مفاوضات السادات مع حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

مفاوضات السادات مع حسن البنا

بقلم: ابراهيم عيسي

يبدو أنها ليلة مهمة جدا في حياة الرئيس السادات لدرجة أنه يصفها بأنها كانت ليلة البدء لأحداث كثيرة متتابعة سمع المصريون أطرافاً منها، بعضها خافت كالهمس، وبعضها مدوٍ.. كالقنابل والمتفجرات!

ليلتها كان السادات ضابطا في سلاح الإشارة في معسكر في المعادي يحتفل مع جنوده بليلة المولد النبوي ويكمل السادات تفاصيل الليلة ويحكي:

(كنا جلوساً في إحدي غرف السلاح، نتناول العشاء ونتكلم. ودخل علينا ونحن جلوس للعشاء في ليلة مولد النبي جندي من جنود السلاح الفنيين، لم يكن موجوداً بيننا منذ بدء هذه الجلسة، وقدم إلينا صديقاً له يلتحف بعباءة حمراء لا يكاد يظهر منه شيء كثير)..

لم أكن أعرف هذا الرجل إلي ذلك اليوم، ولم يثر دخوله ولا ملبسه اهتمامي، ولم يلفت نظري.. وكل ما هناك أني صافحته ورحبت به، ودعوته إلي تناول العشاء معنا، فجلس وتناول العشاء...

وفرغنا من الطعام، ولم أعرف عن الضيف شيئاً إلا بشاشة في وجهه ورقة في حديثه وتواضعاً في مظهره.

ولكني عرفت بعد ذلك عنه شيئاً كثيراً...

فقد بدأ الرجل بعد العشاء حديثاً طويلاً عن ذكري مولد الرسول.. كان هو اللقاء الحقيقي الأول بيني وبين هذه الذكري...).

واضح مما يسرده السادات تأثره بكلام هذا الرجل لدرجة إحساسه أنها المرة الأولي التي يسمع فيها كلاما عن المولد النبوي الشريف وكأنه ما سمعه من قبل لم يكن شيئا بل مجرد كلام تقليدي لا أهمية فيه ولا منه

لكن من كان هذا الرجل ؟

يرد السادات وأنا أنقل عن كتابه الخطير والنادر (صفحات مجهولة) الذي صدر عام 1954ولن تجده مطبوعا مرة أخري بعد ذلك ربما لزحام الخطورة في كل صفحات الكتاب، إذن من كان هذا الرجل؟ يجيب السادات:

(كان في سمات هذا الرجل، كثير مما يتسم به رجال الدين:عباءته، ولحيته، وتناوله شيئاً من الدين بالحديث..لكن ليس حديثه هو وعظ المتدينين..ليس الكلام المرتب، ولا العبارات المنمقة، ولا الحشو الكثير ولا الاستشهاد المطروق، ولا التزمت في الفكرة، ولا ادعاء العمق، ولا ضحالة الهدف، ولا إحالة إلي التواريخ والسير والأخبار!.. كان حديثه شيئاً جديداً.. كان حديث رجل يدخل إلي موضوعه من زوايا بسيطة ويتجه إلي هدفه من طريق واضح.. ويصل إليه بسهولة أخاذة.. وكان هذا الرجل هو المرحوم الشيخ حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين).

تبدو سطور السادات في هذا الكتاب منبهرة بحسن البنا ومرتبطة به فعلا وجدا وهو ما يطرح أسئلة مهمة حول حقيقة العلاقة بين السادات والضباط الأحرار من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخري، فالكتاب كتب مقدمته جمال عبدالناصر شخصيا وقد أغدق في المقدمة علي السادات أوصافا من قبيل (إن شخصية السادات العبقرية لجديرة بالإعجاب خليقة بالإطراء، فعبقريته العسكرية الممتازة وشجاعته ورباطة جأشه وإخلاصه وتفانيه في خدمة المثل العليا إلي جانب قوة إرادته وتنزهه عن الغرض ورقة عواطفه وميله الغريزي للعدالة والإنصاف كل هذه الصفات جعلته أهلاً للقيام بدور مهم في التمهيد لثورة يوليو 1952 والسير بها قدماً في سبيل الحياة).

ها ما رأي أصدقائي الناصريين في هذه الأوصاف شبه الملائكية التي يسبغها عبدالناصر علي السادات، هل هناك أي تساؤل تشكيكي جديد في دور السادات في ثورة يوليو أو شيء من الاتهامات المفضلة لدي خصوم السادات حول تاريخ الرجل قبل الثورة؟!

المهم السادات يكتب عن حسن البنا وعن مفاوضات الضباط الأحرار مع الإخوان بمنتهي الصراحة والوضوح الذي وافق عليه جمال عبدالناصر بدليل كتابته لمقدمة هذا الكتاب بكل ما فيه من خبايا حاول رجال يوليو بعد ذلك التنصل منها، والثابت فيما كتبه السادات بخط يده هو حالة الانبهار التي ملأته طوال الوقت بمرشد الإخوان الأول حسن البنا، ويقول : .

(وانتحي الرجل بي ناحية، وتجاذب معي حديثاً قصيراً أنهاه بدعوتي إلي زيارته في دار جمعية الإخوان المسلمين قبل حديث الثلاثاء..كانت الجمعية إذ ذاك لاتزال في دارها القديمة التي تشغلها الآن شعبة الجوالة التابعة لها...وذهبت يوم الثلاثاء.لم أكد أضع قدمي في مدخل الدار، حتي شعرت بكثير من الرهبة، وكثير من الغموض)، ثم يواصل في موقع آخر من الكتاب (وبدأ المرحوم حسن البنا يتحدث إليّ حديثاً طويلاً عن تشكيلات الإخوان المسلمين، وأهدافه منها، وكان واضحاً في حديثه، أنه يريد أن يعرض عليّ الانضمام إلي جماعة الإخوان المسلمين، أنا، وإخواني في تشكيلنا حتي تتوحد جهودنا العسكرية والشعبية في هذه المعركة.

وكنت أنا مستعداً للإجابة عن هذا الطلب إذا وجهه إلي، فلما رأيته يكتفي بالتلميح، أوضحت له من جانبي أيضاً، أنه ليس من وسائلنا أبداً أن ندخل كجماعة ولا كأفراد في أي تشكيل خارج نطاق الجيش.

وأطرق المرحوم قليلاً ثم قال، وعلي وجهه ابتسامة تغطي تفكيراً عميقاً:

ــ من الخير لنا إذن لنجاحنا ونجاحكم أن نتشاور وأن نتكلم معاً في كل شيء.. كما أننا علي استعداد كي نعاونكم عندما تطلبون ذلك إلينا.

وبدأ بيننا تعاون كنت أنا الصلة فيه.. تعاون بدأ في تحفظ واستمر في تحفظ..

وفي خلال هذا التعاون تكشفت لي أشياء كثيرة من الأسرار الداخلية لجماعة الإخوان رغم أنه - رحمه الله - لم يحاول أن يكشف لي شيئاً منها، ولا أن يطلعني علي أي سر من أسرارهم الداخلية..

أهم هذه الأسرار، أن حسن البنا وحده كان الرجل الذي يعد العدة لحركة الإخوان، ويرسم لها سياستها ثم يحتفظ بها في نفسه.. وأن أقرب المقربين إليه لم يكن يعرف من خططه شيئاً، ولا من أهدافه شيئاً.

حتي لقد كان حسن البنا في ذلك الوقت المبكر يجمع السلاح، ويشتريه ويخزنه، ولكنه لم يكن يطلع أقرب الناس إليه من كبار الإخوان أنفسهم علي أي شيء من كل هذا..

وكان علي العكس من ذلك يستعين في هذه العمليات بإخوان من الشباب الصغار.. وكان منهم الجندي المتطوع الذي جاءني به في سلاح الإشارة أول مرة..

وكان أعوانه الصغار هؤلاء يعرفون أن ما بينهم وبينه سر علي الناس جميعاً بمن فيهم الإخوان الكبار.

فقد أدركت هذا في يوم من الأيام، كنت جالساً معه، عندما دخل علينا هذا الجندي المتطوع يحمل في يديه صندوقين مغلقين.

ورآني الجندي جالساً، فأجفل، ولكن حسن البنا قال له افتح الصناديق، ولا تخف..

ونظر الجندي إليَّ بابتسامة الأخ في الجهاد، ثم فتح صندوقيه وكان ما فيهما عينات من أنواع المسدسات.

وتأكدت في ذلك اليوم من أن الرجل يشتري سلاحاً ويخزنه ويخفيه حتي عن الإخوان.

وفرحت في نفسي بذلك..فسيأتي اليوم الذي نضرب فيه ضربتنا كرجال عسكريين.. وسيكون من أهم ما نستعين به أن نجد قوة شعبية تقف في الصف الثاني، مسلحة مدربة.

ولكن، متي يكون هذا اليوم؟ إن الأمر بحاجة إلي إعداد كامل طويل..ونحن نستعد، ونستعد، ونستعد.

ودعوتنا تجد أنصارها ببطء، ولكن في وثوق وكل شيء يجري علي وجه نطمئن إليه.

وكنا قد بدأنا نفكر في التنفيذ العملي.. فكان لابد لنا من أن نعاود الاتصال بالإخوان المسلمين لكي يكونوا هم القوة الشعبية التي تشاركنا باسم الشعب تبعات العمل الكبير).

الإخوان المسلمون إذن منذ لحظة وجودهم في الحياة السياسية المصرية رقم صعب، لايمكن لحركة أو فريق أو تيار سياسي يريد النهوض بالبلد أن يتغافل عنهم أو يتجاهلهم، بل يبدو الأمر مثل هذه الأيام تماما حيث تتجه القوي المعارضة الوطنية نحو الإخوان تستحثهم علي الانضمام للنداء الوطني بالتغيير وتناشد هذه الجماعة أن تتعاون معها، لكن المدهش أن درس التاريخ الذي نستوعبه من كتاب وذكريات السادات وضباط يوليو مع حسن البنا والإخوان هو:

1- هذه الجماعة لها أجندتها وأهدافها الخاصة منذ بدأت وهذا حقها تماما ولا يناطح هذا الحق أحد، لكن هذه الأجندة تجعل الإخوان منذ كان السادات يتفاوض معهم قبل يوليو 1952وحتي الآن يختارون دائما المواعيد الخطأ والمواقف الأكثر خطأ، ثم إن التردد سمة جذرية فيهم والتراجع ساعة الجد وعدم القدرة علي قراءة الواقع سمة أصيلة عندهم ومن ثم تطيش خطواتهم حين يتحركون وتفشل ريحهم حين يتجمدون عن الحركة، كما أنهم يتميزون بالغرور بالقوة حتي يفقدوها تدريجيا وأحيانا تماما، فيتحولون إلي الإحساس بالاستضعاف وروح الضحية فيتقوقعون حتي يفقد الآخرون فيهم أي أمل في أن يفعلوا أي شيء!

2- إن أي فريق أو تيار يعتقد أنه لايستطيع الحركة أوالتأثير إلا بتشكيل جبهة مع الإخوان فإنه يوهم نفسه وهمين: الوهم الأول، أن الإخوان يمكن أن يشكلوا جبهة مع أحد في فعل حقيقي وجذري، والوهم الثاني أنه لايمكن الحركة بغير الإخوان، فالحقيقة أن التحولات الكبري في مصر منذ يوليو 52وحتي الآن تمت دون وجود الإخوان في الصورة، الإخوان منذ خرج أنور السادات من أحد لقاءاته بالمرشد حسن البنا وحتي الآن فريق يأخذ أكثر من حجمه بينما يلعب دورا أقل من دوره !!

أعود إلي أسرار السادات وهو يذيعها قبل أن تتحول بفعل الزمن ومستجداته مجددا إلي أسرار طواها النسيان أو التناسي المتعمد، يقول السادات في كتابه (صفحات مجهولة) الصادر عن سلسلة كتب للجميع عدد رقم 84 في 1954: (وإذا قلت «الاتصال بالإخوان المسلمين» فإنما أعني الاتصال بالمرحوم حسن البنا، فلم تكن لي صلة عملية بغيره.. أو هكذا أراد حسن البنا نفسه.. فقد كان كما قلت من قبل، أحرص ما يكون علي أن يظل ما بيننا وبينه سراً خافياً علي الجميع، حتي علي كبار الإخوان أنفسهم.

وعندما بدأت الاتصال به للقيام بالعمل الفعلي الذي كان يعرف أننا ننويه، تكتم الأمر أيضا بينه وبين نفسه.فقد ذهبت إليه حينئذ في دار الإخوان وطلبت مقابلته لأمر مهم وكان الأستاذ السكري- وكيل الإخوان المسلمين - موجوداً معه، فإذا به يشير بأن أدخل إلي غرفة في مدخل الدار كانت مخصصة لشركة المعاملات الإسلامية.وبذل - رحمه الله - جهداً كبيراً لكي لا يشعر الأستاذ السكري بأي حركة غير عادية، ثم تسلل إليَّ في الغرفة من باب آخر لها، وأخذني من يدي فخرجنا متلصصين، إلي عربة نقلتنا إلي بيته بالقرب من دار الجماعة.. وأغلق البنا باب غرفته وأوصد الشبابيك ثم مال عليَّ برأسه لكي يسمع ما أردت أن أنهيه إليه.وفي تلك الليلة بسطت للمرحوم البنا كل التفاصيل وتوسعت معه في شرح دقائق الخطة العسكرية الموضوعة، وأفهمته حقيقة الدور الذي نريد أن يقوم الإخوان به، وحدود هذا الدور. وأطرق البنا طويلاً وهو يستمع لي ثم سكت فترة طويلة أخري قبل أن يتكلم.. وعندما تكلم أجهش في البكاء!!ومرت فترة وهو يتكلم..كنت أنا خلالها ذاهلا كالمسحور.

قال كلاماً كثيراً.. كلاماً مثيراً ممتزجاً بالإيمان الشديد.. وكان واضحاً جداً من كلامه أنه يؤثر مصلحة البلاد.

ولكنني عندما خرجت من عنده، سألت نفسي:

- هل وعد الرجل بشيء؟

هل احتضن خطتنا؟

- هل هو سيقوم بتنفيذ نصيب الإخوان منها؟

وحرت في الإجابة عن كل سؤال من هذه الأسئلة.. فالواقع أن الرجل تكلم كثيراً وأثر في نفسي كثيراً وبكي من أجل مصر كثيراً.. ولكنه لم يعد بشيء ولا احتضن خطتنا.

ولا أفهمني أنه مقبل علي تنفيذ نصيب الإخوان من الخطة..!

-هل كان معنا؟!

ولكنك لو سألتني حينئذ سؤالاً من هذه الأسئلة، لما استطعت أن أجيب عنه إجابة قاطعة، كما أستطيع أن أفعل .. اليوم فقد كان تأثيره الشديد في قد أبعد عن ذهني كل شك).

- هل وصل السادات لأي حاجة في مفاوضاته مع الإخوان والبنا ؟

ولا لأي حاجة !!

لا هم يتحركون كالعادة ولا يشاركون غيرهم حركة كالمعتاد !

أحسب أن السادات كان معجبا حتي الانبهار بحسن البنا مما يجعلني أعتقد أن ما فعله من فتح الباب بعد توليه الحكم لحركة الإخوان المسلمين ورهاناته علي مظاهر التدين ودولة العلم والإيمان مع بروز وتنامي الإسلام السياسي في حياته (الذي كان سببا في موته)، لم يكن هذا كله عملا سياسيا انتهازيا بضرب اليسار والناصريين وأفكار الاشتراكية بالإخوان وجماعتهم والتيار الإسلامي الذي صنعه السادات علي عينه في الجامعات المصرية، بل كان كذلك تعبيرا عن إعجاب السادات بالفكرة الدينية وتأثره بحسن البنا من جهة ومن جهة أخري تصوره المبني علي دراسة الواقع المصري أن الدعوة الدينية باب من أبواب الحصول علي الجماهيرية والشعبية فالأمر كله محصلة:

1- إيمان قديم بالفكرة الدينية 2-إعجاب معلن ومؤثر بحسن البنا 3-بحث عن زعامة مستندة إلي الإسلام 4- ضرب للتيارات والأفكار اليسارية.

يعود السادات وينقلب علي كثير من هذا منذ عقد الصلح المنفرد مع إسرائيل، ثم من جراء العداء الهائل تجاهه من الجماعات الإسلامية التي ساهم في بنائها ونشرها، ثم من خذلان الإخوان للسادات بالتخلي عنه أمام التيار الكاسح المعارض لسياساته، لكن انقلاب السادات لم ينفعه بل انتهي بمقتله في درس جديد للرجل أنه لا يمكن الرهان علي حلف مع الإخوان المسلمين وهو نفس ما ردده لنفسه وهو يصف موقف البنا في كتابه (صفحات مجهولة) : (إنه رغم عدم تقيده بأي وعد فهو معنا.. بقلبه ووجدانه وتفكيره.. وروحه أيضاً.

وكان أخطر ما أردت معرفته منه في تلك الجلسة، هو أن أعرف شيئاً عن استعداداته من حيث الأسلحة.. فقد كنت علي يقين أن الرجل يملك سلاحاً، وأنه يختزنه ويعرف كيف يخفيه.

وكانت مباراة بيني وبينه.. أنا أريد أن أعلم وأطمئن، وهو يباعد بيني وبين ما أريد مباعدة لبقة لا تكاد تشعر بها أبداً.

وفي جو الغموض والأسرار الذي كان يحوط نفسه به، ويحوط كل أعماله وكل جماعته، كان سهلاً عليه أن يقنعك بأنه يملك سلاحاً، وأن يقنعك بألا تسأل عنه أبداً.

وأن يقنعك بأنه أعد فعلاً جماعته للكفاح، وأن يقنعك بأن تحتفظ هذا سراً بينك وبين نفسك.

وأن يقنعك بأنه معتمد علي قوة كبيرة مخيفة مجهولة وأن يقنعك أيضاً بأن تؤمن بهذه القوة، دون أن تعرف عنها أي شيء).

هذه بعض صفحات أنور السادات المجهولة التي تحولت بقدرة ربنا إلي صفحاته المعلومة.. والغريب أنه لا أحد يريد أن يعلم عنها شيئا !