أمة تملك إمكانات وطاقات الحفاظ على وجودها ودورها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أمة تملك إمكانات وطاقات الحفاظ على وجودها ودورها

بقلم: المستشار محمد المأمون الهضيبي

مقدمة

رسالة من المستشار "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العام للإخوان المسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد....

لقد كان الإخوان المسلمون أول من نبَّه الأذهان ولفت الأنظار منذ الثلاثينيات إلى الخطر الصهيوني الذي أحدق بالأمة، وسعى بدعم وتواطؤ من الاستعمار الغربي إلى ابتلاع قطر من أقطارها، وتقويض مقدساتها، وتشريد شعب من شعوبها، وأعلن عن نواياه في توسيع رقعة توسعه وعدوانه لإقامة وطنه القومي المزعوم من النيل إلى الفرات إلى جنوب الجزيرة العربية على أطلال وأشلاء ديارها وأبنائها، ونادوا مؤكدين أن الأمة تملك سلاحها الفاعل والحاسم لردع العدوان الصهيوني وإجلاء المستعمر الغربي، وتحقيق أمنها وتأكيد حريتها وعزها وكرامتها إذا توحدت كلمة حكامها وشعوبها، وتوحدت الصفوف على أساس من كتاب الله، والاستجابة لقوله عز وجل ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج:39).

وقبل اجتياح أفغانستان وتدمير قراها ومدنها وقتل الألوف من أبناء شعبها الأعزل، وأيضًا قبل اجتياح العراق وتدمير أرضه ودياره وقهر شعبه، ومع الإعلان عن أن العراق سيكون النموذج الذي سيتبع إزاء كافة أقطار العرب والمسلمين كان الإخوان أول من نبَّه الأذهان ولفت الأنظار إلى الخطر المحدق بالأمة، والذي يستهدف الشعوب والحكام والأرض والديار والهوية والأصالة، كما كانوا أيضًا أول من نبَّه إلى أن الأمة تملك أسلحتها للدفاع عن نفسها وديارها وعقيدتها وأصالتها إذا أُعيد ترتيب البيت الإسلامي والعربي، وتمت إزالة الخلافات بين الحكام، وإقامة جسور الثقة والرابطة والتصالح بين الحكام والشعوب؛ توحيدًا للكلمة والصف، وحشدًا للإمكانات والطاقات لردع ودفع العدوان.

إن الإسلام- عقيدة الأمة وشريعتها ونظامها الإلهي- هو السبيل الوحيد والأكيد لإزالة الخلافات وسد الفجوات فقد أكد على معالم ومعاني الأخوة في الله.. رابطة إلهية بين القلوب، وصدق الحق تبارك وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: من الآية103).

واليوم- والأمة تواجه أكثر من عدوان شرس وبشع على أكثر من ساحة من ساحاتها، يصل إلى حد فرض الحصار الخانق، وتنصب المجازر الوحشية للأبرياء العزل، واستخدام كافة أسلحة الإبادة، في فلسطين، وفي العراق وأفغانستان وفي الشيشان وكشمير، مع السعي لتمزيق السودان- نجد أنفسنا أمام ثلاث حقائق تجسد الواقع المأساوي الذي تمر به الأمة، كما ترسم سبل ووسائل التغيير وطريق وسبيل الخروج والنجاة...

الأولى: أن الأعداء إنما توغلوا ويتوغلون في العدوان وفي وحشيةٍ وطمع، مع إهدار كافة القيم والمُثل؛ لأن هناك تراجعًا وتفرقًا على مستوى عالمنا العربي والإسلامي يحُول بين الأمة وحسمها للموقف لصالح تحرير الأرض والديار، والعيش في حرية وأمن.

الثانية: أن الأعداء الذين أدركوا أن الأمة تملك سلاحها الحاسم- الذي يتمثل في عقيدتها وإيمانها ووحدتها ويكفل لها الذود عن نفسها وديارها- دأبوا وحرصوا على زرع أسباب الفرقة والخلاف بين حكوماتها، والحيلولة دون التقائها مع شعوبها حول إسلامها مع مواصلة الضغوط والتهديدات والتلويح بتسيير الجيوش لاجتياح الأقطار؛ حتى تتم الاستجابة للمطالب التي وصلت إلى حد تغيير المناهج وحذف آيات وأحاديث الوحدة و الجهاد؛ لأنها تحض على تحرير الإنسان والأرض ورفض ومقاومة الاحتلال والغزو؛ حتى إن مصدرًا أمريكيًّا أعلن أن "موضوع الصفحات الخاصة بالسعودية في تقرير الكونجرس الأمريكي، التي تتهم السعودية بدعم الإرهاب ليست إلا جزءًا من مخطط كبير لتغيير الأوضاع في الشرق الأوسط،، وإن السعودية مستهدفة ومصر مستهدفة، وليس جديدًا أن هذا جزءٌ من الحرب على الإرهاب، إنما الجديد أن الأمن القومي الأمريكي يتطلب هذا، وأن العراق المستقر لابد منه لاستقرار الشرق الأوسط، وأن الشرق الأوسط المستقر لابد منه لضمان أمن الشعب الأمريكي".

كما أعلن مسئول آخر أن "الحرب الثانية فُرضت علينا، وعندما دخلناها صممنا على الانتصار ثم على تغيير الدول التي حاربناها في أوربا وآسيا، نفس الشيء في الحرب على الإرهاب نحن لا نريد هزيمة أعدائنا فقط، ولكن نريد تغيير المنطقة لنشر المبادي الأمريكية". الحقيقة الثالثة: أن أعداء الأمة ظنوا أن الإمعان في العدوان عليها واستباحة أرضها وثرواتها وأرواح أبنائها قد يفلّ من عزيمتها أو يدفعها للرضوخ، ولجأوا إلى الخداع حين رفعوا شعارات التحرير والديمقراطية، وزعموا- منذ حملة نابليون على مصر حتى اجتياح أفغانستان والعراق، واحتضان ودعم الكيان الصهيوني الغاصب في عدوانه الوحشي على الشعب الفلسطيني، واغتصاب أرضه وسعيه لإقامة مشروعه الصهيوني- أنهم جاءوا بهدف إزاحة المستبدين الطغاة من حكامها وتحرير شعوبها، وحسِبوا أن ذلك قد يدفع الشعوب للترحيب بجَحافل الغزو وفرش الأرض بالزهور أمام جيوش الاستعمار، إلاَّ أن الشعوب التي رفضت طغيان الداخل رفضت الطغيان الوافد من الخارج، ولجأت إلى المقاومة رغم صعوبة وقسوة الأجواء، فاندلعت المقاومة في أفغانستان والعراق.

وتواصلت في فلسطين واستعَرَ لهيبها في الشيشان، وزلزلت الأرض تحت أقدام الاحتلال الهندي في كشمير؛ لتؤكد الأمة أنها مازالت- والحمد لله- على مستوى شعوبها تمتلك من الإمكانات والطاقات الإيمانية والمادية ما لو تم تفعيله وجرى حشده وتوحيده لاستطاعت من خلاله التصدي للهجمة الشرسة التي تتعرض لها اليوم، وتغيير الواقع المأساوي الذي تعيشه بواقع تُشرق فيه شمس الحرية والأمن، ويتحقق فيه النهوض والتقدم.. تنطلق من خلاله على درب الريادة؛ ليتحقَّق ويتمثل فيها قول الرب- عز وجل-:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ (آل عمران: من الآية110).

وهنا يأتي دور الدعاة وكافة الغيورين المهمومين بهموم وشئون وأحوال وواقع الأمة الساعين العاملين؛ على أن تظل جذوة الرفض والمقاومة في مواجهة العدوان على مختلف أشكاله متواصلة، توقظها وتشعلها وتفعلها معاني ومعالم وجذور الإيمان في القلوب والنفوس خاصة، ومنابع الخير والبذل والتضحية على مستوى الشعوب مازالت تفيض بالعطاء، رغم تهميشها والصعاب التي تُعانيها من الداخل، ورغم شراسة وخبث ومكر الأعداء الذين يتربصون بها في الخارج.

أمة قادرة على تجديد نفسها:

إن من طبيعة هذه الأمة أنها قادرة على تجديد نفسها، وهي- وإن اعترتها أسقام في وقت من الأوقات- ربما أضعفت من الإيمان، أو أبعدت عن المنهج.. فإن من رحمة الله أن رسَّخ جذور الإيمان في قلوب أبنائها في انتظار من يرويها ويحركها من المصلحين والدعاة؛ ليجددوا لها دينها، ويُحْيوه ويحركوه ويفعِّلوه في القلوب وعلى الجوارح، مع إعطاء الشعوب شُحنات وطاقات من الأمل والثقة والطمأنينة إلى جنب الله ووعده لتكون على يقين من أن الله سبحانه منجز وعده، مادامت الأمة على إيمانها الراسخ، عاملةً بإسلامها ولإسلامها، لا يتسرب إليها اليأس أو الضعف، ويتوفر لها من القوة ما تُواصل به مسيرتها الصحيحة، في تصميم وصبر وإصرار على بلوغ الغاية والهدف.

إن الأمة بإيمانها تحمل في قلوب أبنائها وفي طيات صدورهم وعبر جوارحهم عوامل البقاء والنهضة، كما تترسخ في نفوسهم بواعث رفض الظلم والطغيان، ومواجهة ومقاومة العدوان، والانتصار للعدل والحرية، كما أن إيمانها بإسلامها في نفس الوقت يوقد في نفوس أعدائها نار الحقد والكيد؛ حتى إن أحد المستشرقين وهو المستشرق "جيب" قال "إن أخطر ما في هذا الدين أنه ينبعث فجأةً ودون أسباب ظاهرة ودون أن نستطيع أن نتنبأ بالمكان الذي ينبعث فيه"، وإذا كان "جيب" لا يعرف فإن الدعاة يعرفون ويدركون فاعلية هذا الدين في قلوب ونفوس الشعوب وأسباب وعوامل وآثار انبعاثه.. وأهمها يتمثل في سلامة ورسوخ العقيدة... وصحة الفهم... واستقامة الوجهة... وخلوص النية... واستلهام القوة من الله وحده... والأخذ بالأسباب في غير تواكل مع اقتران العمل بالقول.. في التزام بالقيم والمثل ليكون العمل مثمرًا.. وتتوفر له البركة ويصحبه من الله التوفيق.

إن هذا الدين شعور وإيمان وتسليم في اطمئنان وثقة بوجود الله مع الانقياد التام لحكمه والالتزام بطاعته واليقين بأن في ذلك الخير كل الخير في الدنيا والآخرة.. وأن الصدق والصبر والإصرار على الحق والعمل من أجله عبادة وطاعة.. يؤكد ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200).

إنّ الإيمان بالله عند الدعاة الذين يدركون عظيم دورهم وينهضون به في إخلاص وعمل وجد يؤكد على مدى الصلة القائمة على الخشوع والإخبات، والعلاقة مع النفس القائمة على التأدب والضبط، والصلة بالمجتمع القائمة على العدل والرحمة ومراعاة الحقوق والواجبات والعلاقة بالإنسانية القائمة على حب الخير والنفع والمساواة والإنصاف للكافة ورفض الظلم والطغيان والاعتزاز بالكرامة والحفاظ على العزة، مع علاقة بالكون قائمة على الريادة والارتقاء، وقيادة البشرية للنور والضياء، والأمن والأمان، وفي انتظام مع قوانين الإله في كونه وفهم صحيح لنواميسه.

ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القدوة:

إنّ المتأمل لمسيرة وسيرة الرسول- عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة- يُدرك أنّه- صلى الله عليه وسلم- كان شديد الثقة في وعد ربه له ولأمته وكانت هذه الثقة ملازمة له في كل الظروف والأجواء والأحوال وفي أقسى المواقف، فكان عليه الصلاة والسلام موقنًا بأن الواقع القائم في الجزيرة زائل لا محالة؛ لأنه يحمل عوامل زواله،من عبادة للأوثان، وتفرقة بين الأجناس.. وافتقاد للعدل والمساواة.. وأن الإسلام لابد حال محله.. فهو يقيم مجتمعًا ينهض على الإيمان.. والعلم والتدبر في الكون والعدل والحرية والأمن والمساواة.. ورفض للطغيان والتكبر والتجبر.. والسعي لخير البشرية كلها.. فكان عليه الصلاة والسلام يغرس هذا اليقين في قلوب أصحابه ويؤكدها للناس أجمعين ولتبقى معالم واضحة للخلف.. فينتهجوا نفس النهج.. ويمضوا على نفس الدرب في إيمان ويقيم.. وهم عاملون مثابرون.

ومن يتدبر النص القرآني.. في عرضه لغزوة الأحزاب يدرك كيف كانت تربية هذه الأمة في نشأتها.. وكيف كان إيمانها الراسخ والتزامها كتاب ربها وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واقتدائها بإمامها وأسوتها وقدوتها.. فيه النموذج والمثال.

لقد تكأكأت قريش ومن والاها على المؤمنين في المدينة.. واشتد على الناس البلاء وأتاهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم.. وبعث النبى إلى "عيينة بن حصن" وإلى "الحارث بن عوف" قائدي غطفان ليعطيهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن المسلمين فلما بعث إلى "سعد بن معاذ" و"سعد بن عبادة" رضي الله عنهما واستشارهما قالا:يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه؟.. أم شيئًا أمرك الله به لابد لنا من العمل به؟ أم شيئًا تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وهم جاؤوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما.. فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةً إلا قرىً أو بيعًا.. أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نعطهم أموالنا؟

والله مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم_: "فأنت وذاك".لقد غرس الإسلام اليقين في القلوب.. على القرون وعبر القرون.. ومازال وسيظل قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- في بداية الدعوة لأصحابه معبرًا عن هذا اليقين.. والثقة في وعد الرب.. يحتل مكانه عميقًا في النفوس والأذهان.. "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه.. ولكنكم تستعجلون" وليبقى قول الله عز وجل مخاطبا ومذكرا الشعوب والأمة والدعاة والمصلحين حتى تقوم الساعة ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت:30) وقوله ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ (آل عمران:173)

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.