هذا الجنيه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هذا الجنيه

بقلم / الإمام حسن البنا

"أتعهد بأن أدفع عند الطلب مبلغ جنيه واحد مصرى لحامل هذا السند، أصدر بمقتضى المرسوم العالى المؤرخ فى 25 يونيه سنة 1898"

هذا الجنيه سند على البنك الأهلى يتعهد البنك بمقتضاه بدفع قيمته لحامله عند الطلب، والتصريح للبنك بهذا الامتياز، وهو بنك غير مصرى خالص المصرية، احتلال اقتصادى أشد وطأة وأبعد أثرا من الاحتلال العسكرى الذى نلح ونشدد، ونطالب بكل قوة بان يرتفع كابوسه الثقيل عن كاهل البلاد، وإذا كانت ظروفنا فى سنة 1898 التى منح فيها البنك هذا الامتياز تضطرنا إلى ذلك، فما الذى يجعلنا نرضى بهذا الوضع والمخجل ونستمر عليه، وقد مضت ستون سنة تقريبا؟

هذه واحدة وليست على فظاعتها شيئا مذكورا إذا قيست بما بعدها:

وذلك أن قانون إصدار الأوراق المالية يحتم على البنك أن يكون لديه وفى خزائنه رصيد من الذهب يوازى نصف ما يصدر من أرواق على الأقل، فإذا أصدر البنك أرواقا بمليون من الجنيهات وجب أن يكون فى خزانته نصف مليون جنيه من الذهب وإلا كان مخالفا للقانون، ونتج عن تصرفه هذا تضخم مالى ونقصت قيمة أوراقه العملية بقدر نقص هذا الرصيد. فهل راعى البنك الأهلى هذه القاعدة؟

قالوا: إنه صدر فى يونيه سنة 1916 قرار من وزارة المالية المصرية بغير توقيع يتيح للبنك أن يصدر أوراقا بغير نظر إلى قيمة الرصيد نظرا لظروف الحرب القائمة حينذاك، وانتهز البنك هذه الفرصة فأصدر ما شاء من الأوراق المالية، وانتهت الحرب ومضى على نهايتها ربع قرن، وما زالت الرخصة قائمة، ولا ندرى لماذا وقد زالت كل الضرورات، وكان عجبا أن تظل وزارت المالية المتعاقبة تغط قى نوم عميق،

ولا تسحب هذه الرخصة الفريدة من يد البنك حتى تجىء الحرب الثانية، فيعتمد عليها من جديد ويصدر الأوراق المالية بغير حساب؛ لتشترى بها القوات البريطانية فى مصر ما تشاء من أقواتنا وأرزاقنا وملابسنا، وتستخدم ما تريد من مرافقنا، وكل ذلك بغير رصيد ذهبى، حتى بلغ ما أصدره البنك أكثر من مائة وثلاثين مليونا من الجنيهات يقابلها ستة ملايين فقط من الذهب، والباقى بضمانة الخزانة البريطانية.

ومعنى هذا أن هذا الجنيه المصرى الذى فى يدى ويدك -أيها المواطن العزيز- صار لا يساوى فى حقيقة الأمر أكثر من 19 تسعة عشر قرشا، ونزلت قيمته الشرائية إلى الخمس فقط فهو ريال لا جنيه، وصار الموظف الذى يتقاضى عشرة جنيهات إنما يعمل فى الحقيقة بجنيهين فقط، والذى يتقاضى خمسين جنيهات إنما يعمل بعشرة فقط، وصارت السائمة التى كانت تشترى بجنيه فى الماضى لابد أن تشترى الآن بخمسة جنيهات، والتى كانت تشترى بريال واحد لابد أن تشترى الآن بجنيه، ويبحثون عن سر غلاء المعيشة وعن علاج هذا الغلاء، وكيف يكون؟

ويغالطون أنفسهم، ويغالطون الناس ويفر الجميع، ويهربون من الحقيقة لأن الخصم الحقيقى فيها البنك الأهلى أولا، والخزانة البريطانية ثانيا، والأرصدة الإسترلينية وارتباط مصر بكتلة الإسترلينى، ومع هذا يقول المستر بيفن: إن بريطانيا فعلت ما لم تفعله دولة من الدول للرقى بهذه البلاد، وإنما تعمل دائبة على رفع مستوى المعيشة فيها والترفيه عن أهلها، وأنها لا تفكر أبدا أبدا فى استغلالها وأن هذا القول من الهراء.

لمستر بيفن أن يقول هذا، وللمستر تشرشل أن يتغنى بالعمل العظيم الذى قامت به بريطانيا فى هذه البلاد منذ ستين سنة، ولغيرهما من الإنجليز أن يدعى ما يشاء، ولكن ليس علينا نحن المصريين أن نصدق شيئا عن هذا، بل واجبنا أن نفتح أعيننا على الحقائق، وأن ندفع عن أنفسنا هذا الخراب المحيط بعزيمة ومضاء، وأن نفقه الأمور على أوضاعها الصحيحة

إن على الحكومة المصرية واجبا ثقيلا فى هذا الشأن، وفى يدها سلاح ماض فتاك تستطيع أن تفهم به بريطانيا الفرق الواضح بين الصداقة والعداء، وهو مع هذا حق قانونى لها لا ينازعها فيه منازع لو وجدت فى نفسها الشجاعة والوطنية التى تدفعها إلى العمل النافع المفيد.

تستطيع الحكومة المصرية أن تعلن خروجها على قاعدة الإسترلينى، وانفصالها عن كتلته، وتؤسس حالا بنك الدولة ليحل محل البنك الأهلى، وتجمع الرصيد من الذهب بقرض أو دين على الخزانة المصرية، وترفع قضية عاجلة على بريطانيا فى محكمة العدل الدولية؛ تطالبها برصيدنا الذهبى، وبسداد دينها البالغ قدره خمسمائة مليون من الجنيهات تقريبا فى أسرع وقت.

فإذا لم تفعل أية حكومة مصرية هذا فقد أثمت فى حق الوطن، وتنكب أفضل الطرق لمحاربة الجهل والفقر والمرض، وعلى الأمة أن تعمل عملا سريعا حاسما للجلاء الاقتصادى وللقضاء على الاحتلال الذى هو أشد وأنكى من كل احتلال.

﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾[النساء: 5].


المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (149)، السنة الأولى، 2ذو الحجة 1365/ 27أكتوبر 1946