هاشم الرفاعي
• توطئة
ـ لقد أخرجت الحركة الإسلامية في العصر الحديث عددًا كبيرًا من الشعراء الأفذاذ الذين حملوا على عاتقهم همَّ الدعوة لإحياء أمة الإسلام وعودة المجد السليب.
ولقد شهد لهم الجميع- من نقاد وأدباء وشعراء- بشاعرية كبيرة تفوق أمثالهم، استطاعوا من خلالها الدعوة إلى مبادئ الإسلام وعظمته، وحثِّ المسلمين على البذل من أجل نهضة الإسلام.
وكان من هؤلاء الشعراء شاعرٌ فذٌ عظيمٌ، وهو شهيد الشباب وعاشق الحرية هاشم الرفاعي الذي لم يمهله القدر الوقت الكافي؛ ليبدي لنا كل ما عنده، فجاءت وفاته وهو دون الخامسة والعشرين، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يقدم لنا روائع شعرية أنبأت عن قلب شاعر مرهف الحس، مالكٍ لأدوات فنه، مخلصٍ لدينه ولأمته، حتى قال عنه بعضهم: "لو عاش هاشم الرفاعي إلى سن الثلاثين لكان أشعر أهل زمانه".
• المولد والنشأة
في قرية "إنشاص الرمل" في محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية كان مولده في منتصف مارس عام 1935م. وهو "السيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي"، ينتهي نسبه إلى الإمام أبي العباس أحمد الرفاعي الكبير- مؤسس الطريقة الرفاعية، ووالده هو الشيخ "جامع الرفاعي"، ورث ريادة الطريقة عن أبيه عن جده، وكان شاعرًا متصوفًا، وقد تُوفي عام 1943م، وكان الشاعر في الرابعة عشرة من عمره، وقد اشتهر الشاعر باسم جده- هاشم الرفاعي- تيمنًا به، فقد كان أحد العلماء الفضلاء من أعلام التصوف السني.
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة في مكتب الشيخ "محمد عثمان"، ثم التحق الشاعر في صباه بالتعليم المدرسي، ولكنه تركه وهو على أبواب الشهادة الابتدائية "نظام قديم"، ثم التحق عام 1947 بمعهد الزقازيق الديني، وقد أمضى به الشاعر تسع سنوات كاملة من عام 1947 إلى عام 1956م.
ثم التحق الشاعر بكلية دار العلوم، ولكنه لم يتم الدراسة بها، حيث تُوفي قبل التخرج، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين، وسط ذهول من أهل قريته وأهله وكل من عرفوه.
• هاشم الرفاعي.. وأغراض شعره
بالرغم من حداثة سن الشاعر "هاشم الرفاعي"، وبالرغم من أن حياته الشعرية لم تزد على العشر سنوات إلا أن تنوعًا كبيرًا في أغراضه الشعرية يُوحي بموهبة شعرية غير عادية، فالمتصفح لديوان "هاشم الرفاعي" يجد نفسه أمام ألوان مختلفة من الشعر ما بين المديح والرثاء والوصف والشعر الحماسي وأشعار المناسبات....إلخ.
ويمكننا أن نتناول بعضًا من هذه الأغراض من خلال بعض النماذج الشعرية من شعر هاشم الرفاعي:
- كانت بداية الشاعر مع الشعر الحماسي حيث نجده في أول قصيدة كتبها- وهي قصيدة "فلسطين"- والتي علق عليها قائلاً (باكورة الشعر) يحمِّس فيها الشباب للجهاد فيقول:
آن الجهاد فأقدم أيها البطل
- وامسك حسامك واطعن قلب صهيونا
جاءوا يريدون تقسيمًا فقل لهم
- والسيف يسطرهم- لن نقبل الهونا
* مصر الجريحة
ومن شعره الوطني قصيدة كتبها عام 1951، وهي قصيدة (مصر الجريحة) فنجده يشبه مصر بالحسناء التي أنهكها الأنين يفيض قلبها أسىً، وتذرف عيناها الدموع، تندب مجدها الضائع وعزتها المهدرة، ويشير فيها إلى حركة "الإخوان المسلمين" وما تحمَّلوه من عذاب في هذه الفترة العصيبة.
يقول فيها:
ما راعني في الليل إلا أن أرى
- شبحًا بأثواب الدجى يتلفَّع
يمشي الهويني شاكيًا فكأنه
- صبٌ بساعات الرحيل يودع
فدنوت منه محاذرًا فإذا به
- حسناء أنهكها الأنين الموجع
فهتفت ما بال الفتاة أرى لها
- قلبًا يفيض أسىً وعينًا تدفع
من أنت يا فتاة؟ قالت يا فتى
- إني أنا مصر التي تتوجـع
أبكي على مجدي وأندب عزتي
- هذان فقدْهُما مصاب مجذع
إلى قوله:
ناديتها: نفسي فداؤك لا البكا
- يجدي ولا طول التفجع ينفع
إن كان ساءك أن أرضك قد غدت
- مرعىً به ذئب الغواية يرتـع
فهنا جند قام يسعى جاهدًا
- في الدين يقتلع الفساد وينزع
لله در القوم إن نفوسهم
- لتشع بالحق اليقـين وتنبـع
فتحملوا ألم الأذى ببسالة
- وأمضهم كأس العذاب المنزع
ففتى العقيدة مثخن بجراحه
- والشيخ يضرب بالسياط ويقرع
* مناسبات
ولم يكن الشاعر يترك مناسبة إلا ويكون له فيها شعر، نجده مثلاً في الاحتفال بذكرى ميلاد الرسول- صلى الله عليه وسلم- يلقي قصيدة بعنوان (الذكرى العطرة) عام 1951م يقول فيها:
حتى أضاءت بمولود لآمنة
- أرجاء مكة وانجابت دياجيها
ومن تتبع تاريخ الهدى رأى
- فيه الجلالة في أسمى معانيها
ففي البطولة يلقى ما يمجدها
- وفي الرجولة يلقى ما يزكيها
لما أتوا كعبةً بالبيت واجتمعوا
- كي يودعوا الحجر الأزكى مبانيها
وأوشكت أن تقوم الحرب بينهم
- والويل للقوم إن هبت سوافيها
فأرسل الله حقنًا للدماء فتىً
- أنعم بحكمته إذ كان يبديها!!!
فما مضى عنه فرد كان مكتئبًا
- إلا مضى مطمئن النفس راضيها
كما نجده يبدأ قصيدته (عيد الهجرة) 1952م بقوله:
عيد على الوادي أتى مختالاً
- يحكي الربيع بشاشة وجمالا
هو يوم ذكرى من بصادق عزمهم
- قهروا فسادًا في الورى وضلالا
إنا لنذكر "بالمحرم" فتيةً
- بكفاحهم ضربوا لنا الأمثالا
خرجو "ليثرب" هاربين بدينهم
- قد فارقوا أصحابهم والآلا
ولنصرة الحق الذي طلعوا به
- بذلوا النفوس وقدموا الآجالا
* ديوان جراح مصر
يحتوي على عشر قصائد وفيها تصوير دقيق للمأساة التي عاشها الشاعر وعاشتها جموع المطالبين بحرية التعبير عن الرأي في الفترة ما بين عامي 1954 - 1957 فجاءت هذه القصائد تحت ضغط نفسي وعصبي رهيبين أقفلا كاهل الشاعر، فأخرج أروع ما لديه، وكانت هذه القصائد هي: مصر بين احتلالَيْه- جلاد الكنانة- في الربيع- زفرة- جمال يعود من باندونج مع الثورة في ربقة القيد- سقوط ركن من أركان الطغيان- ذكريات عام ضائع- جمال ... رئيس الجمهورية- نواب الأمة)
- حول قيود اللغة العربية:
عندما دعا "يوسف السباعي" إلى استخدام العامية- بادعاء أن اللغة العربية بها قيود تحول بين الأديب والتعبير- قدم لنا الشاعر قصيدة يدافع فيها عن اللغة العربية بعنوان "حول قيود اللغة العربية" يقول فيها:
أشعلت حربًا لم تضع أوزارها
- تركت بكل صحيفة آثارها
وحملة حملتك الجريئة فانبرت
- أقلام من خاضوا وراءك نارها
ورميت أخت الضاد منك بطعنة
- كادت تدك قويةً أسوارها
مجبًا؟ أتحيون التراث بقتلها
- وترمون بهدمها منهارها
ورأيت قومًا يرهقون عيوبها
- طلبًا وراحوا يطمسون نضارها
إلى أن يقول:
رفقًا بعابرة القرون ورحمة
- أتريد منها أن تفارق دارها
إني أعيذك أن تكون- إذا قضت
- يومًا وواراها الثرى- جزارها
* رماد الفضيلة
ـ يدعو الشاعر إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق ويحارب الفساد، فنجده يخاطب فتيات الجامعة- اللاتي خرجن عن الأعراف الإسلامية- فيقول في قصيدته (رماد الفضيلة) عام 1957:
لا تمدي لصيده أحبولة
- من تثنٍّ ومقلة مكحولة
إنه ههنا أخ وزميل
- أنت أخت له وأنت زميلة
نحن في منهل للعلوم ولسنا
- في مباراة فتنة مصقولة
فعلام الشفاه ترمي بنار
- خلفت تحتها رماد الفضيلة
- وينتقد الشباب المستهتر فيقول:
وفتاك الذي جلست إليه
- جلسات قصيرة وطويلة
تافه في الشباب حين نراه
- لا ندري فيه ذرة من رجولة
من يظن المجون خفة ظل
- فهو يبدي خلاعة مرذولة
يطلق النكتة السخيفة من
- فيه ويزجي العبارة المعسولة
* أغنية أم
- يذكِّر الشاعر بمحنة الأحرار والإسلاميين في كل مكان في قصيدة بعنوان (أغنية أم) مارس 1959، متبعًا فيها أسلوب التورية الذي كان يلجأ إليه أحيانًا، يقول فيها على لسان من فقدت زوجها، تهدهد صغيرها، وترضعه وصية لها مشوبة بآلام مع ابنها، فيقول:
نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجاء
- من مقلة سهرت لآلام تثور مع المساء
فأصوغها لحنًا مقاطعه تأجج في الدماء
- أشدوا بأغنيتي الحزينة، ثم يغلبني البكاء
وأمد كفي للسماء لاستحث خطى السماء
- نم لا تشاركني المرارة والمحن
فلسوف أرضعك الجراح مع اللبن
- حتى أنال على يديك من وهبت لها الحياة
يا من رأى الدنيا ولكن لن يرى فيها أباه
هاشم الرفاعي... وبعض ما قيل عن شعره
- في 27 أكتوبر عام 1959م أقام المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية حفل تأبين بجامعة القاهرة، وقدم للحفل السيد/ يوسف السباعي بقوله:
"سمعته ينشد شعره مرة واحدة، فأخذت به وأحسست أن الله منحنا موهبة فذة، ولم أشك في أن صوته سيرتفع بيننا في كل حفل، ولكن القدر أبى إلا أن يكون هو نفسه موضوع الحديث في هذا الحفل، وأبى علينا إلا أن نسمع عنه ولا نسمعه، وألا يعلو بيننا صوته إلا صدىً وذكريات".
* وفي كلمته قال الأستاذ /كمال الدين حسين- وزير التربية والتعليم ورئيس المجلس-:
"إن صورة "هاشم الرفاعي" باقية هنا... وقصته باقية في كل مكان وفي كل أرض وفي كل نفس؛ لأنها قصة الشاب المؤمن بدينه وعروبته ووطنه المنطلق في إخلاص يرسل النغم، ولأنها قصة الشاب الذي يرتل الأناشيد في حب الوطن والعقيدة".
ثم يقول:
"ستبقى قصة "هاشم الرفاعي"، وستبقى روحه تدفع الشباب إلى الفداء والبذل مترسمين خطى جريئة شجاعة مؤمنة....".
وقال الشاعر شفيق جبري- من سوريا- في رثائه لهاشم الرفاعي
يا زهرة لو أجهلت
- ملأت نوافحها الرجاب
لهفي عليك يطول
- على الحمى منك الغياب؟
لم أنس شعرًا في دمشق
- كأنه الصدق اللباب
فيه الفتوة والرجولة
- والدعاء إلى الوثاب
إيمانه ملء القلوب
- وصدقه ملء العباب
* وقال الشاعر الكبير "علي الجندي"- عميد كلية دار العلوم- عن هاشم الرفاعي:
لهف نفسي على الصبا المنضور
- لغة الغدر في ظلام القبور
لهف نفسي على القريض المصفى
- صوحت زهرة عوادي الشرور
بالمكنى في شعره بابن أوس
- والمسمى بالبحتري الصغير
ولدي هاشم وما كنت إلا
- ولدي في وفائك المأثور
جدك السبط وهو أكرم سبط
- لقي الله بالنجيع الطهور
لم يحصنه من كلاب الأعادي
- أنه بضعة بضيعة البشير النذير
فمثل الرضوان في الخلد وأنعم
- بين ولدانها وبين الحور
* وقال د/ أحمد هيكل- أستاذ الشعر ووزير الثقافة الأسبق- عن هاشم الرفاعي:
فقده جل أن يكون مصابًا فلقد كان محنة وعذابا
فلقد كان فرحة تفهم "الدار" رجاءً وبهجةً وشبابا
ولقد كان للعروبة نايًا يتغنى بمجدها خلابا
ولقد كان وهو مثل بنينا إن شدا بزنًا فنحني الرقابا
- وقال عنه الأستاذ/ ذكي المهندس- عميد كلية دار العلوم الأسبق، وعضو مجمع اللغة العربية الأسبق-:
"لو عاش هاشم الرفاعي إلى سن الثلاثين لكان أشعر أهل زمانه".
• قصائد مختارة:
1- الشعر والحياة (1959)
ألوان الحياة النابضة في الريف، تصورها هذه القصيدة الطويلة التي التزم فيها الشاعر قافية حصية، أسلس له قيادها ليدحض بها دعوى القائلين: إن الشعر في بنائه العمودي يحول دون حرية التعبير ودقة التصوير.
(القصيدة) الشعر والحياة
في ربوع ظلالها فتانة
- يبسط السحر فوقها ألوانه
صادح الطير في رباها تُغني
- وشدا للخميلة الفينانة
وجرى الماء بالحياة نماء
- طرز العشب والندى غدرانه
ونسيم مؤرج قد تهادى
- في مجون يُداعب السنديانة
بين تلك الربا وهذي المغاني
- والرؤى والمفاتن العريانة
قد عرفت الوجود طفلاً بريئًا
- حظه منه أن يمص بنانه
ورأيت الدنا بعيني صبي
- لم يكن بعد حاملاً أحزانه
يتبع الرفقة الصغار للهو
- قد أعدوا في بيدر ميدانه
ويجدُّون في اصطياد فراش
- طاف بالحق مسرعًا طيرانه
أيها الهاتفون بالشعر حرًا
- ولكم دعوة به طنانة
قد أتيتم له بنهج غريب
- يعرض اليوم بينكم سلطانه
وهجرتم توافه المتنبي
- وأبنتم بعلمكم نقانه
وتشدقتم بزخرف قول
- عن مفاهيم نمقتها الرطانة
ثم قلتم من الحياة كلامًا
- ومن الواقع استمد كيانه
ليس شعرًا وإنما هو شيء
- فوقه الشعر رتبة ومكانة
ذهبت عنه روعة للحون
- يرهف الدهر عندها آذانه
وخلا من أصالة وجلال
- بهما أظهر الزمان افتتانه
إنه أبصر الحياة سقيمًا
- حاملاً في يمينه أكفانه
أيعيش الوليد والداء يمشي
- بين جنبيه ناشرًا سرطانه
إنما الشعر ما تدفق عذبًا
- في بناءٍ فأحكموا بنيانه
أسمعونا إذا استطعتم قريضًا
- لا خيالاتٍ جالس في حانة
فإذا شقت القيود عليكم
- فدعوه لمن يصوغ جماله
إنني ما رأيت في الروض يومًا
- ما غرابًا مزاحمًا كروانة
أمن الفنِّ أن يُساق كلام
- ساذج باسم نهضة شيطانة؟
طالعوا النور في تراث القدامى
- وانظروا كيف أبدعوا تيجانه
سجلوا الواقع المراد ولكن
- جعلوا الفنَّ عاليًا ترجمانه
رسموا صورة الحياة لديهم
- في جلاء بريشة فنانه
لا أُنادي بأن تحاكوا زهيرًا
- فيه أو تقلدوا حسانه
راح عهد الوقوف بالطلل الباكي
- فلا تذكروا به سكانه
جددوا ما استطعمتوا في المعاني
- وقفوا لا تحطموا أوزانه
ليست الفكرة الجديدة تأبى
- عرضها في جزالة ورصانة
ألبسوها من القوافي خلودًا
- ومن الوزن قوة ومتانة
لا تحيطوا تراثنا بلهيب
- في غد تكره العيون دخانه
كل نهج أتى ليستر عجزًا
- نقيه ونزدري بهتانه
رب إني على القديم مقيم
- وأعد الخلاص منه خيانة
2- شباب الإسلام
ـ ألقاها الشاعر في فبراير 1959م في ندوة بجمعية الشبان المسلمين لمناقشة انحراف الشباب، يسطر فيها أمجاد أمة الإسلام، ومفاخر الأفذاذ الأوائل، ويدعو الشباب للعودة إلى تاريخ السابقين؛ من أجل إعادة بناء المجتمع المسلم القوي المتحضر فيقول:
(القصيدة)
ملكنا هذه الدنيا قرونا
- وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء
- فما نسي الزمان ولا نسينا
حملناها سيوفًا لامعات
- غداة الروع تأبى أن تلينا
إذا خرجت من الأغماد يومًا
- رأيت الهول والفتح المبينا
وكنا حين يرمينا أناس
- تؤدبهم أباة قادرينا
تفيض قلوبنا بالهدى بأسًا
- فما نغضي عن الظلم الجفونا
وما فتئ الزمان يدور حتى
- مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي
- وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وألم كل حر
- سؤال الدهر أين المسلمونا؟
ترى هل يرجع الماضي؟ فإني
- أذوب لذلك الماضي حنينا
بنينا حقبة في الأرض ملكًا
- يُدعمه شباب طامحونا
شباب ذللوا سُبل المعالي
- وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتًا
- كريمًا طاب في الدنيا غصونا
هم وردوا الحياض مباركاتٍ
- فسالت عندهم ماءً معينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كُماةً
- يدكون المعاقل والحصونا
وإن جنَّ المساء فلا تراهم
- من الإشفاق إلا ساجدينا
شبابٌ لم تحطمه الليالي
- ولم يسلم إلى الخصم العرينا
ولم تشهدهم الأقداح يومًا
- وقد ملأوا نواديهم مجونا
وما عرفوا الأغاني مائعاتٍ
- ولكن للعلا صيغت لحونًا
وقد دانوا بأعظمهم نضالاً
- وعلمًا، لا بأجرئهم عيونا!
فيتحدون أخلافًا عذابًا
- ويأتلفون مجتمعًا رزينا
فما عرفوا الخلاعة في بناتٍ
- ولا عرفوا التخنث في بنينا
ولم يتشدقوا بقشور علم
- ولم يتقلدوا في الملحدينا
ولم يتبجحوا في كل أمر
- خطير كي يقال مثقفونا
كذلك أخرج الإسلام قومي
- شبابًا مخلصًا حرًا أمينا
وعلمه الكرامة كيف تُبنى
- فيأبى أن يُقاد أو يهونا
دعوني من أمانٍ كاذباتٍ
- فلم أجد المنى إلا ظنونا
وهاتوا لي من الإيمان نورًا
- وقروا بين جنبي اليقينا
أمد يدي فأنتزع الرواسي
- وأبن المجد مؤتلقًا مكينا
3- رسالة في ليلة التنفيذ
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
- والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ
- زَنْزانَةٍ مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها
- وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ
- في هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ
- والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي
- في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ
- دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ
- ولم أَذُقْ إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم
- فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي أمي
- و لا وضعوه فوق خوان
كلا و لم يشهده يا أبتي
- معي أخوان جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة
- بدمي و هذه غاية الإحسان
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ
- عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها
- يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ
- وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ
- ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي
- لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً
- ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً
- لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ
- يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها
- معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً
- في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً
- ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ
- وَإِنْ هُمُو كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي
- بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى
- مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما
- غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً
- ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ
- سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ
- مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ
- شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ
- عَنْ بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ
- أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ
- سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ
- سِياطِهِمْ قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ
- وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا
- لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ
- هُبُوبُهَا بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ
- الثَّرَى أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ
- سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً
- أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي
- أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا
- مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي
- كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً
- غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا
- إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي
- يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى
- وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ
- يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً
- تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا
- سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً
- في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ
- ما صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً
- وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى
- بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً
- في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ قَدْ
- سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا
- قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى
- تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها
- أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني
- لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها
- وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً
- لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ
- بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً
- يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ
- سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي
- بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ
- بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي
- مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
- قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ
4- قف في ربوع المجد وابك الأزهرا
قف في ربوع المجد وابك الأزهرا
- واندبه روضاً للمكارم أقفرا
واكتب رثاءَكَ فيهِ نفثةُ موجَعٍ
- واجعل مدادَكَ دمعَك المتحدرا
المعهد الفرد الذي بجهاده بلغت
- بلاد الضاد أعراف الذُّرَى
سار الجميع إلى الأمام وإنه في
- موكب العلياء سار القهقرَى
لهفى على صرحٍ تهاوى ركنه
- قد كان نبعاً بالفخار تفجَّرا
من كان بهجةَ كل طرفٍ ناظرٍ
- عادت به الأطماع أشعث أغْبَرَا
ما أبقت الأيدي التي عبثت به
- من مجدِه عرضاً له أو جوهرا
لله ما أروي له في الشرق من مجد
- على الأيام واراه الثَّرَى
كم موكبٍ في مصر سار إلى العلا
- قد كان قائد ركبه المتصدِّرَا
عجباً أيدركه الأفول لدى الضحى
- من بعد ما نشر العلوم مبكرا
سل مهبط الثورات عنها إنه
- قد كان ناديها وكان المنيرا
المشعلون لنارها أبناؤه تَخِذوا
- به جنداً هناك وعسكرا
والمضرمون أوارها بلغاؤه في
- نشر روح البذل فاضوا أنهرا
من كل ذي حجرٍ لخير بلاده
- رسم المكيدة للدخيل ودبَّرَا
لا ينثني عن بعثها دمويةً
- أو يدرك النصر المبين مظفرا
سل موئل الأفذاذ من أشياخه
- عن معشرٍ كانوا به أسد الشَّرَى
العاملين لرفعة الإسلام ما منهم
- كهامٌ قد ونى أو قصَّرا
والمبتغين رضا الإله وما ابتغوا من
- حاكمٍ عرض الحياة محقرا
كانوا المنار إذا الدياجي أسدلت
- ثوب الظلام هدى الأنام ونورا
كانوا لمن ظلموا حصون عدالةٍ
- كانوا الشكيم لمن طغى وتجبَّرا
ردُّوا غواة الحاكمين، وغيرهم
- لتملق الأهواء كان مسخرا
لرضائها يبدي الحرام محللاً
- ويدك معروفاً ويبني منكرا
في وجهها وقفوا وهم عزّلٌ
- وما لبسوا سوى ثوب الهداية مغفرا
وإذا رأى منهم همام ريبةً
- ناداه داعي دينه أن يزأرا
ما قامروا بالدين في سبل الهوى
- كلا ولا تَخِذوا الشريعة متجرا
عاشوا أئمة دينهم وحماته
- لا يسمحون بأن يباع ويشترى
ثم انطوت تلك الشموس
- وإنها لأشد إيماناً وأطهر مئزرا
ولقد مضى دهرٌ ونحن مكاننا
- لا نبتغي في العلم حظاً أكبرا
إن كان مجد الأمس لم نلحق
- به أفلا نود غداً نصيباً أوفرا
هذي العلوم وحشوها لغو به
- من كل جيل لا يزال مسطرا
علم نعالجه بفكر جدودنا
- يبدو به الهذر القديم مكررا
إنا نريد من التقدم قسطنا
- ونريد للإسلام أن يتحررا
ونريد أن نسقي الفنون رفيعةً
- تجدي وليست طلسماً متحجرا
ما العلم إلاّ ما تراه لديك في
- لُجَجِ الحياة إذا مضت بك مثمرا
أنى لمن ألفت نواظره الدجى
- عند الخروج إلى السنا أن يبصرا
قد كان تنقيح العلوم وفحصها
- بالبحث من فرض العمامة أجدرا
للمخبر انتبهوا ولا يعنيكم
- من بعد هذا أن نبدل مظهرا
أنكون في دنيا الرقي نعامة
- نخفي الوجوه وقد عرانا ما عرا
ما ضرني إذ نحن نخدع نفسنا
- لو قلت ما أدري وفهت بما أرى
ليس التعصب للأبوة مانعي
- من أن أقول الحق فيه وأجهرا
أترى تعود إلى المريض سلامةٌ
- أم تصرع الأسقام من قد عُمَّرا؟!
5- وصية لاجئ
أنا يا بُنيَّ غدا سيطوينـي الغسـق
- لم يبق من ظل الحياة سوى رمـق
وحطام قلب عاش مشبـوبَ القلـق
- ::قد أشرق المصباح يومـا واحتـرق
جفَّـت بـه آمالـه حتـى اختنـق
..
فإذا نفضت غبار قبري عـن يـدك
- ومضيت تلتمس الطريق إلى غـدك
..
فاذكر وصية والد تحـت التـراب
- سلبـوه آمـال الكهولـة والشبـاب
- * *
مأساتنـا مأسـاة ناس أبريـاء
- وحكاية يغلـي بأسطرهـا الشقـاء
حملت إلى الآفـاق رائحـة الدمـاء
- وجريمتي كانت محاولة البقاء
أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء
..
لكـن لـثـأر نبـعـه دام هـنـا
- بين الضلوع جعلتـه كـل المنـى
..
وصبغت أحلامي به فوق الهضـاب
- وظمئت عمري ثم مت بلا شـراب
- * *
كانت لنـا دار وكـان لنـا وطـن
- ألقت بـه أيـدي الخيانـة للمحـن
وبذلـت فـي إنقـاذه أغلـى ثمـن
- بيدي دفنت أخـاك فيه بـلا كفـن
إلا الدماء ومـا ألـم بـي الوهـن
- إن كنت يوما قـد سكبـت الأدمعـا
فلأننـي حمِّلـت فقدهـمـا مـعـا
- جرحان في جنبي ثكـل واغتـراب
ولد أُضِيع وبلـدة رهـن العـذاب
- * *
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفـلا
- يجني السنا والزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماء وظـلا
- واليوم قد دهمت لك الأحداث أهـلا
ومروجك الخضراء تحني الهام ذلا
- هم أخرجوك فعد إلى من أخرجـوك
فهناك أرض كان يزرعهـا أبـوك
..
قد ذقت من أثمارها الشهـدَ المـذاب
- فـإلامَ تتركهـا لألسنـة الحـراب
- * *
حيفا تئن أما سمعـت أنيـن حيفـا
- وشممت عن بعد شذى الليمون صيفا
تبكي إذا لمحت وراء الأفْـق طيفـا
- سألته عن يوم الخلاص متى وكيفـا
هي لا تريدك أن تعيش العمر ضيفا
..
فوراءك الأرض التي غذت صباك
- وتود يوما فـي شبابـك أن تـراك
لم تنسها إيـاك اهـوال المصـاب
- ترنو ولكن مـلء نظرتهـا عتـاب
إن جئتها يوما وفي يـدك السـلاح
- وطلعت بين ربوعها مثل الصبـاح
فاهتف سلي سمع الروابي والبطـاح
- أنِّي أنا الأمس الذي ضمََدَ الجـراح
لبيك يا وطني العزيـز المستبـاح
- أولستَ تذكرنـي أنـا ذاك الغـلام
من أحرقوا مأواه في جنـح الظـلام
- بلهيب نار حولها رقـص الذئـاب
لفَّت صبـاه بالدخـان وبالضبـاب
- سيحدثونك يـا بُنـيَّ عـن السـلام
إياك أن تصغي إلـى هـذا الكـلام
- كالطفل يخدع بالمنـى حتـى ينـام
لا سِلمَ أو يجلو عن الوجه الرغـام
- صدقتهـم يومـا فآوتنـي الخيـام
وغدا طعامي من نـوال المحسنيـن
- يلقى إلي .. إلى الجيـاع اللاجئيـن
فسلامهـم مكـر وأمنهـمُ سـراب
- نشر الدمار على بلادك والخـراب
لا تبكينَّ فما بكـت عيـن الجنـاة
- هي قصة الطغيان من فجر الحيـاة
فارجع إلى بلد كنوز أبـي حصـاه
- قد كنت أرجو أن أموت على ثـراه
أمل ذوى ما كان لـي أمـل سـواه
- فإذا نفضت غبار قبري عـن يـدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غـدك
- فاذكر وصية والد تحـت التـراب
سلبـوه آمـال الكهولـة والشبـاب
ألبوم صور
• المراجع
- ديوان هاشم الرفاعي. جمع وترتيب / محمد حسن بديغش.
- ديوان هاشم الرفاعي (الأعمال الكاملة) جمع وترتيب/ عبد الرحيم جامع الرفاعي.
وصلات خارجية
1-http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=74370&r=&rc=3
2- http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=74367&r=&rc=0
3- http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=74369&r=&rc=2
4- http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=74368&r=&rc=1