الراى العام الاوروبى و القضية الفلسطينية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الرأى العام الاوروبى و القضية الفلسطينية

بقلم : د.سليم نزال

الجزء الاول

مرحلة التاييد العارم للصهيونية فى أوروبا

القضية الفلسطينية.jpeg

ان الحديث عن دور القوى الاوروبية فى دعم المقاومة امر مهم لان الحركة الصهيونية تسللت الى بلادنا من اوروبا حيث كانت المسالة اليهودية مطروحة منذ القرن التاسع عشر فى العديد من اوساط النخب الاوروبيه فى ظل تنامى فكر عصر التنوير الذى بدا يناقش قضايا الاقليات و الحقوق العامة و فكرة المواطنة الى ما هنالك من القضايا التى شغلت عصر التنوير.من اهم الكتابات التى تحدثت عن المسالة اليهودية Bruno Bauer, (the Jewish question) And Karl Marx, (on the Jewish question.

على كل حال نحنا لسنا معنيون بمعالجة هذا الامر الا بالقدر الذى يوفر لنا فهما افضل لتطور الفكر الاوروبى تجاه الصراع مع الصهاينة وهو الامر الذى سيقودنى لاحقا الى الحديث حول دور القوى الديموقراطية و حقوق الانسان فى دعم كفاح شعوبنا للتخلص من الاحتلالات الاجنبية الامريكية و الصهيونية.

و يمكن القول بصورة عامه ان الحركة الصهيونية حصلت على تاييد غير مسبوق من الحكومات و الشعوب الاوروبية فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية وهى المرحلة التى كان الصراع على اشده فى فلسطين.

و استشهد ما قاله لى مرة الصديق المرحوم الجنرال اود بول الذى كان كبيرا للمراقبين الدوليين فى الشرق الاوسط و الذى كان يعرف بعض قيادات المنطقة مثل عبد الناصر و فؤاد شهاب و كمال جنبلاط .

والذى قاله الجنرال اود بول ان لااحد فى النرويج لا من اليسار و لا من اليمين كان مستعدا ان يسمعه عندما كان يتحدث عن وجهة النظر العربية فى خمسينيات و ستينيات القرن الماضى بسبب التاييد الاعمى للصهيونية الذى ساد النخب السياسيةوالثفافية النرويجية.

كما يمكن ان استشهد بكتاب الاستاذ كاشتاين تفايت ,(كل شىء لاجل اسرائيل) وهو صحافى نرويجى عمل مراسلا للتلفزيون النرويجى و اقام اعواما عديدة فى لبنان و الاردن و كان من اول المراسلين النرويجيين ممن سعوا للتعريف على القضية الفلسطينية.

ففى كتابه المشار اليه سعى الى تسليط الضوء فيه على مدى قوة و تاثير الدور الصهيونى فى السياسة الخارجية النرويجية فى تلك المرحلة و هو تاييد وصل الى حد تزويد الصهاينة بالماء الثقيل الذى استخدمته الدولة الصهيونية للصناعة النووية العسكرية.و اوكد لكم انه ما ينطبق على بلد كالنروج بالنسبة لدعم الصهاينة ينطبق تماما على كافة الدول الاوروبية فى مرحلة الخمسينيات و الستينيات من القرن الماضى.

و لان الوقت المقرر لى محدود جدا لذا فانى ساضطر لان اختصر الكثير من القضايا المتعلقة بموضوع المحاضرة. لكن اسمحوا لى الان ان اوضح اسباب نجاح الحركة الصهيونية فى كسب الراى العام الاوروبى لكى يكون المدخل المنطقى لقراءة التغيرات التى حصلت فى الفترة الاخيرة.

واود ان اوكد مرة ثانية ان هناك الكثير مما يمكن ان يقال فى هذا الصدد لكنى مضطر للاختصار الشديد بسبب الوقت.

اولا : لقد نجحت الحركه الصهيونية فى استغلال ما يسمى عقدة الذنب الناتجه عن اضطهاد النازيين لليهود الاوروبيين,خاصة فى المجتمعات البروتاستينية المسيحية من اجل دعم المشروع الصهيونى.

ثانيا : نجاح الحركة الصهيونية ذات الطبيعة الانتهازية فى تقديم اكثر من خطاب حسب الجهة المخا طبة خاصة انها تملك امكانيات اعلامية مؤثرة .

فقد قدمت نفسها على انها حركة تحرر وطنى خاصة فى مرحلة نهوض حركات التحرر الوطنى فى العالم الثالث.كما قدمت نفسها على انها حركة اشتراكية لكسب الاحزاب الاشتراكية,و قدمت نفسها على انها مثل كندا و الولايات المتحدة و استراليا والخ على انها امتداد للثقافة الاوروبية,كما قدمت نفسها على انها خط الدفاع الاول للدول الامبريالية فى الشرق الاوسط.

كما قدمت نفسها على انها الدولة الديموقراطية الوحيدة فى الشرق الاوسط.اما فى الوقت الحاضر فقد لعبت على العامل الدينى لدى المسيحيين الانجيليين الذين يعتقدون قيام الدولة اليهودية هو مقدمة ضرورية لمجيىء المسيح.

لكن من المهم التاكيد ان العامل الحاسم للدعم الغرب الرسمى لها كونها قدمت نفسها كدولة وظيفية ضرورية للغرب لكى تبقى اوروبا تدافع عنها.

اضف لذلك وجود عاملين ساعدا الحركة الصهيونية و هما الامكانيات اليهودية المالية المؤثرة و التى وظفت لخدمة المشروع الصهيونى,و عامل الغياب العربى سواء على المستوى الشعبى والرسمى اما الوجود المحدود للمهاجرين للعرب فى تلك المرحلة فهو لم يكن يملك الخبرات لمواجهة الصهيونية.


الجزء الثانى

اسباب انحسار التاييد لاسرائيل فى اوروبا

يرى الباحث الفلسطينى ميشيل سليمان فى دراسة حول تطور الراى العام الغربى باتجاه رؤية وجهة النظر العربية انه يوجد ثلاثة اسباب لهذا التحول.اولا بروز العنصر الفلسطينى فى الصراع,ثانيا , ازدياد العدوانية الصهيونية التى برزت بقوة منذ ايام ميناحيم بيغين ,ثلاثة, ازدياد خطورة الاوضاع فى الشرق الاوسط الذى يعتبر منطقة استراتجية للعالم.

أرى انه قد يكون من الصعب تحديد تاريخ واضح لانحسار تعاطف الراى العام فى اوروبا و الذى من المهم التاكيد انه تغير كان البطىء احد ابرز ملامحه و السبب كما يعرف المختصون فى علم الاجتماع ان مسالة تغيير اليقينيات من الامور التى تاخذ وقتا لانها تتطلب مراجعة ليقينيات ثقافية وسياسية وشبه دينية ترعرع معها الشخص وسط اجواء ثقافية معينة.

لكن ربما من الممكن تحديد تاريخ العام 1967 كتاريخ لبدء انحسار التاييد مع التاكيد ثانية ان هذا الانحسار مر ببطء شديد مقارنة مثلا مع التغير الاسرع الذى حصل فى الراى العام الاوروبى تجاه النظام العنصرى فى جنوب افريقيا.


من الممكن تحديد بضعة اسباب لهذا التغيير

السبب الاول الاحتلال الصهيونى لاراض عربية جديدة الذى لم يتم به لم يعترف به على المستوى الدولى و لم تنجح الصهيونية كثيرا فى تبريره و اقناع الراى العام الاوروبى بصحته مقارنة مع ما حصل فى العام 1948.

وقد كشف هذا الاحتلال و ان تدريجيا الوجه التوسعى للصهيونية.و قد لاحظ الاستاذ فرنكشتاين و هو يهودى امريكى يعارض الصهيونية فى كتابه صناعة الهولوكست ازدياد الكتب الصهيونية حول الهولوكست بنسبة عالية بعد احتلال عام 1967 و السبب يعود فى تقديره الى ازدياد حاجة الصهاينة لتبرير الاحتلال والقمع الذى بدات تثار الانتقادات الدولية حوله.

و السبب الثانى هو ظهور عامل المقاومة الفلسطينية حيث بدا يضع الصراع فى الاطار الطبيعى اى انه صراع ما بين السكان الاصليين لفلسطين والغزاة الصهاينة و لعلى لا ابلغ اذا ما قلت ان الانتفاضة الاولى للعام 1987 لعبت دورا مهما فى كشف الوجه الصهيوني البشع.

اما فى المرحلة الماضية فقد نجح الصهاينة فى تصويره على انه سعى من الدول العربية لتدمير (شعلة الحضارة الغربية) و (الدولة الديموقراطية الوحيدة فى الشرق الاوسط !!!)

السبب الثالث هو ظهور اجيال من الاوروبيين ممن لم يعيشوا فترة الحرب الثانية و اللذين لا يشعروا بما يسمى بعقدة الذنب تجاه اليهودوبالتالى الاقل استجابة للبروبوغندا الصهيونية.

السبب الرابع و هو يكتسب اهميتة يوما بعد يوم الا و هو وجود ملايين من العرب و المسلمين الاوروبيين و الذين يتعاطفون مع القوى المقاومة للصهيونية.

اضف الى ذلك وجود الالاف الجامعيين و الجامعيات من اصول عربية و مسلمة فى الجامعات الاوروبية الذين يدافعون عن قضايانا,و اكثر من ذلك وصول البعض للبرلمانات الاوروبية الذين لعبوا دورا فى شرح القضايا العربية.

و قد حصل لقاء و تفاعل ما بينهم و ما بين القوى المساندة للحقوق العربيةالامر الذى اقلق الصهاينة الذين قاموا بعدد من الدراسات حول هذا الامر. ففى احدى الدراسات الصهيونية التى قراتها مؤخرا يعتبر كاتب الدراسة ان الوجود العربى و المسلم فى اوروبا هو عامل اساسى فى ضعف التاييد للصهيونية.و قد عبر شارون ذات مرة عن قلقه من هذا العامل.

العامل الخامس هو العولمة الاعلامية والانترنت الخ.و هذا عامل مهم جدا لانه احدث انقلابا هاما بحيث بات من غير الممكن للصهاينة احتكار الاعلام و تغطية المجازر التى يرتكبونها,و قد بدا ذلك واضحا فى مجزرة قانا و مجزرة غزة.

و هناك سبب قلما تمت الاشارة له وعامل مهم جدا و هو دور لبنان كوسيط حضارى هام فى التعريف على القضية الفلسطينية. لان لبنان كان المركز الاساس لوكالات الاعلام الاجنبية فى المنطقة .وعلى الرغم من ان الوجود الفلسطينى العسكرى خلق اشكاليات فى لبنان فى مراحل سابقة الا ان لبنان بحكم و ضعه الحضارى المتميز قدم خدمات كبيرة حيث قدم اليه الالاف الاوروبين الذين تعرفوا على الظلم الذى تعرض له الشعب الفلسطينى و الذين نقلوا مشاهداتهم الى شعوبهم خاصة .

و فى تلك الفترة كذلك بدات جمعيات التضامن ترسل الى لبنان الاطباءوالممرضين ,اضف الى وجود القوات الدولية فى الجنوب,والذين كانوا يشاهدون بام العين الاعتداءات الصهيونية الشبه يومية على قرى الجنوب و التى كان ضحيتها المواطنون الابرياء.

و فى العديد من المرات عندما كنت اقابل جنودا خدموا فى جنوب لبنان سابقا كنت دوما اسمع ذات الكلام.و هو انهم كانوا يتعاطفون مع الدولة الصهيونية قبل ان ياتوا الى لبنان,و هناك يتعرفون على حقيقة الدولة الصهيونية المعتدية.

و هناك بالتأكيد اسباب اخرى مثل قطع النفط بعد حرب العام 1973 الذى زاد من الاهتمام الدولى للتعرف على مشاكل المنطقة و كذلك الضعف العددى لليهود فى اوروبا كذلك عوامل اخرى مثل قرب اوروبا من المنطقة وازدياد سفر الاوروبين للشرق الاوسط اضف لللانفتاح الاوروبى النسبى على قضايا العلم مقارنة بالامريكى الاقل معرفة بشؤؤن العالم.ازدياد قوة منظمات حقوق الانسا ن الى ما هنالك من عوامل مساعدة ادت تدريجيا الى تراجع التايييد للصهاينة.


الجزء الثالث

قوى التضامن الاوروبية و القضية الفلسطينية

دعنى اولا احدد مسالة هامة,و هى ان قوى التضامن ليست اطارا ايديولوجيا واحدا يمكن يمكن اختصاره باطار واحد.كما ان حدود التضامن تحتلف من منظمة لمنظمة. كما ان التضامن يختلف من بلد اوروبى لاخر و يمكن القول مثلا ان التضامن مع شعوبنا ربما الاقوى فى البلدان الاسكيندينافية لانها تملك القوى الاكثر تاثيرا فى قضايا حقوق الانسان عدا انها كما هو معروف لا تملك ماضيا استعمارياوحتى الاستشراق فى اسكندينافيا ربما الاكثر تفهما مقارنة مع سواه.

و اذا ما اردت بكثير من الاختصار ان احدد القوى السياسية الاوروبية التى تقف ضد الاحتلال فى فلسطين و لبنان و العراق فان هذه القوى تتراوح ما بين قوى اليسار بصفة عامةوالقوى التى تدافع عن حقوق الانسان.و لقد لعبت هذة القوى دورا مهما فى الاحتجاج على العدوان الامريكى فى العراق و لبنان و فلسطين سواء من خلال التظاهرات العديدة التى قامت بها او من خلال محاولاتها الضغط على الحكومات الاوروبية لاجل التراجع عن مواقفها المويدة لمنطق العدوان.

و برز ذلك بوضوح من خلال التظاهرات الضخمة التى جرت ضد الحرب على العراق فى 2003وضد العدوان الصهيونى على لبنان فى تموز 2006 وكذلك اثناء الحرب على غزة 2009 .

من المهم التأكيد ان الوضع العام فى اوروبا هو افضل بما لا يقاس بامريكا مثلا على الرغم من محدودية هذا على اوروبا الرسمية لكن ذلك لا يعنى ان على القوى الداعمة لمقاومة الصهاينة ان تستريح لان الصهاينة يسعون بكل جهودهم. فعلى سبيل المثال صدر قبل عام دراسة صهيونية موجهة لاوروبا بعنوان The Israeli project for global language.2009.

و للاسف لم تنشر مطبوعة عربية واحدة هذا المشروع الذى اعد لاجل مخاطبة الراى العام الاوروبى.

ساعطى مثالا واحدا عن هذه المشروع.(على الصهيونى ان يركز انه يريد مصلحة الشعب الفلسطينى لكن المشكلة فى حركةحماس التى تريد تدمير الدولة الصهيونية).

و نفس الكلام يقال حول لبنان .اي ان الصهاينة يسعون لتسويق افكارمن نوع ان المشكلة مع المقاومة اللبنانية و ليس مع لبنان..

لهذا السبب اعتقد انه بمقدار ما يتمكن العرب من بناء علاقة جيدة مع اوروبا الشعبية بمقدار ما يتم اضعاف الصهيونية التى تلعب لعبة صراع الثقافات و تعمل جاهدة على توتير العلاقة ما بين اوروبا و العالم الاسلامى لكى تستفيد من ذلك..

و لذا لا بد لى من التطرق لاحداث الحادى عشر من ايلول لانه حدث مهم سعت الحركة الصهيونية عبر ضخ اعلامى غير مسبوق على الاستفادة القصوى من هذا الحدث لاجل تشويه صورة العرب و العرب و المسلمين و المقاومةووضعها فى اطار ارهاب لاجل مساواتها بالحركات الاسلامية المتطرفة كالقاعدة.

و يجب ان اكون واضحا جدا فى هذه المسالة ان التطرف الدينى الاسلامى هو اكثر العوامل اضرارا لقضايانا لانه يقدم صورة مشوهة لكفاح شعوبناوهو العامل الاساس الذى تستفيد منه الصهيونية لاجل تشويه كفاح شعوبنا.و قد لاحظت فى الدراسة الصهيونية السالفة الذكر مدى التركيز على هذة المسالةكما اعتقد ان على قوى الاعتدال و الحوار ان ترفع صوتها لكى لا تظل اصوات التطرف تبدو و كانها الممثلة لاصوات الغالبية من المسلمين..

لذا فانى اعتقد ان تكثيف الحوار مع اوروبا الشعبيةوالرسمية يساهم بصورة اكيدة هى اضعاف الجهد الصهيونى.و انا اعتقد انه من الضرورى التفاعل مع هذه المجتمعات من خلال تبادل النشاطات الثقافية لاجل تقديم حضارتنا التى يسعى الصهاينة الى تشويهها.

و انا اوكد على اهمية هذا المدخل و يمكن ان اعطى مثلا مما فعلته اليابان التى ارسلت الى امريكا بعد الحرب العالمية الثانية الفرق الموسيقيةاضافة للنشاطات الثقافية الاخرى لاجل تحسين صورتها التى شوهها الاعلام الامريكى اثناء الحرب.

و كنت قد اقترحت فى وقت سابق على ضرورة تاسيس مركز ثقافى واعلامى فى اوروبا لاجل ان يلعب دورا فى تقديم الحضارة العربيةوالاسلامية بصورة علمية.

و لذا فانى اعتقد انه حان الوقت لتفعيل دور الاوروبين من اصل عربى و اسلامى لاجل ان يلعبوا دور الجسر الثقافى ما بين العالمين الغربى و الاسلامى لاجل خدمة قضية السلم والعدالة والتسامح فى العالم.

كما ان التواصل مع منظمات المجتمع المدنى المتعاطفة مع قضايانا سواء من خلال المؤتمرات او لقاءات الحوار يساعد على تعميق الصداقة مع شعوب اوروباالامر الذى ينعكس ايجابا و تفهما و دعما لقضايانا.

كتاباته حول القضية الفلسطينية مترجمة الى اكثر من عشر لغات.

المصدر