تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٠:١٦، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٢ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الفصل الخامس:الإخوان في قبضة التنظيم السري

يتساءل بعض الإخوان وعموم الناس حول الضرر الذي يقع على الإخوان من جراء تسلم المنتمين لفريق النظام السري للسلطة في الجماعة بغض النظر عن سوء الطريقة وسوء الآليات وفساد ذات البين؟ ويقولون أنتم فريق من الإخوان وهم فريق من الإخوان، فلم هذه الضجة حول السريين وتوليهم المسئوليات؟

ووجهة نظري أن الأمر ليس بهذه البساطة والسطحية لأسباب:

إن فساد ذات البين هي الحالقة التي تحلق الدين وليس ممكنا أن تعيش جماعة عقائدية بغير الحب في الله، ومجالات العمل تسع الجميع فلماذا يفضل السريون السير على جماجم إخوانهم، لماذا اللجوء إلى الخديعة والمكر؟ لماذا الإقصاء والإبعاد لمن يعترف الجميع بفضائلهم الدعوية والاخلاقية؟
كما أنه لا يجوز أن نقر أحدا على ظلمه بحجة أنه من الإخوان، وما حدث من انقلاب على الشرعية التنظيمية يعتبر ظلما بينا لا يقره مؤمن.
كما كل اعتقاد يعتقده الإنسان يترتب عليه طريقة في الآراء تتمشى مع ما في الوجدان من عقيدة وفهم، فالذين فعلوا بإخوانهم هذه الأفاعيل وتنكروا لما اتفقنا عليه لا يؤمن لهم جانب ولا يؤتمنون على إدارة حركة إصلاحية إسلامية.
إن وجود السريين في موقع القيادة جعلتنا جماعة مغايرة للجماعة التي حلمنا بها وتبايعنا على نصرتها عملنا لها، لقد افتقدنا الإخوان وجماعة الإخوان وفقدنا الحب في الله الذي جمعنا وفقدنا خشوع القلب الذي ذقنا حلاوته أيام الصحوة الأولى وأصبحنا قطعان من الموظفين الجامدين المتناحرين الفاقدين لأدنى مراتب الحب في الله وهي سلامة الصدر واتصفت جماعتنا اليوم بصفات تحول بينها وبين نصر الله المأمول ومن ذلك:

(1) التنظيم السري يكره العلماء والمبدعين (يريدنا جسدا بلا رأس):

من الظواهر اللافتة للنظر خروج المتخصصين من براثن جماعة التنظيم السري في حالة هروب مذعورين، وكثرة استقالاتهم من التنظيم، ويرجع ذلك لأنهم يفاجأون بمعاملة دون المستوى اللائق بالعلماء والمتخصصين، كما أن هناك عشوائية تخصصية واضحة في شتى المجالات.
أول المجالات المنتهكة في جماعة السريين اليوم هو مجال العلوم الشرعية نفسها، وهي العلوم التي يدعون أنهم يحترمونها، ومن المعتاد والمتكرر أن يقال للعالم الشرعي من الإخوان هذا رأيك ولكننا مخيرون أن نأخذ به أو ندعه لرأي علماء آخرين، ولكن أي علماء وأي إجماع وكيف ومتى؟ والجواب دائما: ما لكش دعوة!!
إن العلماء المؤهلين شرعيا من الإخوان مثل عبد المعز عبد الستار والقرضاوي وعبد الستار فتح الله سعيد هم آخر ما يرجع إليه في المسائل كلها دقيقها وجليلها، ويستعاض عنهم بهواة العلوم الإسلامية ومقيمي الشعائر الذين لا يجيد الواحد منهم ترتيب أمر الزاوية الصغيرة التي يرتزق من خدمتها؛
ولقد شغلني هذا الوضع كثيرا بوصفنا جماعة إسلامية تنادي بالعودة إلى الشريعة الإسلامية، ودفعني هذا الاهتمام إلى التوجه إلى أحد العلماء لأسأله عن اللجنة الشرعية في الإخوان، من هم؟ فأخبرني بكل أسى أنه لا يعرف بوجود لجنة شرعية أصلا!
فسألته: وكيف تتصرف جماعتنا بدون هذه اللجنة ونحن معرضون كل يوم لاتخاذ قرارات وتداول أفكار وإصدار بيانات تتعلق بالفكر والحركة والتنظيم؟ فقال زينا زي الحكومة بالضبط! وآخر شيء يرجع إليه المسئول هو حكم الله في المسألة!
ثم قال بحسرة واضحة: إخوانك اليوم لا يسألون عن الحلال والحرام ولكنهم يسألون عما قال وقرر القائد الهمام!! والمرشد التمام! والنقيب الرقيب!! وأقل من ذلك! هذه ثغرة في التربية يجب تداركها!

(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا فيما قضيت ويسلموا تسليما) .. (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ... (ومن لم يحكم بما أنزل الله ...) هكذا الحال في مجال العلوم الشرعية، وأما في مجال العلوم السياسية، فلا تملك جماعتنا متخصصا واحدا مرموقا في السياسة ..

ويتعجب المتابع من صدور مؤلف بعنوان (الإخوان والديمقراطية) من تأليف متخصص في الزراعة عضو في مكتب إرشاد السريين يسمى (محمود غزلان) والأعجب من ذاك قبوله بهذا الدور وكأنه لا يدرك الأسس العلمية المعمول بها في الجامعات ومراكز البحوث والدراسات، والتي تقضي بمنع من لم يحصل على درجة الدكتوراه في التخصص أن يحاضر فيه أو يصدر فيه مؤلف.
وفي علم التاريخ فإن تاريخ الإخوان اليوم يكتب بواسطة متخصص في المسطحات المائية هو الأستاذ جمعة أمين ولا لوم عليه لأنه لم يعمل بالبحث العلمي في أي يوم من حياته، ولا يعرف الأصول المرعية في المؤلفات التخصصية، وقد لا يدرك أن كتابة التاريخ تخصص قائم بذاته وله قسم في كليات الآداب، ولكن اللوم على من خوله هذه المهمة.
وما أكثر المتناقضات في عالم السريين اليوم، لقد أصبحنا صورة مشوهة للصراع بين أهل الخبرة والمقربين للتنظيم السري، فالمقربون لهم مطلق الحرية أن يخوضوا في كل المسائل، وأهل الخبرة لهم في جماعتنا خفي حنين.
يوسف القرضاوي مثلا ينفي دائما أنه من تنظيم الإخوان المسلمين، محمد عمارة كذلك، طارق البشري كذلك، محمد سليم العوا كذلك، فهمي هويدي كذلك، جميع هؤلاء يجاملون الإخوان بحضور مؤتمراتهم ولكنهم في الوقت نفسه لا يجدون في الجماعة على حالها الآن تحت قيادة السريين مكانا مناسبا لهم ويحافظون على وجود مسافة واضحة وظاهرة بينهم وبين التنظيم السري، فهل بحثنا عن السبب الحقيقي؟
وإياك أن تسقط في شرك السريين الذين يضحكون عليك بالقول أن هؤلاء جبناء خائفون من بطش الحكومة، فالحقيقة أنهم لا يقبلون أن يكونوا تحت إدارة السريين المذرية بكرامة العلماء والمفكرين.

(2) التنظيم السري يسحق الأفراد ويقودهم كالقطيع:

يأتي الدور على البيئة التي تصنع المفكرين وكيف جرفها السريون وأنهوا خصوبتها لكثرة ما يرتكبونه من جرائم في حق أبناء هذه الجماعة المبتلاة، يشعر الأخ في تنظيم السريين أنه عديم القيمة، ليس من حقه أن يفكر فالجماعة تفكر له، والقيادة تعلم كل شيء وهو لا يعلم أي شيء، ولا يجب أن يعلم غير ما هو مكلف بعمله، القيمة العليا للتنظيم فقط أما هو فيمكن الاستغناء عنه في أي وقت دون أي تأثير يذكر لفقده، ويتطاول السريون كثيرا فيصفون إخوانهم الأسوياء بالتمرد لمجرد أنهم لا يقرون العبودية التنظيمية؛
تاريخنا الفكري له دخل في ذلك فالعلاقة بين المسئول والمرؤوسين توصف بأنها (الراعي والرعية) وحديثا يأخذ المسئول في التنظيمات السرية دور الراعي الذي يمسك بالعصا ويرد النعاج الشاردة بزعقة زاجرة أو ضربة مؤلمة وللراعي حق تقسيم الأغنام إلى خمسات أو ستات، وله حق إضافة نعجة أو خصمها، وله حق تولية صغاره رعيان على أجزاء من القطيع وله الحق في أن يذبح ما شاء ويعزل من شاء وينتف وبر من شاء؛
وأما الرعية أو القطيع فوجوههم دائما في الأرض تتناول ما بين أرجلها من العشب أو الفتات وعندما ترفع بصرها لأعلى فلكي تعبر عن البشع بأخذ نفس هواء نصف نقي بعيدا عن غبار الأقدام المتكاثرة على العشب.
إنها صورة مذرية للجماعات البشرية ولكن مع بشاعتها فهي الطريقة الحقيقية التي تدار به جماعات التنظيمات السرية حتى اليوم، أدبياتنا في هذا المقام كثير مثل (هذه الجماعة إن لم تكن بكم ستكون بغيركم أما أنتم فلن تكونوا بغيرها)
ويتعلل أصحاب هذا الاستخفاف بقيمة إخوانهم أنها مقولة لحسن البنا، وهم يرونه لذلك كلاما مقدسا دون النظر في معانيه، والعقلاء يفهمون من هذه المقولة أن عمل الفريق يفوق عمل الفرد ولا يعني أبدا أن الفرد ليس له قيمة وإلا صرنا تجمعا من العاجزين المهازيل، وهم كذلك غافلون عن عقيدة حسن البنا في أقوال البشر وهي (كل الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله)؛
وبناء على الفهم الخطأ تحولت تلك المقولات البشرية إلى عقيدة يسبح السريون بحمدها، الله يقول لعباده (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات)، ويصف حرص رسوله على المؤمنين بقوله (حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)، والسريون يتخلقون بأخلاق الشيوعيين ويعتبرون إخوانهم مجرد تروس في آلة الجماعة.
ومن هذه الأدبيات المستخدمة بطريقة خاطئة مقولة (من لم يكن في الفلك أدركه الغرق)، وتقال هذه العبارة بمعنى فرضية الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين دون غيرها لضمان الفوز بالجنة، ثم يزيد الطين بلة بعبارة يرددها كل رويبضة وهي (السمع والطاعة)؛
ويشرح السريون معناها لغيرهم باستفاضة وتقعر بينما هم لا يسمعون أحدا ولا يطيعون غير أهوائهم وما اتفقوا عليه في عرفهم المظلمة، لقد تتبعت تاريخهم فوجدته سلسلة من التمرد على القوانين واللوائح والاتفاقات الداخلية والخارجية؛
ومما لا شك فيه أن مثل هذه المقولات التي تطلق في غير محلها ترهب الأفراد من مجرد التفكير في حال جماعتهم وما يلزمها من تصحيح وتجديد أو البحث عما هو أفضل لها، ولو طبق هذا المعنى على كل جماعة لما انتقل مئات الأفراد من الطرق الصوفية وانضموا لجماعة الإخوان ومنهم حسن البنا نفسه، لقد بدأ حسن البنا صوفيا (حصافيا)، ثم رأى أن الطريقة الحصافية لا تستوعب طموحاته فغيرها بطريقة جديدة أسماها مع إخوانه (الإخوان المسلمين)، ولم يقل أحد من العقلاء حتى اليوم إن حسن البنا خائن للحصافية منكر لجميلها متمرد على قيادتها ...؟
وسلوك السريين في هذا الباب جملة بمثل نوعا من الإرهاب الفكري المذموم، كما أنه يخالف قولنا إننا جماعة من المسلمين ولسنا جماعة المسلمين ولسنا الفرقة الناجية وغيرها في النار.
إن الإسلام الحنيف اعتبر الفرد (21 سنة في القانون) العاقل مكلف ومسئول على أساس أنه حر وليس عبدا لأحد قط، والعلاقة بين المسلم وجماعة المسلمين حتى في وجود النبي صلى الله عليه وسلم مقننة ومرتبطة بأحكام الشرع الحنيف ويظهر إيمان الفرد بالجماعة المسلمة عندما يكون هناك تكليف جماعي يتشارك فيه المسلمون ويحدد فيه دور الفرد من حيث الفعل المطلوب والمكان والزمان وكافة التفاصيل المصاحبة لهذا التكليف؛
أما هذا الإبهام في العقد بين الفرد والجماعة فهو السبب في المشكلات المتكررة في داخل الصف الإخواني، وهو الثغرة التي استغلها السريون للنيل من تماسكنا وأخوتنا، فالجماعة بقيادة السريين تعلن ملكيتها لأفرادها ومسئوليتها عنهم مسئولية تامة كمسئولية السيد عن عبده، والفرد يأتي من الأعمال ما يرى أنه يقع في دائرة حريته الفردية؛
فإذا كان الفعل حسنا من وجهة نظر الأمير سارع بالافتخار بما قدم على أنه فعل الجماعة وليس فعل الفرد، (كما تفتخر مصر بأحمد زويل بعد حصوله على جائزة العلوم، وكما تفتخر الإخوان في مصر ببطولات حماس في فلسطين وحزب الله في جنوب لبنان).
وتدعي الجماعة أن الفرد لم يكن لينجح منفردا وكان كل الناجحين في العالم منتمون إلى جماعتنا، أو بمعنى آخر إن جماعتنا ملجأ للفاشلين الذين لا يملكون قدرات النجاح وحدهم، وإن وقع الفرد في خطأ أو ارتكب جناية من أي نوع سارعت بالتنكر للفرد؛
وأعلنت: (ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين)، إن الإبهام في طبيعة العلاقة بين الفرد والجماعة يصب دائما في محصلة سحق الأفراد ومصادرة حريتهم لصالح الأمراء الذين يرون أنفسهم الجماعة ويرون الجماعة ذواتهم وشعارهم في ذلك المبدأ الديكتاتوري "الشعب أنت وأنت الشعب وأنت الزعيم".
وأحسب أن ذلك التصور أقرب إلى الشيوعية من الإسلام فالشيوعية تنظر للفرد على أنه مجرد ترس في آلة المجتمع أو الجماعة الشيوعية، إن تأكيد حرية الفرد في التصرفات والتأكيد على مسئوليته القانونية عن تصرفاته واعتبار ذلك هو الأساس، وأن التكليف الجماعي طارئ واستثناء هو الضمانة القوية لوجود صف متماسك وفعال عن إيمان واقتناع وهو الدافع الأقوى للتضحية والعطاء.

(3) جماعة السريين كالمجنونة تأكل أبناءها وتخمش وجهها:

مضت جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة الأستاذ عمر التلمساني من عام 1976 وحتى وفاته في منتصف عام 1986 لم نسمع فيها عن حادثة انشقاق ولا شقاق ولا نفاق ولا فصل ولا تجميد، ولم تكن حتى نعرف هذه المصطلحات الغريبة المستهجنة، وما أن تسلل السريون الجدد إلى مفاصل الجماعة وتمكنوا من رقبتها حتى تفجرت من الداخل؛
بدأ الموضوع باغتياب قسم الطلاب وزعزعة الثقة في المجموعة التي تديره، وقال السريون عنهم إنهم يسبقون الجماعة ويتحركون بخطوات متسرعة، وقيل إنهم يتحكمون في تربية الجيل الجديد على مبادئ الثقافة والحوار والمناقشة وحرية إبداء الرأي وهي عند السريين مبادئ منكرة، وانتهى الأمر بتصفية تلك القيادات معنويا وجرحها أمام قواعد الإخوان في جو من الغيبة والنميمة لم يشهده الصف من قبل؛
وانتهى الكيد اللئيم بنزع القسم من أيدي مؤسسيه ووضعها في أيدي حاسديه، ولك أن تتصور ما فعلوا، بدءوا بجامعة الأزهر فقصموا ظهرها وشتتوا فريق العاملين فيها في هجمة مشهورة عرفت بمشكلة د. محمد رشدي، وداروا على كل جامعة يغيرون كل من فيه رائحة الكرامة، وانتهى الأمر الآن إلى خراب غير مسبوق، لقد أصبح طلابنا يعيشون على رصيف الجامعات تحت مسمى الاتحاد الموازي؛
وفي كل عام أكثر من مئة قضية يقيمها الطالب الإخواني المحترم على أستاذه ويوقف عميد كليته متهما أمام القاضي، والنهاية دائما حرمان الطالب الإخواني من الامتحانات أو شرف الانتماء بأستاذه، وبعد معركة محمد رشدي وفصل أكثر من 120 عضو من الإخوان وإبلاغ المحافظات بمقاطعتهم وضرب الحصار عليهم كانت عملية تصفية إخوان جنوب القاهرة ثم كانت عملية تصفية إخوان حزب الوسط ثم كانت عملية تصفية إخوان نقابة المحامين، ثم ثم ثم ...
واليوم عملية تصفية السيد عبد الستار ودخول المرشد العام بنفسه على خط المواجهة، وتلفيق لوائح اتهام تصلني من حين لآخر فأترحم على أيام العقلاء الطيبين الذين لقيناهم في مشارق الأرض ومغاربها تحت مظلة الحب في الله، لقد أصبحنا في ظل السريين جماعة كالمجنونة التي تخمش وجهها بأظافرها وتتحاور على صفحات المجلات وشاشات الفضائيات بعدما أغلق السريون كل منافذ الحوار ورفضوا كل صور العدالة والمساواة وهي أعلى قيم الإسلام.

(4) جماعة التنظيم السري خارج نطاق الشرعية القانونية:

تعتبر الدولة الحديثة بمفهومها السياسي نموذج للتمدن البشري الذي حض عليه الإسلام، والدولة الحديثة في أفضل التعاريف السياسية تتكون من أرض وشعب وحكومة وقانون، والبديل عن الدولة المدنية هو الفوضى والهمجية والانحطاط الحضاري والتخلف التقني والتعرض للغزو الخارجي في عالم يؤمن بالقوة كأسلوب تعامل بين الدول وأهم مظاهر القوة هو قوة مؤسسات الدولة؛
من هنا فالمفترض أن تكون جماعتنا أحرص الناس على الالتزام بقانون الدولة المدنية والسعي لتقويتها والمشاركة الفعالة في تثبيت أركانها تمشيا مع إسلامنا، وفي حالة كون هذه الدولة ظالمة أو فاسدة فالقانون وحده هو الذي ينظم طريقة الخروج عليها وآليات تغييرها فيما يسمى ويعرف في كتب القانون بـ (تقنين الثورة) بوصفها أوقات تغيير جماهيري مؤقتة وليست دائمة؛
وهذا ما عناه طارق البشري في كتاباته تحت عنوان (أدعوكم للعصيان المدني) وتحت عنوان (شرعية الخروج على الشرعية) وحاشا لمستشار مرموق مثل البشري أن يدعو إلى فوضى وأنا تناقشت معه في ذلك وأتفق معي حول هذا المفهوم؛
إنها دعوة للخروج على حالة المشروعية المبنية على القوة وليس الحق إلى حالة شعبية جماهيرية تعيد الحق لصاحبه الطبيعي وهو الشعب، وفي حالة جماعتنا وكونها ليست الشعب بل جماعة واحدة من الشعب لا تزيد عن 1% من تعداده، لا يجوز لها أن تتعامل مع قضية التغيير بمنطق أنها تمثل الشعب، ووجهة نظري التي تؤيدها الواقع أن هذا مستحيل؛
نحن لا نملك حق التعبير عن الشعب بأي حال من الأحوال ولا نعبر عن الإسلام ولكن نعبر عن فهمنا له ولو أردنا أن نتعامل مع الدولة القائمة بمنطق (مشروعية الخروج على المشروعية) فلا بد أن نكن ضمن منظومة وطنية جامعة لكل أطياف الأمة أو معظمها، وهذا ما حاولته بنفسي مع خمسة آخرين (الستة المؤسسين لحركة كفاية هم: م. أبو العلا ماضي، د. محمد إدريس. أ. جورج إسحاق. م. أحمد بهاء الدين. أ. أمين إسكندر. د. السيد عبد الستار).
لتكون نواة لهذه الحالة الوطنية، ولكن للأسف الشديد تعامل السريون من الإخوان مع الحركة الوليدة كعادتهم بروح عدائية وارتكبوا حماقات وقالوا في حقي كلاما حراما واعتبروا حركة كفاية منافسة لهم وقال أحد السريين: بالنص إنها محاولة لسحب بساط العمل الوطني من تحت أقدام الإخوان!
كما أن هناك فريق من السريين ما زال يعتبر الدولة المدنية علمانية بمعنى أنها كافرة ومتنكرة للشريعة الإسلامية، وللأسف الشديد أن الثقافة السطحية والجهل المطبق بالقوانين المعمول بها في البلاد يجعل الغالبية من الشباب والبسطاء يصدقون هذا الزعم ويبنون حركتهم على أساسه؛
كما أن أجواء السرية المقيتة والعمل في إطار من الخوف والتربص والتلفت والارتعاش يعمق تلك المفاهيم، وفي هذه البيئة الكئيبة وحدها يجد السريون متعتهم ويمارسون تضليلهم للبسطاء، الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والخبراء بالتشريعات يدركون أن القوانين المخالفة للشريعة ... تعد على أصابع اليد الواحدة؛
ووجود الأزهر والأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية، كل ذلك لا يقنع السريين بإسلامية الدولة وهم ماضون في خطتهم لتقويض أركانها بقدر ما يستطيعون، أحدهم أمير شبرا على مدى 27 سنة الأستاذ حمدي إبراهيم (لاحظ طول مدة تواجده في السلطة مع أنه من أكثر الذين يتحدثون عن الزهد في المناصب والجندية وفضلها) سأله الشباب عن سبب عدم مشاركة الإخوان في نجدة ضحايا الدويقة فكان رده (هذه مشكلة الحكومة ودورنا أن نضاعف مشكلاتها حتى تسقط!!).
الشواهد التاريخية تؤكد أننا تحت قيادة السريين لم نعلم طبيعة العلاقة بيننا وبين الدولة القائمة وأننا تعاملنا منذ البداية وحتى اليوم بطريقة لي ذراع الحكومات وتهديد وجودها بمحاولات متكررة لتقويض كيانها وأطلقنا الرصاص على وزراء ورؤساء وزارات، وأدخل السريون الجماعة في مواجهة تاريخية مقيتة مع الثورة التي كانت من أحلام البنا والتي دفع الكثير من إخوانه بالجيش للمشاركة في الإعداد لها، وانتهينا إلى كوننا ضمن أعداء الثورة وضمن المتآمرين على مشروعها ومشروعيتها؛
وما زال وضعنا السياسي على هذا النحو لم يتغير وما زال التعامل معنا أمنيا وليس سياسيا بوصفنا جماعة خارجة على القانون، هذا هو الواقع اليوم ولكن السؤال الأهم هل نحن نحاول أن نغير هذا الوضع إلى الأفضل؟ وما هي وسائلنا؟
وجهة نظري أن مجرد وجود السريين في القيادة منذ عام 1988 وحتى اليوم تقريبا قضي على كل محاولات التلمساني لتغيير الصورة الذهنية لدى الدولة عن الإخوان، وعادت الصورة إلى ما هو شبه حالتها أيام الصراع الأول عام 1954، وما لم نفكر بجد في تغيير أوضاعنا فإن الدولة وهي الأقوى والأرسخ لن تغير موقفها وسيبقى الصراع على حالته على المدى المنظور على الأقل؛
وأما كيف يكون التغيير من جانبنا فهذا شرحه يطول ويحتاج لحوار فيما بيننا لم تتوفر شروط البدء فيه حتى اليوم، ومع ذلك فالرسالة الإصلاحية الأولى التي وردت في تاريخ الإصلاح الداخلي في الفصل الأول تسلط الضوء على هذا الموضوع بشيء من التفصيل.

(5) جماعة التنظيم السري خارج نطاق المشروعية التنظيمية:

مما لا شك فيه أن إصرار فريق من أصحاب التوجهات السرية على الاستيلاء على سلطة القرار في الجماعة أوقعهم في أخطاء ومخالفات واضحة، فبمجرد تولي الحاج مصطفي مشهور سلطة القرار ورئاسة الإخوان ألغي كافة نتائج الانتخابات التي جرت عام 1994؛
ومن أمثلة ذلك في منطقة شرق القاهرة التي أعيش فيها على سبيل المثال، تولى الشيخ عبد المنعم تعيلب رئاسة المنطقة بالتعيين وهو الغائب عن مصر لمدة أربعين سنة، وفي مصر الجديدة تولي القيادة المهندس عادل فريد وهو الذي لم يكن له أي وجود في تنظيمات الإخوان منذ خروجه من معتقله وحتى توليه تلك المسئولية في عام 1996.
تم ذلك في مواقع أخرى وهو ما يمكن أن نسميه (قيادات من تحت المخدة) سحبها التنظيم السري وفاجأ الإخوان بها، كما أن مجلس الشوري لم يدع للاجتماع لمدة عشر سنين وتمت تعيينات بمكتب الإرشاد دون انتخابها بواسطة مجلس الشوري، وحتى انتخاب المرشد نفسه تم بطريقة ثورية جماهيرية كما يفعل العسكر تماما وأطلق عليها (بيعة المقابر) وهو الاسم الذي يقلل من شأنها وطريقتها ونتائجها، واستمرت عملية استباحة كرامة الإخوان ودهس حقوقهم المشروعة في الاختيار؛
وبلغ الأمر أن يأتي السريون بأنصار لهم من المحافظات ويعطون لهم مقرات وظائف في القاهرة ويمهدون لهم بلوغ قمة الهرم التنظيمي بالتزوير والتدليس، أبشع الأمثلة التي رأيتها في الحي الذي أسكنه تمثلت في نقل المدرس من هندسة المنصورة حسام أبو بكر إلى مدينة نصر ودعمه من قبل النائب الثاني للمرشد العام خيرت الشاطر بوصفه بلدياته حتى تولى رئاسة المنطقة الشرقية خلال أربع سنوات من نقله والمنطقة التي نحن بصددها فيها أكثر من خمسين قيادة إخوانية تاريخية تعمل بالدعوة من عام 1970؛
كما شهدت القاهرة في وجود النائب الثاني الدقهلاوي خيرت الشاطر (فك الله أسره) هجوم من الدقهلية لم يسبق له مثيل على كافة المواقع المركزية فرئيس قسم التربية دقهلاوي ورئيس قسم المهن دقهلاوي ورئيس قسم الإعلام دقهلاوي (م. عاصم شلبي كما أعن عن نفسه بالجرائد)
وفي أعمال الوظائف المساعدة فحدث عن الدقهلاوية ولا حرج، نحن إذا أمام ظاهرة تشبه ما فعله صدام حسين عندما جعل كل المناصب في الدولة لأبناء بلدته تكريت، ليضمن ولاءهم وانتفاعهم في نفس الوقت (زيتنا في ترابنا)، ولو لاحظنا أن المرشد العام نفسه من كفر عوض سيطه مركز أجا دقهلية لاكتشفنا أنه كان هناك زمان التكريتيين وانتهى، وبدأ هنا زمان (الدقهلاويين) في الإخوان، والخبير بتاريخ العلاقات الإخوانية يدرك كيف كانت الأحوال متوترة باستمرار بين المرحوم عمر التلمساني والمرحوم محمد العدوي مؤسس التنظيم السري بالدقهلية.
ومن الأمثلة الفجة في النقابة التي أنتمي إليها (نقابة المهن العلمية) أن يأتي التنظيم السري بأحد أبناء السويس (ك. محمود السعيد) ليسمه منصب أمين الصندوق في النقابة العامة بالقاهرة وكذلك أمين الصندوق المساعد من الدقهلية (المدرس بالمعهد الأزهري بطلخا سعد عبد الغني)
بينما في القاهرة 35 ألف علمي عضو بالنقابة أعرف منهم المئات من الإخوان وغيرهم أصحاب الكفاءات والقدرات والمناصب العلمية التي تناسب هذا المنصب وتليق به، إنني في حالة استغراب لاستجلاب إخوان من المحافظات للعمل بالمواقع القيادية بالقاهرة وكأن المحافظات تحققت فيها الدولة الإسلامية وأستاذية العالم بينما القاهرة ما تزال في الجاهلية الأولى ومحتاجة لخبراء أجانب (أدانب) من المحافظات المتقدمة تكنولوجيا (تقنيا) مثل الدقهلية والسويس والإسكندرية.
السريون يضحكون على أنفسهم عندما يقولون أجرينا انتخابات، والمعلوم في التنظيمات السرية أن الأمير يقرر كل شيء، فكشوف الناخبين من صناعته ولا يعلمها غيره ومن أحب، ولا يوجد مرشحون ولجنة الفرز ممن يثق بهم والنتيجة معروفة سلفا لأن جميع من يخالفونه في الرأي ليسوا مدرجين أصلا في من لهم حق حضور الانتخابات، فهل يسمى هذا العبث انتخابات؟
النتيجة أن تنظيمات الإخوان الداخلية اليوم لا تمتلك أي نوع من المشروعية التنظيمية، وتعتبر العلاقات الداخلية نوع من الصراع والمغالبة بين التوجهات المختلفة، والمغلوب دائما هو الأخ الخجول الحريص على سمعة الإخوان وأما فريق السريين الشرهين للسلطة فمن صفاته استباحة حقوق الآخرين في تاريخ الإخوان، وانتهت العملية بأن حكمت الجماعة بالسريين لأول مرة في تاريخها فتحولت بحق إلى جماعة مقهورة.

جماعة السريين جماعة القهر والإرهاب الفكري:

ليس أدل على ذلك من العنف الذي مارسه السريون مع الموقع الإلكتروني لمجموعة شباب (إخوان نت) والذي انتهى بتهديد الشباب وغلق موقعهم، والحديث في مثل هذه الحقوق يسمى عند السريين (إرجاف في الصف)، وهي كلمة تصف المنافقين عقيدة بنص الآية وهذا يعني أنهم يكفرون أعضاء الجماعة المطالبين ببعض حقوقهم المعرفية، نحن أمام ظاهرة كتم أنفاس الإخوان وقهرهم وسحق تطلعاتهم.
لقد أراد أحد الإخوان المطالبين بتحسين أحوال الجماعة أن يطالب القيادات الفاشلة بالتنحي فلم يمتلك الجرأة على ذلك فقال (رأيت فيما رأى النائم أن مكتب الإرشاد أصدر قرارا بعدم تولية المناصب في الجماعة لمن هم فوق الستين ...) وعموم المشتغلين بالنقد الأدبي يدركون أن أسلوب (كلية ودمنة) يلجأ إليه الكتاب في زمن الخوف من الحكام، فهل هناك دليل على ما تعانيه الجماعة من إرهاب فكري أوضح من ذلك؟
لو كان هذا العضو في الجماعة آمنا حرا يقول ما يعتقد أنه في الصالح العام لما لجأ لهذا الأسلوب، وهو الذي يعمل طبيب أسنان معروف، ويبلغ من العمر ما هو فوق الثلاثين.

جماعة السريين تزدهر وتعيش على التوتر المجتمعي:

خطابنا السياسي المفعم بألفاظ تفسيق المخالفين وأحيانا تكفيرهم يعتبر جرس إنذار للجميع بأن الأمر يمكن أن يتحول من الكلام إلى الفعل.
أرى خلل الرماد وهيج نار
ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالعودين تذكو

ونار الحرب أولها كلام

والدولة من جانبها تنظر للموضوع بجد وتأخذ أقصى درجات الاستعداد والحذر، لا سيما أن أفراد من الإخوان وغيرهم من الإسلاميين استخدموا السلاح من قبل كوسيلة لفرض وجهة نظرهم على المخالفين لهم، والنتيجة إعداد مليون جندي لمواجهة التنظيم السري إذا تحول من الكلام إلى الفعل، هؤلاء الجنود المليون ليسوا إلا مليون فلاح وعامل مصري مخصومون من قوة العمل الإنتاجي في أهم فترات العمر؛
وأعتقد أننا مشاركون في هذه المحنة بدخولنا اليومي في مشاحنات في الانتخابات العامة والجامعات والمناسبات السياسية المختلفة دونما أي نتيجة تتناسب مع الخسائر الفادحة، نحن مشاركون في هذا الإثم باستعراضات القوة المتكررة في الجنازات الحاشدة والأعراس المسيسة والمؤتمرات الملتهبة والصرخات المستفزة، لقد أصبحت مواسم الانتخابات مواسم خوف وفزع ليس لبيوت المرشحين وذويهم ولكن للمجتمع كله، حتى الطلبة وانتخابات الطلبة لم تعد تمر إلا بمعركة تنتهي بخسارتنا للمواقع وتعطيل الدراسة ورفع حالة التوتر إلى درجتها القصوى.
إن حكومة السريين لو قامت لها قائمة فلن تسمح أبدا بوجود تنظيم آخر سري أو علني، إخواني أو علماني يهدد وجودها ولو كان على رأسه أعبد أهل الأرض، وسوف تلجأ حكومة السريين حتما إلى أسلوب الحسم العسكري وما أسهل سوف المبررات لذلك.

منهج السريين الثقافي متشدد ومتطرف:

نقلا عن جريدة الدستور الأحد 5 أكتوبر 2008 (انتقد د. يوسف القرضاوي المنهج التربوي لجماعة الإخوان المسلمين المعاصرة (تحت قيادة السريين) وقال إن مجلس الجماعة لم يكن على خط فكري واحد حيث دخلت على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفي الذي يغلب على كثير من المنتمين إليه:التشدد والحرفية وأوضح أن أكثر الذين تأثروا بالتيار السلفي: الذين يعيشون في السعودية والكويت؛ويظهر ذلك في الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها (لاحظ أن مصطفي مشهور كون تنظيمه في الخارج أساسا من هؤلاء المذمومين)
وقال القرضاوي إن هذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار وأضاف القرضاوي إلى عيوب المنهج التربوي الرسمي الملزم للإخوان: أنه يوقعهم في التناقض، المكشوف أحيانا، والمقنع أحيانا أخرى، فبعض الكتب المقررة عليهم مثل كتبه ترى أن الشورى واجبة، وأن الشورى ملزمة، وأن النزول على رأي أكثرية أهل الحل والعقد واجب؛
على حين يرى كتاب آخر لبعض الدعاة: أن العمل برأي الأكثرية من الأمراض التي دخلت على الحركة الإسلامية، وأن الواجب هو العمل برأي الإمام، وإن خالف الأكثرية، بعد أن يستشيرهم، ويعلق القرضاوي أن بهذه الرؤية تكون الجماعة شرعت للاستبداد، وأعطت الحجة للحكام الذين يقهرون الأمة، ويضربون برأيها عرض الحائط وأوضح القرضاوي أن القيادي الإخواني القديم الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أحد قدامى الإخوان، ورئيس قسم الطلاب لسنين عديدة، وأحد المقربين من المرشد الأول والثاني: البنا والهضيبي شاركه الرأي وأنه كان لديه ملاحظات على منهج الإخوان في التربية والتثقيف؛
ويقول إنه أوصى بعمل مقترحات لتدخل على المنهج، إلى أن يوضع منهج جديد، يتفادى ما ذكر من السلبيات ويتضمن الإيجابيات المنشودة وقال: لذلك لم تكن كتبي، أو كتب الشيخ الغزالي، أو محمد فتحي عثمان، وأمثال هؤلاء مما يحسن أن يوضع في صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا "عقلانيين" ويسمينا بعضهم "معتزلة العصر وكان من الأشياء التي اعترض عليها القرضاوي في إعداد اللائحة وقبلها المشاركون "صيغة القسم" أ. ه.
وتصدر كتب المنهج الثقافي تحت أسماء مستعارة وغير حقيقية بما يجعلها تدخل تحت عنوان (الوجادات) أي الكتب التي لا تنسب لأحد مما يجعلها من الناحية الدراسية غير جديرة بالاهتمام بسبب عدم القدرة على توجيه النقد لها أو تصحيح ما بها من أخطاء لأنها مجرد وجادة لا تخص أحدا من العلماء.
ولو كنا جادين في التعليم الديني على أساس سليم لاتخذنا من الأزهر وجهة نظر لنا لتخريج قيادات دعوية صالحة، ولو أمعنا النظر فيما ورد في وثيقة تطوير الأزهر لوجدنا فيه مؤسسة مثالية لتحقيق كل ما نصبوا إليه وزيادة.

يقول د. محمد عمارة في مقال له:

لقد وقف خلف تطوير الأزهر الشريف الذي صدر له القانون 103 لسنة 1961م رجال عظام لا يشك عاقل في إخلاصهم للإسلام ... والعلوم الإسلامية، التي هي رسالة هذه المؤسسة الإسلامية على مر تاريخها الطويل.
ومن هؤلاء الرجال العظام شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت (1310–1383 هـ 1893–1973) ... والرجل العظيم الذي صاغ قانون التطوير، الأستاذ محمد سعيد العريان (1323–1384 هـ 19051964م) ...

والذي وضع في المادة الثانية من قانون التطوير هذه العبارات التي تحدد رسالة الأزهر، فتقول:

الأزهر هو الهيئة الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم البشر وفي الحضارة، وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها ...
وتعمل على رقي الآداب وتقدم العلوم والفنون، وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية، وتزويد العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما تتصل بالشريعة الإسلامية.
والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن، وتخريج علماء عاملين متفقهين في الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة في النفس وقوة الروح، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك وتأهيل عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة للمشاركة في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
كما تهتم بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.وغير هذا الحديث الجميل عن رسالة الأزهر في ظل التطوير تحدثت المذكرة الإيضاحية لقانون التطوير 103 لسنة 1961م عن العديد من المبادئ المبتغاة من وراء هذا التطوير ومنها:
أولا: أن يبقى الأزهر وأن يدعم ليظل أكبر جامعة إسلامية، وأقدم جامعة في الشرق والغرب.
ثانيا: أن يظل كما كان لها منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة، يرتقي به الإسلام، ويتجدد ويتجلى في جوهره الأصيل، ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة، ويزاد عنه كل ما يشوبه، وكل ما يرمي به.
وإذا كان الأزهر يشكو اليوم من ضعف مثل كل شيء في مصر أصابه ما أصاب غيره حتى جماعتنا تشكو من نفس الضعف وسوء الإدارة.

جماعة السريين محظورة في جميع المؤسسات:

جماعتنا تحت إدارة السريين باتت محظورة من النشاط القانوني في كل المجالات.في المجال السياسي تعثرت محاولات تأسيس حزب سياسي للإخوان بسبب إشكالية داخلية وليست خارجية وتتمثل في إصرار السريين وعناصر النظام الخاص أن يكونوا ضمن قيادة الحزب السياسي، وتجربة الدولة مع هؤلاء مريرة بكل المقاييس، فكل موقع تواجدوا فيه حولوه إلى منصة لإطلاق النار على كل من لا يتوافق مع أفكارهم حتى من إخوانهم في الجماعة، والبديل الآمن هو أن يوضع في قيادة الحزب عناصر إخوانية ليس بينها وبين الدولة ثأر قديم؛
ولكن أصحاب الثأر القديم يقولون إن جيلا جديدا من الإخوان في قيادة الحزب معناه نهاية القدماء إعلاميا وواقعيا، وهنا تبدو إشكالية الصراع بين الأجيال وإن كانت من طرف الأقدمين فقط، وتبقى الجماعة في النهاية تراوح مكانها في قضية الحزب السياسي فلا هي تلغي الفكرة ولا هي تتقدم بأوراق ومؤسسين ووكيل إلى لجنة الأحزاب.ولنفس السبب محرومون من التقدم بأوراق جمعية خيرية.
ونحن جماعة محظورة من الالتحاق بشرف الخدمة العسكرية، وهي المدرسة الوحيدة التي تعلم فنون القتال الحديثة، ونحن بذلك لا نشارك في أي ملحمة من ملاحم الجهاد المعاصرة، لقد تخلفنا عن المشاركة في حرب 56 وحرب 67 وحرب 73 وأي حرب قادمة ما لم نفكر بجد في واقعنا المرير وكيفية تحسينه.
ومحرومون من العمل بالشرطة ولا يقبل بكلية الشرطة من كان له قريب من الدرجة الرابعة من الإخوان المسلمين، ومحرومون من العمل الدبلوماسي ومحرومون من العمل في المخابرات، ومحرومون من العمل بالجامعات، فلا يعين معيدون بالجامعات لهم صلة بالإخوان إلا بشق الأنفس وبالقضاء الطويل الأمد، وهكذا جرت علينا قيادة السريين ومشاحنات السياسة وصراعات السلطة عزلة تامة عن جميع مراكز التأثير في الدولة، بينما فتحت هذه المواقع على مصراعيها لغير أفكارنا، فهل كسبنا شيئا بالسير خلف السريين ومناهجهم وأفكارهم أم أن الخسارة أعظم؟
إن تغيير الوجوه القيادية في الإخوان لا يضر الجماعة في شيء قط ويمكن الاستفادة بالجميع في المواقع المناسبة لإمكانياتهم ولا ينقص هذا من قدر أحد منهم! أما حالة التصلب التي نواجهها في هذا المجال تجعل القدامى من الإخوان في موضع الاتهام باتباع سياسة (أنا ومن بعدي الطوفان).

جماعة السريين متهمة بغسيل الأموال:

آخر ما اتهمت به جماعتنا تحت إدارة هذا الفريق السري تهمة غسيل الأموال، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لقد كنا فخورين باتهامنا بمخالفة النظام سياسيا فأصبحنا بفشل السريين وسوء إدارتهم متهمون في شرفنا الاقتصادي وسمعتنا المالية، ولا توجد نار بدون دخان، ولطالما حذرنا أصحاب المشروعات الخاصة في الجماعة من مغبة سلوكهم المالي وخلط أموال الدعوة بقروشهم والدخول بالمجموعة في مضاربات مشبوهة فلم يعوا ولم يسمعوا فكانت النتيجة كما تعلمون!!
ضاعت أموال الدعوة بالملايين (85 مليون صودرت في قضية الشاطر) وضاعت قروشهم وضاعت سمعتنا في قضايا عديدة منها توظيف الأموال ومنها غسيل الأموال، والملاحظ أن هناك تطور في منطوق الاتهام الموجه للمتهمين من الإخوان؛
بدأ بالاتهام بقلب نظام الحكم ثم أصبح اتهاما بقلب نظام الحكم بالقوة ثم أصبح أدار وآخرين جماعة على خلاف القانون ثم زيد لتعطيل القانون والدستور ثم كان الاتهام الأخير بتهمة غسيل الأموال، المتوقع تصاعد الاتهام إلى ما هو أشد من ذلك في حالة استمرارنا على نفس الوتيرة من الفعاليات، والأشد من ذلك هو الاتهام بمخالفات تتعلق بالسمعة الشخصية والعائلية لا قدر الله؛
إن الدولة لا تتهم أحدا من فراغ وسياستها تجاه خصومها أن تجعل من المخالفة الصغيرة اتهاما كبيرا بحجم الخصومة وعلى قدرها، ودورنا أن نبادر بإصلاح الصغير من المخالفات قبل أن يكون وسيلة لتلويث سمعتنا جميعا، فهل يستجيب السريون للنصيحة؟!

جماعة السريين في مأزق تاريخي:

هل نحن حزب سياسي؟ أم جماعة دعوية؟ أم أننا جمعية خيرية؟ وهل نبقى على التنظيم السري أم نستغني عنه؟ وهل نحن في حاجة لهذا التنظيم المتفرع أم أن كل محافظة يمكن أن تكون أدرى بحالها وإمكانياتها؟ وما قيمة مكتب الإرشاد؟ هل يرشدنا إلى أي شيء نافع؟ أم أصبح دوره ملاحقة الإخوان الناصحين بقرارات التجميد والمحاصرة والفصل غير المعلن والفصل المعلن؟
هل لدينا أزمة توظيف واستيعاب فصرنا نوزع على الإخوان مجرد ألقاب مملكة في غير موضعها؟ هل نحن في حاجة لتسريح أفرادنا الزائدين المكدسين بلا عمل يذكر؟ ومتى تقوم الدولة الإسلامية التي حدثتنا عنها جدتنا في الأسر الإخوانية من أيام فحت البحر؟ وماذا يصنع مكتب الإرشاد ومجلس الشوري والمكاتب الإدارية بهذا الخصوص ونحن غير قادرين حتى عن حماية أفرادنا من الاعتقال؟
هل ستكون دولتنا السرية ديمقراطية كما يقول بعضنا أم ستقوم على ولاية الفقيه؟ وما شكل السجون فيها؟ هل ستكون زنازين مضاءة بالمشاعل وتتدلى من حوائطها الجنازير حيث يربط النزيل إلى حين قضاء العقوبة أو موت النزيل؟ وهل هناك عقوبة بالخازوق مثلا؟ أم ستكون حدائق واسعة بها ما لذ وطاب من الفواكه والخضر؟ هل نطبق القانون المدني أم العسكري بعد أن نسميه جهادي؟
إن طرح أي قضية مهما بلغت بساطتها على مجموعة من الإخوان يسبب جدلا لا ينتهي، وجدالا لا يحسم وذلك لسبب بسيط هو إننا لا نتحاور ولكن نتجادل ونبقى دائما على مفترق الطرق في معظم القضايا، لقد مثل طرح البرنامج الحزبي للإخوان فضيحة مدوية وظهرنا أمام الدنيا مجرد تجمع من الشراذم الفكرية المتصارعة.

جماعة السريين بلا هدف محدد:

هل هدف السريين نشر الدعوة الإسلامية وزيادة العلم بالدين؟ ولو كان هدفهم كذلك فلماذا لا ندخل أبناءنا للأزهر فيتخرجون دعاة مؤهلين لذلك؟ هل لدينا مؤسسة تعلم الدين أفضل من الأزهر؟ وما قيمة علماء الدين في التنظيم السري؟ ومتى استمع السريون القدامى والجدد لفتوى العلماء؟
ولماذا يصر أعضاء في مواقع تنظيمية على فتح وإدارة مدارس أمريكية المناهج والسمات، ولماذا نجد أن معظم أولاد السريين وغيرهم من الإخوان يتعلمون في مدارس اللغات الأجنبية؟ هل لدينا تصور لطبيعة التعليم والتربية التي نرغبها لمجتمعنا؟ وما هو الجهد المبذول في قضية التعليم والمدارس؟ هل يساوي جهدنا جهد الكنائس الكاثوليكية أم أقل؟ وكم مدرسة بنينا؟ وهل يحتاج نشر التعليم الديني تنظيم سري؟
أم أن هدف السريين ما زال قلب نظام الحكم وتغيير الدستور بالقوة؟ وهل باتت القوة وسيلة ممكنة للتغيير السياسي في مصر؟ ولو صدقنا أن السريين تابوا وأيقنوا باستحالة ذلك .. فلماذا كل هذا التضخم في تجنيد البسطاء وصغار السن بما يشعر الجميع أن معركة حربية مهولة على وشك الاشتعال، لماذا سياسة الحشد ونفش الريش في الجنازات والأفراح والمناسبات؟ ولماذا المقاتلة على مقاعد البرلمان حتى الموت في دولة لا يقتنع السريون بالقانون المنظم لها ويعملون على هدمها؟
ما هي أهداف السريين المرحلية خلال العشر سنين الحاضرة مثلا؟ هل ما يزال الهدف مجرد البقاء واستدامة المشاغبة مع النظام والمعارضة؟ وهل لدينا أي وسيلة لقياس ما تحقق من أهدافنا؟
نحن ما زلنا منذ الخمسينيات من القرض الماضي جماعة محظورة وخارج نطاق المشروعية القانونية والتنظيمية وندار اليوم بجهاز سري لا يمتلك أي قدرات تؤهله لإدارة نقابة صغيرة وفقا للقانون، والسريون بطبيعة تكوينهم النفسي والفكري لا يحبون القانون ويكرهون الانضباط على أي لائحة.
هل نتذكر هدفنا المتعلق ببناء دولة إسلامية وتحقيق وحدة إسلامية وأستاذية العالم؟ هذه مصطلحات ماتت على الشفاه الإخوانية، وجف عودها وذبلت أزهارها تحت وطأة التصحر الأخوي وعنف الصراعات الداخلية التي يديرها السريون الجدد على جثة الأحلام الإخوانية القديمة، بالجملة فلم تعد جماهير الإخوان تحلم بأكثر من الشغب الموسمي في انتخابات الطلاب أو الشعب أو الشورى
ثم الشغب من أجل تصاريح زيارة المسجونين والمعتقلين، وإذا أكرمنا القدر وهجمت أمريكا أو إسرائيل على جزء من العالم الإسلامي صحونا من غفوتنا وفركنا عيوننا وانطلقنا في مظاهرات وصخب لا يؤثر على الحدث بشيء يذكر، وأحيانا نتصرف كالدبة التي قتلت صاحبها، فإذا انتهت المذبحة عدنا إلى أوكارنا انتظارا لفعل إسرائيلي قادم، نحن بقيادة السريين جماعة رد فعل وليس جماعة فعل.هكذا فعل بنا الجهاز الخاص السري وهكذا أصبحنا محاطين بالخلافات والفتن ونعيش على رصيف الوطن.

شهادة الدكتور يوسف القرضاوي

نقلا عن جريدة الدستور الأحد 5 أكتوبر 2008 انتقد د. يوسف القرضاوي المنهج التربوي لجماعة الإخوان المسلمين المعاصرة (تحت قيادة السريين)، وقال إن مجلس الجماعة لم يكن على خط فكري واحد حيث دخلت على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفي الذي يغلب على كثير من المنتمين إليه: التشدد والحرفية وأوضح أن أكثر الذين تأثروا بالتيار السلفي: الذين يعيشون في السعودية والكويت؛

ويظهر ذلك في الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها (لاحظ أن مصطفي مشهور كون تنظيمه في الخارج أساسا من هؤلاء المذمومين) وقال القرضاوي إن هذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار.

وأضاف القرضاوي إلى عيوب المنهج التربوي الرسمي الملزم للإخوان:

أنه يوقعهم في التناقض، المكشوف أحيانا، والمقنع أحيانا أخرى. فبعض الكتب المقررة عليهم مثل كتبه ترى أن الشورى واجبة، وأن الشورى ملزمة، وأن النزول على رأي أكثرية أهل الحل والعقد واجب ...
على حين يرى كتاب آخر لبعض الدعاة: أن العمل برأي الأكثرية من الأمراض التي دخلت على الحركة الإسلامية، وأن الواجب هو العمل برأي الإمام، وإن خالف الأكثرية، بعد أن يستشيرهم، ويعلق القرضاوي أن بهذه الرؤية تكون الجماعة شرعت للاستبداد، وأعطت الحجة للحكام الذين يقهرون الأمة، ويضربون برأيها عرض الحائط

وأوضح القرضاوي أن القيادي الإخواني القديم الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أحد قدامى الإخوان، ورئيس قسم الطلاب لسنين عديدة، وأحد المقربين من المرشد الأول والثاني:البنا والهضيبي شاركه الرأي وأنه كان لديه ملاحظات على منهج الإخوان في التربية والتثقيف؛

ويقول إنه أوصى بعمل مقترحات لتدخل على المنهج، إلى أن يوضع منهج جديد، يتفادى ما ذكر من السلبيات ويتضمن الإيجابيات المنشودة وقال: لذلك لم تكن كتبي، أو كتب الشيخ الغزالي، أو محمد فتحي عثمان، وأمثال هؤلاء مما يحسن أن يوضع في صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا "عقلانيين" ويسمينا "معتزلة العصر وكان من الأشياء التي اعترض عليها القرضاوي في إعداد اللائحة وقبلها المشاركون "صيغة القسم" أ. هـ.

استقالة المرشد تكشف عن مخاطرة السريين.

شهادة الأستاذ/ محمد مهدي عاكف المرشد حول مكتبه بالروضة.

مهدي عاكف في أول حوار صحفي بعد أزمة الانسحاب:

هناك شيء غامض وسر في مكتب الإرشاد .. ومصمم على معرفته.

حوار مجدي الجلاد وشارل فؤاد المصري وأحمد الخطيب 24/ 10/ 2009 على الرغم من أن محمد مهدي عاكف، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، كان قد أعلن قبل فترة أن ولايته تنتهي في يناير المقبل، ولا يريد الاستمرار، فإن أحداثا وقعت في مكتب الإرشاد دفعته إلى اتخاذ قرار بالانسحاب، وهو الوصف الذي يفضله على "الاستقالة" والسبب المعلن هو الخلاف حول تصعيد عصام العريان إلى مكتب الإرشاد.

يقول مرشد الإخوان في حواره مع "المصري اليوم" إنه سيعود ليكون واحدا من "الإخوان" ... ويكشف للمرة الأولى عن صفقة عقدت مع "مسئول كبير" لم يسمه تم بمقتضاها ترشيح 150 إخوانيا لانتخابات مجلس الشعب ... ويلمح إلى أن تدخلات إسرائيلية أمريكية أوقفت فوز الجماعة بـ 50 مقعدا إضافيا ... ويبدي عاكف استعداده للدخول في أي اتفاقات جديدة.

وفي هذا الحوار، يحدد عاكف موقفه من ترشيح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، ويرد على مطالب الأستاذ محمد حسنين هيكل للجماعة بمراجعة أفكارها .. وإلى نص الحوار.

(يمكن مراجعة المقال بالجريدة وننقل هنا ما يتعلق بموضوع الكتاب:

ولكن ما يحدث في الجماعة بسبب انشقاقات داخلية وليس بسبب الأمن ... ما حجم الخلاف؟

الخلاف بدأ بعد وفاة محمد هلال، رحمه الله، وطلبت عمل إجراءات لتصعيد عصام العريان، لأن "الدور عليه" حسب تفسيري للائحة، ولكن مكتب الإرشاد كله فسر اللائحة بأسلوب مختلف وإصراري كان من منطلقين ... المنطلق الأول هو أن هذه رؤية المرشد وتفسيره ولا بد أن يحترم، والمنطلق الثاني هو أن ذلك حق من وجهة نظري، ولكنهم رفضوا، والأمر انتهى وأنا أحبهم وأحترمهم وطلبت منهم في خطابي الأخير أن يساعدوني في فترة عملي.

• هل الدكتور محمد حبيب هو الذي يدير الأمور الآن، وهناك من يقول إن هناك مرشدا سريا وآخر إعلاميا؟

عندما أصبحت مرشدا قلت إن كل عضو في مكتب الإرشاد معه اختصاصات مرشد الإخوان كاملة وكل قرارات الأعضاء أراجعها.

• كم عدد الإخوان في مصر؟ لا أعرف ... والأمن يعرف عددنا بالضبط، ولكنني لا أعلم كم عددنا بالضبط لا في داخل مصر ولا خارجها ... وفي مجلس الشوري عددهم يتراوح بين 95 و 105 أفراد معظمهم لا أعرفهم.

• هل الجماعة مطالبة الآن بمراجعة أفكارها؟

من يرى في فكر الإخوان خطأ فأهلا وسهلا به ويقوله لنا ونراجعه. هل تم عرض صفقة عليك من قبل؟

- حدث عام 2005 حيث زارني أحد المسئولين الكبار وكان هناك حديث عن سفر الرئيس مبارك إلى أمريكا، وقال أرجو ألا تقوموا بأي شوشرة على زيارة الرئيس هناك وأبديت استعدادا وجاء للقائي مرتين وطلبت في إحداهما أن يحضر اللقاء معنا نوابي وبالفعل تم اللقاء وكتبنا فيه بنودا كثيرة واتفقنا عليها ثم ذهب والتزم بما اتفقنا وقبل انتخابات 2005 كان هناك عدد من الإخوان في السجن وعلى رأسهم عصام العريان؛

وكانوا يريدون الانتخابات لهم وطلبوا ألا يكون هناك زخم فيها وقلت وأنا أيضا أريد ذلك وقمت بترشيح 150 شخصا، وأوفيت بما وعدت به في اللقاء الذي تم بيني وبين الأمن واتفقنا أن تسير الأمور بشكل عادي وبدأ الإخوان المرشحون يعقدون الندوات وينظمون المسيرات في الشوارع وجميع من في السجون أفرج عنهم وفوجئت باكتساحهم في المرحلتين الأولى والثانية وفي المرحلة الثالثة قال لي شخص ما إن شارون اتصل بجورج بوش وأن الأخير اتصل بمبارك فأبلغوني أنه لن ينجح أحد في المرحلة الثالثة على الرغم من أننا كنا نتوقع أن ينجح 50 مرشحا وتحديدا في المنصورة والشرقية وهما من معاقل الإخوان وتم ذبحنا في المرحلة الثالثة.

هل يوجد بينكم وبين الأمن اتصالات؟

- لا يوجد أي تفاهم بيننا وفي الماضي وكانت هناك بعض القيادات الأمنية تتحدث معنا ولكن الآن لا يوجد أحد.

عدم تصعيد العريان معناه أن هناك صراعا داخل مكتب الإرشاد؟

- لا ..

معنى ذلك أن البعض ن أعضاء المكتب ضده؟

- هذا ليس صراعا وهذا معناه أن هناك "ناس لا ترتاح معه".

ولكن هناك إجماعا ضده ... هل تعتبر ذلك ظاهرة صحية؟

- هذه ظاهرة صحية جدا ووضعت على ذلك علامات استفهام ولم أفسرها حتى الآن.

هل هناك احتمال أن يكون قد حدث اختراق أمني للجماعة؟

- فيه حد بيقولي المكتب مخترق شتمته" لا أحب مطلقا أن يقول لي أحد ذلك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تذكروا أصحابي بسوء أمامي، والأمن يفعل كل شيء، وعندما يفعل ذلك ألا يعرف أنه في صالح الإخوان وضده.

هناك من يعتبر أن فكر عصام العريان فكر تنويري يضر الجماعة؟

- لا ... لأن فكره مطابق لفكر محمد عاكف، وكل من يقول ذلك فهو مخطئ.

هل هناك سر لا تعرفه؟

- نعم ولست في عجلة أن أعرفه وهناك شيء غامض.

إذا علمت بسر ما حدث في مكتب الإرشاد هل ستعلنه؟

- إذا كان واجب الإعلان، سأعلنه وإذ كان لا يستحق لن أعلنه. (أ. هـ).

خلاصة ذلك كل:

هناك خلاف على مجهول يسمونه لائحة ... وهي وثيقة لم يطلع عليها 99% من الإخوان، والمسموح لهم بقراءتها بعض (قساوسة) التنظيم السري لا أكثر، وتفسيرها: موكول إلى (كهانهم) المحدودين.

المرشد لا يعرف الحد الأدنى من المعلومات حول التنظيم الذي يرأسه، فكيف يديره وكيف يعبر عنه، ومن غيره يعرف؟ إن كنت لا تعرف فتلك مصيبة وإن كنت تعرف وفينا كل هذه المثالب وسكت عنها فالمصيبة أعظم.

صفقة بين السريين ومباحث أمن الدولة أعطتهم قبلة الحياة في انتخابات 2005 فظهروا كالأبطال وملأوا الدنيا ضجيجا مدعين أن قوتهم المتنامية حققت امتلاك 88 مقعدا في مجلس الشعب بينما الحقيقة أنهم كانوا عرائس من الخرق البالية تحركها المؤسسات الأمنية لا لمصلحتهم ولا لمصلحة الوطن ولكن فقط لتحسين صورة الرئيس؛

كل مظاهر الشجاعة التي أبدوها أيام الانتخابات اتضح أنها كانت كحركة الطفل تحت عين أبيه ليس أكثر، حقا إنها فضيحة المرحلة السرية بامتياز، ولطالما اتهموا غيرهم وكل من يعارضهم أنه عميل للأمن، ساء ما يحكمون، وخاب ما يفعلون.

هناك سر في المكتب يبحث عنه المرشد أو هكذا يدعي، فالسر الذي يبحث عنه موجود في كافة مراسلاتي له بوضوح، إنه النهم والشره نحو المال والسلطة في الجماعة المخدوعة من قبل الضباع الجائعة من تنظيم المكفراتية وأذنابهم والمعوجة أولئك الذين مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية حسب وصف النبي لأمثالهم، هذا النهم والشره دفعهم دفعا إلى قتل إخوان كثر قتلا معنويا وإنسانيا، وآخر القتلى كان العريان، يا سيادة المرشد السر أنت أحد سدنته فلا تتنصل منه اليوم متظاهرا أنك تبحث عنه وهو كالثعبان في جيبك أنت تنكره ورأسه مطلة على محدثك.

وإني أحمد الله الذي أظهر الحق الذي دعوت الإخوان إليه فلم يصدقوني وانخرط بعضهم في رجمي بغير حكمة ولا بينة والقرضاوي يصف الحالة بأنها خيانة في الحديث الذي نشرته جريدة الشروق بتاريخ السبت 24 من أكتوبر 2009 قال الشيخ يوسف القرضاوي.

إن غلعاد الإصلاحيين خيانة للدعوة والجماعة والأمة كلها فبخسارة هذه العناصر الإصلاحية القوية لن يبقى في الجماعة إلى المتردية والنطيحة وما أكل السبع، وأكد الأستاذ عصام تليمة (مدير مكتب القرضاوي بقطر) بأنه تأكد من تصريحات الشيخ القرضاوي بنفسه فكرر له نفس ما أعلنه وزاد على ذلك بالقول: لو صح ما حدث مع عصام العريان من منعه من مكتب الإرشاد، فهذه جماعة لا تستحق الحياة.

الفصل السادس:التنظيمات السرية الإخوانية في ميزان الإسلام

جذور المشكلة (الإخوان والتنظيم السري ضدان لا يلتقيان)

من هم الإخوان المسلمون؟

كتب المرحوم الأستاذ الشهيد حسن البنا رسائل مطولة في التعريف بالإخوان ورسالتهم ومعظم المعاني التي تتصل بفكرتهم، غير أنه كان في كل مرحلة من عمر الدعوة يضيف معان جديدة ويتوسع في الأهداف والمقاصد بقدر ما يتكون لديه من الخبرات وبقدر الزيادة في الأنصار والمريدين، حتى شعار الجماعة نفسه تغير مرات عدة فكان وشاحا أخضر يلبس من أعلى الكتف مكتوبا عليه الإخوان المسلمون؛

ثم أصبح هلالا وفي وسطه مصحف، فلما زاد الأنصار وكثر عدد المريدين صار الشعار إلى سيفين وبينهما مصحف، وفي خطبته في المؤتمر الخامس المنعقد بمناسبة مرور عشر سنين على تكوين جمعية الإخوان المسلمين أسهب في كل المسائل المتعلقة بالإخوان وفكرتهم، ثم كان المؤتمر السادس عام 1940 آخر المؤتمرات الإخوانية، ثم اختار لنفسه مائة شخصية وسماها الهيئة التأسيسية للإخوان عام 1941، ثم اختار المائة المختارون اثني عشر شخصا أطلق عليهم مكتب الإرشاد، ثم توالت التفريعات الإدارية بقدر ما تحتاج الحركة من أقسام ولجان ثم ماذا؟

سلك (رحمة الله عليه) طريق الدعوة لمبادئه وفق فهمه للإسلام بك همة وإخلاص وجرب عمليا ما اعتقد أنه صحيح، واجهته ظروف الواقع ومكابدات الحياة فلخص الخبرة العملية الواقعية التي مارسها بناء على الأسس النظرية التي آمن بها، فكان آخر ما قاله بعد مرور عشرين سنة من عمره الدعوي: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى أيام المأثورات) ...

وأقر بنفسه أن الخطب النارية والمواعظ المنبرية ووضع الأسس النظرية يجيدها كل فصيح لبق وكل عالم مجتهد، ولكن الواقع شيء آخر ... وأقر بنفسه بعد عشرين سنة من الدعوة والتربية والجهاد ... أن المحيطين به محتاجون إلى دخول العناية الفائقة ... وأن الذين ظنهم خلاصة الخلاصة تحت مسمى النظام الخاص كانوا وبالا على دعوته وأول من انسلخ عن بيعته؛

وأن الجميع محتاجون إلى هدأة الليل ومجالس الذكر وإعادة النظر في الكثير مما فهموه عن الإسلام وطرق الدعوة إليه، فهل هناك اليوم أي صلة بين هذا السلوك العملي الفطري الطبيعي لشاب مثل حسن البنا وبين حملة المباخر حول ضريحه مرددين أن كل ما قاله حسن البنا من الثوابت، وأين هؤلاء من قول العلماء العاملين (كل الناس يؤخذ من كلامه ويرد إلا رسول الله)؟!

وأحسب أن هذه الخاتمة للإمام الشهيد كانت من توفيق الله لرجل أخلص قلبه لله واجتهد فأصاب في مسائل وكان له أجران أو أخطأ في أخرى فكان له أجر واحد، وهو بهذه الخاتمة الموفقة قد أعاد الأمانة إلى أصحابها ونصح للإخوان نصيحته الأخيرة، وأعتقد اليوم وأنا على مشارف الستين من عمري أنه بذلك قد أعاد النظر في مجمل أفكاره الحركية وأعترف بأن الخوض في القضية الوطنية وتحمل المسئولية عن المجتمع بالصيغة الإسلامية يتطلب رجالا بمواصفات إيمانية واستقامة سلوكية لم يتوفروا له من بعد مما يلزم معه العودة إلى أيام المأثورات وإتقان الصياغة في الفهم والسلوك على نسق آخر وفق معطيات التجربة التي مر بها والواقع الذي تبدى له بعد عشرين سنة من العمل.

ومن هنا فإن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه مستشهدين بكلام البنا قبل هذه المقولة ودون مراعاة للظرف الزماني والمكاني والمرحلة السنية للداعي والدعوة إنما يظلمون الرجل ويكذبون عليه جهلا أو عمدا.

وأما المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي رحمة الله عليه، فلم أعثر له على كلام يفيدنا في هذا السياق، والكتاب المنسوب إليه تحت عنوان (دعاة لا قضاة) لا يخصه من بعيد ولا قريب وثابت أنه من وضع آخرين، لقد عاش الرجل فترته في دوامة الصراع في مواجهة السريين وفي جماعة من الشركاء المتشاكسون، وبلغ الخلاف بينهم إلى درجة إشهار الأسلحة وإطلاق الرصاص، وفي مثل هذه الظروف قد يكون الصمت أصدق من الكلام، وقد فعل رحمة الله عليه وصام عن الكلام المباح.

أما الأستاذ عمر التلمساني فيقول عن الإخوان في كتابه ذكريات لا مذكرات:

إن الإخوان ليسوا ملائكة ولكن من أوضح مميزاتهم أنهم يعرفون سيئاتهم كما يعرفون حسناتهم، والعصمة للرسل والأنبياء والكمال لله وحده.

لا نقول للناس اتبعونا فلسنا أفضل ولا أعلم من أحد ولكن نقول اتبعوا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذوا الأوامر واجتنبوا النواهي، ثم بعد ذلك لا عليكم أن تكونوا في جماعة الإخوان المسلمين أو لا تكونوا، وإن كنا نناديكم اليوم فإننا ننادي لنحقق قوة الوحدة والتضامن.

وأفهم مما سبق أن قضية الالتزام بالكتاب والسنة كانت هي الأصل والأساس عند المؤسسين وأن التنظيم ولوائحه سواء كان سريا أو علنيا ما هو إلا وسيلة طبيعية يقتضيها تقسيم المهام الدعوية، وأما اعتبار الالتزام بالتنظيم أساس لتصنيف الإخوان بين إخوان الفضاء العام وإخوان الفضاء الخاص، أو بين ثقة مجروح وبين أمين وخائن وبين مجاهد وقاعد فهو خطأ وخطيئة؛

كما أنه من المقرر عقيدة وخلقا وعرفا وعلما أن الإخوان المسلمين بكل مؤسساتها المعروفة لم تقر يوما بما يسمى النظام الخاص أو التنظيم السري أو إخوان الفضاء الخاص أو أي شيء يشبه هذه الخزعبلات التي تحلو في عين أصحابها على طريقة (القرد في عين أمه غزال).

هذا كلام المرشدين وهذا فهمي لما قالوا وهو ما بايعت إخواني عليه ومتمسك به، إلى يوم يبعثون.

التنظيم السري في الإخوان!!؟؟

لو تصورنا جماعة الإخوان المسلمين وقد بلغت عشرة آلاف عضو، ولها مرشدها المعروف الأول حسن البنا، وقد نجح في تشكيل هيئة تأسيسية مكونة من مائة عضو، واختاروا من بينهم مكتب إرشاد، وتكون منهم ما تحتاجه الجماعة من اللجان والتخصصات لتسيير عملها، ودار دولاب العمل وفق ما هو متفق عليه في الهيئة التأسيسية وتبعا للبرامج المقرر؛

وفجأة رأي أحد الأعضاء أن هذا الذي يدور في ساحة الجماعة لا يروق له، وتحدث بذلك مع من توسم فيه الإحساس بنفس المشاعر فوافقه فصارا اثنان ثم أربعة ثم خمسة، ثم دعاهم لجلسة خاصة واتفقوا على أن يكون لهم أمير أو مسئول أو نقيب وبرنامج خاص يتدارسونه فيما بينهم مع مجاراة الجماعة وهيئتها التأسيسية وعدم إعلامها بذلك جزئيا أو كليا؛

هنا تصبح هذه العصابة بمثابة الخلية الأولى في تنظيم سري خاص في الإخوان المسلمين، ليس لهم أن يكون مسلحا أو غير مسلح فأمر السلاح هو أهون المطالب لمن أراده، وليس المهم طبيعتها الفكرية فهم سيخدمون فكرتهم الخاصة ويبذلون لها كل جهدهم سواء كانت تكفيرية اعتزالية أو تكفيرية عسكرية، وسيحاولون تسخير كل إمكانيات الجماعة المتاحة لهم لدعم مواقفهم وتنميتها وتغليبها على ما عداها وتلك طبيعة البشر.

وليس المهم أن يكون الداعي لذلك فرد من أفراد الإخوان أو عضو بمكتب الإرشاد أو حتى المرشد نفسه كما حدث في الخطأ الأول، فما دام الأمر حدث خارج المؤسسة المتفق عليها ففاعله مدان كائنا من كان بوصفه يضع اللبنة الأولى في إمارة الديدان أو ديدانستان.

بهذه البداية البسيطة نشأ التنظيم السري في الإخوان ونمى وتوالد كالدود وتسلح ثم انسعر وأحدث في جسد الإخوان والوطن من الطعنات ما أصابها في مقتل وشل حركتها وأعاق بلوغها لأهدافها النبيلة ولطخ ثوبها الأبيض بالدماء والسواد على مدار التاريخ المعاصر في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم.

نحن بصدد فرقة باطنية داخل الإخوان، يؤمنون أن دماءهم أنقى من غيرهم، وأن عقولهم أذكى وأن قدراتهم التنظيمية أكثر دقة وبراعة وبالجملة يرون في أنفسهم (شعب الله المختار بالإسلامي ..)، لا يحبون النور ويعشقون العيش في الظلام، يخالفون سنة (رهبان بالليل فرسان بالنهار) فينشطون بالليل وتكثر فيه مؤامراتهم ونجواهم بالإثم والعدوان ويغيبون في النهار وتؤذيهم شمسه ووضوح الرؤية فيه، فيهم الكثير من طباع الدود حيث يبنون دولتهم تحت الأرض وليس فوقها، فيهم الكثير من طباع الضباع، فلا يسعون لفريسة كالأسود ولكن يأكلون من كد الآخرين ويعيشون على بقايا موائد المجدين، هدفهم الضم والاستحواذ على المتدينين المبتدئين وليس توظيف الطاقات ومساعدة العاملين.

هذه المجموعات البشرية البدائية كثيرا ما تضر البشر المتحضرين ما لم يأخذوا حذرهم، وكما يهدم النمل الأبيض العمارات الشامخة فهؤلاء يهدمون الجماعات ويثيرون الفتن ويوجهون لمخالفيهم في الرأي طعنات خائنة قاتلة، والإخوان المسلمون عانوا من هؤلاء الكثير من الأذى وتلقوا منهم طعنات قاتلة مرات عدة.

كانت الطعنة الأولى حادثة اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان في 22 مارس 1948 ثم حادثة السيارة الجيب في 15/ 11/ 1948، وقد ترتب عليهما صدور قرار حل الجماعة فقيامهم بتكليف طالب في العشرين من عمره بقتل رئيس الوزراء النقراشي، وترتب على ذلك القبض على آلاف الإخوان والمواطنين ثم قتل حسن البنا، ثم إنهاء دور الإخوان تماما وشل حركتها وعجزها لمدة عام ونصف عن اختيار مرشد لها.

وكانت الطعنة الثانية عندما نجحت الجماعة بالكاد في اجتياز محنتها واختيار مرشد من خارجها ليقوم بقيادة سفينتها التي صارت في مهب الريح فكان أرباب التنظيم السري له بالمرصاد، فحاولوا إقصاءه بالقوة وفشلوا وكانت موقعة تاريخية مشينة حيث تجمع الإخوان في مواجهة التنظيم الخاص بأسلحتهم النارية لولا تدخل العقلاء وسحب الأسلحة والمسلحين من المركز العام.

ولم يجد المرشد الجديد مفرا من أن يقاومهم بأسلوبهم فشكل لنفسه تنظيما سريا مسلحا بقيادة يوسف طلعت، ولم يكن الجديد أفضل من القديم فقد واصلوا فسادهم في الأرض وأفسدوا الاتفاق الذي توصل إليه المستشار حسن الهضيبي مع الثورة بأن يكون كل من الإخوان والثورة في طريقه لا يعترض الآخر، وأصروا على التحضير للقيام بعمليات ضد الثورة الوليدة التي كانت من أحلام الإخوان أيام البنا وجل قادتها كانوا من الإخوان، وذهبت مجموعة من اختطافه من الطائرة ونقله إلى المركز العام ثم لاذوا بالفرار (برواية محمد مهدي عاكف لقناة الحوار)، ثم كان حوادث أخرى في مواقع أخرى ثم كانت سنوات المحنة السوداء التي طالت بالإخوان عشرين سنة كاملة بسبب طيش وغرور الذين لا يقدرون مغبة ما يصنعون. ثم كانت الطعنة الثالثة عندما تجمع نفر ممن يحملون نفس الأفكار وبدءوا تدريباتهم إعدادا لقلب نظام الحكم وقتل الرئيس، وسارع أحدهم البقال بقرية سنفا – دقهلية بشراء قنبلة يدوية من قروي ساذج اختلسها من تحت سرير أخيه المجند بالقوات المسلحة والذي اختلسها بدوره من وحدته العسكرية ولتبدأ محنة 1965 والتي راح ضحيتها ثلاثة أعدموا شنقا (منهم المظلوم الأستاذ سيد قطب صاحب كتاب في ظلال القرآن) بالإضافة إلى سجن وتعذيب أكثر من ثلاثين ألف مواطن مصري.

وما أن فتح الله أبواب الزنازين وأفرج عن المسجونين المظلومين عام 1975 حتى عاود النظام الخاص (الجهاز السري) نشاطه بنفس الأفكار ونفس الطريقة ليدخلوا الإخوان اليوم في النكبة الرابعة التي لا يعلم أحد متى وكيف تنقضي.

ومن الطبيعي أن تفاجأ جماعة الإخوان المعاصرة بهذا القول وينبري لإنكاره كل جاهل بالتاريخ وكل منتفع بالفوضى والهرج التي أصابت صف الإخوان وأصابت كل الوطن، ولكنني أرى دولتهم الدودية منتهية لا محالة مع أول محراث قادم ليقلب الأرض ويعرضها للشمس والهواء.

وأمام هذه الحقائق التاريخية الدامغة فإننا نستطيع أن نقرر أن الإخوان المسلمين شيء والتنظيم السري شيء آخر يختلف عنها تماما، وأن الإخوان المسلمين جماعة الصالحين قد تأذت كثيرا من فعل هؤلاء وخبصهم ولبصهم على مدار التاريخ وبالجملة فالإخوان والتنظيم السري ضدان لا يلتقيان وعلى كل راغب في العمل الجماعي أن يختار الفريق الذي يعمل معه، إما الإخوان وإما التنظيم السري.

التنظيمات السرية الإخوانية:

تدل وقائع التاريخ أن جماعة الإخوان المسلمين سقطت في شرك العمل السري أربع مرات حتى اليوم، في المرة الأولى تشكل التنظيم السري بقرار من المرشد العام الأستاذ حسن البنا وهو في الخامسة والثلاثين من عمره (1941) ووضع على رأسه الشاب محمود عبد الحليم المهندس الزراعي الإسكندراني ولكنه استقال من المهمة لظروف خاصة لم يوضحها؛

ثم حل محله موظف بوزارة الزراعة يدعى عبد الرحمن السندي وكان المبرر حماية الدعوة من خصومها، وانتهى أمر هذا التنظيم بالتمرد على الجماعة ومقاتلتها والخروج على قواعد الدين والقانون في وقت واحد ثم تسبب في مقتل البنا كبير الإخوان كرد فعل طبيعي لمقتل النقراشي كبير الحكومة وقتها، وانتهى التنظيم بقرارات الفصل التي صدرت من المرشد الجديد حسن الهضيبي.

التنظيم السري الثاني شكله الأستاذ الهضيبي تحت ضغط الشعور بالخطر من جهتين، الأولى بقايا التنظيم السري المنحل والثانية مجلس قيادة الثورة الذي بدأ يطارد الجماعة لوقوع خلافات حادة بينها وبينه، وأوكل التنظيم الجديد إلى نجار يدعى يوسف طلعت، وانتهى التنظيم الثاني بالقبض على معظم أعضائه ثم القبض على المرشد والإخوان وإعدام رئيس التنظيم عام 1954 والأربعة الذين اتهموا بالاشتراك في محاولة قتل عبد الناصر في ميدان المنشية.

التنظيم السري الثالث تشكل في بداية الستينيات بقيادة تاجر حبوب من دمياط يدعى الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وهدفه قتل عبد الناصر ومعاونيه وقلب نظام الحكم بالقوة، وانتهى التنظيم بالقبض على أعضائه وإعدام رئيس التنظيم ومعه الشهيد سيد قطب صاحب الظلال، واعتقال كل من باشر عملا تنظيميا إسلاميا وسبق اعتقاله من قبل.

التنظيم السري الرابع تشكل بالسجون على مشارف الخروج منها بعد وفاة عبد الناصر (حوالي عام 1973)، ورئيس التنظيم الرابع هو الحاج الفيزيائي مصطفي مشهور من السعديين شرقية ومساعده الأول الحاج أحمد حسنين من قليوب قليوبية والأعضاء معظمهم ممن بقي من تنظيم الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، وقد استكمل قوته فور خروج الإخوان بتجنيد شباب من الجماعات الإسلامية وكنت واحدا من هؤلاء؛

وبعد انكشاف أمره بينما قائده هارب خارج البلاد بعد اغتيال السادات واصل مشهور تجنيد المصريين بدول الخليج والسعودية والطلبة المبعوثين للدراسة بالخارج في أوروبا وأمريكا وعاد من الهروب عام 1986 ليكمل تحقيق أهداف التنظيم، هدف التنظيم الرابع كان مغايرا للسابقين، فقد كان الهدف هو قلب نظام الحكم في الإخوان أولا ليستولي على مقدرات الجماعة ويتخلص من ازدواجية القيادة ويصبح مطلق اليد في قرار الإخوان، ثم يأتي الهدف وهو استخدام الجماعة لقلب نظام الحكم في مصر وفقا لخطة التمكين المضبوطة في مقر التنظيم الأساسي تحت مسمى شركة سلسبيل.

وفي الفصل الرابع من الكتاب كافة التفاصيل حول التنظيم السري الرابع. أولا: النظام الخاص (بيضة الشيطان).

كما ورد في كتاب (النقط فوق الحروف ... الإخوان المسلمون والنظام الخاص) للأستاذ أحمد عادل كمال وهو أول وأبرز من كتب عن أعضاء النظام الخاص (التنظيم السري) هناك روايتان لنشأة التنظيم السري الأول في الإخوان، الأولى أنه نشأ من المكلفين بجمع السلاح القديم من الصحراء الغربية وتجديده تمهيدا لإدخاله إلى المجاهدين في فلسطين من أواسط الثلاثينات؛

وبعد انتهاء الحرب احتفظوا ببعض الأسلحة والمتفجرات وأدوات التدريب لأنفسهم، والتفوا حول المرحوم عبد الرحمن السندي، واعتبروا أنفسهم في حالة جهاد ويلزمهم استمرار التدريب والتسلح، ثم نمي الجهاز وتفرع حوالي 1945، والقصة الأخرى أن الإمام حسن البنا هو الذي أنشأة من وراء ظهر الهيئة التأسيسية وكلف بذلك الأستاذ محمود عبد الحليم وهي الرواية التي تصدقها وثائق عديدة.

وأيا كان السبب فالنتيجة واحدة أن جماعة الإخوان في عمومها لم تكن تعرف بأي حال من الأحوال أن ثمة مسلحين سريين يسكنون دارها ويختبئون في ردهاتها، وأصبحت جماعة الإخوان تفاجأ لأكثر من مرة بمن يطعنها في ظهرها بالطعنات الموجعة، واليوم ونحن نعاني الأمرين من بقايا هؤلاء وأفكارهم كان لا بد من إلقاء الضوء على جذور المحنة التي تمر بها جماعة الإخوان اليوم وهي المحنة الرابعة بسبب أفكار الجهاز الخاص قديما وحديثا.

يقول الأخ عادل أحد الكوادر التاريخية للنظام الخاص عن نفسه وبنفسه في كتابه:

(ولدت عام 1926 بحي السيدة زينب بمدينة القاهرة لأبوين من أواسط الطبقة المتوسطة، كان أبي موظفا حكوميا بمصلحة الطرق والكباري، وكنت باكورة إنجابهما.

لم أختلط بأقراني ومن هم في مثل سني، ولكني انطويت في المنزل عاكف على هوايات أستطيع مزاولتها بين الجدران، هويت جمع طوابع البريد وقطع العملة الأجنبية والرسم ولعب الشطرنج مع والدي وأخي الأصغر، وبقيت على هذا حتى أخرجني عن هذه العزلة اتصالي بجماعة الإخوان المسلمين) أ. هـ.

(كان والدي كبير العناية بتعليمي وتعليم إخوتي، ولقد كانت أسرتنا أسرة تهتم بالتعليم، فكان الوالد يقضي معنا ساعات الليل والنهار الواحد تلو الآخر في مذاكرة لدروس مدارسنا، واستمر معي على ذلك حتى نلت الشهادة الثانوية (التوجيهية) عام 1942م ثم دخلت كلية تجارة بجامعة فؤاد الأول فتخرجت فيها عام 1946 في سن العشرين دون أن أفقد عاما واحدا من سني دراستي.

خلال ذلك اتصلت بدعوة الإخوان المسلمين عام 1942م (لاحظ أن سن الانتماء 16 سنة فقط لا غير)، وتخرجت في الكلية عام 1946م، وعملت بالبنك الأهلي المصري بعد تخرجي، ثم قبض علي في 15 نوفمبر 1948م لاتهامي في قضية السيارة الجيب، (لاحظ أن سن الشباب المتهم 22 سنة فقط لا غير) وبقيت بالسجن إلى مارس 1951م (سنتان وربع وراء القضبان) ... ثم أعيد اعتقالي في سبتمبر 1965م ضمن من شملهم قرار الرئيس جمال عبد الناصر باعتقال كل من سبق اعتقاله! وبقيت بالمعتقل حتى فبراير 1971م بعد مثوله صاغرا بين يدي الديان بنحو من أربعة أشهر (ست سنوات وراء القضبان).

(لاحظ أن العمر الدعوي في هذا التاريخ هو 29 سنة قضى منها الأخ عادل كمال ست سنوات يتعلم، وسنتان متوقف عن العمل الدعوي وعشر سنوات وراء القضبان نتيجة قيامه بعملية واحدة ملخصها نقل كمية أسلحة قديمة بعربة ليس بها بطارية سليمة مما أدى إلى فشل النقلة ومع ذلك يتحدث عنها بفخر وانتشاء شديدين ويحسبها جهاد في سبيل الله) إن أمر التنظيم الخاص وكل من شارك في نشاطه يحتاج مراجعات تاريخية حتى لا تقع الحركة الإسلامية في شرك الأوهام الجهادية مرة أخرى، ويا ليتنا ندرك أن الجهاد بمعنى الحرب لا يكون أبدا بقرارات فردية ولا يكون من المسلمين في مواجهة المسلمين، وبالمناسبة فهناك ملاحظتان تربويتان هامتان على أبناء الحركة الإسلامية أن يلتفتوا إليهما:

وأن الجهة المختصة في ذلك هي القوات المسلحة فقط لا غير ومن أراد أن يكون مجاهدا مقاتلا بقلبه بالتقدم لمؤسسة القوات المسلحة وليس إلى أي جماعة أو فرقة مهما كان اسمها ومهما كانت دعوتها.

الأولى: هناك ضرورة ملحة لإيجاد منهج للدراسات الإسلامية يتلقاه الطالب في المدارس والجامعات حتى لا يقع فريسة لأفكار تحرفه عن الحياة الصحيحة سواء كانت هذه الأفكار علمانية أو حتى إسلامية مجتزئة تهدف لتجنيد الشباب في مثل ما وقع فيه هذا الشاب.

ثانيا: في حالة غياب هذا المنهج وقيام أي جهة خيرية متطوعة بسد هذا الفراغ فعليها أن تتقي الله في المتعلمين وتحذر صبغهم بآرائها الحزبية قبل أن يفهموا أصول الدين التي تمكنهم من اختيار أقوم السبل لممارسة الحياة المستقيمة.

ويواصل الأخ عادل كمال شرح طريقة تجنيده للعمل السري قائلا:

(في يوم من فبراير 1946م دعاني حسين عبد السميع إلى منزله في موعد حدده وأكد علي الميعاد لأن هناك مقابلة هامة ورفض أن يزيد على ذلك حرفا، وفي الموعد وجدت رجلا لم أكن أعرفه في انتظاري عرفني به حسين على أن الأخ أحمد حجازي من الإخوان الموثوق بهم، ثم تركنا حسين وانصرف، وبدأ أحمد حجازي حديثه معي بسؤالي عن رأيي في بعض المواضيع العامة؛

وظل يتدرج بالحديث حتى وصل به إلى موقفنا من الحكومات الضعيفة أمام الاستعمار والوزارات الخائنة، ورغم تعريف حسين وتزكيته للأخ أحمد حجازي فقد كنت حذرا معه في حديثي لأني لم أكن أعرفه من قبل فظل يستفرغ ما في جعبتي وأنا لا أريد أن أنطق إلا بصعوبة حتى اتفقنا في النهاية إلى أن الأخذ بفريضة الجهاد هو الذي يميز الإخوان عن سواهم، بعد ذلك تطرق إلى كيفية هذا الجهاد ووسائله؛

وذهب يسألني إذا كان الواجب يحتم علينا أن نتجهز وأن نتدرب، وأجبت بأن الأمر عسير، فأين نتدرب ومن أين السلاح وكيف يتم هذا في غفلة من عيون الحكومة، قال وقد عيل صبره من مطاولتي "هذا أمر قد فرغنا منه" بهذه الإجابة الحاسمة انفتح له قلبي فوافقته، وانصرف أحمد حجازي بعد أن بايعته على السمع والطاعة والكتمان) أ. هـ

وهنا ملاحظتان هامتان:

الأولى هي أن الشاب الفريسة كان كل ما يشغله هو حسب نصوصه (كيف يتم هذا في غفلة من عيون الحكومة) ولم يسأل عن حكم الله في قضية العمل المسلح، وهذا يدل على ثغرة في التربية الدينية ولو تعلم دينيا بطريقة صحيحة لكان أول ما يسأل عنه هو (ما حكم الله فيما تدعونني إليه؟).

والثانية تتعلق برد الأمير حيث قال في ضجر (هذا أمر قد فرغنا منه) فلا شرح ولا تنوير ولكن تخويف وتغرير وهو ما بان عند تنفيذ العمليات ومنها استخدام سيارة بطاريتها فارغة في عملية كانت لا بد أن تفشل، واليوم يقود التنظيم السري بنفس الطريقة ويقولون للطلبة والشباب في الإخوان لا تفكر فالجماعة تفكر لك، والإخوان أعدوا للأمر عدته، وتأتي أوامر وتوزع على الناس وريقات ويقال الإخوان بعتوا والإخوان أمروا ... ولكن أي إخوان؟ من بالتحديد؟ وما وظيفته؟ الله أعلم!!

ويمكن أن تلاحظ عدة سمات بارزة في شخصية الأخ الفريسة منها:

  1. العزلة عن المجتمع المحيط به، وهو ما يترتب عليه تلقائيا الجهل بأحواله وحقيقته وكذلك سهولة تجنيده وملء عقله بأي أفكار عن المجتمع من قبل أي جهة ترغب ذلك، وإسلاميا فالسنة النبوية الكريمة فضلت من يخالط الناس ويصبر على أذاهم على من يعتزل الناس ولا يصبر على أذاهم.
  2. كان من السهل على من لا صلة له بالناس المواطنين أن يجند لارتكاب مخالفات ضدهم تصل إلى حد قتلهم.
  3. حتى جماعة الإخوان المسلمين التي يقول أنه أوى إليها فقد عزله الجهاز الخاص عن مخالطتها مخالطة طبيعية ولم يكن السريون يحضرون دروس الإخوان ولا يلتقون بحسن البنا ولا يستفيدون بعلمه وروحانيته لذلك نالت الجماعة منهم الأمرين، وكون مع آخرين على شاكلته وطباعه مجموعة خاصة داخل جماعة الإخوان الكبيرة مثلت على مدار التاريخ أكبر مصادر الضرر التي أصابتها وبلغ الأمر إلى درجة مقاتلتهم للإخوان بالأسلحة النارية.

ويلاحظ كذلك أنه لم يحدثنا عن أي اهتمام لأسرته بالدين وعلومه، ولم يحدثنا عن موقف الأسرة من انضمامه للجهاز الخاص، هل وافقت أم رفضت، أم كان الأمر من ورائها؟ وكيف تناسى حض الإسلام على طاعة الوالدين والبر بهما؟ وما موقفهما عندما علما أن ولدهما محبوس بتهمة ارتكاب عمل جنائي؟ وهل يجوز اختطاف الأبناء من أسرهم دون علم الأبوين وتجنيدهم في عمل كهذا؟

ثم يواصل الأخ عادل كمال حديثه المحزن طريقة مبايعة أمير النظام الخاص فيقول: (وفي الفترة التي قضيناها مع أحمد حجازي أيضا أدينا البيعة الواجبة على إخوان النظام الخاص، فحدد لنا أحمد موعدا لقيناه فيه بمسجد قيسون بالحلمية الجديدة في صلاة العشاء، وبعد الصلاة انصرف أحمد ونحن نتبعه عن كثب في خطوات سريعة، وظل يسير في الطرقات الملتوية بالحلمية والصليبة حتى طرق بابا ضخما من الخشب لمنزل كبير قديم، وفتح لنا فدخلنا وصعدنا على سلم مظلم إلى غرفة كان بها مكتب من الخشب القديم قرضت قوائمه فهو أشبه بالطبلية على الأرض .. (كأنك في فيلم دراكولا أمير الظلام).

كانت الغرفة مضاءة إضاءة قوية، وتركنا بها أحمد وقام إلى غرفة مجاورة ثم عاد ومعه عبد الرحمن السندي فعرفنا به على أنه رقم (1) في هذا التنظيم وبعد أن حدثنا عن النظام وأهدافه واستوثق من استعدادنا استدعاني عبد الرحمن وحدي فقمت معه، وإذ بدأت أخطو إلى الغرفة المجاورة وقد أمسك بيدي فوجئت بها في ظلام دامس وقد فاح في أرجائها روائح البخور والعطور الشرقية ثم أجلسني على الأرض.

وجاء صوت الرجل الجالس في الظلام لا أتبين منه شيئا، يذكرني بمبادئ الدعوة التي جندنا أنفسنا لنصرتها وإلى أن الجهاد من أركانها وهو سبيلها، وإلى أني بأداء هذه البيعة أضع نفسي تحت تصرف القيادة سامعا مطيعا لأوامرها في العسر واليسر والمنشط والمكره معاهدا على الكتمان وعلى بذل الدم والمال، وقد ذكر ثقة القيادة فينا ومع ذلك أشار إلى أن خيانة أو إفشاء سر سوف يؤدي إلى إخلاء سبيل الجماعة ممن يخونها.

وبايعت على ذلك وقد مددت يدي فوضعتها على مصحف ومسدس وقد وضع يده فوق يدي ولئن لم نر شخص الرجل فلقد كان واضحا من صوته أنه الأستاذ صالح العشماوي، ثم قام عبد الرحمن وأخذ بيدي في الظلام الذي ما زلت لا أتبين خلاله شيئا فخطونا نحو باب الغرفة إلى الغرفة الأولى شديدة الاستضاءة، فجلست بها لا أكاد أرى شيئا من شدة الضوء لفترة في حين أخذ عبد الرحمن أخانا عبد المجيد فأدى بيعة مماثلة ثم عاد به وأخذ طاهر فبايع أيضا ثم عاد.

في تلك الليلة أيضا أعطانا أحمد أرقامنا السرية التي كان علينا أن نتعامل بها بدلا من أسمائنا فكان رقمي (16)، ورقم عبد المجيد (17) ورقم طاهر (18)، وانصرفنا إلى بيوتنا وسعادتنا لا تعدلها في الدنيا سعادة) أ هـ.

وأنا أسأل القارئ مهما كانت ثقافته الدينية أو العسكرية: هل هناك أي صلة بين هذه التصرفات وبين دين الله كتابا أو سنة، وهل في القرآن أو السنة أن المجاهدين تبايعوا على الموت في حجرة مظلمة أو في جو مرعب ومخيف على هذا النحو؟ والأغرب من ذلك أن الذين مارسوا هذا الانحراف الديني والإنساني يحسبوه علينا جهادا في سبيل الله ويطالبون مقابلة بالسيادة على إخوانهم وتقديم فروض الولاء لهم بوصفهم قادة مسئولين؟

ويواصل الأخ عادل كمال حديثه عن ارتكاب النظام الخاص جريمة التجسس على المسلمين مسميا ذلك مخابرات الإخوان، مع أن الآية صريحة في تحريم التجسس ووردت بصيغة النهي (والنهي عند علماء الأصول وعلماء الفقه يدل على التحريم) في قوله تعالى في سورة الحجرات آية 12 (.... ولا تجسسوا ...) فيقول سيادته:

(وكان يتبع النظام الخاص قسم للمخابرات يبدو أنه أنشئ مبكرا، فأدخل بعض إخوان النظام في الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر حتى نكون يقظين لما يجري على الصعيد السياسي في مصر، وكان من الأمثلة الناجحة في هذا الشأن الأخ أسعد السيد أحمد الذي انضم إلى حزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدي الذي أنشأه لحمايته زعيم الحزب الأستاذ أحمد حسين، ذلك الحرس كان مكونا من ستة أفراد، وأصاب الملل أسعد من تلك المهمة لأنها كانت تحرمه من التردد على دور الإخوان حتى لا ينكشف أمره؛

فذهب يعرض على الزعيم أن يندس في صفوف الإخوان ليأتيه بأخبارهم، وأعجب الزعيم جدا بالفكرة فرد موسى إلى أمه، انكشف أمر أسعد بعد ذلك في قضية السيارة الجيب، وتطوع الأستاذ أحمد حسين كمحام للدفاع عنه، وكان أهم ما عني به أن يتبين أمرا ... هل كان أسعد من الإخوان واندس على مصر الفتاة، أم كان من مصر الفتاة واندس على الإخوان فقبض عليه معهم؟).

- ومما لا شك فيه أن هذا يدل على مدى توتر العلاقة بين الإخوان ومصر الفتاة، وهنا سؤال: ألم يكن الأولى والأعقل هو الحوار بين الفرقاء وإزالة أسباب التوتر؟ أم لم يكن بين الفريقين رجل رشيد يقوم بالدور المتوافق مع تعاليم الإسلام وهديه؟ إن الدعاة إلى الله إذا انزلقوا بدعوتهم إلى هذه المخاطر والأخطاء فسوف ينتهون حتما إلى فشل ذريع، إن الله طيب ولا يقبل إلا ما كان طيبا، ولقد انزلق هذا الفريق إلى التجسس على الإخوان أنفسهم واستحلوا ذلك وما يزالون حتى يومنا هذا كما بينت في الفصل الثاني.

ويتحدث عن قضية السيارة الجيب التي كانت السبب المباشر في صدور قرار بحل الجماعة وتبع ذلك قيام الجهاز باغتيال رئيس وزراء مصر فقامت الحكومة باغتيال حسن البنا نفسه، يقول الأخ عادل كمال:

عهدة المدرسة:

ذكرنا أن مجموعات النظام الخاص كانت تتلقى دروسا في بيوت أعضائها عن مختلف أنواع الأسلحة ولا سيما المسدسات والقنابل اليدوية والمتفجرات والقنابل والتوصيلات الكهربائية لتفجير الشحنات الناسفة، كذلك كانت هناك رسائل ومطبوعات خاصة بتلك الدراسات، هذا فضلا عن التقارير التي كانت يحررها إخوان النظام دراسة لهدف من الأهداف أو عملية من العمليات أو لمجرد التدريب على تلك الدراسات وأوراق الإجابة لامتحانات مراحل النظام، تلك الأوراق التي صدرت أخيرا أوامر عبد الرحمن إلى مسئول النظام عن منطقة القاهرة بإعدامها.


هذه الأوراق وعديد من الأسلحة التي ذكرناها كانت في حاجة إلى مكان لتحفظ فيه، وكنا قد استأجرنا شقة بحي الدمرداش وضعت هذه الحاجيات التي يمكن أن نطلق عليها أدوات أو عهدة المدرسة التي كان يتعلم عليها إخوان النظام بالقاهرة في إحدى حجراتها بينما شغل اثنان من الإخوان الطلاب حجرتين أخرتين.

ورئي التخلص من هذه الشقة، وكان أحد إخواننا عادل النهري طالبا بإعدادي الطب ويسكن العباسية، كانت له حجرة خاصة ينزل إليها من حديقة منزله بعدة درجات وكانت أسرته تسكن فوق تلك الحجرات، وقد استضاف الأخ عادل تلك العهدة مدة طويلة في حجرته تلك فكانت تملؤها، وانتهى العام الدراسي وكان من متقضى دراسته أن يتمها في كلية الطب بجامعة فاروق الأول بالإسكندرية لضيق الأماكن بالقاهرة.

وقد شرح لنا عادل ذلك قبلها بوقت كاف، وأبلغت بدوري المسئول فوقي رحمه الله فوعد بإعادة البحث عن شقة، ومرت الأيام وعاد أخونا ينبهنا إلى اقتراب موعد سفره وتكرر الوعد بأخذ وديعتنا من عنده، وظل الأخ يذكرنا حتى اليوم السابق لسفره فأرسلته مباشرة إلى المسئول فوقي ليتفاهم معه، ولم يعد لي في ذلك اليوم حتى ظننت أن الأمر قد قضي، ولكن في اليوم التالي وأنا أغادر بيتي صباحا في طريقي إلى عملي حضر لي طاهر عماد الدين وسلمني رسالة من المسئول بنقل تلك الحاجيات اليوم بأي طريقة، وأنه قد اتفق مع إبراهيم محمود ليأخذها في مسكنه؛

وأنه لذلك سيكن في انتظارنا في محله (محل ترزي) بالعباسية طوال اليوم، وعرض على أن يقدم جهده وخدماته، فاتفقت معه على موعد معين في العباسية، وانصرفت إلى عملي وأنا حائر .. كيف أنقل تلك الحمولة؟ وقلت في نفسي لعل المسئول قد اتفق مع أخينا إبراهيم على شيء في هذا الشأن، كنت أخرج من عملي الساعة الواحدة لأعود إليه في الرابعة، كان ذلك يوم الإثنين 15/ 11/ 1948م وكنت صائما.

وغادرت عملي إلى محل إبراهيم محمود فلم أجده وأفادني شريكه أنه نزل إلى البلد لشراء حاجيات للمحل، وقلت في نفسي لعل إبراهيم يعمي على شريكه ولعله أن يكون منتظرنا في مسكنه القريب، غير أني لم أجده به، وانصرفت أضرب أخماسا في أسداس، وأنا في تلك الحيرة صادفت مصطفى كمال وكان من إخوان النظام وفي عهدته سيارة جيب مملوكة للنظام كانت مشتراة حديثا من مخلفات الجيش الإنجليزي ولم تكن لها أرقام، وناقشته في المشكلة فوافق على استخدام السيارة في النقل وعرض أن يأخذ العهدة في بيته حتى نجد لها مكانا، وهكذا تراءى لي أن المشكلة قد حلت فجأة.

ومررنا في طريقنا بطاهر حيث كان ينتظرنا، ثم إلى بيت أخينا طالب الطب عادل النهري فحملنا ما كان لديه على العربة وكانت حمولة فوق طاقتها، غير أنه تبين لي أن بطارية العربة ضعيفة وأنها تتوقف أثناء دورانها، ورغم أني أوجست من ذلك خيفة إلا أنه لم يكن أمامي خيار آخر، وفي عودتنا إلى بيت مصطفى قابلنا إبراهيم مصادفة فانصرفنا جميعا إلى بيته حيث أفرغنا حمولتنا.

سقوط السيارة:

كان إبراهيم يسكن في بيت رجل يريد أن يحمله على إخلاء مسكنه لتشغله ابنته التي على وشك الزواج من مخبر في البوليس السياسي! ولم نكن نعرف ذلك، وحضر ذلك المخبر حال تفريغنا الحمولة ورآها، فارتاب في محتوياتها، ولم يخف علينا جميعا ما وراء ذلك، فانتهزت فرصة اختفاء الرجل عن أعيننا – واستنتجت أنه ذهب لإبلاغ رؤسائه بما رأى – وأعدت كل الحمولة إلى العربة لننطلق بها، وقد تم لنا ذلك عاد الرجل، ووجدنا صعوبة في إدارة محرك السيارة بسبب ضعف البطارية، وبدا الموقف حرجا إلى الغاية، وراح المخبر يصرخ فجري سائقنا، وبذلك صار الموقف ميئوسا منه فتركنا كل شيء وانطلقنا نبتعد والمخبر والناس من خلفنا، حتى قبض على طاهر وعلى، أما مصطفى فقد استطاع الفرار، وعاد إبراهيم إلى محله حتى قبض عليه ليلا (أ. هـ).

سقوط حظ:

كنت ومصطفي مشهور وطاهر وإبراهيم نرتدي بدون أي اتفاق بنطلونا من الفانلة الرصاصي وبلوفر ... مصادفة عجيبة، فلما فر مصطفى تناقل الناس أن شخصا يرتدي بنطلونا وفانلة وبلوفر قد فر .... وهنا مر من المنطقة مصطفي مشهور أحد المسئولين الخمسة عن النظام يحمل حقيبة جلدية بها مجموعة خطيرة من أوراق النظام ... كان يرتدي بنطلونا وفانلة وبلوفر، وتصايح به الناس أنه هو الهارب المطلوب ... وقبضوا عليه .... وشهد الشهود الذي استحضرهم البوليس أنه كان معنا في السيارة!! وأنكرنا جميعا أننا كنا بها، كما أنكر كل منا معرفته بالآخرين ... وقد أدهشني وجود مصطفي مشهور مقبوضا عليه معنا) أ. هـ.

(وليحكم القارئ بنفسه على الأداء الطفولي الذي يفخر به حتى اليوم أعضاء النظام الخاص، وليحكم العسكريون المحترفون على يزاد ما يسمى عند هؤلاء بطولات وما تزال تروي في تاريخ الجماعة حتى اليوم ليقتدي بها آلاف المخدوعين).

لاحظ عزيزي القارئ عدد المخالفات الإدارية والتكتيكية في العملية:

  1. المسئول عن الأسلحة والمفرقعات والمستندات كان لا يعبأ بالموضوع لأنه ليس في بيته ولا في حوزته وتراخي كثيرا في نقل الأسلحة حتى اليوم الأخير قبل سفر من يتحمل المسئولية عنها.
  2. الطالب عادل النهري الذي كان في أقصى درجات الهلع بسبب قيامه بهذا التخزين من وراء أسرته وبدون علمها والأسرة سوف تقدم حتما بتنظيف الحجرة بعد سفره وتكتشف هذه المصيبة في بيتها.
  3. إبراهيم محمد الذي قبل أن يتسلم العهدة في لحظة حرج من إخوانه هرب من مكان انتظارهم (محل الترزي) وبذلك أنقذ من تسلم هذه التهمة وتخزينها في بيته والدليل على هروبه أنه كان يراقبهم من على بعد فلما تأكد أنهم وجدوا مكانا آخر أظهر نفسه لهم قبل المواقع ليشارك شكليا في العملية.
  4. بدون ترتيبات استخدام الجناة سيارة جيب بدون أرقام مملوكة للجهاز الخاص ويقودها مصطفى كمال.
  5. إبراهيم محمود يسكن في بيت أحد سكانه (مخبر سري) وبينه وبين أسرة المخبر (حماة) خصومة وصراع .. ومع ذلك توجهوا للمكان بكل هذه الأسلحة والذخائر والمعدات؟!
  6. الحمولة كانت فوق طاقة السيارة وزيادة على أربع ركاب والسيارة عطلانة لعطل البطارية.
  7. مصطفى كمال سائق السيارة يهرب فور اكتشافهم لأن السيارة أصلا ليست باسمه وهروبه يخل مسئوليته تماما ولسان حاله يقول (ليذهب الباقون للجحيم).
  8. في لحظة الانكشاف أطلقه الجناة الصغار جميعا أقدامهم للريح وفروا هاربين في عملية الانسحاب غير منظم تماما وقد أرى بهم الأهالي فطاردوهم وكأنهم يقولون (إمسك حرامي) فقبض على اثنان بواسطة الأهالي وليس بواسطة الشرطة، وواحد فقط ليدل على الباقين، بقي فيه واحد فوق البيعة.
  9. مصطفي مشهور لم يلاحظ كل هذا الهرج والمرج في الموقع وقدم هدية جديدة للشرطة وهي كافة مستندات الجهاز الخاص الذي يرأسه مع أربعة آخرين، والنتيجة أن كل ممتلكات الجهاز الخاص سلمت في نصف ساعة لأجهزة الأمن بواسطة قادته ومساعدة المواطنين المصريين وفقط واحد مخبري سري لا غير والحصيلة السيارة جيب المملوكة للجهاز والأسلحة والذخائر وكافة المستندات وثلاثة قادة مصطفي مشهور، عادل كمال، وطاهر عماد الدين.
  10. المستندات واعترافات الثلاثة قدمت الشبكة كلها للمحاكمة، في أقل من أسبوع ... ودقي يا مزيكة للجهاز الخاص العظيم الأداء المتخصص في التربية والمحرر للوطن والمحارب للأعداء في البر والبحر والجو.
  11. وتدل القصة من أولها إلى آخرها أن الجهاز كان مجموعة أشبال يلعبون بالنار، وكان أول من أحرقته النار جماعة الإخوان نفسها ومرشدها الذي اغتيل بجريرتهم.
  12. كما يهمنا لفت الأنظار لاسمين هامين كانا في القضية الكارثة تلك وهما المرحوم مصطفي مشهور والمرحوم أحمد حسنين، ومع احترامنا لهما فقد كانا بذاتهما وراء قضية التنظيم السري الخاص الجديد الذي أدخل الجماعة محنتها الرابعة التي نعاني منها اليوم ونحاول معالجة آثارها وكانا مسئولان عن تسليم حقيبة معلومات أكبر وأشمل من حقبة الأربعينات لمباحث أمن الدولة في القضية المشهورة بقضية سلسبيل حيث أشرفا على ترتيبات جمع المعلومات عن إخوان مصر لتستخدم في قلب الحكم في الإخوان ولكن للأسف الشديد لم يتوخيا الحيطة والحذر كما كانوا في شبابهم بالضبط واستولت أجهزة الأمن على الجهد كله في ساعة من الزمن.

ويتحدث الأخ عادل كمال عن ليلة تشييع الشهيد حسن البنا بكل رومانسية ودونما أي شعور بأن النظام الخاص كان السبب المباشر لوقوع القتل فيقول:

الجنازة:

واتصل البوليس السياسي بالشيخ أحمد عبد الرحمن البنا والد الإمام الشهيد في بيته ليخبروه الخبر ويخبروه بين أمرين .. أن يحضروا جثمان ابنه إلى بيته بدفنه دون أي احتفال أو جنازة .. أو يقوموا هم بدفنه بمعرفتهم دون أن يراه ... وفي ثبات وصبر وإيمان اختار الشيخ الأمر الأول، وتحت جنح الظلام في جوف الليل حملوا جريمتهم وجريمة عهدهم بل جريمة عصرهم إلى ذلك المنزل المتواضع بالحلمية الجديدة، ولم يغفلوا عن حصار البيت، فلا أحد يدخل ولا أحد يخرج.

ورفضوا استدعاء الحانوتي للقيام بما يلزم فقام الشيخ بنفسه وبدون معاونة من أحد بتغسيل ولده الشهيد إمام الهدى في عصره الذي لم يجاوز الثالثة والأربعين من عمره ... غسله وكفنه، وأحضروا له نعشا فوضعه فيه، ثم طلب إلى رجال البوليس حمل الجنازة فقالوا تحمله النساء!

وكان الرجل شيخا كبيرا وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا، فعاونه في حمله نساء بيته المؤمنات الصابرات إلى مسجد قيسون للصلاة عليه هي مسافة مجهدة، وكان البوليس ينتشر في المنطقة وقد أمر بإغلاق النوافذ والأبواب حتى لا يرى أحد هذه الجنازة التي لم يذكر التاريخ قديمة ووسيطة وحديثه مثيلا لها .. لا في الشرق ولا في الغرب ولا في أي مكان أو زمان، لم يسمح لأحد أن يرفع إصبعه بالشهادة، ومن فعل اعتقل، واستطاع أفراد قلائل من الإخوان الوصول إلى المكان فاعتقلوا، مثل محمد الغزالي الجبيلي وإبراهيم صلاح ومحمود يونس رحمه الله.

لاحظ أن إبراهيم صلاح الشجاع الوفي كلفه الأستاذ عمر بالقيام بمهمة الاتصال الخارجي باسم الإخوان في الثمانينات ولكن الجهاز السري اعترض وعين ممثل آخر تابع لهم هو يوسف ندا.

وتم الدفن في مقابر الأسرة بالإمامين ..

وهناك في قصر النقراشي بمصر الجديدة كانت زوجته تمنح هداياها إلى المخبرين اللذين أطلقا الرصاص على الإمام الشهيد ... خمسين جنيها وبدلة من حلل زوجها المتوفى التي لم تعد لها قيمة لكل منهما، يذكرنا هذا ما جاء في إنجيل متى: "أن يهوذا باع المسيح إلى الرومان ليقتلوه بثلاثين مثقالا من الفضة" أ. هـ.

"وأقول من جانبي في هذا عبر ودروس كثيرة منها:

أن الجماعة التي تفاخرت بقوتها وشعبيتها طيلة العشرين سنة الأولى من حياتها قد انتهت إلى الصفر يوم استشهاد البنا حتى أنها لم تستطع دفن مرشدها ولا عمل جنازة لوداعه.

وهناك ملاحظتان هامتان:

  1. لو بحثنا عن السبب المباشر لوجدناه الجهاز الخاص السري الذي ارتكب من الحماقات ما يهدم عشر جماعات كالإخوان المسلمين، فهل نسلم قيادتنا مرة أخرى لمن انتمى لهؤلاء الذين بغوا علينا قبل بغيهم على غيرنا؟!
  2. – الأخ عادل كمال يستكثر على زوجة النقراشي أنها فرحت لمقتل الإمام الشهيد!! هل من الإنسانية يا سادة يا محترمين يا سدنة النظام الخاص السري أن تقتلوا زوجها وتنتظرون أن ترسل لكم الورود والتحيات والتشكرات، أم أن فعلها كان من باب الوفاء لزوجها؟! إن قتل النقراشي كان جريمة كاملة الأركان وفاعليها هم النظام الخاص الذي خالف أمر الجماعة كعادته، وحسب قانون الفوضى والثأر توجه الانتقام إلى كبير عائلة الإخوان تلقائيا وقتله.

والأولى أن تلوموا أنفسكم يا سدنة السريين والسرية يا من أجرمتم في حق الإخوان والإسلام والعدالة والمشروعية بدلا من توجيه النقد لأرملة النقراشي.

وباستشهاد الإمام الشهيد حسن البنا يكون الجهاز الخاص قد سدد لجماعة الإخوان طعنته الأولى القاتلة وعلق في رقبة الجماعة ظلما وعدوانا دمه بريئا لم ترتكبه، وها نحن نستعيد التاريخ لنأخذ العبرة والعظة التي تقضي بضرورة إبعاد المنتمين لهذا الفكر عن طريق الدعوة ونذكر بمقولة البنا (هؤلاء ليسوا أخونا وليسوا مسلمين) زجرا لهم وتحذيرا من خطرهم والبنا في ذلك لا يكفرهم أو يخرجهم من الملة ولكنه يقتدي بالرسول عندما قال في أكثر من حديث: ليس منا من فعل كذا وكذا ... بمعنى أن من يرتكب هذه المخالفات فليس على هدينا وطريقتنا.

ثانيا: التنظيم السري والهضيبي:(هل يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين؟!)

أدى استشهاد المؤسس الشاب حسن البنا رحمة الله عليه في 12 فبراير 1949 إلى تصدع بناء الإخوان ومرت بهم أيام عصيبة، الخوف يملأ القلوب والملاحقات الأمنية بالليل والنهار، وقضى الإخوان في هذه الحال قرابة الثلاث أعوام بدون مرشد حتى استمتعوا لأول خطاب لمرشدهم الجديد المستشار حسن الهضيبي في 23 أكتوبر 1951، وتجمع الروايات أن الذين رشحوه كانوا يعتبرونه مرحلة مؤقتة ووسيلة عبور من أزمة حيث لم تفلح كل الجهود لكي يتفق الفرقاء على مرشد من بين مكتب الإرشاد القديم أو ما عرف بالهيئة التأسيسية.هنا عدة ملامح تاريخية مهمة وفوائد تربوية لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.

الملمح الأول يوضح أن مزاعم التربية في الأربعينات لم تكن بالدرجة التي أشاعوها عن أنفسهم ولو تلقى الإخوان بالفعل حظا معقولا من التربية والتعليم لاستطاعوا بسهولة ويسر أن يتفقوا على واحد منهم ليقود المسيرة ولكن عز على القوم أن يتفقوا، وللمرة الثانية تتأكد نظرة حسن البنا النهائية بان إخوان المرحلة الأولى كان يلزمهم العودة إلى أيام المأثورات.

الملمح الثاني أن تولية المستشار الهضيبي المسئولية كان عملية تنطوي على غرر واضح حيث كان اختياره كما اتضح من الشواهد التاريخية ليكون مرشد صورة وليس حقيقة وتصوروا أن هذا يمكن أن يكن مقبولا منه.

الملمح الثالث أن هذا يدل على أنهم لم يدرسوا شخصيته بعناية كافية فقد بدا الرجل محتفظا بكرامته ومصرا على الإمساك بكل خيوط الجماعة التي تحمل مسئوليتها، ولا يستطيع أحد أن يلومه على ذلك).

ولكن كيف كان موقف النظام الخاص وهو موضوعنا الأصيل في هذا المؤلف؟!

يواصل الأستاذ أحمد عادل كمال توضيح طبيعة العلاقة بين الجهاز الخاص والمرشد الجديد فيقول: (جاء الرجل جديدا على جماعة لا يعرف أفرادها من قبل ولا يعرفوه، ولنضع النقط فوق الحروف ... لقد سار في عهده الأول معتمدا على فريق معين من الإخوان دون الآخرين، هو الفريق الذي رشحه ليكون مرشدا، ورغم محاولات الآخرين أن يشعروا بأبوته ... لم يشعروا، وهنا تختلف الآراء، يقول الأولون إن الآخرين لم يكونوا متعاونين معه، ويقول الآخرون إنه كان يحابي ذلك الفريق) أ. هـ. وعلى هذا التصور لم يكتف السريون بالتسبب في قتل المرشد الأول وواصلوا غير عابثين عرقلة مسيرة المرشد الثاني.

ويواصل أحمد عادل كمال حديثه المأساوي حول إصرارهم العمل منفصلين عن قيادة الجماعة فيقول:

(وما إن صدرت الأحكام في قضية السيارة الجيب وأفرج عن عدد منا يوم صدور الحكم – وكنت منهم – حتى بدأنا نتفاهم حول تجميع النظام، وفي حديث بيني وبين أحمد زكي وكان أكبرنا وضعا في النظام وأكثرنا تصورا للأمور قال إن الأمر أصعب من هذه البساطة الظاهرة بكثير، وكان صادقا صائبا، وفي زيارة لعبد الرحمن السندي حيث كان ما زال محبوسا بمستشفى قصر العيني وجدته أكثر حماسا من أحمد زكي في ضرورة المبادرة بإعادة تشكيل النظام الخاص وكان يشكو بمرارة من عدم حماس من يتعاونون معه وعدم مقدرتهم على القيام بهذا الأمر.

وبدأنا اتصالاتنا لتنفيذ ما رأينا أنه لا بد من تنفيذه فكانت اجتماعات، كان أكثرها بمنزل جمال فوزي بحي الروضة أو بعيادة الدكتور أحمد الملط (خالفهم وتركهم في مرحلة لاحقة) وكان يشهد هذه الاجتماعات معنا المهندس حلمي عبد المجيد وإسماعيل عبيد ومحمد شديد وسيد أبو سالم وكان يرأسنا أحمد زكي ...

لم تكن اجتماعاتنا قاصرة على بحث ما يخص النظام الخاص بل تناولت كل ما كان يهم الجماعة في تلك المرحلة، تناولنا فيها مواضيع القضايا والمسجونين ودار المركز العام ومظاهرة البرلمان ودبرناها بالاتفاق مع الأستاذ صالح العشماوي) أ. هـ.

ولعله واضح في هذا المقطع أن النظام الخاص القديم والجديد شيء واحد، الأصل فيه العمل من وراء القيادة المعروفة للكافة وبدون تنسيق ولا تواصل معها، والسمة المسيطرة على أعضائه هو أنهم الأفهم والأقدر وما عداهم مجرد صور لا حياة فيها ولا فهم لها، إنها نظرية شعب الله المختار العنصرية الممقوتة مهما كان مسمى صاحبها.

وفي المقطع التالي من الكتاب سترى كيف رفض الجهاز الخاص من القدم الاحتكام للدين صراحة أو الالتزام بالفقه والشريعة واتخذ إلهه هواه.

يقول الأخ عادل كمال:

(كان هناك اعتراض على إعادة تكوين النظام الخاص، قالت مجموعة: إننا فكر ... عقيدة .. والعقيدة تنتشر بالدعوة وإبلاغ الناس وتبصيرهم بها وإفهامهم أصولها ومقاصدها، ولا يمكن أن تنتشر بالقوة والانقلاب، هذه واحدة، والثانية أن دعوى الجهاد في سبيل الله لا تكون إلا بتعيين الإمام ... يعني في حالة قيام الدولة المسلمة، فالدولة هي التي تكلف الأفراد بأعباء الجهاد، والإمام رئيس هذه الدولة هو الذي يعلن الجهاد، أما حيث لا يكون لنا دولة فإنه لا يحق لأي إنسان أن يعتبر نفسه مسئولا عن الجهاد واستعمال السلاح.

وقادهم هذا إلى إثارة مسألة ... هل نحن الجماعة المسلمة بمعناها الشرعي؟ أو نحن جمعية من المسلمين؟ وانتهوا إلى أننا جماعة من المسلمين ولسنا الجماعة المسلمة وعليه فلا يحق لنا أن نعلن جهادا ولا أن نقاتل أو نقتل باسم الإسلام أحدا وإلا كان خائنا سفاحا.

كما أثار بعضهم وليس كلهم اعتراضا آخر بأن بأن قادة النظام قد تنكبوا الطريق حين جعلوا من تعليماتهم لإخوان النظام أن يكذبوا إذا لزم الأمر، فيزعمون أنهم ليسوا من الإخوان وأنهم لا يعرفون ما يسألون عنه في حين أنهم يعرفون، وليس الكذب من الإسلام ولا التقية من مذهب أهل السنة، كانت دعوتهم أننا في حاجة إلى دراسة الإسلام والاستزادة منها؛

فئة أخرى من إخوان المحيط العام (لاحظ أنهم اعتبروا أنفسهم القلب واللب وغيرهم القشرة والمحيط العام) اعترضوا على تشكيل النظام بدعوى أن في قيامه ازدواجا في الجماعة، وزعموا أن الأخ يتمزق بين تعليمات المحيط العام للجماعة وتعليمات النظام الخاص، كان أبرز هؤلاء وعلى رأسهم الدكتور (أحمد الملط) رئيس مكتب إداري القاهرة، بما في ذلك النظام الخاص، هذا أو لا يكون نظام خاص، وأبى في إصرار عنيد أنه من الناحية التنظيمية يمكن أن يكون رئيسا لتشكيل عام وأن يكون سواه مسئولا عن تنظيم خاص وأن يقوم بينهما نوع يتفق عليه من التعاون؛

خصصت الدكتور بالذكر لأنه كان أكثر هؤلاء إصرارا وجهرا في مقاومة النظام الخاص، واتجه إلى أن يفرض رأيه بأن يجعل من هذا الموضوع الخاص بتنظيم سري مشكلة تناقش بصورة علنية في كل مكان) أ. هـ.

وهنا أقول: ما أشبه اليوم بالبارحة، فما فعله الدكتور أحمد الملط سابقا، هو نفس ما أفعله اليوم ولكن بعد طول النصح الداخلي ومحاولة إرجاع السريين بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن كما يقال في الأمثال (الطبع غلاب – ويموت الزمار وصوابعه بتلعب – والمتربي في السرية ينام بالنظارة البنية).

ويواصل حديثه حول خلاف النظام الخاص مع جماعة الإخوان والمرشد العام الهضيبي فيقول:

(لم يكن هناك وفاق بين الأستاذ الهضيبي مرشد الجماعة وبين عبد الرحمن السندي المسئول الأول عن النظام، وكان عبد الرحمن يرى أن تصرفات الأستاذ المرشد لا تتفق مع تصريحاته في اجتماعاته معنا، وعلى ذلك فقد حدث بين الرجلين مناقشات واحتكاكات، واستمر الحال على ذلك فترة قام بعدها بعض الوسطاء بالإصلاح بين الرجلين فعاد عبد الرحمن السندي إلى وضعه الأول، ولكن عادت المتاعب مرة أخرى، وفي الواقع أن أسباب المتاعب كانت ترجع كلها إلى نشاط العناصر المناوئة للنظام داخل الجماعة في معاداته).

الفتنة الكبرى:

كان هذا يحدث داخل الجماعة، وفي 15/ 11/ 1953م دعا جمال عبد الناصر مكتب الإرشاد العام على العشاء في بيته، لم تكن العلاقات بين الإخوان وبين الثورة على ما يرام، وبلغنا أنه في تلك المأدبة جرى حديث عن النظام الخاص، وقال جمال إنه يتكلم بصراحة وانفتاح وأن هذا النظام هو دليل سوء نية الإخوان تجاه الثورة وقال إنه كان يفهم وجوده أيام الملك قبل الثورة، أما الآن فلم يعد لاستمرار وجوده سوى معنى واحد هو أن الإخوان ينوون السوء بحكومة الثورة، وبلغنا أنه كان هناك وعد من الطرف الآخر بتصفية هذه المشكلة (!)

ويبدو أن ذلك الوعد كان مؤقتا إلى أجل محدد، كذلك كان لجهود إخوان الاتجاهات الأخرى أثرها في ذلك القرار، أولئك الذين ما فتئوا يوغرون صدر الأستاذ المرشد على عبد الرحمن السندي بالذات.

وفي 23/ 11/ 1953م طلعت جميع صحف الصباح بهذا الخبر المثير دون مقدمات معقولة تدعو إليه .. وتنقل الخبر عن جريدة الأهرام.

• فصل أربعة من أعضاء الإخوان المسلمين. • اجتماع هام لمكتب الإرشاد إلى منتصف الليل. • أعضاء مجلس الثورة يتعشون عند المرشد العام. عقد مكتب الإرشاد لهيئة الإخوان المسلمين مساء أمس اجتماعا هاما برئاسة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام ودام هذا الاجتماع من الساعة السابعة حتى منتصف الليل.

فصل أربعة من الأعضاء:

وقد أذاع مكتب الإرشاد في منتصف الليل البيان التالي:

قرر مكتب الإرشاد العام فصل السادة أحمد زكي حسن وأحمد عادل كمال وعبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ من هيئة الإخوان المسلمين، وبهذا القرار تنقطع صلتهم بالدعوة والجماعة انقطاعا تاما.

ويتناول أعضاء مجلس قيادة الثورة العشاء مساء اليوم على مائدة الأستاذ حسن الهضيبي وسيحضر المأدبة جميع أعضاء مكتب الإرشاد أ. هـ.

وتابع معي عزيزي القارئ رأي النظام الخاص (التنظيم السري في ذلك) يقول: أحمد عادل كمال:

ولم يكن هذا القرار المفاجئ حكيما على أي وجه من الوجوه، فبه راحت الفتنة تجتاح الإخوان، واجتمع بعض الإخوان واتفقوا أن يذهبوا إلى بيت المرشد العام بالروضة لسؤاله عن أسباب القرار، وبطبيعة الحال لقد قلنا إننا لم نسأل ولم يوجه إلينا أي اتهام أو تحقيق، وكان ذلك حقا ومثيرا بطبيعة الحال، ولم يستطع الطرف الآخر أن يدعي أن شيئا من ذلك قد حدث، وصلى الإخوان المتفقون العصر في مسجد الروضة ثم صعدوا مسكن الأستاذ الهضيبي المقابل له وجرى الحديث بصورة غير مرسومة بينهم وبينه وأفلتت أعصاب بعضهم من عدم اقتناعهم بما يجري وبعدم تقديم أي تبرير لهذا القرار فطالب المرشد بالاستقالة؛

ولكن بعض الحاضرين من هؤلاء الإخوان آثر أن لا تجري المناقشة على تلك الصورة فانتقلوا جميعا إلى دار المركز العام للإخوان بالحلمية، وهناك طلبوا أي مسئول في الجماعة أن يحضر للتفاهم معهم والإجابة على أسئلتهم حول قرار الفصل.

وكعادته في حصاد عمره (يقصد الأستاذ صلاح شادي) ذكر أن عبد الرحمن السندي هو الذي أرسل هذه المجموعة من الإخوان إلى بيت الأستاذ الهضيبي لإرغامه على الاستقالة وعمل انقلاب (!) ينصب فيه صالح عشماوي مرشدا، ولم يكن عبد الرحمن ولا غيره من السذاجة بحيث يظن أن تعيين المرشد وتبديله يتم بانقلاب، ولكن الذي حدث أنه بعد أن ذهبوا باتفاقهم وكانت النفوس معبأة والأعصاب مشدودة حدث ما حدث في بيت فضيلة المرشد ثم ذهبوا إلى دار المركز العام وبدءوا يتصلون بي وبعبد الرحمن.

(لاحظ اللغة الرقيقة التي استخدمها أحمد عادل كمال في وصف جريمة انقلاب النظام الخاص على الشرعية التنظيمية في الإخوان وهو ما يتكرر بالتمام من مجموعة النظام الخاص السري كما أوضحت من قبل).

وفي ذلك الوقت كان إخوان آخرون من الطرف المقابل يجمعهم نجيب جويفل وصلاح شادي يتجمعون ويستعدون في عربات لاقتحام الدار على الإخوان المحتجين والالتحام بهم، كما أنهم أخذوا يتسلحون ببعض السلاح.

وكان عبد الرحمن السندي رحمه الله ميالا إلى عدم التراخي وإلى إجهاض ذلك القرار بكل ما يمكن، ولمس الإخوان بالمركز العام تناقضنا فحضر وفد منهم لمقابلتنا حضر صلاح العطار وإبراهيم صلاح ود. عبد العزيز كامل وقد تعهد أن يسعى بكل جهده لحل الأزمة بصورة مرضية، وأجاب على بعضهم بأنه سوف يستقيل من الإخوان إذا فشل في أداء تلك المهمة وعلى ذلك انصرف الإخوان المعتصمون من الدار، وعلى الأثر حضر الآخرون فاحتلوها، ووضح من سير الأمور بعد ذلك أن الطرف الآخر لن يحيد عن موقفه الذي تورطت فيها الجماعة بأسرها. (لاحظ النصوص التي تؤكد وقوف النظام الخاص في وجه الجماعة بأسرها).

الفتنة تستمر:

وأرسل السكرتير العام (الأستاذ عبد الحكيم عابدين رحمه الله) إلى جميع المكاتب الإدارية للإخوان خطابا نصه:

حضرة الأخ الكريم رئيس مكتب إداري ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أرجو أن تبلغوا جميع الإخوان في محيط المكتب الإداري أن مكتب الإرشاد العام قرر بجلسته العادية المنعقدة في مساء يوم الأحد الموافق 15 ربيع الأول سنة 1373 هـ والموافق 22 نوفمبر سنة 1953م فصل السادة:

  1. أحمد زكي حسن.
  2. أحمد عادل كمال.
  3. عبد الرحمن السندي.
  4. محمود الصباغ.

ولقد صدر هذا بعد الاستماع إلى البيانات العديدة التي عرضت على المكتب عن أخطائهم المتلاحقة في حق الدعوة والجماعة خلال العامين الماضيين والتي ثبت منها أنهم سلكوا مسلكا لا يتفق وأغراض الجماعة وأنهم نقضوا البيعة وخرجوا على الدعوة.

ولينصرن الله من ينصره، والله أكبر والحمد لله. السكرتير العام.

ولم يكن المنطق مقنعا فتعالت الاعتراضات، ثم اجتمعت لجنة العضوية للهيئة التأسيسية بالجماعة وقررت إزالة صفة العضوية عن كل من صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال، وبعد ذلك صارت قرارات الفصل تصدر تباعا حتى منح ذلك الحق للمكاتب الإدارية فصارت تزاوله ضد إخوة بذلوا من حياتهم وأعصابهم في سبيل الدعوة ما بذلوا ...

(لاحظ كيف ينتقم أعضاء الجهاز الخاص السري اليوم من معارضيه السلميين، وانظر كم صدرت من قرارات الفصل والتجميد والوقف منذ وفاة الأستاذ عمر التلمساني وحتى اليوم).

وأصدر الإخوان الثلاثة بيانا جاء فيه:

- إن مكتب الإرشاد لم يستدع الإخوان الأربعة الذين فصلهم رغم إعلانه أنه تحري صحة الأدلة دون أقل إخلال بواجب التبين والتحقيق، وأول ضرورات التحقيق مواجهة المتهم بالتهمة والأدلة وإعطائه فرصة الدفاع عن نفسه قبل الحكم عليه. - إن مكتب الإرشاد كون لجنة من الشيخ محمد فرغلي والأستاذ عمر التلمساني والأستاذ حامد أبو النصر للنظر في تظلمات المفصولين.

وأن اللجنة قد استدعتنا وعندما سألناها عن سبب فصلنا طلب الأستاذ عمر والأستاذ أبو النصر أن نتفاهم مع الشيخ فرغلي وحده لأنهما لا يعرفان التفاصيل وأن من مصلحة الدعوة عدم معرفتها علما بأنهما من أعضاء المكتب الذي قرر فصلنا ... إلى آخر ما جاء في البيان.

حدث عجيب:

لقد اجتمعت الهيئة التأسيسية يوم الخميس 3 ربيع الثاني 1373 هـ، 10 ديسمبر 1953 م ووافقت بعد مناقشات عاصفة على قرار لجنة العضوية بفصل الإخوان الثلاثة أعضاء الهيئة التأسيسية صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال؛

كما أيدت الهيئة جميع الخطوات التي اتخذها مكتب الإرشاد العام وعلى تجديد الثقة التامة بالمرشد العام، وأثناء انعقاد الهيئة كان عدد من الإخوان الغاضبين يزيد على الأربعين يجتمع في مسكن أحد الإخوان قريبا من المركز العام ومعهم بعض الأسلحة لمهاجمة الهيئة في اجتماعها إذا اتخذت مثل هذا القرار؛

ولم يكن لي علم سابق بذلك الاجتماع حتى أبلغني به مشكورا واحد منهم انتابته الشكوك بشأنه، وذهبت فورا إليهم وبعد بعض الجدل والمناقشة التي لم تطل استطعت أن أفض الاجتماع، ولم أنصرف حتى انصرفوا جميعا فرادى إلى بيوتهم: (راجع بنفسك تفاصيل أشد وعورة من ذلك في كتاب أحمد عادل كمال وعنوانه – النقط فوق الحروف ... الإخوان المسلمون والنظام الخاص).

الخلاصات مما تقدم:

  1. ورد في هذه المقاطع عدة أسماء من الإخوان الذين عايشناهم بعد عفو السادات عنهم في السبعينات وعملنا معهم من بداية عام 1973 تقريبا وهم: الأستاذ حسن الهضيبي والأستاذ عمر التلمساني والأستاذ محمد حامد أبو النصر والأستاذ مصطفي مشهور والأستاذ أحمد حسنين والدكتور أحمد الملط والأستاذ صلاح شادي والأستاذ إبراهيم صلاح.
  2. لاحظ أن الإخوان الذين مثلوا جماعة الإخوان المسلمين ودافعوا عنها والتزموا بمنهجها ومرشدها طوال الأحداث كانوا هم حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر وأحمد الملط وصلاح شادي وإبراهيم صلاح، وأن المخالفين للجماعة والمنشقين عليها والمعارضين لمرشدها والمتسببين في نكبتها كانوا أعضاء النظام الخاص مصطفي مشهور وأحمد حسنين.
  3. لاحظ أن اللجنة التي شكلها مكتب الإرشاد للنظر في تظلمات المفصولين من الجهاز الخاص كانت مكونة من ثلاثة هم: محمد حامد أبو النصر وعمر التلمساني والشيخ محمد فرغلي.
  4. إذا فهمت ذلك واصطحبته معك فسوف تفهم طبيعة الصراع القديم الجديد الذي دار بين الفريقين في عودة الإخوان في السبعينيات.

ثالثا: التنظيم السري الثالث: (عيال وكبريت ...).


مجموعة من الشباب الصغير السن انساقوا وراء وهم المرحلة السنية المتكررة في أجيال الصحوة الإسلامية من بداية تكوين النظام الخاص وحتى منتصف التسعينيات من القرن الماضي مرورا بحادث المنصة وأحداث اليوم له بأسيوط وكل حوادث القتل والعنف في بداية التسعينيات، الوهم المسيطر كان دائما، نحن قادرون على قلب نظام الحكم بالقوة والسلاح وإعلان البيان الأول للثورة الإسلامية والقبض على من بقي حيا من الحكام الكفرة وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وجعلهم عبرة لمن يعتبر بتعليقهم على أعواد المشانق في ميدان التحرير حتى تأكل الطير من رءوسهم وتشبع الكلاب من أرجلهم، ليس هناك شيء مهم بعد ذلك حيث لم يتوفر للشباب الذي مارس العنف أي تصور عن كيفية إدارة الدولة بعد نشر البيان الأول.


وتبدأ معاناة مصر مع هذه النكبة من قرية سنفا – دقهلية، في هذه القرية سال لعاب بقال القرية وعضو التنظيم السري (يوسف القرش) على قنبلتين سرقهما أحد المجندين باليمن من وحدته وعرضهما للبيع شقيقه ليشتري بثمنهما دخان وكيف، وبالقبض على القرش وتعذيبه اعترف على غيره وبتعذيب غيره اعترف على ثالث ثم رابع ثم خامس، ثم توالت الاعترافات من الصغار على الكبار نسبيا لتصل يد المحقق إلى ما يطلق عليه القيادة العليا وهم (عبد الفتاح إسماعيل وعلي العشماوي وأحمد عبد المجيد إسماعيل المعروف بأحمد كشكول)

ثم صدر القرار الشهير باعتقال كل من سبق اعتقاله وإعادة فرز الشعب لاستخراج واستجواب كل جنين متعاطف مع التنظيم الذي يستهدف قلب نظام الحكم وهكذا دخلت مصر كلها في حالة تعذيب نفسي وبدني ولم يتحقق إصدار البلاغ الأول للثورة المزعومة. ومع سذاجة الفكر وسوء الإعداد فقد خلفت لنا كمية من العاهات النفسية والتعقيدات الإدارية ما تزال لها أثر كبير في إدارة العمل الدعوي والتنظيمي حتى كتابة هذه السطور، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إن السريين القدامى مثل الحاج (مصطفي مشهور)، يعتبرون بردا وسلاما إذا قارناهم بالسريين المنتمين إلى تنظيم 65؛

ولا أكون مبالغا إذا قلت إن الفساد التنظيمي الذي دفعني لكتابة هذا الكتاب أساسه هذه المجموعة التي حولها التعذيب الناصري إلى نسخ مكررة لنفس شخصية الذين عذبوهم من حيث الغلظة والتمادي في الباطل والشوفانية المفرطة، وعبادة الذات وحب السيطرة واستحلال الكذب على الإخوان والمواطنين بناء على تصورات شخصية مقطوعة الصلة بالإسلام شكلا وموضوعا، ومع تسببهم في تعذيب الآلاف من المواطنين الأبرياء فإنهم مصرون على أنهم أبطال وقادة في الحركة الإسلامية، ويحجزون لأنفسهم في قمة الهرم الإداري للإخوان مقاعد ومناصب ورتب ورواتب!

ومن هنا تأتي أهمية مكافحة التنظيم السري الرابع الذي قاده المرحوم مصطفي مشهور وتمكن به من قلب نظام الحكم في الإخوان لصالح السريين، وليمتطوا صهوة الإخوان لأول مرة في تاريخها، وبذلك دخلت الجماعة جحر الضب مرة رابعة، وباتت تعاني متاعب شتى وظلامية وانحراف عن منهج الإسلام في إصلاح الأمم وتحولت إلى مجرد جماعة شغب وورقة تستغلها النظم الحاكمة لتتخذ المزيد من الإجراءات القمعية ولتصدر المزيد من القوانين الاستثنائية بينما أرباب التنظيم السري يتصورون أنهم في ساحة جهاد في سبيل الله ومن ورائهم مئات الضحايا والمخدوعين.

إن قضية استيلاء السريين على السلطة في الإخوان تهدد مسيرة الحركة الإسلامية كلها وتدخلنا في صراعات ومهاترات وجدليات لا تنتهي (راجع الفصل الثالث)، ومن هنا وجب التنبيه لخطورة ما وصلنا إليه، وعلى كل المدركين لذلك أن يبذلوا ما يستطيعون من الجهد الإصلاحي الداخلي قياما بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعملا بمبدأ (أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم).

من مذكرات د. عبد العزيز كامل

وزير الأوقاف الأسبق وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان

لخصه وأعده للنشر: أ. د. حمادة حسني.

أستاذ التاريخ المعاصر – جامعة قناة السويس.

كشفت مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل عضو النظام الخاص بالإخوان المسلمين ووزير الأوقاف الأسبق التي صدرت مؤخرا عن "المكتب المصري الحديث" عن مفاجآت جديدة حول واقعة مقتل الخازندار، وخلافات عبد الرحمن السندي زعيم النظام الخاص مع حسن البنا مرشد الجماعة الأول، خلال الجلسة التي عقدت في اليوم التالي لواقعة الاغتيال، والتي بدا فيها البنا متوترا للغاية حتى أنه صلى العشاء ثلاث ركعات.

وأدان كامل في مذكراته التي قدم لها الدكتور محمد سليم العوا، عدم إيمان حسن البنا بمبدأ الشورى، وكذلك اتباع النظام الخاص أسلوبا يشبه النظم الماسونية، وعدم حنكة الجماعة في اتخاذ القرارات بل والتسرع فيها اعتقادا منها أن الله سيتكفل بإصلاح أخطائهم.

وفجر كامل مفاجأة بكشفه عن وجود علاقات بين الجماعة الإسلامية التي كان يرأسها أبو الأعلى المودودي في باكستان والإخوان، وسعى المودودي إلى ضرورة التنسيق بينه وبين الإخوان في طريق العمل.

وتناولت المذكرات ما أسمته بـ "صدمة سيد قطب من ضحالة فكر قيادات الجماعة"، كما تعرضت لما حدث للهضيبي المرشد الثاني للجماعة أثناء الاعتقال.

الدكتور عبد العزيز كامل في ذمة الله الآن، وقد كتب مذكراته وأوصى بنشرها بعد أن ظلت حبيسة الأدراج أكثر من خمسة عشر سنة، وقد حكى فيها مشوار حياته، بداية من ميوله الصوفية ثم التحاقه بدعوة الإخوان المسلمين والعمل مع قيادتها، وقد شاء القدر أن يوجد في مواقع متباينة، من معتقل القلعة إلى السجن الحربي ومن التدريس بالمدارس الابتدائية إلى الجماعة وصولا إلى كرسي الوزارة ...

وقد ذكر أنه كم من مرة انتقل من مكان إلى آخر وفي يده قيد حديدي، ومرة أخرى كانوا يفرشون تحت قدميه بساطا أحمر ليقف على منصة الشرف يستعرض الحرس، ومرة تعبر به سيارة صامتة شوارع القاهرة وعلى عينيه عصابة سوداء.

تعرف عبد العزيز كامل على فكر الإخوان عندما التقى بصديق له يدعى محمد عبد الحميد في آداب القاهرة عام 1936 وقرأ له تلخيصا لدعوة الإخوان المسلمين على أحد دواليب الكلية، ثم تلقى منه دعوة للحضور بالمركز العام للإخوان المسلمين في 13 شارع الناصرية بالسيدة زينب للاستماع إلى حديث حسن البنا الأسبوعي يوم الثلاثاء، وهذا المقر هو الاول للجماعة بالقاهرة.

يومها ركز البنا في حديثه على الإيمان والعبادة ثم انتقل إلى فريضة الجهاد، وهو ما يعد شرحا لخواتيم سورة الحج، التي لا تجد عضوا في الجماعة إلا وحفظها، وأوضح البنا أن المسلم هو أستاذ الإنسانية وأن أمته أستاذة العالم، وأن عليه أن يوقن بذلك.

واعتبر كامل حديث "البنا" انتقالا بالدعوة إلى الصعيد العالمي، وحاول كامل أن يدرس جوانب شخصية المرشد الأول للجماعة، ولماذا لم يختر لنفسه اسم الرئيس أو ما شابهه، وأدرك فيما بعد أن لقب المرشد نبع من اتباع البنا الطريقة الحصافية بالبحيرة، وتردده على مجالس الذكر فيها مما ترك لمسة صوفية على تصرفاته.

وانتقل كامل في مذكراته إلى أحداث صباح يوم 22 مارس 1948 عندما تم اغتيال المستشار أحمد الخازندار أمام منزله في حلوان، وهو متوجه إلى عمله، على أيدي شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبد الحافظ، وأرجع كامل الحادث إلى مواقف الخازندار المتعسفة في قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين في الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة في 22 نوفمبر 1947.

وقد استدعي البنا للتحقيق في مقتل الخازندار ولكن أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة.

وسرد كامل ما دار في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجماعة برئاسة البنا وحضور أعضاء النظام الخاص حول مقتل الخازندار حيث بدا المرشد متوترا على حد قوله وعصبيا وبجواره عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص الذي كان لا يقل توترا وتحفزا عن البنا، إضافة إلى قيادات النظام أحمد حسنين، ومحمود الصباغ وسيد فايز وأحمد زكي وإبراهيم الطيب ويوسف طلعت وحلمي عبد الحميد وحسني عبد الباقي وسيد سابقو صالح عشماوي وأحمد حجازي ومصطفي مشهور ومحمود عساف.

وفي هذه الجلسة قال المرشد: إن كل ما صدر مني تعليقا على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان هو "لو ربنا يخلصنا منه" أو "لو نخلص منه" أو "لو حد يخلصنا منه" بما يعني أن كلماتي لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى حد الأمر، ولم أكلف أحدا بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن السندي هذه الأمنية على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ.

ولفت كامل إلى أن البنا مساء يوم الحادث ولهول ما حدث صلى العشاء ثلاث ركعات وأكمل الركعة سهوا وهي المرة الوحيدة التي شاهد فيها أعضاء التنظيم المرشد يسهو في الصلاة.

ورصدت المذكرات احتدام الخلاف بين البنا والسندي أمام قادة النظام الخاص، وهو ما ظهر حين قال كامل للبنا: أريد أن أسألك بعض الأسئلة وتكون الإجابة بنعم أو لا ... فأذن له البنا ... فسأله: كامل: هل أصدرت أمرا صريحا لعبد الرحمن السندي باغتيال الخازندار، وهل تحمل دمه على رأسك وتلقى به الله يوم القيامة؟

فأجاب البنا: لا.

فقال كامل: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسئولية هذا العمل أمام الله؟

فأجاب البنا: نعم.

فوجه كامل أسئلته إلى السندي بعد استئذان البنا.

سائلا: ممن تلقيت الأمر هذا؟

السندي: من الأستاذ البنا.

كامل: هل تحمل دم الخازندار على رأسك يوم القيامة؟

السندي: لا.

كامل: إذن من يتحمل مسئولية الشباب الذين دفعت بهم إلى مقتل الخازندار؟

السندي: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر.

كامل: مثل هذه الأمور لا تؤخذ بالمفهوم أو بالرغبة. وسأل المرشد: هل ستترك المسائل على ما هي عليه أم تحتاج منك صورة جديدة للقيادة وتحديد المسئوليات؟

فرد البنا: بل لا بد من تحديد المسئوليات.

واستقر الرأي على تكوين لجنة تضم كبار المسئولين عن النظام الخاص، بحيث لا ينفرد السندي برأي أو تصرف وأن تأخذ اللجنة توجيهاتها الواضحة من البنا نفسه، وفق ميزان ديني، وهو الدور الذي قام به الشيخ سيد سابق، وأوضح كامل أن سابق أصبح ميزانا لكبح حركة الآلة العنيفة داخل الإخوان.

وذكر كامل أن هذه المرة الأولى التي خضع فيها السندي للمحاسبة أمام البنا وقيادات النظام الخاص وكذلك الأولى بالنسبة للمرشد، التي يقف فيها صراحة أمام نفسه إلى الدرجة التي دفعته لأن يقول للسندي: أنا لم أقل لك ولا أتحمل المسئولية، ورد السندي: لا .. أنت قلت لي وتتحمل المسئولية.

وحكى كامل أنه التقى صلاح عبد الحافظ المحامي شقيق أحد المتهمين في مقتل الخازندار ووجده ناقما على الجماعة التي أوقعته في تلك الظروف، وسعيه إلى إثبات أن أخاه يعاني من انفصام في الشخصية حتى ينجو من الإعدام.

وأشار كامل إلى أن عام 1948 ومطالع 1949 كانت أكثر الأعوام دموية عند الإخوان، ولهذا فتحت لهم المعتقلات وأعدت قوائم بالآلاف كانت تحت يد رجال الثورة حين أرادوا توجيه ضربتهم للإخوان سنة 1954 وما بعدها.

بعد هذه الأحداث نقل البنا (لعبد العزيز كامل) رغبته في التفرغ لتعليم وتربية وتكوين الشباب ... مائة شاب فقط يقابل بهم ربه ليجادلوا عنه يوم القيامة ... كان هذا الفكر قد تبلور في ذهن البنا بعد نصيحة تلقاها من عبد الستار سيت سفير باكستان في القاهرة بأن يعتني البنا بمن يتوسم فيهم الذكاء والوصول يوما إلى مقاعد الحكم وبعدم العجلة، وسيكون لديه وقتها جيل قادر على التغيير.

وعرج كامل على فكر الإمام مؤكدا أن البنا لم يؤمن بمبدأ الشورى، وأن الشورى عنده غير ملزمة للإمام، وإنما هي معلمة فقط، وقد كتب البنا هذا الرأي ودافع عنه ولم يتحول عنه، بل وسرى هذا الفكر إلى من حوله في أواخر الثلاثينات وهي السنوات الأولى لكامل في الإخوان، حيث كان يسمع كثيرا كلمة "بالأمر" رغم أنها كلمة عسكرية، لهذا لا يجد عضو الإخوان من يناقشه إذا كلفه رئيسه المباشر بأي أوامر بل ينبغي أن يكون هذا محل تسليم، وهي نقطة الخطورة التي أصابت جسم الإخوان بالخطر من وجهة نظر كامل، حيث أسس البنا النظام الخاص على السمع والطاعة والكتمان وهو ما سهل خروج النظام عن أهدافه.

وبالنسبة للنظام الخاص يقول الدكتور عبد العزيز كامل: كان عبد الرحمن السندي المسئول رقم "1" فيه، رغم معاناته من روماتيزم في القلب، ولذا كان السؤال الذي يدور في خلد كامل دائما هو: كيف يتحمل السندي مسئولية نظام يحتاج منه إلى المرور على المحافظات والإشراف على التدريب والرحلات الخلوية، حيث أصوات طلقات الرصاص والقنابل اليدوية، ويتساءل كامل كيف تمنع صحة السندي إتمامه للدراسة الجامعية وتساعده على الإشراف على هذا الجهاز الخطير الذي يحتاج إلى أعلى درجات اللياقة البدنية والفكرية؟

كما أن شعوره، بمكانته لدى المرشد وأفضليته على أعضاء مكتب الإرشاد وتمسكه بموقعه يفقده القوامة لقيادة الجهاز، وكشف كامل عن أن الترشيح لعضوية النظام يخضع لسلسلة من الاختبارات تتركز على قدرة المرشح على السمع والطاعة، فكان يحمل حقيبة من مكان لآخر ولا يعرف ما فيها ويراقب تصرفاته أحد أعضاء النظام وقد لا يكون فيها أكثر من ملابس عادية، أو قطع من الحديد تشعره بالثقل؛

وقد يؤمر بنقلها من بلد لآخر، أو الاحتفاظ بها أياما، ولديهم وسائل يعرف من خلالها ما إذا كانت الحقيبة فتحت أم لا، فإذا اجتاز تلك الاختبارات تحددت له ليلة البيعة داخل شقة لأحد قادة التنظيم في حي السيدة عائشة قرب جبل المقطم ويبيت عنده المرشحون يتعبدون طوال الليل ثم يؤمرون واحدا بعد الآخر بالدخول إلى غرفة مظلمة، لا يرى فيها أحد، ويجلس على الأرض بعد خطوات محددة، ويمد يده إلى حيث يوجد مصحف ومسدس وتمتد يد ممثل المرشد ليبايعه على السمع والطاعة والكتمان دون أن يرى وجهه.

ويذكر كامل تجربته حين دخل كي يبايع المرشد ولم يكن الصوت غريبا عليه فقال: ما هذا يا عشماوي وهل من الإسلام أن أضع يدي في يد من لا أعرف؟ ثم أنني أعرفك من صوتك وأتحدث معك كل يوم ما هذه الأساليب التي أدخلتموها على عملنا ولا أساس لها في ديننا؟ فأجاب صالح عشماوي وكان عضوا في مكتب الإرشاد ورئيس تحرير مجلة الإخوان: هذا نظامنا.

بعد البيعة يذهب من أقسم إلى جبل المقطم يتدرب على إطلاق النار فترة قصيرة، حيث كانت الأسلحة مخبأة في مكان هناك حتى لا يضطروا إلى حملها كل مرة، ويعودون بعد هذا إلى منزل البنا وبصحبتهم السندي في لقاء قصير يحييهم فيه ويدعو لهم بالخير.

وانتقد كامل هذا الأسلوب السري الذي اتبعته الجماعة معتبرا أن طقوس الانضمام إلى النظام الخاص أشبه بالنظم الماسونية، فضلا عن آثار هذا الأسلوب الوخيمة على طريقة العمل الإسلامي.

وأبدى كامل استياءه من فكر الإخوان، لأنهم لا يبذلون الكثير من الوقت والجهد في تقليب الأمور واتخاذ القرارات ودراستها بعمق، اعتقادا منهم بأنهم إذا أخطأوا فإن عناية اله ستتكفل بإصلاح هذا الخطأ.

ورصد كامل صدام الإخوان مع ثورة يوليو بعد سعي الإخوان إصدار مجلة جديدة بجانب "مجلة الدعوة" ومحاولة سيد قطب وحسن الهضيبي احتواء الأزمة، حيث تقدم كامل باقتراح يقضي بالاكتفاء بسلسلة من الرسائل، لأن المجلة ستضطر الإخوان إلى اتخاذ مواقف، وقد تعودهم على أساليب النقد والمعاداة أكثر من طرح الاقتراحات البناءة، كما أن المجلة ستؤدي إلى توسيع الهوة بين الإخوان والثورة وهو ما حدث بالفعل، حيث اضطر الرقيب إلى حذف مقالات ورسوم كاريكاتورية مما زاد حدة التوتر.

وصل في هذا الوقت "ظفر الأنصاري" إلى القاهرة وهو أحد المقربين من أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية، وأخبر كامل أن لديه رسالة من المودودي إلى حسن الهضيبي مرشد الإخوان الأسبق، وبالفعل التقيا به، ودارت رسالة المودودي حول حتمية عدم صدام الإخوان بالثورة بأي طريقة، لأن الجماعة الإسلامية وقتها كانت تخوض تجربة قاسية مع حكومة باكستان فزعماؤها في السجن ونشاطها مقيد ومن الممكن أن يستطيع الإخوان تقديم العون لهم إذا حافظوا على قوتهم أما إذا دخلوا في صراع مع عبد الناصر فلن تتلقى الجماعة الإسلامية أي دعم مادي أو أدبي منهم، وكان المودودي يأمل في تعاون الجماعات الكبيرة مثل الإخوان والجماعة الإسلامية.

ويوضح كامل أن [[الجماعة الإسلامية لم تكن تؤمن بالعنف بعكس الإخوان المسلمين، فالمودودي يعرف أن يدهم قد تتحرك بالسلاح سريعا في حالة اشتباكهم مع الثورة، وهو ما لا يريده لهم، وحاول كامل أن يعضد وجهة نظر المودودي عند الهضيبي، لأن الخاسر من الصراع هو الشعب والإسلام.

إلا أن موجة الاعتقالات بدأت مع مطلع عام 1954 بالهضيبي وعبد القادر عودة وعبد الحكيم عابدين وحسن عشماوي، ومنير الدله، وصلاح شادي بالإضافة إلى عبد العزيز كامل الذي لفت انتباهه عدم وجود قادة النظام الخاص في المعتقل معهم.

واستعراض كامل جزءا من التحقيقات التي أجريت مع حسن عشماوي الذي كان على صلة طيبة بعبد الناصر وإحدى حلقات الوصل بين الإخوان والثورة حين عاد من التحقيق وعلى وجهه علامات الدهشة فقد عثروا على أسلحة في مزرعته وسألوه عنها فأجاب: لا أستطيع الرد إلا بعد استئذان عبد الناصر!

مشيرا إلى أن الأسلحة كانت للضباط الأحرار وعندما ضيقت عليهم حكومة الملك طلب منه عبد الناصر أن يحفظها في مزرعته، وأوضح كامل أن الاعتقالات الأولى في 1954 قسمت الإخوان إلى شريحتين، الأولى تعاونت مع الثورة والأخرى زج بها في المعتقلات.

وأشار كامل إلى أن تجربة المعتقل مع الإخوان كانت قد كشفت لسيد قطب ضحالة فكر قيادات الإخوان وهو ما كان يسر له به حين يلتقيه في السجن.