الحلقة السادسة الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحلقة السادسة الإخوان المسلمون والسلطة التشريعية


55شعار-الاخوان.jpg

نحو التغيير

توضع القوانين وتنشأ المحاكم وينصب القضاة لصون الحقوق فى الدماء والأموال والأعراض، وهى ما يحرص عليه الناس فى هذه الحياة ولتفصل بينهم فى كل خلاف يقع حول هذه الأمور الثلاثة التي تواضع المجتمع عليها من لدن وجد إلى الآن. على أن الاعتداء عليها تنكر وجريمة يجب أن تقاوم، وجاء الإسلام يؤكد هذا المعنى فيقول رسول الله  "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله" رواه مسلم

ومنذ نشأت الإخوان وهم ينشدون التغيير للأفضل ورفعة وطنهم وطرد المحتل ولذا طالب الإخوان بتعديل بعض القوانين التي رأوها لا تخدم الصالح العام ومنها قانون الانتخاب، حيث تحدث فيه وناقشه مع المجتمعين في المؤتمر الخامس والذي جاء فيه:

وحسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخاب، وهو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون إرادة الأمة، ويقومون بتنفيذ دستورها وحمايته، وما جره هذا القانون على الأمة من خصومات وحزازات، وما أنتجه من أضرار يشهد به الواقع الملموس، ولابد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء والعمل على تعديلها.

لهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة فى الدستور المصرى، وتعدل الطريقة التي ينفذ بها هذا الدستور فى البلاد (1).

ونجد حسن البنا يكتب للشعب تحت عنوان (هل أنت راض عن قانون الانتخاب الحالى؟ ما الذي تراه لإصلاح هذا القانون أو لاستكماله) قوله:

ليست العبرة بالقانون، ولكن العبرة باليد والنفس والضمير والذمة التي تقوم على تنفيذه.

فإذا وضعت شروط للمرشحين للنيابة، وحدود للدعاية الانتخابية، وعقوبات صارمة للمزورين والمساعدين على التزوير، وروعيت الذمة فى تنفيذها، وعممت البطاقات الشخصية للناخبين، فكل قانون صالح بعد ذلك (2).

وقال أيضا أن هذا النظام البرلمانى بأوضاعه الحالية، وبحدوده هذه الواسعة المترامية، وبدستوره هذا الفسيح الجوانب والأكناف قد وسع الهوة بين القلوب، وأضر الضرر البين بالأخلاق، وبعد بنا عن تعاليم الإسلام ونظام الإسلام، فأعلنوا -يا باشا- وجوب تعديله طبقًا للتعاليم الإسلامية والقواعد القرآنية المحمدية، وهذه نقطة ثانية، فالأولى تصلح شأننا الخارجى، والثانية تصلح شأننا الداخلى، ومن مجموعهما يتركب الإصلاح العام (3).

وليس ذلك فحسب بل كتب في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي تحت عنوان (تعديل وإصلاح) قوله:

لابد من تعديل وإصلاح لقانون الانتخاب، ومن وجوه هذا الإصلاح الضرورية:

1 - وضع صفات خاصة للمرشحين أنفسهم، فإذا كانوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهذه الهيئات برامج واضحة وأغراض مفصلة يتقدم على أساسها هذا المرشح، وإذا لم يكونوا ممثلين لهيئات فلا بد أن يكون لهم من الصفات والمناهج الإصلاحية ما يؤهلهم للتقدم للنيابة عن الأمة، وهذا المعنى مرتبط إلى حد كبير بإصلاح الأحزاب فى مصر، وما يجب أن يكون عليه أمر الهيئات السياسية فيها.
2 - وضع حدود للدعاية الانتخابية وفرض عقوبات على من يخالف هذه الحدود، بحيث لا تتناول الأسر ولا البيوت ولا المعانى الشخصية البحتة التي لا دخل لها فى أهلية المرشح وإنما تدور حول المناهج والخطط الإصلاحية.
3 - إصلاح جداول الانتخابات وتعميم نظام تحقيق الشخصية، فقد أصبح أمر جداول الانتخابات أمرًا عجبًا بعد أن لعبت بها الأهواء الحزبية والأغراض الحكومية طول هذه الفترات المتعاقبة، وفرض التصويت إجباريًّا.
4 - وضع عقوبة قاسية للتزوير من أى نوع كان، وللرشوة الانتخابية كذلك.
5 - وإذا عدل إلى الانتخابات بالقائمة لا الانتخاب الفردى كان ذلك أولى وأفضل، حتى يتحرر النواب من ضغط ناخبيهم، وتحل المصالح العامة محل المصالح الشخصية فى تقدير النواب والاتصال بهم.

وعلى كل حال فأبواب الإصلاح والتعديل كثيرة، هذه نماذج منها، وإذا صدق العزم وضح السبيل، والخطأ كل الخطأ فى البقاء على هذا الحال والرضا به، والانصراف عن محاولة الإصلاح.

  • تجارب عملية على أرض الواقع

اهتم الإخوان بالانطلاق داخل المجتمع من خلال مؤسساته لتوصيل فكرتهم وصوتهم، خاصة أنهم طالبوا بإصلاح المؤسسة التشريعية من خلال النداءات والمقالات والرسائل، وقد وجدوا أن الوقت قد حان أن يشتركوا في صناعة التشريع عن طريق دخول المجلس التشريعي خاصة أنهم لا يملكون حق الاعتراض على القوانين السيئة التي تخرج.

ومع بعد الإخوان عن السياسة الحزبية إلا أنهم لم تخلوا عن الفكر السياسي منذ نشأة دعوتهم وعلى عكس من يروجون أن الإخوان ظلوا 10 سنوات لا شأن لهم بالسياسة حتى كان المؤتمر الخامس الذي شهد تحولا شديد في فكر وقوانين الإخوان، وهذا كلام عار تمام من الصحة لأن الإخوان منذ اليوم الأول وهم يعلنون أنهم دعوة شاملة لا فرق بين المحراب والتصدي للمحتل والفكر الاقتصادي والاشتراك في الحياة السياسية.

يقول البنا في رسالة نظام الحكم: فمن ظن أن الدين -أو بعبارة أدق: الإسلام- لا يعرض للسياسة، أو أن السياسة ليست من مباحثه، فقد ظلم نفسه، وظلم علمه بهذا الإسلام (4).

ويقول في رسالة مؤتمر طلبة الإخوان عام 1938م: إن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا، بعيد النظر في شؤون أمته ، مهتما بها غيوراً عليها... . إن الإخوان ما كانوا يوماً من الأيام غير سياسيين ، ولن يكونوا يوماً من الأيام غير مسلمين ، وما فرقت دعوتهم أبداً بين السياسة والدين ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين .. ومحال أن يسيروا لغاية غير غايتهم أو يعملوا لفكرة سوي فكرتهم أو يتلونوا بلون غير الإسلام الحنيف :(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) (البقرة:138).

ويتكلم عن الحزبية ، فيقول : إن الفارق بعيد عن الحزبية والسياسة ، وقد يجتمعان وقد يفترقان ، فقد يكون الرجل سياسياً بكل ما في الكلمة من معانٍ ، وهو لا يتصل بحزب ولا يمت إليه ، وقد يكون حزبياً ولا يدري من أمر السياسة شيئاً، وقد يجمع بينهما فيكون سياسياً حزبياً أو حزبياً سياسياً على حد سواء ، وأنا حين أتكلم عن السياسة في هذه الكلمة فإنما أريد السياسة المطلقة ، وهى النظر في شؤون الأمة الداخلية والخارجية غير مقيدة بالحزبية بحال (5).

ويقول في رسالة إلى الشباب ، عام 1940م: “ .. فليكن ذلك من صميم السياسة الداخلية والخارجية ، فإنما نستمد ذلك من الإسلام ، ونجد بأن هذا التفريق بين الدين والسياسة ليس من تعاليم الإسلام الحنيف ، ولا يعرفه المسلمون الصادقون في دينهم ، الفاهمون لروحه وتعاليمه ، فليهجرنا من يريد تحويلنا عن هذا المنهاج ، فإنه خصم للإسلام أو جاهل به ، وليس له سبيل إلا أحد هذين الوضعين (6).

ولذا كان طبيعي أن نجدهم يشاركون في التصويت في انتخابات المجالس النيابية بل ويشاركون فيها، ففي عام 1936م أصدر مكتب الإرشاد منشور حثوا فيه الإخوان على المشاركة في الانتخابات النيابية التي ستجرى حيث جاء فيه تحت عنوان (إلى الإخوان المسلمين في مختلف دوائرهم بمناسبة الانتخابات...مكتب الإرشاد العام منشور رقم 2 سنة 1355ه/ 1936مـ) حيث جاء فيه:

أيها الإخوان الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "وبعد".. فأكتب إليكم هذا الخطاب بمناسبة انتخابات مجلس النواب بعد ما لاحظته في بعض الدوائر من اشتداد المنافسة بين المرشحين اشتدادًا خرج بها عن طور الإنصاف وحدود الخلق الفاضل.

أيها الإخوان.. الصوت الانتخابي من حق الوطن فلا يصح أن يتأخر قادر عن إبداء صوته في قضية هي من أمس القضايا بل الواجبات الوطنية، فاحرصوا على أداء الواجب ولا تعطلوا أصواتكم ولا تهملوها.

ويجب أن تعلموا أن إعطاء الصوت شهادة يسأل الإنسان عنها، فحكموا ضمائرهم وعقولكم وكونوا أحرارًا في مناصرة الحق شجعانًا في اختيار الأصلح، واشترطوا على نوابكم أن يكون منهاجهم وطنيًا إسلاميًا يؤيد قضية الإسلام ويعمل على صبغ الأمة بتعاليمه وشرائعه، ولا تغلبنكم المجاملات والعواطف فإن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتأملوا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 135].

أيها الإخوان.. إن أشرف معركة هي معركة الانتخابات لمجلس التشريع الأعلى في البلد، فمن أهم الواجبات أن تكون على أطهر حال وأشرف مثال، بعيدة عن السباب والشتائم لا تنال فيها الأعراض ولا تنتهك الحرمات ولا تدنسها الغيبة الفاحشة والنميمة الكاذبة، والرياء القاتل والنفاق الوبيل. لا مانع من أن يعرض الإنسان منهاجه أو منهاج من يناصره ويتكلم عن مزاياه وفضائله ويدلي بالحجج والبراهين على صلاحيته ولكن لا يصح مطلقًا أن يغتاب المنافس ويسبه ويشتمه ويلصق به المعايب والتهم بحق أو بغير حق، فإن ذلك ليس من الدين ولا من المروءة ولا من الإنسانية في شيء، ولئن قالوا إن ذلك جائز في عرف السياسة فإن الإسلام لم يتسامح فيه أبدًا ولم يجزه أبدًا، والله تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

أيها الإخوان.. ستنتهي الانتخابات وتبقى الحزازات أو المجاملات فلأن يبق المعروف بينكم خير ولا تنسوا الفضل بينكم في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والتساند ذلك ما أردت أن ألفتكم إليه رجاء أن تعملوا به وتشيعوه بين إخوانكم وتحملوا عليه من استطعتم من مواطنيكم ومعارفكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (7).

بل شجع الإخوان على المشاركة في الترشح حينما أعلنها في رسالة المنهج عام 1937م بقوله:

خدمة القضايا الإسلامية العامة كقضية فلسطين وقضية المغرب ، وفى القضايا الداخلية الهامة كدخول مجلس النواب وتشجيع المرشحين للانتخابات إن كانوا من الإخوان ، ومقاومة الحزبية وإبداء الرأى في كل شأن يهم الأمة ، بحيث يكون لهم في كل ناحية من النواحي الحيوية عمل وجهاد ومساهمة ورأى معروف إيجابي (8).

ويؤكد الإمام البنا أن دخول الإخوان للبرلمان من وسائل الدعوة الأساسية ، فيقول:

“ أما وسائلنا العامة، فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر ، حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح .. ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية.

وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحوا الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية (9).

ويقول الإمام البنا في استعراض مجالات النشاط لنشر دعوة الإخوان : ” وبقى عليهم – أى الإخوان – بعد ذلك أن يصلوا بهذه الدعوة الكريمة إلى المحيط الرسمى ، وأقرب طريق إليه ”منبر البرلمان” ،فكان لزاماً على الإخوان أن يزجوا بخطبائهم ودعاتهم إلى هذا المنبر لتعلوا من فوقه كلمة دعوتهم (10).

ولم يقف الإخوان عند عرض تصوراتهم لمعالجة المشكلات الاقتصادية وفقط لكنهم قدموا الحلول التي تخرج بالاقتصاد من المشاكل التي يعانيها، فكان برنامجهم الانتخابي عام 1944م يقدم حلولاً لتلك المشكلات، حيث كان برنامجهم يعالج كيفية استغلال الثروات والموارد الطبيعية والعناية بالصناعة وتنشيط التجارة، وتكوين الشركات الوطنية وتشجيع الملكيات الصغيرة (11).

كما نادى الإخوان كثيرًا بتمصير الشركات الأجنبية، وإحلال الموظفين المصريين محل الموظفين الأجانب المنبثين داخل المصالح الحكومية، وأن تستغل الحكومة فرصة الحرب العالمية الثانية لهذا التغيير (12).

الهامش

(1) مجلة النذير، العدد (1)، السنة الثانية، 1 محرم 1358ه- 21 فبراير 1939م، ص(25-26).

(2) الإنذار، العدد 876، سنة 17، 23ربيع الآخر 1366، 16/ 3/ 1947، صـ 2.

(3) مجلة النذير، العدد (4)، السنة الأولى، 21ربيع الآخر 1357ه/ 20يونيو 1938م، ص(3-4).

(4) رسائل البنا، رسالة نظام الحكم

(5) رسالة مؤتمر الطلبة

(6) رسالة إلى الشباب

(7) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية – السنة الرابعة – العدد 3 – 7صفر 1355هـ / 28أبريل 1936م.

(8) رسالة المنهج

(9) رسالة المؤتمر السادس

(10) رسالة الإخوان والانتخابات

(11) مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، العدد (49)، السنة الثالثة، 4محرم 1364ه/ 19ديسمبر 1944م، ص(5).

(12) مجلة التعارف، العدد (21)، السنة الخامسة، 7جمادى الآخرة 1359ه/ 13يوليو 1940م، ص(1-2).