بدء المحاكمات العسكرية.. متى ينتهي هذا الظلم؟
بقلم: د. عصام العريان
مقدمة
عندما ألقي القبض عليّ ليلة 21 يناير 1995م، قضيتُ الليلةَ الأولى في سجن الاستقبال بطرة ثم تم نقلنا جميعًا (29 أخًا) إلى سجن مزرعة طرة صباحًا، وعندما كنا نؤدي صلاة الظهر في زنزانتنا فوجئنا ببابها يفتح ويدخل عمار النجار العقيد بأمن الدولة المشرف على منطقة سجون طرة لفترة طويلة منذ منتصف الثمانينيات حتى قرب نهاية التسعينيات ومعه مساعده، وأدينا الصلاة ودعونا الله في قنوت النوازل، وجاء يرحب بي بحرارةٍ فقد كنا نعرف بعضنا جيدًا من خلال زياراتي المتكررة للأطباء في سجون طرة، وهو فوج لم ينقطع منذ عام 1981م عندما زارنا د. حمدي السيد نقيب الأطباء الوحيد الذي اقتحم عزلتنا في سجن الاستقبال عقب التحفظ الشهير على 1536 معارضًا، وما زال النقيب يؤدي واجبه بغض النظر عن الاختلافات السياسية.
ضحكتُ وأنا أُسلم على عماد النجار وسألني ما الذي حدث؟ ولماذا تغيَّرت علاقة النظام بكم؟ فأجبته ضاحكًا: إنهم مستشارو السوء فأمَّن على توقعاتي باسمًا.
واليوم وقد بدأت جلسات المحكمة العسكرية لخيرت الشاطر ومحمد بشر وإخوانهم من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال وشرفاء هذه الأمة في قضيةٍ عجيبةٍ لم تشهد المحاكم مثلها من قبل سواء في إهدار أحكام القضاء القاضية بالإفراج أو التهم الغريبة بغسيل الأموال استنادًا إلى قانون صدر في ظروف معروفة أثناء الحرب على الإرهاب في ضغوط على كافة الدول العربية ولم يتم تطبيقه حتى الآن، ولعل هذه هي الحالة الأولى لتطبيقه وشاء قدره أن تكون أمام محكمة عسكرية وفي بطءٍ شديدٍ للمحاكمات التي كان أحد مبرراتها هو سرعة الفصل في قضايا خطيرة تمس الأمن القومي فإذا بالمتهمين يقضون حتى الآن أكثر من 7 شهور دون أن تتقدم القضية خطوةً واحدةً والظاهر أن جلساتها ستتأجل وتطول إلى أمدٍ بعيد.
وهنا سؤال لماذا لا يتم الإفراج عن المتهمين ومحاكمتهم من خارج السجون؟
وإذا كان هذا صحيحًا فلماذا لا يتم الإفراج عن بعضهم كما حدث معنا في القضية 8 عسكرية لعام 1995م حيث تم الإفراج على ذمة القضية عن معظم الـ29 ولم يتبق إلا حوالي 8 فقط أحيلوا للمحاكم العسكرية محبوسين أضيف إليهم بعد ذلك عدد آخر تم القبض عليهم في شهر يوليو 1995 على رأسهم د. محمد حبيب وخيرت الشاطر.
وهناك حالات مرضية وأساتذة جامعات تحتاج مدرجات الجامعة معه ومراكز البحث العلمي لجهودهم مثل أ. د. خالد عودة وأطباء يحتاج مرضاهم إلى عنايتهم مثل أ. د. محمود أبو زيد وأ. د. أمير بسام، فضلاً عن رجال أعمال هناك إصرار على تدمير شركاتهم وممتلكاتهم بطول الغياب عنها وأسرهم وأولادهم في أمسِّ الحاجة إليهم.
وهناك مرضى تم نقلهم إلى العناية المركزة كانت وما زالت في خطر شديد بسبب الأزمات القلبية مثل حسن زلط وأ. د. عصام حشيش.
لماذا كل هذا الظلم؟ ولماذا كل تلك القسوة؟

هناك خصومة بين المحيطين بالرئيس والمستفيدين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه وتكريس الفساد والاستبداد وبين الإخوان الذين يصرون على كشف الفساد ومحاربة الاستبداد والسعي نحو الإصلاح الشامل الذي سيؤدي إلى التغيير الحقيقي الجاد.
هناك شعور لدى الرئيس شخصيًّا وقد تكون كراهيةً للإخوان أعلن عنها في مرات قليلة وتوجس وخشية على البلاد والعباد من صعود نجم الإخوان وزيادة نفوذهم كما عبَّر أخيرًا بقوله: "إن الإخوان خطرٌ على الأمن القومي"، ولكن أين المعاملة الإنسانية؟ وأين التزام الدستور والقانون؟ وأين الإعلاء من شأن المواطنة؟
أليس الإخوان مواطنين لهم كل حقوق المواطنة؟ أم أن هناك قرارًا سريًّا صدر بتجريدهم من مزايا المواطنة؟!
لقد قال مرشدنا الراحل مصطفى مشهور مخاطبًا الرئيس مبارك منذ بضع سنوات: "اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا"، مشيرًا إلى التقارير المغرضة والأقاويل الكاذبة التي ينقلها مستشارو السوء إلى الرئيس.
ولم يلتق الرئيس منفردًا بأحدٍ من الإخوان إلا بالمرحوم حسن الجمل نائب المنيل ومصر القديمة لدقائق معدودة لقاءً إنسانيًّا ليس فيه شيء من السياسة، وعندما حضر المرحوم المستشار الهضيبي حفل استقبال في مناسبة بمجلس الشعب وحاول المرحوم رفعت المحجوب جمعه في لقاء مع الرئيس على انفراد فشلت المحاولات جميعًا لإصرار البطانة على الوجود الملاصق للسيد الرئيس.
لا يتوقع أحد تغييرًا جادًّا في موقف الرئيس من الإخوان من لقاء وحيد أو كلمات عابرة؛ لأن تأثير المحيطين به الذين يلقونه دوريًّا أو يوميًّا سيكون أكثر بكثير، ولكن على الأقل يسمع الرئيس وجهة النظر الأخرى، ولا أنسى يوم التقينا به عام 1988 و1989م في ديوان عام محافظة الجيزة بدعوة كريمة (لم تكرر) من المرحوم عمر عبد الآخر محافظ الجيزة وقتها أثناء زيارته لمشاريع بهضبة الأهرام عندما استمع إلى كلمة الهضيبي رحمه الله فقال لمَن بجواره: ما هو كلامه معقول" يُسرّ به! ولعل ذلك الانطباع هو الذي دفع البطانة إلى السعي بكل قوةٍ لحصار الرئيس ومنع وصول أي شخصٍ إليه لا من الإخوان ولا من غيرهم.
في عام 1989 دعيت إلى منتدى الفكر العربي في عمان بالأردن، وكان معي في الندوة كل من الدكتور محمد عبد اللاه والسيد كمال الشاذلي وسألت د. عبد اللاه بعد عودتنا وأثناء لقائنا في مجلس الشعب بعدها بشهور هل نقلت للرئيس ما جرى وسلوك وطريقة حديث السيد كمال الشاذلي الذي أظن أنه في جلسة لمجلس الشعب فتعامل مع نخبة من المفكرين والباحثين والأكاديميين بطريقته المعتادة؟ فضحك الدكتور قائلاً: كان الرئيس في بداية حكمه حريصًا على لقائنا على انفرادٍ ليسمع من كل منا تقريره عن زياراته الخارجية ونشاطه العام ودوره في المجلس أو المجتمع، والآن يكتفي الرئيس عندما يخبره أحدنا بأنه كان في مؤتمر أو زيارة وأنه التقى بفلان أو علان أن يقول له اكتب تقريرًا وأرسله مع فلان دون لقاءٍ أو حوار أو استيضاح بعد ذلك، فما بالك بعد أكثر من 17 سنةً الآن؟.
هذا وضع طبيعي لمَن يبقى في الحكم لفترات طويلة، لكن أن ينتج عن ذلك تدهور عام في أوضاع البلاد وإدارتها وتخبط في السياسات فهو ما لا يتصور قبوله، وأن ينتج عن ذلك ظلم بيِّن وخراب لشركات ومؤسسات خاصةً وحرمان للأسر من تماسكها ورعاية آباء لأبنائهم وزرع لليأس في نفوس العباد من أي إصلاح سلمي فهذه نذر شر مستطير؛ لأن الظلم عاقبته في الدنيا وخيمة، وجزاؤه في الآخرة ظلمات، وقديمًا قال السلف: إن الدولة الكافرة تستقر ما دامت عادلة، وإن الدولة المسلمة تزول إن كانت ظالمة، فبالعدل يستقر الملك وينتشر الأمن والأمان.
في إحدى ترحيلاتنا إلى النيابة والمحاكم العسكرية التقينا بشباب من الجماعة الإسلامية التي لم تكن بعد أطلقت مبادرة وقف العنف، وفوجئوا بنا فقالوا بلسان الحال والمقال إذا كان هذا مصير من دعونا إلى الاعتدال والوسطية ونبذ الغلو والتطرف فماذا هو مستقبل الدعوة إلى الله أو ما هو مصيرنا نحن؟ هل نستمر على العنف طالما أن النتيجة واحدة: السجن والعذاب أم نتوقف عن العنف؟ أم نتوقف عن الدعوة إلى الله أيضًا؟ أم نرحل خارج البلاد؟!!
في الذكرى الأولى للحرب الصهيونية على لبنان

تقول الصحف الصهيونية لا شيء تغير، حزب الله يستطيع خطف الجنود الصهاينة كما فعل في عملية الوعد الصادق التي على أثرها نشبت الحرب والتي حقق فيها حزب الله نصرًا؛ لأنه لم يخسر الحرب، وانهزم فيها العدو الصهيوني لأنه لم يكسب الحرب ويحقق هدفه بإنهاء الوجود المسلح لحزب الله في جنوب لبنان.
وتنقل الصحف العبرية عن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: "حزب الله اليوم أقوى وأشد تسليحًا عنه من عامٍ مضى قبل نشوب الحرب".
الحرب القادمة نذرها في الآفاق ليست بين العدو وحزب الله ولكنها ستكون في الغالب إقليمية أطرافها أوسع، ماذا سيكون موقف مصر؟ الله أعلم.
إلى الزملاء الأطباء المحبوسين
عذرًا لم أتمكن من زيارتكم يوم الثلاثاء 10/7 مع وفد النقابة لسبب عجيب وهو أن نيابة أمن الدولة شطبت اسمي من كشف الزائرين وهي تعلم أني ما زلت أمين صندوق النقابة، لكننا في بلد العجائب، وما الذي يضير السيد هشام بدوي أو السيد عمر فاروق أو مَن قام بهذا الأمر العجيب من زيارة إنسانية يمليها الواجب الإنساني والمسئولية النقابية لزملاء محرومين من الحرية.
الرعاية الصحية في السجون
عقدت النقابة ندوة جادة امتلأت بالحيوية والاقتراحات العملية تحسين الرعاية الصحية في السجون بمصر.
شكرًا للزملاء الأعزاء أ. د. عبد المنعم البربري ود. إبراهيم الزعفراني وأ. د. محمد يوسف وأ. د. محمد الدسوقي الذين قدموا أوراق العمل.
وستقوم لجنة مصغرة بالمرور على الجهات المسئولة جميعًا لتقدم ملخصًا بتوصيات الندوة تخفيفًا من معاناة نزلاء السجون المصرية الذين فاق عددهم السبعين ألفًا يعاني نسبة لا تقل عن الربع منهم من أزماتٍ صحية ومشاكل طبية.
وعتاب للجرائد المستقلة التي اهتمت بكلمة عابرة للسيد النقيب عن خطورة ظهور حالات لمرضى الإيدز واكتفت بالإثارة بديلاً عن المشكلة الرئيسية وهو تدهور الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية العادية والطارئة.
أملي أن تخرج النقابة هذه الثروة في كُتيبٍ صغير، وعلى كل مَن له اقتراح أو توصية أو تجربة أن يرسلها إلى لجنة الإعلام بنقابة أطباء مصر أو يرسلها بالبريد الإلكتروني على موقع النقابة www.ems.eg.
الطلاب والصيف والاعتقالات
قامت مباحث أمن الدولة بالقبض على عشرات الطلاب من الإخوان ومحبيهم وأقاربهم الذين كانوا كعادة المصريين يقضون أيامًا في المصايف.
هل المصايف والهروب من الحر حلال للمصريين جميعًا حرام على الإخوان فقط؟
وهل الترويح عن النفس بعد عناء الدراسة والامتحانات ممنوع على طلاب الإخوان؟
التهمة جاهزة وهي أن ذلك ليس تصييفًا ولكنها معسكرات وتجنيد وعضوية جديدة لجماعة تتسع وتتوسع ويقبل عليها الشباب، بينما يعاني الحزب الوطني وجماعته وبقية الأحزاب من حالة جفاف لم تعد تنفع معها محاليل الطلاب الجاهزين المعلبين الذين يتم دعم معسكراتهم الترويحية من أموال دافعي الضرائب.
والرد هو: هل هذا خطر أو ممنوع قانونًا؟
الدستور والقانون يقولان إن اجتماع المواطنين بدون سلاحٍ حق طبيعي وإن للحياة الخاصة حرمة لا تمس.
هل الحكومة تحترم الدستور أو تطبق القانون، الإجابة واضحة، ومع ذلك كله يستمر الإقبال على الإخوان ويتسع نشاطهم وإذا ألقت الحكومة القبض على عشرات فإن الآلاف لا يعدمون وسائل آخرى للترويح عن النفس واللقاء والحوار والتثقيف حتى لا يتطرف الشباب.
المصدر
- مقال:بدء المحاكمات العسكرية.. متى ينتهي هذا الظلم؟إخوان أون لاين