مضى رمضان فاستَبْقُوا خيراته

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مضى رمضان فاستَبْقُوا خيراته

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الغر الميامين وبعد.

فسرعان ما انفضَّت سوقُ رمضان بعد أن عمرت بالسلع النفسية والفرص العظيمة، والتي كانت ليلة القدر واسطة عقدها ودرة تاجها مع سائر الخيرات- طبعًا- من صيامٍ وقرآن وذكر وقيام وبر واعتكاف وغيرها.

وكم كانت سعادة الصالحين وهم يرون إقبال الناس على ربهم خلال رمضان وتعميرهم لبيوته ومسارعتهم في الخيرات وتنافسهم في الصالحات، فلنواظب جميعًا- أيها المسلمون- على ما اعتدنا من خير أيام رمضان؛ فما أحب هذا إلى الله تعالى كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ"، وكما أخبر صحابتُه عنه قائلين: "وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه".

وكان- صلى الله عليه وسلم- يحذر من انقطاع العمل ويعتبر صاحبه مضربًا للمثل في الخيبة والخذلان فيقول لابن عمـر- صلى الله عليه وسلم-: "لا تكن كفلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل"، وليجعل كل منا لنفسه نصيبًا معلومًا من كل عبادة أداها في رمضان، وليحرص عليها وليحترس من التهاون فيها.

آثار وثمار

أيها المسلمون: ما أعظم الآثار وما أطيب الثمار التي قدمها رمضان للفرد وللأمة:

أما الفرد: فقد تأصَّلت فيه كثيرٌ من المعاني الإيمانية الربانية والفضائل الخلقية السلوكية، مثل: التقوى والإخلاص وقوة الإرادة والصبر والجلد والبذل والعطاء والتسامي الروحي والاستعلاء على المادة.

وعلى مستوى الأمة: فقد خرجت من رمضان بكثيرٍ من مقومات قوتها وعافيتها ونهضتها، ومن ذلك: إذكاء روح التعاطف والتكافل والتعاون؛ فبالصيام يشعر المسلم بألم الجوع ومرارة الحرمان، فيستيقظ لديه الإحساس بغيره من الفقراء والمساكين، والضعفاء والمحتاجين فيرق لحالهم ويخف لمساعدتهم، وبزكاة الفطر تسري في المجتمع حالةٌ عجيبة من التواصل والتكافل؛ حيث يجب على المسلم إخراجها مما يزيد عن قوت يومه وهذا شرط يسير يكاد يتحقق في كل أحد، فربما يأخذ الفقير ثم يعطي من هو أفقر منه وهكذا دواليك.

تقوية الأواصر وتحقيق الوحدة: فكل ما في رمضان- تقريبًا- يصب نحو هذا الهدف السامي، حيث يلتقي الناس معًا على كثير من أعمال الخير والبر: في جماعات الصلاة (الفرائض والتراويح والتهجد)، وفي حلقات التلاوة والعلم والذكر، وعلى موائد الطعام، وفي صلاة العيد، والعجيب أن تجمع شريعتنا الغراء المسلمين في البلد الواحد على أعمالٍ واحدة في مواقيت واحدة ليس فقط في العبادات كالصلاة؛ ولكن أيضًا في العاديات كالطعام؛ حيث يلتقي الناس على وجبتي الإفطار والسحور في وقتٍ واحد- تقريبًا- فأولى بالمسلمين أن يتعلموا هذا الدرس لتقوَى أواصرهم وتتحقق وحدتهم، وما ذلك على الله بعزيز.

حاجتنا لروح رمضان

أيها المسلمون: ما أشد حاجتنا إلى استبقاء هذه الآثار والثمار المذكورة، وخاصةً في هذا الواقع الأليم المرير الذي تحياه أمتنا الآن، واقع الضعف والهوان والفرقة والتخلف، هذا الواقع الذي أغرى بها قوى الشر والاستكبار وعلى رأسها أمريكا وحليفها الشيطان الصهيوني.

ففي فلسطين: يعربد الصهاينة ويعيثون فسادًا قتلاً وأسرًا وهتكًا وهدمًا وتجريفًا وحصارًا وتجويعًا وإذلالاً، ويتصرفون منفردين حسب أهوائهم ومخططاتهم وكأن أهل فلسطين قد صاروا عدمًا أو كمًًّا مهملاً لا يؤبه به ولا يلتفت إليه، حتى المقاومة يتآمر الأعداء والعملاء على وأدها وكتم صوتها ونزع سلاحها، بل ويعلن العدو الصهيوني في وقاحةٍ وتبجح إصراره على إقصاء درة المقاومة (حماس) من مجرد المشاركة السياسية، وهيهات.. فالمقاومة تمثل الأمل الباقي والطريق الصحيح للإنقاذ والخلاص واللغة الوحيدة التي يصغي إليها الصهاينة الجبناء ويفهمونها جيدًا ويعملون لها ألف حساب.

وفي العراق: يرتكب المحتل الأمريكي أشنعَ الجرائم في حق الشعب ومنها:

- قتل عشرات الآلاف من المدنيين العزّل الأبرياء نساءً وولدانًا وشيوخًا في عمليات وحشية بربرية ليس آخرها عملية الستار الفولاذي التي تدور رحاها الآن والناس في ذهول أو غيبوبة وقد استمرءوا رؤيةَ الدم المسفوح والأشلاء الممزقة بمشاعر جامدة وأحاسيس متبلدة، رغم أن حرمة الدم المسلم أشدُّ من حرمة الكعبة المشرفة نفسها، كما عرفنا ذلك من حبيبنا وقدوتنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يناجي الكعبة يومًا منبهرًا بقداستها وحرمتها وطيب ريحها.

- وامتهان كرامة الإنسان بالسجن وهتك العرض والتعذيب في (أبو غريب) وغيره.

- وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية وتغليب بعضها على بعض لتعميق جذور الشقاق والعداء وتفتيت وحدة الشعب.

- وإشاعة الفوضى الأمنية بتدبير خبيث دنيء لتبرير استمرار الاحتلال حتى يحقق أهدافه وأطماعه، والعجيب أن تكون الفوضى الأمنية أشد في المناطق التي تتواجد فيها قوات الاحتلال بكثافة أكثر.

وفي سوريا: تتجه القوة الأمريكية الغاشمة صوبها رويدًا رويدًا حتى تضطرها إلى أضيق الطريق أو إلى ركن الحلبة رافعةً يدها مستسلمة لتتلقى ضربات الحقد والكيد بذريعة تسرب بعض أفراد المقاومة عبر حدودها، والاتهام بالتورط في جريمة اغتيال الحريري، وتستخدم أمريكا بجبروتها وغطرستها الأممَ المتحدة ألعوبةً لتنفيذ مخططاتها؛ من خلال إنشاء لجنة دولية للتحقيق في جريمة محلية حدثت نظائر لها بل أكثر مثل (قتل ياسر عرفات، واغتيال شيخ المجاهدين أحمد ياسين وأسد حماس عبد العزيز الرنتيسي وغيرهم وغيرهم) فلم تُشكل لجان دولية، ولم ينطق أحد بكلمة إدانة؛ لأن الجاني في هذه الجرائم هو هذه الدولة المدللة المنفلتة الخارجة على القانون (إسرائيل)!!

يا أمة الإسلام: هذه بعض قضايانا الساخنة وجراحنا النازفة وهمومنا الثقيلة، فما أحوجنا- يا أمة الإسلام- إلى أن نستجمع عوامل المواجهة ومقومات النصر كما ذكرها ربنا عز وجل في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا..﴾ وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

وهذه المقومات جميعها يحققها رمضان الكريم وما فيه كما ذكرنا سابقًا، ولذلك كانت أيام الإسلام الفاصلة ومعاركه الحاسمة في رمضان (بدر وفتح مكة وحطين وعين جالوت.. إلى العاشر من رمضان)؛ حيث اندحر الباطل وانتصر الحق وتبدد الظلام وعمَّ النور وانكشفت الغمة ونهضت الأمة، ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِـمَّ نُورَهُ وَلَـوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد