مرض الزعامة يعصف بحركة نجم الدين أربكان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مرض الزعامة يعصف بحركة نجم الدين أربكان

د.محمد العادل

نجم الدين أربكان

موجة الاستقالات التي هزّت أركان حزب السعادة الإسلامي في تركيا أخيرا طرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل حركة نجم الدين أربكان, التي ساهمت لسنوات طويلة في صياغة المشهد السياسي التركي، بل إن التساؤلات تجاوزت حدود تركيا لتطرح أسئلة مهمة حول مرض الزعامة الذي يعصف اليوم بهذا الحزب الإسلامي, وهي الحالة نفسها التي تتكرر في مواقع مختلفة من أنحاء العالم الإسلامي بسبب مرض الزعامة الذي ينخر جسد الكثير من الأحزاب السياسية في الساحتين العربية والإسلامية, ولا سيما الأحزاب ذات التوجه الديني.

نعمان كرطولموش الرئيس الحالي لحزب السعادة التركي

لا شك أن الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان الذي تجاوز الـ 80 عاما من العمر يمر خلال هذه الفترة بمرحلة عصيبة وهو يرى حركته تتهاوى أمام عينيه بعد أن أفنى أكثر من نصف عمره في بناء أركانها، حيث عاشت حركة أربكان مراحل ذهبية من تاريخها حينما هيمنت على المشهد السياسي لفترة من الزمن, ولا سيما منذ 1990 إلى 1997 وبرزت في إدارتها الناجحة للبلديات ثم كفاعل سياسي في أنقرة واستطاعت أن تكيّف نفسها مع الواقع السياسي لتشكل حكومات ائتلافية مع أحزاب علمانية وقومية.

مسيرة طويلة لهذه الحركة السياسية الإسلامية في تركيا عبر أسماء متعددة (حزب السلامة الوطني) ثم (حزب الرفاه) ثم (حزب الفضيلة) وحاليا (حزب السعادة), حيث اضطرت الحركة الأربكانية إلى تغيير اسمها أكثر من مرة نتيجة ملاحقة النظام العلماني لها في أنقرة وأجهزته القضائية بتهمة واحدة هي تهديد أركان ومبادئ النظام العلماني بسبب توجهاتها الدينية.

نعمان كرطولموش، شخصية سياسية شابة وأحد تلامذة نجم الدين أربكان، وهو أستاذ جامعي وخطيب مقنع اختاره أربكان ليكون قائدا لحزب السعادة بعد أن كبر في السن ومنعته المحكمة الدستورية من ممارسة العمل السياسي، وتمكّن الزعيم الجديد لحزب السعادة من الفوز بمساندة واسعة من قواعد الحزب في أول انتخابات داخلية, التي عكست بشكل جلي الرغبة الحقيقية لدى قواعد حركة أربكان في التغيير.

لكن الزعيم الجديد لحزب السعادة نعمان كرطولموش اصطدم مع أستاذه وجيل المدرسة القديمة في الحزب, حيث شعر بأنه لا يزال يقود حزب السعادة تحت وصاية أستاذه نجم الدين أربكان ورفاقه من المدرسة القديمة، ولم تتمكّن أجهزة الحزب من حلّ تلك الخلافات الداخلية أو محاصرتها حتى أصبحت حديث وسائل الإعلام والشارع السياسي التركي. الأزمة التي تعصف بحركة نجم الدين أربكان تعكس الصراع بين جيل تقليدي وجيل تجديدي إصلاحي يرفض الوصاية أو نهج التوريث, ولا سيما بعد أن تردد عبر وسائل الإعلام التركية نية أربكان في ترشيح نجله لزعامة حزب السعادة ليحوّل الحركة الأربكانية إلى شكل من أشكال الشركة الخاصة.

يبدو أن الخلط بين القيادة الدينية والسياسية في الأحزاب ذات التوجه الديني خاصة, وكذلك الزعامات الأيديولوجية والسياسية في الأحزاب العلمانية أيضا, يجعل تلك الأحزاب مرهونة لوصاية المرجعية الدينية أو الأيديولوجية ويمنعها من ممارسة الفعل السياسي بحرية, وبالتالي يغيب عنها مبدأ الديمقراطية داخل الأحزاب.

حركة أربكان عاشت انقسامات واستقالات متعددة بسبب هيمنة مؤسسها نجم الدين أربكان على إدارتها واعتماده في اختيار المحيطين به مبدأ الولاء لشخصه أولا ثم لمبادئ حركته ثانيا، وهو أمر أضعف روح المبادرة داخل الحزب وغيّب آليات المشاورة وقطع الطريق أمام الطاقات الشابة الجديدة داخل الحركة.

تلك هي حالة حزب السعادة التي دفعت مجموعة من تلاميذ نجم الدين أربكان إلى الاستقالة الجماعية قبل سنوات قليلة وأسسوا حزب العدالة والتنمية الذي يقود تركيا اليوم، وحيث إن الحركة الأربكانية لم تجدّد نفسها من الداخل ولم تتعلّم من الدرس السابق, تعيش اليوم موجة جديدة من الانقسام والأسباب واحدة.

نعمان كرطولموش تخلى عن قيادة حزب السعادة واستقال معه عدد كبير من قيادات الحزب وأعلن استعداده لتشكيل حزب جديد سيكون متصالحا مع الواقع السياسي في تركيا ومستعدا لدعم مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي, الأمر الذي فسّره المراقبون بأنها إشارة إلى إمكانية تحالفه مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة. معظم المراقبين يرون في نعمان كرطولموش شخصية سياسية واعدة في الساحة التركية, ولا يستبعدون أن يكون الزعيم المقبل لتركيا بعد انتهاء مرحلة رجب طيب أردوغان.

المصدر

صحيفة الاقتصادية الالكترونية