البيت في حياة الإمام البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البيت في حياة الإمام البنا


بقلم: أمل صبري

مقدمة

لماذا يستحق بيت الأستاذ البنا الدراسة والتأمل؟؛ لأنه رجل من نوع خاص وهذه الخصوصية هي التي جعلته بحق مجدد القرن العشرين، ويشهد بذلك القريب والبعيد

يقول الكاتب الأمريكي روبير جاكسون:

"وقد فشلت كل المحاولات التي بُذلت في سبيل إغرائه، وكان الرجل عجيبًا في معاملة خصومه وأنصاره على السواء، كان لا يهاجم خصومه ولا يصارعهم بقدر ما يحاول إقناعهم وكسبهم إلى صفه، ويرى أن الصراع بين هيئتين لا يأتي بالنتائج المرجوة، كان يؤمن بالخصومة الفكرية ولا يحولها إلى خصومة شخصية، ولكنه مع ذلك لم يسلم من إيذاء معاصريه ومنافسيه
كان الرجل يقتفي خطوات عمر وعليّ ويصارع مثل بيئة الحسين فمات مثلهم شهيدًا، وأستطيع بناءً على دراستي الواسعة عن الرجل أن أقول إن حياته وتصرفاته كانت تطبيقًا صادقًا للمبادئ التي نادى بها، كان بالإضافة إلى ذلك يؤمن بالواقعية، ويفهم الأشياء على حقيقتها مجردة من الأوهام، وكان يبدو حين تلقاه هادئًا غاية الهدوء، وفي قلبه مرجل يغلي ولهيب يضطرم، كان على عقله مرونة
وفي تفكيره تحرر، وفي روحه إشراق، وفي أعماقه إيمان قوي جارف، كان متواضعًا تواضع من يعرف قدره، متفائلاً عف اللسان، عف القلم، يجل بنفسه عن أن يجري مجرى أصحاب الألسنة الحداد، كان مذهبه السياسي أن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نُزعت منها، وبعد أن قيل إن السياسة والأخلاق لا يجتمعان".. "موقع الأستاذ البنا".

بيت العائلة


الوالد الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، الذي اشتهر بـ"الساعاتي"، المولود في عام 1300هـ، الموافق 1882م، حفظ القرآن الكريم في صغره، وتعلم في جامع إبراهيم باشا بالإسكندرية، وتعلم حرفة إصلاح الساعات وهو صغير، كانت له اتصالات كثيرة بعلماء الأزهر في عصره أمثال: الشيخ عمر خليفة المالكي الشهير بـ"مالك الصغير"، والشيخ أحمد طولون وغيرهما، فكانوا يحترمونه ويوقرونه ويشاورونه.

وكان - يرحمه الله - عالمًا فقيهًا صبورًا، عكف على كتب السنة ونبغ فيها، وله إسهامات علمية جليلة؛ فقد رتب مسند الإمامين أحمد والشافعي - يرحمهما الله - على أبواب الفقه المعروفة، وسمى الكتاب "بدائع المسند في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن"، و"الفتح الرباني" وسمى شرحه "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"، وله كتاب "جامع أسانيد الإمام أبي حنيفة"، وكتاب "إتحاف أهل السنة البررة بزبدة أحاديث الأصول العشرة".


الوالدة

والدة الإمام الشهيد حسن البنا والتي لا يعرفها الكثيرون، لقلة ما كُتب عنها، رغم دورها العظيم في تربية الأبناء كانت واحدة من اللائي أحسنَّ البناء فأخرجت أبناءً وأحفادًا تركوا بصمات مؤثرة في المجتمع الإسلامي.


لم تكن أم السعد صقر أمًّا للإمام البنا فقط، بل أصبحت أمًّا لكل فرد في جماعة الإخوان المسلمين، يقول عنها أصغر أبنائها المفكر "جمال البنا": "كانت والدتي يرحمها الله تتصف بالعناد في الحق وقوة الشخصية، وكانت على جانب كبير من الذكاء، وإذا انتهت إلى قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه" (1)


الأم ورعاية الأبناء

عملت منذ البداية على رعاية أولادها رعاية إسلامية، فقامت بمساعدة زوجها بتعليم أبنائها، فسعت إلى تحفيظهم القرآن منذ الصغر وإلزامهم بذلك، والعناية بدراستهم للعلوم الشرعية، حتى إنها قامت ببيع قلادتها الذهبية ليستكمل أبناؤها التعليم، ولم تكتف بذلك بل باعت أساورها الذهبية لنفس السبب (2)

الابن البار

عندما تم تعيين الإمام "حسن البنا" في الإسماعيلية، حزنت الأم لفراق ولدها الحبيب، لكنه كان دائمًا ما يرسل الخطابات لهم.

وفي أحد تلك الخطابات، يقول:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: فقد ورد خطابكم الكريم، وإن اليوم الذي أستطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقًّا، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم، ذلك ما أعتقده وأقوله بإخلاص ويقين، والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه، وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها، فإن هذه ضرورة لا بد منها ستنفرج عما قليل، والله إني لأقضي ساعات طوالاً في ألم لتألم والدتي، وفي تفكير كيف أرضيها، وكيف أسعدها، وكيف أجعلها هانئة مغتبطة، فهل يوفقني الله إلى هذه الأمنية؟" (3)

الأستاذ البنا وبيت الزوجية

ربانية البيت تبدأ منذ الاختيار، (فطنة الأم) .. الأم كانت بين الفينة والأخرى تذهب لزيارته، وكانت لها علاقات طيبة مع بيوت أهالي الإسماعيلية مثل؛ بيت "آل الصولي" التي كانت دائمة التردد عليهم، وفي إحدى المرات سمعت صوتًا نديًّا يقرأ القرآن في خشوع ترق له القلوب، فانجذبت نفسها إليه، وسألت عن صاحب الصوت

فأجابتها حرم الشيخ الصولي: إنها ابنتنا "لطيفة" تصلي فأحبتها أم الإمام، وتأثرت بنبتة هذا البيت الطيب، وبعد أن فرغت من الصلاة قدمت ترحب بالضيوف، وكانت أم الإمام تنظر في وجه الفتاة، فتجده مشرقًا بالإيمان، فداخلها شعور بصلاح الفتاة..

وعادت ونقلت إلى ابنها أن هذه الفتاة جديرة بأن تكون زوجة له، ولم تكن "لطيفة" تدرك أن صوتها الخاشع سيكون رسولها إلى قلب الإمام، أيضًا بعد أن فهمت أمه ماذا يريد ابنها من مواصفات في رفيقة الدرب والحياة، وما إن سمع مشورة والدته في الزواج

حتى توجه على الفور إلى بيت الحاج "حسين الصولي" يطلب يد الفتاة، وكان حادثًا سعيدًا تلقاه الجميع بالقبول مبتهجين مستبشرين (4) ويقول عن ذلك: "كأنما أراد الله أن يخفف عن نفسي وقع هذه الفتن، فأتاح لي فرصة الزواج، وتم الأمر في سهولة ويسر وبساطة غريبة، خطوبة في غرة رمضان تقريبًا، فعقد في المسجد ليلة السابع والعشرين منه، فزفاف في العاشر من ذي القعدة بعده وقضي الأمر والحمد لله".

حفل الزواج كان حفل القرآن

ويتحدث "عبد الرحمن" شقيق الإمام البنا في أحد خطاباته عن هذه الزواج قائلاً: "وكان حفل القران قد جرى بالمسجد، وجاء الإخوة بأجولة التمر التي وُزعت على الحاضرين، وكان الاجتماع حافلاً بالعاطفة الدافئة والمشاعر المتأججة" (5)

كيف يرى الإمام البنا المرأة؟

ففي مجال الحقوق والواجبات يقول الإمام البنا قضية القوامة:

ينطلق الإمام البنا في هذه القضية من خلال احترام الإسلام للتنوع البيولوجي للجنسين ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى﴾ (آل عمران: من الآية 36)، ولا يعني ذلك استعلاءً أو تكريمًا، وإنما يعني تنوعًا في الاختصاص والمهام، طالما تؤمن بأن هناك أمومة وأبوة؛

ولذلك فإن رؤيته لهذه القضية تنبع من ثلاثة محددات:

الأول: الاختلاف بين الزوجين فطري: فيقول: الرجل كائن والمرأة كائن، وللرجل مهمته، وللمرأة مهمتها، يقول تعالى في شأن تكوين الأسرة، وتنظيم شئونها ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ (البقرة: من الآية 228)، فقرر أن الأسرة دولة بينهما، وأنها تتكون منهما، وإنما تكون القوامة للرجل ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: من الآية 34)، وذلك للاختلاف الفطري بينهما طالما نؤمن بأن هناك أمومة وأبوة.
الثاني: الاختلاف الفطري يترتب عليه اختلاف المهمتين، وفي نظم الحياة المتصلة بكل منهما، "وذلك يعني في نظام الأسرة الطبيعية، والذي يقره الإسلام أن للمرأة مسئوليات زوجية وأمومة تشمل الحمل، والإنجاب، والإرضاع رعاية وتربية الأطفال، وأن للرجل دوره في الإنفاق على هذه الأسرة، وتولي شئونها، وتوفير حاجاتها المادية والاجتماعية".
الثالث: التجاذب الفطري بين الجنسين يؤسس لعلاقة زوجية متوازنة: يقول الإمام البنا عن العلاقة الزوجية بأن أساسها التجاذب الفطري، وأن الغاية من هذه العلاقة لا تقوم على مجرد المتعة وحدها، ولكن على التعاون معًا للمحافظة على النوع، وتحمل متاعب الحياة، فضلاً عن التجاذب النفسي الذي يسمو بهذه العلاقة عن صور الاستمتاع البحت إلى صورة رائعة من العلاقة الروحية التي تُبنى على التعاون التام بين الزوجين كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: من الآية 21).

التزم الإمام البنا بأدبيات الإسلام في بيته سلوكًا ومنهجًا، فكان ابنًا بارًا، وزوجًا مخلصًا محبًّا لزوجته، ووالدًا حانيًا عطوفًا على إخوته وأبنائه، مهذبًا في سلوكه، مربيًا نصوحًا واصلاً لرحمه ورحم زوجته.

وكان للمرأة في بيت الإمام المؤسس الاحترام، والتقدير، والرعاية، فالمرأة تمثل له الأم والأخت والزوجة والابنة والخادمة، التزم معهن جميعًا بأدب الإسلام وقيمه وفضائله، واهتم بأسرته اهتمامًا بالغًا، فجعلها من القلب والوجدان قرة عينه، وحمل مسئولياتها بشرف ورجولة "فقد شارك أسرته كل همومها، وتحمل النصيب الأوفى من مسئولياتها، وخفف عن والده عبء تربية أشقائه، والإنفاق عليهم، فكان في سلوكه مع أسرته ينطلق من دوافع رب الأسرة وليس مجرد فرد فيها".

الإمام البنا مع زوجته

وهكذا نرى أن الإمام البنا كان زواجه نموذجًا للزواج الذي يفضله الإسلام، ليكون مثلاً ونموذجًا يقتدى؛ حيث سارع في الزواج طلبًا للعفة والإحصان، والزواج في سهولة ويسر وبساطة، فلا تعقيدات ولا شروط مسبقة، أو مؤجلة، والفتاة ذات دين، والعقد تم في المسجد، والزفاف بعد مدة قصيرة من العقد، لا تتجاوز الشهر

وهكذا بدأ الإمام المؤسس تأسيس أركان أسرته وأولى لبناتها، فقد كان للأسرة اهتمام كبير في مشروعه باعتبارها الركيزةَ الأساسيةَ التي إن صلحت صلح المجتمع، ورسخ بنيانه وصمد في مواجهة ما يتعرض له من تحديات، وفي القلب من الأسرة الأم التي هي بمثابة الشجرة الطيبة، التي تمد بقيم الحب والحنان، والثمرات الصالحة.

وكان حرص الإمام البنا على اختيار الزوجة الصالحة المتدينة هو أول تطبيق عملي لما يؤمن به، فهي كما يقول: "نصف الشعب، بل هي النصف الذي يؤثر في حياته..".

كان الإمام المؤسس (رحمه الله) إنسانًا ناجحًا في حياته الأسرية والعملية، وقد كان يقول:

إذا وُجد الرجل المؤمن وجدت معه عوامل النجاح، ولذا فقد كان لإيمانه القوي بالله، والتزامه بمنهجه وسلوكه مخلصًا لدعوته، عاكفًا على تأسيس مشروعه لنهضة الأمة، كما كان أيضًا إنسانًا ناجحًا في بيته وأسرته واصلاً لأرحامه وأصهاره أيضًا

يقول أحمد سيف الإسلام عن والده الإمام البنا:

"حرص (رضي الله عنه) أن يعرف أقارب زوجته فردًا فردًا، وكل ما يرتبط بها بصلة رحم، وأحصاهم عدًا وزارهم ووصلهم جميعًا. ومن هنا ندرك كيف يمكن للعلاقات الإنسانية أن تتوطد ووشائج الأرحام أن تتلاحم، وصلات الأبناء بالأرحام كيف تؤسس من خلال علاقات زوجية ناجحة، وممارسة عملية من الآباء مع الأرحام أمام أبنائهم.
تميز الإمام البنا بسمات جعلته زوجًا ناجحًا محبوبًا في أهله، ومن ذلك أنه "كان مع زوجته هادئ الطبع، واسع الصدر، هينًا لينًا، لم يرتفع له صوت على أحد في البيت، لأي سبب من الأسباب، يعاون زوجته في بعض أعباء البيت رغم انشغاله بأعباء الدعوة، كان دقيقًا في تصرفاته، منظمًا لشئونه، نافعًا لبيته
حرص على أن يكتب مذكرةً صغيرةً بكل احتياجات البيت الوقتية، حتى يحضرها بنفسه، أو يكلف من يحضرها، على علم بكل شيء يخص المنزل حتى موعد تخزين الأشياء كالسمن والبصل والثوم. بمثل هذا الخلق الرفيع مع زوجته، كان رحمه الله نموذجًا للزوج الصالح الناجح، يتمثل الإسلام في قيمه ومبادئه، ويلتزم بسلوك رسوله الكريم مع أهل بيته، وكان عليه الصلاة والسلام هاشًا باشًا وفي مهنة أهله".

الإمام المؤسس مع أبنائه

من حديث للسيدة سناء البنا (6):

"نحن خمس بنات وولد واحد، وهناك اثنتان تُوفيتا في حياة الوالد، تكبرنا وفاء، ويليها أحمد سيف الإسلام، ثم سناء، ومحمد حسام الدين (توفي)، ثم رجاء، وصفاء (توفيت)، وهالة، واستشهاد، التي وُلدت بعد وفاة الإمام البنا، وكان جدي قد انتوى تسميتها "دماء" غير أن موظف الصحة رفض، فأحسَّ جدي أن الاسم سيكون ثقيلاً عليها، فقرَّر تسميتها "استشهاد" فرفض الموظف من جديد غير أن جدي أصرَّ وقال له إذًا لن أسميها وسأتركها حتى تكون "ساقطة قيد"، فلما أسقط في أيديهم سجلوها باسم "استشهاد"؛ لأنها وُلدت بعد استشهاد الوالد، ومن اختار لها الاسم هو جدي ووالدتي ووفاء...".

إن أهم ما يميز الإمام البنا في علاقته بأبنائه هو الالتزام التربوي العملي، وفي قدرته على بناء الشخصية السوية، التي تؤسس على الإيمان بالله ومراقبته، والاحترام، وتحري الصدق والأمانة، والحب واللين، فقد كانت هذه القيم جانبًا أصيلاً في منهجه التربوي الذي التزمه في داخل أسرته وخارجها.

تحكي سناء البنا عن والدها فتقول:

"كنا لا نحس فيه الغلظة، يغمرنا بالمودة والرحمة والعطف، ينادينا بأحب الأسماء إلينا، يدخل البيت يطمئن على غطاء كل الأبناء، يتناول عَشَاءه المعد له سلفًا على المائدة دون إيقاظ الوالدة، أو أحد من أهل البيت".

ومن هنا ندرك كيف كان يملك القدرة الفائقة في التأثير على سلوك الأبناء نتيجة لهذا الخلق الطيب معهم كمعلم وقدوة، ووالد حنون، فالتوجيه بالحب والالتزام والقدوة من أهم سمات المربي الصالح.

أحمد سيف الإسلام في مكتبة والده الشهيد

يقول عنه ابنه أحمد سيف الإسلام:

إنه كان عطوفًا إلى أقصى درجة، يراعي مشاعر الطفولة في أبنائه بشكل كبير، وكان لديه القدرة على جعلنا نطيعه دون حاجة إلى أمره. ومع التزامه التربية الصحيحة مع أولاده، فقد عني أيضًا بتعليم إخوته وأبنائه، يستوي في ذلك ابنه سيف مع إخوته البنات، وفي خطاب وجهه إلى والده دليل واضح على اهتمامه بتعليم أخته فاطمة
فيقول:
"أما فاطمة فأنا أوصيها كلما سنحت الفرصة الوصايا التهذيبية، وسأشرع معها في القراءة والكتابة بحول الله وقوته. ولا يخفى علينا مكانة بناته العلمية اليوم؛ فقد اهتم بتعليمهن، وحصلت ثلاث منهن على الدكتوراه في الطب، وفي التجارة، وفي الاقتصاد المنزلي؛ وذلك لأنهن نشأن في بيت علم ودين، فكلما كان والدهم (رحمه الله) يؤمن بأهمية دور المرأة الصالحة المتعلمة في أسرتها ومجتمعها آمن بأهمية التفوق العلمي ودوره في حياة المرأة والمجتمع "من حديث سناء البنا" (7)

وعن طبيعة معاملة الإمام لأبنائه.. تقول الحاجة سناء البنا:

كان هناك توازنٌ في التربية، فمثلاً وفاء لأنها الكبرى كانت هي سكرتيرته الخاصَّة؛ لأن والدتي كانت مشغولةً جدًّا ومريضةً بالقلب أيضًا، وكان عبء الدعوة على والدتي كله، فمثلاً ضيوف المركز العام كانوا يرسلون إلى والدتي الطعام إلى البيت بالصناديق وتقوم هي بطهيه، أما التمييز فلم يكن هناك تمييز بين الولد أو الفتاة، لا من الوالد أو الوالدة
حتى في العقاب ليس هناك تمييز، وقليلاً ما كان يعاقبنا، ولا بد أن يكون هناك شيءٌ كبيرٌ أو شيءٌ قد نبَّهَنا بخصوصه، فإذا أخطأنا فيه فلا بد من العقاب "سياسة الثواب والعقاب"، وكان إذا عاقب- ونادرًا ما كان يعاقبنا- يعاقب دائمًا على شيء كبير، وأذكر أنه عاقبني بسبب شقاوتي، ففي منزلنا القديم كان هناك شباكٌ مقسومٌ، وكان والدي يصرُّ على أخد السلاملك (وهو الدور الأرضي)
قائلاً: حتى لا أُتعِبَ إخواني، وأيضًا لا يتعب الجيران بطلوع الناس ونزولهم.. وذات مرة كنت جالسةً على الشباك ورأيته قادمًا من بعيد فركضت إليه ولم ألبس "الصندل" وكان يُحضر لنا صندلاً للعب وحذاءً للمدرسة، فركضت إليه ونسيت ألبس "الصندل" فنظر إليَّ مجرد نظرة، عرفت أني سأعاقَب، فعدت سريعًا إلى المنزل وبمجرد انصراف الإخوان ناداني: سناء.. فعرفتُ أن أوان العقاب قد حان
فطلب مني الجلوس على طاولة الطعام ورفع قدمي فرفعتها بنفسي وأخرج مسطرةً من جيبه وضربني على قدمي على كل قدم عشر ضربات، وكان ضربًا خفيفًا لدرجة أني كنت أضحك وهو يضربني، ولكني فهمت وقتها أني أخطأت، ولا بد لي أن أقول إنه كان يعلمنا - رحمه الله - بالحب، فكنا نحبه جدًّا ونطيعه؛ لأننا نحبه وليس خوفًا منه، حتى إنه إن سافر.. افتقدناه جميعًا.. وأذكر أن أختي رجاء كانت تقوم بالاتصال بالمركز العام لتسأل عوض عبد الكريم يوميًّا في وقت الغداء عن الوالد (لأنه كان مسافرًا)، ودائمًا كان رحمه الله يقوم بإطلاق أسماء للدَّلع لنا جميعًا، وكان يتركنا نقوم نحن أيضًا بإطلاقها عليه.

تعليم الخادمة

كما اهتم الإمام البنا بتعليم الخادمة؛ حيث كلف ابنته الكبرى وفاء بأن تعلم الخادمة القراءة والكتابة والصلاة.

وقدَّم (رحمه الله) أروع المثل في تحقيق المساواة التي نادى بها الإسلام، ليس مع الأبناء والأولاد فحسب، ولكن أيضًا مع الخادم في بيته، فقد كان لها من الحقوق والتكريم، كما كان لأبنائه وأفراد أسرته، فكان يوصي أبناءه بإحسان معاملتها، وقد حدث أن عاقب ابنته سناء ذات مرة لأنها عاملتها معاملةً غير لائقة، وكان للخادم في بيته سرير مستقل، ودرج للملابس مستقل في دولاب الأولاد، وتأكل مما يأكلون وتشرب مما يشربون وتلبس مما يلبسون وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).

الدروس المستفادة من هذا البيت الصالح

  1. ربانية البيت المسلم تبدأ من اختيار الزوجين على أساس الدين.
  2. لا بد للآباء من معرفة أبنائهم حق المعرفة ومساعدتهم على تحقيق رغباتهم الصالحة.
  3. تعليم الأبناء شئون دينهم بكل الوسائل الممكنة وتطلب الأمر بيع بعض الممتلكات فالأمر يستحق أنهم صدقة جارية للآباء بعد الممات.
  4. صلاح الآباء يبقى للأبناء.
  5. الدور العظيم للأب في البيت والذي لا ينحصر في مجرد النفقة.
  6. دور الزوجة الصالحة في تربية الأبناء وتهيئة الجو المناسب للزوج كي يؤدي رسالته الدعوية دون تذمر.
  7. تربية الأبناء على الحب والاحترام.
  8. عقاب الأبناء العقاب التربوي لا الانتقامي.
  9. تعرف كل من الزوجين على كل فرد من أفراد عائلة الآخر لكي يزداد ترابط المجتمع.
  10. حمل الأبناء على التحلي بخلق النظافة والنظام دون إهانة أو تجريح.
  11. تحقيق القدوة الصالحة في الأب والأم حتى يرى الأبناء إرشادات الأب والأم تتحرك أمام أعينهم فيتحركون بها.

المراجع

  1. زينب أبو غنيمة حسن البنا من الميلاد إلى الاستشهاد، الفتح للإعلام العربي بدون تاريخ نشر.
  2. زينب أبو غنيمة، مرجع سابق.
  3. زينب أبو غنيمة، مرجع سابق، وانظر: حوارات ومراسلات وأدبيات من سلسلة تراث الإمام البنا، شركة البصائر للبحوث والدراسات، الكتاب الرابع عشر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2006م.
  4. الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، محمود عبد الحليم، دار الدعوة، 1998م.
  5. زينب أبو غنيمة، مرجع سابق.
  6. منتديات الجزيرة توك 11-4-2006
  7. نفس المصدر السابق منتدى شباب الإخوان موقع الإمام الشهيد