اغتيال الدكتور المقادمة أهداف ونتائج

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
اغتيال الدكتور المقادمة أهداف ونتائج

بقلم الشهيد الدكتور:عبد العزيز الرنتيسي

News.156888.jpg

لم يكن ترصد واغتيال أحد أبرز القادة السياسيين في حركة المقاومة الإسلامية حماس الدكتور "إبراهيم المقادمة" عملا اعتباطيا بدون هدف، فهناك أسباب هامة دفعت الإرهابيين اليهود للإقدام على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، خاصة أنهم يدركون أن فعلتهم الإرهابية هذه لن تمر بدون عقاب موجع.

فمن أهدافهم أنهم باغتيالهم هذا إنما أرادوا التخلص من رجل قوي الشكيمة، صلب المراس، قوي التأثير، يسعى إلى إعادة صياغة المجتمع وفق متطلبات الكرامة التي هي متطلبات العقيدة، رجل فكر يتناقض في فكره تناقضا تاما مع أطماع اليهود في فلسطين ، يعي ما يدور في تلافيف العقلية الصهيونية، ويدرك أبعاد المؤامرة التي تحاك في الدهاليز لتصفية القضية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، ويعرف كيف توظف طاقات الشعب الفلسطيني، بل وطاقات الأمة من أجل معركة المصير، ويعرف أسباب القوة فيحض عليها، وأسباب الضعف فيحذر منها، وقاف عند حدود الثوابت التي لا تقبل المساومة، فهيا بنا نقتطف بعضا من أقواله علنا نعرف لماذا اغتاله اليهود :

(نصر على تحرير كل فلسطين لأن فلسطين كاملة هي أرضنا، ولا يملك أحد في العالم أن يحرمنا منها، وإذا استطاع البعض أن يغلبنا عليها فترة من الزمن، فهذا أمر ليس إلى ما لانهاية، فإننا بعون الله سننهض من كبوتنا التي كان وجود هؤلاء المتخاذلين من أسبابها، وليس هي المرة الأولى التي ننهض فيها من كبوتنا).

( إن الشعب الفلسطيني الذي يقتل أبناؤه كل يوم، وتنتهك مقدساته، وطرد من أرضه، وجثم الاحتلال على صدره، لا يرضيه أقل من التحرر الكامل لترابه المقدس وطرد الغزاة المحتلين ).

( نحن أمة حية تحمل كل مقومات الحضارة وإذا تحركت فينا دوافعنا الحضارية ـ وهي قد بدأت تتحرك فعلاً ـ فلن تصمد في وجهنا إسرائيل ولا غير "إسرائيل" والتاريخ خير شاهد على ذلك وما الحروب الصليبية منا ببعيد . وكل انتكاسة تمر بها الأمة يتلوها بفضل الله صعود جديد يمد العالم الإسلامي بروح جديدة ).

( نحن كمسلمين نريد أن نحيا كراماً أعزة في بلادنا قرارنا بأيدينا ونحكم في حياتنا وشئوننا وفق أحكام شريعتنا ونحافظ على هويتنا الإسلامية التي هي عنوان بقائنا كأمة وأن نبني حضارتنا الخاصة بنا والتي أسعدت الإنسانية قروناً طويلة حيث سادت قيم العدالة والإنسانية مع سيادتنا ).

( إن الصبر على آلام التغيير، والعمل للمستقبل، هو صبر عظيم دون شك، ولكنه صبر ممتع، إذ فيه لذة الكفاح ومعنى الجهاد، والبديل لذلك هو صبر العاجز، الذي يسمع كل يوم في أخبار الصباح ما يجعل يومه ذلا ومهانة، ويسمع أخبار المساء ليبيت ليله ساخطا مقهورا من حالة العجز التي تردينا فيها ).

هذا نذر يسير جدا من أقواله، نستطيع أن نتعرف من خلالها على عملاق في الفكر، والوعي، والقيادة، والصبر على الشدائد، والثبات في المحن، ومن هنا فإن التخلص منه كان أحد أهداف هذا العدو الذي وقف رئيس وزرائه "بنيامين نتنياهو" يوما يطالب السلطة الفلسطينية على الملأ باعتقاله، فما كان من السلطة إلا أن لاحقته في كل مكان لمدة عام كامل، ثم اعتقلته بعد أن أعطت الحركة المواثيق والعهود ألا تتعرض له.

ومن أهداف هذا الاغتيال إضعاف "حماس" تمهيدا لتوجيه ضربة لها على غرار ما جرى عام 1996، لأن العدو بات على قناعة أن "حماس" تقف حجر عثرة في وجه المخططات الصهيونية الرامية إلى قتل روح المقاومة، وجر الشعب الفلسطيني إلى دوامة المفاوضات الأمنية من جديد، وبعث الحلول التصفوية من قبورها، خاصة بعد عودتها من حوار القاهرة متشبثة بموقفها الواضح والمعلن أنها لن تحيد عن خيار المقاومة بكافة أشكالها، وأدواتها.

من هنا ظن اليهود واهمين أن تصفية القيادات السياسية لحركة "حماس" سيدفعها إلى التراجع عن مواقفها الثابتة التي تعرقل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية بل والوجود الفلسطيني، ولذا فلا غرابة أن تتزامن عملية الاغتيال مع انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني في "رام الله" لتعيين رئيس وزراء للسلطة الفلسطينية مهمته، الأولى والأخيرة كما يحددها الذين كانوا من وراء استحداث هذا المنصب واشنطن والعدو الصهيوني هي القضاء على المقاومة والانتفاضة، التي يعتبر "المقادمة" من أبرز قادتها وعناوينها.

ومن أهداف هذه الجريمة البشعة محاولة بث اليأس والإحباط في نفوس الفلسطينيين، وفي نفس الوقت رفع معنويات المفسدين من اليهود الذين يعانون من انهيار حقيقي في معنوياتهم بسبب صلابة وقوة المقاومة.

ومن الأهداف أيضا أن "شارون" "وموفاز" أرادا أن يسجلا نصرا وهميا باغتيال "المقادمة"، ليرفعا من أسهمهما في الشارع الصهيوني بعد الفشل الكبير، بل والهزائم النكراء التي منيا بها، الهزيمة الأولى على صعيد الاجتياحات لقطاع غزة حيث تمكنت "حماس" بفضل الله من تكبيدهما خسائر كبيرة في أهم أسلحة الاجتياح، سلاح الدبابات، مما اضطر هذان الإرهابيان أن يرتكبا مذابح في المدنيين الفلسطينيين، فيقتلا العشرات من الأطفال والنساء الحوامل والمسنين أملا في التغطية على الهزيمة.

وأما الهزيمة الثانية فقد أصابت منهما مقتلا عندما تمكنت "حماس" بعون الله رغم الاستنفار الأمني الكبير للعدو الصهيوني، ورغم الاحتلال شبه الكامل للضفة الغربية و قطاع غزة من تفجير الحافلة في "حيفا"، واقتحام مغتصبة "قريات أربع" في الخليل في غضون أقل من ثماني وأربعين ساعة، ففضحت بذلك هشاشة الأمن الصهيوني، وأساءت وجه "شارون وموفاز".

إذا كانت هذه بعض الأهداف التي دفعت هؤلاء القتلة لارتكاب جريمتهم فهل ستصدقها النتائج؟ الواقع يقول غير ذلك، فالتخلص من الدكتور "المقادمة" جعل منه مدرسة تصنع الأجيال على مبادئ الكرامة والعزة والعقيدة التي من أجلها استشهد، فأمثاله لا يموتون ولا ينقطع تأثيرهم، فهل مات "عز الدين القسام"؟ وهل مات "صلاح الدين الأيوبي"؟ وهل مات "سيد قطب"؟ وهل مات "عبد الله عزام"؟ وهل مات الإمام الشهيد "حسن البنا"؟.

وأما حماس فباستشهاد قادتها وأبناء قادتها لا تزداد إلا قوة في المقاومة، وتجذرا في أعماق أعماق ضمائر هذا الشعب المجاهد، ومن هنا خرج مئات الآلاف يبايعون "حماس" على الجهاد والاستشهاد، ولننظر إلى تاريخ الحركة لنرى أنها تزداد قوة باستشهاد رموزها وقادتها، ولذا فإن العقبات في وجه المخططات الصهيونية كانت تتضاعف بعد كل عملية اغتيال لقادتها.

ثم هل تحقق اليأس والإحباط كما يريد القتلة؟ لقد جاءت الأمور على غير ما يهوى هذان الإرهابيان، فما زادت هذه الجريمة الشارع الفلسطيني إلا حماسا وحبا للشهادة، بينما تنامى الخوف واليأس والإحباط لدى العدو حتى على صعيد قادته السياسيين والعسكريين.

حتى محاولة الهروب من الهزيمة لم تتحقق، خاصة أن الصهاينة الذين أعطوا "شارون" أصواتهم أدركوا أن اغتيال "المقادمة" باستخدام أربع طائرات حربية وهو في سيارته متوجها إلى عمله كما يفعل كل يوم لا يعتبر عملا بطوليا، ولا إنجازا نوعيا.


المصدر : كتائب الشهيد عز الدين القسام المكتب الإعلامي