الاخوان المسلمون والحركة الطلابية - خروج من السجون وصعود فى المجتمع
المقدمة
ظن جمال عبد الناصر انه بسجن جماعة الإخوان المسلمين ، وممارسة القمع الشديد ضدهم وضد عائلاتهم انه بذلك سوف يقضى عليهم وعلى مشروعهم ، الا ان المفاجأة ان مشروع عبد الناصر نفسه والذى سُخرت من اجله إمكانات دولة كبيرة بحجم مصر هو الذى انهار وتضائل حظ أنصاره في الشارع المصرى ، بينما استطاعت جماعة الإخوان المسلمين احياء تنظيمها من جديد واكتساب المساحة الأكبر في الساحة المصرية الشبابية والمجتمعية والسياسية فيما بعد برغم كل ما مورس ضدها !
فكيف استطاع الإخوان الخروج من عزلة عشرين عاما قضوها في السجون المصرية ، وتعرضوا خلالها لاقسى أنواع التعذيب في داخل السجون ، والتشوية الاعلامى الذى وصل الى حد الشيطنة خارج السجون ؟ وكيف استطاع الإخوان اجتذاب التيار الشبابى في الجامعات المصرية ، وترشيد العمل الطلابى بها ، الإفلات بالجماعة الإسلامية من فخ التشدد ؟
نرصد في هذا البحث إجابات تلك الأسئلة ..
خروج الإخوان من السجون .. بداية التحول
لم يكن خروج الإخوان المسلمين من السجون بداية عهد السادات جزء من صفقة تمت بينه وبينهم كما يشيع خصومهم ، بل كان خروج ضرورة وحاجة .
اذ نتيجة غياب ممثل اصيل للتوجه الاسلامى في المجتمع ، والذى هو توجه شعبى بالأساس ، فقد المجتمع توازنه وهو الامر الذى انعكس بالضرورة على قوة النظام الجديد (السادات) امام مراكز القوى (باقيا مشروع عبد الناصر) ، فاحتاج السادات الى إعادة التوازن الى المجتمع المصرى حتى يتخلص من سيطرة رجال عبد الناصر (اليسار شيوعيين وناصريين) .
وكان المتصَور ان الإخوان المسلمين سيخرجون من السجون إما محطَمين لا رابط بينهم ولا مشروع او قائد يجمعهم ، وإما يخرجون معترفين بالولاء (لا بالجميل) لمن أخرجهم من السجون (السادات) فيكونون بوقا لنظامه ومبررين لسياساته (كما فعل الشيوعيون عندما أخرجهم عبد الناصر من السجون عقب تحسن علاقته بالاتحاد السوفيتى) ..
الا ان الإخوان المسلمين لم يكونوا هذا او ذاك ، اذ خرجت جماعة الإخوان المسلمين ولها ميزتين ، مما مكنها من لعب اهم الأدوار التاريخ المصرى الحديث:
- ميزة الصمود الكبير امام بطش عبد الناصر للاخوان و عائلاتهم ، وهو الصمود الذى اثار اعجاب الشباب ، فكان الإخوان بالنسبة لهم رمزا للبطولة والوفاء ، خاصة بعد قصص التعذيب المرعبة التي حكاها الإخوان بعد خروجهم من السجون ..
- ميزة الخروج بصفحة بيضاء من كل هزائم عبد الناصر ، والتي تلوث بها كل من ربط نفسه بمشروعه ، وخاصة من التيار اليسارى بالعموم
هاتين الميزتين جعلتا من الإخوان رمانة ميزان في سياسة الدولة وكذلك في استقرار المجتمع ، فكان خروجهم لصالح المجتمع واتزانه وليس لصالح النظام وسياساته .
خاصة ان الإخوان – في ظاهرة لافتة للنظر – خرجوا من السجون بعد عشرين عام غير ناقمين على المجتمع او راغبين في الثأر ممن ظلمهم ! بل استطاع الإخوان تحويل طاقة الغضب تلك الى طاقة بناء وانتشار ، خرج الإخوان وهم متمسكين بمشروعهم ملتفين حول قيادتهم ، فاستطاع الإخوان المسلمون وفى فترة قياسية مثيرة للاعجاب ان يستردوا عافيتهم ويعيدوا الى المجتمع المصرى عافيته ، ويشكلوا بثقافتهم وخبرتهم عامل حماية ووقاية للأجيال الجديدة ، خاصة شباب الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية ..
تحديات واجهت عودة الإخوان
خرج الإخوان من السجون الى الحياة العامة بعد غياب عشرين عام ، فواجه الإخوان رصيدا من التراكمات السلبية ، كانت كفيلة بصرف بتشتيت الاخوان ، وصرف نظر المجتمع عنهم :
توجه اسلامى .. فاقد للرشد
فقد كان التوجه الاسلامى في الجامعات المصرية بداية عهد السادات كأنه نبت على عجل ، فهو حديث عهد بالعمل الجامعى ، وكذلك حديث عهد بالشيوعيين واستفزازاتهم
غلبة النزعة الوهابية
تميزت الجماعة الإسلامية وقبل التحاقها بجماعة الإخوان المسلمين بــ :
- الحماس الزائد
- الضعف العام في الثقافة
- التورط في المعارك الهامشية
اذ كان المدد الوحيد المتاح لتلك الحركة الشابة (الجماعة الإسلامية) هو السلفية الوهابية والتي ترعاها السعودية ، فتلونت بلونها مع خليط من أفكار الإخوان المسلمين والجهاديين ... وقد ساهمت رحلات الحج والعمرة اللتان نظمتهما الجماعة الإسلامية وباسعار زهيدة في الاحتكاك بتلك الثقافة ، وعودتهم من هناك بكتب كانت تحرص المملكة على توزيعها بالمجان ..
وقد انعكس كل ذلك على أفكار وتصرفات شباب الجماعة الإسلامية في الجامعات ، فكان جل أنشطتها توفير الكتاب الاسلامى ، وتوفير الجلباب الاسلامى للفتيات ، وعقد المؤتمرات في المناسبات الدينية ، مع الاهتمام بالهدى الظاهر الذى كان يتجاوز أحيانا اعفاء اللحية الى ارتداء الجلباب داخل الجامعة ! والحرص على الفصل بين الطلبة والطالبات في مدرجات الجامعة اثناء المحاضرات ..
كان تعطش الشباب الى الإسلام ، مع تهجم الشيوعيين على الإسلام والسخرية من تعاليمه ، دافعا قويا الى رغبة هؤلاء الشباب في اظهار التميز (الاسلامى) ، والدفاع عن الإسلام امام مهاجميه ..
غلبة النزعة الانفعالية
كانت الجماعة الإسلامية (بداية السبعينات) تمتلك العاطفة الإسلامية العالية ، لكن دون ان يُتاح لها فرصة التكوين العلمى والعقلى الذى يساعدها على ترتيب أولوياتها ، وادراك حقيقة معركتها ، كانت الجماعة الإسلامية – كشأن كل الجماعات الإسلامية التي نشأت في اعقاب فترة قمع عبد الناصر ، تعتمد بشكل او باخر على نفس فلسفة النظام (فرض الامر بالقوة)
بدا ذلك ساعتها كرد فعل على السلطة آنذاك ، فلم تكن الجماعة الإسلامية ترفض العنف كمبدأ ! انما كتوقيت فقط !! كما ان سيل الكتب القادمة من السعودية والتي كانت تتبنى المنهج الوهابى يغذى هذه الفكرة .. كانت الجماعة الإسلامية ابنة بيئتها بدون شك تلك البيئة التي ساهم في انشائها وتلوين افكارها عبد الناصر بقمعه وإرهاب نظامه ..
فكانت الجماعة الإسلامية دائمة الاستجابة لاستفزازات الشيوعيين والاصطدام بهم ، والذين كانوا يتعمدون بدروهم السخرية من الإسلام وتعاليمه ، اظهار ذلك سواء بالكتابة في مجلات الحائط او ارتداء الملابس المكشوفة للفتيات والتي لاتناسب مكان لتلقى العلم ..
وكان هذا السلوك الانفعالى من الجماعة الإسلامية واضحا في طريقة منع الحفلات الموسيقية بالجامعة أو محاولة فرض الفصل بين الجنسين في المدرجات ، لقد كان هذا الموقف مع تلك النفسية وعدم الخبرة نذير خطر كبير ..
الفجوة الجيلية
ضاعف من تلك التحديات ، غياب الإخوان المسلمون لمدة عشرين عاما تقريبا في السجون ، مما اوجد فجوة جيلية بين اخوان السجون وبين شباب الجماعات الإسلامية ، والتي تؤثر بلا شك على طريقة التفكير والسلوك ..
شيطنة الإخوان بفعل الالة الاعلامية
فقد كان المجتمع المصرى يتشوق الى بديل يحل محل عبد الناصر ، ولم يواجه تلك المعضلة الا بعد موت عبد الناصر عام 1970 .. لكن المشكلة ان البديل الوحيد الذى لم يتلوث بتجربة عبد الناصر كان الإخوان المسلمون ، وهؤلاء كان نظام عبد الناصر والته الإعلامية يشيطنهم ، وتم ذلك خلال عشرين عام قضاها الإخوان في السجون .. فنشأ جيل لايعرفهم الا من خلال وسائل الاعلام التي كانت تتحدث عنهم في غيبتهم !
فاعلام عبد الناصر ظل على مدى سنوات حكمه يروج بين الشعب المصرى ان الإخوان هم من حاولا اغتياله في ميدان المنشية 1954 ، وهم من حاولوا الاتصال بالانجليز من خلف ظهره ! وهم من حاولوا تفجير القناطر الخيرية ! وهم من كان يخطط لاغتيال عبد الحليم حافظ (المطرب المحبوب) وكذلك ام كلثوم !! هذه الصورة كانت بلا شك ستعوق اية محاولة يبذلها الإخوان للتقرب من الشعب المصرى او عرض أفكارهم عليه ..
شيوعية متغلغلة في أجهزة الدولة
وقد حدث هذا التغلغل في تفاصيل الحياة السياسية والثقافية على إثر اتفاق تاريخى بين الشيوعيين وبين جمال عبد الناصر بعد خروجهم المشروط من سجون عبد الناصر عام 1964 والذى اعقبه دخولهم الى التنظيم الطليعى (الحزب الحاكم في مصر) ، حيث قام عبد الناصر بتسليم قادة الفكر اليسارى (خاصة الشيوعيين) مفتاح الصحافة والاعلام ، مما ساهم في إعادة صياغة العقل الجمعي المصري وتشويه الفكر الديني ، ومن ثم تشويه جماعة الإخوان المسلمين ، واستمر هذا الحال متوارثاً كلما اتى نظام جديد كصمام أمان لعدم أسلمة المجتمع المصرى !! (1)
هذا في ميدان الثقافة والاعلام ، وكذلك في ميدان العمل الجامعى بين الطلاب ، كانت لهم كذلك الغلبة ، فقد كانت سلطة عبد الناصر ترعى الحركة الطلابية وتوظفها لصالحها ، الى حد توظيف الطلبة على مهام التجسس على زملائهم ، والتي تبدأ من المرحلة الثانوية ! ويأخذ التوظيف شكل التبرير لسياسات النظام والترويج لتوجهاته السياسية .. وقد أدت تلك السياسة الى تحويل الطلاب الى (قطيع) !
وكان بطبيعة الحال هناك تحالفا بين الشيوعيين وبين الناصريين في مواجهة ذلك الوافد الجديد (الجماعة الإسلامية) ، وكان يُعقد بجامعة عين شمس في كل عام المؤتمر الناصرى العام ، والذى يضم افراد النادى الناصرى على مستوى الجامعات الناصرية ، وكل عدة أعوام كان يُعقد المؤتمر الناصرى الدولى والذى يضم ممثلين عن الناصرية في الدول العربية الأخرى .. واستمر ذلك الامر حتى بعد مجئ السادات !
كيف تعامل الإخوان مع تلك التحديات
امام تلك التحديات لم ينكفئ الإخوان المسلمون على انفسهم يعالجون مانزل بهم من بلاء ! بل شرعوا منذ اليوم الأول في الاقتراب لكن بحذر من تلك الظاهرة التي نشأت في غيبتهم ، فكانت لهم معها مسارات عدة :
الإخوان .. يحتضنون الفكرة والتنظيم
كانت الجماعة الإسلامية تفتقد للخبرة بحكم حداثة النشأة ، وكانت جماعة الإخوان المسلمين برغم كل ما المَّ بها تمتلك خبرة وتتسلح بارادة لمحها شباب الجماعة الإسلامية عندما التقوهم رغم تباعد الأجيال .. يصف الدكتور عصام العريان – احد قادة الجماعة الإسلامية في السبعينات – الجماعة الإسلامية بانها كانت (هواة مبتدئين) وكنا (تنظيم هلامي واسع يجمع كل أطياف الشباب من كل الاتجاهات، ويلتف عاطفياً وحركياً حول قيادات جامعة القاهرة التي كنا أسسنا فيها عملاً متميزاً)
بينما كانت جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت (مجموعات قليلة من الشباب يلتفون حول القيادات والرموز التي خرجت تباعاً من السجون) .
فماذا فعل الإخوان ؟ يقول عصام العريان
- (شجع تنظيم الإخوان من كل المحافظات الشباب الذي التقى بهم على العمل معنا ، وبذلك نُقلت خلال تلك الفترة من 1975 وحتى 1981 الدعوة والحركة إلى جيل جديد امتزج مع القيادات التي خرجت من السجون منهكة ، ولكنها دؤوبة وحريصة على العمل وتوجيه الشباب إلى الوجهة الصحيحة ، بعيداً عن مسارات العنف والتكفير والانعزال) .
يقول عصام العريان في شهادته
- "اخترنا كشباب خيار الانضمام إلى الإخوان المسلمين ، اقتناعاً بصواب المنهج وحكمة القيادات وقدرتها على التضحية والعطاء ، وسلمنا لهم أنفسنا رغم إغراءات انقياد مجموعات عريضة من الشباب في الجامعات لقيادتنا لهم ، وعدم معرفتهم بانضمامنا للإخوان . وشجعنا آلافاً من الشباب على الانخراط في الإخوان ، وكان ذلك قراراً صائباً حمى الآلاف من التوجه إلى مسارات العنف أو التكفير وصان الجسد الأساسي للحركة الإسلامية" (2)
بل ان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يشير ان تأسيس الجماعة الإسلامية كان على بعلم واذن احد الإخوان المسلمين وفى مؤسسته الطبية ، كما سأتى ذكره لاحقاً
الإخوان .. وترشيد الفكرة
حيث تحرّك الإخوان من اجل ترشيد فكر وسلوك الجماعة الإسلامية بداية السبعينات من خلال العلماء وأساتذة الجامعات:
العلماء: كانت الخطوة الأولى الاقتراب من أفكار الجماعة الاسلامية ومحاولة ترشيده ، وقام بهذا الدور علماء الأزهر الشريف ممن سبق انتمائهم للإخوان المسلمين ، انتصاراً للاسلام وليس انتصاراً للإخوان المسلمين ومنهم:
- الشيخ محمد الغزالي : وكان يخطب بالمصلين فى جامع عمرو بن العاص ويصلى خلفه المستشار حسن الهضيبي مرشد الإخوان بعد خروجه من السجن ، يقول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح : (بعد الاصطدام مع الشيوعيين في الجامعة كنا نذهب الى الشيخ الغزالى نسأله ونستشيره ، اذ كان أقرب العلماء إلينا ، ليساعدنا على الرد على الشبهات التى تنال من الإسلام ، فكان يجيبنا ويرشدنا الى قراءة كتب معينة تبحث مثل هذه الشبهات) .. بتصرف (3)
- الشيخ يوسف القرضاوي ..
- الشيخ السيد سابق
- الشيخ إبراهيم عزت (احد رموز جماعة التبليغ والدعوة ، وسبق انتمائه للإخوان المسلمين) ..
وهؤلاء كانوا محل احترام من جموع شباب الجماعة الإسلامية ، وكانوا كذلك اكثر الضيوف على معسكراتهم التربوية فى الاجازات الصيفية ، ومحاضرين في الجامعات المصرية في المناسبات المختلفة ، وائمة صلاة العيد في الخلاء التي نظمتها الجماعة الإسلامية ..
أساتذة الجامعات: كما ساهم في هذا الدور بعض الأساتذة في الجامعات المصرية ، سواء منهم من كان منتميا الى الإخوان ، او متعاطفا معهم مثل :
- الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل: أستاذ بكلية الطب يقول انه عبد المنعم أبو الفتوح ان تأسيس الجماعة الإسلامية كان على بعلمه واذنه وفى مؤسسته الطبية فيقول : (وفى أول إجازة صيف بعد السنة الإعدادية بكلية الطب اجتمعنا معا لنتناقش فيما ينبغى أن نعمله فى العام الدراسى المقبل… وكان أول اجتماع لنا فى جمعية رعاية مرضى القلب والروماتيزم التى كان يرعاها أستاذنا الدكتور عبد المنعم أبو الفضل الذى يمكن أن نعده ــ من دون أى مبالغة ــ من أهم من تولوا رعاية الحركة الإسلامية الوليدة، فقد كان بمثابة الأب الروحى لنا، وكانت اجتماعاتنا كلها بعلمه وبإذنه) (4)
- الدكتور عبد الغنى الوشاحى: أستاذ طب الأطفال ، والذين كان يأخذ الطلبة بسيارته الى مسجد الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله
- الدكتور الكريمى: أستاذ الفسيولوجيا بكلية الطب والذى كان يتبنى معسكرات الطلبة الإسلاميين في بداية امرهم
- الدكتور محمد الخشان: أستاذ الطبيعة
- الدكتور عبد المحسن زيكو: وكان يأخذ الطلبة الى محاضرات الشيخ محمد الغزالي بجامعة القاهرة
وكان هذا الاحتضان سببا في الحيلولة دون انتشار فكر التكفير بين شباب الجماعة الإسلامية في الجامعات ، وكذلك ساعد على تهذيب الكثير من مسالك الجماعة الإسلامية في مواجهة ما يرونه مخالفا لتعاليم الإسلام .. ولكل هذا لم تجد أفكار جماعة التكفير رواج لدى افراد الجماعة الإسلامية بالجامعات ، ولم تكن الجماعة كذلك ضمن من قاموا بحادثة الفنية العسكرية سوى عضوين بالجماعة الإسلامية ، والتي لم تكن تعلم عن انتسابهما شيئا ..
الإخوان .. والارتباط التنظيمى
وكانت الخطوة الثانية ، هي اللقاء المباشر بين شباب الجماعة الإسلامية وبين الإخوان المسلمين الخارجين من السجون مثل الأستاذ عمر التلمساني والدكتور محمود عزت والمهندس محمد البحيري والدكتور محمد عبد المعطى الجزار ، فكانت هذه اللقاءات سبباً في تعديل كثير من المفاهيم لدى شباب الجماعة الإسلامية بالجامعات ، فصاروا اكثر تصالحا مع المجتمع المصرى وقربا منه ، وبدأت تختفى شيئاً فشيئاً نزعة التشدد والتي كانت اثراً عن انتشار التوجه السلفى السعودى بين الشباب .
أما الارتباط التنظيمي فكان في نهاية 1975م ، ولم يكن هذا الارتباط سهلا ، فقد سبقه اعترضات وردود من قبل الإخوان
وفى هذا يروى الدكتور عصام العريان انه
- "في إحد الأيام تكلم الأستاذ محمد حسين إلي بعض شباب الجماعة الاسلامية بأن الإخوان يريدون تحديد موقفكم من العمل معهم ، واقترح الأستاذ محمد حسين أن يجلسوا سويًا لتحديد نقاط النقاش ، وبالفعل جلسنا واتفقنا على أن نتناقش مع الإخوان الكبار في أربع نقاط اختلاف حسب تصورنا في حينه بيننا وبين منهج الإخوان
وتمثلت هذه النقاط في :
- تناول الإخوان لمسائل العقيدة (الأسماء والصفات والتوسل..)
- مدى تمسك الإخوان بالسنن الظاهرة مثل اللحية والجلباب ..
- مدى الثقافة الشرعية عند الإخوان
- مفهوم الجهاد وهل الإخوان سيظلوا يقدمون التضحية رغم السجون والمحن.
وكانت ليلة عاصفة في منزل الحاج عباس حدد موعد اللقاء بمنزل الحاج عباس بمدينة رشيد حيث استمر اللقاء والنقاش من بعد صلاة العشاء وإلى صلاة الفجر من اليوم التالي . (5)
فانضم عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وحلمي الجزار (طب القاهرة) ومحيى الدين عيسى وابو العلا ماضى (هندسة المنيا) ومحي الدين الزايط (طب عين شمس) ومحمد عبد الرحمن المرسي (طب المنصورة) الى جماعة الإخوان المسلمين ..
وبحكم شعبيتهم بين اوساط الطلبة ، انضم عدد كبير من شباب الجماعة الاسلامية الى جماعة الإخوان المسلمين ، وهكذا انضمت جامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة والمنوفية والأزهر الى جماعة الإخوان المسلمون ، وبالتالى شكلت المدن والاحياء التى ينتمى اليها هذا الشباب القاعدة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين (6)
بداية الصعود الاخوانى
بعد اقتراب الجماعة الإسلامية في السبعينات من أفكار الإخوان ، ثم التحاقهم بهم فيما بعد ، حدثت تطورات هامة في الوسط الجامعى والتي انعكست لاحقا على المجتمع المصرى ..
انحسار التيار اليسارى في الجامعة
بتولى السادات بدأ اليسار (بفرعيه الشيوعى والماركسى) داخل الجامعات المصرية يأخذ منحىً اخر بعدما فقد حماية السلطة التي كانت تحتضنه وتشجعه
وقد مر اليسار بعدة مراحل :
- ترك العديد من الشيوعيين العمل تحت لافتة (التنظيم الطليعى) والعمل تحت لافتة (الناصرية) ، رغبة في إخفاء توجهاتهم الشيوعية ، وان ظلوا على مهاجمتهم للاسلام والسخرية من تعاليمه ، وممارساتهم التي كانت تستفز الشباب المتدين ، بل وعموم الطلاب الذى لم تعود على هكذا تصرفات ..
- مع توجه السادات في بداية السبعينات الى أمريكا وتخليه عن التحالف مع الاتحاد السوفيتى – خلاف عبد الناصر – حرك الشيوعيون قواعدهم في الجامعات ضد السادات ، لتبدأ بينهم معركة ، في الوقت الذى كان فيه شباب الجماعة الإسلامية يخوضون معركة أخرى ميدانها الوعى ، حيث كانوا يعرِّفون شباب الجامعات بالإسلام وقيمه
- كأثر عن هزيمة 1967 بدأ بعض الشباب الذى كان لامعا في اليسار (الناصرى) او كان مغرما بتوجهات عبد الناصر بالتحول نحو الاتجاه الاسلامى ، ومنهم المهندس خيرت الشاطر والذى كان احد وجوه مظاهرات 1968 ، بل كان طالب كلية الطب نفسه معجبا بعبد الناصر .. وهكذا بدأ التسرب من التيار الناصرى لصالح التيار الاسلامى ، مما ساهم في ازدياد انحسار التيار اليسارى في الجامعة ..
استقلال الحركة الطلابية عن النظام
فلم يعد الامر كما كان ، فالحركة الطلابية (الإسلامية) منذ بداية السبعينات صارت حرة في قرارتها وفى توجهاتها تماما ، فلا هي خاضعة لسلطة الدولة او تقوم بمهام لصالحها ، ولا هي كذلك تتبع لتنظيماتها الشبابية ، كل مافى الامر انها تمتعت – كالجميع – بحرية حُرمت منها وحدها طوال عشرين عاما .
فقد كانت المعسكرات الصيفية للجماعة الإسلامية تتم بحرية ودون اى معوقات من الدولة ، وكان المعسكر الواحد يضم ما بين 500-800 طالب ، وكان ضيوفه هم العلماء والمفكرين والذين ينتمى أغلبهم للإخوان المسلمين فكرا او تنظيما ، فلم تكن هناك معسكرات اعداد قادة تلقن الطلاب الفكر الاشتراكى او الفكر الشيوعى .
في تلك المعسكرات الصيفية كان يتم تعريف الطلاب بالإسلام الذى حرص اعلام عبد الناصر على تجهيل الناس به ، اذ كان الناس متعطشين لمعرفة اى شيء عن الإسلام
اقتراب الرأي العام من الاسلام
وبدأ الصعود الاسلامى وبالتبعية عودة جماعة الإخوان المسلمين الى المجتمع ينموا رويدا رويدا ..
صلاة العيد
وتبع خروج الاخوان من السجون ، ثم لقائهم بشباب الجماعة الإسلامية ، تنظيم شباب الجماعة الإسلامية بالجامعات لصلاة العيد في الخلاء عام 1976 ، وكان تحضرها اعداد غفيرة من المصريين ، ساعتها كتب مراسل صحفية (مونتير) جون كونى مقالا بعنوان (عودة الإخوان) .. (7)
وكان الخطباء في كل صلوات العيد من الإخوان ان من المتعاطفين معهم (الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي والأستاذ عادل عيد) . وكان هذا اقتراب مباشر ولافت من الإخوان المسلمين تجاه الشعب المصرى ..
الفوز بالاتحادات الطلابية
برغم ان جامعة القاهرة أنشئت في 1914 وأول كليتين بها ، كانت كلية الحقوق وكلية الآداب ، وكان الغرض منهما تخريج من يحكم بغير الشريعة والثانية لتغيير اللغة والثقافة ، لتتحول هوية المصريين عن الإسلام ..
الا ان إخفاقات عبد الناصر المتكررة ولجوئه للقمع في حكمه ، فتح بابا واسعا امام المشروع الاسلامى للصعود ! حدث هذا في الجامعات المصرية بُعَيد وفاة عبد الناصر وتولى السادات ، حيث وصلت عضوية الجماعة الإسلامية في اتحادات الطلبة في عام 1974 الى نحو 20% من اجمالى مقاعد الاتحاد ، وفى العام التالى 1975 ارتفعت تلك النسبة الى 40% .. وكان لذلك دلالة واضحة على تحول في الرأي العام للشباب داخل الجامعات المصرية نحو التيار الاسلامى ، وهذا ينعكس بطبيعة الحال على المجتمع المصرى .. (8)
انتشار الوعى الاسلامى
فطوال عهد عبد الناصر كانت الغلبة لاصحاب الفكر الشيوعى والناصرى .. مما هيأ الجو لهزائم مصر في اليمن وسيناء حتى فقدت مصر ثلث مساحتها .. فاقبلت الناس على المساجد وبنائها اكثر من اى وقت مضى .. حتى ان المساجد الاهلية التي بنيت أيام السادات مقارنة بما كان عليه الحال أيام عبد الناصر ، ففى عام 1964 كان عدد المساجد الاهلية 14212 مسجد ، وفي عام 1980 صار عدد المساجد الاهلية 26001 مسجد
كذلك زاد الاقبال على قراءة ومتابعة اخبار اهل التدين ومنهم الإخوان المسلمين ، فبرغم خروجهم من السجون بعد غياب حوالى عشرين عام كان الاقبال عليهم ومتابعة اخبارهم كبيرا ، ففي عام 1956 كانت الاعداد الموزعة من مجلة الدعوة لسان حال الإخوان 80000 نسخة ، بينما في عام 1976 يعنى بعد 20 عاما من القمع كانت الاعداد الموزعة حوالى 150000 نسخة (9)
كما انتشر الحجاب في الجامعة انتشارا كبيرا ، وانتشرت مقارئ القران كذلك ، وساعد كل ذلك على انعاش الوعى بتعاليم الإسلام بين المجتمع المصرى ، وكان ذروة هذه الظاهرة في الفترة مابين (1973 – 1977) .
وهكذا عادت الإخوان المسلمون الى المجتمع المصرى من خلال نافذة العمل الطلابى بالجامعات المصرية بالسبعينات ، لتنخرط بعد ذلك في أنشطة أوسع ، اجتماعية وسياسية في المجتمع المصرى ، ولتصبح التيار السياسى الأقوى والاكبر داخل مصر.
مصادر
- اليساريون الجدد في الإعلام، وكيف يفكرون طريق الإسلام – 26/7/2012
- تعليقات على مذكرات عبد المنعم أبو الفتوح، الاخبار- عصام العريان – 2/9/2009
- المصدر السابق
- مذكرات الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح - 16/7/2009 مدونة ابو مروان
- الإخوان المسلمون والحركة الطلابية فى السبعينيات
- النخب الاجتماعية حالة الجزائر ومصر - احمد ابو زيد
- أبو الفتوح شاهداً على الحركة الطلابية
- النخب الاجتماعية حالة الجزائر ومصر - احمد زايد
- البدايات : الأصولية الإسلامية في المجتمع المصري – عبد الله شلبى