ليبيا اغتيال الورفلي ـ الأبعاد والدلالات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ليبيا: اغتيال الورفلي ـ الأبعاد والدلالات


اغتيال الورفلي.jpg

نورة الحفيان

(1 أبريل، 2021)

مقدمة

في الرابع والعشرين من مارس 2021، شهد المشهد الميداني الليبي حدثاً بارزاً، تمثل في تصفية “ضابط الإعدامات” محمود الورفلي المطلوب الأول لدى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك على إثر إطلاق الرصاص عليه من طرف مسلحين مجهولين في مدينة بنغازي وفق تقارير إعلامية وما تم التصريح به من طرف المتحدث الرسمي باسم ميليشيا حفتر، الذي أكد هذا الخبر بقوله (1)  : “نؤكد خبر اغتيال المقدم محمود الورفلي (42 عاما) أحد رموز القوات الخاصة”، مطالبا جميع الأفراد التابعين لما يسمى القوات الخاصة التي كان محمود الورفلي قائدها بضبط النفس وعدم الانجرار وراء الفتن بحسب وصفه، مشددا على ضرورة اتباع تعليمات القيادة العامة وتعليمات آمر القوات الخاصة، متوعدا بالرد على مقتل الورفلي.

وتفيد رواية وسائل الإعلام الليبية ومصادر أمنية، بأن سيارة الورفلي، القيادي بميليشيا حفتر، قد تعرضت لوابل كثيف من الرصاص قرب جامعة العرب الطبية في بنغازي على يد مجموعة مسلحة كانت على متن سيارة Toyota pick-up ما أدى بالنهاية إلى مقتل الورفلي إلى جانب ابن عمه أيمن على خلفية هذا الهجوم.

تصفية بعد عودة إلى المشهد الميداني

جاء حدث تصفية الورفلي بعد أسابيع من عودته للمشهد الميداني بعد غياب لفترة، نتيجة ارتفاع الأصوات المطالبة بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك على ضوء ظهوره في فيديو تم توثيقه لحادثة تحطيمه محتويات وكيل شركة “Toyota” للسيارات ببنغازي، رفقة معاونيه. مهددا على إثرها مالك فرع وكيل الشركة بالقتل في حالة عودته إلى ليبيا، مبررا ذلك بأن المالك ينتمي لدواعش المال وأنه ينفق أمواله في الخارج بدلا من مساعدة أبناء بلده وفق تعبيره، مع اتهامه للموزع ببيع قطع الغيار للجيش الليبي بأسعار مرتفعة (2) .

وجراء ارتفاع الأصوات المنددة بظهور الورفلي من جديد، خرج مسؤول عسكري رفيع في القيادة العامة لميليشيا حفتر، ليؤكد أن ما يفعله الورفلي وما يصدر عنه لم يأت بناءً على أمر من القيادة العامة وأنه سيتعرض للعقاب نتيجة أفعاله (3) . هذه التصريحات تحمل مؤشرات واضحة إلى ما أصبحت عليه العلاقة بين حفتر والورفلي التي بدأت تتدهور منذ محاولة حفتر اعتقاله، والتحقيق معه، في ظل ارتفاع ضغوط المجتمع الدولي بضرورة تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية جراء ارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والقتل العمد خارج إطار القانون. ولتهدئة الرأي العام الدولي تم إيداعه في 2017 بمكان خاص على أنه سجن، إلى أن تم إخراجه على يد مجموعات مسلحة تابعة له بعد اكتشافه بحسب تسجيل صوتي له أدلة تفيد بوجود مخططات لتصفيته.

وعلى إثر ذلك، بدأت تتصاعد حدة الخلافات بينه وبين حفتر من جهة وأبناء هذا الأخير من جهة أخرى، وهو ما أقر به خلال تسجيل صوتي دار بينه وبين مدير مكتب حفتر، مؤكدا من خلاله على أنه جندي يتلقى الأوامر وينفذها ولم يقم بمخالفتها، مهددا بكشف المستور إذا تم تسليمه للمحكمة الجنائية وذلك باعتباره الصندوق الأسود لأسرار خليفة حفتر.

وما يؤشر لوصول العلاقة بين حفتر وساعده الأيمن السابق محمود الورفلي إلى طريق مسدود، ظهور الأخير في مقطع فيديو وهو يسجل أسماء بعض أفراد ميليشيات حفتر، ويعدهم بمنح كل واحد منهم مبلغا ماليا، نتيجة ما تعرضوا له بحسب وصفه من تهميش وإهمال من طرف القيادة العامة، واتهامه لها بعدم منحهم لحقوقهم، هذا التصريح الذي يحمل دلالة خروج الورفلي عن سيطرة حفتر وانسلاخه عنه، وبالتالي ظهوره في موقع العدو له والمنتقم منه من خلال تحريضه أفراد من الميليشيا التابعة لحفتر للتمرد على القيادة العامة (4) .

وقد جاءت تصفية الورفلي، في ظل ما يشهده الشرق الليبي، وبالضبط مدينة بنغازي، من انفلات أمني خطير، جراء تصاعد عمليات القتل والإعدامات والخطف والإخفاء القسري التي يقوم بها مسلحون مجهولون في حق المدنيين، ومن ضمنهم ناشطين حقوقيين. كما أنها جاءت في سياق بدأت من خلاله الحكومة الليبية الجديدة مهامها في توحيد البلاد سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

محمود الورفلي: سيرة ومسيرة

يُعتبر محمود الورفلي المتخرج من الكلية العسكرية في سرت، أحد أبرز القيادات المنتمية لميليشيا خليفة حفتر. فقبل 2011، كان الورفلي يعمل ضمن الكتائب الأمنية التابعة لمعمر القذافي، بحيث تحصّل على رتبة نقيب بعد تخرجه في العام 2009، كما شارك في مهمات قتالية إلى جانب كتائب القذافي في ظل الثورة الليبية. لينضم بعد ذلك إلى ميليشيا “لواء الصاعقة” وهي وحدة خاصة انشقت عن كتائب القذافي بعد انتفاضة 2011 التي أطاحت بنظامه، لتصبح بعد ذلك تحت لواء خليفة حفتر إلى أن صار من أبرز قيادييها ورائدا فيها خلال العام 2017 (5) .

وفي تطور لافت، وعلى الرغم من التصدعات التي طبعت العلاقة بين الورفلي وحفتر، فقد قام الأخير بترقيته إلى رتبة مقدم في العام 2019، وذلك في ظل احتياجه الشديد له لتنفيذ مخططاته خلال هجومه على الغرب الليبي، بحيث كلفه بتأمين طريق إمداد ميليشياته ما بين مدينتي بني وليد وترهونة (6) . هذا الأمر الذي جرّ على حفتر سيلاً من الانتقادات أبرزها تصريح صادر عن المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة التي عبرت عن أسفها لهذا التصرف، معتبرة أن هذه الترقية تبعث رسالة واضحة مفادها أن خليفة حفتر ليس له أي نية بمتابعة الورفلي قضائيا.

للورفلي سجل ضخم من الجرائم، وقد أطلقت عليه ألقاب كثيرة من أبرزها “ضابط الإعدامات” و”سفاح حفتر”، نتيجة شهرته بانتشار مقاطع فيديو له على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يقوم بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية بطريقة وحشية بحق مدنيين وأسرى. هذه المقاطع التي أثارت موجة غضب عارمة، حيث استنكرت على إثرها العديد من المنظمات الحقوقية هذه الأفعال الإجرامية، ومن أبرزها هيومن رايتس ووتش التي وثّقت العديد من الجرائم التي قامت بها القوات الخاصة التي يتزعمها الورفلي. وكانت أشهر المقاطع التي انتشرت على نطاق واسع تلك المتعلقة بإعدامه رفقة معاونيه لـ 20 محتجزا دفعة واحدة بينما كانوا راكعين على ركبهم ومعصوبي الأعين، وأيديهم مقيدة وراء ظهورهم، ويرتدون زيا برتقاليا. وفيديو آخر وهو يقوم بقتل 10 معتقلين رميا بالرصاص في عملية إعدام جماعية ببنغازي في العام 2018، بالإضافة إلى العمليات المتفرقة التي قام بها ما بين العام 2016 و2017 والتي أعدم وقتل خلالها أكثر من 43 شخصا (7) .

وعلى إثر تصاعد الجرائم التي ارتكبها محمود الورفلي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بعد تحقيق شامل حول الجرائم والانتهاكات المرتكبة من طرف مساعد حفتر، مذكرتي توقيف في حقه، الأولى في أغسطس من العام 2017، اتهمته من خلالها المحكمة بارتكاب جرائم قتل نفذها بنفسه أو بأمر منه وتصنيفها على أنها جريمة حرب، وذلك في سياق رصد المحكمة لسبع حوادث أعدم من خلالها أكثر من 30 شخصا في منطقة بنغازي. أما الثانية فقد جاءت على خلفية توثيق المحكمة لجريمة أخرى من جرائم الورفلي قام بها في يناير 2018 على إثر قتله لعشرة معتقلين رميا بالرصاص خارج مسجد بيعة الرضوان في بنغازي وعلى إثر هذه الواقعة أصدر قضاة المحكمة في يونيو 2018 أمرا باعتقال القيادي بميليشيا حفتر محمود الورفلي على خلفية ارتكابه جرائم تدخل ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدائمة.

ومع تصاعد المطالب الدولية بتسليم الورفلي ومنها دعوات من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش بالإضافة إلى دعوة الأمم المتحدة في فبراير 2018 على ضرورة تسريع تسليم الورفلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، قامت الشرطة الدولية “Interpol” من جانبها بإدراج اسم محمود الورفلي في القائمة الحمراء وضمن المطلوبين للعدالة الدولية.

فيما قامت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر 2019 بتوجيه تحذيراتها لحفتر بضرورة اعتقال محمود الورفلي وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، مطالبة بعض الدول المساعدة بإلقاء القبض عليه وتسليمه.

وفي نفس التوقيت، أي بنهاية العام 2019، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية قرارا بفرض عقوبات على محمود الورفلي، وذلك على خلفية انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا، بحيث أشارت في حيثيات القرار أن الورفلي مسؤول أو متواطئ أو مشارك بشكل مباشر وغير مباشر، في عمليات قتل وإعدام بحق محتجزين غير مسلحين منذ العام 2016. وقد شملت العقوبات التحفظ والحجز على جميع ممتلكاته ومصالحه في الولايات المتحدة أو أي مكان يقع تحت نفوذها، وحظر أي كيانات مملوكة له. وفي نفس السياق ولنفس الأسباب، فرض الاتحاد الأوروبي في سبتمبر 2020 عقوبات على المطلوب رقم 1 لدى المحكمة الجنائية الدولية وتشمل العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول (8) .

من وراء تصفية محمود الورفلي؟ وما هي الدوافع لذلك؟

توقع محمود الورفلي عملية تصفيته، وهذا ما كشفته الناشطة الليبية، نادين الفارسي لقناة ليبيا الأحرار، بحيث صرّحت في مداخلة لها بأن الورفلي أرسل لها تسجيل صوتي طلب منها نشره فور تصفيته، مفاده مكالمة جمعته مع القيادي في قوات ميليشيا حفتر، ناصر القرش، يؤكد من خلالها الورفلي له أنه سيتم اغتياله، فيما تعهد القرش بمساعدته حال عودته من القاهرة.

وتتعدد التفسيرات وراء تصفية الورفلي والمستفيد من وراء ذلك، ومن بين هذه التفسيرات:

التفسير الأول: تورط حفتر وأعوانه

أن الورفلي بات يُشَكِّل تهديدا كبيرا على وضع حفتر داخل الساحة الليبية، الذي يسعى وبشتى السبل إلى تثبيت مكانته كفاعل في المشهد السياسي الليبي خصوصا بعد الظهور في موقع المؤيد لمسارات العملية السياسية، وتجلى ذلك من خلال إعلان دعمه للحكومة الليبية الجديدة، وذلك في محاولة لتحسين صورته التي ارتبطت بجرائم لا حصر لها في المسرح الليبي منذ 2014 إلى الآن، وذلك من خلال رسمه خطة مستقبلية تجعل منه إحدى أبرز الفاعلين في المشهد الليبي لما ما بعد الاستحقاقات الانتخابية 2021 مشاركته في المسار السياسي الذي سيمهد له الطريق لتحقيق أهداف مشروعه الذي حارب من أجله لسنوات، سياسيا من خلال الاستيلاء على السلطة واقتصاديا السيطرة على مقدرات ليبيا.

ولذلك، أصبح الورفلي يُشَكِّل عبئا ثقيلا على حفتر خصوصا بعد عودته للمشهد الميداني من خلال بثه للفوضى وارتكابه لجرائم قتل واختطاف ومشاركته في عمليات تخريب لمنشآت عامة وخاصة وزرع الهلع وسط أهالي بنغازي والمدن المحيطة بها. هذا الأمر الذي وضع حفتر في قفص الاتهام من طرف قبائل الشرق التي كانت تؤيده، بحيث حملته مسؤولية تردي الوضع الأمني في بنغازي ومدن الشرق الليبي، بحيث خرجت العديد من قبائل بتصريحات في هذا الشأن ومن أبرزها قبيلة العواقير التي صرح أعيانها أنه لا يوجد داعي لوجود حفتر والأجهزة الأمنية ما داموا غير قادرين على تأمين المدينة وحماية المواطن من الأفعال الذي يرتكبها بعض الأفراد الذين خرجوا على السيطرة في إشارة إلى الورفلي وجماعته.

وفي نفس السياق أعلن أعيان مدينة المرج استنكارهم لما تشهده بنغازي من اغتيالات واعتداءات على المدنيين، كما طالبت بالتحقيق في حالات الانتهاكات والقتل خارج القانون. في حين أعلنت العبيدات في إقليم برقة وهي إحدى أكبر قبائل الشرق الليبي والتي ينحدر منها رئيس النواب عقيلة صالح، رفضها لكل الممارسات والانتهاكات التي تقوم بها عناصر تابعة لخليفة حفتر من عمليات تقتيل واختطاف واعتقالات قسرية، وانتهاكات حرمات المنازل خارج إطار القانون. كما طالبت السلطات القضائية والأمنية بالتدخل للتحقيق في حيثيات الجرائم المرتكبة وضبط وإحضار المطلوبين على ذمة هذه القضايا.

ولإطفاء غضب قبائل الشرق وعد حفتر أعيانها خلال لقاءات جمعته بهم، على أنه سيتدخل لإعادة ضبط الأمن في بنغازي والمدن المحيطة بها، وسيضرب بيد من حديد كل من يُشَكِّل تهديدا على أمن المواطن والوطن، هذا التصريح الذي يمكن اعتباره تهديدا مباشرا للورفلي، الذي أصبح عائقا كبيرا في طريقه بسبب أفعاله وممارساته التي خرجت عن سيطرته، وأصبحت تُشَكِّل تهديدا على مكانته في الشرق بل وعلى موقعه في المشهد السياسي الذي يسعى البقاء فيه لما بعد انتخابات ديسمبر 2021، عن طريق أقوى أجهزة الدولة وهي المؤسسة العسكرية إما عبر قيادة أركان الجيش أو من خلال منصب وزير للدفاع.

وحتى في حال صعوبة أو استحالة دخوله للمشهد السياسي عبر هذه البوابة، فحفتر يضع سيناريو آخر لبقائه في المشهد الليبي حتى في حالة تخلي مصر والإمارات ومعهما فرنسا عنه بحيث سيسعى للتخلص من كل القوى والأطراف التي تتمتع بقوة ونفوذ في الشرق، وبالتالي تكون بداية المهمة لتسهيل تنفيذ مخططه في هذا الجانب بتصفية الورفلي الذي كان يشكل ورقة ميدانية ضاغطة عليه وذلك في ظل ولاء العديد من أفراد الميليشيات له، وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر وقلب ليبيا إلى ساحة قتال واقتتال لبسط حفتر سيطرته وفرض نفوذه الأمني والعسكري على أراضي الشرق الليبي.

ومن ناحية أخرى، تُشَكِّل ورقة المحكمة الجنائية الدولية وقطع الطريق أمام تسليم الورفلي في ظل تعالي الأصوات الداخلية والدولية، عاملا آخرا يدفع حفتر وأبناءه خصوصا صدام لتصفية الورفلي، الصندوق الأسود لأسرار خليفة حفتر، وذلك مع ارتفاع مؤشر تخوفه من تصريحات الورفلي التي توعد فيها أكثر من مرة بفضح المستور في حال اعتقاله وتسليمه للمحكمة الجنائية، وكشف جميع المعلومات والأوامر، التي كان يكلف بها من قيادة حفتر خصوصا تلك المتعلقة بجرائم الاختطاف والاغتيال.

التفسير الثاني: تورط مخابرات دولية

فمفاده هو أن محمود الورفلي لم يُشَكِّل خطرا على حفتر وأبنائه فقط، بل الأمر يمتد إلى القوى الخارجية الداعمة لحفتر، لذلك يمكن وضع فرضية أخرى في هذا الجانب، تتأسس على أن فكرة أو مخطط التصفية هو صادر عن المخابرات المصرية أو الإماراتية أو حتى الفرنسية التي كان الورفلي على علاقة ببعضها، وذلك حتى قبل دخول حفتر للمشهد الليبي في 2014، واستمرت العلاقة بعد دخول حفتر في المشهد بحيث كان الورفلي على تواصل مباشر ودائم معهم لتنفيذ مجموعة من الأوامر المتعلقة بأعمال القتل والاغتيالات التي كان لأجهزة مخابرات هذه الدول يد فيها بالشرق الليبي.

ومن كل ذلك، فلا يشكل الورفلي صندوق أسرار حفتر وحده بل يعتبر أيضا صندوق أسرار المخابرات الأجنبية التي كان لها دور في المشهد الليبي. ولذلك فإن تزايد قلق هؤلاء في ظل تواتر أنباء عن ممارسة الإدارة الأمريكية مزيد من الضغط لتسليم الورفلي للمحكمة، يعتبر دافعا مهما لتصفيته، لأن ذلك كان سيشكل تهديدا ليس لحفتر في المشهد الداخلي فقط، بل أيضا ابتزازا لأنظمة السيسي وبن زايد ومعهم بن سلمان، من خلال فضح دلائل جرائمهم المتعلقة بمسلسل الاغتيالات التي كانت تديره شبكة المخابرات لهؤلاء الفاعلين وكانت تجند الورفلي لتنفيذ مخططاتها.

ولا يقف هدف هذه الأطراف عند التخلص من ورقة الورفلي فقط، فهناك احتمالية أخرى ممكن الإشارة إليها في هذا الجانب، تتمحور حول سعي هؤلاء للتخلص من ورقة حفتر مستقبلا إذا أصبح أمر خروجه من المشهد الليبي حتميا في ظل عدم نجاحه في ضمان مكانة له في المشهد السياسي لما بعد انتخابات 2021، والبداية تكون عبر التخلص من أذرعه العسكرية، وذلك لأن حفتر في جعبته أيضا الكثير من الأسرار التي تدين هؤلاء في جرائم مختلفة منذ 2014، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يرى البعض أن مؤشر احتمالية الرهان على حفتر أصبح ضعيفا في ظل عدم نجاح مشروعه عبر المسار العسكري. وعلى ضوء ما تعرفه التسوية السياسية من تقدم وصل إلى حد انتخاب سلطة تنفيذية جديدة وتشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، وذلك بفعل الضغوطات التي تمارسها إدارة بايدن في الملف الليبي والتي تسعى من خلاله إلى إعادة ترتيب الأوضاع والإمساك بزمام الأمور عبر المسار السياسي.

خاتمة

يُشَكِّل محمود الورفلي أحد أهم أذرع حفتر التي ساهمت في تنفيذ هجماته العسكرية وجرائمه التي تعددت وتنوعت ما بين إعدامات واغتيالات واختطاف وتعذيب وترويع للمدنيين، منذ انطلاق حملاته العسكرية في ليبيا، إلا أن حفتر يُعتبر في الوقت نفسه أحد أكبر المستفيدين من إسقاط ورقة الورفلي عبر واجهتين، واجهة محلية متمثلة في امتصاص غضب قبائل الشرق والتخلص من عبء الانقلاب عليه من طرفهم، وواجهة دولية مفادها التخلص من الضغوط الدولية التي كانت تطالبه بتسليم الورفلي للمحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي تصفية الملفات القديمة وأدلة الإثبات التي تدين حفتر وداعميه من الخارج بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ليبيا، وذلك استعدادا للمرحلة القادمة الذي يخطط من خلالها بأن يكون من أهم الفاعلين في المشهد الليبي.

الهامش

[1] – ليبيا.. اغتيال قائد في مليشيا حفتر مطلوب للجنائية الدولية، الأناضول، بتاريخ 24 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[2] – ليبيا.. قائد بقوات حفتر يدمر معرضا لشركة سيارات في بنغازي (فيديو)، الجزيرة مباشر، بتاريخ 2 مارس 2021، الرابط

[3] -قيادي تابع لحفتر “يهاجم” وكيل شركة سيارات.. ومصدر عسكري يعلّق، الحرة، بتاريخ 3 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[4] – لمزيد من التفاصيل انظر: “ضابط الإعدامات” ينقلب على قائده وحليفه.. الورفلي يتحدى حفتر ويقود ميليشيا تنشر الفوضى في بنغازي، عربي بوست، 3 أغسطس 2021، متوفر عبر الرابط: الرابط

[5] – الورفلي.. يد حفتر الضاربة المطلوبة للجنائية الدولية، الجزيرة، بتاريخ 21 مايو 2017، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[6] -ليبيا: المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية تدعو إلى تنفيذ مذكرات الاعتقال بحق القذافي وخالد والورفلي، أخبار الأمم المتحدة، بتاريخ 6 نوفمبر 2019، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[7] – لمزيد من التفاصيل حول الموضوع يمكن الاطلاع على تقرير TRT حول: “سفّاح حفتر” المطلوب للجنائية.. تعرَّفْ محمود الورفلي الذي اغتيل في بنغازي، بتاريخ 24 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

[8] – أنظر في ذلك: الحالة في ليبيا: الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية تصدر أمراً بالقبض على محمود مصطفى بوسيف الورفلي للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب، أخبار المحكمة الجنائية الدولية، بتاريخ 15 أغسطس 2017، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

الجنائية الدولية تصدر مذكرة اعتقال ثانية لقيادي بقوات حفتر، عربي 21، بتاريخ 8 أبريل 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

ولمزيد من التفاصيل أنظر: محمود الورفلي.. من يكون؟ وكيف اشتهر؟، RT عربي، بتاريخ 24 مارس 2021، متوفر عبر الرابط التالي: الرابط

المصدر