العائدون من أفغانستان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العائدون من أفغانستان
مالهم وما عليهم

عصام دراز

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم

( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)

صدق الله العظيم

( سورة آل عمران : 169 ، 170)

حقوق الطبع والنشر محفوظة
للدار المصرية للنشر والتوزيع
الطبعة الأولي 1413هـ - 1993 م

الناشر

في عام 1970 تم القبض على النقيب الشاب عصام دراز (23 سنة) بتهمة الاتفاق الجنائي داخل الجيش المصري لقلب نظام حكم الرئيس جمال عبد الناصر بالقوة ، ولم ترغب السلطات في ذلك الحين في نشر تفاصيل عن الضباط التسعة المتهمين بإثارة القلاقل وتجدي السلطات، وكان عصام دراز واحدا من رجال الاستطلاع ( صغار السن) نحيل البنية قوي الإرادة... مؤمنا بضرورة جلاء واختفاء هؤلاء المتسببين في نكسة يونيو عام 1967.

وكان آخر توقيع للرئيس عبد الناصر قبل رحيله بثمانية عشر يوما هو التصديق على حكم الإعدام الصادر على عصام دراز كاتب كتابنا هذا ... ولم يفك أسره وسجنه ورقبته إلا استشهاد شقيقه عادل دراز في حرب أكتوبر فأفرج عنه الرئيس السادات وظلت قضية ( أصغر صاحب محاولة لقلب نظام الحكم ) تطارده ... فمن كان يجرؤ على الكلام في تلك الأيام ... فما بالنا ( بقلب النظام ) ؟.

أود بهذه الخاطرة الموجزة أن أقدم لصاحب هذا الكتاب ( العائدون من أفغانستان)... ليقف معي القارئ العزيز على مدي جسامه الأخطار والأهوال التي ألقي مؤلفنا بنفسه فيها داخل أفغانستان بين صفوف المقاتلين لخمس سنوات طوال نقل فيها بحس المقاتل العسكري خبايا الجهاد ... وحلل فيها بإدراك المواطن العربي المسلم الخبير ما للعائدين من أفغانسات وما عليهم !!

إن النتائج المفزعة والدمار والخراب ومثل ما يندي له الجبين مما تعيشه أفغانستان اليوم بسبب التناحر والنزاع بين فصائل المجاهدين والمقاتلين الناجحين في قهر الحكم الشيوعي داخل بلادهم ، والفاشلين في جميع الشمل ووحدة الصف يجعلني أشعر بالأسي والحزن على ما وصلوا إليه ..

فكم كنت أتمني ألا تهدر دماء شهدائنا من الشباب العربي المسلم ( وهم الآن مع الصديقين والأبرار )... وكلهم كان يحلم بدولة أفغانية إسلامية مترابطة قوية الشأن مجتمعة حول حاكم واحد تحمل راية لا إله إلا الله ..

محمد رسول الله ، ولكنها نزاعات السلطة ورغبات الدنيا وعجلة الزمان الدائرة دوما بمشيئة الله .

حسني أبو اليزيد

مقدمة

فجأة ظهر على سطح تعبيرات السياسية لفظ ( جماعة الأفغان) وكان أول ظهور لهذا الاسم في أحداث الجزائر عام 1990 عندما نقلت وكالات الأنباء العالمية أخبار نشاط مجموعات من الشباب الجزائري الذي تدرب في أفغانستان وساهم في أحداث الجزائر وأطلقت عليهم وكالات الأنباء ( الجزائريون الأفغان).

ومنذ ذلك التاريخ وأخبار الشباب العربي المسلم الذي تدرب في أفغانستان تأخذ شكلا مميزا ولم تكن أحداث الجزائر هي البداية ولكن كانت هناك إرهاصات للمواجهة بين الحكومات العربية والشباب العربي الذي جاهد في أفغانستان .

وكانت أجهزة الأمن المصرية – في اعتقادي – هي أول أجهزة أمن عربية تنبهت " أمنيا " للشباب المجاهد في أفغانستان، حين قامت بإدراج أسماء الشباب الذين زاروا أفغانستان في قوائم خاصة ومنذ منتصف الثمانينات وهي تقوم بحجزهم في المطار واستجوابهم عند عودتهم إلى مصر واعتقال البعض لفترات تزيد عن عدة شهور .

المسألة الآن أن دور الشباب العربي عموما والمصري خصوصا في أفغانستان أصبح الآن تحت أنظار جهات الأمن لأسباب عديدة سنحاول أن نبحث عن جذورها .

إن هذا الكتاب ما هو إلا تحقيق صحفي طويل عن ظاهرة إسلامية تاريخية تحتاج إلى الدراسة الجادة المخلصة وليس إلى الحجر والمطاردة والقمع الدموي الذي لن يسبب إلا مزيدا من التمزقات .

أعرف أنني أتعرف لموضوع حساس وشائك إلا أن معايشتي لهؤلاء الشباب في أفغانستان تجعلني أضع أمام القارئ العربي عصارة تجربتي بينهم ومعهم وما لهم وما عليهم ... إن لحظات الجهاد التي حققت الانتصار على الحكم الشيوعي في أفغانستان تجعلني وبأمانة شديدة أحلل هذه التجربة بعين ( الخبير) دون مناصرة جهة على أخري أو جماعة على جماعة ... إنه الحق وحده وإيماني بعدالة قضية الجهاد في أفغانستان وأحداث عشتها بدمي وقلبي وعقلي فهل منها نستفيد ؟.

عصام دراز
القاهرة يناير 1993

مصر والإرهاب

إن ما يحدث الآن على أرض مصر ظاهرة في غاية الخطورة إذا لم يتم تدارك الأمر بوقفة حاسمة من الجانبين سلطات الأمن والجماعات الإسلامية التي يطلق على بعضها الجماعات الإرهابية.

إنني أرفض كل ما هو مخالف للدين الإسلامي الحنيف السمح . كما أرفض استغلال الدين لتحقيق مصالح شخصية.. وأرفض إرهاب الآمنين في مصر مصريين مسلمين ومسحيين أو سائحين حضروا إلينا ليشاهدوا آثار حضارتنا الإنسانية سواء فرعونية أو إسلامية أو قبطية ... فالتاريخ المصري القديم ملك الحضارة الإنسانية وهو مرحلة هامة في تاريخ البشرية ومن السذاجة أن ينظر البعض إلى هذه الحضارة أنها حضارة كفر أو إيمان ..

إن التاريخ الفرعوني ينقل إلينا أن هذه العصور شهدت مؤمنين بالله .. وهناك من كان يعبد " الله الواحد الأحد" ... وإخناتون هو فقط من عرفناه من هؤلاء الموحدين لأنه كان ملكا .. ولكن هناك مؤمنين آخرين لا نعرفهم فضلا عن أننا لسنا في مرحلة تقييم عقائدي لهذه المرحلة الموغلة في القدم فقد أصبحت هذه الحضارة بمعالمها وبآثارها حالة علمية في غاية الأهمية للعالم كله ،

إن الوحدانية التي نعرفها في الإسلام مرت بمراحل تطور هامة ، فوحدانية إبراهيم عليه السلام تختلف من حيث التطبيق عن وحدانية الرسول عليه الصلاة والسلام ... الرسالة واحدة لكن الأسلوب مختلف .. منهج سيدنا إبراهيم كان مختلفا عن منهج الرسول عليه الصلاة والسلام.

الرسول أكمل رسالة التوحيد وجعلها بإذن الله كاملة وصالحة للتطبيق في كل عصر.... ولهذا وصفه الله سبحانه وتعالي بخاتم النبيين ومن هنا كان عنصر التفضيل عن باقي الأنبياء والمرسلين ... لم يكن ذلك التفضيل عنصريا لن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مسلما أو عربيا بل لأن النبي الرسول صلي الله عليه وسلم هو الوحيد الذي أنشأ دولة بالمفهوم المعاصر للدولة .

سيدنا موسي عليه السلام كان يتحرك وسط جماعة بالمفهوم القبلي ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم أقام دولة بعد هجرته إلى المدينة ووضع أسسها وضب النموذج والأسوة لمفهوم القيادة الإدارة وأسي بنفسه ( عليه الصلاة والسلام) أسلوب التطبيق العملي والفعلي الذي أكمله فيما بعد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين .

إن ديننا الإسلامي يحمل في طياته مفهوما إيمانيا حضاريا عميقا ورائعا طبقه الصحابة بعد الرسول صلي الله عليه وسلم ولهذا ملكوا الدنيا وفازوا برضوان الله .

لهذا فإننا يجب ألا نضرب هذا الدين باسم الدين ، فالسياح الأجانب – حتى لو خالفونا في الدين – هم ضيوف على أرض إسلامية ومجتمع مسلم لابد أن يكون المظهر هنا أداة للدعوة ، لما لا نقدم لهم ديننا الإسلامي وندعوهم لكي يفهموه وذلك بأسلوب تعاملنا بأخلاقنا وبحضارتنا إنهم لن يصدقوا كلامنا ولا كتبنا ولا نشراتنا ولا ميكروفوناتنا إذا لم نضرب النموذج والقدوة ونحقق في الواقع ما نؤمن به حقا.

هل فعلنا ذلك ؟

وإذا قلنا سائحا ما نظرة العالم لنا كمسلمين ؟

سفاكون للدماء .. خائنون للعهد .. لقد حضر السائح للسياحة في أرض أمان ،لم يحضر للقتال ولا للحرب ولهذا فإن قتله هو عملية غدر لا تليق بنا ولا بإسلامنا .

أين الموعظة الحسنة ؟

لقد التقيت برجل ألماني في منزل صديق عزيز وهو الداعية الأستاذ عبد الحليم خفاجي واعترف لى هذا الرجل الألماني بأنه أسلم فقط بعد تردده ودخوله بيوت المسلمين من طريقة الاستقبال والمودة والسلام وتقديم الطعام للضيف ..

لقد ركز في حديثه معي على طريقة تقديم الطعام في البيوت الإسلامية للضيوف وإكرامهم بكل سماحة وحب دون انتظار لأي مصالح ، أليس " إطعام الطعام" من سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ..؟ أليس " إكرام الضيف " من عادات العرب الأصيل ..؟ هل حدد " إطعام الطعام" و" إكرام الضيف " بجنس أو لون أودين ..؟

مرة أخري إن مصر مقبلة على " خطر" مستطير لابد وأن تتكاتف جميعا لمواجهته بضمائر تبغي وجه الحق .. فهناك نية مبيتة لإشعال الحرب الأهلية في مصر .. أى " لبننة" مصر لكن لبنان بلد لم تتجاوز تعداده ثلاث ملايين نسمة عند اشتعال الحرب الأهلية في عام 1975 أما مصر فصعيدها يتكدس به أكثر من عشرين مليونا ، وسوف يكون حجم الدمار خطيرا .." لا قدر الله " .

إن إشعال الفتنة الطائفية أو الحرب الأهلية لن يكون تأثيره على مصر وحدها فأعداء الإسلام كانوا دائما يخططون لإضعاف مصر – قلب العالم الإسلامي – وبالتالي السيطرة على كل شعوب المنطقة لهذا كانت خطط السياسات الدولية بكافة أنواعها وعلى مراحل التاريخ هو إضعاف مص وتقليم أظافرها وحرمانها دائما من أسباب القوة لأن مصر القوية تعني ببساطة توحيد العالم العربي والإسلامي في وحدة واحدة تكون مصر في مكان القلب منه..

وذلك يعني مناطحة النفوذ والسيطرة الاقتصادية والسياسية وأخيرا العسكرية على العالم الإسلامي .. إن الدارس لتاريخ مصر يستطيع أن يكشف هذه الحقائق بسهولة ويكتشف أن إفقار مصر اقتصاديا لتركع سياسيا وعسكريا هو خطة عالمية من أعداء الإسلام إن أعداء الإسلام يعرفون ذلك وإلا لماذا يهتم العالم كله بكل صغيرة وكبيرة في مصر

لماذا يسجلون كل حركة ؟ لماذا يذاع وينشر حادث مقتل جندي أمن مركز في صعيد مص ؟ أو حادث انقلاب سيارة ؟ بينما لا تأخذ أحدا العنف الأكثر حدة في أوربا نفس القدر من التركيز الإعلامي ؟.

لقد شاهدت وأنا في لندن عام 1977 المظاهرات التي حدثت في مصر وكانت تنقل لحظة بلحظة ويتم قطع برامج التليفزيون لنقل المشاهد إلى مصر ولينقل الأحداث من الشوارع لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة .. تغطية أكبر وأشمل من أى تغطية لمظاهرات تحدث في أوربا ذاتها بل وانجلترا نفسها أيضا .. لماذا .

السبب هو أهمية مصر السياسية الدولية ..

لماذا لا نفكر الآن .. حكومة وشعبا ... نتحمل المسئولية أمام الله وأما التاريخ وأما الأجيال القادمة ونحسن استخدام مواردنا وعقولنا وطاقاتنا في بعض الأمة العربية والإسلامية بعثا جديدا دون تعصب ودون حقد وأيضا دون ظلم وقهر واستعباد.

إن مصر كانت مفتاح هزيمة الصليبيين بقيادة صلاح الدين ( الكردي)

الذي جاء إلى مصر وقاد جندها ... كما كانت السد المنيع ضد غزو التتار الذي اجتاح دولا بأكملها وحرق بغداد ولولا جند مصر وشعب مصر لوصلوا ( لا قدر الله ) إلى الأراضي المقدسة ( مكة والمدينة) ولعاثوا في الأرض فسادا من المشرق إلى المغرب دون أن توقفهم قوة .. إن أعداء الإسلام يعرفون ذلك .. إذن لماذا نقتل أنفسنا بأيدينا ..؟

العائدون من أفغانستان

الفصل الأول

من بذر البذور؟

في هذه السطور أنا لا أدافع بأى حال من الأحوال عن الإرهاب ولا أحب أحدا يدافع عنه ... بل أرفض تماما وبصورة قاطعة عمليات اغتيال الآمنين التي تمت في مصر أخيرا ... سواء ضد مسيحيين أو مسلمين أو أجانب ... أعترض على قتل سائح أو سائحة أجنبية حضرت إلى بلادنا المسلمة لتشاهد حضارتنا ..

ولكن فقط أتساءل من بذر بذور الشر والإرهاب الدامي في مصر ؟..

لقد قرأت سلسلة المقالات والأبحاث العلمية لكبار الكتاب والأساتذة والمفكرين كلهم صالوا وجالوا حول موضوع الإرهاب الذي تفشي في المجتمع المصري اقتصاديا ونفسيا واجتماعيا وسياسيا ... كلهم أدانوه ولكن أحدا لم يمتلك الجرأة والشجاعة ليقول كلمة الحق والعدل .. جميعهم تهرب من مسئولية الكلمة الأمينة ، وكان الدراسات الأكاديمية وشهادات الدكتوراه وأسماء المفكرين الرنانة كلها حشدت حشدا لتبعد عنا جوهر وحقيقة القضية .

الكل تهرب من مسئولية الفكر الشجاع وكلمة الحق وساهم في تضليل السلطة وخداع الشعب جهلا أو هروبا من المسئولية .

إن صمت هؤلاء جميعا عن قول كلمة الحق جريمة في حق مصر خاصة وأن مشكلة الإرهاب كادت أن تتحول إلى مواجهات دامية يومية في قري مصر وقلب القاهرة.

إن أمانة الكلمة تحتم علينا أن نعرف : من الذي حول الشعب المصري من شعب مشهور بالطيبة والسلام والتسامح إلى شعب عنيف متوتر ؟

من الذي خرب طبيعة هذا الشعب السمحة؟

من الذي دمره من الداخل وجعله وحشا هائجا وقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أى لحظة ؟

ما هي أسباب التطرف في المجتمع المصري التي لا يريد أحد أن يتطرف إليها عمدا ؟

لقد وضع نظام الحكم في عهد عبد الناصر بذرة التطرف في رحم المجتمع المصري عندما استهان بقيمة وكرامة الإنسان واستباح المعارضين له استباحة كاملة ... لقد مررت بتجربة الظلم والاعتقال والتعذيب البدني المبرح وأستطيع أن أحلل هذه التجربة نفسيا وفكريا ..

إن أسلوب العنف الفائق الذي عامل به عبد الناصر معارضيه وخاصة من الإسلاميين كان له أكبر الأثر في تدمير وجدان الإنسان المصري كله .

وسوف أضرب مثلا على ذلك .. فقد تعرض الإخوان المسلمون للاعتقال في عام 1954 وقدموا لمحاكمات صورية كانت مهزلة أهدرت فيها القيم وأبسط مبادئ العدل والإنسانية .. تعرض هؤلاء المصريون للتعذيب المبرح الذي يفوق كل وصف وتخيل واستبيحت حرمات أسرهم ..

ولقد هز هذا الأسلوب الإجرامي من السلطة وجدان المجتمع المصري كله وبدأ التحول التدريجي بين السلطة والشعب ... فالمصري – أيا كان انتماؤه السياسي أو عقيدته – هو موطن يجب أن تحترم آدميته وتصان كرامته ..

أما ما فعلته السلطة عندما استباحت كل القيم وداست على كرامته وسحقها مما أدي إلى نتائج خطيرة نعاني منها إلى الآن .. وللأسف فإن الاحتلال الانجليزي لمصر لم يجرؤ على إهانة كرامة المصريين مثلما فعل الجلادون بسحقهم وقهرهم للإنسان المصري .

إن أقصي ما وصل إليه الاحتلال الإنجليزي هو حادثة " دنشواي " في يونيو عام 1907 وكل ما حدث في دنشواي هو صدام بين الفلاحين المصريين ومجموعة من الجنود البريطانيين نتج عن هذا الصدام وفاة أحد الجنود البريطانيين ونتيجة لذلك أقامت سلطة الاحتلال محكمة ، في قرية دنشواي، قضت المحكمة التي شكلتها سلطات الاحتلال بالإعدام على أربعة فلاحين وسجن عدد آخر وتم إعدام الأربعة في القرية .

وإزاء تلك الوحشية اتخذ أبناء مصر الإعلام الدولي – ممثلا في الصحافة الفرنسية وقتها – منبرا يهاجمون منه جريمة الاحتلال حتى أرغمت بريطانيا على إقالة اللورد " كرومر" مندوبها في مصر .. وصار المصريون يحتفلون بهذه الذكرى الوطنية كل عام في ظل الاحتلال البريطاني .

فماذا حدث بعدها بخمسين عاما – في يونيو 1957 - عندما صارت مصر للمصريين .

لقد تم اغتيال واحد وعشرين مواطنا مصريا من جماعة الإخوان المسلمين في " زنازين " ليمان طره بعد إطلاق النار عليهم من فتحات أبواب السجن ولقد تم اغتيالهم وهم داخل السجن وهم عزل من السلاح لا يملكون من أمرهم شيئا هل هناك وجه للمقارنة بين هذه الجريمة الشنعاء التي لا تدل فقط على الظلم والقسوة ؟.. ولكن تدل على الجبن والخسة والنذالة ؟

هل هناك وجه للمقارنة بين هذه المذبحة وبين ما حدث من سلطات الاحتلال في دنشواي والتي أصبحت ذكري وطنية كبري لنا نحتفل بها في المدارس في وجود الاحتلال البريطاني على أرض مصر ؟

هل سمع أحد من شعب مصر عن هذه المذبحة التي تمت على أرضه في يونيو عام 1957؟

ولنا أن نتساءل ما هو شعور السجين الذي شهد هذه المذبحة بنفسه ؟ وما هي ردود أفعاله ؟
أليس الكفر بالمجتمع كله هو النتيجة ؟
أليس الرفض الكامل لكل هذا المجتمع هو النتيجة الحتمية؟
أليس من الطبيعي أن يخرج فكر جديد وليد هذه المذابح يعلن خروجه عن ذلك المجتمع وهذا الحكم الظالم الذي يرتكب مثل هذه المجازر في السر؟..
أليست هذه النتيجة طبيعية ومنطقية ؟
لماذا إذن نهرب من الحقيقة وندخل في متاهات وتدين النتائج .. ولا ندين المسببات ؟

وهل نحتاج – بالإضافة إلى ذلك – أن نسرد تفاصيل ما جري في قرية " كمشش" احدي قري محافظة المنوفية – وهي أحداث أثبتها القضاء المصري وأدانها ؟

إن موجة التطرف والعنف التي ظهرت في المجتمع المصري ترجع إليه بأسلوب العنف المفرط " الإجرامي " الذي أدخله حكم عبد الناصر في مصر والذي بسببه فقد المواطن المصري أمام السلطة العسكرية كل حقوقه الإنسانية . فلا رأي ... ولا كرامة.. ولا خدمة لبيته ولا لأسته أموال مستباحة في أى وقت معرض للاعتقال والمحاكمة والإدانة دون أن يعرف السبب ودون أن يستطيع أن يدافع عن نفسه وفي الجانب الآخر فساد ورشوة وعمولات . وأموال وثروات تهرب إلى الخارج سرا وعلنا .. لماذا نهرب من الحقيقة!؟

إن الذي بذر بذور الإرهاب هو الديكتاتورية التي حكمت مصر ظلما وعدوانا فخربت الإنسان المصري داخليا وخربته نفسيا .. ثم خربت المجتمع المصري كله بعد ذلك .. واستولت على مقدرات الوطن وسلمته لأهل الولاء .. وتركت أهل الكفاءة إما في السجون يفقدون آدميتهم أو خارج الأسوار بلا حول ولا قوة أو مهاجرين إلى شتي بقاع الأرض .

إن المواطن المصري والفلاح تحديدا يعتبر علميا وتاريخيا من أكثر الناس ارتباطا بأرضه فكان يقسم بغربته إذا غادر مدينته أو قريته إلى مدينة أو قرية مصري أخري .. الآن هناك شبه هروب جماعي من مصر .. وإلى أى اتجاه .

المواطن المصري يفضل أن يضحي بكرامته وآدميته وينام في شوارع ليبيا والعراق دون عمل على العودة إلى وطنه مصر التي يتعرض فيها لكل صنوف الذل والإذلال والمواطن المصري يعلم علم اليقين – حتى لو كان جاهلا أن مصر ليست بلد فقيرا ..

بل هي بلد كان من الممكن أن تكون من أغني بلاد العالم لو كان هناك نظام حكم أمين على مصالح المواطنين .. فمصر متعددة الثروات .. معتدلة المناخ .. تمتلك أسس ومصادر القوة والثروة الاقتصادية والسياسية كل ذلك تم تخريبه وتدميره بواسطة مغامرات عسكرية مدمرة وأدت إلى هزيمة مروعة ... وبقي المصري يدفع ثمن جرائم وأخطاء السلطة التي حكمته دون إرادة منه.

ما هي النتيجة أيها العلماء والأساتذة والمفكرون ؟.
ماهي نتيجة إذلال المواطن المصري وتعذيبه واغتياله ؟
ما هي نتيجة إهمال الرأي الآخر ومطاردة المعارضين ؟
ما هي نتيجة وصول تجار مخدرات إلى مجلس الشعب ؟
ما هي نتيجة تزييف الانتخابات ؟
ما هي نتيجة الاستهانة وعدم مقاومة الفساد .. بل وتشجيعه ؟
ما هي نتيجة خروج اللصوص من كل قضية آمنين مطمئنين بل ويسافرون علنا من المطار تحت سمع وبصر الجميع ؟.
ما هي النتيجة؟
النتيجة إما التطرف.... الجنون ... أو الانهيار الكامل .

لهذا فإن التطرف والعنف نتيجة حتمية لأداء السلطة في مصر طوال أكثر من أربعين عاما من الاستهانة بالشعب المصري وكرامته وآدميته .

إن العنف هو النتيجة الحتمية وأنا لا أقول ذلك إلا للنصيحة ولابد أن أقولها علنا بهدف الإصلاح وليس الإدانة .

فالمشكلة أكبر ... والإنسان المصري الآن أصبح كتلة من الغضب المكتوم وإنني لا أبغي إلا وجه الله من هذه النصيحة المخلصة..

وفي البدء كان السؤال من بذر بذور الشر والدمار في المجتمع المصري ؟..

أبدأ ليس هؤلاء الشباب المتطرفون فقط فهناك مجرم ومجرمون مختفون وراء الستار هم الصانعون الحقيقيون لهذه الأحداث وهم الذين يعرضون مصر للخطر والدمار وهم الإرهابيون الحقيقيون .

العائدون من أفغانستان

الفصل الثاني

عدالة القضية وحدها لا تكسب حربا

عندما وصلت إلى مطار القاهرة عائدا من زيارة قصيرة للمملكة العربية السعودية وبمجرد مروري أمام ضابط الجوازات تفحص جواز سفر ثم نظر إلىّ ، وطلب مني أن أخرج من الطابور وأنتظر.. انتظرت عدة دقائق .. ثم ظهر ضابط آخري ونادي على اسمي . أجبته فطلب مني إحضار حقائبي والحضور إلى مكتبه .

ذهبت إلى سير حمل الحقائب .. وحملت حقائبي على عربة تحت حراسة جندي إلى مكتب الضابط .. فطلب مني الانتظار إلى أن حضر جنديان آخران تسلماني وقاداني إلى غرفة الحجز حيث تم إدراج اسمي .

وجلست في حجرة بها مقاعد خشبية كغرف التحقيق في أقسام الشرطة جلست حوال نصف ساعة ووجدت جنديا ينادي على اسمي فذهبت إليه فقادني إلى مكتب ضابط المباحث حيث بدأ استجوابي .

كان محور الأسئلة هو علاقتي بأفغانستان وعن سبب ذهابي إلى هناك وتخلصت إجابتي في شئ واحد : أنني ذهبت بطريقة رسمية وعلنية وكل نشاطي في أفغانستان مسجل في كتبي العديدة التي نشرتها والتي تباع في مصر والدول العربية .

لم يستغرق التحقيق طويلا حيث تم تحويلي للتفتيش وتم تفتيشي وتفتيش حقائبي تفتيشا دقيقا ومهينا .. تم الإفراج عني وحصلت على جواز سفري مؤخرا .. وعندما خرجت من المطار شعرت بحيرة شديدة فهذه لم تكن المرة الأولي فقد سبقتها عدة مرات .. كانت المعاملة في بعضها أسوأ .. ولن أنسي ليلة تم حجزي فيها حتى الساعات الأولي من الصباح وزوجتي وابنتي الصغيرة تنتظران خارج مبني المطار .

ورغم أنني سجنت في احدي قضايا أمن الدولة العسكرية في عصر عبد الناصر وتعرضت أنا وزملائي للتعذيب البدني والنفسي الشديد ... وأمضيت بالسجن عدة سنوات إلا أن هذا الاحتجاز في المطار يشعرني بمعني فقدان الحرية والأمان فأنا قد تحركت علينا وفي الضوء وحصلت على تأشيرة من السفارة الباكستانية بالقاهرة واستقبلني السفير الباكستاني وشجعني عندما علم أنني سوف أذهب وأغطي مشكلة المهاجرين الأفغان وكان ذلك عام 1986 .

وسافرت من مطار القاهرة متجها إلى باكستان بجواز سفر مصري محدد فيه الجهة . كذلك أصدرت كتبي وصورت وأنتجت أفلامي في النور وفي العلن ولجهد شخصي لم يكن عملا سريا ولا لأهداف غي معلومة بل كانت واضحة للجميع ونشرت بعض الصحف تحركاتي وأخباري .. إذن ما السبب لأن أتعرض لهذا المهانة وهذا التضييق ؟

وإنها " عقدة" تسيطر على أجهزة الأمن في العالم الثالث . فالإنسان في نظرهم كائن لا كرامة له .. وإذا كانت قصتي مع أفغانستان انتهت إلى مطاردة الأمن ووضعي تحت الرقابة فإنها بدأت قبل أن أسافر فعلا إلى أفغانستان عام 1986.

لقد بدأ اهتمامي بأفغانستان عام 1982 عندما كنت في رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأطبع فيلما تسجيليا قصيرا كنت قد أنتجته لحدي الشركات .

في هذه الرحلة زرت أحد أصدقائي القدامى وكان يعمل في إذاعة " صوت أمريكا " وهو الصديق " عاطف عبد الجواد " وأثناء زيارتي له أهداني كتابا مصورا بعنوان " المجاهدون من أجل الحرية"

تصفحت هذا الكتاب المزود بالصور الملونة والمطبوع باللغة العربية طباعة فاخرة .. كان يتحدث بإعجاب شديد عن المجاهدين الأفغان ويطلق عليهم " المناضلون من أجل الحرية" ويوضح الكتاب جرائم السوفييت في أفغانستان .

هذا الكتيب نبهني إلى ضخامة تضحيات الشعب الأفغاني فالإخراج الصحفي والصور كانت على درجة عالية من الاحتراف والإتقان .. وهذا علمني أول درس فليس عدالة القضية فقط هي التي تكسب الحرب .. ولكن من الضروري الإعداد لهذا جيدا .

من هذا الكتاب المعد بعناية فائقة شعرت بحجم الجرم الكبير الذي ارتكبه الإعلام الإسلامي والعربي كله في حق الجهاد الأفغاني فالرسالة الإعلامية القوية الموجزة التي وصلتني من الغرب هي التي شدت انتباهي ودفعتني للتفكير في ذلك الجهاد.

لقد كتبت صحف إسلامية كثيرة عن الجهاد الأفغاني ولكن بطريقة " بكائي" مكررة ومعادة .. لم يكن هناك من يتقن صنعة الإعلان لينشر الدعوة ... وكان هذا أول درس تعلمته .

أما الدرس الثاني الذي كان مكملا للدرس الإعلامي الأول وعكسه تماما فهو شريط أشرف على إنتاجه بعض المسلمين أو هيئة إسلامية تدعم الجهاد.

شئ مثير للغيظ لقطات مهزوزة بيد غير مدربة على حرفة التصوير وتعليق ساذج حماسي وأجوف .. أما التنفيذ فغاية السوء .. يكفي أنني شاهدت في الفيلم طبيبا مسلما يشرح أحوال المجاهدين ويتحدث عن التشوهات التي تحدث بسبب إصابات الألغام ..

لقد أمسك الطبيب المسلم الملتحي ساقا مبتورة لأحد المجاهدين وراح يهزها بعنف أمام الكاميرا وهو يخطب " خطبة عصماء " عن فظائع الروس ،، وراح مع انفعاله في الخطبة يهز ساق المجاهد الأغاني الجريح هزا فظيعا دون مراعاة لمشاعر هذا الجريح أو أية مشاعر إنسانية .

لقد أفسد هذا الطبيب المسلم الشاب الرسالة الإعلامية وحولهم إلى العكس تماما أما الشريط كله فيمكن أن يكون شريط إدانة لكل المسلمين الذين نفذوا هل العمل الردئ فلا حجة ولا عذر يحول دون تنفيذ فيلم أو شريط فيديو متقن الصنع على مستوي محترف .. فلا أسرار في هذا العمل .. والخبرات الحقيقية موجودة ومتوفرة .. لهذا كان قراري الفوري – بعد مشاهدة هذا الشريط " الوصمة " إعداد العدة للذهاب إلى أفغانستان "

فقد أصبحت مقتنعا أشد الاقتناع بضرورة إنتاج عمل إعلامي يخدم الجهاد الأفغاني كنت أعرف الصعاب لكنني قبلتها كلها فالاستشهاد كان واردا .. لأنني نويت دخول المعارك الفعلية وليس البقاء في المعسكرات الحدودية البعيدة .. كنت أعرف الأخطار ولكني توكلت على الله .

وبدأ أستعد للسفر دون تردد لكن سرعان ما بدأت بعض التحذيرات من أصدقاء أعزاء بأن من يذهب إلى أفغانستان يوضع في القائمة السوداء ولكن لأنني أثق في أني أعمل عملا مشروعا وأن دع شعب مسلم يجاهد قوي الغزو والإلحاد فرض فلا مجال للتردد أو الانتظار .

وبالفعل أوقفت نشاطي في القاهرة الذي يحقق لى مرود الرزق الوحيد وهو إنتاج وإخراج الأفلام التسجيلية وتنفيذ التخطيط الإعلامي لبعض الشركات أغرقت السفن خلفي قبل السفر .. فلم يعد أمامي إلا أفغانستان .

كانت محطة الوصول الأولي لي " بيشاور" المدينة الباكستانية التي تقع بالقرب من الحدود الأفغانية والتي تجمع حولها المهاجرون الأفغان .. وفيها أسس قادة الجهاد الأفغاني مراكز قياداتهم ومقر لمنظماتهم .

استقبلني في الفندق الذي نزلت فيه المهندس " أحمد شاه " وزير داخلية أفغانستان الآن وهو من الشباب الأفغاني المجاهد فهو خريج كلية الهندسة جامعة كابول " وحصل على الماجستير من الولايات المتحدة الأمريكية في الهندسة وقام بالتدريس في كلية الدكتور مهندس أحمد فريد مصطفي وهو مهندس سعودي من أصل مصري ويقوم بدور كبير في إعادة اعمار أفغانستان

استقبلني المهندس " أحمد شاه " وأخذني بسيارته إلى قرية " بابي " بضواحي مدينة بيشاور الباكستانية .. وفي قرية " بابي " نزلت في دار ضيافة الشيخ " سياف " أمير حزب الاتحاد الإسلامي المجاهدي أفغانستان ومنذ لحظة ركوبي سيارة المهندس " أحمد شاه " شعرت بأنني قد أصبحت في قلب أفغانستان .

فقد كان المهندس " أحمد شاه " نائبا لسياف وكان عائدا لتوه من جولة في مواقع عسكرية على ما أعتقد فالسيارة التي ركبتها كانت ممتلئة بالأسلحة بالإضافة إلى الحراس الذين يتولون حراسته بالفعل شعرت بأنني أصبحت في ميدان قتلا .

أما في دار الضيافة فقد كان الشعور رائعا فقد كان بها ضيوف من جميع أنحار العالم العربي والإسلامي كلهم في زيارة للجهاد الأفغاني وكنت أنا الصحفي المصري الوحيد .

وفي اليوم التالي من قدومي زارني الشيخ " سياف " نفسه ورحب بي وجلس معي جلسة طويلة ووعدني بتذليل أى عقبة في طريق مهمتي وهو تصوير فيلم تسجيلي عن الجهاد الأفغاني كذلك إعداد كتاب عن القضية الأفغانية .

ومنذ وصولي أفغانستان بدأت أتعرف على حجم التواجد والدعم العربي لأفغانستان وفي الحقيقة شعرت كما شعر غيري بأن أحداث أفغانستان قد حدثت في توقيت تاريخي غريب هذا التوقيت جعلها تأخذ أهمية خاصة في نفوس المسلمين .

فجهاد الشعب الأفغاني جهاد بطولي ضد احدي القوتين الأعظم اللتين تتحكمان في مصائر العالم .. لقد كان الاتحاد السوفيتي ( سابقا ) قوة عظمي باطشة وقلعة من أكبر قلاع الكفر والإلحاد ولم يشهد التاريخ مثيلا لعنف الجيش السوفيتي في محاولة سحق الجهاد الأفغاني ليس على المستوي العقائدي ...

بل على المستوي الإنساني .. لقد سقطت الشيوعية الآن وأصبحنا نسمع عن حجم القهر والمعاناة التي كان يعيشها الإنسان السوفيتي نفسه في ظل الحكم الشيوعي الشمولي فما بالك بما كان يحدث في أفغانستان .

ومن ناحية أخري كان الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي جهادا إسلاميا .. أى أنه أعلن هويته الإسلامية من البداية .. ورغم أن ذلك سبب نوعا من الحرج لبعض الدول الإسلامية إلا أن إعلان ذلك كان له تأثير بالغ على نوع وحجم الدعم الذي ساند الجهاد الأفغاني .. فإن هذا الإعلان وضع العالم الإسلامي أمام مسئولياته .. فليس دعم الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي عملا إنسانيا فقط ولكن فرض وواجب إسلامي ..

كان العالم كله يعاني من تجربة " الحكم الإسلامي " بعد ثورة " إيران الإسلامية" التي بإيجابياتها وسلبياتها قد أثرت بشكل أو بآخر على الجهاد الأفغاني .

مع نجاح أول " ثورة إسلامية " في التاريخ وقيام السوفييت بغزو دولة مسلمة أصبح المسلمون في العالم في حالة تحفز وانتظار لما تسفر عنه الأحداث الجسمية في نفس الوقت كانت قد بدأ مظاهر الصحوة الإسلامية .

وبدأ المد الإسلامي ينتشر بقوة وعنف لهذا فإن إعلان " إسلامية الجهاد في أفغانستان " كان له وقع مؤثر في نفوس الشباب الإسلامي في العالم العربي والإسلامي بل والعالم أجمع فجهاد أفغانستان أول حرب تحرير ضد الغزو الأجنبي تنهج النهج الإسلامي فمعظم الدول العربية حاربت حروب تحرير ولكنها كانت حروب تحرير وطنية .

كان ذلك فكر الشباب العربي الذي اندفع تجاه الجهاد في أفغانستان سواء بتأييده عاطفيا أو بالدعم المادي أو بالقتال في صفوف المجاهدين الأفغان ... ومن خلال لقاءاتي بالشباب المصري والعربي هناك أستطيع أن أضع ملامح رئيسية للتواجد العربي في أفغانستان .

أولا : التواجد الرسمي

أقامت الدول العربية والإسلامية علاقات مباشرة مع المجاهدين الأفغان وقامت بتدعيمه سرا وعلانية وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية بالدعم المالي وباكستان باستضافتها خمسة ملايين مهاجرا أفغاني يمثلون أكبر هجرة جماعية في التاريخ من أجل العقيدة ومصر بإرسال السلاح والذخيرة والمعدات العسكرية إلى المجاهدين الأفغان ثم تتفاوت أدوار الدول العربية والإسلامية الأخرى كذلك شاركت كل من الكويت و الإمارات و قطر في دعم الجهاد الأفغاني .

ثانيا : تواجد شعبي ( شبه رسمي )

وهو عبارة عن المنظمات الإسلامية الشعبية أو شبه الحكومية وقد قامت هذه المنظمات بدور في غاية الأهمية والخطورة فقد حشدت المبادرات الشعبية ونظمت جمع الأموال والتبرعات وقامت بتوجيه هذه الأموال والتبرعات لصالح المجاهدين الأفغان وتغطية حاجات المجاهدين والمهاجرين الأفغان من العلاج والدواء والملابس والأغطية لقد لعب الشباب القائم على أمر هذه المؤسسات دورا لا يمكن إنكاره أبدأ .

والمجاهدون الأفغان لا يمكن أن ينسوا شبابا عربيا مسلما مثل أبو الحسن ( وائل حج ليران ) الذي كان على رأس الهلال الأحمر السعودي في أصعب السنوات كذلك أبو حفص ( زاهد الشيخ) الكويتي الذي عاش في بيشاور وكان يرأس لجنة الدعوة الإسلامية وقدم شقيقا له شهيدا في صفوف المجاهدين كذلك الدكتور " عبد اللطيف" المصري الذي تواجد منذ بداية الجهاد في بيشاور وأصبح أشهر طبيب نساء في أفغانستان وكذلك " فتحي الرفاعي " والحاج " عبد المحسن شربي " في مجال التعليم .

وكان أبرز هذه المؤسسات

1- الهلال الأحمر السعودي : حيث تواجدت طلائعه في أوائل عام 1983 وكان يرأسه " وائل جليران"
2 - لجنة الدعوة الإسلامية ومقرها الرئيسي الكويت ويرأسها " زاهد الشيخ " ومعظم العاملين بها من المصريين .
3- الهلال الأحمر الكويتي وكان له دور كبير وقد أشرف على تأسيس مستشفاه الدكتور " البوز" وهو طبيب مصري يعيش في الكويت ومن كبار أطباء العظام ثم تولي إدارة المستشفي الدكتور " عبد الحي سليمان " وهو أيضا طبيب مصري يعيش في الكويت.
4- هيئة الإغاثة الإسلامية . ورغم أن تواجدها في الساحة جاء بعد الهيئات السابقة لكنها قامت بدور كبير في دعم الجهاد الأفغاني وهي تابعة تنظيما لرابطة العالم الإسلامي .
5- رابطة العالم الإسلامي لم يكن دورها مقتصرا على عمليات الإغاثة ولكنه تمثل في دعم كافة احتياجات الجهاد الأفغاني ودعم المنظمات الجهادية الأفغانية ذاتها وتمويل وتخطيط برامج التعليم في الخيمات بذلك أدت الرباطة دورا ثقافيا وعلميا إلى جانب الدور السياسي فقدمت الجهاد الأفغاني في المحافل الدولية ونظمت الندوات والمؤتمرات لتعريف به .
6- لجنة البر الإسلامية : وهي من أحدث المؤسسات الإغاثية الإسلامية على الساحة الأفغانية حيث بدأ نشاطها عام 1986 .
ورغم هذه البداية المتأخرة إلا أنها استفادت من تجارب المؤسسات السابقة لها فاعتمدت على خطة واضحة الملامح وكان لها نشاط ودور كبير في مجال التعليم حيث تخصصت في الإشراف على الدارسين في المخيمات وأنشأت معاهد عليا هذا بالإضافة إلى قيامها بأعمال الإغاثة .
7- الهلال الأحمر الإماراتي وهو منظمة تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة وكان تواجده حديثا ولكن دعم الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الإمارات للجهاد الأفغاني كان كبيرا منذ بداية الجهاد الأفغاني .
8- الوكالة الإسلامية للإغاثة ( إسراء ) وهي مؤسسة إغاثة سودانية لها نشاط كبير في خدمة المجاهدين الأفغان .
9- مكتب الخدمات العربي : أسسه الشهيد الدكتور عبد الله عزام .

ثالثا: التواجد الشعبي ) غير الرسمي )

كانت المنظمات السابقة منظمات رسمية تمت الموافقة على تأسيس أفرع لها في بيشاور وهي امتداد لمنظمات كبري خارج أفغانستان ورغم أنها منظمات إغاثة إلا أنها تعمل تحت إشراف دولها وبالتنسيق معها ولكن كان هناك تواجد شعبي غير رسمي وهو التواجد الذي يثير الآن ضجة فقد كان هذا التواجد غير الرسمي كثيفا وفعالا ومؤثرا للغاية وكان أيضا ينقسم إلى قسمين :

1- تواجد في مجال الإغاثة والتعليم .
2- تواجد في ميدان القتال مع المجاهدين .

لقد هز الجهاد الأفغاني أفئدة المسلمين في العالم وراح الشباب يتعلق بهذا الجهاد الأسطوري البطولي الذي أحيا روحا كادت أن تندثر وفرضا كادت أن يهجر هو " الجهاد" الذي يساء النظر إليه الآن عند نشر الإسلام .

العائدون من أفغانستان

الفصل الثالث

أفغانستان ( غسيل مخ والسمك الروسي)

كنت أتجول في احدي قري أفغانستان فأذهلني حجم الدمار الهائل الذي لحق بها وبمئات القرى حولها .. كانت ملامح الدمار شاملة .

كأن القرية أصابتها قنبلة ذرية سرت في القرية من أدناها إلى أقصاها لم أر بيتان واحدا قائما ، حطام ودمار شامل ورحت أراقب وألاحظ حجم الدمار الناشئ من قصف مستمر بأنواع مختلفة من الصواريخ والقنابل ... كل البيوت مصابة بضربات مباشرة تلاحظ ذلك من العروق والعوارض الخشبية المتأثرة بشظايا مباشرة .. كذلك الحفر التي خلفتها الانفجارات في قلب البيوت أو في طرقا القرية وساحاتها ..

القرية الكبيرة .. أين إذن ذهب سكانها ؟ وكيف استقبلوا هذا الدمار وهذا القصف الذي استمر على وجه التأكيد لعدة أيام ؟

كم من الشهداء سقطوا ؟ وكم من الجرحي ؟ وكيف نجا من نجا ؟ وأى أرض استقبلتهم الآن ؟ وكيف يعيشون وسط هذا الحطام وآثار الدمار الإنساني والاجتماعي ؟..

تذكرت وطني مصر .. لقد نجت مصر من نفس المصير ومن هذا الدمار وتذكرت كيف استطاع الروس من خلال وسائلهم السياسية التسلسل تدريجيا إلى قلب أفغانستان لقد سبق الغزو السوفييتي لأفغانستان مراحل إعداد طويلة بدأت بالفعل من خمسينات هذا القرن بصفقات السلاح وكانت أول صفقة سلاح سوفيتية إلى أفغانستان عام 1956

وبعد السلاح كان من الضروري إرسال خبراء لتدريب الأفغان على هذا السلاح فبدأ سيل الخبراء الروس يتسللون ثم بدأت مرحلة أخط وهي بعثات ضباط الجيش الأفغاني إلى الاتحاد السوفييتي حيث بدأت عمليات غسيل المخ تدريجيا حتى أصبحت نسبة كبيرة من ضباط الجيش الأفغاني يدينون بالولاء للإتحاد السوفييتي هؤلاء الضباط – عملاء السوفييت – أصبحوا قادة للجيش الأفغاني وقاموا بالانقلاب لصالحهم وبعد الصلاح والجيش بدأ السوفييت يتدخلون بالخبراء في كل شئون أفغانستان وأثناء ذلك تم غرس بذور أول حزب شيوعي ورعايته سرا إلى أن أصبح بالتنسيق مع الجيش قادرا على الاستيلاء على السلطة.

وتذكرت كل ذلك وأنا أمر في دروب القرية الأفغانية تذكرت نظام الحكم الاشتراكي الذي غرس في مصر غرسا والذي بعده تسلل الخبراء السوفييت إلى الجيش المصري ثم بعد ذلك إلى كل المصانع الهامة وخاصة الصناعات الإستراتيجية فأصبحت مصر بذلك تابعة للإتحاد السوفييتي واستنزفت صفقات السلاح السوفييتي ميزانيات مصر ثم ورط السوفييت عبد الناصر في مغامرة عسكرية دمرت الجيش المصري تدميرا هي حرب اليمن التي استمرت خمس سنوات كاملة ..

مما اضطر مصر لشراء مزيد من السلاح بعد تحطيم نسبة كبيرة منه على أرض اليمن ، ولم تنته حرب اليمن التي دمرت مصر اقتصاديا وعسكريا لم تنته إلا بعد هزيمة أخري مروعة وهي هزيمة عام 67 والتي كان للإتحاد السوفييتي ضلع كبير في حدوثها فقد أرسل الاتحاد السوفيتي رسالة ( الفخ) إلى عبد الناصر .. يدعون فيها أن إسرائيل قد حشدت جيوشها على حدود سوريا ..

وبناء على هذه المعلومة التي أرسلها الروس حشد عبد الناصر جيشه على الرغم من وجود ثلث الجيش المصري في اليمن وطرد قوات الطوارئ الدولية وأغلق خليج العقبة مما دفع الموقف إلى أقصي حالات التوتر وحسمت إسرائيل الموقف فوجهت ضربة ساحقة للجيش المصري – الذي ظلمة قادته – وأنزلت به هزيمة مروعة .

واستولت على سيناء التي تقدر مساحتها بخمس مساحة مصر وأغلقت قناة السويس ودمرت ثلاث مدن مصرية كبري هي مدن القناة ( السويسالإسماعيليةبور سعيد) وتحملت مصر عبء أكثر من مليون لاجئ من أبناء هذه المدن فضلا عن تدمير صناعات مصرية هامة كانت تنتشر من السويس إلى بور سعيد .

هزيمة عسكرية .. تدمير كاملا للجيش المصري .. تحطيم اقتصادي لا حدود له لهذا تذكرت جريمة السوفييت في بلادنا الإسلامية مص واليمن وليبيا وكل دول العالم العربي في أسيا وأفريقيا .

لقد كان لي مع زملاء آخرين شرف مواجهة المد السوفيتي داخل القوات المسلحة المصرية لقد أعلنت رأيي بصراحة في تواجد الخبراء السوفييت بهذه الكثافة داخل القوات المسلحة وأعلنت أنهم جواسيس على الجيش المصري معارضا بذلك سياسة عبد الناصر مما عرضني للاعتقال والسجن ولقد ثبت الآن بعد مرور أكثر من عشرين عاما على هذه الأحداث أن تقديري كان صحيحا .. وثبت الآن يقينا أن نسبة كبيرة من الخبراء السوفييت الذين تواجدوا في مصر كانوا جواسيس لإسرائيل فقد كان منهم عدد كبير من اليهود السوفييت.

أى جريمة حدثت ضد مصر من جراء الحكم الشمولي الاشتراكي ومن التبعية العمياء للإتحاد السوفيتي .. واستمرت تبعية مصر للإتحاد السوفيتي الذي راح يتحكم في كل مقدراتها خاصة بعد هزيمة يونيو .. وحاجة مصر إلى سلاح جديدة وإلى دعم لاقتصادها لقد استغل الاتحاد السوفييتي الفرص المتاحة له أفضل استغلال ومع السلاح أرسل الخبراء حتى وصلوا إلى حوالي ثمانية عشر ألف خبير في القوات المسلحة المصرية وآلاف غيرهم في المصانع التي " استوردنا ها " من الاتحاد السوفييتي .

واستمر تواجد الروس بهذه الكثافة حتى بعد وفاة عبد الناصر وهنا نجح أعوان وعملاء الاتحاد السوفييتي في تعيين السادات خليفة لعبد الناصر لأنهم توسموا فيه ضعف الشخصية لهذا وضعوه رئيسا كواجهة فقط إلى أن يتمكنوا من عزله في الوقت المناسب

وهذا ما حدث بالفعل فقد ظل رئيسا بدون سلطات إلى أن انقض عليهم فجأة وأدخلهم جميعا السجن في عملية أطلق عليها حركة التصحيح وكان ذلك في 15 مايو عام 1971 .... ولولا أن الله سبحانه وتعالي قدر للسادات أن ينجح في هذا الصراع ويقضي على مجموعة العملاء .. ولولا لطف الله بمصر وشعب مصر المسلم المسالم لكانت مصر قد وقعت تحت سيطرة عملاء الشيوعية ولحدث فيها ما حدث في أفغانستان بالضبط فإن دخول الجيوش السوفييتية إلى أفغانستان جاء بعد أن قام عملاء الشيوعية في أفغانستان بالسيطرة على الحكم وعندما وقف الشعب الأفغاني المسلم ضدهم استعانوا بالجيوش السوفيتية لسحق شعبهم وأهلهم وإخوتهم وجرت الدماء أنهارا ... دمرت أفغانستان ..

كان انتشار الخبراء السوفييت في الجيش المصري انتشارا خطيرا وصل إلى حد سيطرتهم الكاملة على بعض القواعد الجوية وعدم السماح لأي ضابط أو جندي مصري بالدخول إليها ... لذلك فإن قرار الرئيس السادات بطرد الروس كان بمثابة إنقاذ مركب لسفينة كادت أن تغرق في الطوفان .

وهذه الشهادة رغم أنها تزكية للرئيس السادات إلا أنها اعتراف بلطف الله وفضله في إنقاذ قلب العروبة مصر من سيطرة الشيوعيين .

وبعد خروجي من السجن في عهد عبد الناصر واحترافي الكتابة الأدبية والصحيفة كان من أهم الأعمال الأدبية التي ألفتها رواية قصيرة بعنوان ( غسيل مخ ) ورواية أخري بعنوان ( السمك الروسي )

حاولت فيها أن أسجل للتاريخ شهادتي على عهد شهدناه لعل شهادتنا تلك تنفع الأجيال القادمة فلا تقع مرة أخري في " الفخاخ" المنصوبة وحتى تطهر نفسها من " العملاء" و" الخونة" الذين " اخترقوا " كل موقع وكل بنيان ويعملون ليل نهار على نشر مزيد من الشرذمة والفرقة في عالمنا العربي والإسلامي .

كان هذا جهادي بالفكر والقلم ضد الطغيان وضد الظلم وضد الإلحاد بل ضد كل عوامل سحق الإنسان وتدميره .

لهذا ... عندما بدأت أسمع عن الجهاد البطولي للشعب الأفغاني ضد قوي الظلم وضد جيوش الاتحاد السوفييتي كنت أكثر الناس إحساسا بالآم هذا الشعب المسلم وكان لابد لي أمام الله وأمام ضميري أن اذهب بنفسي ومالي وعملي كأديب وصحفي لأساعد هذا الشعب المسلم المظلوم .

لقد حاولت أن أشارك بنفسي وسقطت طائرة كنت أستقلها من مدينة بيشاور وسلم الله وخرجت سالما .. ولم يخل جسدي من إصابات عديدة وتحطمت أدوات التصوير وسعدت كثيرا لسقوط قطرات قليلة من دمي على أرض أفغانستان .

ورغم ذلك أشعر باني لم أقدم كل شئ .. لقد أصبحت أفغانستان شعبا ... أرضا .. عقيدة ...مرحلة هامة من حياتي كإنسان مصري ، مسلم ، صادق مع نفسه.

هل أنا مخطئ؟.
هل أستحق المطاردة؟.
هل أستحق أن يسحب جواز سفري عند سفري وعند عودتي .. ويتم استجوابي ؟.
هل استحق أن أشعر للحظة واحدة بعدم الأمان في وطني لأني أديت رسالة ضد قوي الظلم والكفر والإلحاد :.. تلك القوي الذي أدانها العالم وأدانتها حكوماتنا وشعوبنا الإسلامية كلها ؟..
العائدون من أفغانستان

الفصل الرابع

مصر مع الجهاد الأفغاني

إن لمصر مكانة خاصة في نفوس الأفغان عموما .. فهي بلد الأزهر ، وكلمة الأزهر كلمة كبيرة... ولها وقع مؤثر في نفوس الشعب الأفغاني ، فالأزهر أكبر جامعة إسلامية ..

ولقد حكي لى بعض المجاهدين الأفغان إن الأفغاني الذي يدرس في الأزهر ويعود إلى أفغانستان يستقبله الناس أحسن استقبال ويسافرون إليه لاستشارته .. بل ويتباركون به .. فمصر إذن بلد العلم والعلماء .. ولقد تخرج العديد من قادة الجهاد الأفغاني من الأزهر وعاشوا في مصر ومن هؤلاء القادة صبغة الله مجددي وبرهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف .

وفي جبهات القتال كان يجلس معنا سياف ويحكي عن حياته ف يمصر بحب شديد .. يذكر حياته وإقامته في المدينة الجامعية بالأزهر .. يذكر رحلة كل يوم جمعة إلى مسجد الشيخ كشك بدير الملاك .. يذكر سندويتشات الفول والطعمية وحكي لنا أنه شاهد بالصدفة حريق الأوبرا..

وفي الحقيقة فإن دور مصر الرسمي منذ الغزو السوفييتي لأفغانستان كان موقفا إيجابيا للغاية ولقد وقف السادات وقفة شجاعة ضد الغزو بصرف النظر عن ظروف الحرب الباردة وقتها بين واشنطن وموسكو وأنحيا السادات لواشنطن .

لكن الحقيقة التاريخية دون أى إنكار هي أن السادات عبر عن موقف شعب مصر الطبيعي والفطري والمبدئي بوقوفه ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان.

وفي هذه السطور القليلة نستعرض تطور الأحداث وموقف مصر الرسمي ضد الغزو السوفيتي ودعم الجهاد الأفغاني .

فقد نشرت جريدة الأهرام على صدر صفحتها الأولي بعد يومين فقط من الغزو السوفييتي لأفغانستان يوم السبت 29 / 12 / 1979 " مانشيت" رئيسيا يقول " مصر تدين التدخل السوفييتي في أفغانستان وسياسة الهيمنة السوفييتية " " غالي يبلغ السفير السوفييتي في جلسة ساخنة أن التدخل يعتبر خرقا لميثاق الأمم المتحدة ".

وقالت تفاصيل الخبر :" إن مصر طلبت أمس من فلاديمير بوليا كوف السفير السوفييتي ب القاهرة إبلاغ حكومته بأنها تدين التدخل السوفييتي في أفغانستان وترفض سياسة الهيمنة والتدخل في مصالح الدول الصغيرة وقد اعترف السفير السوفييتي بالتدخل المباشر في أفغانستان وفسره على أنه جاء بناء على طلب من حكومة كابول ويستند إلى الاتفاقية التي وقعت بين الدولتين وحق الدفاع المشترك الجماعي المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة.

وقد رفضت مصر هذا التفسير في جلسة ساخنة من المناقشات التي تمت بين د. بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية والسفير السوفييتي طبقا للأسس التالية :

- إن هذا التدخل خرقا لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على مبدأ عادم التدخل في الشئون الداخلية للدول .
- إن التدخل محاولة لفرض النظام الماركسي على شعب أفغانستان ولذلك فإن مصر تدين التدخل انطلاقا من مسئوليتها تجاه الدول الإسلامية الشقيقة .
- إن هذا التدخل هو محاولة لإضعاف حركة عدم الانحياز .
- وقد صدر بيان رسمي عن وزارة الخارجية المصرية يدين التدخل السوفييتي في أفغانستان.. صرح به متحدث رسمي عن الوزارة في نفس الخبر قال فيه :
" تدين جمهورية مصر العربية بكل قوة وحزم التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان الذي تعتبره خرقا صارخا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تتعهد بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وإنه محاولة جديدة لفرض نظام ماركسي على شعب أفغانستان بهدف القضاء عليه وعلى هويته وشخصيته الإسلامية الأصيلة وهو أمر لا تستطيع مصر السكوت عليه انطلاقا من مسئوليتها الخاصة تجاه الأمة الإسلامية كما تري فيه مصر محاولة لإضعاف حركة عدم الانحياز عن طريق سلخ أفغانستان عنها وإدخالها في المعسكر السوفييتي "

ثم نشرت الأهرام خبرا في صفحتها الرابعة في نفس اليوم بعنوان " إدانة عالمية شاملة لعملية الغزو السوفيتي ضد أفغانستان " الثوار المسلمون يواصلون المعارك رغم تدفق الأسلحة والجنود من موسكو "

وفي عدد الأهرام أيضا يوم 30 ديسمبر عام 1979 كان مانشيت الصفحة الأولي :" اتصالات مصرية بدول عدم الانحياز لبحث التدخل السوفييتي في أفغانستان "..." المفتي يدعو المسلمين في العالم لمساندة الثوار الأفغان ضد التدخل السوفييتي "

وتقول تفاصيل المانشيت :" إن مصر بدأت اتصالاتها مع دول عدم الانحياز في القاهرة عن طريق سفراء مصر في هذه العواصم لبحث التدخل السوفييتي العسكري المباشر لفرض النظام الماركسي في أفغانستان .

ووجه الشيخ " جاد الحق على جاد الحق " مفتي الجمهورية نداء إلى المسلمين في سائر الأقطار للمسارعة بنجدة الثوار الأفغان الذين يدافعون في معركة غير متكافئة عن دينهم وأرضهم وأنفسهم ضد التدخل السوفييتي

وعلى نفس الصفحة نشرت الأهرام خبرا في الصفحة الأولي يقول :" أميركا تعلن قرارات هامة خلال 24 ساعة لمواجهة الموقف "..

" كارتر يطلب من مجلس الشيوخ وقف مناقشة اتفاقية الحد من التسلح"
" دعوة مجلس الأمن للاجتماع الليلة أو غدا "

أشارت تفاصيل الخبر إلى أن قوات الاحتلال السوفييتي قد اتخذت إجراءات خطيرة لإحكام سيطرتها على أفغانستان حيث بدأ الخبراء السوفييت يديرون بالفعل شئون البلاد ويصرفون أمورها بشكل مباشر في الوقت الذي تدور فيه المعارك الضارية بين قوات الغزو السوفييتي والثوار المسلمين في أقاليم باداكشان وباكتيا، وكاندار ، ونانجارهار.

وفي الوقت نفسه قدمت بريطانيا نيابة عن 42 دولة من بينها الولايات المتحدة طلبا رسميا لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث تطورات الوضع في أفغانستان ومناقشة التدخل العسكري السوفييتي وتأثيراته على السلام والأمن الدولي وتنتمي هذه الدول إلى العالم الثالث ومجموعة الدول الإسلامية والغربية .. ،كان يعتقد وقتها أنه يتم إعداد مشروع يطالب مشروع يطالب بانسحاب القوات السوفييتية فورا من أفغانستان ".

على نفس الصفحة كان هناك خبر يقول :" استمرار المشاورات لمواجهة التدخل العسكري السوفييتي في أفغانستان ".. تقول تفاصيله: أجرت وزارة الخارجية المصرية أمس عدة مشاورات مع السفراء ألكسندر بوزوفيتش سفير يوغوسلافيا ونور الدين كراكولو سفير تركيا وإرساوزمان سفير بنجلاديش بشأن الوضع في أفغانستان بعد التدخل السوفييتي فيها ..

وفي نطاق هذه المشاورات اجتمع وزير الخارجية بكل من مايكل سكوت واير سفير وسولفانج موندر سفير ألمانيا الاتحادية وطلب الدكتور بطرس غالي وزير الدولة للشئون الخارجية من الدكتور عصمت عبد المجيد مندوب مصر الدائم بالأمم المتحدة إجراء اتصالات مع مندوبي الدول الصديقة في الأمم المتحدة للتنسيق معها بشأن عقد اجتماع مجلس الأمن لبحث الوضع في أفغانستان "

وفي عدد الأهرام يوم السبت 5 يناير عام 1980 كان المانشيت الرئيسي للصفحة الأولي : " السادات يدعو المكتب السياسي للحزب الوطني غدا لبحث غزو السوفييت لأفغانستان "..

وقالت التفاصيل :" يعقد المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي غدا اجتماعا طارئا برئاسة الرئيس أنور السادات للنظر في موضوع الغزو السوفييتي الغاشم للأراضي الأفغانية والاعتداء الآثم على الشعب الأفغاني "..

وتستكمل تفاصيل الخبر :"إن الرئيس أنور السادات قد أعلن في تصريحات أدلي بها للصحفيين عقب صلاة الجمعة في أسوان أن العالم الإسلامي يجب ألا يكتفي بإدانة الغزو السوفييتي لأفغانستان بالبيانات وحسب ولكن يجب أن تكون هناك إجراءات فعلية وسوف أدعو المكتب السياسي للحزب الوطني للاجتماع لاتخاذ قرارات محددة ترفع إلى الحكومة لتنفيذها وعلى الدول الإسلامية والزعماء المسلمين الذين لزموا الصمت أن يقولوا كلمتهم الآن .

وأشار الرئيس إلى أن جميع المصريين قد صلوا صلاة الغائب على مع الشعب الأفغاني في نضاله ضد الغزو السوفييتي وأعلن أن مصر عقدت العزم على مضاعفة العطاء والدعم حتى تعلو كلمة الحرية وتنتصر إرادة الإنسان ويستعيد الشعب الأفغاني حريته كاملة"

وقال الرئيس في الكلمة التي ألقاها نيابة عنه السيد كمال حسن على نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في افتتاح أسبوع التضامن مع الشعب الأفغاني أن الغزو السوفييتي لأفغانستان يمثل محاولة احدي القوتين الكبرتين للارتداد بالبشرية من عهد تصفية الاستعمار والعنصرية إلى عهد الغزوات الاستعمارية البائدة وأن هذا الغزو الذي يعد تهديدا لأمن منطقة الخليج والشرق الأوسط كله قد كشف جميع الأقنعة وأسقط جميع الذرائع ، وفرض على المسلمين جميعا التضامن التام مع المسلمين الأفغان .

وأكد الرئيس السادات أن مصر في دعمها للجهاد الأفغاني إنما تستند إلى مبادئ سامية تستمد من الدين الإسلامي ومن حرية الشعوب ومقاومة العدوان في جميع صوره ، ودعا المجاهدين الأفغان إلى جمع صفوفهم وتوحيد منظماتهم وإقامة حكومة حرة موحدة يعترف بها العرب والمسلمون وسائر الدول الحرة في العالم لتدعيم النضال الأفغاني المسلح وطالب الرئيس الأشقاء العرب والمسلمين بأن يأخذوا ما حدث في أفغانستان عبرة.

وقال الدكتور سيد نوفل إن دعوة الرئيس السادات إلى تأسيس جامعة الشعوب الإسلامية والعربية في أكتوبر الماضي كانت إحساسا منه بالمسئولية بعد التمزق العربي والتشتت الإسلامي في مواجهة الغزوات العاتية .

وفور انتهاء نائب رئيس الوزراء من إلقاء كلمة الرئيس السادات في المؤتمر عقدت الجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية الإسلامية جلسة لبحث مشروعات القرارات الخاصة بدعم نضال الشعب الأفغاني وانتهت إلى إصدار القرارات التالية :

- اقتراح خصم 2% من المرتب أو المعاش لجميع موظفي الدولة على ألا يقل المعاش أو المرتب عن 50 جنيها وذلك بحد أدني .
- اقتراح فرض ضريبة جهاد لصالح أفغانستان .
- دعوة الجمعيات الخيرية عن طريق وزارة الشئون الاجتماعية إلى جمع التبرعات لصالح الشعب الأفغاني .
- فتح المساجد لتقلي تبرعات المواطنين .
- مطالبة الدول العربية والإسلامية بدعم المجاهدين ومضاعفة الجهود والعمل على إدانة الغزو السوفييتي .
- تخصيص صندوق في مكتب أفغانستان بالأمانة العامة لجامعة الشعوب لجمع التبرعات الشعبية غي الحكومية .
- مطالبة الدول الإسلامية والعربية بقطع علاقاتها مع الحكومة الأفغانية العميلة للإتحاد السوفييتي ومطالبة دول العالم الثالث باتخاذ الإجراءات الإيجابية لإنهاء الغزو السوفييتي .

ونشرت الأهرام في عدد الاثنين 29 / 12 / 1980 خبرا حول احتجاج صحيفة برافدا السوفيتية على مصر لعقدها أسبوعا للتضامن مع الشعب الأفغاني .

أما مجلس الشعب المصري فكان له دوره كذلك في تدعيم هذه القضية بصفته جهة تشريعية وأحد سلطات الدولة .

فقد نشرت الأهرام في يوم الثلاثاء 30 / 12 / 1980 خبرا يقول :" مجلس الشعب يدين الغزو السوفيتي لأفغانستان " وقالت تفاصيل الخبر " أعلنت لجنتا الشئون العربية والعلاقات الخارجية بمجلس الشعب مساندتها ودعمهما لنضال الشعب الأفغاني ضد الغزو السوفيت الآثم ودعت اللجنتان في بيان مشترك لهما أمس بمناسبة أسبوع التضامن مع الشعب الأفغاني إلى انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان "

ونشرت الأهرام يوم الأحد 21 ديسمبر عام 1980 خبر وصول قادة الجهاد الأفغاني للقاهرة وإشادتهم بمصر ودورها في دعم نضال شعبهم ضم وفد القادة السيد أحمد جيلاني والشيخ صبغة الله مجددي والسيد وكيل خان والسيد طريامي عثمان والدكتور رسول أمين والقاضي محمد نذير سعيد ورحمة الله موسي غازي وذلك للمشاركة في المؤتمر الموسع الذي تعقده جامعة الشعوب العربية والإسلامية يوم السبت التالي .

وقد صح الدكتور سيد نوفل الأمين العام للجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية بأن الرئيس السادات قد وضع تحت تصرف مكتب أفغانستان في جامعة الشعوب مليون جنيه كنواة ليمارس المكتب مهام أعماله .

ونشرت الأهرام في اليوم التالي تصريحا لأحمد جيلاني أحد المجاهدين الأفغان قال فيه :" إننا قد حضرنا إلى مصر لموقفها الإيجابي والمشرف بزعامة الرئيس أنور السادات بهدف أن نوضح لأشقائنا المصريين الأوضاع في أفغانستان وأن الجهاد هو جهاد النفس والمال وهو فرض على جميع المسلمين ولذلك فإننا نبذل النفس وعلى المسلمين أن يبذلوا المال وهو ما نادي به الرئيس السادات الذي كان أول زعيم مسلم يدين الغزو الشيوعي ".

وتوطدت علاقة المجاهدين الأفغان ب القاهرة وأصبحت مصر هي أول البلاد المؤيدة للجهاد الأفغاني وقد وجه ثلاثة من أكبر القادة الأفغان رسالة صوتية من راديو القاهرة يوم الأربعاء 24 ديسمبر عام 1980 إلى الشعب الأفغاني والشعوب الإسلامية يحثونهم على الاستمرار في النضال وتشديد الكفاح حتى تحرر البلاد تحرير كاملا .

وقد وصل إلى القاهرة فجر نفس اليوم السيد محمد نبي محمدي زعيم حركة " انقلابي إسلامي أفغانستان " " الحركة الثورية الإسلامية " لينضم إلى زميليه صبغة الله مجددي زعيم الجبهة الوطنية لإنقاذ أفغانستان أحمد جيلاني زعيم الجبهة الوطنية الإسلامية لحضور الاحتفال بيوم التضامن مع الشعب الأفغاني وينتظر أن يصل القاهرة الليلة ثلاثة آخرون من زعماء المنظمات الرئيسية في أفغانستان ( الأهرام 25 ديسمبر 1980)

واستمر لتأييد وسائل الإعلام المصرية للجهاد الأفغاني نشرت الأهرام يوم 27 ديسمبر 1980 مانشيت الصفحة الأولي يقول :" السادات للثوار الأفغان : سنقف معكم بكل ما في الإسلام من قوة ".. "

واجب كل مسلم مساعدة أفغانستان ".. وأما تأييد الغزو السوفييتي فهو خيانة .. ورد زعماء المجاهدين :" السادات هو الزعيم الوحيد الذي تعهد بتقديم كل المساعدات لشعب أفغانستان".

وتقول تفاصيل الخبر:" قال الرئيس السادات خلال لقائه بعد ظهر أمس بمنزلة بميت أبو الكوم لوفد الثورة الأفغانية أن مصر ستقف بجانب الكفاح الأفغاني بكل ما في الإسلام من قوة وأكد أن شعب أفغانستان سيجد في مصر الشقيق الذي يقف معه ومع كفاحه مهما طال الزمن وخارج كل الخلافات .

وكان الرئيس السادات قد أدي صلاة الجمعة بمسجد قريته ميت أبو الكوم وأدي الصلاة معه زعماء الجهاد الأفغاني ثم وجه الرئيس السادات رسالة لشعوب العالم لمساعدة أفغانستان من خلال المؤتمر الكبير الذي عقد صباح يوم السبت 27 ديسمبر بمقر جامعة الشعوب الإسلامية والعربية ليؤكد موقف مصر الثابت لدعم الجهاد الأفغاني لتحري بلادهم من التدخل السوفييتي .

ونشرت الأهرام خبرا يوم السبت 13 / 1/ 1981 حول أداء المجاهدين الأفغان لصلاة الجمعة بمسجد الحسين وألقي الخطبة الدكتور محمد الطيب النجار مدير جامعة الأزهر وأدي الجميع صلاة الغائب على أرواح شهداء الجهاد الأفغاني وبعد الصلاة ألقي زعيم المجاهدين هارون المجدوي كلمة عبر فيها عن مشاعره تجاه الدعم المصري لجهادهم ..

وكان من أهم الأخبار التي نشرتها الصحف المصرية على الإطلاق ما نشرته الأهرام يوم الأحد 4/ 1/ 1981 الخبر يقول : صواريخ وقنابل مضادة للدبابات هدية لقادة النضال الأفغاني .

يقول الخبر " زار أمس قادة الجهاد الأفغاني مصانع الهيئة العربية للتصنيع حيث شاهدوا على الطبيعة مراحل الإنتاج في مصنع الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ الموجهة وقد أهدت مصانع الهيئة مجموعة من الصواريخ المضادة للدبابات للقادة الأفغان تأكيدا لخط مصر الثابت الذي أعلنه الرئيس السادات في دعم الجهاد الأفغاني ".

وفي الصفحة الثامنة بنفس العدد كان هناك خبر حول توجيه جمعية الهلال الأحمر المصرية نداءا إلى المصريين للتبرع لصالح مكنوبي أفغانستان بما تجود به النفوس من المال والغذاء والكساء وكذلك التبرع بالدم.

وكان من أهم الأخبار التي نشرت بالصحف المصرية كذلك ما أعلنه المجاهدون الأفغان في جلسة لمجلس الشعب المصري يوم 6 / 1/ 1981 حيث قالوا :" لم تلق العون الحقيقي إلا من مصر".

قال الخبر بالضبط :" أعلن زعيم الجبهة الوطنية لمجاهدي أفغانستان أمام مجلس الشعب أمس أنهم لم يجدوا العون الحقيقي إلا في مصر وأنهم طلبوا من الدول الإسلامية والعربية أن تقدم لهم العون السياسي والمادي ووعدتهم هذه الدول وعودا كثيرة ولكنهم للآن ومنذ سبعة شهور ليتلقوا منها أى شئ .

وقال صبغة الله مجددي زعيم الجبهة إنه يشكر الشعب المصري ويحيي كفاحه الطويل ضد كل الغزاة الذي توج هذا الكفاح بنصر أكتوبر العظيم بقيادة الزعيم البطل أنور السادات ذلك القائد المؤمن الذي محا بهذا النصر هزيمة عام 1967 ومن قبل ذلك أنقذ مصر من الأخطبوط السوفييتي عندما قام بطرد الخبراء الروس من البلاد "

وقد رحب الدكتور صوفي أبو طالب رئيس لمجلس بزعماء الجبهة الوطنية الذين حضروا جلسة المجلس أمس وأكد لهم أن مصر تقف معهم وإلى جانبهم في نضالهم المسلح وأن العدوان الشيوعي على أفغانستان حلقة في سلسلة تستهدف الأمة الإسلامية كلها .

وأعلن الدكتور فؤاد محيي الدين نائب رئيس الوزراء أن مصر حكومة وشعبا سوف تستمر في مساندة شعب أفغانستان البطل حتى يحقق استقلاله الكامل وترتفع راية الإسلام كما كانت على أرضه عالية .

ومن جانب آخر أعلن الدكتور سيد نوفل الأمين العام للجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية أن تبرعات محافظة بورسعيد لصالح المجاهدين الأفغان قد بلغت 750 ألف جنيه بالإضافة إلى المعونات العينية وناشدت سيدات الهلال الأحمر شعب مصر أن يتبرع لمنكوبي أفغانستان "

وبعد ذلك بدأت تبرعات المواطنين والمصالح الحكومية تنهال لدعم الجهاد الأفغاني فقد نشرت الأهرام كذلك يوم الجمعة 9 يناير 1981 خبرا يقول 12 ألف عامل يتبرعون بأجر يوم لمناضلي أفغانستان".

ويقول تفاصيل الخبر :" تبرع 12 ألف عامل بهيئة الصرف الصحي ب القاهرة بأجر يوم دعما للنضال الأفغاني المسلم ضد الغزو السوفييتي كما قرر العاملون بوحدات التخزين بالشركة العامة للصوامع المشاركة بثلاثة أيام من مرتب يناير للموظفين ويوم واحد للعمال لصالح المجاهدين الأفغان ".

وفي يوم الأحد 11 يناير نشر الأهرام كذلك خبر تبرع أعضاء مجلس الشورى بـ20 ألف جنيه من مكافأة العضوية لصالح أفغانستان .

وبعد مغادرة قادة الجهاد الأفغاني لمصر نشرت الأهرام الخبر التالي :

" القادة الأفغان يشيدون بدور مصر والسادات في دعمهم " ... يقول الخبر " غادر القاهرة أمس قادة الجهاد الأفغاني بعد أن شاركوا في احتفالات مصر وجامعة الشعوب الإسلامية والعربية في أسبوع التضامن مع الشعب الأفغاني وكان في وداعهم بالمطار الدكتور سيد نوفل الأمين العام لجامعة الشعوب الإسلامية والعربية "

وقد عبر قادة الجهاد عن تقديرهم البالغ لدور مصر بقيادة الرئيس السادات في مواجهة الغزو السوفييتي لأفغانستان المسلمة وأكدوا أن مصر القوية المؤمنة هي الدرع الحقيقي للإسلام .

وقال قادة الجهاد إنهم سيحملون إلى المجاهدين على أرض القتال تأييد الشعب المصري العظيم لجهادهم المقدس وهو الـتأييد الذي شمل كافة وسائل الدعم السياسي والعسكري والروحي والمادي .

كما ذكر قادة الجهاد أن توجيه الرئيس السادات وبإنشاء مكتب أفغانستان بجامعة الشعوب إنما يؤكد حرص القائد العظيم على دعم المجاهدين الأفغان .

الأطباء والإعلام في أفغانستان

لعبت نقابة الأطباء المصرية دورا كبيرا وفعالا في دعم الجهاد الأفغاني ونصرته والدعوة إليه في مصر وخارجها سواء أكان دعما ماديا عن طريق جمع الأموال أم بإرسال نخبة من الأطباء ذوي الكفاءة لعلاج المصابين في أرض الجهاد.

وقد أمدت النقابة المؤسسات الإسلامية التي تعمل في حقل الإغاثة في أفغانستان مثل الهلال الأحمر الكويتي ولجنة الدعوة الإسلامية والوحدات والنقط الطبية المتواجدة في المخيمات أو الحدود بطاقة بشرية كبيرة ممثلة في خيرة أبناء مص من الأطباء وقد اختارتهم النقابة ومن المتخصصين في فروع الطب المختلفة وتميزوا بالتدين والخلق الحميد والشعور بالمسئولية خاصة أن العمل يعتبر في الأساس مهمة إنسانية .

كما كانت هناك قوائم انتظار طويلة للأطباء الذين يعرضون خدماتهم مساهمة في الجهاد ونيل هذا الشرف العظيم أما بالنسبة للأساتذة فكان منهم من يتطوع للعمل لمدة أسبوعين أو شهر حسب ظروفه .

وقد بدأت نقابة الأطباء تكثيف جهودها عام 1984 للقيام بواجبها الإنساني والإسلامي نحو أخوة العقيدة خاصة أن جهات إغاثة من دول العالم أرسلت بالفعل معونات وأنشأت مستشفيات ..منها الصليب الأحمر .. لهذا اعتبرت نقابة الأطباء أن أى تأخير في تقديم العون يعتب تقاعسا عن مد يد المساعدة ..

ومن الأسماء البارزة الدكتور محمود البوز رئيس مستشفي الهلال الأحمر الكويتي في بيشاور وواحد من أكبر أطباء العظام بالكويت وهو مصري درس الطب بانجلترا ويجب أن نذكر الدور الذي قام به المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد البنهاوي الذي تبرع بآلاف الجنيهات من ماله الخاص للجهاد الأفغاني وقاد بنفسه العمل الطبي في خدمة المجاهدين الأفغان .. سواء ب القاهرة أو بيشاور وقد استأجر فيلا من أمواله الخاصة في بيشاور لإقامة الأطباء المصريين ..

كما ابتكر نقالة من البلاستيك المقوي تصلح لنقل الجرحى من المجاهدين من داخل أفغانستان وسط المعارك بحيث تساعد هذه النقالة في حمل الجريح بأمان على ظهور الدواب ، وأنقذ الكثير من المصابين الذين كانوا ينقلون بطريقة بدائية كذلك لم تنس نقابة الأطباء إرسال الشحنات المتوالية من الأدوية والمستلزمات الطبية والآلات الجراحية إلى مستشفيات المجاهدين .

وقد أجرت نقابة الأطباء مقابلات مع الأطباء المرشحين للسفر وهم كفاءات متميزة ولكن للأسف فإن بعضا منهم لم يكن لديه أى فهم للقضية ولم يقدم له أى تعريف بالجهاد الأفغاني وظروفه قبل سفره .. كان الملاحظ في المستشفيات هو الجرحي من جراء العمليات العسكرية العنيفة في حرب غير متكافئة فعلا .

الإعلام العربي والجهاد الأفغاني

لم يبخل الإعلام لعربي على القضية الأفغانية وكان له الدور الكبير في تعريف الشعوب العربية بحقيقة الوضع في أفغانستان وكان للإعلام المصري دوره في تأييد ودعم الجهاد الأفغاني منذ بدايته وقد انبري بعض الكتاب الذين سخروا أقلامهم لنقل حقيقة ما يحدث على أرض الجهاد والمناورات التي تحاك بالمجاهدين ووضح ذلك في مؤلفات بعض الكتاب المصريين الذين أصدورا مؤلفات حول الجهاد الأفغاني .

وتعتبر صحيفتا " المجتمع " التي تصدر في الكويت ومجلة " الإصلاح" التي تصدر عن جمعية الإصلاح الاجتماعي بالإمارات من أهم المجلات الإسلامية التي غطت الجهاد الأفغاني منذ بداية الغزو السوفييتي كذلك جريدة المسلمون " التابعة للشركة السعودية للأبحاث والتسويق وجريدة الشرق الأوسط " التي تصدر في لندن التابعة لنفس الشركة .. كذلك مجلة " المجلة " وتعتبر جريدة " الاتحاد " التي تصدر في دولة الإمارات العربية أفضل جريدة عربية غطت القضية الأفغانية بسبب التحقيقات الجريئة والمبكرة لمراسلها مصطفي حامد..

وقد بدأت صحف الخليج والسعودية في الاهتمام بالقضية الأفغانية في العامين الأخيرين فأرسلت مراسيلها إلى مدينة بيشاور وقد اهتمت مجلتا " الاعتصام " والمختار الإسلامي " بالجهاد الأفغاني اهتماما كبيرا .

أما مجلة " لواء الإسلام " التي كانت تصدر شهريا وتعبر عن " الإخوان المسلمون" في مصر فإن بند أخبار الجهاد الأفغاني كان من أهم بنودها .. معتمدة في ذلك على الأخبار التي توزعها لجنة الدعوة الإسلامية في بيشاور .. كذلك تغطية بعض الصحفيين التي تنشرها في تحقيقات مستقلة .

وقد صدرت عن الجهاد الأفغاني أعمال مرئية فيليمية وثائقية رغم ندرتها إلا أنها عبرت عن الجهاد الأفغاني فقد أنشأ الاتحاد الإسلامي " مرآة الجهاد "لإنتاج أفلام فيديو عن الجهاد الأفغاني وصدر عنها أربعة أفلام.

أما باقي الأحزاب فقد أنشأت أقساما إعلامية لتصوير الأفلام وتوزيعها وفقد أنتجت لجنة الدعوة الإسلامية فيلما وثائقيا بعنوان " الجبل " مدته ثلاث وعشرون دقيقة "

أما الفيلم الوثائقي الثاني فهو فيلم " أفغانستان .. الطريق إلى النهر" ..

إخراج عصام دراز " مصري " الذي أخرج أيضا الفيلم الوثائقي الثالث بعنوان " الأنصار العرب في أفغانستان " ويتكلم عن مراحل الجهاد الأفغاني وحصار جلال أباد.

وكانت تصدر في بيشاور عدة مجلات تعبر عن الجهاد الأفغاني باللغة العربية هي " مجلة " البنيان المرصوص " و" الجهاد" و" المجاهدون " و" الموقف " و" المجاهد " و " لهيب المعركة" وكلها مجلات شهرية.

وكان للإعلام الجماهيري أو الشعبي نشاطه في خدمة الجهاد الأفغاني وتعبر لجنة الدعوة الإسلامية ومركزها الرئيسي الكويت هي رائدة الإعلام الجماهيري دون منازع وتفوقت في ذلك بالنشرات التي توزعها والمطبوعات الأنيقة وكذلك الدعوة باستخدام مراكز تجمع الناس .

وكان للغة العربية دور كبير في القضية الأفغانية ... فقد ساعدت على تقريب المجاهدين العرب من مجاهدي أفغانستان ومع أن كل فرد يعتز باللغة التي يتكلم بها وغير مستعد لتكلم بغيرها إلا أن المجاهدين الأفغان كانوا مستعدين لتعلم اللغة العربية والتكلم بها لأنها لغة القرآن .

العائدون من أفغانستان

الفصل الخامس

الإخوان والأفغان

الجهاد الأفغاني واحد من أهم الظواهر التاريخية الإسلامية في العصر الحديث ولابد لي دارس لمراحل تطور ونمو الجهاد الأفغاني أن يلمس الأدوار التي ساعدته على النمو والثبات ثم الانتصار على الغزو السوفييتي .

كذلك لا يستطيع أى دارس للتاريخ السياسي للعالم لعربي والإسلامي إلا أن يلحظ دور " الإخوان المسلمين " كحركة سياسية لها تأثيرها ولها وزنها في الشارع الإسلامي وعندما ذهبت إلى أفغانستان لاحظت الاهتمام والتقدير الكبير الذي يحمله المجاهدون الأفغان لجماعة الإخوان المسلمين ويرجع ذلك التقدير إلى أنها الحركة الإسلامية الأولي في العصر الحديث التي أحيت فرض " الجهاد" وكان ذلك هو مفتاح شخصية حركة الإخوان المميزة ..

ولهذا فإن الجهاد الأفغاني يعتب نفسه فكريا رافدا من روافد فكر الإخوان المسلمين وهم يصرحون بذلك بل يعتزون بهذا الانتماء اعتزازا كبيرا ويعتبرون أن حركة الإخوان هي الحركة الأم لكل العاملين في حقل " الجهاد" و" الدعوة" الإسلامية .

وهناك أمثلة صغيرة للغاية تكشف عن هذا التقدير الذي يحمله المجاهدون للإخوان المسلمين فقد نشرت مجلة " البنيان المرصوص" وهي احدي المجلات التي كان يصدرها الجهاد الأفغاني تأبينا للمرحوم عمر التلمساني بعد وفاته ، وعند قراءة هذا التأبين تشعر بالعمق العاطفي لهذا الانتماء .. تقول كلمة البنيان المرصوص تحت عنوان واضح " كلمة وفاء "

" إلى كل المسلمين في الأرض .. إلى المجاهدين منهم والمهاجرين إلى القابضين على الجمر وإلى الذين يحاولون أن يرفعوا الرايات الربانية رغم اشتداد عواصف الباطل .. إلي الذين يلونون تربة الطريق بدمائهم كي تهتدي من بعدهم الأجيال إلى كل هؤلاء نحتسب أستاذنا الفاضل عمر التلمساني رحمه الله ونسأل الله تعالي أن يسكنه فسيح جناته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا وإنا لله وإنا إليه راجعون "

كانت هذه كلمة مجلة " البنيان المرصوص " لسان حزب الاتحاد الإسلامي لأفغانستان الذي يرأسه البروفيسير عبد رب الرسول سياف .

وصدر بيان مشابه في مجلة " الجهاد " التي كان يرأس تحريها الشهيد الدكتور عبد الله عزام ، وكلمات مشابهة في كافة مجلات المجاهدين الأفغان ..

لقد لمست بنفسي الدور القي قام به الإخوان المسلمون عمليا في دعم الجهاد ويمكن تقسيم الدور إلى:

1 - دور عقائدي وفكري

يعتبر معظم قادة الجهاد حركة الإخوان المسلمين الحركة الأم فكريا فمؤسس الحركة الجهاد الأفغاني في أفغانستان " غلام محمد نيازي " كان قد أمضي حوالي خمس سنوات للدراسة بالأزهر وذلك بين عامي 1954 ،

1959 وأثناء تواجد غلام محمد نيازي في مصر تأثر بفكر الإخوان المسلمين وتابع نشاطهم وأصلت في فكره الشخصي ضرورة بعث فريضة " الجهاد" في أفغانستان كما حدث في مصر وعندما عاد غلام محمد نيازي إلى أفغانستان وعين مدرسا بكلية الشريعة في " كابل " بدأ يقوم بالإعداد لإنشاء تنظيم إسلامي يقوم بإحياء روح الجهاد في الشباب الأفغاني ويستمد فكره من فكر الإخوان المسلمين .

وقد استطاع غلام نيازي أن ينشئ هذا التنظيم بالفعل داخل كلية الشريعة ومن الطلبة البارزين المشهورين بالميول الإسلامية من أمثال " برهان الدين رباني " وعبد ب الرسول سياف .

وغيرهم وأصبحت كلية الشريعة مهد الحركة الإسلامية الجديدة مركز تجمع وإشعاع للفكر الجديد .

وتكون هذا التنظيم تحت اسم " جوانان مسلم" أى الشباب المسلم ثم تطور فيما بعد ليصبح " الجمعية الإسلامية " وذلك بعد حضور "برهان الدين باني " وعبد رب الرسول سياف من مصر فقد ذهبا إلى مصر للدراسة في الأزهر وحصل كل منهما على درجة الماجستير في الشريعة وبعد عودتهما إلى :" كابل" بدأت عملية ميلاد التنظيم الجديد وهو " الجمعية الإسلامية " وعند تأسيس هذا التنظيم تم انتخاب " رباني " رئيسا و" سياف " نائبا له .

ويذكر الشيخ " صبغة الله مجددي" أنه حضر إلى مصر في أوائل الخمسينات والتقي بقادة الإخوان المسلمين وأنه تدرب على السلاح معهم أثناء الحرب ضد الاحتلال البريطاني في منطقة السويس .

أما المهندس محمد أيوب المسئول العسكري لحزب " الجمعية الإسلامية الذي يرأسه باني فيشير إلى فكر علماء الإسلام الكبار مثل سيد قطب والشيخ المودودي الذين ترجمت كتبهم إلى الفارسية أو البشتو ، قائلا : لقد كان لفكر سيد قطب تأثير كبير على الشباب الأفغاني وعلى المفكرين الأفغان.

دهشت عندما زرت أفغانستان سواء في معسكرات المجاهدين أو داخل أفغانستان فوجدت مدارس ومعاهد تعليمية بل ومواقع عسكرية تحمل أسماء الشهيد سيد قطب والإمام حسن البنا وبنفس الصورة في باكستان ذاتها .

2 - الدور الإغاثي
3 - كان الموقف مأساويا بعد اجتياح الجيوش السوفييتية لأفغانستان لقد صاحب هذا الغزو دمار عنيف لمدن وقري أفغانستان وجري نهر الدماء وهاجر الملايين من الأفغان إلى باكستان وأمام هذه الكارثة الإنسانية المروعة تحركت شعوب العالم ولكن تحرك الدول العربية والإسلامية كان ضعيفا كعادة .. ولولا نشاط بعض المنظمات لكان المجاهدون الأفغان قد تعرضوا لمواقف صعبة ولا يستطيع أى دارس لحركة الجهاد الأفغاني أن يتجاهل دور تنظيم " الإخوان المسلمين " في دعم الجهاد الأفغاني دعما معنويا وماديا في وقت لم يكن أحد ينتبه لهذا الجهاد وأهميته وما يعنيه .
4 - قدم الإخوان المسلمون الدعم والعون المستمر في كافة المجالات من جمع تبرعات وأموال إلى إرسال مستشارين لقادة الجهاد وإرسال مدرسين وأطباء من كافة أنحاء العالم وتنظيم الندوات واللقاءات مع الجماهير كذلك وفروا دعما إعلاميا كان له أثر كبير بتعريف الناس بهذا الجهاد .

وذلك من خلال أحاديثهم الصحفية والحملات الإعلامية في مجلاتهم مثل مجلة " الدعوة" قبل أن تغلق ، مجلة " الإصلاح" التي تصدر في الإمارات عن جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت . كذلك من خلال المراكز الإسلامية المنتشرة في أوربا وشراء الأدوية وإرسال الأطباء إلى المجاهدين الأفغان وذلك من خلال الجمعية الطبية الإسلامية .

ولم يكن هذا التحرك قاصرا على الإخوان المسلمين في مصر فقد كان هناك تحرك مماثل من الإخوان المسلمين في كل مكان في العالم .

ومن أهم المؤسسات الإسلامية جمعية الإصلاح الاجتماعي بالإمارات وجمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، ولقد أنشأ الإخوان المسلمون مؤسسة إنمائية مركزها في بيشاور وهي لجنة " الدعوة الإسلامية " التي تعد من أنشط المؤسسات الإسلامية العاملة في حقل الإغاثة في أفغانستان لما كانت تمتلكه من تخطيط وتنظيم وأداء متميز وواضح ... وكان تأثيرها كبيرا في مجالات الرعاية الصحية والطبية فأنشأت مستشفي كبيرا باسم مستشفي " الفوزان" ومراكز طبية ومستشفيات في مخيمات المهاجرين الأفغان .

وإدراكا من لجنة الدعوة لأهمية العلم والتعليم كفرض إسلامي مثله في ذلك مثل الجهاد فقد اهتمت اهتماما كبيرا بإنشاء المدارس والمعاهد سواء في المخيمات أو في مدينة بيشاور بل وصل نشاطها إلى المساهمة في إنشاء كليات ومعاهد عليا مثل المعهد " الشرعي " كذلك أنشأت جامعة في ضواحي بيشاور أطلق عليها جامعة " الدعوة والجهاد " وفتحت هذه الجامعة الوليدة التي أنشئت في قرية المهاجرين كليات للطب والهندسة بالإضافة إلى كليات العلوم الإسلامية .

إن وحدة الأمة الإسلامية ضرورة بنص القرآن ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) هذه الحقيقة دفعت قادة الإخوان المسلمين، بتجربتهم العريقة في حقل الدعوة، إلى الالتقاء بقادة الجهاد الأفغاني دوريا وحثهم على توحيد الصف ونبذ الخلافات وقد تفرغ الشهيد كمال السنانيري لهذه القضية ونجح عام 1980 في جمع قادة المنظمات الأفغانية أمام الكعبة في مكة المكرمة حيث وقعوا وثائق تنازل عن قياداتهم لمنظماتهم واستعدادهم للانضمام في تنظيم واحد..

وقد ولد هذا التنظيم بالفعل وهو " الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان ) الذي جمع بين المنظمات المتصارعة وكان يرأس هذا الاتحاد البروفيسير " سياف "

في عام 1989 التقيت بالمرحوم " صلاح شادي " وهو من قادة الإخوان المسلمين وكان في زيارة لباكستان لتقريب وجهات النظر بين الحكومة الباكستانية والمجاهدين الأفغان ، ففي أبريل عام 1989 تم توقيع اتفاقية جنيف ، الخاصة بالقضية الأفغانية ، التي اعتبرها المجاهدون الأفغان ضارة بهم وبجهادهم وتحمل ظلما كبيرا لهم ...

والأهم من ذلك أن المجاهدين الأفغان لم يكونوا طرفا في هذه الاتفاقية التي ظلت المباحثات التمهيدية بشأنها مستمرة لمدة حوالي خمس سنوات في جنيف تحت مظلة الأمم المتحدة .

لقد رفض المجاهدون الأفغان هذه الاتفاقية من اللحظة الأولي ونظرا لأن باكستان كانت أحد الأطراف الممثلة في مباحثات الأمم المتحدة والتي وقعت على هذه الاتفاقية فقد ظهرت بقواد خلاف خطير في القضية الأفغانية وكان هذا الخلاف مصدر قلق كبير لأن المجاهدين الأفغان يتحركون من أرض باكستان التي تستضيف خمسة ملايين مهاجر أفغاني لهذا تحرك الإخوان فالتقي المرحوم " صلاح شادي " بالرئيس الباكستاني الراحل في محاولة تخفيف حدة النزاع .

وذكر " ضياء الحق " إنه قد اضطر للتوقيع على هذه الاتفاقية تحت ضغوط دولية شديدة وإنه سوف يدعم المجاهدين الأفغان حتى يحققوا النصر ويعودوا لبلادهم"

وهكذا كان حرص الإخوان المسلمين الدائم على وحدة الصف الإسلامي ونبذ الفرقة والتشرذم.

العائدون من أفغانستان

الفصل السادس

لماذا ذهب الشباب المصري إلى أفغانستان ؟

حالة الإحباط العام

إن شعوبنا العربية والإسلامية تمر بمرحلة خطيرة من تاريخها ، فقد بدأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومع الخمسينات حركة مد وطني شاملة أدت إلى تحرير الدول العربي وقد بنت هذه الشعوب آمالها في مستقبل مشرق سعيد بعد زوال الاحتلال لكن الذي حدث أن الحكم العسكري في بعض الدول العربية كان نكسة خطيرة للشعوب العربية والإسلامية ( بل دول العالم الثالث بصفة عامة ) فقد تولي الحكم عسكريون لا يقدرون المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقهم وذاقت بعض الشعوب العربية والإسلامية الهوان والذل على أيدي جلاديها الجدد الذين ورثوا الاستعمار وكانوا للأسف أشد قسوة وتنكيلا من المستعمر الأجنبي .

لقد مرت السنوات والأجيال وراء الأجيال تنتظر الوعود البراقة .. ولكن لا أمل فثروات هذه الشعوب تنهب بطريقة منظمة وظالمة والشعوب تئن تحت حكم ديكتاتوريات عسكرية استوردت عقائد جديدة مثل الاشتراكية والشيوعية وأقامت نظم حكم شمولية فاقت في ظلمها وقسوتها كل خيال .

ومن رحم هذه العقائد ومن رحم ذلك الظلم الشامل ولدت الكارثة فقد صدم العالم العربي والإسلامي كله بهزيمة مروعة هي هزيمة عام 67.

لقد كانت مصر – بالتحديد – نموذجا صارخا لهذا النوع من الدول فقد تحررت من الاحتلال البريطاني لتجد نفسها تحت سيطرة نظام حكم أشد وأقسى من الاستعمار البريطاني نفسه .

ورفع نظام الحكم الشعارات والوعود البراقة من حرية ورخاء اقتصادي وتحرير فلسطين .. كل ذلك تدعيما لمركزه وتثبيتا لأركانه .. ومرت السنوات والشعب المصري يدفع ثمنا باهظا لنظام حكم شمولي يفتقد الشرعية ومقومات الحكم بأى مفهوم سياسي أو تاريخي .

وظل الشعب المصري ينتظر تنفيذ الشعارات وفي نفس الوقت يفقد تدريجيا بعضا من كرامته وحريته وهويته الإسلامية .

وأحدث أسلوب الحكم العسكري في مصر صداه في دول عربية فولت وجهها شطر موسكو فعبد الناصر أول من أدخل الاتحاد السوفييتي قلب العالم العربي والإسلامي مصر ... ومن مصر انتشر الفكر الشيوعي في العالم العربي وأفريقيا ودول آسيا ، بل لعب الجيش المصري دور " حصان طروادة" في حرب مدمرة هي حرب اليمن : حيث تواجد الجيش المصري لمدة خمس سنوات ليدعم ثورة اليمن شكلا.. ولكن استراتيجيا كان يضع أول رأس جسر للإلحاد والاشتراكية على أرض الجزيرة العربية .

كانت خطة إستراتيجية خطيرة واسعة النطاق قلب الجزيرة العربية .. بدءا باليمن من الجنوب ثم التقدم إلى قلب الجزيرة العربية لكي يصبح سقوطها ولا قدر الله " سقوطا شاملا لأسس العقيدة الإسلامية .. لقد دفع الشعب المصري تكاليف حرب اليمن من دم أبنائه ... عشرين ألف شهيد من الجيش المصري ومليارات من الدولارات .

ولولا حرب اليمن لكانت مصر من أغني الدول العربية اقتصاديا فقد دمرت حرب اليمن الاقتصاد المصري والجيش المصري كان ذلك مفتاحا لهزيمة مروعة دفع ثمنها الشعب المصري مرة ثانية وهي هزيمة عام 1967 لتخسر مصر سياسيا وعسكريا واقتصاديا بلا حدود لهذه الخسائر .

لم تهز الهزيمة مصر وحدها .. ولكن هزت أعماق العالم العربي والإسلامي فقد سقطت بقية فلسطين في يد إسرائيل .. سقطت القدس ثاني القبلتين..

من ضياع إلى ضياع .

ومن هزيمة مروعة إلى هزيمة أكثر ترويعا.

ومن مليارات تهدر في جبال اليمن إلى مليارات تهدر في صحراء سيناء والشعب المصري يدفع من دمه .. من أبنائه من قوت يومه ... ويدفع أيضا كل رصيد مستقبله المادي والمعنوي والإنساني وأيضا كرامته .

وغرقت مصر في الديون وأمام ذلك حكم عسكري لا يرحم ولا يسمح بأى كلمة حق .. أو فكر . أو أى معارضة ... إسلامية أو غير إسلامية .

ثم جاءت السبعينات – الحلقة الثانية من مسلسل الحكم العسكري – ثمن أخطاء عبد الناصر فحاول إصلاح الأوضاع المتردية بعدة خطوات داخليا وخارجيا لكي بقي القرار بيد مؤسسات الدولة التي ظلت تؤدي وظيفتها بنفس أسلوب الحكم الشمولي السابق لهذا ازداد التمزق بين الشعب ولم يخرج من هذا الخليط أى بادرة أمل في مستقبل أكثر إشراقا خاصة بعد أن قدم الشعب والجيش المصري أعظم الانجازات التاريخية وهي حرب أكتوبر ..

أما ضياع الحلم بعد نصر أكتوبر وبداية عصر انفتاحي جديد مع بقاء أنظمة القمع والقهر السابقة كان لابد من رد فعل عميق داخل المجتمع كانت الصحوة الإسلامية أعظم إيجابياته ثم الإحباط والتمزق الأخلاقي داخل المجتمع المصري أخطر سلبياته .

وكان مخرج هؤلاء الشباب هو البحث عن الأمل ... وإذا كان الشباب المصري يهاجر دون أمل إلى دولة مثل العراق ... ليشترك رغما عنه في حروبها ويسقط منهم الآلاف خاصة في الحرب ضد إيران فإن الحكومة المصرية لم تعلق ولم تعترض على تجنيد الشباب المصري بالقوة في جيش العراق أثناء حربه مع إيران .. ولم تعترض على مئات الآلاف من المصريين الذين يعيشون ضائعين في شوارع بغداد ومدن لعاق .. وحملت الطائرات القادمة من العراق مئات الصناديق الخشبية التي تحمل جثث الشباب المصري الذي قتل في ظروف مجهولة .

لقد كان الهروب إلى جحيم الحرب العراقية الإيرانية وقبول التجنيد الإجباري والموت في إيران نوعا من أنواع الهروب الجماعي للشباب المصري ولم تتحرك أجهزة الأمن المصرية لترصد آلاف الشباب المصري الذي قاتل بجوار الجيش العراقي في إيران .. ولم تحتج السلطات المصرية لدي السلطات العراقية التي اغتالت الشباب المصري وأرسلت جثته في نعوش طائرة علنا .

إن الإحباط العام في مصر هو الدافع الرئيس لذهاب عدد من الشباب المسلم الملتزم إلى أفغانستان فهو يبحث عن خيط من خيوط النور وذلك بإقامة دولة إسلامية يجد فيها العدل والأمان والحرية بدلا من الذل والإحباط ..

تحدي أمريكا وروسيا

لقد ظهرت القوتان الأعظم " أمريكا وروسيا" بعد الحرب العالمية الثانية لتصبحا قطبين للعالم ،... وينقسم العالم إلى معسكرين متضادين، وتصبح الدول الصغيرة والتي يطلق عليها دول العالم الثالث مسرح عمليات واسع النطاق للصراع الدائر بين القوتين .

تجلت التبعية السياسية باستقطاب كل معسكر لمجموعة من الدول تدور في فلك واشنطن أو موسكو.

وكانت الشعوب تنظر إلى هذا الأمر برفض شديد وشعور بالمهانة لا حد له ولكن حكام العالم الثالث تمادوا تماما في تكريس تبعية شعوبهم فلم تكن التبعية سياسية فقط ولكنها تحولت إلى تبعية اقتصادية كاملة وهذا هو مصدر الخطر ...

لأن الاقتصاد يصل إلى كل أسرة ويمس كل إنسان على حدة، ففي مصر مثلا وهي نموذج صارخ للتبعية اختار نظام عبد الناصر أن ينضم إلى المعسكر الروسي ونحن لسنا هنا في دراسة الظروف التي دفعته لذلك، ولكن تدرجت التبعية من استيراد السلاح في البداية إلى استيراد كافة أنواع المصانع وبالتالي فإن المصانع تحتاج إلى قطع غيار .. ومواد خام... كلها كانت من روسيا وبعد المصانع أصبحت الحاجة إلى القمح .. هكذا ..

ولكي يأمن نظام الحكم استمرار هذه التبعية كان لابد من تغيير نهج المجتمع المصري وتحويله إلى مجتمع اشتراكي .... وكان ذلك يعني ضرورة ضرب كل الاتجاهات السياسية والفكرية داخل المجتمع وعلى رأسها الاتجاهات الإسلامية بالطبع ولهذا كان من الضروري استخدام الأسلوب القمعي الوحشي لتكريس مثل هذه العقيدة الإلحادية الجديدة ... وهكذا .. فإن التبعية تظل تتخلل المجتمع إلى أن تنتشر فيه .. وتصبح الدولة مجرد تابع لإحدى القوتين ،

وكان من نتيجة التبعية المصرية للكتلة الشرقية التي تزعمتها روسيا أن انهارت القيم والأخلاق في المجتمع المصري وساد النموذج الشيوعي في أوساط المفكرين والإعلاميين مع انهيار القيم والأخلاق في المجتمع المصري بالتدريج ، وإذا كان الشعب المصري قد تخلص من الاستعمار الأجنبي الذي كان متمثلا في جيش الاحتلال واضح الملامح فقد أصبح برزخ تحت حكم شمولي ... يتحكم في مقدراته السياسية والاقتصادية وتكرر نموذج مصر في العديد من الدول العربية.

عندما بدأ الجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي بما يمثله من طغيان وجبروت ... وعندما بدأت أخبار قتال المجاهدين الأفغان وثباتهم أمام هذا الغزو الوحشي ... كان لذلك صدي عميق وبعيد في نفوس الشباب العربي والمصري الذي ذاق ذل السيطرة السوفيتية وذل مرارة الحكم الشمولي ... وكان تحدي روسيا وهي واحدة من القوتين الأعظم شيئا يثير الحماس لدي الشعوب العربية والإسلامية .

فعندما خاض الشعب الفيتنامي حربه ضد أمريكا تعاطف معه العالم رغم الاختلاف العقائدي فالشعب الفيتنامي شيوعي العقيدة إلا أن قتاله لأمريكا أكسبه تعاطفا عالميا كبيرا حتى داخل الولايات المتحدة ذاتها ... وكان هذا التعاطف العالمي سببا رئيسيا في انسحاب أمريكا من فيتنام .

كانت أفغانستان تكرار لحرب فيتنام مع فارق هام بالنسبة للشعوب الإسلامية ... فالمقاومة البطولية الآن من شعب مسلم صلب .. ضد أكبر قوة كف وإلحاد في العالم لهذا كان تحدي هذه القوة سببا رئيسيا في اندفاع الشباب المصري ( والعربي عموما ) نحو أفغانستان وتأييدها والقتال على أرضها .

وبذلك رأي الشباب في العالم العربي الجهاد المقدس في أفغانستان ليس فرضا فحسب بل فرصة لإعادة الثقة المفقودة و" عودة الروح" إلى الأمة الإسلامية المثخنة بالجراح والمستباح كل شئ فيها .

اضطهاد الإسلاميين

كانت الصحوة الإسلامية نتيجة من نتائج هزيمة يونيو عام 67 ... فقد كان لهذه الهزيمة المروعة د فعل عنيف لدي الشعوب العربية والإسلامية التي شعرت أنها قد ظلمت ظلما كبيرا لقد كان انتصار اليهود على جيوش ثلاث دول عربية وعلى رأسهم مصر الأكثر سكانا وقدرة زلزالا هز المسلمين جميعا من الأعماق ..

وكان رد الفعل هو اللجوء إلى الله فامتلأت المساجد فجأة بالمصلين .. وبدأت بذور الصحوة تنمو في ظل حكم عبد الناصر وأجهزته ورغم وجود عشرات الآلاف من الإسلاميين داخل السجون كانت الصحوة الإسلامية حقيقة لا جدال فيها .

بوفاة عبد الناصر ثم القضاء على عملاء السوفييت في حركة 15 مايو التي قادها السادات فإن عصرا جديدا قد بدأ في ظل حكم السادات .. وكان نمو التيار الإسلامي أمرا طبيعيا يستعيد به المجتمع المصري هويته الإسلامية . كانت الصحوة الإسلامية في مصر تيارا جارفا .. وفي العالم كله بدأت تتردد صداها ..

وإذا كان الرئيس السادات قد سمح بحرية الحركة ( المحدودة للإسلاميين .. وأفرج عن الإسلاميين من جماعة الإخوان المسلمين الذين سجنهم عبد الناصر إلا أن أجهزة حكم السادات لم تكن قد تطورت بالصورة التي تلائم طبيعة العصر الجديدة فالأسلوب الأمني الصارم كان هو وسيلة الحوار ولم يستطع السادات أن يفهم طبيعة العصر ... والتغيرات الجذرية التي حدثت في التربة المصرية .

ورغم أن السادات كان قد فتح أبواب السجون وأطلق سراح قادة الفكر والحركة الإسلامية من السجون ورغم أنه أتاح للحركة الإسلامية حرية الحركة وهذا حقه لا ننكره عليه إلا إن ارتداده مرة أخري عن هذه الخطوات واعتقاله قادة الفك الإسلامي في مصر في سبتمبر عام 1981 .. كان سببا مباشرا في اغتياله على يد تنظيم " الجهاد" القضية كانت أكبر وأشمل من مجرد الإفراج عن المعتقلين وأكبر وأشمل من إعادة اعتقالهم ..

القضية التي لم يستوعبها السادات كما يجب والتي دفع ثمنها هي قضية علاقة السلطة بالشعب وضرورة تغيير هذه العلاقة فكان من الصعب رفع شعارات إسلامية جديدة مؤثرة مثل ( دولة العلم والإيمان ).

ودولة ( الحرية والديمقراطية) دون تغيير أسلوب وأداء أجهزة الحكم ذاتها ودون الالتفات إلى قضية خطيرة هي كرامة المواطن المصري داخل بلده .

وإذا كنا رفعنا شعار ( دولة العلم والإيمان ) فإن تطبيق الشعار عمليا هو أكبر دعم لنظام الحكم .. وأكبر ضمان لاستمرارية هذه الدعوة ... عموما .. لقد دفع الشعب المصري ثمنا باهظا من استقراره نتيجة هذا التخبط ونتيجة عدم تطبيق النهج الإسلامي بأسلوب عملي واقعي ..

ومن هنا بزرت المواجهة بين السلطة والإسلاميين وفي خلال هذه المواجهات كان الإسلاميون يشعرون دائما بالعنف المفرط في التعامل معهم لقد عاد التعذيب في السجون بصورة بشعة واتسمت المواجهات بالدموية وأصبح بالتالي كل من يعمل في الحقل الإسلامي متهما دون تهمة ومشبوها ومطاردا دون سبب سوي اتجاهه الإسلامي هذا الشعور الشامل بعدم الأمان أدي إلى البحث عن مخرج وعن طوق نجاة فكان أفغانستان ..

تنفيذ فرض الجهاد

إن الجهاد من الناحية الإسلامية الشرعية هو فرض واختلف العلماء المسلمون حول هذا الفرض في حالة أفغانستان ..

فهل هو فرض " عين " أم فرض " كفاية "؟

فرض ( عين ) أى على كل مسلم ، وفرض (كفاية ) أى أن يستطيع أن يؤديه بعض المسلمين كفاية عن باقي المسلمين ولكن الاتفاق العام بين كل علماء المسلمين أن الجهاد في أفغانستان ( فرض ) وأن دعمهم بالمال والسلاح هو فريضة إسلامية واجبة .

ولقد وجه شيخ الأزهر وكذلك العلماء المسلمون في جميع أنحاء العالم نداءات بضرورة دعم الجهاد الأفغاني .

لهذا فإن ذهاب الشباب العربي إلى أفغانستان كان تنفيذا للشرع الإسلامي الذي أفتي به علماء الأمة الإسلامية جميعا دون اختلاف .

لذلك نتساءل ما هي الجريمة التي ارتكبها هؤلاء الشباب عندما استجابوا لدعوة علماء المسلمين قاطبة ؟

أم أنه مطلوب أن تظل نداءات هؤلاء العلماء كلاما في الهواء ؟

العائدون من أفغانستان

الفصل السابع

الدماء العربية ترهب الروس

جاء التواجد العربي على أرض أفغانستان ليسجل للتاريخ ملحمة أعادت إلى أذهان من يقرأون التاريخ صورة مشرقة للأمة الإسلامية يعز على الكثيرين أن تزدهر وتنمو .

وجاهد الشباب العربي ... كل بما لديه ... فعمل بعض المصريين كمدربين للمجاهدين الأفغان من خلال خبراتهم الشخصية وعمل بعضهم كمسئولين في جبهات القتال بل وقادة للعمليات العسكرية وبذلوا دماءهم في سبيل نصرة إخوانهم في الدين ..

ولن تنسي أرض أفغانستان " أبو عبيدة " و" أبو حفص " اللذين قادا واحدة من أهم العمليات العسكرية في أفغانستان وذلك في رمضان عام 1407 – مايو 1987 وذلك في معركة " مأسدة الأنصار" بمنطقة " جاجي " محافظة " بكتيا " تلك المعركة الشرسة التي خاضها الشباب العربي عندما قرر الجيش السوفيتي أن يقوم بالقضاء على أول موقع عربي داخل أفغانستان وهو موقع " مأسدة الأنصار " الذي أنشأه أسامة بن لادن – الشاب السعودي من ماله الخاص وقام بتجميع الشباب العربي فيه لدعم المجاهدين الأفغان وخوض المعارك بجوارهم ..

رصدت الحكومة الشيوعية وقات الغزو السوفييتي مراحل إنشاء هذا الموقع العربي وشعروا بتأثير هذه الخطوة على سير العارك في أفغانستان فتواجد الشباب العربي داخل ميادين القتال كان له فعل السحر في نفوس المجاهدين الأفغان برفع معنوياتهم لأقصي درجة .

وبالفعل بدأ الهجوم على موقع " مأسدة الأنصار" بعد قصف جوي استمر أكثر من عشرة أيام بالإضافة إلى قصف أرضي بكافة أنواع الصواريخ والمدفعية والهاونات وبدأ تقدم القوات السوفييتية مع القوات الحكومية الأفغانية الشيوعية التي وصلت إلى مسافة أمتار قليلة من الموقع تحت قصف رهيب بالمدفعية والطيران وكانت قوة الهجوم المتقدمة وحدة كوماندوز سوفيتية مزودة بأحدث الأسلحة وعلى أعلي مستوي تدريب وقام الشباب العربي بعملية التفاف وهجوم خاطف على قوة الهجوم المتقدمة .

قام بهذا الهجوم الصاعق على وحدة الكوماندوز السوفييتية جماعة من المجهدين الشباب العرب لا يزيدون على تسعة أفراد تحت قيادة " أبو عبيدة " المصري " وأبو حفص " المصري أيضا ..

هذه العملية الخاطفة واحدة من قصص الشجاعة والبطولة النادرة ولولا التعتيم الإعلامي داخل الدول العربية والإسلامية على كفاح هؤلاء المجاهدين العرب في أفغانستان لكانت قصة ثبات " مأسدة الأنصار " وقصة هذا الهجوم الخاطف واحدة من أشهر قصص البطولة التي يعرفها الشباب في أرجاء العالم العربي ولصار " أبو عبيدة " و" أبو حفص " من المشاهير والنجوم الذين يتغني الشباب العربي ببطولاتهم بدلا من تلك النماذج المشوهة التي يصنع الإعلام منها نجوما وقدوة للشباب والمراهقين .

إن هذه العملية الجريئة تمت بدون خبرة عسكرية ولو كان الذين نفذوا هذه العملية الفدائية من أحد الجيوش النظامية لكانت هذه العملية تدرس الآن في المعاهد والكليات العسكرية ولكن لأسباب يعرفها الجميع أخفيت هذه الانتصارات عمدا ليظهر الجهاد الأفغاني نفسه فارغا من المعني والمحتوي الإسلامي والإنساني العميق بل من أهم معانيه على الإطلاق وهو وحدة الصف الإسلامي ووحدة الدم المسلم في ميدان القتال .. فامتزاج الدم العبي بالدم الأفغاني كان أكبر خطر هدد الوجود السوفييتي .. وكان أيضا أكبر دعم معنوي للجهاد الأفغاني .

ولكن يظل عنصر هام ، في التاريخ لهذا الكفاح هو غياب الأرقام والإحصاءات عن الشباب العربي في أفغانستان .

لقد مررت بنفسي بهذه التجربة أثناء تواجدي في أفغانستان عندما استشهد أحد عشر مجاهدا عربيا في غارة جوية واحدة في ضواحي جلال أباد.

لقد كانت الصدمة بالغة في الحصول على معلومات عن هؤلاء الشهداء... فكلهم كانوا معروفين بأسمائهم الحركية.. ولم يكن أحد يعرف أسماءهم الحقيقية..

ولقد أوصي كل من هؤلاء الشهداء بعدم ذكر أى شئ عن استشهادهم في وسائل الإعلام لهذا فإن المعلومات والإحصاءات كلها تقديرية عن الشهداء العرب عموما والمصريين خصوصا .. ولكن من المعروف أن أول شهيد مصري سقط على أرض أفغانستان هو شاب اسمه حمدي البنا ، وكان خالد مصطفي المصري ، وهو أصغر شهيد عربي استشهد في أفغانستان لقد التقيت ببعض الشباب المصري في أفغانستان قبل استشهادهم .. مثل " على عبد الفتاح " " أبو اليسر أثناء معارك جلال أباد والتقيت مع " عربي يوسف " " جهيب " الذي استشهد في معارك ضواحي " كابل " في منطقة بغمان .

المصريون القادمون من أفغانستان والإرهاب

إن مطاردة الشباب المصري القادم من أفغانستان تطرح سؤالا هاما :

إن الجيش المصري يخرج منه سنويا أكثر من مائتي ألف جندي للاحتياط بعد أن امضوا فترة تجنيد تدربوا فيها على أحدث أنواع الأسلحة . يخرج أكثر من مائتي ألف جندي إلى الحياة المدنية سنويا وينضمون إلى المجتمع ... لماذا لا تطاردهم أجهزة الأمن المصرية بنفس حجة مطاردة القادمين من أفغانستان وهي أنهم مدربون على السلاح ؟

ولماذا لا يقوم هؤلاء المواطنون الذين أدوا الخدمة العسكرية بأعمال عنف ومعارضة للنظام وهم مدربون تدريبا عاليا ؟

لماذا يصبح كل شاب عائد من أفغانستان مجرما ؟ لقد ذهبوا جميعا لتحقيق واجب إسلامي وفرض شرعي يدعو إليه ديننا الإسلامي .

إننا بهذه المطاردة نبعد عن جوهر القضية وبالتالي يصعب علينا التوصل إلى حلول جذرية لمشكلاتنا المزمنة لأننا نتجاهل الحذر ونتمسك بأوهام .

أما موجة العنف والتطرف في المجتمع المصري فهي شئ له جذور أبعد من أفغانستان ... لماذا لا نبحث عنها بصدق ؟

لماذا لا يصدق المسئولون عن الحكم مع أنفسهم ويسعون بأمانة وإخلاص لإزالة أسباب هذا العنف ؟

مرة أخري أنا لست مع أعمال العنف الذي يرتكبه بعض الشباب وأرفض تماما دون أدني شك قتل الأبرياء من مسيحيين أو مسلمين وسرقة محلات الذهب وقتل السائحين الزائرين لبلادنا وحرصا مني على بلدي التي ندين لها جميعا بالولاء لابد وأن ألفت النظر إلى جذور وأسباب لابد من البحث عنها وأن نسعي بإخلاص لتحقيق العدل والأمان في وطننا، وأن ندعو إلى ديننا بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمرنا الله سبحانه وتعالي .

العرب في أفغانستان

بمجرد وصولي إلى بيشاور لاحظت كثافة التواجد العربي في أفغانستان .. وإذا كان للجهاد الأفغاني عدة ملامح مميزة فإن أهم ملامحه دون جدال هو ذلك التواجد والدعم العربي ..

إنها ظاهرة لها قيمتها ولها تأثيرها ولقد تنبه بعض الإخوة العرب مثل أسامة بن لادن والشهيد عبد الله عزام لأهمية هذا التواجد ... فأنشئوا دارا لجمع الشباب العربي وأطلقوا عليها اسم " بيت الخدمات" وكان هذا البيت عبارة عن مؤسسة يتجمع فيها الشباب العربي القادم إلى أفغانستان ، ومنها ينطلقون إلى الجبهات للانضمام إلى المجاهدين الأفغان وبعد إغلاق بيت الخدمات بناء على طلب السلطات الباكستانية عام 1988 أنشأ " أسامة بن لادن" بيتا للشباب العربي أسماه " بيت الأنصار "

لا شك أن تواجد الشباب العربي في معسكرات المهاجرين ومواقع القتال كان له أثر كبير في دعم الجهاد الأفغاني .. وهذا ما أكده الشيخ سياف في لقاء خاص معه .. قال :" إن تواجد الشباب العربي معنا يرفع معنويات المجاهد الأفغاني بدرجة كبيرة "..

إن تواجد الشباب العربي في أفغانستان كان ظاهرة إيجابية وكان له دلالة عميقة هو أن الخير لا يزال موجودا في بطن التربة العربية الإسلامية .

هذه الظاهرة العربية والإسلامية هي رد فعل طبيعي ضد الهوان الشامل الذي يشمل شعوبنا العربية وذلك الاستسلام المهين اقتصاديا وسياسيا ، وهي ظاهرة إيجابية كان يجب التقاطها ودراستها والتعلم منها .. لأن بمثل هؤلاء الشباب تنهض الأمم . . وبمثل هذه التضحيات نستطيع أن نرفع رؤوسنا ونواجه مشاكلنا بشجاعة .. بدلا من لطم لخدود والارتماء في أحضان الغرب أذلاء مستضعفين .

إن ظاهرة التواجد العربي في أفغانستان لا تقل في تصوري عن ظاهرة الجهاد الأفغاني ذاته .. ولكن للأسف أضعفنا هذه الفرصة ... وطاردناها ..

ما الذي يجعل شابا ثريا يمتلك الملايين يذهب إلى أفغانستان وينام في الخنادق ويأكل الفتات ويتعرض للموت يوميا ؟

ما الذي يدفع شابا يدرس في أرقي جامعات أميركا... ليترك دراسته ويحضر إلى أفغانستان لا ينوي على شئ .. لا هدف له سوي القتال بجوار المجاهدين ونصرتهم .. حتى الاستشهاد ؟

ما الذي يجعل الشباب العربي يأتي من دول القهر والاشتراكية مثل العراق وليبيا وسوريا يهرب بنفسه إلى أفغانستان وهو يعلم أنه لن يستطيع العودة أبدأ إلى وطنه ؟

ما الذي يجعل الشباب المصري يأتي من كل نجع وبكل طريقة ... ليقاتل بجوار المجاهدين الأفغان ... بعضهم استطاع أن يحض زوجته وأبناءه ولا يفكر في العودة إما النصر ... أو الاستشهاد .

إن تواجد الشباب العربي في أفغانستان كان ظاهرة رائعة .. لم يفهمها إلا العدو ... لم يقدرها حق قدرها إلا الاتحاد السوفيتي والغرب لهذا سعي لمحاربتها وضربها ..

لقد التقيت بالشهيد الدكتور عبد الله عزام .. وكان لوجوده معني خاص فهمه العدو وكل من يريد أن يجرد النضال الفلسطيني من هويته الإسلامية وجاء الرد باغتيال الدكتور عبد الله عزام حتى لا يمتد الجهاد من بيشاور إلى القدس .

التقيت بأسامة بن لادن الذي يعيش الآن متنقلا من بلد إلى بلد .. ذلك الشاب الذي ترك أمواله وهو ابن العائلة السعودية الثرية .. ترك أمواله وتبرع بمعظمها للمجاهدين وعاش في الكهوف داخل أفغانستان وخاض بنفسه المعارك في صفوف المجاهدين الأفغان ..

شاهدت الشباب العربي قادما من الجزائر الظاهرة اللافتة أن الشباب الجزائري كان يأتي في صورة مجموعات كاملة من عشرة أو خمسة عشر شابا يحضرون دفعة واحدة .... بعد أن ادخروا ثمن تذاكر الطائرة ... بأموالهم الخاصة ..

كذلك التقيت بشباب من السودان والمغرب وتونس وليبيا وما زال المجاهدون الأفغان يتذكرون الطبيب الليبي( الدكتور صالح ) الذي استشهد في ضواحي جلال أباد..

لقد عشت أياما رائعة من عمري تحت قصف الطائرات والصواريخ في خنادق وكهوف محفورة في الجبال ... وشاهدت البطولات الأسطورية للشباب العربي .

أما تواجد الشباب السعودي في أفغانستان فظاهرة تستحق الدراسة قبل الإعجاب فهم أكثر الشباب عددا .. لقد شجعتهم الحكومة السعودية على الجهاد في أفغانستان وتشكلت لجنة عليا برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز لتتولي جمع التبرعات للمجاهدين الأفغان.

وقد جمعت هذه الهيئة مليارات الريالات حولتها إلى المجاهدين الأفغان مباشرة كما قامت شركة الطيران السعودية بناء على تعليمات من الحكومة السعودية بتخفيض ثمن تذكرة سفر الشباب الذاهب إلى أفغانستان بنسبة خصم 75 % أى أن الشباب يدفع 25% فقط من ثمن التذكرة ..

ولقد شجعت الحكومة السعودية إنشاء الجمعيات الإغاثية لدعم المهاجرين والمجاهدين الأفغان .. وكان هذا التشجيع هو السبب الرئيسي في كثافة التواجد السعودي بأرض أفغانستان ... كذلك دول الخليج العربي ... مثل الإمارات العربية والكويت وقطر.. لم يلاق شبانها أى صعوبة في الحضور إلى أفغانستان للجهاد..

وفي أفغانستان رأيت قادة حركات تحرير إسلامية جاءوا ليتعلموا تجربة الجهاد الأفغاني رأيت مجاهدين من أريتريا ومن كشمير ومن الفلبين لقد كان جهاد الشعب الأفغاني ضد قوات الغزو السوفييتية نموذجا ومثلا لمقاومة الظلم مهما كانت قوته ومهما كان جبروته ..

إن تجربة التواجد العربي في أفغانستان ومشاركته الفعلية سواء في أعمال الإغاثة أو القتال الفعلي يجب أن نستفيد مننها لنتعلم كيف نواجه قضايانا الإسلامية وكيف نستنهض الهمم ونزكي النفوس لنواجه مشاكلنا مواجهة إيجابية شجاعة ..

إن امتزاج الدم العربي على أرض أفغانستان كان يجب أن يكون فرصة تاريخية نستفيد منها على مستوي العالم العربي .

العائدون من أفغانستان

الفصل الثامن

الكرامات .. وسلبيات تواجد الشباب العربي

لا جدال أن تواجد الشباب العربي في أفغانستان ظاهرة إيجابية ومضيئة في تاريخنا الإسلامي إلا أنه من الواجب ذكر السلبيات .. وذلك لكي تكتمل الصورة ونتعلم من التجربة التاريخية وإلا كنا كمن يسير في الظلام وفي حقيقة الأمر فإنني لم أكتب عن هذه السلبيات أثناء الحب وأثناء قيام هؤلاء الشباب بدور إسلامي تاريخي .. ولكن الآن وقد انتهت الحرب بانتصار المجاهدين الأفغان وانتهت هذه الرحلة التاريخية أصبح من الواجب تقييمها بالحق والعدل .

تنحصر أهم سلبيات التواجد العربي في أفغانستان في عدة نقاط :-

1- الصراعات بين جماعات الشباب العربي في أفغانستان.
2- الدعم العربي .
3- الكرامات .
4- الرغبة العارمة في الاستشهاد .
5- الخلاف المذهبي بين الشباب العربي من جهة والمجاهدين الأفغان من جهة أخري .

أولا : الصراع بين جماعات الشباب العربي في أفغانستان

كانت " بيشاور " مسرحا لصراعات حادة بين جماعات الشباب العربي .

فكل منهم ينتمي إلى جماعة من الجماعات الإسلامية أو إلى مذهب من المذاهب كان هناك – الإخوان المسلمونوالجهادوالجماعة الإسلامية والسلفيون – وكل جماعة من هذه الجماعات كانت تنقسم داخلها إلى أقسام لكل شيخ له أتباعه وله فكره الذي يمكن أن يختلف عن باقي الشيوخ والأمراء .

وتطور هذا الأمر إلى أن انقلب هذا الخلاف إلى صدام عنيف .. فأصبح كارثة في مكان مثل " بيشاور ".. وبالفعل حدثت صدامات ومواجهات في " بيشاور "...

وكان أعنفها ذلك الصدام الذي دار في مسجد مستشفي الهلال الأحمر الكويتي ملتقي الشباب العربي في أفغانستان خاصة في صلاة الجمعة وحدث خلاف عنيف حول هذا المسجد .. وشهد الأفغان ذلك الصدام الذي وصل إلى حد الاشتباك بالأيدي مما أدي إلى انفصال بعض الجماعات الإسلامية .

وهكذا " ضرب العرب المثل " لإخوانهم الأفغان في الخلاف والفرقة والتشرذم وهي أوضاع تسود عالمنا العربي والإسلامي ويبدو أن ننقلها معنا إلى كل مكان نذهب إليه حتى وإن كان أرضا للجهاد في سبيل الله وأصبح لكل جماعة هناك مسجد مستقل .

كان تنظيم الجهاد يري أن الإخوان المسلمين يميلون إلى السلام ويبعدون عن العنف وأنهم يتجهون في دعمهم للمجاهدين الأفغان إلى دعم أعمال التعليم والإغاثة وبناء المستشفيات وتقديم الخدمات الثقافية والإعلامية .

أما " الجهاد " و" الجماعة الإسلامية " و" السلفيون " فكانوا يعتقدون أن القتال مع المجاهدين الأفغان هو الطريق الوحيد لدعم الأفغان ..

وقد عبر الشيخ سياف عن ذلك وقال :" أنتم أيها العرب تلوموننا على خلافاتنا ... كنا نتمني أن تضربوا لنا المثل في الاتحاد.."

ثانيا : الدعم العربي..

حاول العرب أن يقسموا المجاهدين الأفغان حسب انتماءاتهم .

فالأفغان ينتمي معظمهم إلى السنة المذهب الحنفي ، والعرب معظمهم من السنة أيضا ، ولكن لم يكن هناك أى اتفاق بين الجماعات فقد تم تقسيم المنظمات الأفغانية ابتداء ... إلى نوعين :-

- منظمات أصولية .. وهي بالتحديد المنظمات الآتية :

- " الجمعية الإسلامية " بقيادة برهان الدين رباني .
- الحزب الإسلامي " بقياد حكمتيار .
- " الحزب الإسلامي " بقيادة يونس خالص .
- " الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان " بقيادة عبد رب الرسول سياف .
- منظمات معتدلة وهي بالتحديد المنظمات الآتية :
- " جبهة إنقاذ أفغانستان " بقيادة جيلاني .
- " حركة تحرير أفغانستان" صبغة الله مجددي.

وعلى أساس هذا التقسيم انصب الدعم العربي على المنظمات الأصولية فقد وهي المنظمات التي يقودها رباني وحكمتيار وسياف ويونس خالص ..

أما باقي المنظمات فقد حرمت ( بدرجة أو أخري ) من الدعم العربي .. وفي لقاء مع صبغة الله مجددي قال لى :" إن من أحد أسباب الخلافات بين المنظمات الأفغانية طريقة تقديم الدعم العربي فقد كان بعض الإخوة العرب يربطون الدعم بضرورة الانتماء لأفكارهم ... لهذا رفضت بعض هذه المساعدات ..

وهكذا فإن " حكمتيار" قد أعلن في لقاء عام مع الشباب العربي في أفغانستان أن أحد أسباب الفرقة بين المجاهدين الأفغان ... هم العرب أنفسهم وعلل ذلك بأن العرب أحيانا كانوا يخطئون في توزيع مساعداتهم ... أو عدم العدالة في توزيع هذه المساعدات وأحيانا كانوا يقدمون هذه المساعدات مباشرة إلى القادة في الميدان ..

وبالتالي يتأثر ولاؤهم حسب هذه المساعدات .. مما أدي إلى نشوب خلافات بين القادة السياسيين الأفغان وقادة الجبهات داخل أفغانستان .. بسبب التبرعات والمساعدات التي كانت تصل مباشرة إلى القادة الميدانيين بالداخل .

وفي الحقيقة فإن هذه القضية كانت من القضايا الشائكة .. ولعل أبرزها ذلك القرار الذي اتخذه " صبغة الله مجددي" فور تسلمه السلطة في " كابول " فقد منع دخول العرب إلى أفغانستان إلا بتأشيرة مسبقة .. وسبب هذا القرار صدمة كبيرة للشباب العربي الذي ساهم طوال سنوات الحرب وقدم كل ما يملك .

كنت أتوقع مثل هذا القرار ... لأن من أكبر الأخطاء التي وقع فيها الشبابا العربي دخول ساحة الخلافات بين المنظمات الأفغانية ..

أما المساعدات العربية فكان من الضروري وجود هيئة عليا .. تضع خطط توزيع المساعدات للمجاهدين الأفغان بدلا من تلك الطريقة التي أدت إلى مشاكل كثيرة لا داعي لها .. وضياع أموال لا حصر لها .. وخلق عدوات وصراعات استمرت إلى ما بعد التحرير وطرد السوفييت .

ثالثا : الكرامات

كانت الكرامات هي واحدة من معضلات التواجد العربي في أفغانستان فقد انتشرت الحكايات عن حدوث بعض الكرامات على أرض الجهاد الأفغاني ... كانت في البداية قصص محدودة .. ولم تتناقلها أجهزة الإعلام المختلفة إلى أن ظهر في ساحة الجهاد الأفغاني الشهيد الدكتور عبد الله عزام ليلتقط هذا الخيط ببراعة ويروج له بشكل مكثف بل وأصدر كتابا عن هذا الموضوع بعنوان " آيات الرحمن في جهاد الأفغان " عام 1984 وفي خلال عامين كان قد صدر منه عشر طبعات .. عدا الطبعات التي نشرت بطريقة غير رسمية وأصبح " عبد الله عزام " بعد هذا الكتاب " نجم الندوات التي تعقد عن الجهاد الأفغاني في المراكز الإسلامية العالمية ... من أمريكا .. حتى الهند..

لقد ضرب على الوتر الحساس .. الوتر العاطفي .. وكان ترويج هذا الموضوع من أحد الأسباب الرئيسية لتعريف الجهاد للشباب العربي المسلم فلم تشدهم تضحيات الشعب الأفغاني فقط ولكن حضروا لمشاهدة هذه الكرامات .

لقد اختلفت مع الشهيد الدكتور " عبد الله عزام " في هذا الموضوع وبدأت بجهد ذاتي أبحث عن الحقيقة بحياد وإخلاص ،.... وأستطيع أن أقول أنني وصلت إلى نتيجة خطيرة .. وهي إن موضوع " الكرامات " في أفغانستان هو " صناعة عربية " .. وإذا كان قد حدثت بعض الكرامات فالله قادر على كل شئ فهذا شئ مختلف تماما عما ذكره الشهيد " عبد الله عزام " في كتابه .

لقد جلست مع مجاهدين تحدث عنهم " عبد الله عزام " .. وجلست مع مجاهدين عاشوا في جبهات القتال سنوات طويلة .. وكلهم دون استثناء واحد قرروا إن ما ذكر في كتاب " آيات الرحمن " كان ضربا من ضروب المبالغة .. وإن بعضهم راجع الدكتور " عبد الله عزام " في هذا الأمر .

وهناك من ناقشوه وعاتبوه على هذا الكتاب بل هناك من اختلف معه بشدة .. إلا أن الشهيد " عبد الله عزام " وهو أكثر واحد كان يعرف أن معظم ما كتبه فيه مبالغة .. ومعظمه لم يحدث أصلا يري أن المبالغة مطلوبة لكي يحبب الناس في الجهاد الأفغاني .

ونجح هذا الشق .. وهو تحبيب الناس في الجهاد الأفغاني .. وبالتالي دعمه بالمال ولقد أطلق بعض الشباب المجاهدين على موضوع الكرامات بأنه أعظم فكرة لجمع التبرعات فهو مشروع مالي ناجح .

وللأمانة وللتاريخ أقول لقد قمت باستقصاء عن الموضوع بنفسي والتقيت بأكثر من 100 مجاهد عربي وأفغاني وسألتهم سؤالا واحدا :

هل شاهدت كرامات في أفغانستان ؟

كانت الإجابة بنسبة 100% أنهم لم يشاهدوا .. ولكنهم سمعوا مجرد سماع .. الكل سمع . .. ولا أحد شاهد..

وهذا لا ينفي قدرة الله سبحانه وتعالي الذي يحيي ويميت وهو الذي نصر الأفغان في النهاية وأباد قوة الظلم ولكن القصة أكبر وأشمل من ذلك إنها قضية الصدق والمبالغة في قضايا إسلامية حساسة .

وكانت النتيجة العملية الخطيرة هو تصور الشباب العربي القادم إلى أفغانستان بأنهم سيشاهدون بالعين المجردة الملائكة وهم يقاتلون .. والقبور تضئ.. وأنهار المسك والطيور التي تأتي تحت أجنحة الطائرات ...وكنت النتيجة الخطيرة التالية .

أعتقد الشباب العربي أنه ذاهب إلى المجاهدين الأفغان الذين سينقلونه إلى عصر ظهور الإسلام ويلتقون برجال على مستوي الصحابة وفي مصاف الملائكة ولهذا كانت الصدمة .. ثم الصدام فقد وجدوا المجاهدين الأفغان بشرا بكل معني الكلمة فيهم كل عيوب البشر ... وحسناتهم .

لقد قتل بعض الشباب العربي ...( وهذا سر أذيعه لأول مرة وعلمته من الأفغان أنفسهم ) في أفغانستان بوشاية من الأفغان أنفسهم أى من خيانة داخل بعض المنظمات الأفغانية ذاتها .

كان الشباب العربي يعتقدون أنهم قادمون إلى أرض الملائكة والصحابة وكان هذا الاعتقاد مأساة في حد ذاته فلم يستطيعوا أن يستوعبوا حقيقة الأمر وواقعية البشر الذين طحنتهم الحرب بكل معني الكلمة .

رابعا : الرغبة العارمة في الاستشهاد

عشت مع الشباب العربي في أفغانستان في مواقع القتال المتقدمة وفي لحظات الخطر كان أحد الأسباب الرئيسية لقدوم هؤلاء الشباب إلى أفغانستان هو الرغبة في الاستشهاد .. نعم ... كانت الرغبة الأولي هي الاستشهاد بوضوح تام وإصرارا كامل وكان ذلك سببا في خلافات كثيرة بين بعض القادة الأفغان والشباب العربي عموما فالرغبة في الاستشهاد كانت تسبب مشاكل أثناء المعارك ذاتها فلتحقيق النجاح في المعركة لابد من إجراءات أمنية شديدة مثل السرية في التحرك واتخاذ المواقع والسواتر المناسبة .

وكان الشباب العربي عموما لا يقيم وزنا لهذا الإجراءات الضرورية النجاح في العملية العسكرية ولقد اشتكي لى شخصيا أحد القادة الأفغان مشيرا إلى أن الشباب المصري ( والعربي عموما ) يتسابق نحو الموت مما يؤثر على نجاح العمليات العسكرية بالإضافة إلى أن كثيرا من الشباب العربي كان يتوجه إلى جبهات القتال مباشرة دون أدني تدريب اعتمادا على استعداده على التدريب قبل المعركة بدقائق .

دون أن يأخذ قدرا جيدا من التدريب العملي والقعلي على فنون القتال ولكيفية استخدام السلاح الاستخدام الأمثل فإطلاق النار من البندقية لا يحتاج فقط إلا لضغط على الزناد ولكن كيفية إطلاق النار والتنسيق وأفضل وضع لاستخدامها ومدي الاشتباك ثم كيفية التنسيق مع المقاتلين الآخرين .

إن الحرب فن واسع والمقاتل يحتاج إلى تدريبات طويلة وشاقة قبل أن يدخل المعركة وكان عدم التدريب والرغبة ( العارمة) في الاستشهاد سببا رئيسيا في كثرة الشهداء العرب .

وأسوق مثالا واحدا على ذلك وهو استشهاد أكثر من عشرة مجاهدين عرب في معارك جلال أباد لقد نصبوا خيمة في ميدان القتال بجوار خيمة ممتلئة بذخيرة الصواريخ وعندما أغارت الطائرات الشيوعية قصفت مكان الذخيرة وكانت النتيجة استشهاد أكثر من خمسة وثلاثين مجاهدا منهم عشرة مجاهدين عرب دفعة واحدة من نتيجة انفجار الذخيرة التي كانت على بعد أمتار قليلة من خميتهم هذا نموذج من نماذج عديدة.

لقد شاهدت بنفسي الإهمال الشديد في اتخاذ السواتر أثناء الاشتباك أو أثناء قصف الطائرات فلا نزول إلى الخنادق أثناء القصف ولا استخدام الثنيات الأرضية أو الحفر لإخفاء المعدات والسيارات ولا تغطية للسلاح والمعدات بشباك التمويه.. أو أغصان الأشجار المتوفرة .

إن هناك احتياطات أمن لابد أن يتخذها كل مقاتل أثناء القتال سواء هجوما أو دفاعا وهذا الاحتياطات بتعلمها قبل تعلمه لاستخدام السلاح لأن دون اتخاذ احتياطات أمن وحماية أثناء القتال فإن ذلك يعني كثرة الخسائر وكثرة الخسائر في الحروب تعني الهزيمة .

أما الشباب العربي فقد جاء بهدف رئيسي هو الاستشهاد وهذه الإجراءات الأمنية سوف تحرمهم من هذا الهدف ولهذا فأن أى توجيه أو أى تعليمات باتخاذ هذه الإجراءات ما هي إلا نوع من " الجبن " و" التخلف " وضعف الإيمان والعقيدة وهي في النهاية قد تحرمهم من الجنة ومن حور العين فهي بالتالي مرفوضة .. هذه حقيقة لمستها بنفسي..

خامسا : الخلافات المذهبية بين العرب والأفغان

كان الشباب العربي يري المجاهدين الأفغان بمنظاره الخاص على سبيل المثال كان بعض الأفغان يصنعون التمائم والأحجبة ويعتقدون في الأولياء والصالحين بل ويزورون قبورهم للتبرك وهناك بعض المجاهدين الأفغان يدخن..

كانت هذه الأشياء البسيطة تعني كارثة للشباب العربي الذي يفور حماسة للإسلام ويعتبر وضع الأحجبة والتمام نوعا من الشرك إن لم يكن الشرك نفسه كذلك التدخين حرام.

وقد تصديت بنفسي لواحد من الشباب العبي رفض المشاركة في عملية قتالية داخل أفغانستان وعاد من منتصف الطريق قبل ملاقاة العدو لأن أحد المجاهدين الأفغان يحمل حجابا .

أدي ذلك إلى خلاف شديد وصدام وتدخلت بنفسي وقمت بتهدئة الموقف وقلت للشاب العربي :" إن المجاهد الأفغاني يضع الأحجبة والتمائم عن جهل وهو أصلا موحد بالله ويؤمن بالواحد الأحد فيحب توعيته بالحسني وليس بالتكفير فإذا كفرته فإنه سيرفضك ويكفرك أيضا بل ويقاتلك ، لماذا إذن تسئ التصرف "؟

لقد أدت مثل هذه الأفعال إلى وقوع صدامات فعلية بين الشباب العربي والمجاهدين الأفغان في جبهات القتال بل إن القائد الأفغاني في إقليم " قندهار " أمر بحبس أربعة من العرب عام 1989 ولولا تدخل قادة الجهاد الأفغاني لكان تم إعدامهم في قندهار هذه قصة لا يعلمها إلا القليل فقد تم إنهاء الموضوع سرا ودون أى ضجة وكانت حجة القائد الأفغاني أن هؤلاء الشباب جاءوا إلى أفغانتسان لنشر بعض المذاهب المخالفة .

شاهدت بعض هذه المشاكل والخلافات وكانت تترك أثرا نفسيا سيئا لدي الأفغان وكان الخطأ الجسيم هنا هو عدم تلقين الشباب العربي وتبصيره بحقائق الوضع في أفغانستان وكيفية التصرف فيه بالطريقة اللائقة.

إن ملحمة العرب في أفغانستان علامة مضيئة في تاريخنا المعاصر يجب أن نضعها في تاريخنا المعاصر يجب أن نضعها على " مائدة التشريح" وندرسها بأمانة فنتعلم منها كيف تكون خطواتنا القادمة .

العائدون من أفغانستان

الفصل التاسع

مع الشهداء في رحلة الخلود

كثيرا ما سألت بعض الشباب العربي في أفغانستان عن سبب حضوره فيقول :" الاستشهاد " وإذا سألته عن وجهته بعد انتصار الجهاد الأفغاني وعدم استشهاده أجد الشاب ينظر في وجهي ويقول " فال الله ولا فالك .." فهو يري أن مجرد احتمال بقائه حيا حتى انتصار المجاهدين الأفغان شرا مستطيرا .

التقيت بالعديد من الشهداء قبل استشهادهم .. لن أنس الشهيد " صهيب " المصري الذي لم أعرف اسمه كاملا إلا بعد استشهاده وهو " عدلي يوسف " لقد عشت معه أياما طويلة في جبهات القتال .. كان يتميز بالرجولة والخلق .

كان عدلي يوسف يرفض التصوير نهائيا كشأن الشباب العربي كله .. إلا أنني بعد سنوات من معرفتي به استطعت أن ألتقط له صورة في جلال آباد عندما أصبت في احدي المعارك..

وكان هو قد أصيب قبلي بعدة شظايا من أثر انفجار لغم .. وقد أصابت احدي الشظايا قدمه .. وأخري مؤخرته .. ورحت أمزح معه بأنني سأصوره من ظهره رغما عنه والأطباء يعالجونه .. فكان يضحك ويقول لى :" إن الجميع متشابهون من الخلف .." ولكنني نجحت بالفعل من التقاط صورة له أثناء الغيار على جرح قدمه ... في المستشفي الميداني " بجلال آباد"

التقيت أيضا بعلي عبد الفتاح في جبهة " جلال أباد" قبل استشهاده بيوم واحد .. وكان ذلك في ضواحي جلال أباد.. حيث كانت تدور أعنف المعارك طوال الحرب الأفغانية كذلك التقيت بالعديد من الشهداء العب قبل استشهادهم ومنهم " شفيق " السعودي .. ذلك الشاب الرقيق الذي عشت معه أياما طويلة حول جلال أباد وطلب مني أن ألتقط له صورة رغم كراهيته للتصوير والمصورين ..

وهي الصورة الوحيدة له .. كذلك التقيت كثيرا بالشهيد الدكتور عبد الله عزام في أماكن متفرقة .. كما حماسه دافقا .

إن أول شهيد عربي في أفغانستان هو نور الدين ، جزائري الجنسية وقد استشهد عام 1984 أما أول شهيد مصري فهو " حمدي البنا" وفي السطور التالية أسماء بعض الشهداء مع نبذة عنهم لا توفيهم ذرة من حقهم ولكن فقط لنذكر الأجيال القادمة بأن في وسط هذا الظلام هناك أملا وأن أمتهم رغم الاختراق والحصار لم تستسلم .

حمدي البنا

أول شهيد مصري في أفغانستان استشهد في 6 رمضان 1406 هـ - عام 1986 م إثر سقوط أحد الصواريخ ( بي . ام 41) بجواره وذلك حينما أرادت القوات الروسية اجتياح منطقة جاجي مدخل أفغانستان ..

وقد كان يدرس ( الجيولوجيا) في لندن للحصول على درجة الماجستير ومن هناك ترك دراسته وجاء إلى أفغانستان ودفن في جاجي ( ولاية بكتيا الجنوبية )

أبو دجانة

مرح يحمل ابتسامة لا تنطفي إلا حين تنتهك حرمات الله ذهب إلى عدة ولايات داخل أفغانستان ( لوجر وبكتيا وننجرهار) وفي النهاية تحرك مع أحمد شاه مسعود إلى محافظة بغلان حيث اشترك في عملية ( نهرين) التي فتحت على أيدي المجاهدين وقد غنم المجاهدون في هذا الفتح غنائم كثيرة استشهد أبو دجانة في يوم 13 / 11/ 1986 م دفن في بغلان

عبد الجبار

طالب في كلية الهندسة ترك الدراسة وانضم إلى المجاهدين الأفغان في عملية نهرين أصيب بقذيفة مدفع هاون أثناء اقتحامهما للمراكز ودفن مع الشهيد أبي دجانة.

أبو صالح

لم يكمل أيام في بيشاور أصيب بمرض أدخله المستشفي وفارقته روحه ودفن في قرية بابي .

منصور

دخل عدة جبهات وشاء الله أن يستشهد في أول أيام عيد الفطر أثناء الهجوم على خنادق الكوماندوز الروس .

أبو الفضل

كان مع مجموعة الالتفاف خلف الكوماندوز مع الشهيد منصور

عبد الله

استشهد أيضا مع نفس المجموعة.

بشير

استشهد في نفس الموقع بعد أن قسمته القذيفة نصفين .

أبو سهل الصغير

حافظ للقرآن اشترك في جبهات كثيرة وخاض معارك كثيرة وقد استشهد نتيجة إصابته بشظية قنبلة يدوية في الرأس أثناء الهجوم على مواقع الكوماندوز يوم عبد الفطر وبقي في غيبوبة عدة أيام حتى لقي ربه وقد دفن في بيشاور .

أبو حفص

من مواليد الأردن ينحدر من أصل مصري صاحب صولات وجولات في الجهاد من الأوائل الذين جاءوا إلى الجهاد الأفغاني طاف بأفغانستان من الجنوب إلى الشمال ثم عاد مرة أخري ليلقي ربه شهيدا في جاجي بعد إصابته بعدة رصاصات في كتفه أثناء ركضه نحو جنود الكوماندوز الذين حاولوا الدخول إلى المأسدة.

عبد المنان

صاحب قلب طيب وابتسامة تتسع لجميع إخوانه استشهد أثناء قيامه بجولة استطلاعية حول مراكز الشيوعيين عندما توغل في حقل ألغام هو وأخوه عبد الرحمن وقد كانت شهادته قبل موعد زواجه بعد أيام وذلك بعد عيد الأضحى بأيام واستشهد معه عبد الرحمن .
صاحب نفس راضية دائم الابتسامة وفي أحلك الظروف ومهما اشتدت الخطوب وتوالت الكروب تراه لا يغضب ولا تتوتر أعصابه .
هو من مواليد بركة السبع " طوخ طبنشا" محافظة المنوفية دخل كلية الزراعة وتخرج مهندسا زراعيا ثم توجه إلى البيت الحرام ومن هناك بدأ يفكر في الجهاد وبأرض أفغانستان ويسر الله له السفر إلى أفغانستان فوصلها قبل ثلاث سنوات من استشهاده .
كان يكره ضياع وقته سدي دائم المطالعة في كتب الجهاد وفي كتب ابن القيم وابن تيمية وكان الكتاب لا يفارقه في حال ولا ترحال فإن أقام في مكتب الخدمات فهناك الكتب الخاصة بعبد المنان ، وإن ذهب إلى الجبهة اصطحب بعض كتبه معه ويعوزه أحيانا بعض الكتب فيرسل إلى يطلب زاد المعاد المجلد الثالث والمغني المجلد السابع ( الأجزاء التي تتكلم عن الجهاد ) وكان هذا قبل استشهاده بأقل من شهر وهذا آخر عهدي به في هذه الدنيا .
كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يكره الغيبة ويمقت النميمة ، تراه إذا اغتيب أحد إخوانه أمامه امتقع وجهه غضبا كان يداوم على صيام الاثنين والخميس ويقوم الليل بعد الحراسة وعقد قرانه غيابيا وكان يزمع السفر إلى الإسكندرية بلد زوجته لإتمام الزواج ثم اصطحاب زوجته إلى أرض الجهاد.
إحساس وشفافية سمع أبو عبد الله أصوات الدبابات فيتحرك عبد المنان وعبد الرحمن نحوها ويمر عبد المنان بأسد الله السندي فيسأله أسد الله متي ترجعون فيجيب : لن نرجع إن شاء الله .
والإحساس بقرب الشهادة كثيرا ما حدث به الشهداء فهذا أسد هرات : " صفي الله أفضلي " الذي استشهد في 7 /7/1987 عندما دخل السيارة قال للجالسين فيها أني أشم رائحة غريبة لعلها رائحة الجنة ، رائحة الشهادة وفعلا بعد ساعات كانت الشهادة التي أعدها الله له وهذا يحلق بنا فنعيد في أذهاننا قصة أنس ابن النضر يوم أحد إذ يقول لسعد بن معاذ ( واها يا أبا عمرو الجنة إني لأجد ريحها من دون أحد ).
وهذا الذي حدث مع شهيدنا الثالث : عبد الرحمن أمير المأسدة ( سيد محمد عبد المجيد) إذ يرسل إلى أبي محمود رسالة يطلب فيها أشياء قائلا في الرسالة ( احتملنا يومين ثم تستريح منا ) وقد كان سار عبد الرحمن وعبد المنان يقتحمان الموت ويقتربان من " أم الخنادق " ( مركز كبير للشيوعيين ) وانطلق صوت من جهاز اللاسلكي صرخ عبد الرحمن قائلا :( دبابة دبابة سقط عبد المنان ثم اختفي الصوت ).
وحار الإخوة في تفسير ما وقع هل وقعا أسيرين أم صارا شهيدين وأخذ الأخوة يبحثون عنهما وأخيرا وصلوا قرب حقل الألغام الذي سقطا فيه كانت جثة عبد المنان قسمين أما عبد الرحمن فلم يعثروا إلا على قفصه الصدري .

عبد الرحمن ( سيد محمد عبد المجيد)

من أبناء مرسي مطروح حياء مع رجولة ، عمل دائب ولسان صامت خلق رفيع وأدب جم ، وصل إلى " تخار " مع أبي الذهب وذبيح الله وعاد إلى ننجرهار حيث اشترك في محاولة ضد الهجوم عليها ثم انتهي به المطاف إلى المأسدة .
ما كان يفارق المأسدة ( المركز الجديد) إلا لينام فهو بحق أحد الأعمدة الخمسة التي بنيت عليها المأسدة .

أمير

ولكنه لا يأكل إلا من فتات إخوانه يصنع الطعام ويأمر بالأكل ولكنه ينتظر ريثما يشبع إخوانه ثم يأكل . كان يكلمني مع غض النظر إلى الأرض أدباء وحياء لا تلمس منه مللا رغم كثرة العمل ولا تري عليه سأما رغم وحشة الجو وقساوة الظروف قلت له إن هجمت قوة ماذا تصنعون ؟ قال : لا انسحاب ولا تقدم للدبابات إلا على جثثنا .

وهكذا مضي الشهداء إلى الله بعد أن بلغوا بأرواحهم دعوة الله، وسطروا بدمائهم تاريخ الإسلام الحديث وقد كان بإمكانهم أن يعيشوا كما يعيش الجماهير التي تتمتع وتأكل وهمها ثوب أو رغيف ولكن كم كانوا يخسرون ؟

كما كانوا يخسرون ( وهم يقتلون هذا المعني الكبير معني زهادة الحياة بلا عقيدة وبشاعتها بلا حية وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد)

إن هذه الدماء الطاهرة قبل أن تسقط على الأرض قد جرت في عروق الأمة الإسلامية التي كادت تجف فأعادت إلها الحياة وإن أنفاسهم الأخيرة قبل أن يلفظونها قد انتقلت إلى جسد الأمة الذي كان يموت فيعيد إليها أنفاس الحياة .

وصية الشهيد عبد المنان

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى والد الأمراء ... إلى أخواتي هدي وزينب ويسرية

إلى إخواني محمد وسليمان إلى جميع أفراد العائلة

إلى الإخوة ممن أعرفهم ويعرفونني ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،

لقد عشت فترة جاهلية مضت من عمري اثنين وعشرين عاما كنت خلالها أصلي بعض الفترات وكان الوالد دائما يقول لى خلالها إن لم تصل لا تأكل معي رغم أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب إلا أنه يحب الإسلام ودائما يحافظ على الصلوات وصرت في تخبط من الشيطان وصراع عميق بين الدين واللا دين والحمد لله الذي هدانا للإسلام .

جاء وقت الهداية وهو وقت العشاء من يوم الأربعاء 18 رمضان 1398هـ الموافق 22/8/ 1978 كنت أجلس مع بعض الشباب أحدهم قال قم فصل معنا إنك لم تركع لله ركعة ، سخرت منهم ومن قولهم واستهزأت بهم وانصرفوا هم في الحال ، وتركوني في صراع مع نفس أيهما اصح الدين أو اللادين ؟

الانحلال الأخلاقي الذي يعيشه الشباب أم .... أم ... تساؤلات لم أجد لها إجابة غير أن الله في السماء والعباد خلقوا لعبادته .. فأسرعت خلفهم أناديهم حتى وصلت المسجد والكل ينظر لى نظرة تعجب تحملت ذلك وبدأت أبحث وأقرأ عن الإسلام الذي كنت بعيدا عنه قرأت كتاب فقه السنة وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وقتها شعرت بقيمة المسلم وقيمة الإسلام ولا حياة لنا إلا بظهور هذا الأمر ،

وكم حدثتني نفسي عن الجهاد قبل أن أعرف أفغانستان من خلال قراءة كتب السيرة والبكاء لما حدث للرسول صلي الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم أثناء الغزوات والصحابة الكرام فهم قدموا للإسلام الكثير ولم نقدم شيئا ضحوا بأرواحهم ولم نضح بشئ مع ذلك نقول سيغفر لنا وغلبت علينا أماني المغفرة الآن نحن في وقت أصبح في بعض الدول المسلم ذميما منبوذا مقهورا ... لماذا ؟

لأنه يقول ربي الله أصبحت حياة المسلم ليل نهار وصبح مساء فتنا تلاحقه كي تصرفه عن دينه القيم حب الذات ، الماديات ، الشهوات ، ضيق ذات اليد الاضطهاد والمكايد ، خلاصة القول فتنه كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمس كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من دنيا زائلة نسال الله العفو والعافية .

أمي الحبيبة ست الحبايب والدي الحبيب لقد عشت بينكم لا أحمل هم شئ كانت حياة شبه مدللة ، ثم عرفت قدر الدنيا وقيمتها فماذا بعد الدنيا ؟

الموت فليكن هذا الموت موتا يرضي به الله عنا رغم ما حملنا من أوزار اكتسبتها أيدينا .

المسلمون في سجون الطواغيت من رؤوس الشياطين ولا أحد يسمع بهم ولا أحد يفكر فيهم بالدعاء لهم إلا من رحم الله .

إذا كانت العاطفة تتحكم فينا كي نخذل دين الله فتبا وسحقا لنا وبطن الأرض خير لنا من ظهرها ويستبدل الله قوما غيرنا يكونون أهلا لنصرة دينه .

أمي عليك بالصبر والفخر حالا استشهادي فإنني لم أمت بل حي أرزق عند الله بعت دنياي واشتريت بها الآخر اخترت لنفسي الطريق ألا وهو أفغانستان بغية كل مسلم يخشي الله وباع نفسه لله ولنصرة دينه سافرت مرة والتقيت مع إخوة لنا هناك لم أعرف قدرهم إلا بنزولي أرض مصر حيث وجدت اللوم من أخوة لنا في الله سواء باللسان أو بالعين وكأنهم شكلوا لى محكمة .. عفوك يا رب أين غيرة المسلم لنصرة دين الله ؟ أين شعور المسلم تجاه إخوة له شرد أبناؤهم وانتهكت أعراضهم ؟ أيعقل هذا ؟

الشهيد صهيب المصري

هو أخو صهيب الرومي لا في النسب إنما في الله وعلى هذا الطريق الذي لا يفصل بين عباد الله إلا بالتقوى .

ماذا نقول .. يا صهيب ! أيها المدرب الكبير الذي تخرج على يديك النفر الكثير .. ولا زلنا نذكر زهدك في الدنيا وترفعت وارتفعت عن كل صغائرها ما زلنا نذكرك يا صهيب وأنت تحرض إخوانك من حولك على الجهاد في أفغانستان وتقول قولتك المشهورة " من صدق هنا صدق في أى مكان ومن تخاذل هنا فلا ينتظر منه شئ " كلنا نذكر جهدك في التدريب وتنقلك من ميدان إلى ميدان وكلما زادت جراحك زاد تعلقك بالجهاد وحبك للاستشهاد ..

إن أرض أفغانستان المجاهدة تذكرك مقاتلا ومغوارا وأسدا جسورا في جلال أباد وخوست وننجرهار وجاجي بل وفي كابل التي اصطفاك الله فيها شهيدا ولا ننسي كلماتك الأخيرة " لا أريد أن يفوتني شرف القتال في فتح كابل " وأينما حل الجهاد وجب علينا المشاركة فيه .

رحمك الله يا صهيب وألحقنا بك مع الصالحين .

صهيب ذلك البطل

لم يدر بخلدي قبل خمس سنوات أن هذا الفتي " عدلي يوسف " القادم من احدي قري مدينة بني مزار التابعة لمحافظة المنيا بمصر والذي لم تكن لحيته قد نبتت بعد سيكون ذلك البطل الشامخ الزاهد صهيب أو ذلك المدرب وأستاذ السلاح الذي تدرب علي يديه كثير من الشباب العرب المجاهدين في أفغانستان ولكن هكذا الرجال يجمعهم الجهاد في سبيل الله فيصبحون أبطالا يضرب بهم المثل في كل مكان.

قبل خمس سنوات كان يؤدي فريضة الحج ضمن فوج من طلاب جامعة أسيوط المصرية وكلما صلي دعا الله أن ييسر له طريق الجهاد .

وكلما طاف بالكعبة دعا الله أن يرزقه الشهادة في سبيله وعلى جبل عرفات ووسط آلاف الحجاج كان يتضرع إلى الله أن ييسر له الطريق إلى أفغانستان ليشارك إخوانه في الجهاد .. ووسط تلبية الحجاج كان يلبي لبيك اللهم لبيك ..

لقد لبي نداء الحج فلبي الله دعاءه ويسر له الطريق إلى أفغانستان وهنا وفي أرض الجهاد التقي بالشيخ سياف والشيخ عبد الله عزام رحمه الله وتدرب على السلاح وأسرع بالدخول إلى جبهة القتالي في ولاية ننجرهار " جلال أباد" وهناكم على قمم جبال ماروا اشترك في معارك شرسة ضد الملاحدة الروس كان لوجوده في هذه الجبهة دور كبير في تكوين شخصيته فأخرجت ما بداخله من شجاعة وبطولة وإقدام وزهد وبعد أن أمضي عدة شهور في جبهات القتال عاد إلى مصر ليحث إخوانه على الجهاد في سبيل الله وبقي هناك عدة أشهر آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ..

واشتد حنينه إلى أرض الجهاد فعاد مسرعا وتدرب جيدا وشارك في خوض المعارك الشرسة وكان مثلا طيبا للمتدرب والمدرب حتى شهد له الجميع أنه من أفضل المدربين في الساحة قوة في الشخصية وفهما في التدريب والسلاح.

وهكذا تخرج على يديه من المعسكرات التي درب فيها أو أنشأها آلاف من الشباب المجاهد منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وهكذا ظل شهيدنا ينتقل بين التدريب والجهاد أصيب في المعارك عدة إصابات لم تثنه عن مواصلة الطريق حتى انتهي به المطاف في بغمان .. وما أدراك ما بغمان .. أرض الأبطال .. أرض الشهداء .. أرض الدم .

وهنا يحكي لنا الدكتور " خالد حفني " الذي استشهد بعده بأيام قليلة ومن خلال مذاكراته ، قصة استشهاد البطل صهيب قائد مجموعة المجاهدين العرب في بغمان يقول وهو يتحدث عن يوم استشهاده يوم ( 16 / 5 / 1990 م)

اليوم " يوم الدم" ماذا أكتب فيه لقد كان من أشهر أيام حياتي لا أنساها أبدأ ..

استعد للهجوم على أحد مواقع الأعداء الإخوة وهم صهيب أبو حذيفة ..

الفلسطيني أبو الوليد ، شامل ، أبو سليمان القطري أبو على المصري فاقتحموا موقع الأعداء وأخبرنا أبو على المصري أن أول من دخل هو أبو الوليد وأبو سليمان فأصيب أبو الوليد واستشهد وأصيب أبو سلمان وكذلك دخل حذيفة وشامل فأصيب شامل بجروح في جانبه الأيمن وكذلك حذيفة بطلقة في يده فحمل شاملا وخرج به وفي الطريق جاءتهم قذيفة هاون فقتلتهم ثم دخل صهيب وأبو على لتخليص أخوينا أبي الوليد وأبي سليمان وحمل أبو علي أبا سليمان القطري وخرج به ودخل صهيب لحمل أبي الوليد ولكنه لم يخرج نعم لم يخرج فلقد أذن الله له أن يستريح بعد عناء طويل ..

لقد أذن الله له أن ينعم في الجنات مع الحور العين – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا – فنسأل الله أن نلتقي به في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

ثم ذهب أبو الدهب

وعلى شاطئ البحر وقريبا من الإسكندرية تتفتح عينا هذا الطفل على الحياة والداه قد هاجرا من السودان ليقيما في مرسي مطروح كل شئ في المنطقة باسم لاه، المرح ديدن هذا الشعب وخاصة على رمال البحر حيث يحلو الكلام ويعذب السمر ويمر الوقت خلسة .. المتاع واللعب ، واللهو والمرح ، والمزاح والنكتة هو الطابع العام لكل من يعيش هناك ولا يغب عن بالك أن المنطقة سياحية تكون الصيف غاصة بكل المصطافين الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب .

في هذا الجو اللاهي الصاخب نشأ شهيدنا وقد ورث روح الفكاهة دون تكلف وسليقة دون تصنع فما تكاد النكتة شفتيه وأخذ مكانه بين الجماهير التي لا تلوي على شئ ولا يهمها شئ ولا تؤثر فيها الأحداث ولا تستوقفها المصائب التي تتوالي على رؤوس المسلمين .

في الجامعة وفي كلية الزراعة يرجع شهيدنا إلى الله من خلال بعض إخوانه الناشطين للعمل الإسلامي ويأخذ الإسلام بقوة ويحمل الرسالة بجد ويتلفت حوله ليري مكانا يصب فه طاقته الإسلامية ويري الله منه حسن الصنع وصدق الرجوع فلا يجد في الأرض منتجعا سوي أفغانستان حيث قامت الحرب على ساقها ولك أن تتصور معي كم يعاني الشاب الناشئ في مجتمع فقير لتوفير ثمن التذكرة التي قد تصل إلى ألف جنيه ؟

ويصل الشاب إلى أفغانستان ويعد نفسه بسرعة ثم يتوجه مع قافلة إلى تخار هناك على حدود روسيا عود رقيق وجسم نحل ولكن الروح وثابة ، العزم نفاذ ، وبقي هناك بصحبة أخيه ذبيح الله وعبد الرحمن وقريبا من نهر جحون ( آموداريا) وساعاته التي يقطعها يتشوق للشهادة ويتطلع لها وفي أحرج الساعات ما كانت النكتة الحاضرة تفارقه وروح الفكاهة أصبحت تجري في دمائه .

وأيامه التي انسلخت عنه وما داره سوي الهيجاء ( ليس له دار سوي الحرب ) وبما أثرت صوارمه البيض له في جماجم الأعداء ( وأثرت سيوفه في رؤوس الأعداء ) ورجع من تخار إلى بيشاور ثم يترامي إلى مسامعه هجوم الروس على ننجرهار ويمتشق سلاحه ويهب كالريح لنجدة إخوانه الأفغان ثم يعود ويشد الرحال في هذه المرة مع أخويه ( عبد الرحمن وذبيح الله) إلى جاجي ويحط رحاله هناك ويبدأ ببناء قاعدة جديدة للجهاد وأين ؟ على بعد أربعة كيلو مترات من معسكرات العدو ويواصل عمل الليل بكد النهار .

سألتهم من أمامكم ؟ قالوا أبو الذهب وهو يحفظ كتاب الله كان صوته نديا ومع نبراته شجي كنت أراه يصلي معنا الفجر ثم يغادر ولا أراه إلا بعد العشاء ، بين الثلوج التي لا يكاد شخص يقف لها ويصبر عليها .

تري هذه المجموعة ولا يكاد أحدهم يزيد عن الثالثة والعشرين فيخيل إليك أنك تواجه أرواحا في أشباح النمور ومخالب النسور قد تحفزت للوثب وانقضت للإختلاب ولا فتي مثل أبي الدهب يجمع بين الأدب الجم والإخلاص – كما نحسبه ولا نزكي على الله أحدا – الذي تلمسه من خلال جلوسه بين يديك كالطفل الصغير يطلب منك الدعاء له بالشهادة وقد حسبت أنه لا يمزح أبدأ ولم أسمعه ذات مرة يضحك بملء فيه أو يهزل وإذا ببعض من عايشه يقول لى النكتة لا تفارقه فعلمت أنه الأدب الرفيع مع الكهول من أمثالنا .

وطالبت المدة وزمهرير الشتاء لا يؤثر على صلابة الرأي ومضاء العزيمة إنهم مصممون أن يحرروا المراكز التي تواجههم ويفتحوا الطريق الواسع إلى كابل ولا يكلون عن مراقبة العدو ولا من جمع المعلومات ولا من الاستعداد للانقضاض .

ثم تقدم ونصب خيمة على بعد مائتي متر من مراكز العدو وبقي هنالك قرابة شهرين وحدثني أبو خالد زميله في الخيمة كنت أحس من أعماقي أن الرجل ماض إلى الله وأنه سيغادرنا عما قريب كان يعمل في نصب الصواريخ وإعداد السلاح وتبين الأهداف حتى الساعة العاشرة ليلا ثم يتجافي جنبه عن المضاجع ويغالبه الكري وتأخذه سنة من النوم ثم استيقظ الساعة الواحدة ليلا وينهض ليواصل عمله والشباب هجع .

ويقبل يوم العملية وأبو الدهب يتمني أن ينال الشهادة ولكن الشهادة قدر مقدور وغيب مسطور ( قد جعل الله لكل شئ قدرا ) (لكل أجل كتاب )

ولم يغادر الفتي خيمته ولم يقطع استعداده وواصل العمل وبعد أسبوع بالضبط وفي اليوم السادس والعشرين من شعبان سنة 1407هـ الموافق اليوم الرابع والعشرين من أبريل عام 1987م كانت المنية للفتي بمرصد فخرج يرافقه شفيق وأسامة للاستطلاع فإذا بلغم ينفجر تحت قدميه وطارت قدماه حتى الركبة تقريبا وأخذ الانفجار أصبعين من أصابع أسامة وأصابت " شفيقا " شظية صغيرة لقد تحققت الرؤيا التي رؤيا له بالجلوس مع امرأة جميلة غراء الجبين فيبشر في صباح هذا اليوم بالشهادة.

وبدأ الدم ينزف من رجليه المقطوعتين ويده البتراء وهو يردد حسبنا الله ونعم الوكيل وبقي على هذا الحال قرابة الساعتين ثم أسلم الروح وكان آخر ما ودع به الدنيا يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث وحمل جثمانه الطاهر ثم ووري التراب شهادة لله أنه ما قصر تجاه دينه وشهادة على زملائه وإخوانه وأحبابه ومعارفه أنه بلغ حكم الجهاد لهم وخط بدمه الطاهر أسطر الخلود لتبقي أحرفا من نور في سجل الخالدين وديوان العارفين فهل يؤثر دمه الفوار الذي روي هضاب أفغانستان على من عرف هذا الطريق فيدرك أن أمر الجهاد جلل وأنه فرض عين وأنه لا إذن للوالدين ولا لأحد من العالمين في تلبية نداء رب العالمين ؟

ومضي أبو الدهب إلى ربه وأصبح حديث الشامر فسلام عليك يا أبا الدهب في الخالدين .

وهذه رسالة إليه من والده

ابني الغالي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أسأل الله العلي القدير أن يصلك هاذ الخطاب وأنت في أحسن حال وينصركم الله نصرا مظفرا .. يا رب ،

عزيزي : كيف حالك لعلك تكون في أمان من كل مكروه ... لماذا لم تكتب لنا دائما هل ورقة البريد عندكم غالية أم أنك لا تجد ثمنها ؟ وأظنك لا تجد ثمنها هذا هو الصحيح

ابني : أنا والوالدة نطلب من رب العباد أن يكرمك ولا يهينك ويعزك لا يذلك .

والدك المحب

الشهيد أبو الوليد المصري طارق جاد الرب

من أرض الكنانة جاء ليشارك إخوانه شرف الجهاد ولنستمع إلى إخوانه الذين عرفوه فماذا قالوا عنه :" تتداعي الذكريات في أذهاننا ويمر شريطها أما أنظارنا يوم أن كنت صغيرا يا أبا الوليد : كنت دون العاشرة عمرا تأتي مع أبيك إلى حلقة درسنا في مسجد " المحسب " تجلس تسمع الدروس والقرآن وتعلمت القراءة وأنت في هذه السن المبكرة ..

ورأيناك مع إخوانك تدعون إلى الله في نواحي المدينة البعيدة .. ثم رأيناك وأنت شعلة نشاط بالجامعة – جامعة أسيوط فرع جامعتك ودراستك الدنيا .. رأيناك في معسكر التدريب مثالا للانضباط والجدية ثم ذهبت إلى ساحة النزال في " بغمان " مع أستاذك ومدربك " صهيب " وجاء خبر استشهاد كما فخطت دماؤكم الزكية ملحمة أخري على أرض أفغانستان فهنيئا لكم ذلك يا أبا الوليد وجعل الله الجنة مثواك"

استشهد " طارق " يوم الدم في " بغمان " 16 / 5/ 1990 ودفن مع مدربه وأستاذه " صهيب " لأن المجاهدين لم يتمكنوا من إخراج جثتيهما من موقع الأعداء وذلك من شدة القصف بالمدفعية والدبابات الصواريخ وقد أخبرنا أحد كبار السن القادمين من كابول أنه قام بيديه بدفن أربعة شهداء اثنين من الأفغان واثنين من العرب وهما صهيب وأبو الوليد ودفنهم في كابول وكذلك تم دفن شيوعيا قتلوا في نفس المعركة فرحم الله شهيدينا فقد قتلا من الأعداء قبل أن يقتلا ما يشفي صدور قوم مؤمنين .

وصية الشهيد أبو الوليد المصري ... الجهاد ... الجهاد"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول .

أبي الحبيب و أمي الحبيبة ، إخوتي الأحبة .. أرسل لكم هذه الوصية عسي الله عزوجل أن ينفعني بها وإياكم عند وصول هذه الرسالة إليكم أرجو من الله أن تكون روحي قد طافت حول عرش الرحمن في حواصل طير خضر مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ..

أسرتي الحبيبة إن الله عزوجل قد فرض الجهاد كما فرض الصلاة فإني قد أكرمني الله بجهاد في سبيله في أفغانستان الأرض المسلمة التي أفتي العلماء بوجوب الجهاد فيها بالنفس والمال وشرفني الله عزوجل بشهادة في سبيله على هذه الأرض الطاهرة .

أسرتي الكريمة إن الله عزوجل قال ( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به )

وجاء جل إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال دلني على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن يستطيع ذلك"

ووضح الله عزوجل هذه التجارة ومدي ربحها فقال :( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم )

فلا تحزنوا لوفاتي فسألقي من الله لقاء استشهادي ما يجعلني أحب أن أرجع إلى الدنيا فأقتل في سبيل الله مرة أخري أوصيكم أن تتقوا الله عزوجل وتسمعوا لله ولأوامر رسوله .

أبي أدعوك أن تأتي إلى أفغانستان وتجاهد كي تسمو روحك باستنشاق عبير الجهاد أمي الغالية أرجو أن تكون راضية عني وأخواتي الكريمات كن ملتزمات بأوامر الله فأنه سترة المسلمة المؤمنة واقتدوا بأمهات المؤمنين عائشة وحفصة والتزمن بأمر الله وأطعن رسوله ، ولا تنسوني بصالح دعائكم وسامحوني جميعا "

ابنكم المخلص طارق جاد الرب

الشهيد هيثم المصري خالد على حفني

تحد عنه الكثيرون فوصفوه بأنه قمة شامخة ومثال حي للنفس المؤمنة الصابرة المحتسبة صاحبة العزم الشديد الذي يعينها على تحمل المحن والابتلاءات بفضل الله عزوجل .

من مواليد محافظة سوهاج عام 1961 م، قبض عليه في أحداث جامعة أسيوط في عام 1981 م ودخل السجن لمدة سبع سنوات أكمل خلالها دراسته في الطب وحصل على البكالوريوس في الطب في جامعة أسيوط وبعد خروجه من السجن عام 1988 م أمضي سنة ونصف كطبيب امتياز في مستشفي أسيوط الجامعي .

وصل أفغانستان في بداية عام 1990 م ليعمل في خدمة إخوانه المجاهدين بعد أن ترك مصر إلى السودان، ومن هناك حصل على تأشيرة لدخول باكستان وفور وصوله إلى ساحة الجهاد توجه إلى معسكر التدريب وقضي فيه فتة كافية ارتبط بعدها بالعمل مع لجنة الدعوة ليؤسس عيادة في بغمان ويمكث فيها وبعد أن مكث في مستشفي الفوزان بيشاور حوالي أسبوعين للتدريب توجه إلى بغمان ووصل إليها في 20 / 5/1990م بعد أن مر على بعض المناطق ليتفقد أوضاع المجاهدين الصحية فيها.

وفور وصوله إلى بغمان أنشأ عيادة من غرفتين داخل الجبل إلا أنها قصفت مما اضطره أن يباشر عمله مع المجاهدين عبر الخنادق .

استشهاده : كان ينام في غرفة مع اثنين من إخوانه هما أبو روضة والليث وبعد صلاة الفجر من يوم استشهاده نام ولأول مرة في المكان الذي ينام فيه أبو روضة ، وعندما دخل أبو روضة ووجده قد نام مكانه تركه ونام إلى جواره وبعد مدة بسيطة سقطت قذيفة بباب الغرفة وانفجرت لتصيب خالد في صدره وفي جانبه الأيمن وما هي إلا دقائق حتى صعدت روحه إلى بائها .

لقد كان – رحمه الله – يحفظ كثيرا من القرآن – وكان دائم الصمت لا يتدخل في كثير من أمور الخلافات التي تثار بين أبناء العمل الإسلامي وكان يحرص على تجديد نيته في العمل باستمرار، وعندما اشتد القصف على بغمان وطلب منه أن يرجع رفض ذلك وقال : :كيف أرجع وأترك المجاهدين بلا طبيب فنسأله تعالي أن يكون قد تقبله مع الشهداء إنه سميع مجيب .

الشهيد أبو سياف المصري جمال رشدي عبد الغفار

البساطة وسلامة الفطرة هي الطابع البارز في شخصية " جمال " وقد عمق الريف المصري في البساطة وأضفي عليها الرجولة النخوة والإصرار.

درس في معهد للخطوط ثم دار مع عجلة الزمان فألقت به في عمان حيث عمل خطاطا وفي الشركة التي يعمل بها جمعه الله بأحد إخوانه الملتزمين وما زال يسلك إلى قلبه كل سبيل لعله يسير في سلوكه على الخط الإسلامي أو يلتزم في سلوكه بالنهج القرآني ثم كتب الله له الهداية على يدي هذا الشاب الملتزم .

مجلة الأمة ( قبل إغلاقها)

وقرأ في مجلة الأمة مقالا عن الجهاد الأفغاني وقد هزته روعة الجهاد وشده منظر الليوث الأفغان بلحاهم وأسلحتهم التي تزين أكتافهم وعيونهم التي تقدح شررا فتعلقت روحه بالجهاد وعاش بجسده مع الخطوط التي يخطها لقاء لقمة العيش أما روحه فهي هائمة مع الأسود سارحة بعيدا ولن تعود فلابد أن يلحق بها .

وبدأ يسعي لأخذ التأشيرة الباكستانية التي صارت تضاهي في صعوبتها ومرارة الحصول عليها تأشيرة الدول الغنية وعبثا يحاول جمال وهو يذرع الشواع متنقلا بين السفارتين الباكستانية والمصرية والكل يصده ويرده.

وعندما أي صاحبه الملتزم الذي دله على الله حرصه على الذهاب إلى أفغانستان للجهاد صار يحاول أن يثنيه عن عزمه أو يفتر همته المتوثبة للإنطلاق إلى ذروة سنام الإسلام وكذلك صاحب العمل بدأ يشككه بهذا الجهاد.

وعندما رأي صاحب العمل إصراره رق لحاله ورأف به وصمم أن يساعده في أخد التأشيرة وبقدر من الله كان ما لم المنزل الذي يقيم فيه متزوجا من امرأة باكستانية فأخذ زوجته مع أبي سياف لى السفارة بعد أن اشتري تذاكر ذهاب وإياب وقال للسفارة بأنه يريد زيارة أهل زوجته مع هذا الرجل ، ونال التأشيرة وطار فرحا بها وأخذ يرقص بها في الشارع طربا كالمجنون ، أما التذكرة فكانت من إمام المسجد الذي يصلي فيه .

إلى باكستان ثم مصارع العشاق : تدب جمال في معسكر صدي ثم صمم على الذهاب إلى مصارع العشاق الحور وكان الكلام عن الحور يشغله كثيرا حتى إن وصيته بدأها :

( عندما تفتحون هذه الوصية أكون مع الحور العين يا عيني على الحور العين )

إلى قندرها مقبرة الأبرار وأرض العز والفخار وإلى غرفة محمد أيوب أغا قريتين مع أسد الله المصري وهما من منطقة واحدة فالبطلان من طنطا من قريتين متجاورتين، وكان " جمال " صاحب نكتة حاضرة ومرح كثير فملأ الجو الذي يعيش فيه أنسا وغابت رهبة الموت ووحشة المعارك الضارية بهذه الروح المرحة المنطلقة على سجيتها المعبرة عن الحب للإخوة الذين حوله فأصبح حديث الأفغان والعرب وأضحي مع أسد الله يمثلان قطبي الرحي بالنسبة للغرفة ومضي أسد الله إلى ربه فشده الأمر إلى الله وبدأت الجدية لفترة تظهر عليه وأي أن الشهداء الماضيين إلى الله معظمهم صوامون فجد بالصوم فكان في أواخر أيامه يصوم الاثنين والخميس .

وأخذ يتنقل من موقع إلى موقع جادا في طلب الموت يلقي بنفسه في غمار المعارك المضطرمة واستشهد زميله عكرمة بينما جمال لا زال ينتظر الشهادة.

وفي اليوم التالي لاستشهاده عكرمة وفي نفس المكان خاض معركة فالتقت منيته بقذيفة اختطفت روحه وجرحت أخاه أبا أنس اليماني جراحا بالغة.

مضي أبو سياف خاطا بدمائه أسطرا في سفر الخلود خلود المبادئ التي تروي بالدماء وغاب جسد " أبي سياف " ولكن روحه ترفرف فوق إخوانه الذين عايشوه ولم ينسوه وأني لهم بنسيانه ؟ وكيف لهم أن ينسوا قرآنه الذي كان يقرأه بصوت رخيم يسمعه الإخوة فتهتز قلوبهم .

وفي وصية لوالديه يقول :" أوصيكم بمتابعة الجهاد لأنه عزة المسلمين وأرجو منكم أن تصبروا ابتغاء مرضاة الله إذا كتب الله لى الشهادة كما أوصيكم بتربية إخواني تربية إسلامية وتعلمهم أمور دينهم وأن تعلموهم القرآن وأن تلبسوا أخواتي البنات الزي الشرعي وعندما يكبرن – إن شاء الله – تزوجونهن لمجاهدين "

فإلي رحمة الله يا أبا سياف ونأمل أن يتقبلنا ربنا في الصالحين .

وصية عاجلة من الشهيد أبي سياف المصري

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

قال تعالي ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) أوصكم بتقوى الله

هذه وصيتي العبد الفقي إلى الله : جمال رشدي عبد الغفار

أبوزور مصري الجنسية من طنطا من قرية سرباي .

بالنسبة للأشياء التي معي فهي شنطة وبها بعض الاحتياجات البسيطة وجواز سفر عن الشيخ (....) وأنا ليس معي نقود فأرجو منكم أن ترسلوا جواز السفر إلى أهلي وأنتم مخيرون في أى شئ آخر كما أوصيكم بدفني في أقرب مكان وخاصة بجوار أخي في الله " أسد الله المصري" عند المقابر القريبة وإن شاء الله لا تنزعوا عني ملابس اتركوها على جسدي كما هي وأرجوكم لا تحزنوا على بل ادعوا لي بالمغفرة وبالفردوس الأعلى وادعوا لى بالرحمة .

وأنا أوص أهلي بالصبر وتقوي الله ، كما أطلب منهم أن يرسلوا باقي الإخوة إلى الجبهة جبهة الجهاد الإسلامي الحق والجهاد في سبيل الله .

وأوصيكم بحرق أية صورة من صوري وجزاكم الله خيرا .

أخوكم في الله أبو سياف

جمال رشدي عبد الغفار

الشهيد أسد الله الفاتح ( أبو جيل المصري )

إبراهيم محمد يوسف عطا

كم ألقيت يا أرض الكنانة من فلذات أكبادك في أتون القتال ؟ وكم عدد من الشهداء في فلسطين والقنال ؟ إنك تفخرين بعلمائك ولكنك تتيهين زهوا بعظمائك . أما يكفيك يا مصر ما أنبتت أرضك من الدعاة أباسم الشافعي وابن حجر العسقلاني تنشدين أم بذلك العيني تطربين أم بجل ممن ربي البنا وسيد قطب تحلمين؟

لقد حق لك أن تفخري فأنت مهوي أفئدة العالم بأزهرك الشريف ، وأنشدي ما شئت أن تترنمي بدعاة دينك الحنيف ، وطاولي السماء عزا بالمجد المنيف وناطحي السحاب فخرا بسيفك الرهيف .

أوبة إبراهيم في طنطا من محافظة الغربية نبت إبراهيم وعلى أرضها درج وحبا ولكنه بقي بعيدا عمن يأخذ بيده إلى طريق الله ويشاء الله له أن يشهد وفاة أحد أقاربه وعندما حمله بين يديه وكأنه ر القبر والبرزخ وتملكه الخوف الشديد من حياته التي لا تتعدي حياة السوائم من أكل وشرب ومتاع وكانت هزة عنيفة ! سقط الركام من على قلبه وبدأت أجهزة الاستقبال تتلقي الأوامر الربانية .

وكان لابد من عمل جليل يمسح من تاريخه ذلك السفر الحافل بالمخالفة للنصوص ولابد أن يتقي إلى قمة هذا الدين وذروته بالجهاد فوق جبال سليمان وفي صحراء قندهار والهلمند .

وفي قسم الشرطة بباب الحديد يدخل رجل غريب هذا القسم ويسأل سؤالا عجيبا غيبا إنه يستفسر منهم عن طريق الجهاد إلى أفغانستان فرد عليه الشرطي اذهب إلى السفارة الباكستانية .

وبباب السفارة الباكستانية تجر مشادة كلامية عنيفة بين حارس السفارة وبين إبراهيم إذ أن شهيدنا يريد إقناع الحارس بأنه يريد أداء فريضة الجهاد التي كتبها الله عليه والحارس يدفعه بشدة من باب السفارة وأخيرا هدده بإحضار الشرطة له إن أصر على الدخول بالقوة .

ويعود إبراهيم أدراجه لا تكاد تحتمله قدماه لهول لصدمة إنه لا يجد لجسده طريقا حتى يلحق بروحه التي أرسلها إلى أفغانستان تلثم الغبار عن أقدام المجاهدين الأبرار .

أنا عند حسن عبدي بي : ولم يخيب الله رجاءه فنصحه بعض المطلعين بالذهاب إلى أرض الحرمين لعله يجد منفذا من هناك ، وكانت قدرا مقدورا حتى يتم له أداء فريضة الحج ويرجع كيوم ولدته أمه ثم يمضي نظيفا طيبا إلى الله وبسلام إلى دار السلام وكتب الله له التيسير بالمضي إلى بلاد اللهيب والتغيير ووصل إلى أرض الأطهار واختار أسخن الجبهات في أرض قندهار .

ويشعر كل من عايشه في هذه الفترة أنه كان يودع الدنيا ، إذ أنه يذوب إخلاصا ويتفاني غيره لهذا الدين ومن رسائله لإخوانه وأستاذه " على " تشعر أنه يتفجر حماسا وحيوية وكأنه المسئول الوحيد عن هذا الدين إنه وجد ضالته في هذا الدين كان تائها في مغارة مهلكة ثم اهتدي إلى الجادة القويمة والطريق المستقيم .

ويكتب إلى والديه ( رجاء اغفروا لى زلاتي حتى يرضي الله عني توجهوا إلى الله وقولوا اللهم اغفر لإبراهيم واعف عنه وتقبل منه ولا ترده خائبا ، وسامحوني على فراقي لكم دون استئذان فما حملني على ذلك إلا نداء الله الذي لم أستطع أن أتأخر عنه )

وصيته لإخوانه في النسب وفي الدين ( أدعو الله أن يجعلكم دعاة إلى دينه سيوفا على أعدائه ، وأن يعز بكم الإسلام والمسلمين وأن يبصركم بالطريق ويمن عليكم بالهداية وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزوجل وإتباع هدي رسولكم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم والسير على منهجه فهيا إخواني أدعوكم إلى طاعة الله هيا أسرعوا قبل فوات الميعاد وارتفاع الأمواج أناديكم من شاطئ الأمان بأعلى صوتي اركبوا قاربي فالأمواج عالية والرياح ناسفة )

كان في غرفة ضيقة قندهار وبجانبها غرفتان والعرب يصلون ثلاث جماعات لضيق المكان فأخذ على نفسه أن يبني لهم مسجدا واسعا للمبيت والصلاة وبني بنفسه معظم البناء وأعانه إخوانه وأصبحوا جماعة واحدة .

كان يقوم الثلث الأخير من الليل ويصوم يوما ويفطر وما كصيام داود عليه السلام وكان يهدي إلى إخوانه معظم ما معه ، وكان لا يجلس على مائدة الطعام إلا بعد اطمئنانه إلى أن إخوانه جميعا قد جلسوا وكان يستيقظ آخر الليل ليجمع الحطب ويسخن الماء لإخوانه في زمهرير الشتاء القارس . رأي ليلة استشهاده أنه يسير مع أربعة عرائس .

كيفية استشهاده : في ملجات بولاية " قندهار " وفي عرفة القائد عبد الرزاق أذن لصلاة المغرب فأفطر إبراهيم كان ذلك اليوم الخامس عشر من رجب سنة 1409هـ وبعد الفطور أدت السرية صلاة المغرب وانطلقت على بركة الله وفيها اثنا عشر شابا عربيا وإبراهيم كعادته يبحث عن الشهادة فهو يزاحم الإخوة على الموت ويتقدم الصفوف

وصعد إبراهيم السلم ووقف في أعلاه حيث أطل على المراكز الثلاثة للشيوعيين وتناول قاذفة الصاروخي وركب القذيفة في القاذف ثم أطلق القذيفة الصاروخية مع القذيفة الربانية التي تواكب القذيفة عادة من فم إبراهيم وهي قذيفة " الله أكبر " وانطلقت مدوية تمزق صمت الليل الساجي وتزلزل أقدام أعداء الله وفتحت الرشاشات على المكان الذي اندلعت منه ألسنة اللهب من القاذف وكانت الرصاصة ( من كلاشنكوف أو جرينوف ) التي حملت معها روحه إلى بارئها ولم يسقط عن السلم وتلقاه أخوه الذي كان يتبعه على الدرجة التالية للسلم .

ومضي إبراهيم إلى الله بعد أن علمناه درس الرجولة والبطولة والتوبة الخاشعة والأوبة المخبتة إلى الله عزوجل فنرجوا أن يتقبلنا وإياه في الصالحين وأن يبقي إبراهيم علما شاخصا على طريق الساكن إلى رب العالمين

مقتطفات من رسالة الشهيد أسد الله

إلى أستاذه في مصر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أخي ، أرجو أن تدعو لى بالثبات ونيل الشهادة فالله يتقبل من المتقين أمثالك للعلم يا أخي فإن الإنسان مهما قدم وضحي فلن يساوي أقل نعمة أنعم الله بها علينا إنني عندما جئت إلى أفغانستان ذهبت أنا وبعض الإخوة إلى بيت الضيافة وهناك وبعد ساعات من وصولنا وجدنا بعض الإخوة يحملون جثمان أخينا " أبي حفص " والتففنا حوله فإذا برائحة المسك تفوح منه والاطمئنان على وجهه وكل الإخوة يدعون لأنفسهم أن ينالوا هذا الشرف .

أخي إن الصفحات لا تسع ما أريد أن أقول عن هذا الجهاد وأسلوبي لا يستطيع ترجمة الواقع إن أى أخ أتي عندنا يأبي الرجوع ولو عرضوا عليه الدنيا بأكملها .

أستاذي لقد حان الوقت كي نتيقن أن معنا أقوي سلاح معنا لا إله إلا الله لو عرفنا الله جيدا فسوف تكون لنا السيادة في الأرض بإذن الله .

أخي : أوصيك بتقوى الله وأن تحرك سواكن الشباب ولا تخش في الله لومة لائم واعلم أن أى إنسان يتجه إلى الله بقلبه فإن الله سيبارك خطواته حتى يصل إلى هنا .. إلى أرض الجهاد إلى ساحة الشرف .

أخي ما هي إلا شهور – بإذن الله – وستسقط أفغانستان وسيتجه الجميع إلى فلسطين وأعلم بأن الله مع المتقين

أسد الله الفاتح

العائدون من أفغانستان

الفصل العاشر

ملحق رقم (1)

الأجهزة المصرية تترقب بحذر عودة

عناصر قاتلت في أفغانستان

تترقب أجهزة الأمن المصرية بحذر شديد في ضوء الأحداث والتطورات المتصاعدة التي تشهدها أفغانستان عودة مجموعة من المصريين الذين سبق لهم الانضمام إلى صفوف المقاومة الأفغانية وشكلوا فصائل خاصة بهم على المستوي العسكري والتثقيفي وتقدر هذه الأجهزة عددهم بأكثر من مائتي شخص .

وترجع أسباب التخوف والحذر الأمني في هذا المجال إلى أن تلك العناصر التي سافرت في الثمانينات من خلال قناتين الأولي هي نقابة الأطباء التي تسيطر على مجلسها عناصر أصولية وشكلت فصائل للسفر بموافقة حكومية للمساهمة في هذه الحرب المقدسة وكان جميع الذين انضموا إلى هذه التشكيلات من الأطباء الذين تلقوا في سفرهم تديبات على كيفية الإسعافات الأولية ومعالجة الجرحى في ميادين القتال .

أما القناة الثانية فكانت السفر خلسة وبجوازات سفر مزورة عبر بعض الدول منها باكستان للانضمام إلى ثلاثة تنظيمات دينية وهي : " الإخوان المسلمون " و" الجهاد" و" التكفير والهجرة"

وتتمثل خطورة عودة هؤلاء من وجهة نظر أجهزة الأمن المصرية بعوامل منها : إن تلك العناصر تلقت تدريبات على درجة كبيرة من الكفاءة القتالية المتمثلة في استخدام بعض الأسلحة الدفاعية والهجومية وكيفية إعداد المتفجرات ووضعها إضافة إلى إلقائها وأنها تلقت عقيدة قتالية أيدلوجيا جديدا يتمثل في فرض الأمر الواقع بالسلاح والقتال باعتباره أقصر الطرق للوصول إلى الحكم.

رغم بوادر الأمل لدي أجهزة الأمن المصرية بفشل هذه النوعية القتالية في فرض أمر واقع على البلاد أو طرح استراتيجيات جديدة بعد فشل نظيرتها في التجربة الجزائرية والقبض على عناصر في حملات الشوارع إلا أن مواجهة العائدون ستكون لها جوانب على درجة كبيرة من الأهمية منذ لك.

إن العائدين من أفغانستان أعدادهم وأسماؤهم ستجعل ترقب وصولهم من الأمور السهلة لرجال الأمن .

وصول معلومات من كابول عن حال من الانشقاق في صفوف تلك الجماعات بعد تحقق النص النهائي للمجاهدين ورغبة كل فصيل في فرض رأيه على الآخر مما أدي إلى التناحر بالأسلحة أى إلى تصفية بعض القيادات جسديا للإنفراد بالقيادة بعد العودة إلى مصر .

إن تنظيم الجهاد الإسلامي أكبر التنظيمات الدينية انتشارا يعرقل عودة قياداته في أفغانستان خشية تجدد الصاع على السلطة داخل التنظيم بين القيادة الموجودة والأخرى العائدة مما يتمثل موقعا يقدم على صينية من ذهب لأجهزة الأمن المصرية للانقضاض على الطرفين .

احتمالات إرجاء العودة إلى البلاد والتوجه إلى احدي الدول المجاورة " السودان " للاحتماء والاختفاء وانتهاز الفرصة الملائمة للعودة النهائية .

يذكر أن تحقيقا نيابة أمن الدولة العليا في مصر كشفت لدي التحقيق في قضيتين هما محاولة اغتيال زكي بدر وزير الداخلية السابق في 16 كانوا الأولي ( ديسمبر ) 1989 والثانية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق في 12 تشرين الأول ( أكتوبر ) 1990 قيام بعض المتهمين في القضيتين بالسفر إلى أفغانستان واشتراكهم في القتال هناك وأنهم سافروا خلسة من دون علم أجهزة الأمن ،

كما استأجروا بعد عودتهم مقرا في إحدي المناطق بمحافظة الجيزة حيث تم تخزين كمية من الأسلحة والمتفجرات والقنابل المصنعة محليا،وتمكنت أجهزة الأمن من كشف هذا المقر والقبض على العائدين من أفغانستان في القضيتين وبلغ عددهم عشرين قتل منهم خمسة أثناء مطاردتهم بينما يمثل الباقون أمام إحدي دوائر محكمة أمن الدولة العليا ( طوارئ ) لمحاكمتهم وهم ممدوح على يوسف وصفوت أحمد عبد الغني ومحمد أحمد النجار وعادل مسلم ومحمد السيد عبد الجواد وعزت حسين السلاموني ومحمد أحمد مصطفي، وأحمد أحمد مصطفي .

واعترف هؤلاء في تحقيقات النيابة أنهم نفذوا العمليتين كنوع من إثبات الوجود وسعيا إلى السيطرة على مجلس شوري تنظيم " الجهاد" وانتزاعه من العناصر التي لا تزال تقضي العقوبة في ليمان طره وهم : عصام درباله ومحمد الأسواني وعبود الزمر ، كما قامت الجماعة بالتخلص من أحد العائدين بالخنق بعدما أفشي أسرار الفترة التي قاموا خلالها مع المجاهدين الأفغان وكشف للمرة الأولي عن سعي البعض إلى السيطرة والزعامة .

ملحق رقم ( 2)

الإرهاب والسياحة

ولابد أن نعترف بأن السبل التي سلكتها الدولة حتى الآن لمقاومة هذه التيارات الإجرامية التي تتسلل وتنتشر بين فئات شبابية جاهلة ومحرومة ومعزولة تواجه فشلا متكررا ولابد من نظرة جديدة أكثر عمقا وشمولا وفهما .

ولست من الذين يعتقدون أن البحث عن بذور هذا التيار خارج مصر وتعليق الاتهامات على شماعة إيران ودول مجاورة سوف يؤدي إلى مواجهة المشكلة وليس من مصلحة مصر داخليا وخارجيا أن تعلق أسباب استفحال هذه التيارات على مصادر تمويل وتدريب خارجية لأن أى دولة فيها قانون ونظام لابد أن تكون فقادرة على ضبط رصد ما يدخل إليها وما يخرج منها وما يجري فيها ...

فمصر ليست تشاد أو الصومال في نهاية الأمر ونقطة أخري هي أن نجاح عدد كبير من مرتكبي هذه الجرائم في الإفلات والاختفاء أمر يدعو إلى التساؤل حول كفاءة الأساليب المتبعة التي تفرط في القبض على أعداد كبيرة ثم حين يتم الإفراج عنهم يكون قد تم زرع بذرة العنف والإرهاب داخلهم والأمر بهذه الصورة بدعوة إلى إعادة نظر شاملة !

سلامة أحمد سلامة

نائب رئيس تحرير الأهرام

ملحق رقم ( 3)

الانقلاب العسكري أقصي مظاهر العنف

إن الجدل الذي ثار لمدة طويلة بين الكتاب حول تكييف طبيعة حركة يوليو 1952 ( والتي أسماها أصحابها منذ البداية حركة الجيش المباركة هذا الجدل يبرز جوهر المشكلة وأعني بها مشكلة " الشرعة " وارتباطها بالتغيير السلمي للنظامين السياسي والاجتماعي واستبعاد العنف والقهر بصفة مطلقة.

ولما كانت حركة 23 يوليو انقلابا عسكريا فقد كان يتحتم النظر إليه بوصفه انتهاكا مسلحا للشرعية واعتداء شديدا على الدستور .

ولذلك استنجد الضباط ببعض الفقهاء والخبراء لإيجاد تبري ( دستوري) لشرعية الانقلاب فنشرت الأهرام عدة مقالات لأستاذنا المرحوم الدكتور السيد صبري تؤكد قيام ما يسمي " بالشرعية الثورية " التي تبيح إلغاء الدستور ..! ومع ذلك فإن مجلس قيادة الثورة اتخذ جانب الحيطة فنشر ملصقات في الشوارع ترسم جنديا يحمل سلاحه تحت عنوان : " نحن حماة الدستور .."

غير أنه سرعان ما ألغي دستور 1923 وحكمت البلاد ببيانات " ثورية دستورية" ودساتير مؤقتة .. إلى أن توفي عبد الناصر وخلفه السادات الذي تظاهر بالقيام بثورة التصحيح ووضع دستور 1971 أسماه الدستور الدائم والذي فقد صفة الدوام بعد تعطيله بصفة مطلقة بالأحكام العرفية المعلنة منذ 6 أكتوبر 1981 .

وهكذا استمر الحكم العسكري لأكثر من أربعين عاما حتى وإن تغيرت أزياؤه وتنوعت أقنعته وتوهجت شعاراته فتحول من حكم الزعامة ( الثورية الاشتراكية ) إلى حكم كبير العائلة وديمقراطية الأنياب " المفرمة" وإنها بالحكم العرفي الذي كان صريحا في إنهاء أسطورة ديمقراطية الجرعات وجريئا في إخضاع شعب مصر " العظيم " لنظام الحكم العرفي الذي لا يطبق بصفة دائمة أو مستمر إلا في المستعمرات !!

وبعد ذلك يتحدث وزير الداخلية عن " الأمن " الذي ينعم به الشعب فهل يستطيع الوزير أن يطمئن أى مواطن " مهما كان مركزه بأنه لن يعتقل أو يهان أو يهدد أو تغتال حريته بقرار على بياض بتدبير " عرفي " لا رقابة عليه ؟!

د. محمد عصفور

جريدة الوفد .

ملحق رقم (4)

إعدام لثمانية " عائدين من أفغانستان

للمرة الأولى منذ الأحكام في قضية اغتيال السادات

مصر : إعدام لثمانية " عائدين من أفغانستان

للمرة الأولي منذ حكم بإعدام خمسة من المشاركين في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981 م .

قضت المحكمة العسكرية العليا في الإسكندرية أمس بإعدام ثمانية من أعضاء تنظيم " العائدون من أفغانستان" الذي يضم عناصر من " تنظيم الجهاد" و" حزب الله " و" الجماعة الإسلامية العالمية " في القضية المتهم فيها 26 بينهم 11 فارا وحكمت أيضا على واحد بالسجن 25 سنة مع الأشغال الشاقة وعلى عشرة بالسجن 15 سنة مع الأشغال الشاقة وعلى آخر بالسجن 10 سنوات وعلى ثلاثة بالسجن 5 سنوات وبرأت ثلاثة .

وكانت المحكمة عقدت جلستها صباح أمس وسط حراسة مشددة برئاسة اللواء أحمد عبد الله وعضوية اللواء على حمزة والعقيد فيصل هيبة للنطق بالحكم في القضية رقم 392 ( أمن دولة عليا ) في حضور 15 متهما وغياب 11 فارا وأصدرت أحكامها كالآتي :

- الإعدام للمتهمين من الأول إلى السابع وهم : محمد شوقي الإسلامبولي ( فار) ومصطفي أحمد حمزة ( فار ) ورفاعي أحمد طه ( فار ) وعثمان خالد إبراهيم ( فار) وأحمد مصطفي نوارة ( فار ) وطلعت محمد ياسين ( فار ) وطلعت فؤاد قاسم( فار )
- الحكم بإعدام الثامن شريف حسن أحمد (حضوريا)
- الحكم بالأشغال الشقة المؤبدة ( 25 سنة) للمتهم شعبان رجب محمد ( حضوريا)
- الحكم بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة لعشرة هم : هشام حسن مرسي وهاني يسري الشاذلي ومحمد سعد عيسي وناصر أحمد دكروري وأشرف أحمد البدري وإبراهيم طه عبد الرسول ( فار ) وحسن السيد حامد (فار ) وعيسي بسيوني دحروج وأبو بكر إبراهيم ( سوداني الجنسية) ( فار ) وجمال محمد عثمان .
- الحكم بالأشغال الشاقة عشر سنوات لثلاثة هم : علاء حامد محمد وفايز سعيد عبد الراضي ومحمد عباس سليمان ( حضوريا)
- الحكم ببراءة ثلاثة هم : جميل محمد صادق وخلاف محمود عبد السميع وأسامة حسن أحمد ( فار)
- وجاء في الحكم " إن المتهمين جميعا انضموا إلى جماعة تولي المتهمون من الأول إلى الثامن القيادة فيها والغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور وتكفي الحاكم وإباحة الخروج عليه واغتيال المسئولين عن الحكم وكان الإرهاب من الوسائل التي تستخدم في تحقيق الأغراض التي تدعو إليها الجماعة بحيازة كميات من المواد المتفجرة ووسائل تفجيرها وحيازة الأسلحة النارية والذخائر ورصد الشخصيات المطلوب اغتيالها واستئجار الكثير من المساكن واستخدام جوازات سفر مزورة وكان ذلك يهدف إلى الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع المصري وأمنه للخطر وإيذاء الأشخاص وتعريض حياتهم للخطر .
- وشارك المتهمون في اتفاق جنائي حرض وتداخل في إدارة حركته المتهمون من الأول إلى الثامن والغرض منه ارتكاب جنايات القتل العمد وحيازة مفرقعات وأسلحة نارية وذخائر من دون ترخيص بقصد استعمالها في نشاط يخل بالنظام العام والتزوير في المحررات الرسمية واتحدت إرادتهم على ذلك ووزعوا الأدوار لإعداد المواد المتفجرة وأدوات تفجيرها والأسلحة النارية والذخائر في " آب ( أغسطس) الماضي وشهدت قاعة المحكمة توترا شديدا وردد المحكوم عليهم هتافات ضد النظام وتوعدوا المسئولين بالقتل وحاولوا الاعتداء على جال الشرطة الذين بذلوا جهودا للسيطرة على الموقف وترحيل المتهمين إلى السجن لقضاء العقوبة .

ملحق رقم ( 5)

وجهة نظر الدفاع عن العائدين من أفغانستان

وجهة نظر الدفاع عن العائدين من أفغانستان في القضية رقم 24 / 92 عسكرية عليا

لقاء مع الدكتور عبد الحليم مندور المحامي

قضية تنظيم " العائدون من أفغانستان "

وسألنا الدكتور مندور : ما هي أسس الدفاع عن تنظيم العائدين من أفغانستان

لم تأت إحالة القضية رقم 24 – 92 عسكرية عليا من رئيس الجمهورية إلى القضاء العسكري من فراغ إنما كانت ثمرة عوامل تضافرت ومناخ أمني وإعلامي توافر لإقناع رئيس الجمهورية بضرورة محاكمة هؤلاء الناس بهذه الصورة والصورة التي صورت لرئيس الجمهورية من الجهات الأمنية والإعلام بأن هؤلاء الشباب المسلمين المتدينين الملتزمين الواعين الناجحين الوطنيين هم شرذمة من المنحرفين فكريا

وأن فكرهم المنحرف هذا يدعو إلى تكفير الحاكم وتقويض نظام الحكم وإحلال نظام الخلافة وتغيير نظام الدستور في الدولة بالقوة هذا واحد من الأضلاع الأربعة التي يتكون منها المناخ العام وأصبح مهيئا لإحالة هذه القضايا إلى المحكمة العسكرية والتي أدت إلى تطور الصدام بين الأمن وبين الجماعات الإسلامية إلى مرحلة حرب معلنة.

والضلع الثاني الزعم بأن هؤلاء الشباب ليسوا فقط منحرفين فكريا وإنما منحرفين سلوكيا بمعني أن الحوار لا يجدي معهم وأنه يجب التعامل معهم بالسلاح من هذا المنطلق اندفعت قوات الأمن إلى أعمال أمنة خرقوا بها كل القواعد القانونية وسلكوا بها مسالك ما كانت يمكن أن تحدث في مصر فمثلا هاجموا قرية مثل قرية كحك عام 1990 وقتلوا حوالي 28 شابا أيامها ووصف الإعلام هؤلاء الشباب كذبا بالعقوق لآبائهم تشويها لصورتهم كما زعموا أنهم يهددون أهل القرية الصغيرة .

في هذا اليوم خسر كل بيت من بيوت القرية قتيلا فالقرية لا يتعدي عدد بيوتها عن 15 بيتا فكان رد الفعل من أهالي القرية أن أصبح في أعناقهم دم وثأر فثأر أهالي القرة من الضابط الذي قام بهذه الحملة وقتلوه وهم المقدم أحمد علاء ، لقد أعتم الإعلام هذا الجانب ولم يقولوا ماذا فعلوا في قرية كحك لكن حينما مات المقدم أحمد علاء بدأت تصور ما حدث على أنه إرهاب مع أنه ثأر ..

ومن حوالي سنتين أشاعت وسائل الإعلام أن فتنة طائفية وقعت في مدينة المنيا وفي أبي قرقاص وملوي وأن الجماعات الإسلامية أحرقت كنيسة وقتلت العديد من المسيحيين وظل الإعلام يردد هذه النغمة شهورا طويلة وعندما أحيلت هذه الوقائع إلى النيابة ثبت كذب كل هذا الكلام ولم يقدم شاب واحد للمحاكمة في هذه الأحداث .

في أحداث عين شمس هاجموا الشباب المسلم مثلما فعلوا في إمبابة ووضعوا المتاريس وأغلقوا الشوارع واتهموا هؤلاء الشباب بأنهم متطرفون ويقاومون الحكومة بالسلاح والمدافع وقدم هؤلاء المتهمون للمحاكمة في ثلاث قضايا جنائية وقضي في القضايا الثلاث بالبراءة .

وقال الحكم بصريح عباراته :" إن الذي أتي بالمفرقعات والقنابل والأسلحة هم رجال الشرطة أنفسهم وأدانهم الحكم .

وأيضا في أحداث الفيوم توجه الدكتور " عمر عبد الرحمن " لأداء صلاة الجمعة في مسجد من مساجد الفيوم فتجمع الناس لسماع خطبته فجردوا حملة على هذا المسجد وقبضوا على جميع المصلين وأطلقوا عليهم الأعيرة النارية وغازات سامة واتهموا البعض بإلقاء مفرقعات على مسرحية " أصل وخمسة"

واتهموا آخرين بأنهم وزعوا منشورات تحض على كراهية النظام وقلب نظام الحكم وقدما هذه القضايا الثلاث جنايات إلى محكمة أمن الدولة العليا التي قضت بالبراءة على جميع المتهمين في التهم المسندة إليهم وقال الحكم " إن البوليس هو الذي أصاب المأمور بإطلاق الأعيرة النارية عشوائيا ".

والضلع الثالث في هذا المناخ العام الزعم بأن هؤلاء الشباب يعملون على إثارة الفتنة الطائفية واستندوا في ذلك على أحداث المنيا وأبي قرقاص وملوي وتم التحقيق في هذه الأحداث وثبت بأنه لم يقع من أى مسلم أى اعتداء على أى مسيحي وثبت عدم وجود قضية بالمرة بالإضافة إلى كذب أى ادعاء بقيام فتنة طائفية هذا لا يعني أنه لا يوجد مشاجرة بين مسلم ومسيحي فجناية مثل التي وقعت في ديروط حدثت بالفعل لكن لم تكن فتنة طائفية و تتلخص في أن أسرتين إحداهما مسلمة وأخري مسيحية اعتادت كل منهما حمل السلاح وكان الخلاف بينهما بعيدا نهائيا عن العقيدة الدينية سواء المسيحية أو الإسلامية .

وصرح وزير الداخلية أن أحداث ديروط خارج النطاق الأمني وأن الأسرتين تبادلتا الاعتداء على بعضهما بالسلاح فقتل عدد من هنا وعدد آخر من هناك.

لكن السؤال هل هذا الحدث عمل تنظيمي من أعمال الجماعة الإسلامية ؟ وهل هذا الحدث أيضا يشكل ظاهرة الفتنة الطائفية ؟

الجواب : لا .. والدليل على هذا أنه إذا رجعنا إلى جدول جنايات أسيوط سنجد فيه نحو ثلاثة عشر ألف وستمائة جناية قتل وثأر واعتداء من مسلم على مسلم لكن لم تقع جريمة من مسلم على مسيحي أو من مسيحي على مسلم .

إن بعض الأجهزة تسئ إلى مصر بادعاء وجود فتنة طائفية بين أبناء الشعب المصري الذي لم يعرف هذه العنصرية والفرقة التي يحاول أعداؤنا وهم معروفون – إحداثها في صفوفنا لتحقيق مآربهم في المنطقة .

ونؤكد ليس هناك قضية بين الاتجاه الإسلامي وبين المسيحيين وآية ذلك أن أحداث أكتوبر عام 1981 لتي وقعت في أسيوط والتي بها كثافة مسيحية مرتفعة حينما وقعت المصادمات في مديرية الأمن وقتل 113 ما بين ضابط وجندي وفي هذه الأحداث قتل رجل مسحي اسمه " المنقبادي " حاول البعض إلصاق التهمة بالاتجاه الإسلامي ثم ثبت من التحقيقات أنهم ليسوا قتلة " المنقبادي " بل قتل قبل وقوع الأحداث وعلى أيدي مسيحية وزعموا أيضا أن الجماعات الإسلامية في أحداث ديروط هي التي قتلت " سمير بشارة"

طبيب مسحي وأثاروا ضجة إعلامية كبيرة ثم ثبت بعد ذلك أن القتلة مسيحيون ولمسائل أخلاقية ونشر هذا الخبر أعلنوه في ثلاثة أسطر بجريدة الأخبار بصفحة داخلية ومكان منزو لا يلمحه القارئ أى قتلوا الخبر بلغة الصحافة كل هذا يؤكد أنه ليس هناك قضية بين الإسلاميين والمسيحيين.

والضلع الرابع في المناخ العام هو موضوع " العائدون من أفغانستان" حين يتوهم الأمن أن هؤلاء الإسلاميين العائدين من أفغانستان سافروا إلى الخارج ليتدربوا على السلاح ويعودوا ليقوموا بأعمال تخريبية وقتل الشخصيات العامة وتخريب المباني الحكومية ربما تنقل هذه الأوهام إلى الأمن مخابرات أميركية أو صهيونية والحقيقة أن هؤلاء الشباب ذهبوا إلى أفغانستان بوازع من ضمائرهم كمسلمين ومواطنين مصريين وبتشجيع من الدولة نفسها على الجهاد في أفغانستان وبطبيعة الأمر لابد وأن يتلقوا تدريبات عسكرية على الأسلحة المختلفة .

وتصورت الجهات الأمنية في مصر أن العائد منهم قنبلة موقوتة للانفجار في وقت من الأوقات وأنه لا محالة سيقوم بأعمال عدائية ضد النظام فبدأوا من يونيو 1992 القبض عليهم حتى قدموا للمحاكمة في 5 أغسطس من نفس العام.

وصورت الجهات الأمنية في الاتهام أن هؤلاء المتهمين تلقوا تدريبا راقية على الأسلحة المختلفة في أفغانستان واتفقوا هناك مع قيادات الجماعة الإسلامية الموجودة في الخارج والذين سبق تقديمهم للمحاكمة وحكم عليهم أو مع الذين لم تصدر ضدهم أحكام على القيام بأعمال مناهضة لنظام الحكم ..

ومضمون الاتهام في هذه القضية أن شعبان المتهم الأول في القضية بعد السبعة الغائبين في الخارج التقي هناك في أفغانستان بمن يدعي بأبي ياسر ( رفاعة أحمد طه ) واتفق معه على أن يتوجه إلى السودان ليلتقي بمن دعي بأبي حازم ( مصطفي حمزه ) وهو معروف من قيادات الجماعة الإسلامية

وهناك في السودان سيتلقي تعليمات معينة ينفذها في مصر وفعلا التقي بمصطفي حمزة وأخبره أنه سيرسل له بعض الإخوة العائدين من أفغانستان لتكوين مجموعة منهم لقتل وزير الداخلية في حالة الحكم بإعدام المتهمين في قضية المحجوب .

وحقيقة الأمر أن شعبان هذا ليس من الجماعة الإسلامية على الإطلاق فهو مجرد رجل مكافح سافر للجهاد في أفغانستان والتقي هناك بمصريين عاش معهم وجاهد معهم إلى أن سقطت " كابول" واستقر الأمر إلى المجاهدين وحين قرر العودة إلى مصر نصحه زملاؤه بالعودة عن طريق السودان ثم ليبيا فمصر لأن قوات الأمن في مصر تترصد العائدين من أفغانستان ..

وفعلا سلك شعبان هذا الطريق حتى قبضوا عله في منفذ ليبيا وجعلوا منه وسيلة للتأليف حتى يتم ذبح هؤلاء العائدين من أفغانستان .

أحال رئيس الجمهورية هذه القضية إلى القضاء العسكرية فأدنا أن نسجل على هذا القضاء أمام الرأي العام أنه كان مذبحة ولم يكن قضاء فجعلنا ندفع الدفوع القانونية ودفعنا ببطلان قرار رئيس الجمهورية .

والحكم رقم (2) يقول :" إن هذا القرار خالف الدستور الذي ينص على وقوف المتهم أمام قاضيه الطبيعي وليس القاضي العسكري .

والحكم رقم (3) يقول :" إن هذا القرار خالف القانون 105 بإنشاء محاكم أن الدولة لأن القانون 105 نص على أن محاكم أمن الدولة تختص وحدها دون غيرها بنظر الجرائم المتهم فيها هؤلاء الشباب وأنه خالف قانون الإجراءات الجنائية وخالف قانون الإرهاب الذي نص على أن تختص محاكم أمن الدولة في دائرة القاهرة بهذه الجرائم فضلا عن أن هذا النشاط لم يقع منه جرم والإنسان لا يعاقب إلا على جريمة قد ارتكبها ولا يعاقب على كونه فكر .

ومع ذلك رفض القضاء العسكري جميع الدفوع ورفض تحقيق الدعوة كما رفض سماع شهود النفي ورفض المرافعة يكفي أنني كنت أترافع في يوم سمع فيه حوالي 16 محاميا في أقل من ساعتين في قضية خطيرة كهذه وصدر الحكم الخطير في هذه القضية هل هذه قضية قانونا ...!؟

ونسأل الدكتور مندور : ماذا تم بالنسبة للقرار الإداري ؟

• قدمنا عريضة دعوة قبل صدور الحكم أمام القضاء الإداري طالبنا فيها بإلغاء قرار رئيس الجمهورية لما شابه من مخالفات دستوري وقانونية وصدقت محكمة القرار الإداري على رأينا وحكمت لصالحنا بوقف التنفيذ ورغم أن هذا الحكم ليس حكم إلغاء يستغرق سنين فإن هذا الحكم له قوة قضاء الإلغاء إلى أن يلغي .

كم عدد المتهمين في هذه القضية ؟

• 16 متهما حاضرين و23 متهما في الخارج.

ما هي جريتهم الفعلية ؟

• التهمة الموجهة إليهم كالآتي :- اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه تغيير دستور الدولة وارتكاب جرائم تخل بأمن الدولة .. أى أنهم اتفقوا لكن لم ينفذوا أى شئ المباحث تقول أنهم اتفقوا في الخارج على تنفيذ هذه الجرائم ما الدليل على هذا ؟

• يقال المرشد السري أبلغنا هذا !! من اليسير اصطناع مثل هذا ومن العسير إثباته والقضية ليست قانونية وليست هناك جريمة ارتكبها أحد ولا يوجد حد جنائي .

• مجرد كلام وظنون تعيش في الذهن .. انتهي دفاع الدكتور عبد الحليم مندور وهذه هي حكايتي مع العائدين من أفغانستان مالهم وما عليهم .