تغير منذ وقوع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013م حينما تحولت البلاد لثكنة عسكرية، يحكمها العسكر، ويحاكم الجميع أمام المحاكم العسكرية، وصدور القانون تلو القانون الذي يعطي صلاحيات للقوات المسلحة في القبض والتحقيق مع المدنيين واحتجازهم وتقديمهم للمحاكمات العسكرية خاصة بعدما أصدر قرارا بفرض الطوارئ في إبريل 2017م لمدة 3 أشهر غير أنه سعى لتجديدها كلما انتهت، وهو ما يلقي بظلال على قرار منحة الضبطية القضائية لأفراد القوات المسلحة حتى تنتهي فترة الطوارئ، والسؤال: متى ستنتهي فترة الطوارئ؟ مما يؤكد أن هذا القرار مستمر لحين ترك السيسي الحكم في مصر.

لقد منح السيسي قرارا يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي"، بينما تختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة خلال فترة الطوارئ، وهو ما يزيد من عسكرة البلاد بل وفزع الناس، لما رأوه من مظالم كثير من أفراد القوات المسلحة في القبض عليهم دون تهم.

الغريب أن السيسي أصدر أواخر 2014م قانون الإرهاب، كما منح وزير عدل الانقلاب أحمد الزند الضبطية لـ10 هيئات لتصل من يقومون بالضبطية في عهد السيسي إلى 30 هيئة تقوم بضبط المواطنين، حيث شهدت مصر في السنوات الأخيرة تزايدًا غير مسبوق في حالات منح "الضبطية القضائية" لموظفين إداريين في الدولة، بينهم مفتشو الأوقاف والأئمة، ومحصلو فواتير المياه والكهرباء، ومسؤولون نقابيون.

وليس الزند فحسب بل أصدرت وزارة العدل برئاسة المستشار حسام عبدالرحيم، القرار رقم 2456 لسنة 2017، بـ«تخويل بعض الضباط العاملين بالقوات المسلحة في الشركة الوطنية لإنشاء وتنمية وإدارة الطرق التابعة لجهاز الخدمات الوطنية صفة مأموري الضبط القضائي».

وهو ما دفع أمير سالم، المحامي بالنقض، ومدير مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان، للقول بأن الضبطية القضائية طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية الأصل بها للنائب العام، ووكلاء النائب العام، وأنها تعطى لمستوى معين من ضباط الشرطة، ويكون النطاق القانوني المسموح لهم ضيق يتعلق بالتلبس المباشر من وجود جريمة مباشرة أمامه، بتكليف من النائب العام، ووكلاء النيابة بالتوجه لمكان معين، مع إعطائه صلاحيات القبض، والضبط، والتفتيش، وتحرير المضبوطات.

وأضاف أن ما يحدث الآن من توزيع الضبطية القضائية على الجهات والنقابات والهيئات كهدايا، يمثل خطورة، وانتهاك لاستقلال سلطة القضاء ، ونزع اختصاصات النيابة العامة، ورجال الضبطية القضائية، وإعطائها لموظفين في أي مكان(17).

لقد شهدت فترة تولى السيسي الكثير من القوانين والقرارات التي أصدرها ويقرها برلمان الانقلاب أو يصدرها التي تمنح مزيد من توغل القوات المسلحة في الحياة المدنية والقبض على المدنيين وتقديمهم للقضاء العسكري المعروف بقسوته وعدم مناسبته وملاءمته للمحاكمات الطبيعية، مما أدى إلى إصدار مئات الأحكام بالإعدام، تم تنفيذ العشرات منها في كارثة حقوقية لاقت إدانات أممية وحقوقية.

المراجع

  1. مركز دراسات الشرق الأوسط: مجلة دراسات شرق أوسطية، العدد 90، السنة 23، شتاء 2020، صـ28- 31
  2. طبيبي غماري: الجندي والدولة والثورات العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019م.
  3. كمال حسن ومجموعة مؤلفين: الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، طـ1، 2019.
  4. طارق البشري: الديمقراطية ونظام 23 يوليو، مؤسسة الأبحاث العربية، 1987م.
  5. الوقائع المصرية: العدد 18 مكرر "غير اعتيادي" 26 فبراير 1953م، صـ8.
  6. عبدالعظيم رمضان: أوراق يوسف صديق، ليلة ثورة 23 يوليو، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
  7. حسين مؤنس: باشوات وسوبر باشوات، الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، 1988م.
  8. حمادة حسنى: عبد الناصر والتنظيم الطليعي السري 1963-1971، تقديم : د. هشام السلامونى، مكتبة بيروت، 2008م.
  9. قانون الاحكام العسكرية: egyption law
  10. أحمد حمروش: مجتمع جمال عبدالناصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992م/ وأيضا إبراهيم سعدة، أخبار اليوم، السبت 21 يناير سنة 1978م.
  11. صحيفة الأهرام: 11 يناير 1968م، صـ1.
  12. السابق: ٢٩ يناير ١٩٦٨م، صـ1
  13. حيثيات الحكم ببطلان قرار وزير العدل: 27 سبتمبر 2012م
  14. بسنت زين الدين: صحف امريكية القضاء يقلص سلطة العسكري، 27 يونيو 2012م
  15. عبداللطيف صبح: "المصرية لحقوق الإنسان" ترفض منح القوات المسلحة الضبطية القضائية، الخميس، 31 يناير 2013م
  16. الضبطية القضائية للجيش تنتهي مساء السبت: الخميس 20 ديسمبر 2012م، مصراوي
  17. سمير جابر: 35 جهة تمارس دور "الداخلية، 3 مارس 2016م