مقاطعة المنتجات الإسرائيلية رافعة لبناء السيادة الوطنية
بقلم:الأسير مصطفى بدارنة
مقاومة الأحتلال مفهوم متطور عبر التاريخ
إن مقاومة الشعوب للاحتلال الجاثم على أراضيها ومقدراتها،هو مفهوم متطور عبر التاريخ،تتسع دائرته بالممارسة العملية التي تبدع بها تلك الشعوب لتنتج وتضيف إلى تراث الشعوب المناضلة دروسا ًونماذج تصبح مثلا ًتستلهمه باقي التجارب اللاحقة.
إنها فلسفة جدلية عنصرها الرئيسي والمحرك لها هو حاجة تلك الشعوب التواقة إلى الحرية للخلاص من الاحتلال بمختلف أشكاله و ممارساته وهي حاجة إنسانية بالدرجة الأولى قبل ان تتخذ بعدها الوطني وبهذا المعنى تصبح المقاومة سلوك الإنسان و نشاطه بدافع التمسك بحاجاته الانسانية المسلوبة وإصراره على استرداد حقه بالعيش بكرامة و حرية متمتعا ً بكافة حقوقه الانسانية.
ولا شك ان الاستقلال الوطني هو تتويج لعملية مقاومة متكاملة تتخذ عناوينها وتكتيكاتها في مراحلها المختلفة،تنقل الشعب المحتل إلى مرحلة جديدة مرحلة سيادته على أرض وطنه و بناء كيانه السياسي ومؤسسات دولته التي قد تتخذ شكلا ًومضمونا ً ديمقراطيا ً يكفل ويحافظ على حقوق الانسان بل يعززها ببرامج وتوجهات،وعلى عكس من ذلك تكون سلطة بأدواتها وبرامجها تبقي الشعب مثقلا ًبهمومه ومسلوبا ًلحرياته وحقوقه الاساسية....
فلسفة المقاومة
وبالعودة إلى فلسفة المقاومة وهي عنصر من حيث المبدأ يكون محل اجماع عند مختلف الشعوب المحتلة،و لكنها قد تكون موقع خلاف حين الانتقال للحديث عن تفاصيلها(أدواتها، أشكالها و تكتيكاتها).
ولا شك أن الحالة الفلسطينية ليست بمعزل عن ذلك،وهنا لن نقحم انفسنا من جديد في مجادلة مختلف وجهات النظر مؤكدين على ان المقاومة بكافة أشكالها هي حق مكفول قد أكدته مختلف الشرائع الدولية لكل الشعوب الخاضعة للاحتلال،وما تكتيكاتها وأشكالها إلا اجتهاد يقع على عاتق قيادة حركات التحرر التي عليها اشتقاقها وتحديدها.
رؤية صائبة تتلاءم مع ظروف الحالة النضالية و مختلف عناصر معادلة الصراع وبما يخدم بالنهاية الأهداف السياسية الوطنية التي تتبناها الحركة،وإن كنا في هذه المرحلة من تاريخ نضال شعبنا ندفع باتجاه تفعيل أو تقديم شكل من الأشكال فهذا لايعني بالضرورة اسقاط اشكال اخرى من حيث المبدأ وهذا يقودنا للحديث مباشرة عن موضوعة هذه المقالة،وهو المقاومة الشعبية وتحديدا ً المقاطعة الوطنية للمنتوجات الاسرائيلية،وهي مهمة ومسؤولية ليست جديدة على الوعي الوطني،بل لها جذورها بامتداد عمر الاحتلال،وقد حضرت بقوة تارة وتراجعت تارة اخرى ارتباطا ً بالحالة الوطنية ومدى اهتمام القوى الوطنية لادراجها كمهمة في برامج عملها.
ولكنها رغم كل ذلك تبقى مهمة رئيسية ومهمة تتربع في قلب مفهوم السيادة والاستقلال الوطني،لما لها من ابعاد و آثار ذات مفاعيل كبيرة في حال انجاز فعلي في تحقيقها،فهي تساهم وتؤسس لانهاء تبعية الاقتصاد الوطني بالاقتصاد الاسرائيلي،وهي تفقد الاقتصاد الاسرائيلي ثاني اكبر عملية تبادل تجاري تربطه مع السوق الفلسطيني و هي مدخل ً اضطراري ً للاقتصاد الوطني وعمليات الانتاج المحلي لان تشق طريقها في عمليات تطور وتنوع الانتاج يتطلبها السوق الفلسطيني،مما يعني زيادة متراكمة في الانتاج القومي ليساهم في حل العديد من المشكلات الوطنية أهمها رفع نسب التشغيل للأيدي العاملة وتخفيض البطالة.
وهي في النهاية إحدى تعبيرات السيادة الوطنية على السوق المحلي،وهو مفهوم يجب النظر إليه بجدية بالغةورفعه كشعار وطني واقعي يمكن انجازه وهو شعار يضاف إلى شعارات وطنية أخرى قد فرضتها الحالة الفلسطينية الراهنةوأظهرتها وثيقة الحكومة الفلسطينية الثالثة عشرة لتكريس السيادة الوطنية على الأرض الفلسطينية المحتلة بحرب الرابع من حزيران 67 تمهيداً لاعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فعليا.
برنامج الحكومة
ان برنامج الحكومة من خطط البناءوالتنميةوممارسة السلطة الوطنية مسؤولياتها لمختلف شؤون المواطنين أينما تواجدوا في الأرض المحتلة عام 67،وتحويل هذه المسؤولية إلى مواجهة مع الاحتلال بخلق واقع مادي من بنى تحتية ومؤسسات خدماتية و مشاريع تنمويةوخاصة في مناطق c هو اتجاه عمل لتكريس السيادة الفعلية يتلاقى الآن وبهذا البعد مع شعار السيادة الوطنية على السوق الفلسطيني،ما يملي على مختلف القوى والفعاليات الوطنية الرسميةوالشعبية صياغة برنامج عمل لتحقيق هذا الشعار يتم فيه ملاحظة التمايز في الأدوار التفصيلية على أرضية التكامل من جهةومراعاة خصوصية كل طرف من جهة ثانية.
بمعنى ما لا تستطيع السلطة بأدواتهاوارتباطها أن تقوم به،فإن الإرادة الشعبية بتعبيراتها المختلفة من قوى و أحزاب ومنظمات مجتمع مدني لا قيود ولا التزامات أمامها في العمل لمقاطعة المنتجات الاسرائيلية،فهذه مهمة مفتوحة أمام جماهير شعبنا تتطلب تنظيمها ومتابعتها بمختلف الوسائل وتسخير كل الأدوات اللازمة لانجازها،و كنا قد أشرنا في موضوع سابق بأن تنظيم هذه المهمة يحتاج إلى الكثير من الخطوات والإجراءات نعيد التذكير بأهمها،بدءا ً من تحديد الشعار العام لهذه المهمة وهو تنظيف السوق الفلسطيني من مختلف المنتوجات الاسرائيلية ( وليس المستوطنات فقط) التي لها بديل وطني أو عربي،وأيضا ً تكاتف جهود الجهات المعنية في صياغة قائمة تلك المنتوجات المحرمةوأن يرافق ذلك حملة إعلامية مكثفة ومتواصلة تسخر لها الوسائل الضروريةوبمشاركة مختلف القطاعات والمؤسسات و الفعاليات ذات الصلة لخلق حالة وعي وطني عام يتبنى فكرة و سلوك المقاطعة للمنتج الاسرائيلي.
إضافة إلى تشكيل مختلف اللجان الشعبية التي تأخذ على عاتقها مهمة متابعةومراقبة حركة السوق وفي قلب هذه العملية بناء لجان للتجار أنفسهم لاستعادة الدور الوطني الكبير الذي لعبه التجار في هذه المهمة تحديدا ًابان الانتفاضة الأولى،على ان تتوجه هذه العملية لعقد مؤتمر شعبي لجمهور التجار بمبادرة لجانهم ينتج عنه صياغة ميثاق شرف وطني لقطاع التجار يحدد أساس الشرف فيه «شرف المهنة» هو الامتناع عن شراءوبيع المنتوجات الاسرائيلية التي حددتها قائمة المحرمات.
لا بد أيضا ًمن صياغة لائحة عقوبات شعبية لمن تسول له نفسه الخروج عن الإرادة الوطنية تبدأ بالتعزير و التشهير مرورا ًُ بمقاطعة مصالحهم التجارية انتهاء بمصادرة تلك المنتوجات المحرمة وطنيا.
المصدر
- مقال:مقاطعة المنتجات الإسرائيلية رافعة لبناء السيادة الوطنية موقع : الركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات