محمد العدوي
إعداد: موقع إخوان ويكي
تقديم
إنه الأخ والأستاذ الفاضل محمد أحمد العدوي مسئول إخوان المنصورة والذي ولد في أوائل القرن العشرين وتوفي عام 1992م.
والذي كان قائدا لمسيرة نشاط الإخوان المسلمون في جامعة المنصورة، في عدد من كلياتها ابتداء من 24/ 3/ 1975م و لمدة نصف قرن من الزمان .
واحد من إخوان الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين ، يقول عنه الأخ الأستاذ طلعت الشناوي :
الأستاذ (محمد العدوى)؛ هو مربِّي كل إخوان الدقهلية، وكان يجمع بين حنان الأب وحزم القائد، وحقيقةً.. كانت هذه الصفة بالذات تثير دهشتي، إضافةً إلى صراحته التامة مع إخوانه؛ لا لمجرد كشف العيب أو النقد، بل من أجل الإصلاح في المقام الأول .
من الظلمات إلى النور
كان أيام شبابه باحثا بين التيارات الفكرية المختلفة ، و الأحزاب المتعددة ، يقول عن ذلك : "كنت طالبا صغيرا أهتف مع الطلبة الذين يكبروننى سنا بحياة سعد وسقوط عدلى ثم إذا بى أسير فى جنازة تهتف بحياة ذكرى سعد وحياة خليفة سعد كل هذا وأنا لا أعرف شيئا ولكننى أردد ما يقوله الكبار مدفوعا بعاطفة لم أتبينها حينئذ."
وظل هكذا فترة من الزمن تتقاذفه أمواج السياسة ... فمن إلغاء لما يسمى بدستور 23 ، وإعلان آخر لدستور 30 ، إلى تجريم عمل الطلبة بالسياسة ، ثم سقوط وزارة عبد الفتاح يحي باشا ، ومجيئ وزارة محمد توفيق نسيم باشا ، وما صاحب ذلك من إلغاء للقيود السياسية على الطلاب ، وتأييد من زعيم حزب الوفد لهذه الوزارة .
يقول الأستاذ محمد العدوي :"حتى جاء يوم 13 نوفمبر 1935 وهو ما كان يسمى وقتئذ ( عيد الجهاد الوطنى) وعقد الوفد مؤتمره الوطنى فى سرادق كبير وخطب فيه من خطب ثم أعلن الوفد سحب تأييده للوزارة ... لأنها لم تعلن الدستور 1923 ... وخرجت المظاهرة وتصدت لها قوات البوليس ودائما هى هى, وكانت هتافات وانطلقت الرصاصات ... وسارت مظاهرات 13 نوفمبر تهتف مطالبة بدستور 1923, وفى اليوم التالى 14 نوفمبر قامت مظاهرات الجامعة المصرية تهتف مطالبة بالاستقلال وجلاء جيش الاحتلال. وأمام ثكنات الجيش البريطانى فى قصر النيل( ميدان التحرير الآن) أطلق الانجليز النار وهكذا بين رصاص البوليس بقياد ضابط انجلترا ورصاص الجيش الانجليزى سقط القتلى فى القاهرة ... واشتعلت ثورة 1935 فى جميع المدن وتعطلت الدراسة وسقط القتلى أيضا فى كثير من المدن.
الوفديون يهتفون للدستور لأنه طريقهم إلى الحكم والباقون يهتفون للاستقلال ... وتاه الشباب, ولكن دورهم كان حاسما حيث أخذوا يمرون على دور الأحزاب ويقابلون رجالها ورؤساءها ويضغطون عليهم وتوجهوا بخطاب إلى الملك فؤاد ليتدخل فى الأمر ويحسم الخلاف ويجمع الكلمة. ثم تشكلت وزارة على ماهر، وبعدها كانت معاهدة 1936 التى سماها الوفد معاهدة الشرف والاستقلال وكان الذى رأس وفدها النحاس باشا
وفي أثناء ذلك مات الملك فؤاد .... وجاء ابنه فاروق ملكا ... , وفى وسط هذا الخضم الهائل من الأحداث المتراكمة المتلاطمة, وفى هذا العام العامر بالأحداث كشفت الرجال والأهداف والنوايا والوسائل - غمرتنى رحمة الله وتعرفت على جماعة الإخوان المسلمين."
ويكمل الأخ الفاضل الأستاذ محمد العدوي حديثه عن رحلة النور التي غيرت مسار حياته بأكملها فيقول : "فى غمرة من النشاط السياسى وبعد ظهور نتيجة الانتخاب فى المنصورة التي جاءت على غير ما نرجو مرت علينا ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وذهبنا نحن الشباب إلى سرداق الذكرى نهتف لرجلنا الذى سقط فى الانتخابات ونتحدى مرشح الوفد الذى نجح. وبعد قليل قام الرجل وقمنا معه وهو يقول فلنذهب إلى حفل الإخوان وذهبنا, وبدأت أرى النور.... فتبدد ظلام نفسى ورفعت غشاوة عينى وسمعت صرير مفتاح يفتح قلبى. تحسست الأرض بقدمى وأجلت بصرى وحركت يدى وتأكدت أنى فى يقظة وأيقنت أنى أفقت وتخلصت من كابوس ثقيل.
سمعت رجلا يتكلم عن الإسلام شارحا موضحا وعن المسلمين وحالهم وما عليهم من فرائض وواجبات ما كاد الأستاذ البنا ينتهى من قصته حتى أحسست بأقفال قلبى وقد تفتحت وكانت ليلة مباركة خرجت فيها من الظلمات إلى النور وصدق الله" كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم" اللهم أدم علينا نورك ومتعنا بنور كتابك ونور نبيك الكريم وأخرج الناس كل الناس من الظلمات إلى النور إنك رحمن رحيم.
وكان ذلك آخر العهد بالأحزاب والحزبية ولله الحمد المنة."
وهكذا انضم الأستاذ محمد العدوي إلى جماعة الإخوان المسلمين ، وأحبها و أحب مرشدها الذي علم من خلال معايشته له مدى التزامه بمبدأ السمع و الطاعة و الجندية في تنفيذ الأوامر برغم كونه المرشد ، وكذلك مدى عطفه وحنانه على أبناء جماعته ، وفي ذلك يروي لنا هذه القصة فيقول :
"ولكن قصة صغيرة حدثت لى عرفتنى من هو حسن البنا فقد أصدر قائد المعسكر - وأظنه كان الأخ محمود أبو السعد - قرارا بمعاقبتى لسبب من الأسباب بصرف نصف رغيف فقط فى وجبة الغداء... فصدعت بالأمر رغم ما أحس به من جوع لخروجى من البحر. وكانت جلستى بجوار فضيلة المرشد العام, وكان ما كان, فقد لاحظته وهو يجمع الخبز من أمامه محاولا أن يعطيه لى ثم يضعه ثانية... مازالت الصورة ماثلة أمامى ... الوالد فى حنانه وعطفه, والجندى الذى تمنعه جنديته من تحطيم الأمر كل ذلك رغم مكانته بيننا. لم يذق الرجل الطعام وظللت أرقبه وأحس بعاطفته. لم يتكلم ولكن قلبى سمع ما يقول قلبه... وكان درسا أفدت منه الكثير وأرجو ألا أنساه طول عمرى."
و بعد المحنة في السبعينات من القرن الماضي مارس نشاطه الدعوي في الدقهلية ..فكان ممن لهم دور كبير في تأسيس العديد من المؤسسات الدعوية التابعة للإخوان ومنها "مدارس الهدى والنور"' يقول الأستاذ عوض عبد المتعال المؤسس لها :'
"كنت لا أملك إلا مبلغًا ضئيلاً جدًّا من حق الأرض فاستشرت أخي الحبيب محمد العدوي فأشار عليً بدفع العربون وسوف يفرجها الله بعدها وبالفعل ذهبت ودفعت ما معي ثم رزقنا الله بثلاثة عشر شريكًا أتموا المبلغ المقدر كاملاً وبدأنا في إنشاء المدرسة واتفقنا على ألا نتقاضى كجهة إدارة أي رسوم إدارية وأن يخرج عائد المدرسة بأكمله لتنمية العملية التعليمية وقد كان بالفعل ".
واستمر نشاط أ. محمد العدوي مع الإخوان فكان واحدا من مؤسسي العمل بالقطر فكان هو بالدقهلية وفي الإسماعيلية الحاج علي رزة وفي البحيرة الأستاذ الدسوقي بقنينة وفي السويس الحاج عبد العزيز العزازي وفي بورسعيد الحاج عبدالعزيز حمودة وكانوا هم الذين يتصلون بالخريجين من الجامعة في السبيعنات حيث كانوا يغطون معظم محافظات الجمهورية تقريبا... في الوقت الذي ظلت القيادات الطلابية (أبناء الجماعة الإسلامية بالجامعة ) آنذاك في القيادة كما هي بعد التحاقها بالإخوان ولكن بتوجيهات من قيادة الإخوان لتنطلق على أيدي هذه الثلة الصحوة الكبرى التي مازال أبناء الأمة يعيشونها حتى الآن.
في السجن
دخل الأستاذ محمد العدوي محنة 54 مع إخوانه مسئولا عن المنصورة وكان أنموذجا لتضحية القائد فكما يحكى علي عشماوى في مذكراته أن الأستاذ محمد العدوى تحمل هو وعبد الحميد البرديني عبء تحقيقات (54) وحدهما , وكانا سببا في نجاة أعداد هائلة من إخوان الدقهلية من السجون والمعتقلات في هذه المحنة. واستمر الأستاذ العدوي سائرا في طريق الفداء حيث إن الشيخ عبد الفتاح إسماعيل والذي كان يعد تنظيم 65 ذهب إليه بسجن الواحات ليستشيره في بدء العمل على تجميع الإخوان وسأله :هل لو عملنا شيئا بالخارج تعتبرون أنتم أسرى ويقتلونكم ,فقال له لو فعلنا سوف نكون فداء لأي عمل للإسلام .
وعند نقله إلى سجن قنا استمر أستاذنا مع إخوانه في نشاطه داخل السجن فكان النشاط الدعوي يتولاه: الحاج حسن عليان، مالك نار، علي جريشة، محمد العدوي.. وغيرهم.. ومن ذلك أن الحاج محمد علي الشناوي كان يعد طبقاً من الأرز باللبن لكل مسجون جديد تحت التحقيق يحضر إلى السجن.. وكان هذا عملاً دعوياً ممتازاً.
كما كان لورشة النجارة التي كان مسؤولا عنها أ.محمد العدوي دور كبير في ماليات الإخوان وكانت تدر دخلاً عليهم يساعدهم في معايشهم.
و يخبرنا م/ محمد الصروي في كتاب الإخوان المسلمون في سجون مصر عن هذه الفترة قائلا:
لقد استوعب الإخوان جميع المساجين، واستوعبوا إدارة السجن، وملئوا سجن قنا نشاطاً وحركة، وأداروا معظم مرافق السجن ومنها المطبخ (عباس عبدالسميع)، الغلاية (مالك نار، وعبدالسميع عفيفي)، الملاعب الرياضية (محمد مهدي عاكف)، الكانتين (محمود أبورية - محمد سليم وغيرهما) المرسم (معرض الرسم): (علي نويتو، محمد رسمي سلامة، فتحي هاشم، السيد سليم) ورشة النجارة (محمد العدوي، محمد الدسوقي بقنينة وغيرهما)
الإخلاص و الوفاء
ظل الأستاذ الفاضل محمد العدوي مخلصا لدعوته، وفيا لانتمائه لجماعته ، خاصة في فترة المحنة التي قضاها في السجون حتى عام 1975م فصبر و احتسب ، يقول الأستاذ الصروي :(لبثوا في السجون حتى عام 1975م فصبروا واحتسبوا. ولما خرجوا من السجون عادوا ومارسوا الدعوة إلى الله، كأن شيئاً لم يكن .... هذا محمد العدوي، خرج ومارس الدعوة في أنحاء محافظة المنصورة كلها حتى عام (1992م) وأثره لا يخفى على ذي عينين.
الخاتمة
كانت هذه كلمات موجزة و لمحة سريعة على هذه الشخصية الفذة، بكل ما فيها من معاني البذل و العطاء، والبطولة والشجاعة، والوفاء والإخلاص.
لبث في السجون حتى عام 1975م فصبر واحتسب.. وشهد له إخوانه أنه لما خرج هو وإخوانه من السجون عادوا ومارسوا الدعوة إلى الله وشعارهم: " إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي " يناجون ربهم قائلين " واجعل من جماجمنا لعزِّك سُلَّمًا .. سُلَّماً ".
الأستاذ محمد العدوي مربي إخوان الدقهلية ، العابد الزاهد الذي كان دائما يقول موصيا نفسه و إخوانه:" اجتهد في العبادة قبل اللقاء، واحذر من ضياع أجر العمل".
رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ، وجزاه عن الإسلام و المسلمين أفضل الجزاء وأطيبه .
المراجع
- كتاب: الإخوان في سجون مصر للمهندس محمد الصروي، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- كتاب: مذكرات علي عشماوي .
إقرأ أيضا