الإخوان المسلمون بين دستوري 52 و 2012م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون بين دستوري 52 و 2012م


إخوان ويكي

مقدمة

الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، والذي يتمّ من خلاله تحديد شكل الدولة، وحكومتها، ونظام حكمها، وطبيعة السلطات، واختصاصاتها، والعلاقات فيما بينَها، وحدودها، إلى جانب تحديدِه لحقوق المواطنين: أفراداً، وجماعاتٍ، وضمان أداء هذه الحقوق لهم، وقد يختلف الدستور من بلد لأخر أو من نظام لنظام حسب طبيعة حكمه وعلاقته بالشعب، بين الجمود والمرونة والطول القصر والدائمة والمؤقتة.

والأمة الإسلامية من الأمم التي وضع الإسلام دستور لها ثابت - القرآن الكريم - يحدد علاقة الأفراد بعضهما البعض وترك مساحات كثيرة يتوافق الناس فيما بينهم لكنه وضع الثوابت التي تقوم على أساسها عدالة الدولة وعلاقة الأفراد فيما بينهم.

الإمام البنا والدستور

طالب الإمام حسن البنا منذ نشأة دعوة الإخوان بتطبيق الشريعة الإسلامية، فظن كثيرون بأن البنا يطالب بدولة ثيوقراطيه دينية قوانينها مقدسة - فى ظنهم - مستمدة من الأله ، وبالتالى فهو يعارض دستور وقانون الدولة القائم، مثلما ذكرت سورينتينو ديانا (Diana Sorrentin): إن جماعة الإخوان المسلمين تسعى من خلال العملية السياسية الديمقراطية إلى السيطرة على الحكومة و فرض الشريعة الإسلامية وإقامة دولته الإسلامية.

وأضافت:

وفقا لرأى البنا ، فإن الله هو المصدر التشريعى الوحيد للقانون ، ويذهب الرجل إلى أن القوانين البشرية لا مكان لها فى الدولة الإسلامية. (1)

وهذا محض افتراء، فالإمام البنا لم يعارض النظم الحديثة فى الحكم، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها، فهو أحق بها وأهلها، بل اعتبر الحكم الدستورى لا يتعارض مع الإسلام.

لكنه رفض أن يكون الدستور شكلا معطلا، وينتهك سيادته، كما أنه لم يرفض النظام النيابى، بل رفض الوصول إلى مجلس النواب بتزوير إرادة الشعب، لذا فإنه دعى إلى تعديل قانون الانتخاب بما يمنع من التزوير، بل لم يرفض يرفض نشاط الأحزاب بشكل عام – كما يحاول البعض تصوير ذلك – بل رفض الحزبية ومفاسدها وما ترتب عليها من صراعات شخصية وضياع سيادة الوطن واستقلاله.

لكن مع ذلك فالدستور ليس مقدسا لا يقترب منه أحد، لكنه أطر وضعت لحماية حقوق الناس وترتيب العلاقة فيما بينهم بعضهم البعض، وبينهم وبين من يختارونهم ليحكمهم، حيث كتب يقول تحت عنوان "أيها الزعماء عدلوا النفوس قبل المناصب" : تعديل الدستور المصرى تعديلا جوهريا يوحد فيه السلطات، ويقضى على الحزبيات، ويشحذ العزائم والهمم، ولا يوجد مجالا لهذه الرخاوة التى لا يمكن أن تنقذ أمة فى مستهل عصر جديد. (2)

كما أكد أنه مع النظام النيابي غير أنه طالب بتعديل المواد التي تتنافى مع حقوق الإنسان وشريعته فقال:

نحن لا نعترض على الحكم الشوري النيابى من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأى ولسلطة الأمة، ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية، ولكن الذى نعترض عليه ونطالب بالتحرر منه هذه الشكليات الفارغة التقليدية التى جربناها عشرين سنة، فلم نجن منها إلا الفرقة والخلاف والشوك والحسك والصاب والعلقم.
نريد تعديلات فى النصوص والأشكال توفق بين تعاليم الإسلام وما نحن عليه، وتخلصنا من هذا البلاء الداهم الذى وقعنا فيه من جراء تقليد الغرب من غير تبصر ولا تقدير لعواقب الأمور. (3)

لقد قدم الإمام البنا تصورا للدولة الدستورية على نحو ما تدعو إليه النظم الدستورية الحديثة ،وسار هذا التصور ملازما لتصور الجماعة للحكم الدستورى في رؤيتها حين شاركت في وضع دستور 1952، ودستور 2012م. ولقد رد الإمام البنا جاليا حقيقة وموقف الإخوان من الدستور الموجود بقوله حينما أراد الإخوان دخول مجلس النواب، وتساءل الناس كيف سيقسم الإخوان على الدستور

فرد عليهم الإمام البنا:

ويوجه بعض المتسائلين سؤالا جميلا فيقولون: وماذا تصنعون فى اليمين الدستورية إذا نجحتم وفيها النص على احترام الدستور، وأنتم معشر الإخوان تهتفون من كل قلوبكم القرآن دستورنا؟ والجواب على ذلك واضح مستبين فالدستور المصرى بروحه وأهدافه العامة من حيث الشورى وتقرير سلطة الأمة وكفالة الحريات لا يتناقض مع القرآن، ولا يصطدم بقواعده وتعاليمه
وبخاصة وقد نص فيه على أن دين الدولة الرسمى هو الإسلام، وإذا كان فيه من المواد ما يحتاج إلى تعديل أو نضوج فقد نص الدستور نفسه على أن ذلك التعديل والنضوج من حق النواب بطريقة قانونية مرسومة، وتكون النيابة البرلمانية حينئذ هى الوسيلة المثلى لتحقيق هتاف الإخوان. (4)

ولهذا سعى الإخوان في المشاركة السياسية والحياة النيابية من أجل صياغة وتعديل المواد التي تخالف الإسلام والدفع للعمل بالدستور بما يحقق أمن المواطن وحريته.

وليس ذلك فحسب بل طرح الإمام البنا موقف الإخوان الدستوري من الأقليات في مصر، ووضح بأن الإخوان ملتزمون بما جاء في الدستور، وأن حق المواطنة كفله الإسلام كما كفله الدستور، ولن يشذ الإخوان عن هذا المنهج الذي نظم العلاقة بين جميع الأطراف، وخاصة وأن القرآن الكريم صاغ طبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم

فقال: إن الإسلام الذى وضعه الحكيم الخبير الذى يعلم ماضى الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذى لا يحتمل لبسًا ولا غموضًا فى حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ "الممتحنة: 8" (5)

كما أكد على العلاقة بين الحاكم والمحكومين من خلال مواد الدستور، وطالب بتفعيلها دون تعطيلها حتى تنهض البلاد والشعوب فقال:

قرر الإسلام سلطة الأمة وأكدها، وأوصى بأن يكون كل مسلم مشرفًا تمام الإشراف على تصرفات حكومته، يقدم لها النصح والمعونة ويناقشها الحساب، وهو كما فرض على الحاكم أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل فرض على المحكومين كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان كذلك، فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقيموه على الحق، ويلزموه حدود القانون، ويعيدوه إلى نصاب العدالة. (6)

ثم حسم الجدل وأكد موقف الإخوان من الدستور حينما ذكر ذلك أمام جموع الإخوان في المؤتمر الخامس عام 1939م حينما قال:

أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستورى التى تتلخص فى المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم.

ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر. (7)

فالإخوان المسلمون يرون أن وجود الدستور في الدولة كمؤسسة قانونية لا يكفي حتى نتحدث عن دولة دستورية، بل يتوجب أن يتضمن دستورها المبادئ الديمقراطية التي تكفل صون الحقوق والحريات ، ويفترض أن تقوم الهيئة القضائية بحمايته من أي عبث من قبل الهيئات الأخرى ومن هنا كان استقلال القضاء في الدولة أمرا حيويا، ويقفون موقف الند من الأنظمة التي تعطل الدستور ومواده وتستبدله بالاستبداد والأهواء الشخصية فى الحكم، مثلما رأينا في الأنظمة العسكرية بمصر أو غيرها.

ولم يقتصر على الحديث عن الدستور فتحدث عن دور الشعب وأنه مصدر السلطات – وهو ما يؤمن به الإخوان - فالشعب هو الذى يختار الحاكم ويملك عزله إن أساء، والشعب هو الذى يوافق أو يرفض على القوانين التى تمس حياته وتنظم شئونه الخاصة

يقول الأستاذ حسن البنا في رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي:

ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق المراقبة، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير، وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها، وأن يأخذ بالصالح من آرائها، وليس فى قواعد هذا النظام النيابى الأساسية ما يتنافى مع القواعد التى وضعها الإسلام لنظام الحكم.

وفى موضع آخر يقول عن سلطة الشعب فى ظل الدولة الإسلامية أنه صاحب السلطة :

" كما كانت إرادتها محترمة مقدرة ، فما كان أبو بكر يمضي في الناس أمراً إلا بعد أن يستشيرهم وخصوصاً فيما لا نص فيه ، وكذلك كان عمر بن الخطاب ، فقد جعل الخلافة من بعده شورى في الستة اللذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض".

كما يرى الإمام البنا أن مجلس النواب يقوم بمراقبة الحاكم أو الرئيس وحكومته نيابة عن الشعب ، فيقول :

" ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق المراقبة ، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها وأن يأخذ بالصالح من آرائها وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159)، وأثنى به على المؤمنين خيرًا فقال: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38).

الإخوان ودستور 1953م

بعدما قامت ثورة 23 يوليو 1952م والتي أطاحت بالملك فاروق، وسيطر فيها الجيش على مقاليد الأمور، وشكلوا منهم لجنة لإدارة شئون البلاد، حيث قاموا بتعطيل وإلغاء دستور سنة 1923م وذلك بقرار في 10 ديسمبر 1952م، كما أعلن أيضًا في 17 يناير سنة 1953 عن فترة إنتقال مدتها ثلاث سنوات، على أن تؤجل الانتخابات البرلمانية حتى انتهاء تلك الفترة.

وفي 10 فبراير 1953 أعلن الدستور المؤقت لفترة الانتقال والذي سيحل محل دستور 1923، وأعطى هذا الدستور سلطة السيادة لقائد الثورة في مجلس قيادة الثورة. وفي 13 يناير 1953 أعلن عن تشكيل لجنة لوضع دستور جديد من خمسين عضوًا وتولى رئاستها علي ماهر. (8)

حتى أن علي ماهر باشا صرح فى 14 نوفمبر 1952م فقال:

إنه يرجو أن نواجه حياتنا السياسية بدستور يتجنب تخلف دستور 1923 عن مسايرة الديمقراطية الحرة، وأن دستور 1923 قام على المبادئ التى كانت سائدة فى القرن التاسع عشر، ولم يعد صالحاً للبقاء على حالته فى العصر الحديث.

تشكلت لجنة لوضع مشروع دستور جديد "يتفق وأهداف الثورة"، عرفت باسم "لجنة الخمسين"، وكان هؤلاء "الخمسون" يمثلون جميع الاتجاهات والأحزاب والطوائف، وقد ضمت أربعة من الوفديين، واثنين من الأحرار الدستوريين، واثنين من السعديين، وثلاثة من الإخوان المسلمين، وثلاثة من الحزب الوطنى، واثنين من الحزب الوطنى الجديد، وثلاثة من رؤساء القضاء، كان منهم الدكتور عبدالرزاق السنهورى "رئيس مجلس الدولة"، وثلاثة من رجال الجيش والبوليس المتقاعدين، وقد انتخب أعضاء "لجنة الخمسين" على ماهر باشا رئيساً لها.

والجدير بالذكر أن مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين المشكلة عام 1953 كان قد أخذ بما جاء في المشروع متضمنا إنشاء محكمة دستورية عليا تتولى بمفردها عن طريق الدعوى الأصلية الفصل في دستورية القوانين ، ولكن هذا المشروع لم ير النور وحل محله المشروع الذي قدمته الحكومة وأطلق عليه دستور 1956.

وقدمت "لجنة الخمسين" مشروع هذا الدستور إلى مجلس قيادة الثورة فى 15 أغسطس 1954، فوجده مجلس قيادة الثورة ديمقراطياً أكثر من اللازم، وأكثر مما يطيق، فطوح به، على حد تعبير الكاتب صلاح عيسى

ونقلاً عن الدكتور وحيد رأفت:

"إن مجلس قيادة الثورة ألقى بهذا الدستور النموذجى فى صندوق القمامة، وتم العثور على النص الكامل له فى صندوق أوراق مهملة بمخزن مكتبة الدراسات العربية التابع للجامعة العربية بالقاهرة، وكان هذا الدستور يقدم صياغة محكمة ومتطورة لنظام جمهورى برلمانى نيابى".

وقد أنهت "لجنة الخمسين" عملها ووضعت الدستور بعد أكثر من عام ونصف العام من تشكيلها، إلى أن صدر إعلان دستورى مبشراً بدستور جديد، مع استمرار العمل بالإعلان الدستورى الصادر فى 1953، وتم الإعلان عن فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تنتهى فى 16 يناير 1956.

إلا أنه عند نهاية الفترة الانتقالية وفى السادس عشر من يناير 1956، وبعد أن آلت السلطة كاملة وبشكل نهائى لجمال عبد الناصر، وصار رئيسا للجمهورية بعد الإطاحة بنجيب، وضعت الحكومة دستوراً جديداً هو دستور 16 يناير 1956، وقد حدد الدستور الجديد يوم السبت 23 يونيو 1956 موعداً لاستفتاء الشعب على الدستور، وكذلك رئاسة الجمهورية، وتم الاستفتاء وإقرار الدستور واختيار "عبد الناصر" رئيساً، باعتباره بطل الجلاء والقائد الفعلى لثورة يوليو. (9)

ولقد عثر صلاح عيسي على نسخة من مشروع دستور 1954م والذي ألقاه عبد الناصر في القمامة، حيث عثر عليها معاونة كلاً من المستشار طارق البشرى والدكتور أحمد يوسف أحمد عميد المعهد العالى للدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية في صندوق كان قد وضع في أحد مخازن مكتبة المعهد، ويرجح البشري أنه بخط الدكتور عبدالرازق السنهوري

وقد ذكر صلاح عيسي تصرف العسكر الغريب من هذا النموذج الدستوري الرائع بقوله:

لم يكن الذين صاغوا مشروع دستور ‬1954 سذجاً على النحو الذي يدفعهم للقفز على الواقع الذي كان قائما آنذاك، لكنهم قرأوه على نحو مختلف، فأرادوا أن يسدوا الباب أمام الاستبداد الذي بدأت نذره، وكانت عيونهم مفتوحة عن آخرها على المستقبل، والغالب أنهم أرادوا أن يتركوا لأمتهم وثيقة يمكن أن تصوغ هذا المستقبل
فوضعوا مشروعا لدستور ينطلق من رؤية ليبرالية نقية، قبل أن تتوحش الليبرالية وتفقد ألقها، لنفس السبب الذي فقدت به ثورة يوليو ألقها، فتحولت من حلم إلى كابوس، ومن راية لانتصار الشعب إلى راية لهزيمة الوطن والأمة، فقد كان معظم أعضاء اللجنة، من علي ماهر ومكرم عبيد الى علي زكي العرابي ومحمد صلاح الدين وعبدالرزاق السنهوري من الجيل الذي صنع الرؤى الديمقراطية والليبرالية لثورة ‬1919، ومن الجيل الذي نشأ في ظلها
وقد يكونون قد أخطأوا في بعض ممارستهم السياسية، لكن المؤكد أنهم أرادوا أن يتركوا وثيقة تصوغ حلم المستقبل الديمقراطية، لعل يوماً يأتي يتراكم فيه الغبار على الحاضر الثوري الذي كان قائماً آنذاك، فيصبح ماضياً تذروه الرياح، وتلقي به في سلة المهملات الى جوار وثيقتهم، وتتيح الظروف لمن يفتش عن أسباب ذلك أن يجد هذه الوثيقة في صندوق القمامة، فيعيد نشرها لتكون بوصلة لهذا الحلم الديمقراطي، ينقذ الوطن والشعب من كابوس الاستبداد". (10)

ديمقراطية الإخوان في دستور 1952

في الوقت الذي اضطرب فيه مفهوم الحكم ونظامه لدى القادة الجدد تقدم الإخوان بمشروع دستور إسلامي مقترح للدولة المصرية صاغ مواده المرحوم الدكتور محمد طه بدوي (توفى عام 1996 وكان أستاذا للقانون العام والعلوم السياسية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية) عضو الشعبة القانونية

وقد ناقشته لجنة برئاسة المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية (1894-1976) عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري للإخوان بالإسكندرية باشتراك كل من الأستاذ على فهمي طمان (محام) والدكتور غربي الجمال (أستاذ الاقتصاد الإسلامي بمعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة) عضوي الشعبة القانونية، وقد أقرته الهيئة التأسيسية بتاريخ 16 سبتمبر 1952م الموافق 25 ذو الحجة 1371هـ. (11)

حيث جاء تحت عنوان "مشروع دستور إسلامي للدولة المصرية عام 1952م" حيث جاء في مقدمته:

هذا اقتراح بمشروع لدستور للدولة المصرية يعتمد في جوهره على الإسلام فهو مستمد في أصوله من أحكام القرآن وسنة الرسول وأساليب الحكم في عهد الخلفاء الراشدين، وإذا فصلت نصوصه على هذا النحو بدا مسايرا لأصلح ما في النظم الدستورية المعاصرة سواء الرئاسي كأمريكا أو ونظام حكومة الجمعية كدستور النمسا وسويسرا
لكن هذا المقترح يجافي النظام المعمول به في بريطانيا وانتقل منها لبعض الدول منها مصر وذلك لما ينطوي عليه هذا النظام – على وجه الخصوص - من استقلال رئيس الدولة عن الهيئة التي تمثل الأمة فلا يسأل أمامها عن تصرفاته في شئون الدولة سياسياً (ولا جنائيا إن كان ملكاً). أما الإسلام فلا يعرف العصمة إلا على أساس أنها لله وحده دون عباده حتى الأنبياء منهم والمرسلين. فكيان الحكومة في المشروع يتلخص في وجود هيئة حاكمة تتكون من مجلس الأمة ورئيس الدولة.

ولقد نقل المشروع عن الدستور المصري الحالي بعض أحكامه (كالخاصة " بالمالية ") لعدم مجافاتها لتعاليم الإسلام من جهة –و لثبوت صلاحيتها في التطبيق من جهة أخرى.

ونقلا عن تعاليم الإسلام تضمن المشروع ما يكفل للفرد حياة كريمة في مجتمع متضامن عن طريق وضع حد لاستغلال الفرد للفرد وإلزام الدولة بأن تضمن للفرد مستوى مادياً معيناً مما يدعم في نفس الوقت الحريات الفردية ، فلا تقتصر الإفادة بهذه الحريات على فريق من الأمة دون فريق كما هي الحال في الديمقراطيات الغربية الفردية النزعة وفي ظل الدستور المصري الحالي

وتمشيا مع روح الإسلام التي ترى في كفالة الحقوق الاجتماعية على النحو السابق ضمانا للإفادة من الحريات الفردية جعل المشروع الصدارة للحقوق الاجتماعية فأوردها في صدر الباب الرابع قبل الحريات الفردية مجافيا في ذلك الدساتير الغربية الفردية النزعة التي إما أن تكتفي بضمان الحريات الفردية دون الحقوق الاجتماعية وإما أن تجعل للأولى الصدارة على الأخيرة. هذا وقد أفاد المشروع من حيث الصياغة –دون الجوهر- من وثيقة الإعلان العالمي الأخير لحقوق الإنسان. (12)

وأبرز ما جاء فيه معبرا عن مدى الفهم الواسع للإخوان للمعنى الحقيقي للديمقراطية، حيث جاء:

الباب الأول في السيادة

مادة 1. مصر دولة إسلامية حكومتها نيابية.

مادة 2. تباشر الأمة سلطانها عن طريق هيئة تنوب عنها.

مادة 78. لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وفي أن يعيش آمنا مطمئنا.

مادة 80. لكل من يعمل الحق في أجر عادل يضمن له ولأسرته حياة تتفق مع الكرامة البشرية ويكمل عند الضرورة بأية وسيلة من وسائل الحماية الاجتماعية.

مادة 84. لكل فرد الحق ي التعليم وتكفل له الدولة التعليم في مختلف مراحله ويجب أن يهدف التعليم إلى تقوية الكرامة البشرية وتنمية الفضائل. (ولقد سبق الإخوان عبد الناصر في وضع أطر مجانية التعليم ضمن الدستور).

مادة 99. يترك لأفراد كل طائفة من غير المسلمين أمر اختيار الرؤساء الدينيين وفق قانون ينظم هذه الطوائف. (13)

لقد وضح من مقترح مشروع الدستور الذي وضعه الإخوان نضجهم الفكري وحرصهم على تحقيق الحريات وحماية الوطن وسيادته، وعدم تغلب سلطة على بقية السلطات.

وقد كتب عنه الدكتور إبراهيم زهمول:

قدم فكرة دولة قومية يعيش فيها المسلمون وغير المسلمين يجمعهم الانتماء للوطن. ولعل أهم البنود التي تؤكد حقيقة هذا التوجه سنجدها في المادة 77 (يولد الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق والحريات بدون تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعض بروح الأخوة).
ونظرا لأن الدستور المقترح من الإخوان صيغ قبل سقوط الملكية ، لذلك نجد بعض آثار ذلك في الدستور عند مناقشته نظام الحكم : ملكية أم جمهورية ، حيث كان الصدور في أول ديسمبر 1952 قبل إلغاء الملكية في 18 يونيو 1953 ،وبالتالي روعي تضمين الدستور الإخواني بعض التقاليد الملكية والجمهورية لاسيما عند الحديث عن مدة الحكم أو إجراءات التولية والعزل والمحاسبة. (14)

وقد حرص الإخوان على وضع تصور للدستور الذي يمكن أن تقوم عليه الدولة يراعى فيه المحافظة على تعاليم الإسلام – كدستور 2012م - ويكون الشعب مصدر السلطات ، ويتم فيه التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات ، والحريات والمواطنة ، وهذه هي أسس الدولة المدنية التي ينشدها الجميع ، ولا تمثل دولة دينية مستبدة كما يحاولون أن يروجون لها انطلاقا من تأثرهم بالدولة الدينية في أوربا في العصور الوسطى.

ويرى الإخوان في مشروع دستورهم عام 1952م أن المرجعية الإسلامية للدستور لا تعنى أن نصوصه مقدسة لا دخل للعقل فيها ، بل إنها فى حقيقة وضعه اجتهاد بشرى بما لا يتعارض مع قيم ومبادىء الإسلام. فالإسلام مرجعية الدستور عند الإخوان ، والعلمانية هي مرجعيته عند الليبراليين وغيرهم ممن يرفضون المرجعية الإسلامية.

ولذا يطن الليبراليون والعلمانيون في مصر أن المرجعية الإسلامية للدستور مقدسة ، لذا فهي لا تتيح الاستفادة مما وصل إليه الآخرون في النظم الدستورية في العصر الحديث ، وهذا نتيجة سوء فهم نظام الحكم في الإسلام.

ومصطلح "الناس" في المادة 77 والتي نصت على:

"يولد الناس أحرارا متساويين في الكرامة والحقوق والحريات بدون أي تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الأخوة." تعبير تراثي محايد جامع دون تمييز لكل التنوعات الذكورية والأنثوية والدينية.

كما نصت المادة 78 (لكل فرد الحق في الحياة وفى الحرية والمساواة أمام القانون وأن يعيش آمنا ومطمئنا) والمادة 88 (لكل فرد في الوطن حرية التفكير والاعتقاد والتدين) والمادة 89 (لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير).

وهذه البنود توضح حجم النقلة الفكرية التي قفز إليها الإخوان في ذلك التوقيت حيث الدولة المدنية التعددية التي تقدر حرية الرأي والتعبير تقوم على المواطنة والولاء السياسي بغض النظر عن الانتماءات العقائدية وبالتالي وجدنا تحررا من التقسيمات السياسية التي درج عليها الفقهاء الأقدمين التي تخص رعايا الدولة الإسلامية مثل الملية والذمية واتجه المشروع لعدم تحديد الديانة عند تدوين الحقوق.

واكتفى بمقولة "الفرد" وهو إلغاء ضمني لفكرة الذمة حيث لم يشترط في عضوية البرلمان الانتماء لدين معين بل نص على شروط موضوعية بحسب المادة الرابعة (أن يكوم مصريًا حسن السمعة ، وأن يكون سنه، أربعين سنة هجرية كاملة على الأقل ، وأن يكون على درجة من الأهلية الثقافية يحددها قانون الانتخاب).

و الدستور المقترح غير محمل بأي تمييز يحول دون الحقوق والمواطنين سواء بسبب الأصل أو اللغة أو الدين فمبدأ الحريات العامة في بنوده لا يقتصر على فريق دون أخر حيث أن الجميع من حملة الجنسية المصرية وكلهم وفق المادة 96 (متساوون في الحقوق والواجبات سواء المالية أو في الخدمة العسكرية).

الإخوان في برلمان 2012

بعد نجاح ثورة يناير 2011م تم تعطيل العمل بالدستور المصري لعام 1971م والذي لم يتغير فترة حكم السادات أو مبارك إلا بإضافة مواد أو إلغاء أخرى لصالح نظام الحكم آنذاك، وزيادة ديكتاتوريته ونفوذه، وحاولت الدولة العميقة السيطرة على المشهد الثوري إلا أنها خشيت الموجة العالية التي أحدثها الزخم الثوري بعد تنحي مبارك

فسعت إلى الانطواء وإدارة المشهد في خطوة لتفكيك تلاحم قوى الثورة، وبالفعل ظهرت بوداها بين حركات تنادي بالاتجاه للعمل الاصلاحي واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية للوصول بالبلاد إلى بر الآمان، ومجموعات نادت باستمر الثورة في الشارع مما أعطت قوى الثورة المضادة استغلال ذلك والاستعداد للاجهاز على الثورة والثوار.

انتصر فريق الاصلاح والاستقرار مؤقتا حينما أعلن عن إجراء انتخابات برلمانية حيث كانت الجولة الأولى في 28 نوفمبر 2011م واختتمت بالجولة الثالثة في 11 يناير 2012م. تألف مجلس الشعب من 498 عضو يتم انتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السري العام، كما أنه من حق رئيس الجمهورية تعيين 10 أعضاء آخرين بالمجلس.

ولقد استحوذ حزب الحرية والعدالة على نصيب الأسد حيث حصد التحالف الديموقراطي الذي يقوده حزب الحرية والعدالة - المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين - على 238 مقعدا بنسبة 47.2 في المئة، وذلك من إجمالي 498 مقعد. وقد حصد حزب الحرية والعدالة وحده 218 مقعدا من هذه المقاعد.

أما التحالف الإسلامي ذو التوجه السلفي الذي يقوده حزب النور ومعه حزب الأصالة وحزب البناء والتنمية المنبثق عن الجماعة الإسلامية، فقد حصل على 127 مقعدا بنسبة 24 في المئة، منها 111 مقعد لحزب النور، و13 مقعد للبناء والتنمية، وثلاث مقاعد لحزب الأصالة. وتأتي أهمية هذا البرلمان في أن أعضاءه سيشاركون مع أعضاء مجلس الشورى بعد انتخابه في اختيار لجنة مكونة من 100 شخص لوضع دستور جديد للبلاد.

كما جرت انتخابات مجلس الشورى والتي بدأت جولته الأولى في 29 يناير 2012 وانتهت الانتخابات في 22 فبراير من نفس العام وكانت أول جلساته في 28 فبراير حيث اختير الدكتور أحمد فهمي رئيسا لمجلس الشورى حيث سيطر عليه أيضا الإسلاميين مثل حزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي.

الجمعية التأسيسية المصرية لوضع الدستور 2012

بعد سقوط دستور 1971 بقيام ثورة 25 يناير 2011م أجريت بعض التعديلات الدستورية في مارس 2011 والتي نصت علي أن يقوم البرلمان المنتخب باختيار أعضاء هذه الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد.

قام مجلسا الشعب والشورى بعقد ثلاثة اجتماعات مشتركة في قاعة المؤتمرات في مدينة نصر وذلك بهدف اختيار الأعضاء المائة للجمعية التأسيسية غير أنها شهدت لغطا كبيرا وجدالا عنيفا وصراعا شرسا بين نواب التيار الإسلامي وغيرهم من النواب.

وجهت إلى آلية اختيار الأعضاء كثير من الانتقادات – خاصة من الفريق الذي لم يحصل على شيء في البرلمان أو لم يختار ضمن أعضائها، أو لسيطرة الصوت الإسلامي عليها – وكان من هذه الاتهامات غياب للمعايير والاشتراطات الواضحة لاختيار واضعي الدستور من قبل مجلسي الشعب والشوري المصريين، وأنها لا تقوم على الخبرة والعلم والكفاءة.

وأن الطريقة التي تم بها تشكيل الجمعية التأسيسية هي "سعى للهيمنة واقصاء الغير"، وانتقادات بخصوص استبعاد أشخاص إعتبرهم البعض من "الرموز والقامات الوطنية" من القوائم الأولية للمرشحين.

وتعرضت هذه الجمعية للطعون القانونية والتي انتهت بحكم محكمة القضاء الإداري في 10 أبريل 2012 بحل الجمعية التأسيسية بدعوى أنها ضمت أعضاء في مجلسي الشعب والشورى وهو ما قالت المحكمة أنه مخالف للمادة 60 من الإعلان الدستور.

قام البرلمان بتاريخ 13 يونيو 2012 بتشكيل جمعية تأسيسية أخرى بعد الحكم بحل التشكيل الأول للجمعية، وعقدت اللجنة التأسيسية الجديدة أولى جلساتها في 18 يونيو واختارت المستشار حسام الغرياني رئيسا لها. وأنهت كتابة الدستور بتاريخ 30 نوفمبر 2012.

مع ذلك لم يسلم دستور 2012 من الانتقادات والهجوم والاعتذرات أثناء إعداده، وظلت البلاد منقسمة بين التيارات الإسلامية والتيارات العلمانية واليسارية وغيرها من رافضى أن يوضع الدستور بهذه الطريقة، حتى أن عمرو حمزاوي قال: انسحبنا من "التأسيسية بسبب هيمنة الإسلام السياسى".

جاء في ديباجة الدستور:

أولا: الشعب مصدر السلطات؛ يؤسسها، وتستمد منه شرعيتها، وتخضع لإرادته.. ومسئولياتها وصلاحياتها أمانة تحملها، لا امتيازات تتحصن خلفها.

ثانيا: نظام حكم ديمقراطى؛ يرسخ التداول السلمى للسلطة، ويعمق التعددية السياسية والحزبية، ويضمن نزاهة الانتخابات، وإسهام الشعب فى صنع القرارات الوطنية.

ثالثا: كرامة الفرد من كرامة الوطن.. ولا كرامة لوطن لا تكرم فيه المرأة؛ فالنساء شقائق الرجال، وشريكات فى المكتسبات والمسئوليات الوطنية.

رابعا: الحرية حق، فكرا وإبداعا ورأيا، وسكنا وأملاكا وحلاً وترحالاً، وضع الخالق أصولها فى حركة الكون وفطرة البشر. خامسا: المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع: مواطنين ومواطنات؛ فلا تمييز، ولا وساطة، ولا محاباة، فى الحقوق والواجبات.

سادسا: سيادة القانون أساس حرية الفرد، ومشروعية السلطة، وخضوع الدولة للقانون؛ فلا يعلو صوت على قوة الحق، والقضاء مستقل شامخ صاحب رسالة سامية فى حماية الدستور وإقامة موازين العدالة وصون الحقوق والحريات.

سابعا: الوحدة الوطنية فريضة، وركيزة بناء الدولة المصرية الحديثة وانطلاقتها نحو التقدم والتنمية؛ ترسخها قيم التسامح والاعتدال والوسطية وكفالة الحقوق والحريات لجميع المواطنين دون تفرقة بين أبناء الجماعة الوطنية.

ثامنا: الدفاع عن الوطن شرف وواجب؛ وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسى، وهى درع البلاد الواقى.

تاسعا: الأمن نعمة كبرى؛ تسهر عليه شرطة تعمل فى خدمة الشعب وحمايته وفرض موازين العدالة، فلا عدل بلا حماية، ولا حماية بغير مؤسسات أمنية تحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون.

عاشرًا: الوحدة أمل الأمة العربية؛ نداء تاريخ ودعوة مستقبل وضرورة مصير، يعضدها التكامل والتآخى مع دول حوض النيل والعالم الإسلامى الامتداد الطبيعى لعبقرية موقع مصر ومكانها على خريطة الكون.

حادى عشر: ريادة مصر الفكرية والثقافية، تجسيد لقواها الناعمة ونموذج عطاء بحرية مبدعيها ومفكريها، وجامعاتها، ومجامعها العلمية واللغوية ومراكزها البحثية، وصحافتها وفنونها وآدابها وإعلامها، وكنيستها الوطنية، وأزهرها الشريف الذى كان على امتداد تاريخه قوّاما على هوية الوطن، راعيا للغة العربية الخالدة، والشريعة الإسلامية الغراء، ومنارة للفكر الوسطى المستنير.

بين دستورين

شارك الإخوان في وضع دستورين للبلاد هو دستور 1953 ودستور 2012 حيث كانا بعد ثورتين قام بهما الشعب المصري الذي كان يتطلع للحرية، ثورة أطاحت بالملكية وأخرى أطلحت بالحكم العسكري المتمثل في مبارك. غير أن الواقع أكد بأن الدستوريين اللذين شارك في وضعهما كبار القانونين وشارك فيها الإخوان لم يتم تفاعلهما أو العمل بهما كليتا.

فدستور 53م أخذه عبد الناصر وألقاه في سلة القمامة ولم يعمل به لاحتوائه على المزيد من الديمقراطية – كما ذكر الكاتب صلاح عيسى – وأما دستور 2012 فلم يستمر العمل به كثير حتى تم الانقلاب عليه وتعطيله وذلك لعدم موائمته للعلمانيين واليساريين والعسكر

وكان واضح أنه كان ينقصه كثير من التعديلات حيث لم يكن دستورا متكاملا بل شابه كثير من النقصان وقلة الخبرة، وقد دشن من أجل المرحلة الراهنة ثم بعد أن تهدأ البلاد يتم تعديل بعض المواد المختلف عليها إلا أنه مؤيدوه لم يصمودوا أمام الآله العسكرية الت أطاحت بهم في انقلاب 3 يوليو 2013 بمشاركة جميع القوى العلمانية واليسارية والأقباط.

كما ذكرت لقد كان كثيرين يعترضون على دستور 2012 من أجل الاعتراض فقط، فمثلا نجد عصام الإسلامبولى - المتخصص في القانون الدستوري – يعترض على أى شيء

فمثلا اعترض على المادة الأولى والتي جاء فيها:

جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطى. والشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية، ويعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الأفريقية وبامتداده الآسيوى، ويشارك بإيجابية فى الحضارة الإنسانية.

حيث قال: أن المادة (1):

والخاصة بالهوية، بها نص يقول: (... والشعب المصري جزء من الأمتين العربية والإسلامية...)، معتبرًا أنه نص غير منضبط، ومزج غير منطقي بين الهويتين العربية والإسلامية، فمصر دولة عربية بحكم الجغرافيا والتاريخ، لكنها ليست جزءًا من الأمة الإسلامية (!). فضلاً عن أن هذه المادة تُمهّد لفكرة الخلافة الإسلامية التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين وتدعو لها التيارات الإسلامية! (15)

وهو الشيء الغريب الذي يجعل مثل هذا الخبير الدستوري يسلخ مصر من الأمة الإسلامية وكأنه يتبرأ من انتساب مصر لها، بل ويؤكد أن ذلك يمهد للخلافة الإسلامية، مما يؤكد النظرة القومية والعنصرية التي دفعته لرفض الدستور.

اتفق الإخوان في دستور 53 و2012 على احتكام غير المسلمين لشرائعهم حيث جاء المادة 3: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.

لم يحظ هذا الدستور بالتوافق بين جميع التيارات خاصة الكنيسة القبطية ولا المعارضة الليبرالية، والأسباب لذلك كثيرة وهى في مجملها صراع أيديولوجي وقعت فيه مصر بعد الثورة بين التيارات الإسلامية والتيارات الأخرى، والتي كان واضحا أن لو اللجنة شكلت من غير التيار الإسلامي لنالت حظوة جميع التيارات العلمانية والكنيسة طالما ليس فيه أحد من التيار الإسلامي، وهو ما سيتضح في المقارنة بين دستور 2012 ودستور 2014 الذي وضع بعد الانقلاب العسكري.

تناقضات

هاجم العلمانيين دستور 2012 معتبرين أنه دستور الإسلاميين وما أن جاء دستور 2014 حتى بدل وغير كثير من المواد، ثم عاد السيسي وأعاد ما انتقد من أجله دستور 2012، مثل وجود مجلس الشورى والذي لغاه دستور السيسي.

بل إن السيسي بعدما تولى الرئاسة نحى الدستور جانبا ولم يلتزم بالمواد الواردة في الدستور الذي أشرف عليه في إشارة صريحة بعدم احترامه للدستور ومواده، مثل أن رئيس الجمهورية غير معني بتعين وزير الدفاع لكن السيسي لغى ذلك وأصبح هو المتحكم في تعين وزير الدفاع، بالإضافة أن مدة الرئيس فترتين وقد احتال عليها السيسي بتغيرها ليظل في الحكم فترات أكثر.

كما أن دستور السيسي لغى مجلس الشورى ثم أعاده السيسي مرة أخرى مكافأة لمؤيديه، كما أن دستور تضمن مادة حول التعذيب تؤكد على أن التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم وأخرى تتحدث عن حظر التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم. لكن السيسي خرج وصرح أمام ضباط الجيش في أكتوبر 2013 بأن "الضابط اللي حيضرب قنابل غاز وخرطوش وحد يموت أو يحصله حاجة في عينه مش حيتحاك" (16)

خاتمة

على الرغم من كون مشاركة الإخوان في وضع مسودة دستوري 53م و2012م إلا أن الدستوريين لم كتب لهم البقاء أو العمل بهما إلا وقت قصير كدستور 2012 أو لم يعمل به لعدم رضى عسكر ثورة يوليو عنه حيث رأوا أنه يرسخ للديمقراطية التي ربما لن تكون في صالحهم.

المراجع

  1. Sorrentino D. (2011), Understanding the Origin, Ideology, Agenda, Organizational Structure and Ideological Influences of the Muslim Brotherhood, “BRG Research&Intelligence Group”.
  2. حسن البنا: مجلة النذير، العدد (5)، السنة الأولى، 28 ربيع الثانى 1357ه - 27 يونيو 1938م، صـ3.
  3. المرجع السابق، العدد (31)، السنة الأولى، 11 ذو القعدة 1357 - 3 يناير 1939، ص(3-5).
  4. جريدة الإخوان المسلمين: العدد (46)، السنة الثانية، 18 ذو القعدة 1363 - 4 نوفمبر 1944، صـ3.
  5. رسالة نحو النور: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م، صـ187.
  6. رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين 1938م: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، مرجع سابق.
  7. رسالة المؤتمر الخامس: مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، مرجع سابق.
  8. مذكرات عبد اللطيف البغدادي: دار المصري الحديث، الجزء الأول، 1977م.
  9. دستور 1954 .. أولى محاولات إعادة "العسكر" إلى "الثكنات": المصري اليوم، 3 مايو 2012م.
  10. صلاح عيسي: دستور في صندوق القمامة، مركز الأهرام للنشر والتوزيع، 2001م.
  11. إبراهيم زهمول: الإخوان المسلمون أوراق تاريخية، طـ1، دار نبل، مصر، 1985م.
  12. للإطلاع على مشروع دستور إسلامي للدولة المصرية عام 1952م: الشعبة القانونية للإخوان
  13. المرجع السابق.
  14. إبراهيم زهمول: مرجع سابق.
  15. قراءة نقدية في مشروع الدستور المصري المطروح للاستفتاء: swissinfo، 10 ديسمبر 2012م
  16. يوتيوب: 3 أكتوبر 2013م