محمد طلبة رضوان يكتب: عمر عبد المقصود

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد طلبة رضوان يكتب: عمر عبد المقصود


(5/3/2015)

محمد طلبة رضوان

ذبحة صدرية ..

هكذا يخبرنا الطبيب، عمر عبد المقصود تعب، وحولوه على المستشفى، ثم عادوا به إلى السجن مرة أخرى، الدكتور يقول إن الذبحة الأولى، قاسية، ومؤلمة، أما الثانية فقاتلة.

لحظة .. هل تعرف عمر عبد المقصود، لا ألومك إن كانت الإجابة لا، فـ "عمر" ليس ناشطا سياسيا، ولا معارضا من أي تيار، ولا يسار، ولا إخوان، "عمر" في السياسة مقطوع من شجرة، لا عصبية له لتحميه، أو تزود عنه، أو تولول على مواقع التواصل حزنا عليه، ذلك لأنه ببساطة ليس مسيسا أصلا.

"عمر" شاب عادي، من عيال الناس، اهتماماته مثل شباب كثيرين، جينزاته، وتيشيرتاته، وشعره المربوط بتوكة، وشغل حلو، يغطي مصاريفه، وعروسة، وانتهينا.

مصور، وجد شغل عن طريق صديق في موقع جديد اسمه مصر العربية، ناشيء يبحث عن عمل، وموقع موارده قليلة يبحث عن ناشئين يرضون برواتب متوسطة، جاء، واستلم الشغل، وفي أول أوردر، قبضوا عليه!!

"عمر" مرتبط منذ اللحظة الأولى بالمظاليم، الماشين جنب الحيط، سيدة اسمها دهب، حامل، لا لها ولا عليها، جاءها طلق الولادة، نزلت للمستشفى، وهي ماشية في الشارع، مرت بجوارها مظاهرة، انتحت جانبا، وأكملت طريقها، جاءت الشرطة وقبضت على الشارع كله، عاطل في باطل، ومنهم دهب، أخبرتهم أنها على وشك الولادة، ومع ذلك لم يقتنعوا أنها ليست متظاهرة ولا يحزنون، أخذوها للمستشفى، والكلابشات في يدها، وضعت طفلتها، وهي مربوطة في السرير بأغلال الحكومة، أحدهم صورها، ونشر الصورة، المنظر كان مؤلم، صارت قضية رأي عام، الشرطة أطلقتها طبعا، فجأة لم تعد متظاهرة، منطق اللص، إذا أحس باقتراب أحدهم، رمى المسروقات وجرى، دهب التي لم تكن صاحبة قضية سمت بنتها "حرية" نكاية في عساكر النظام، أما "عمر" فأرسلناه في "مصر العربية" لتصوير "دهب" يوم سبوعها، ليجد الشرطة في انتظاره!

5 ساعات متواصلة من الضرب المبرح في قسم الشرطة، وهو لا يفهم لماذا يضرب أصلا، تلفيق قضية، إلى طره ثم إلى الحبس في نفس اليوم، أبلغوهم أنه لا يوجد في معتقل طره مكان واحد لسجين، هكذا يخبرني وهو يضحك بعد أن أفرجوا عنه، لأنه غير متهم بأي شيء، أمام التورته والجاتوه والاحتفال بعودته في الجرنال، يقول له العارفون بالعساكر: سافر، في حين يرفض مندهشا: ليه يا جدعان أنا كنت عملت إيه عشان أهرب؟

بعدها ذهب "عمر" لتغطية مباريات كرة قدم، وحفلات غنائية، وذهب مرة لتغطية مؤتمر صحفي لوزير الداخلية السابق "محمد إبراهيم"، داخل وزارة الداخلية، وكشفوا على اسمه، ووجدوه نظيفا، دخل، وصور، والتقطت له صورة وهو يصور الوزير بشكل عفوي، وكله تمام، وبعد أيام قبضوا عليه مرة أخرى .. من بيته!!

هذه المرة "عمر" متهم بحرق سيارات الشرطة في السمبلاوين، كان في القاهرة يغطي حدثا، ويشهد رئيسه المباشر، وأكثر من 50 صحفي رأوه يومها، داخل خارج، ذاهب للشغل، راجع لتسليمه، وفي الوقت نفسه يحرق سيارات الشرطة في محافظة أخرى، تسديد الخانات، وتلبيس القضايا لأي أحد بدلا من المجاهيل، يفعل أكثر من ذلك!!

"عمر" أخذ 15 سنة سجن، مؤبد، محاكمة عسكرية، صرخنا: كان هنا، في القاهرة، لا علاقة له بأي شيء، لا يعرف السياسة، لا يعرف أي شيء سوى شغله، وخطيبته التي يريد أن يتزوجها، شاب في أول العشرينات، شوفوا غيره، لبسوها لحد ثاني، إلا أن الحكم صدر، وانتهى الأمر.

نسيت أن أخبرك أنهم حين ذهبوا لأخذه من بيته وجدوا في البيت شابين آخرين، إخوة عمر، أحدهم عشريناتي مثله، والآخر 16 سنة، قبضوا عليهم بالمرة، للحفاظ على لحمة الأسرة وتماسكها داخل السجن، الآن أهل الشباب في "دوخة"، من القاهرة إلى السمبلاوين، أنفقوا عشرات الآلاف على السفر، والأكل، والمحامين، والإكراميات داخل السجن، لا يعرفون ما تهمة أولادهم، ما ذنبهم، طوال عمرهم لا علاقة لهم بالسياسة، إلا أن أحدا لا يسأل، راح العيال، الشباب، المتعوب فيهم العمر كله، راحوا، وغيبتهم السجون، بدلا من أن يفرحوا بشبابهم، ويتزوجوا، ويراعوا أبويهم.

اليوم، هو اليوم العالمي لحرية الصحافة، العالم يحتفل، ونحن نقتل، ونعتقل، الصحفيين وأهلهم، مئات الحالات مثل "عمر"، لم يفعلوا شيئا، إلا أن ورق الحكومة سليم، القضايا "متستفة"، وعلى قفا من يشيل، يخبرونك أنه ما من معتقل في مصر، كل المساجين عليهم أحكام، عليك أن تصدق، أحسن لك، أو تلحق بـ "عمر"، وإخوته.

الآن عمر على وشك الذبحة الصدرية، في بداية اعتقاله عذبوه بالكهرباء، وخلعوا ظفر له أمام أبيه الذي سقط مغشيا عليه من هول الصدمة، وحين أفاق ظل يبكي وهو الرجل العجوز، طوال الطريق، كانوا يريدون انتزاع اعتراف ما، وكان "عمر" على استعداد، إلا أنه لا يعرف بماذا يعترف، الإرهابيون الذين يحكمون مصر لم يخبروه، عذبوه حتى أصبح على وشك الموت، ثم حكموا عليه بتأبيده، ربما لأنه لم يعترف.

يا عمر ..والله العظيم لا نعرف ماذا نفعل، والله العظيم نحاول، والله العظيم نكاد نقبل الأرض بين قدمي كل من بدأوا معنا هذه الثورة، التي سجنوك انتقاما منها، كي يكملوا ما بدأوا، دون جدوى، هل أعدك بالخروج؟ لا أملك ذلك، هل أعدك بالقصاص؟ أقسم لك أنه قادم، إن لم يكن بنا، فبمن يستحق من رجال شرفاء، لا يفلسفون الهزيمة، ولا يركنون إلى رعبهم، وعد قريب.

المصدر