فلنؤمن بأنفسنا
كتب الأستاذ سيد قطب هذا المقال في جريدة الفكر الجديد العدد 3 ( 4 ربيع أول 1367 - 15 يناير 1948)
عشرات من الأسئلة وجهت إلينا بعد صدور العدد الأول من هذه المجلة، بل قبل صدورها: ماذا أنتم؟، هل أنتم شيوعيون؟ هل أنتم فاشيون..؟
- لا لسنا شيوعيين!
- ولكنكم تطلبون العدالة الاجتماعية، وتحملون على مظالم المجتمع!
- لا لسنا فاشيين!
- ولكنكم تحملون على مطامع روسيا في الشرق العربى، وتنادون بتحكيم الدين!
لا تدل هذه الأسئلة على شيء إلا أننا لا نؤمن بأنفسنا، لا نشعر أننا شيء في هذا الكون يحسب حسابه، فإما أن نكون ذيلا للشيوعية، وإما أن نكون ذيلا لدعوة أوروبية أخرى. أما نحن فلا شيء. ولا يجوز أن نكون شيئا! جريمة من هذه؟
جريمة جماعة من المأجورين لروسيا اليوم، ومن المأجورين لألمانيا وإيطاليا بالأمس، ومن المأجورين لإنجلترا في كل حين، ومن المأجورين لأمريكا منذ الحرب، ومن العبيد المفتونين بفرنسا لمجرد عبودية الفكر والروح!.
جريمة العبيد الذين لا يؤمنون بأنفسهم، ولا يؤمنون بتاريخهم، ولا يؤمنون بوطنهم، ولا يحسون إلا أنهم عبيد ولو كانوا في الظاهر من الأحرار!
ووظيفتنا أن نحرر هؤلاء العبيد جميعا ... عبيد الشيوعية والفاشية والرأسمالية، والإباحية. وظيفتنا أن نشعر شباب الوادى وشباب العالم العربى أنهم شيء، شيء ذو قيمة، أنهم رأس لا ذيل، أنهم يملكون أنت يمنحوا البشرية حضارة ومبادئ وقوانين واتجاهات اجتماعية وخلقية وفكرية وروحية، لأنهم ليسوا ضعفاء مهازيل، وليسوا مفلسين عاجزين، وليسوا ذيلا في القافلة، لا في العير ولا النفير!
وظيفتنا أن نطلب العدالة الاجتماعية. وسنقول في مظالم المجتمع مالا يجرؤ الشيوعيون في مصر على قوله، ولكننا لن نكون شيوعيين!
وظيفتنا أن نفضح مطامع روسيا في الشرق العربى، وخيانتها للعرب في مصر وفى فلسطين، ولكننا لن نكون دعاة استعمار!
وظيفتنا أن نؤرث الأحقاد المقدسة ضد الإنجليز والأمريكان، وضد الاستعمار في كل مكان، ولكننا لن نكون ذيلا للروس!
وظيفتنا أن نثير الاشمئزاز ضد الإباحية والتبذل والانحلال الفرنسى والأوروبى عامة، ولكننا لن نكون جامدين ولا متزمتين!
وفي اختصار ... وظيفتنا أن نؤمن بأنفسنا، وأن نرد إلى الشباب الطيب القلب، المتحمس الشعور، الخالص الضمير، ثقة بنفسه، وثقة بوطنه، وثقة بدينه، وثقة بماضيه المجيد، ومستقبله المجيد، وأن نغذى فيه الحنق على الحاضر. ومظالمه، ومآسيه، ليغير هذا المنكر الذي نعيش فيه على أسس مستمدة من ذاته ودينه وتاريخه.
وإنا لمنتصرون.