ماذا تقرأ؟ وكيف تكتب؟ ثم ماذا تنتظر؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ماذا تقرأ؟ وكيف تكتب؟ ثم ماذا تنتظر؟
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

قال لي صاحبي: أنا أعذر المثقَّف في هذه الأيام؛ لأنه لا يعرف ماذا يقرأ، هل يقرأ الحقيقة أم الخيال؟ وماذا يكتب، هل عنده شيء يكتبه؟ وما هو؟ يكتب عن الطقس وعن الأحوال الجوية، أم يكتب عن أسعار الخضار والفاكهة، أم يكتب عن سوق الأسماك واللحوم، وعن المشروبات والمطعومات والموائد الشهية، من المحاشي والمشويات، والمقليات والمطابخ المتنوعة، أوروبية وشرقية.. إلخ؟!

ثم قال لي صاحبي- الذي بات يسألني عن رأيي في هذه الموضوعات التي تفتح الشهية-: أليست هذه الموضوعات أفضل ألف مرة من وجع القلب، ومن حالات الإحباط، ومن عرائض الاتهام الكاذب، ومن الدواهي التي باتت تسأل عن أشخاص هنا وهناك، ومن الكوارث التي تتهيَّأ لتلتصق بعلاَّن وترتان؟!

لقد كنت أعجب كثيرًا من جبن الفأر الفاضح عندما قابله جحا، فوجده يجري حتى كاد يخلع قلبه، فسأله جحا: ما الأمر؟! وما الخبر؟! فقال الفأر: يقبضون على الجمال في جزيرة "الواق واق"، فقال له جحا: إن بينك وبين تلك الجزيرة بلادًا ووديانًا، ثم ما شأنك بالجمال؟! فقال: ومن يدري؟ ربما يحسبونني جملاً، وإلى أن يثبتوا الأمر يكون قد انكسر ظهري وذهب عقلي.

ثم قال لي: أتعلم أن الفأر كان على حق، فالعمر ليس بعزقة (أي ليس التفريط فيه سهلاً بلغة أهل مصر)، ثم قال لي: أتعرف أنني صِرْتُ أحسد كتَّاب المجلات المصورة الذين يتحدثون عن الأزياء وعن الموضات وعن الألوان والقصَّات والمكياج، ودنيا السيدات والصالونات، وعن الأفلام والممثلين والممثلات والأبطال والبطلات، الذين اكتسبوا البطولة بدون معارك ولا نزال، وعن الفنِّ والفنانين الصاعدين واللاحقين، الأحياء منهم والميتين، وعن قصص الحب والغرام، والعشق والهيام، وعن الزواج الفني، الرسمي منه والعرفي، وعن تكريم الدولة وإعطاء النياشين والأوسمة للمتفوقين في التشخيص والتمثيل وهزِّ البطن؟! هؤلاء وأولئك يعيشون في تبات ونبات، ويخلِّفون "صبيان وبنات"، والثعلب أهو فات، ولم يتهم أحدًا، أو يسجن أو يحبس أو يجوع أولاده، وتشرد بناته، وتنفضح أسرته!!.

ثم قال: أتعرف يا صديقي أنني كنت أكرهُ النفاق والمنافقين والرياء والمرائين، والخونة والخائنين، والسارقين والمرتشين، وأتهمهم بالسقوط والتفاهة، ولكني بدأت أشكُّ في نفسي وأراجع معتقداتي؛ لعلي أكون على خطأ، خاصةً وأنا أجدهم في صدر المجالس، وأرفع المناصب، وأهنأ المعايش، كلمتهم مسموعة، ورايتهم مرفوعة، ومشورتهم مقبولة، بعيدون عن زوَّار الليل، وسائلي النهار، ينعمون بالسلام والأمان، والأماني والأحلام؟!

أتعلم يا صديقي أنني كنت أكتب عن الصبر والتحمُّل والبناء والتقدم والكفاح، فأصبحت أشعر أن هذه الكلمات أصبحت كالمطارق فوق رأسي، وكالصواعق في سمائي، والرواجم في أجوائي، وأنها تجسَّدت لي اليوم سباعًا تلتهمني، وذئابًا تعوي حولي، وحياتٍ تنتشر في محيطي، وألتفت حولي فلا أجد حتى رجْع صوتي، أو صدى كلماتي.

ما كدت أسمع ما يقول هذا الذي استوقفني ليبثني ما في نفسه حتى قلت في نفسي: ما الذي أوصل هذا الإنسان المخلص الغضِّ، سليم النية والفطرة، إلى هذا الوضع اليائس، وهذه الحال البائسة، وهذه النفس المحطَّمة والنظرة الذاهلة؟! ومَن الذي بدَّل بتلك المفاهيم الخيِّرة أخرى بائسة وفاسدة؟ ومَن الذي يرد إلى هذا وأمثاله عافيتهم، ويُرجع لهم صوابهم ورشدهم، ويُعلمهم أن الطريق المستقيم سيظل مستقيمًا، وأن الرشد لا يتحوَّل إلى خطأ وإن طالت الأيام ومرَّت السنون، وقد يأتي اليسر من العسر، والفرج من الكرب، والنهار من الليل: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)﴾ (يوسف)؟!

وقد تكون هذه الفترة لازمةً وصحيةً للسائرين في طريق الهداية والرشاد؛ لينكشف المخبوء، وليحيا من حيَّ عن بيِّنة، ويهلك من هلك عن بيِّنة، لينكشف فخُّ الديمقراطية التي دندن بها سدنتها ردْحًا من الزمان، وجعلوا منها الفردوس الأعلى، والجنة الموعودة، فإذا بالسحر ينقلب على الساحر، وتتكشَّف تضاعيفها وزمزماتها، وتخرج شياطينها وأبالستها لتلعب في وضح النهار، ويراها كل ذي عينين؛ حتى يعلم عراض الأقفية (ضعيفو الفهم) أيّ الفريقين خيرٌ مقامًا وأحسن نديًّا، ويعرف كل ذي لبٍّ أن الإيمان هو الضمان للمساواة والحقوق، وأن السلام هو الشريعة التي لا تتلوَّن ولا تتعنصر، ولنكشف زيف العدالة الكاذب الذي يكيل بألف مكيال، ويزن بملايين الموازين، ويجعل الخصوم هم القضاة، والأهواء هي القوانين، وليعرف القاصي والداني أن عدالة البشر كاذبة، وقانون الناس جائر، وأن الله الحكم العدل، وشريعته هي الحق المبين قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (النساء: من الآية 135).

ثم قلت لمحدثي: إن الرجل البريء الواثق من نفسه ومن إيمانه، لا تزلزله العواصف، ولا تنال منه النكات، ولا بد أن يعتقد أن الإسلام ما جاء إلى الأرض ليشقى به الناس، بل ليسعدهم، ولا ليخيفهم بل لينعموا في ظله بالأمن والسلام والاطمئنان، وأن البشرية ستعلم قريبًا جدًّا أنها في حاجة إليه ليحميها من شرورها وشرودها، وظلمها وبغيِها، وأن الفتن مهما تجمَّعت وطالت وطأتُها، لا بد أن تنقشع وتزول، ولا بدَّ أن يظهر الحقُّ، ويُمحَى الخبيث، وينقشع ويبرز الطيب ويرتفع، ولكن من سنن الدعوات أن يمتحن الرجال، وأن العاقبة للمتقين، وأن يثبتوا لينالوا الفوز المبين، وصدق الله إذ يقول:﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾ (البقرة).

وأخيرًا..

أقول للمؤمنين في ديارهم وأوطانهم: حذارِ أن يُتَّهَم بريء، أو تُستغلَّ أوضاعٌ معينةٌ في ظلم الناس والبغي عليهم، وإخافتهم، وتصفية حسابات قديمة معهم؛ فذلك ليس في صالح أحد، كما أنه يبعث على الفساد والانحراف واليأس، وقد يؤدي إلى دوَّامة لا تُحمَد عقباها. نسأل الله الرشدَ والأمنَ والسلام.. آمين آمين.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى