اغتيال حسن البنا في ذاكرة الأقباط .. ولماذا منعت الدولة جنازته؟
مقدمة
جاء فكر ومفهوم حسن البنا لمعاني الإسلام الشاملة والمتسامحة مع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وسار على نهجه الصحابة والتابعين مع الأخذ بالحداثة والحياة وفق معطيات العصر الذي عاش فيه دون تميع أو ذوبان أو انكار للمفاهيم الإسلامية التي آمن بها وعاش ومات من أجلها.
لم يفرق حسن البنا بين فئات المجتمع، وعاش بمفهوم المواطنة الحقيقية بينه وبين الأقباط في مصر، ولم يسعى للعنصرية الطائفة التي حاول الغرب بثها بين أبناء الشعب المصري حتى ولو على حساب أتباع ملتهم، لكن كانت مصالحهم فوق كل اعتبار حتى ولو أحرقت الأرض ومات الشعب بكل طوائفه.
وما زال الانقلابيون والديكتاتوريين يسعون لنشر هذه المفاهيم التي لا يعيشون بدونها من بث الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد والاستقواء ببعضهم، فإذا لم يجدوا فيه المصلحة لهم تحولوا ضدهم فأمعنوا فيهم القتل والاضطهاد، والغريب أن بعض كبار الأقباط يساعدونهم بدافع كره الإسلام أو الغيرة من انتشاره أو مصالحهم الطائفية أو الشخصية.
وما زالت صحف وكتب وإعلام مثل هؤلاء الدمويين الانقلابيين يبثون الطائفية في نفوس الجميع، ويبنون مفاهيم المواطنة على حساب نقض ثوابت الديانات السماوية فلا يهمهم دين بقدر ما يهم من يحافظ على عروشهم. فلو كان حسن البنا طائفيا فلماذا وصفه كبار الأقباط حتى البابا بكلمات الخير ووصفوه بما رأوه فيه من صفات شعروا معها بصدق الرجل وبحقيقة الإسلام.
ولماذا قتله أباء هؤلاء الانقلابيون وأجدادهم بهذه الصورة؟ ولماذا خافوا من افتضاح أمرهم؟ ولماذا يحاولون تبرأة أتباع النظام الملكي من قتله؟ في النهاية مات حسن البنا، والكل سيموت، ولقد مات خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، لكن دعوته ما زالت تنتشر.
وفكر البنا الذي تبع منهج رسول الله تمدد أيضا وانتشر ولم تقف وفاة البنا عقبة أمامه، أو ماتت فكرته كموت كثير من الدعوات التي سبقته، على العكس انتشر فكره حتى أصبح كل بيت في الأرض يعرف من هو حسن البنا ومن هم الإخوان.
وحسن البنا (ذلك الذي جندت جميع أقلام الإنقلاببين وأتباعهم لسبه وتشويه صورته ونعته بالإرهاب وغيرها من الأوصاف المكررة) اسم لم يختلف حوله الكثير من كونه استحوذ على قلوب الأتباع والعباد ليس بخطبه فحسب ولكن بسلوكه وتصرفاته العملية نحو الجميع، فقد أجمع الجميع أنه أحد الإصلاحيين في القرن العشرين والذي استطاع أن يغير الكثير في فترة وجيزة، وينشأ حركة إسلامية وسطية شاملة تعمل في كل الميادين الحياتية دون تفريق.
وأهم ما ميز حسن البنا – كما أجمع الكل - أنه فهم معنى الإسلام بسعته، فطبقه بشموله وترجمه عمليا فقدمه بصورته الصحيحة للجميع فلم يشعر أحد من أبناء المجتمع بالتمييز في المعاملة أو العنصرية، كما لم يعترض أحد على الإسلام الشامل الذي أظهره حسن البنا بصورته التي جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
علاقة البنا بالأقباط
لم يفرق حسن البنا بين الأقباط والمسلمين بل اعتبرهم كيان واحد لكل منهما عقائده التي يؤمن منها ولا شأن لأحد في التدخل فيها أو فرض رؤيته على الأخر، لكن تجمع بينهم حب الوطن والخوف عليه والعمل على تحريره من المحتل الأجنبي أو أذنابه في الحكم، وجعل الدولة ساحة من السلام والرخاء يتعايش فيه كل فئات المجتمع.
ولذا لم نجد حادثة واحدة بدليل حقيقي اتهم فيها الإخوان بالتعرض للأقباط منذ عهد حسن البنا أو كان للإخوان يد في تهييج المشاعر بين الطرفين. حتى حادثة كنيسة الزقازيق في الأربعينيات وعلى الرغم من اتهام الإنجليز الإخوان إلا أن الجميع شهد بأن الإنجليز وعملائهم من يقفون خلف هذه الحوادث، بل إن بابا الأرثوذكس أرسل بخطاب إلى الإمام البنا يستنكر اتهام الإخوان بحرق الكنيسة.
لماذا حاول الإنجليز اغتياله
دبر الإنجليز حادثًا لاغتيال الإمام الشهيد عن طريق قيام سيارة من سيارات الجيش البريطاني بصدم الإمام الشهيد وقتله بحيث يظهر الأمر وكأنه قضاء وقدر وكأنه حادث سيارة عادي، ولكن الإخوان علموا بهذه المؤامرة عن طريق أحد الإخوان الذي كان يعمل مع أحد أعوان الإنجليز وهو الأخ عبد اللطيف سيد أحمد وأبلغ الأستاذ عبد الحكيم عابدين بذلك فقام الأستاذ عبد الحكيم عابدين بإذاعة الخبر بطريقة غير رسمية حتى انتشر الخبر بين الناس مما منع الإنجليز من الإقدام على تنفيذ تدبيرهم.
لقد حاولوا قتله لأنهم لم يستطيعوا أن يحصلوا على تأيده أو يناصرهم في قضاياهم، لكن جاء بمفهوم إسلامي يحرك مفهوم الجهاد ضدهم ويطالب بخروجهم من جميع الأوطان الإسلامية، في الوقت الذي كانت تشتعل ساحة العالم بحرب مدمرة.
لماذا حاول الوفد اغتياله؟
ظل حزب الوفد صاحب الشعبية الكبيرة في مصر حتى ظهرت جماعة الإخوان فسحبت البساط (خاصة الشباب) من تحت أقدام الوفد خاصة بعدما ظهرت حقيقة موالاته للإنجليز مما أدة لانشقاق الكثير من الأحزاب عنه. غضب الوفديين من الإخوان لمنافستهم على الشعبية ولذا سعوا سواء باحتواء الإخوان أو بالتعدى عليهم في كثير من الأماكن لوقف شعبيتهم بين الناس.
ففي عام 1946م قام بعض شباب الوفد في بور سعيد بالاحتكاك بجوالة الإخوان وقذفهم بالبيض والطماطم أثناء استعراضهم في شوارع بورسعيد وذلك بإيعاز من أحد كبار رجال الوفد في بورسعيد فتصدت لهم جوالة الإخوان.
وأقام الإخوان احتفال في دارهم فتحرس بهم الوفديين، واستغل أنصار الوفد الفرصة وحاصروا دار الإخوان وظلوا يرمون الدار بالحجارة وكرات النار المشتعلة مما عرض الإمام البنا ومن معه للخطر الشديد، لولا تدخل أفراد النظام الخاص بإيجاد مخرج ناحية البحر أخرجوا منه الإمام البنا ، دون الاستباك مع أفراد الوفد.
وهو ما دعى الأستاذ البنا من ان يخرج الكتيبة المتجهة لفلسطين من بورسعيد حتى يرى الوفديين أن الإخوان لم يكونوا وقت هجومهم العام الماضي ضعفاء لكنهم لم يرغبوا أن تسيل دماء المصريين في أمور لا قيمة لها.
لماذا حاول حزب مصر الفتاة اغتيال البنا؟
كان حزب مصر الفتاة تحول للاشتراكية الإسلامية وكان يرى في الإخوان والبنا منافس لهم على الزعامة فأرادوا التخلص من البنا. وقاموا بمحاولتين واحدة في طنطا والأخرى في القاهرة لكن استطاع النظام الخاص اكتشاف المحاولتين وإحباطهما وتسليم الجناة لأحمد حسين زعيم مصر الفتاة ليعلموه أن الإخوان يعرفون ما يخطط له.
لماذا أراد الحزب الشيوعي اغتياله البنا؟
كان السبب الرئيسي وراء المحاولة هو الاختلاف العقائدي بين الشيوعيين والإخوان، حيث رأوا في الإخوان العقبة الكؤود أمام انتشار فكرهم ومنهجهم الشيوعي، ولذا رأوا التخلص من حسن البنا.
حيث جرت محاولة اغتياله في طنطا حينما جهز الحزب الشيوعي فيه قنبلة لإلقائها عليه وقت محاضرته في السرداق الذي أقامه الإخوان لهم، إلا أن أفراد النظام الخاص اكتشفوا المخطط وأحبطوه.
نجاح الحكومة السعدية في اغتيال البنا نيابة عن الغرب
برزت قوة الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م حيث أدركها اليهود والأمريكان والغرب ولذا سعوا بكل السبل من تحطيم قوة الإخوان باغتيال مؤسسهم فأوعزوا إلى النقراشي رئيس الوزراء إلى حل الجماعة والذي تم فعلا في 8 ديسمبر 1948م. ومع تسارع الأحداث وضبابية المشهد اغتيل النقراشي يوم 28 ديسمبر ثم اغتيل الإمام حسن البنا في أشهر شوارع القاهرة يوم 12 فبراير 1949م من قبل رجال الأمن تحت عناية ورعاية الملك وحكومة إبراهيم عبدالهادي.
ظل البنا في المستشفى وحيدا ينزف حتى فاضت روحه إلى بارئها، وتحقق مراد الغرب والنظام الخائف من أن يحل الإخوان مكانه، والغرب الذي كان يرى في البنا عقبة أمام سياساته. الغريب أن النظام حاول دفن البنا بنفسه، ولا أحد يعرف ما السبب الذي دفعه لذلك، ولا السبب الذي دفعه لمنع (بل واعتقال) كل من أراد المشاركة في الجنازة، بل ومنع أحد من الأقتراب من قبره، بل ومنع الصلاة عليه في المساجد.
بعد إلحاح تسلم والده جثمانه فغسله وحمله بصحبة بناته إلى السيارة التي حملته بعد صلاة والده عليه إلى المقابر في الإمام الشافعي حيث منع والده من بلوغ المقبرة.
وكتب الدكتور الطاهر أحمد مكى مصورا مشهد اغتيال الإمام حسن البنا وجنازته فقال:
- وجاء إبراهيم عبد الهادى ضعيفًا خانعًا، مضطربًا حريصًا على الحياة، وأصبح رئيسًا للوزراء بعد أن كان رئيسًا للديوان الملكى، وأغرق مصر فى موجة من الاعتقالات والمحاكمات العسكرية، بلا تحقيق ولا تثبت، وعرفت مصر لأول مرة فى تاريخها الحديث تعذيب المعتقلين على نحو بشع، وهناك أكثر من جهة يهمها أن تتخلص من المرشد العام للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم فاروق
- ولم ينس أن مصر دفعت بقوتين فى حرب فلسطين، الجيش المصرى ويتلقى أوامره من فاروق الذى كان قائده الأعلى، وكتائب الإخوان المسلمين وتتلقى أوامرها من حسن البنا، وإنها أرقى تدريبًا، وأحسن تسليحًا، وأشد فعالية وقابلية للتضحية والفداء، وأنها لم تهزم فى معركة، فبات يخشاهم من قلبه، ومعه الإنجليز، والصهيونية نفسها بعد أن خبرت شبابهم فى القتال، فتجمعوا كلهم
- ودفعوا بحكومة إبراهيم عبد الهادى نفسها لاغتيال حسن البنا فى يوم 12 فبراير من عام 1949م، فى الساعة الثامنة مساء، ومع أنه تمالك نفسه، ونزل من سيارة الأجرة التى كان يستقلها، واتجه إلى هاتف جمعية الشبان المسلمين حيث كان هناك، وأدار رقمين من مكالمة حاول أن يطلبها قبل أن يغمى عليه، إلا أنه نقل إلى مبنى الإسعاف على بُعد دقائق، ثم إلى قصر العينى، وهناك أجهزوا عليه تمامًا. رحمه الله.
- فى صبيحة اليوم التالى كنت أقف فى نافذة البيت الذى أسكنه فى ميدان السيدة عائشة، وبه يمر الطريق إلى مقابر الإمام الشافعى، فرأيت سيارة الموتى، تطوقها قوات ضخمة من الشرطة مدججة بالسلاح، وتتبعها عربات مصفحة تنطلق بسرعة، لا أحد أمامها غير العسكريين، ولا معها ولا وراءها، ولم يخالجنى أدنى شك فى أنها تحمل جثمان الشهيد.
- ولم أبك، فقد جف الدمع فى عينى، وتوزعتنى هموم غامرة، عما سوف ينتهى إليه وطنى فى مستقبله القريب والبعيد، ثم قرأت على روحه الفاتحة!.
حقيقة حسن البنا في كتابات الأقباط
حاول الجميع تشويه سيرة ومسيرة حسن البنا، وما زالت مئات المراكز البحثية العربية والأجنبية تحلل شخصية وفكر حسن البنا، ورصدت مليارات الدولارات من أجل ذلك في ظاهر غريبة لشخصية فرضت نفسها على الجميع رغم أنه مات على عمر ناهز الأربعين بقليل لكن ما تركه من أثر كان عظيم جعل الجميع يكتب ويحل ويرصد انتشاره.
حاولوا ويحاولون إظهار الإمام حسن البنا بمظهر المعادي للأقباط، المفرق للجماعات، المتربص بالدولة (حيث يعتبرون الحاكم ونظامه هم الدولة) لكن هل ما يكتبوه وما يحاولون ترويجه هو الحقيقة؟
حقيقة البنا بين كتابات مكرم عبيد
الحقيقة أتت من كتابات الأقباط أنفسهم مثل الزعيم صاحب الشخصية المميزة بين صفوف الأقباط وهو المحامي الزعيم مكرم عبيد (1989 - 1961) والذي سطر بيده دون إملاء من أحد أو مجاملة لأحد أو خوف من أحد حيث كان الإخوان في صراع مع رجال الثورة بعد ثورة يوليو، ولذا كتب كلماته بما رأه في الأستاذ حسن البنا، وبما عاشه معه وعاشره.
كتب مكرم عبيد كل كلمة وكل سطر معبرا عن حقيقة الإمام حسن البنا الذي لمسها فيه فقال:
- "تفضلت مجلة "الدعوة" الغراء فطلبت إلىّ أن أكتب كلمة فى ذكرى الراحل الكريم، الذى شاءت له رحمة الله أن يغادر هذه الدنيا الغادرة، إلى جوار ربه الرحمن الرحيم، كما شاءت لنا نحن رحمة الله أن يظل الراحل الذى فقدناه، ماثلا بيننا بذكراه، وبتقواه".
- وهل هذا الراحل الماثل، إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا؟
- إى نعم، فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون، قد فقدتم الحاكم الأكبر، الخالد الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذى أسلم وجهه لله حنيفًا، قد أسلم روحه للوطن عفيفًا، حسبكم أن تذكروه حيًّا فى مجده، كلما ذكرتموه ميتًا فى لحده. وإذا كان الموت والحياة يتنازعان السيطرة فى مملكة الإنسان، ويتبادلان النصر والهزيمة فيتساويان، فالغلبة للحياة مع الذكرى، وللموت مع النسيان، ولهذا فالميت حى لديك إذا ذكرته، والحى ميت لديك إذا نسيته.
وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حى لدينا جميعًا فى ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد فى حياته رجل استوحى فى الدين هدى ربه، ففى ذكره حياة له ولكم. ومن ذا الذى يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحى الذى عرف فى أخيه المسلم الكريم الصدق والصداقة معًا، ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته، وما هى - وأيم الحق - إلا شهادة صدق أُشْهد عليها ربى؛ إذ ينطق بها لسانى من وحى قلبى.
- بل هى شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه، وبوحدة شعبه، والتوحيد فى جميع الأديان المنـزَّلة لا يكفى فيه أن نوحد الله بل يجب أن نتوحد فى الله كما أن وحدة الوطن لا يكفى فيها وحدة أرجائه، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شىء وحدة أبنائه!.
- ولقد كان الإخوان المسلمون والكتلة الوفدية هما الهيئتين الوحيدتين اللتين تبادلتا الزيارة فى دار الإخوان ونادى الكتلة، بل كان لى الحظ أن يزورنى - رحمه الله - فى منزلى، وأن نتبادل خلال حديث طويلٍ المشاعرَ الشخصية والوطنية، وكنت أراه فى حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر، مما جعلنى أعتقد أنه رجل قَلَّ مثيله بيننا فى التعمق تفكيرًا، وفى التنزه ضميرًا.
- ولقد زرته - رحمه الله - إثر موته فى منزله، فكانت زيارة لن أنسى - ما حييت - أثرها الفاجع والدامع، ولقد هالنى أن أجد قوة من البوليس تحاصر الشارع الذى به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفنى فسمح لى بالمرور لما تيسر لى أن أؤدى واجب العزاء.
- ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرًا بهذه الزيارة، حتى إنه قصَّ علينا - والدمع يفيض من عينيه - كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد، ولم يسمح لغير والده بالسير وراء نعشه، كما لم يسمح للمُعَزّين بالعزاء فى منزله، وراح الوالد الكريم يشكرنى، ويدعو لى دعواته المباركات التى ما زلت أتبرك بها، ولو أنى قلت له إن واجب العزاء هو فرض واجب الأداء، فإذا ما قصرت فيه أنا أو أى مصرى كان فى ذلك تنكُّر لتقاليدنا وأوليات الوفاء.
- إخوانى:
- إى نعم، فأنتم إخوانى أيها الإخوان المسلمون.
- أنتم إخوانى وطنًا وجنسًا، بل إخوانى نفسًا وحسًا، بل أنتم لى إخوان ما أقربكم إخوانًا؛ لأنكم فى الوطنية إخوانى إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان فى الله الواحد المنان. وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة فى قبرها، فاذكروا أيضًا ما كان يذكره هو على الدوام؛ إذ يذكر الحرية فى سجنها. فلنطالب إذن بتحرير بلادنا، وتحرير أولادنا المساجين المساكين، فإن الإفراج عنهم عزاء، وجزاء فى وقت معًا".
هذه حقيقة حسن البنا الذي يحاول الانقلابيون قديما وحديثا أن يخفوها بل ويعملون جاهدين على محاولة الصاق التهم الكاذبة به من أجل إرضاء أسيادهم في الغرب، أو حفاظا على عروشهم من هبة شعوبهم التي قد تحدث في أي لحظة يفيق فيه الشعب.
ماذا كتب مريت غالي عن البنا؟
كتب الأستاذ مريت بطرس غالي – وهو من كبار المفكرين والمثقفين وتوفى عام 1991م - تحت عنوان (فى ذكرى الإمام الشهيد) فيقول:
- عرفت المغفور له الأستاذ حسن البنا منذ سنوات عدة، فعرفت فيه الرجولة التامة، ورأيت فيه - على الدوام - رجلا فذًا من الناحيتين الخلقية والإنسانية، وقد كان - رحمه الله - على ثقافة واسعة، يتمتع بشخصية جذابة ويأخذ بأسباب القلوب، ولا شك أن رجلا هذه طباعه وتلك كفايته كان ذخرًا قيمًا لبلاده، فجاء مصرعه خسارة كبيرة، ويزيد الخسارة فداحة أن وقع فريسة اغتيال مدبر، وقد تفشى بيننا داء الاغتيال السياسى البغيض منذ أوائل هذا القرن.
- وهؤلاء الذين يقيمون من أنفسهم مدعين وقضاة ومنفذين وجلادين بدافع من هواهم أو رأيهم الشخصى إنما هم أخطر الناس على النظام والاستقرار والمدنية، ولابد أن يؤخذوا أخذة رابية يعتبر بها الغير، حتى لا يتطلعوا إلى اغتصاب حق الدولة وحدها فى مظاهرة العدالة والاقتصاص من كل من يتهيج عليها.
حقيقة دامغة
هذه حقيقة حسن البنا الذي عرفها العلماء وحفظها الأقباط وعاشها المصريين وتفاعل معها المسلمين الذين التفوا حول أفكاره المستمدة من الفكر الإسلامي الصحيح.
ليس حسن البنا ما يكتبه أو يحاول تأطيره الانقلابيون وأتباعهم من كونه إرهابي أو زعيم الدماء أو ضد الأقباط أو غيرها من الصفات التي تنطبق على هؤلاء الإنقلابيون وليست على رجل عاش لدينه ومات من أجله ومن أجل وطنه.
ما مصير من اغتال الإمام حسن البنا؟
وفق ما ورد من رويات وشهود عيان وتحقيقات فإن بعض رجال المباحث هم من قاموا بارتكاب جريمة الاغتيال بتخطيط من إبراهيم عبدالهادي وعبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية والذي كتب مذكرة حل جماعة الإخوان عام 1948م والذي كان يكره الإمام حسن البنا.
حيث كتب عنهم الدكتور رشاد البيومي (عضو مكتب الإرشاد) بقوله:
- الذين قاموا باغتيال الشهيد فهم عصابة كانت تتكون من اللواء عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية ورفيق دربه الإميرالاي (محمود عبد المجيد)، وكان الاثنان يعملان معًا في محافظة سوهاج قبل أن يُنقلا إلى ديوان الوزارة، وكان معهما اليوزباشي (عبده أرمانيوس)، والجاويش محمد محفوظ (سائق سيارة محمود عبد المجيد).
- أما المنفذان فهما المخبران بمباحث سوهاج (أحمد حسين، حسين محمدين) اللذان جلبهما عمار وعبد المجيد من سوهاج لتنفيذ المؤامرة. ولقد حُوكم هؤلاء الأشرار بعد الثورة وحُكِم على محمود عبد المجيد بـ(15 سنة)، وعبده أرمانيوس بـ(10 سنوات)، ومحمد محفوظ بـ(10 سنوات)، والمؤبد على (أحمد حسين- حسين محمدين).
- ولقد لقيت أحمد حسين في سجن سوهاج عام 1965م، وكان يقضي بقية المدة المحكوم عليه بها في (ورشة الأبراش) وحاول التقرب والتودد إلى الإخوان الذين صدوه بكرهٍ شديد. وعرفتُ من أحد أبناء بلدته أنه عندما أُفرج عنه لفظه أهل بلده وتحاشوه ولم يجد مكانًا يُؤويه حتى أخذه أحد أبناء القرية وأسكنه في عشة مات فيها وحيدًا ولم يُعرف خبر موته إلا بعد أيام.. بعد أن تعفَّنت جثته وانتشر فيها الدود.
المصادر
- جمعة أمين عبدالعزيز: قالوا عن الإمام البنا، جـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م.
- مجلة الدعوة: السنة الثانية، العدد (52)، 16 جمادى الأولى 1371هـ - 12 فبراير 1952م.
- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، جـ1، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004.
- رشاد البيومي: عن اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، 25 فبراير 2009
- مجلة الدوحة: العدد (115)، شوال 1405هـ - يوليو 1985م.